ﰡ
قَوْمٌ إذا عَقَدُوا عَقداً لجارِهم | شَدّوا العِناجَ وشَدّوا فوقَه الكَرَبا |
﴿ وَأنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ واحدها حرام، قال :
فقلتُ لها فِيئى إليكِ فإنّني | حَرَامٌ وإني بعد ذاك لَبيبُ |
نقُتِّلهم جِيلاً فجِيلاً تَراهُمُ | شعائرَ قُرْبانٍ بها يُتقرَّبُ |
﴿ وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾ ولا عامدين، ويقال : أمَمَتْ. وتقديرها هَمَمَتْ خفيفة. وبعضهم يقول : يمّمت، وقال :
إنِّي كذاك إذا ما ساءني بلَدٌ | يمَّمْتُ صدرَ بَعِيرِي غيرَه بلدا |
ولقد طعَنْتَ أبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً | جَمَعَتْ فَزَارَة بَعْدَمَا أنْ يغْضَبُوا |
وَما العَيْشُ إلاّ مَا تَلَذُّ وَتَشْتَهِى | وَإنْ لاَمَ فِيهِ ذُو الشَّنَان وَفَنَّدَا |
زَلَّ بَنُو الْعَوَّامِ عَنْ آلِ الْحكَمْ | وَشَنئوا المُلْكَ لِمَلْكٍ ذِي قَدَمْ |
وَلَو كَانَ فِي دِينٍ سِوَى ذَا شَنِئْتُمُ | لنَا حَقَّنَا أَوْ غُصَّ بالماءِ شَارِبُهْ |
ليْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ | إنما المَيْتُ مَيِّتُ الأحْيَاءِ |
إنما المَيْتُ مَنْ يعِيشُ ذَليلاً | سَيِّئا بَالُهُ قَلِيلَ الرَّجَاءِ |
﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ﴾ مجازه : وما أهلَّ به لغير الله، ومعناه : وما ذُكر غيرُ اسم الله عليه إذا ذُبح أو نحر، وهي من استهلال الكلام، قال رجل، وخاصَمَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنين : " أَرَأَيْتَ مَنْ لا شَرِبَ وَلاَ أكلَ ولاَ صَاحَ فَاستهلَّ، أليسَ مثلُ ذلكمْ يُطَلُّ ". ومنه قولهم : أهَلَّ بالحجّ أي تكلَّمَ به، وأظهره من فيه.
وقال ابن أحْمَر :
يُهِلُّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا | كمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ |
ما ذُبح لغيره، كقول ابن هَرْمة :
كَمْ نَاقَةٍ قَدْ وَجَأتُ لبَّتَهَا | بِمُسْتَهِلِّ الشُّؤبُوبِ أوْ جَمَلِ |
﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ ﴾ : التي انحنقت في خناقها حتى ماتت.
﴿ وَالْمَوْقُوذَةُ ﴾ : التي تُضرَب حتى توقذ فتموت منه أو تُرمَى ؛ يقال : رماه بحجر، فوقَذه يقذه وَقْذاً ووُقوذاً.
﴿ وَالْمُتَرَدِّيَةُ ﴾ : التي تردّت فوقعت في بئر أو وقعت من جبل أو حائط أو نحو ذلك فماتت.
﴿ وَالنَّطِيحَةُ ﴾ : مجازها مجاز المنطوحة حتى ماتت.
﴿ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ﴾ وهو الذي يصيده السَّبعُ فيأكل منه ويبقى بعضُه ولم يُذكَّ، وإنما هو فريسة.
﴿ إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ : وذكاته أن تقطع أوداجه أو تنهر دمه وتذكر اسم الله عليه إذا ذبجتَه، كقوله :
نعَمْ هو ذكّاها وأنتِ أضعتِهَا ***وألهاكِ عنها خُرْفةٌ وَفطيمُ
الخُرفة اجتناء، اخترف اجتنى.
﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾ وهو واحد الأنصاب، وكان أبو عمرو يقول : نَصْب بفتح أوله ويسكن الحرف الثاني منه.
والأنصاب : الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه.
﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِاْلأَزْلاَمِ ﴾ وهو من استفعلت من قسمت أمرى، بأن أُجيل القِداح لتقسم لي أمري : أأُسافر أم أُقيم أم أغزو أو لا أغزو ونحو ذلك فتكون هي التي تأمرني وتنهاني ولكلّ ذلك قِدْحٌ معروف وقال :
ولم أقْسِم فترَ بُثَنى القَسومُ
ويقال : رَبثه يربثه رَبْثاً إذا حبسه. وواحد الأزلام : زَلَم وزُلَم لغتان وهو القِدح.
﴿ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ﴾ أي كفر.
﴿ وَرَضِيْتُ لَكُمُ اْلإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ أي اخترت لكم.
﴿ فِي مَخْمَصَةٍ ﴾ أي مَجَاعة، وقال الأعْشى :
تبَيتون في المَشْتَىِ ملاءً بطونُكم | وجاراتكمُ سُغْب يبتن خمَائِصا |
﴿ غَيْرَ مُتَجَانِف لإِثْمٍ ﴾ أي غير متعوّج مائل إليه، وكل منحرف، وكل أعوج فهو أجنف.
﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِن الجَوَارحِ ﴾ أي الصوائد، ويقال : فلان جارحة أهله أي كاسبهم، وفي آية أخرى :﴿ ومن يجترح ﴾ أي يكتسب، ويقال : امرأة أرملة لا جارح لها، أي لا كاسب لها، وفي آية أخرى :﴿ اجترحوا السيئات ﴾ كسبوا، ﴿ وَمَا جَرَحْتُمْ ﴾ أي ما كسبتم.
﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ أصحاب كلاب، وقال طُفَيْل الغَنَويّ :
تُبارى مرَاخيها الزِّجاج كأنها | ضِراءٌ أَحَسَّتْ نبأةً من مُكلِّبِ |
﴿ مُسَافحِينَ ﴾ أي زانين، والسِّفاح : الزّناء.
﴿ أُجُورَهُنَّ ﴾ : مهورهن.
﴿ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾ أي ذهب.
﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ﴾ والواحد والإثنين والجميع في الذكر والأنثى لفظه واحد : هو جُنُب، وهي جُنُب، وهما جُنُب، وهم جُنُب، وهنّ جُنُب.
﴿ أوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾ أو في سفر.
﴿ أوْ جَاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ ﴾ كناية عن إظهار لفظ قضاء الحاجة في البطن، وكذلك قوله تبارك وتعالى ﴿ أوْ لَمسْتُمْ النّسَاء ﴾ كناية عن الغشيان ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾ أي تعمدوا صعيداً، أي وجهَ الأرض، طيباً أي طاهراً.
﴿ مِنْ حَرَجٍ ﴾ أي ضِيقٍ.
﴿ وَعَزَّرْتُمُوُهمْ ﴾ : نصرتموهم وأعنتموهم ووقّرتموهم وأيّدتموهم، كقوله :
وكم مِن ماجدٍ لهم كريمٍ | ومِن لَيْثٍ يُعزَّرُ في النَّدِىِّ |
﴿ سَوَاءَ السَّبِيل ﴾ : أي وسط الطريق وقال حسان :
يا وَيحَ أَنصار النبي ونسلهِ ***بَعد المغيَّبِ في سَواءِ المُلْحَدِ
﴿ قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ أي يابسة صلبة من الخير وقال :
وقد قَسوتُ وقَسا لُدَّتِى
ولُدّتِى ولِداتى واحد، وكذلك عَسا وعَتا سواء.
﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ﴾ يزيلون.
﴿ وَنَسُوْا حَظّاً مِمَّا ذُكِرُوا بِهِ ﴾ أي نصيبهم من الدين.
﴿ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ ﴾ أي على خائن منهم، والعرب تزيد الهاء في المذكرَّ كقولهم : هو راوية للشعر، ورجل علاَّمة، وقال الكِلابيّ :
حَدَّثتَ نفسَك بالوَفاء ولم تكن | لِلغَدْر خائِنةً مُغِلَّ الإِصْبَعِ |
إلى أميرِ المؤمنين المُمْتادْ
أي الممتاح.
طَرَقا فتلك همَا همِى أقرِيهما | قُلُصاً لَواقِحَ كالقِسىِّ وحُولا |
يا ربّ فافرقْ بينه وبيني | أشَدَّ ما فرّقتَ بين اثْنين |
﴿ فَلاَ تَأسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ﴾ لا تحزنْ، يقال : أسيتُ عليه، قال العجّاج :
وانحلبتْ عيناه من فَرْط الأَسَى
﴿ أنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ﴾ أي أن تحتملَ إثمي وتفوز به، وله موضع آخر : أن تُقِرَّ به ؛ تقول : بُؤْت بذنبي، ويقال : قد أبأتُ الرجُلَ بالرجُلِ أي قتلتُه، وقد أبأ فلانٌ بفلان، إذا قتلهُ بقتِيلٍ. قال عمرو ابن حُنَيّ التَغْلِبيّ :
ألا تستحىِ منا ملوكٌ وتتَّقِى | مَحارِمَنا لا يُبَأَءُ الدَّمُ بالدَّمِ |
قال الخِنَّوْتِ، وهو تَوْبة بن مُضَرِّس، أحد بني مالك بن سعد بن زيد مَنَاة ابن تميم ؛ وإنما سمَاه الِخنَّوْتَ الأحْنَفُ بن قيس، لأن الأحنف كلّمه فلم يكلمه احتقاراً له، فقال إن صاحبكم هذا الخِنَّوْت ؛ والخِنَّوْت المتجبِّر الذاهب بنفسه، المستصغر للناس فيما أخبرني أبو عبيدة محمد بن حفص بن مَحْبُور الأسَيْدِيِّ
وَأهْلُ خِبَاءٍ صَالحٍ ذات بينهم | قد احتربوا في عاجِلٍ أنَا آجلُهْ |
فأقبلتُ في الساعِينَ أسأَل عَنْهُمُ | سُؤَالَكَ بالشيء الذي أنتَ جاهلُهْ |
﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ ﴾ مجازه : أو بغير فساد في الأرض.
{ لَمُسْرِفُونَ أي : لمفسدون معتدون.
﴿ أوْ تُقَطَعَ أيْدِيهِمْ وَأرْجُلُهُمْ ﴾ مِنْ خِلاَفٍ } يده اليمنى ورِجله اليسرى، يخالف بين قطعهما.
إذا غفَلَ الواشُونَ عُدْنَا لِوَصْلِنَا | وعادَ التصافِي بيننَا وَالوسَائلُ |
إنَّ الرِّجَالَ لهمْ إليكِ وَسِيلةٌ | أنْ يأخذُوكِ تَكَحَّليِ وَتَخَضَّبيِ |
النَّاسُ إنْ فَصَّلْتَهُمْ فَصَائِلاَ | كلٌّ إلينَا يبتغى الوَسَائِلاَ |
فإنّ لكم بيوم الشَّعْب مِنِّي | عذاباً دائماً لكم مُقِيما |
﴿ نَكَالاً مِنَ اللهِ ﴾ أي عقوبة وتنكيلا.
﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾ وهو ها هنا من الذين تهوَّدوا، فصاروا يهوداً. ﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ ﴾ : أي كُفره.
﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ﴾ أي بالعدل.
﴿ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ﴾ أي العادلين.
يقال : أقسط يُقسِط، إذا عدل، وقوله عز وجل :﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ ﴾ الجائرون الكُفّار، كقولهم هجَد : نام، وتهجَّد : سهَر.
﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالُمِونَ ﴾ : أي الكافرون، ومَن ها هنا في معنى الجميع، فلذلك كان فأولئك هم الظالمون ؛ وللظلم موضعٌ غيرُ هذا ؛ ظلمُ النَّاس بعضُهم بعضاً، وظلمُ اللَّبَنِ : أن يُمْخَص قبل أن يَرُوب، وظلمُ السائل مالا يطيق المسئول عفواً. كقول زُهَير :
ويُظْلَم أحياناً فَيَنظلمُ
والأرض مظلومة : لم ينْبَط بهان ولا أُوقِد بها نار.
﴿ لِكُلٍ ّجَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً ﴾ أي سُنة ﴿ وَمِنْهَاجاً ﴾ سبيلا واضحاً بَينّاً، وقال :
مَن يك ذا شكٍّ فهذا فَلْجُ ***ماءٌ رُواء وطَريقٌ نَهْجُ
﴿ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ ﴾، وأفتنت لغة، وقال الأعشَى أعشَى هَمْدان :
لئن فتَنَتْنى لهى بالأمس أَفتنتْ | سُعَيْداً فأَمسَى قد قَلا كلَّ مُسْلِمٍ |
يرُدّ عنك القَدرَ المقدورَا | ودائراتِ الدَّهر أنْ تدورا |
وكيفَ أَضوَى وبِلالُ حِزْبِي
قوله : أَضوى أي أنتقص وأستضعف، من الضَّوَى.
ما نَقَموا من نبي أميَّةَ إلاّ | أنهم يَحملون ان غَضِبوا |
وكنتُ إذا جارِى دعا لمَضوفةٍ | أَشَمِّر حتى يَنْصُفَ السَّاق مِئزَرِى |
﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ﴾ أي جعلنا ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ ﴾ أي كلما نصبوا حرباً.
وقلتُ عليكم مالكاً إنّ مالكا | سيَعصمكم إن كان في الناس عاصمُ |
﴿ فَلاَ تَأسَ ﴾ أي لا تَحزن. ﴿ عَلَى الْقَوْمِ الْكاَفِرِينَ ﴾، ولا تجزع، وقال العجّاج :
وَأنحَلبتْ عيناه مِن فَرْط الأَسَى***
والأسَى : الحُزن، يقال : أَسِىَ يأسَى، وأنشد :
يقولون لا تهلِكْ أسى وتجلّدِ ***
فمنَ يَكُ أَمسَى بالمدينة رَحْلُه | فإنِّي وقَيّارٌ بها لغريبُ |
وكلُّ قومٍ أَطاعوا أَمر سيِّدهم | إلاّ نُمَيراً أَطاعت أمرَ غاويها |
الظَّاعنون ولما يُظعِنوا أحداً | والقائلين لمن دارٌ نُخَلِّيها |
﴿ عَُوا وصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾ مجازه على وجهين، أحدهما أن بعض العرب يظهرون كناية الاسم في آخر الفعل مَع إظهار الاسم الذي بعد الفعل كقول أبي عمر والهذليّ " أكلُوني البَراغيثُ ". والموضع الآخَر أنه مستأنَف لأنه يتم الكلام إذا قلتَ : عَمُوا وصمّوا، ثم سكتّ، فتستأنف فتقول : كثير منهم، وقال آخرون : كثير صفةٌ للكناية التي في آخر الفعل، فهي في موضع، مرفوع فرفعت كثير بها.
﴿ فَكَفّارَتُهُ ﴾ أي فمَحوه.
﴿ وَالْمَيْسِر ﴾ أي الوجاب، أي المواجبة من وجب الشيء والأمر بقداحٍ أو بغيرها والقمارُ.
﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾، فجاء مصدراً في القرآن كلِّهِ ؛ مَن جعله صفةً على أنه مصدرٌ، ولفظه للأنثى والذكر والجميع سواء، هي عَدْلٌ وهم عدل، قال زُهَير :
متى يَشتجرْ قومٌ يقلْ سَرَوَاتُهم | هُمُ بيننا فهمْ رضاً وهُمُ عَدْلُ |
﴿ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً ﴾ مفتوح الأول، أي مثل ذلك، " فإذا كسَرت فقلت : عِدل فهو زِنَة ذلك ".
﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ أي نَكال أمره، وعذابهَ ويقال : عاقبة أمره من الشرّ.
﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ﴾ رفعٌ لأنه مُجازاتٌ فيه، فمجازُه فمن عاد فإن الله ينتقم منه، وعاد : في موضع يعود، قال قعنب بن أُم صاحب :
إنْ يَسْمَعُوا رِيبَةً طَارُوا بهَا فَرَحاً | وَإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أذنُوا |
﴿ ذُو انْتِقَام ﴾ : ذو اجتراء.
والسائبة من النَّعَمِ على نحو ذلك، إلا أنها ما وَلَدَتْ من وَلَدٍ بينها وبين ستة أولاد، فعلى هيئة أُمها وبمنزلتها، فإذا وَلَدَتِ السابعَ ذكراً أو ذَكَرَيْنِ، ونحوَه، أكله الرجال دون النساء. وإن أتأمَتْ بذكَرٍ أو أُنثَى، فهو ﴿ وَصِيلة ﴾، فلا يذبح الذكر، يترك ذبحه من أجل أخته، وإن كانتا اثنتين تُرِكتا، فلم تذبحا. وإذا وَلَدَتْ سبعةَ أبطن، كلّ بطن ذكراً وأُنثى، قالوا : قد وَصَلت أخاها، وإذا وضعت بعد سبعة أبطنٍ ذكراً أو أُنثى، قالوا : وصلت أخاها، فأَحْمَوْها وتركوها تَرْعى ولا يمسّها أحد. فإن وضعت أنثى حيّةً بعد البطن السابع، كانت مع أمها كسائر النّعم، لم تُحْمَ لا هي ولا أمُّها. وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النِّسَاءُ دون الرجال. فإن وَضَعَتْ ذكراً حيّاً بعد البطن السابع، أكله الرجالُ دون النساء ؛ وكذلك إن وَضَعَتْ ذكراً ميّتاً بعد البطن السابع، أكله الرجالُ دون النساء. وإن وَضَعَتْ ذكراً وأُنثى ميتين بعد البطن السابع، أكلهما الرجالُ والنساءُ جميعاً بالتسوية. وإن وَضَعَتْ ذكراً وأنثى حيين بعد البطن السابع، أكل الذكَرَ منها الرجالُ دون النساء، وجعلوا الأنثى مع أُمها كسائر النّعَم.
قال أبو الحسن الأثْرَم : والسائبة من العبيد، تعتقه سائبة، فلا ترثه، أي سيبّته، ولا عقل عليه.
والسائبة من جملة الأنعام : تكون من النذور، يجعلونها لأصنامهم، فتُسَيَّبُ ولا تُحبس عن رَعْىٍ، ولا عن ماءٍ، ولا يركبها أحد.
﴿ حَامٍ ﴾، والحامي من فُحُول الإبل خاصةً، إذا نتجوا منه عشرة أبطن، قالوا : قد حَمَى ظهرَه، فأَحْمَوا ظهرَهُ ووبَرَه، وكل شيء منه، فلم يمُسَّ، ولم يُرْكب، ولم يُطْرَق.
والبَحِيرة : جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدَت خمسة أبطن بحّروا أُذنها وتُرِكت، فلا يمسّها أحد ولا شيئاً منها يبَحّرُون أُذنها ؛ أي يخرمونها.
والفرع من الإبل أول ولد تضعه الناقة، يفرع لأصنامهم، أي يذبح، يقال : أفرعنا أي ذبحنا تلك. وقال آخرون : بل البَحِيرة أنّها إذ انتجت الناقة خمسة أبطن فكان آخرها سَقْباً، أي ذكراً بحّرُوا أذن الناقة، أي شقوها وخلّوا عنها، فلم تُرْكَبْ ولم يضربها فَحْلٌ، ولم تُدْفَع عن ماءٍ، ولا عن مَرْعى، وحرّموا ذلك منها، فتلقى الجائع، فلا ينحرها، ولا يركبها المُعْيِى تحرّجاً.
وقالوا : السائبة لا تكون إلاَّ من الإبل، إن مَرِضَ الرَّجل نَذَرَ، إن بَرِىء ليسيبنَّ بعيراً، أو إن قَدِمَ من سفر، أو غزوة، أو شكر رَفْعَ بلاءٍ أو نقمةٍ، سَيّب بعيراً، فكان بمنزلة البَحِيرة. وكذلك المُعْتِقُ السائبةَ في الإسلام، لا يرثه الذي يعتقه.
وقالوا : الوَصِيلةُ من الغنم خاصةً إذا ولَّدُوها ذكراً جعلوها لأصنامهم فتقرَّبوا به، وإذا ولَّدُوها أُنثى، قالوا : هذه لنا خاصةً دون آلهتنا، وإذا وَلَّدُوها ذكراً أو أنثى، قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لإلهتهم لمكانها.
وقالوا : بل ﴿ الحام ﴾ هو كما وصف في أول هذا الوجه، إلاَّ أنهم يجعلونه لأصنامهم وآلهتهم، فلا يهاج.
﴿ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ﴾ أي يختلقون الكذب على الله.
﴿ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَينِ ﴾ : واحدُها الأَوْلى، ومن قرأها : الأُولَيَان، فالواحدة منها : الأُولَى.
﴿ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ﴾ أي كمثل الطير، ومنه قولهم : دعه على هيئته.
وَحَى لها القرارَ فاستقرَّتِ ***
أي : أمرها بالقرار. يقال : وَحَى وَأَوْحَى.
﴿ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ أصلها أن تكون مفعولة، فجاءتْ فاعلة كما يقولون : تَطِليقة بائنَة، وعِيشة راضية ؛ وإنما مِيد صاحبُها بما عليها من الطعام، فيقالُ : مادَنى يَميدنى، قال رؤبة :
إلى أمير المؤمنين المُمْتَادْ ***
أي المُسْتَعطَى المسئول به، امتدتُك، ومِدْتني أنت.
﴿ وآيةً مِنْكَ ﴾ أي : علماً وعلامة.
﴿ ءَانْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونيِ وَأُمِّيَ ﴾، هذا باب تفهيم، وليس باستفهام عن جهل ليعلمه. وهو يخرج مَخرج الاستفهام، وإنما يُراد به النَّهى عن ذلك ويتهدد به. وقد عَلم قائله أكان ذلك أم لم يكن، ويقول الرجلُ لعبدهِ : أفعلت كذا؟ وهو يَعلمُ أنهُ لم يفعَله ولكن يُحَذِّرُهُ، وقال جرير :
ألستم خيرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايا | وَأَنْدَى العالمينَ بُطُونَ رَاحِ |
﴿ أتَّخِذُونيِ وَأُمِّيَ إِلهَيْنِ ﴾ إذا أشركوا فِعل ذكَر مع فعل أُنثى غُلِّبَ فعلُ الذَّكر وذكَّروهما.