تفسير سورة الكوثر

تفسير القاسمي
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب محاسن التأويل المعروف بـتفسير القاسمي .
لمؤلفه جمال الدين القاسمي . المتوفي سنة 1332 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

١٠٨- سورة الكوثر
مكية، ويقال : مدنية، وآيها ثلاث.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الكوثر
مكية، ويقال مدنية، وآيها ثلاث.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الكوثر (١٠٨) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ أي الخير الكثير من القرآن والحكمة والنبوة والدين الحقّ والهدى وما فيه سعادة الدارين. روى ابن جرير عن أبي بشر قال: سألت سعيد ابن جبير عن الكوثر، فقال: هو الخير الكثير الذي آتاه الله إياه. فقلت لسعيد: إنا كنا نسمع أنه نهر في الجنة. فقال: هو من الخير الذي أعطاه الله إياه فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال الإمام: أي فاجعل صلاتك لربك وحده، وانحر ذبيحتك مما هو نسك لك لله وحده، فإنه هو مربيك ومسبغ نعمه عليك دون سواه، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام: ١٦٢- ١٦٣]، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ قال ابن جرير:
أي مبغضك يا محمد، وعدوك، هو الأبتر. يعني الأقل الأذل المنقطع دابره الذي لا عقب له.
روى ابن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله ﷺ يقول: (دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له. فإذا هلك انقطع ذكره) فأنزل الله هذه السورة. وعن عطاء قال: نزلت في أبي لهب. وذلك حين مات ابن لرسول الله ﷺ فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال: بتر محمد الليلة. فأنزل الله، في ذلك، السورة. وقال شمر بن عطية: نزلت في عقبة بن أبي معيط. قال ابن كثير: والآية تعم جميع من اتصف بذلك، ممن ذكر وغيرهم.
وقال الإمام: كان المستهزئون من قريش كالعاص بن وائل وعقبة بن أبي معيط
554
وأبي لهب وأمثالهم، إذا رأوا أبناء النبيّ ﷺ يموتون، ويقولون: بتر محمد، أي لم يبق له ذكر في أولاده من بعده، ويعدون ذلك عيبا يلمزونه به وينفرون به الناس من أتباعه وكانوا إذا رأوا ضعف المسلمين وفقرهم وقلتهم يستخفون بهم ويهونون أمرهم، ويعدّون ذلك مغمزا في الدين، ويأخذون القلة والضعف دليلا على أن الدين ليس بحق، ولو كان حقّا لنشأ مع الغنى والقوة، شأن السفهاء مع الحق في كل زمان أو مكان غلب فيه الجهل. وكان المنافقون إذا رأوا ما فيه المؤمنون من الشدة والبأساء يمنّون أنفسهم بغلبة إخوانهم القدماء من الجاحدين. وينتظرون السوء بالمسلمين لقلة عددهم وخلوّ أيديهم من المال. وكان الضعفاء من حديثي العهد بالإسلام من المؤمنين، تمرّ بنفوسهم خواطر السوء عند ما تشتد عليهم حلقات الضيق. فأراد الله سبحانه أن يمحص من نفوس هؤلاء، ويبكّت الآخرين، فأكد الخبر لنبيه، أن ما يخيله النظر القصير قليلا، هو الكثير البالغ الغاية في الكثرة، ليؤكد له الوعد بأنه هو الفائز وأن متبعه هو الظافر، وإن عدوه هو الخائب، الأبتر الذي يمحى ذكره ويعفى أثره.
تنبيه:
لما روي من سبب نزول هذه السورة مما رويناه، ذهب إمام اللغة ابن جنّي إلى تأويل الكوثر بالذرية الكثيرة. وهو معنى بديع فيه مناسبة لسبب النزول.
قال ابن جنّي في (شرح ديوان المتنبي) في قوله يمدح طاهر بن الحسين العلوّي:
وأبهر آيات التهامي أنه أبوك وأجدى ما لكم من مناقب
في جملة ما أملاه عليّ أبو الفضل العروضي: أن قريشا وأعداء النبيّ ﷺ كانوا يقولون: إن محمدا أبتر لا عقب له. فإذا مات استرحنا منه فأنزل الله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ أي العدد الكثير، ولست بالأبتر الذي قالوه. ومراده بالعدد الكثير الذرية وهم أولاد فاطمة. قال العروضي: فإن قيل: الإنسان بالأبناء والآباء والأمهات.
قلنا: هذا خلاف حكم الله تعالى فإنه قد قال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ، إلى قوله وَيَحْيى وَعِيسى [الأنعام: ٨٤]، فجعل عيسى من أولاد إبراهيم ومن ذريته.
ولا خلاف في أنه لم يكن لعيسى أب. انتهى.
وقد بسطنا أدلة انتساب الأسباط إلى أجدادهم في كتاب (شرف الأسباط) بما لا مزيد عليه. فراجعه.
555

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الكافرون
مكية، وآيها ست.
قال ابن كثير: ثبت في صحيح مسلم: عن جابر أن رسول الله ﷺ قرأ بهذه السورة وب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في ركعتي الطواف.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قرأ بهما في ركعتي الفجر.
وروى الإمام أحمد «١» عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بضعا وعشرين مرة أو بضع عشرة مرة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
وروى الإمام أحمد «٢» عن الحارث بن جبلة قال: قلت: يا رسول الله! علمني شيئا أقوله عند منامي. قال: إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ: قل يا أيها الكافرون، فإنها براءة من الشرك
وقد تقدم في الحديث أنها تعدل ربع القرآن. قال في (اللباب) : ووجه ذلك أن القرآن مشتمل على الأمر والنهي، وكل واحد منهما ينقسم إلى ما يتعلق بعمل القلوب وإلى ما يتعلق بعمل الجوارح، فحصل من ذلك أربعة أقسام وهذه السورة مشتملة على النهي عن عبادة غير الله تعالى، وهي من الاعتقاد، وذلك من أفعال القلوب. فكانت هذه السورة ربع القرآن على هذا التقسيم. وسيأتي في تفسير الإخلاص سر آخر.
(١) أخرجه في المسند ٢/ ٥٨. والحديث رقم ٥٢١٥.
(٢) أخرجه عن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه، ٥/ ٤٥٦.
556
Icon