تفسير سورة المائدة

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة المائدة من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة المائدة
قوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أوفوا بالعقود) يعنى: بالعهود.
قوله تعالى (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) قال: الأنعام كلها إلا ما يتلى عليكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) هي الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به.
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ماهذا الذي يتلى عليهم المستثنى من حلية بهيمة الأنعام، ولكن بينه بقوله: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) إلى قوله: (وماذبح على النصب) فالمذكورات في هذه الآية الكريمة كالموقوذة والمتردية، وإن كانت من الأنعام، فإنها تحرم بهذه العوارض.
قوله تعالى (إن الله يحكم مايريد)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إن الله يحكم مايريد) إن الله يحكم ما أراد في خلقه، وبيّن لعباده، وفرض فرائضه، وحد حدوده، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتحلوا شعائر الله)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (شعائر الله) الصفا والمروة، والهَدْى والبُدن، كل هذا من (شعائر الله).
قوله تعالى (ولا الشهر الحرام)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا قرّة عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حُميد بن عبد الرحمن عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: خطبنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر قال: "أتدرون أي يومٍ هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس يوم النحر؟ ". قلنا.
بلى. قال: "أي شهر هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغر اسمه. فقال: "أليس ذوالحجة؟ " قلنا: بلى. قال: "أي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليست بالبلدة الحرام؟ " قلنا: بلى. قال: "فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغتُ؟ قالوا: نعم. قال: "اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرُب مبلّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".
(صحيح البخاري ٣/٦٧٠ ح ١٧٤١- ك الحج، ب الخطبة أيام منى).
وانظر حديث مسلم تحت الآية رقم (٢١٧) من سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا الشهر الحرام) يعني: لا تستحلوا قتالا فيه.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (لاتحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام) قال منسوخ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج، تقلد من السمر، فلم يعرض له أحد. وإذا رجع تقلد قلادة شعر، لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لايصد عن البيت، فأمروا ألا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت، فنسخها قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) التوبة.
146
قوله تعالى (ولا الهدي ولا القلائد)
قال البخاري: حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان قالا: خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذى الحليفة قلّد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدى وأشعر وأحرم بالعمرة.
(صحيح البخاري ٣/٦٣٤ ح ١٦٩٤، ١٦٩٥- ك الحج، ب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم... ).
وقال البخارى: حدثنا أبو نعيم حدثنا أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: فَتَلتُ قلائد بُدنِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرُم عليه شيء كان أحِلّ له.
(صحيح البخاري ٣/٦٣٤ ح ١٦٩٦-ك الحج، ب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم... ).
قال مسلم: حدثنا أحمد بن يونس. حدثنا زهير. حدثنا أبو الزبير عن جابر.
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تذبحوا إلا مُسنة. إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن".
(صحيح مسلم ٣/١٥٥٥ ح ١٩٦٣- ك الأضاحي، ب سن الأضحية).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا القلائد) قال: (القلائد) اللحاء في رقاب الناس والبهائم، أمْن لهم.
قوله تعالى (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا)
قال: يبتغون الأجر والتجارة.
قوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا)
قال الشيخ الشنقيطي: يعني إن شئتم، فلا يدل هذا الأمر على إيجاب الاصطياد عند الإحلال، ويدل له الاستقراء في القرآن، فإن كل شىء كان جائزاً ثم حُرِّم لموجب، ثم أمر به بعد زوال ذلك الموجب، فإن ذلك الأمر كله في
147
القرآن للجواز نحو قوله هنا: (وإذا حللتم فاصطادوا) وقوله: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) وقوله: (فالآن باشروهن) الآية، وقوله: (فإذا تطهرن فأتوهن) الآية. وبهذا تعلم أن التحقيق الذي دل عليه الاستقراء التام في القرآن أن الأمر بالشيء بعد تحريمه يدل على رجوعه إلى ما كان عليه قبل التحريم من إباحة أو وجوب، فالصيد قبل الاحرام كان جائزا فمنع للإحرام، ثم أمر به بعد الإحلال بقوله: (وإذا حللتم فاصطادوا).
قوله تعالى (ولا يجرمنكم شنئان قوم أن عدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولا يجرمنكم شنئان قوم) يقول: لا يحملنكم بغض قوم.
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين حكمة هذا الصد، ولم يذكر أنهم صدوا معهم الهدي معكوفا أن يبلغ محله، وذكر في سورة الفتح أنهم صدوا معهم الهدي، وأن الحكمة في ذلك المحافظة على المؤمنين والمؤمنات، الذين لم يتميزوا عن الكفار في ذلك الوقت، بقوله: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه، بأن يطيع الله فيه.
قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
قال مسلم: حدثنى محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا ابن مهدى، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البر والإثم؟ فقال: "البر حسن الخلق، والإثم ماحاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
(الصحيح ٤/١٩٨٠ ح ٢٥٥٣ - ك البر والصلة، في تفسير البر والإثم).
148
قال أحمد: ثنا زيد بن يحيى الدمشقي قال: ثنا عبد الله بن العلاء قال: سمعت مسلم بن مشكم قال: سمعت الخشني يقول: قلت: يارسول الله أخبرني بما يحل لي ويحرم علي؟ قال: فصعَّد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصوب فيَّ النظر فقال: النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والأثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون". وقال: "لا تقرب لحم الحمار الأهلي، ولا ذا ناب من السباع".
(المسند ٤/١٩٤)، وأخرجه الطبراني في (الكبير ٢٢/٢١٨ ح ٥٨٢) من طريقين عن عبد الله ابن العلاء به، وقال الهيثمى عنه: رجاله ثقات (مجمع الزوائد ١/١٧٥-١٧٦)، وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير ٣/٢١٨ ح ٣١٩٨)، وصححه الألباني (صحيح الجامع ح ٢٨٧٨).
قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا معتمر، عن حميد عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً". قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تأخذ فوق يديه".
(الصحيح ٥/١١٨ ح ٢٤٤٤- ك المظالم، ب أعن أخاك ظالما أو مظلوما).
قال الترمذى: حدثنا أحمد بن محمد، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر النهشلى عن مرزوق أبي بكر التيْمي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من ردّ عن عِرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة".
(السنن٤/٣٢٧ ح ١٩٣١ - ك البر والصلة، ب ما جاء في الذب عن عرض المسلم)، وأخرجه أحمد (المسند ٦/٤٥٠) عن علي بن إسحاق عن ابن المبارك به، قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الألباني، ونقل عن المنذرى تحسينه (صحيح الجامع ح ٦١٣٨).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وتعاونوا على البر والتقوى)، (البر) ماأمرت به (والتقوى) ما نهيت عنه.
قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم)
قال مسلم: حدثنا أحمد بن يونس. حدثنا زهير. حدثنا أبو الزبير عن جابر.
ح وحدثناه يحيى بن يحيى. أخبرنا أبو خيثمة عن أبي الزبير، عن جابر. قال:
149
بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمر علينا أبا عبيدة. نتلقى عيراً لقريش. وزوّدنا جِراباً من تمر لم يجد لنا غيره. فكان أبو عبيدة يُعطينا تمرة تمرة. قال: فقلتُ: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصّها كما يمص الصبي. ثم نشرب عليها من الماء. فتكفينا يومنا إلى الليل. وكنا نضرب بعصينا الخبَط. ثم نبُلّه بالماء فنأكله. قال: وانطلقنا على ساحل البحر. فرفع بنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم. فأتيناه فإذا هي دابة تُدعى العنبر. قال: قال: أبو عبيدة: ميتة. ثم قال: لا. بل نحن رُسُل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وفي سبيل الله. وقد اضطررتم فكلوا. قال: فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاث مائة حتى سمنّا. قال: ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه، بالقلال، الدهن. ونقتطع منه الفِدر كالثور (أو كقدر الثور) فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً. فأقعدهم في وقب عينه. وأخذ ضلعاً من أضلاعه.
فأقامها. ثم رحل أعظم بعير معنا. فمرّ من تحتها. وتزوّدنا من لحمه وشائق.
فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فذكرنا ذلك له. فقال: "هو رزق وأخرجه الله لكم. فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ " قال: فأرسلنا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه. فأكله.
(صحيح مسلم ٣/١٥٣٥-١٥٣٦ ح ١٩٣٥- ك الصيد والذبائح، ب إباحة ميتات البحر)، وأخرجه البخاري (الصحيح ح ٥٤٩٤- الصيد، ب وأحل لكم صيد البحر).
والخبط: ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق الساقط خبط بالتحريك، وهو من علف الإبل. النهاية لابن الأثير ٢/٧.
وانظر حديث ابن ماجة المتقدم تحت الآية رقم (١٧٣) من سورة البقرة.
وهو حديث: "أحلت لنا ميتتان... ".
قوله تعالى (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والمنخنقة) التي تخنق فتموت.
150
قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي قال: سمعت عدىّ بن حاتم - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المعراض فقال: "إذا أصبت بحده فكلْ، فإذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا نأكل". فقلت: أرسل كلبي؟ قال: "إذا أرسلت كلبك وسمّيت فكلْ".
قلتُ: فإن أكل؟ قال: "فلا تأكل، فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه". قلتُ: أرسِل كلبي فأجد معه كلباً أخر؟ قال: "لا تأكل، فإنك إنما سميت علي كلبك، ولم تسمّ على الآخر".
(صحيح البخاري ٩/٥١٨ ح ٥٤٧٦ - ك الذبائح والصيد، ب صيد المِعراض)، (صحيح مسلم رقم ١- ك الصيد).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والموقوذة) قال: الموقوذة، التي تضرب بالخشب حتى توقذ بها فتموت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والمتردية) قال: التي تتردى من الجبل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والنطيحة) قال: الشاة تنطح شاة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وما أكل السبع) يقول: ما أخذ السبع.
قوله تعالى (إلا ما ذكيتم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إلا ماذكيتم) يقول: ما أدركت ذكاته من هذا كله، يتحرك له ذنب، أو تطرف له عين، فاذبح واذكر اسم الله عليه، فهو حلال.
قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد -أو سعد بن معاذ- أخبره أنّ جارية لكعب بن مالك
151
كانت ترعى غنماً بسلع فأصيبت شاة منها، فأدركتها فذبحتها بحجر، فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "كلوها".
(صحيح البخاري ٩/٥٤٨ ح ٥٥٠٥ - ك الذبائح والصيد، ب ذبيحة المرأة والأمة).
انظر حديث مسلم عن رافع بن خديج الآتى عند الآية (٤) من السورة نفسها، وكذا عند الآية (١٢١) من سورة الأنعام وهو هناك من رواية البخاري
وهو حديث: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل... ".
قال أحمد: ثنا يزيد بن عبد الله قال: ثنا محمد بن حرب قال: ثنا الزبيدي عن يونس بن سيف الكلاعي (ثم مريم) عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصعد في النظر ثم صوبه فقال: "نويبتة" قلت: يارسول الله نويبتة خير أو نويبتة شر؟ قال: "بل نويبتة خير". قلت: يا رسول الله أنا في أرض صيد فأرسل كلبي المعلم فمنه ما أدرك ذكاته ومنه مالا أدرك ذكاته وأرمي بسهمي فمنه ما أدرك ذكاته ومنه مالا أدرك ذكاته. فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل ماردَّت عليك يدك وقوسك وكلبك المعلم ذكياً وغير ذكى".
(المسند ٤/١٩٥)، وأخرجه أبوداود (السنن ٣/١١٠ ح ٢٨٥٦- ك الصيد، ب في الصيد) من طريق بقية عن الزبيدي به، والنسائي (السنن ٧/١٨١- ك الصيد والذبائح، ب صيد الكلب الذي ليس بمعلم) من طريق ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني بنحوه. قال: ابن كثير: وهذان إسنادان جيدان (التفسير ٣/٣٢).
قوله تعالى (وماذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (النصب) قال: الحجارة حول الكعبة يذبح عليها أهل الجاهلية، ويبدلونها إذا شاؤوا بحجارة أعجب إليهم منها.
152
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وأن تستقسموا بالأزلام) قال: كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا، كتب في قدح (هذا يأمرنى بالمكث) و (هذا يأمرنى بالخروج) وجعل معهما منيحة، شىء لم يكتب فيه شيئا، ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج. فإن خرج الذي يأمر بالمكث مكث، وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج، وإن خرج الآخر أجالها ثانية حتى يخرج أحد القدحين. ا. هـ.
والمنيحة هي الناقة أو الشاة المعارة.
قوله تعالى (ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذلكم فسق) يعني: من أكل من ذلك كله فهو فسق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) قال: أن ترجعوا إلى دينهم أبداً.
قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم)
قال البخاري: حدثى محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن قيس عن طارق بن شهاب: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرءون آية لو نزلت فينا لا تخذناها عيداً. فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت، وأين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أنزلت: يوم عرفة، وإنا والله بعرفة. قال: سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا (اليوم أكملتُ لكم دينكم).
(صحيح البخاري ٨/١١٩ ح ٤٦٠٦ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآيه)، (صحيح مسلم ٤/٢٣١٢ - ك التفسير).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) وهو الإسلام أخبر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الايمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً.
153
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) قال: أخلص الله لهم دينهم، ونفى الله المشركين عن البيت.
قوله تعالى (وأتممت عليكم نعمتي)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المشركون والمسلمون يحجون جميعاً، فلما نزلت (براءة) فنفى المشركين عن البيت وحج المسلمون لايشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين فكان ذلك من تمام النعمة: (وأتممت عليكم نعمتي).
قوله تعالى (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمن اضطر في مخمصة) يعني: في مجاعة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمن اضطر في مخمصة غر متجانف لإثم) يعني: إلى ماحُرم، مما سمي في صدر هذه الآية (غير متجانف لإثم) يقول: غير متعمد لإثم.
قوله تعالى (يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه)
قال مسلم: وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. حدثنا زكريا عن عامر، عن عدي بن حاتم. قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيد المِعراض؟
فقال: "ما أصاب بحده فكُله. وما أصاب بعرضه فهو وقيذ". وسألته عن صيد الكلب؟ فقال: "ما أمسك عليك ولم يأكل منه فكله. فإن ذكاته أخذه فإن وجدت عنده كلباً أخر، فخشيت أن يكون أخذه معه، وقد قتله، فلا تأكل.
إنما ذكرت اسم الله علي كلبك. ولم تذكره على غيره".
(صحيح مسلم ٣/١٥٣٠ بعد رقم ١٩٢٩ - ك الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، ب الصيد بالكلاب المعلمة)، (صحيح البخاري ٩/٦٣١ ح ٥٥٠٣).
154
وقال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى العنزي. حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان.
حدثني أبي عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن رافع بن خديج. قلتُ: يارسول الله إنا لاقو العدوّ غداً. وليست معنا مُدى. قال: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعجل أو أرني. ما أنهر الدم، وذكر اسم الله فكل. ليس السن والظفر. وسأحدثك أما السن فعظم. وأما الظفر فمُدى الحبشة". قال: وأصبنا نهْب إبل وغنم. فندّ منها بعير. فرماه رجل بسهم فحبسه. فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش. فإذا غلبكم منها شيء، فاصنعوا به هكذا".
(صحيح مسلم ٣/١٥٥٨ ح ١٩٦٨- ك الأضاحي، ب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم)، وأخرجه البخاري (الصحيح ٩/٦٣١ ح ٥٥٠٣).
قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أخبرنا جرير عن منصور، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عدي بن حاتم. قال: قلتُ: يارسول الله إني أُرسل الكلاب المعلمة. فيُمسكن عليّ. وأذكر اسم الله عليه. فقال: "إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه، فكل". قلتُ: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن. ما لم يشركها كلب ليس معها". قلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب. فقال: "إذا رميت بالمعراض فخزق. فكله. وإن أصابه بعرضه، فلا تأكله".
(صحيح مسلم ٣/١٥٢٩ح ١٩٢٩- ك الصيد والذبائح، ب الصيد بالكلاب المعلمة).
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا ابن فضيل عن بيان، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم. قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلتُ: إنا قوم نصيد بهذه الكلاب. فقال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرتَ اسم الله عليها، فكل مما أمسكن عليك، وإن قتلن. إلا أن يأكل الكلب. فإن أكل فلا تأكل.
فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه. وإن خالطها كلاب من غيرها، فلا تأكل".
(صحيح مسلم ٣/١٥٢٩ - ك الصيد والذبائح، ب الصيد بالكلاب المعلمة)، (صحيح البخاري ١/٣٣٥ و٩/٥٩٩ رقم ٥٤٧٥).
155
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وماعلمتم من الجوارح مكلبين) يعني بـ (الجوارح) الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها.
قال البخاري: حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت: قالوا يارسول الله: إن هنا أقواماً حديثاً عهدهم بشرك يأتونا بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا.
قال: "اذكروا أنتم اسم الله وكلوا".
تابعه محمد بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد وأسامة بن حفص.
(صحيح البخاري ١٣/٣٩١ ح ٧٣٩٨ - ك التوحيد، ب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها).
قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي التياح.
سمع مطرف بن عبد الله عن ابن المغفل قال: أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الكلاب. ثم قال: "ما بالهم وبال الكلاب"؟ ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم.
(صحيح مسلم ٣/١٢٠٠-١٢٠١ ح ١٥٧٣- ك المساقاة، ب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم) يقول: كلوا مما قتلن. إن قتل وأكل فلا تأكل وإن أمسك فأدركته حَياً فذكِّه.
قوله تعالى (... واذكروا اسم الله عليه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (واذكروا اسم الله عليه) يقول: إذا أرسلت جوارحك فقل "بسم الله" وإذا نسيت فلا حرج.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، عن أبي حذيفة، عن حذيفة قال: كنا إذا حضرنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاما لم نضع أيدينا، حتى يبدأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيضع يده، وإنّا حضرنا
156
معه مرة طعاما، فجاءت جارية كأنها تدفع. فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدها. ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع. فأخذ بيده. فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه. وإنه جاء بهذه الجارية وليستحل بها. فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابى وليستحل به. فأخذت بيده، والذي نفسى بيده إن يده في يدي مع يدها".
(الصحيح ٣/١٥٩٧ ح ٢٠١٧ - ك الأشربة، ب آداب الطعام والشراب وأحكامهما).
قال أبوداود: حدثنا مؤمل بن هشام: ثنا إسماعيل، عن هشام -يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي- عن بديل، عن عبد الله بن عبيد، عن امرأة منهم يقال: لها أم كلثوم، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره".
(السنن ٣/٣٤٧ ح ٣٧٦٧- ك الأطعمة، ب التسمية على الطعام)، وأخرجه الترمذي (السنن ٤/٢٨٨ ح ١٨٥٨ - ك الأطعمة، ب ماجاء في التسمية على الطعام) من طريق وكيع. والحاكم (المستدرك ٤/١٠٨ - ك الأطعمة) من طريق عفان، كلاهما، عن هشام الدستوائي به، وعند الترمذي زيادة وهي: قصة الأعرابى الذي أكل طعام السته بلقمتين. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال ابن القيم. حديث صحيح (زاد المعاد ٢/٣٩٧) وصححه السيوطي (الجامع الصغير فيض القدير١/٢٩٦ ح ٤٧٦) وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح ١٥١٣، ١٥١٤).
قوله تعالى (وطعام الذين آوتوا الكتاب حل لكم)
انظر حديث إهداء اليهود الشاة المسمومه للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سورة البقرة آية (٨٠).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) قال: ذبائحهم.
قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام، حدثنا قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: ولقد رهن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرعه بشعير، ومشيت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخبزِ شعيرٍ وإهالة سنخة. ولقد سمعته يقول: "ما أصبح لآل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا صاع ولا أمسى، وإنهم لتسعة أبيات".
(الصحيح ٥/١٦٦ ح ٢٥٠٨- ك الرهن، ب في الرهن في الحضر). والأهالة السنخة هي:
157
قال أبوداود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلى، ثنا زهير، ثنا سماك بن حرب، حدثني قبيصة بن هلب عن أبيه، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسأله رجل فقال: إن من الطعام طعاماً أتحرّج منه، فقال: "لا يتحلّجنّ في صدرك شىء ضارعت فيه النصرانية".
(السنن ٣/٣٥١ ح ٣٧٨٤ - ك الأطعمة، ب في كراهية التقذر للطعام)، وأخرجه الترمذى (السنن ٤/١٣٣-١٣٤ح ١٥٦٥ - ك السير، ب ما جاء في طعام المشركين) من طريق شعبة. وابن ماجة (السنن ٢/٩٤٤ ح ٢٨٣٠ ك الجهاد، ب الأكل في قدور المشركين) من طريق سفيان. وأخرجه أحمد (المسند ٥/٢٢٦) من طريق زهير، كلهم عن سماك بن حرب به. قال الترمذي: حديث حسن.
وكذا حسنه الألبانى (صحيح سنن الترمذى ح ١٢٧٠).
قوله تعالى (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن)
قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) قال: من الحرائر. ا. هـ.
وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وسفيان هو الثوري، ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أتيتموهن أجورهن) يعني: مهورهن.
قوله تعالى (محصنين غير مسافحين ولامتخذي أخدان)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (محصنين غير مسافحين) يعني: ينكحوهن بالمهر والبينة غير مسافحين متعالنين بالزنا (ولا متخذي أخدان) يعني: يسرون بالزنا.
قوله تعالى (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين)
أخرج الطبري بسنده الصحيِح عن مجاهد في قوله: (ومن يكفر بالإيمان) قال: من يكفر بالله.
158
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة أن المرتد يحبط جميع عمله بردته من غير شرط زائد، ولكنه أشار في موضع أخر إلى أن ذلك فيما إذا مات علي كفر، وهو قوله: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر).
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين..)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) يقول: قمتم وأنتم على غير طهر.
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقبل صلاة مَن أحدث حتى يتوضأ". قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط.
(صحيح البخاري ١/٢٨٢-٢٨٣ ح ١٣٥ ك الوضوء، ب لا تقبل صلاة بغير طهور)، (صحيح مسلم ١/٢٠٤ ح ٢٢٥- ك الطهارة، ب وجوب الطهارة للصلاة).
قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري (واللفظ لسعيد) قالوا: حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، قال: دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض. فقال: ألا تدعو الله لي، يا ابن عمر؟ قال: إني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول". وكنت على البصرة.
(الصحيح ١/٢٠٤ ح ٢٢٤ - ك الطهارة، ب وجوب الطهارة للصلاة).
وقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. حدثنا سفيان عن علقمة ابن مرثد. ح وحدثني محمد بن حاتم (واللفظ له) حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الصلوات يوم الفتح بوُضوء واحد. ومسح على خفيه. فقال له عمر: لقد صنعتَ اليوم شيئاً لم تكن تصنعه. قال: "عمداً صنعته يا عمر".
(صحيح مسلم ١/٢٣٢ ح ٢٧٧ - ك الطهارة، ب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد).
159
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير عن الليث عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن سعد بن إبراهيم عن نافع بن جبير عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة قال: ذهب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبعض حاجته فقمت أسكب عليه الماء -لا أعلمه إلا قال: في غزوة تبوك- فغسل وجهه وذهب يغسل ذراعيه، فضاق عليه كمّا الجبّة، فأخرجهما من تحت فغسلهما، ثم مسح على خفيه.
(صحيح البخاري ٧/٧٣١ ح ٤٤٢١ - ك المغازي، ب٨١).
وقال البخاري: حدثنا أبو النعمان عارم بن الفضل قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال: تخلف عنّا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار". مرتين أو ثلاثاً.
(صحيح البخاري ١/١٧٣ ح ٦٠- ك العلم، ب من رفع صوته بالعلم).
قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن نُعيم المجمر قال: رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال إني سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن أمتي يُدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل".
(صحيح البخاري ١/٢٨٢-٢٨٣ ح ١٣٦ - ك الوضوء، ب فضل الوضوء والغر المحجلون..)، وقد أخرجه مسلم بأطول منه وفيه قصه سلامه على الموتى وفيه موضع الشاهد (الصحيح ١/٢١٨ - الطهارة، ب استحباب الغرة والتحجيل في الوضوء).
وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال: أخبرنا أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة قال: أخبرنا ابن بلال -يعني سليمان- عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غَرفة من ماء فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء فرش
160
على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله -يعني اليسرى- ثم قال هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتوضأ.
(صحيح البخاري ١/٢٩٠ ح ١٤٠- ك الوضوء، ب غسل الوجه باليدين).
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر. ومن استجمر فليوتر. وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يُدخلها في وضوئه فإن أحدكم لايدري أين باتت يده".
(صحيح البخاري ١/٣١٦ ح ١٦٢- ك الوضوء، ب الإستجمار وتراً)، (وصحيح مسلم ١/١٦٠-١٦١ - ك الطهارة، ب كراهة غمس المتوضيء وغيره يده المشكوك في نجاستها في الأناء).
وقال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسى قال: حدثني إبراهيم ابن سعد عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أن حُمران مولى عثمان أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ علي كفّيه ثلاث مرار فغسلهما ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرارٍ، (ثم) مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدّث فيهما نفسه، غفر له ماتقدم من ذنبه".
(صحيح البخاري ١/٣١١-٣١٢ ح ١٥٩ - ك الوضوء، ب الوضوء ثلاثا ثلاثا)، (صحيح مسلم ١/٢٠٤ ح ٢٢٦ - ك الطهارة، ب صفة الوضوء وكماله).
وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: توضأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرةً مرةً.
(صحيح البخاري ١/٣١١ ح ١٥٧ - ك الوضوء، ب الوضوء مرة مرة).
وقال البخاري: حدثنا حسين بن عيسى. قال: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا فُليح بن سليمان عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عبّاد بن تميم عن عبد الله بن زيد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توضأ مرّتين مرتين.
(صحيح البخاري ١/٣١١ ح ١٥٨ - ك الوضوء، ب الوضوء مرتين مرتين).
161
وقال البخاري: حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المنبر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى: فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر اليه".
(الصحيح ١/١٥ ح ١ - ك بدء الوحي، ب كيف كان بدأ الوحي إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، وأخرجه مسلم (الصحيح - ك الإمارة، ب قوله: "إنما الأعمال بالنية").
قال مسلم: حدثني سلمة بن شبيب، حدثنا الحسن بن محمد بن أعين، حدثنا معقل عن أبي الزبير، عن جابر، أخبرني عمر بن الخطاب: أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه. فأبصره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ارجع فأحسن وضوءك".
فرجع ثم صلى.
(الصحيح ١/٢١٥ ح ٢٤٣ - ك الطهارة، ب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة).
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وإسحاق بن إبراهيم وأبو كريب.
جميعاً عن أبي معاوية، ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع (واللفظ ليحيى) قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم، عن هَمّام، قال: بال جرير. ثم توضأ. ومسح على خفيه. فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بال، ثم توضأ ومسح على خفيه.
قال الأعمش: قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.
(الصحيح ١/٢٢٧-٢٢٨ ح ٢٧٢- ك الطهارة، ب المسح على الخفين).
162
قال الترمذي: حدثنا يحيى بن موسى: حدثنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن عامر بن شقيق عن أبي وائل، عن عثمان بن عفان: "أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُخلل لحيته".
(السنن ١/٤٦ ح ٣١ - ك الطهارة، ب ما جاء في تخليل اللحية)، وأخرجه ابن ماجة (السنن ١/١٤٨ ح ٤٣٠ - ك الطهارة، ب ما جاء في تخليل اللحية) من طريق محمد بن أبي خالد عن عبد الرزاق به وأحمد في المسند (انظر تفسير ابن كثير ٣/٤٤) عن عبد الرزاق به؛ وابن خزيمة في صحيحه ١/٧٨ ح ١٥١، ١٥٢)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ٢/٢٠٦ ح ١٠٧٨)، والحاكم في (المستدرك ١/١٤٨-١٤٩) من طريق الإمام أحمد. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ونقل ابن كثير تحسينه عن البخاري (التفسير ٣/٤٤). وقال الحاكم: هذا إسناد صحيح. وقال ابن الملقن: هذا الحديث حسن (البدر المنير ٣/٣٩٤)، وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح ٢٨).
قوله تعالى (وإن كنتم جنباً فاطهروا... )
قال أبو داود: محمد بن مهران البزاز الرازي، حدثنا مبشر الحلبي، عن محمد أبي غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، حدثني أبي بن كعب - رضي الله عنه - أن الفتيا التي كانوا يُفتون: إن الماء من الماء، كانت رخصة رخصها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدُ. (السنن ١/٥٥ ح ٢١٥ - ك الطهارة، ب في الإكسال)، وأخرجه الترمذي (١/١٨٣-١٨٤ ح ١١٠، ١١١)، وابن ماجة (١/٢٠٠ ح ٦٠٩)، وأحمد في المسند (٥/١١٥) ثلاثتهم من طريق الزهري عن سهل به. وأخرجه الطبراني في (الكبير ١/١٦٨ ح ٥٣٨) عن عبد الرحمن بن سلم، عن محمد بن مهران -شيخ أبي داود- عن مبشر به. قال الترمذى: حسن صحيح. وصححه ابن خزيمة (الصحيح ١/١١٣-١١٤)، وابن حبان أيضاً (الإحسان ٢/٢٤٤)، وأخرجه أيضاً الضياء المقدسي من طريق محمد المهران (المختارة ٣/٣٨٢ ح ١١٧٧). وقال الإسماعيلي: صحيح على شرط البخاري (فتح الباري ١/٣٩٧) وفيه علة ذكرها الحافظ ابن حجر، ثم قال: وفى الجملة هو إسناد صالح لأن يحتج به (الفتح ١/٣٩٧)، وصححه الألباني (صحيح سنن ابن ماجة رقم ٤٩٣).
انظر تفسير سورة النساء آية ٤٣ قوله تعالى (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا).
163
قوله تعالى (... وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً)
قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: خرجنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على التماسه. وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ماصنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فخذي. فقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فقال: أسيد ابن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قال: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه، فإذا العِقد تحته.
(صحيح البخاري ٨/١٢١ ح ٤٦٠٧ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية).
قال ابن أبي حاتم: ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا وكيع، عن سفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله (أو لامستم النساء) قال: هو الجماع.
(وصحح إسناده الحافظ ابن حجر (الفتح ٨/٢٧٢).
قال الحافظ ابن حجر: وروى عبد الرزاق من طريق بكر بن عبد الله المزني قال: قال ابن عباس: إن الله حيي كريم يكني عما شاء، الدخول والتغشي والافضاء والمباشرة والرفث واللمس: الجماع...
(وإسناده صحيح (الفتح ٨/١٥٨/ و٨/٣٧٢)، وإسناده في المصنف عن الثوري عن عاصم الأحور عن بكر بن عبد الله المزني (انظر مصنف عبد الرزاق ٢٧٧ رقم ١٠٨٢٦).
164
وانظر حديثى البخاري في تفسير سورة النساء آية (٤٣) قوله تعالى (فتيمموا صعيدا طيبا).
قوله تعالى (مايريد الله ليجعل عليكم من حرج)
أخرج أدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (من حرج) من ضيق.
بينه الله تعالى في سورة البقرة آية (١٨٥) قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
قوله تعالى (ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكلم لعلكم تشكرون) قال مسلم: حدثنا سويد بن سعيد عن مالك بن أنس. ح وحدثنا أبو الطاهر.
واللفظ له. أخبرنا عبد الله بن وهب عن مالك بن أنس، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتى يخرج نقياً من الذنوب".
(الصحيح ١/٢١٥ ح ٢٤٤ - ك الطهارة، ب خروج الخطايا مع ماء الوضوء).
قوله تعالى (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (واذكروا نعمة الله عليكم) قال: النعم آلاء الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا) الآية، يعني: حيث بعث الله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزل عليه الكتاب فقالوا: (آمنا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبالكتاب وأقررنا بما في التوراة) فذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به.
165
أخرج أدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (وميثاقه الذي واثقكم به) قال: الذي واثق به بني أدم في ظهر آدم.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان بن بشير أنهما حدثاه عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً. فقال: "أكلَّ ولدِكَ نحلتَ مثله؟ ". قال: لا. قال: "فارجعه".
(صحيح البخاري ٥/٢٥٠ ح ٢٥٨٦- ك الهبة، ب الهبة للولد)، (صحيح مسلم ٣/١٢٤٢ - ك الهبات، ب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة).
قوله تعالى (ولقد أخد الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا) أخرج ابن أبي حاتم والطبري بسنديهما الجيد عن أبي العالية في قوله: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل) قال: أخذ الله مواثيقهم أن يخلصوا له، ولا يعبدوا غيره.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا) من كل سبط رجل شاهد على قومه.
قوله تعالى (وعزرتموهم)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (وعزرتموهم) قال: نصرتموهم.
قوله تعالى (يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يحرفون الكلم عن مواضعه) يعني: حدود الله في التوراة ويقولون: إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه، وإن خالفكم فاحذروا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (ونسوا حظا مما ذكروا به) يقول: تركوا نصيبا.
قوله تعالى (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم) قال: على خيانة وكذب وفجور.
قوله تعالى (فاعف عنهم واصفح)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (فاعف عنهم واصفح)
قال: نسختها (قاتلوا الذين لايؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله).
قوله تعالى (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به) نسوا كتاب الله بين أظهرهم، وعهد الله الذي عهده إليهم، وأمر الله الذي أمرهم به.
قوله تعالى (فأغرينا بينهم العدواة والبغضاء إلى يوم القيامة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (فأغرينا بينهم العدواة والبغضاء إلى يوم القيامة) الآية، إن القوم لما تركوا كتاب الله، وعصوا رسله، وضيعوا فرائضه، وعطلوا حدوده، ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، بأعمالهم أعمال السوء، ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره، ما افترقوا ولا تباغضوا.
أخرج أدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) قال: بين اليهود والنصارى.
قوله تعالى (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب)
قال الحاكم: أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري ثنا محمد بن موسى الباشاني ثنا علي بن الحسن بن شقيق أنبأ الحسين بن واقد ثنا يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب، قوله عز وجل: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب) فكان الرجم مما أخفوا.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك ٤/٣٥٩ - ك الحدود) ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٠/٢٧٦ ح ٤٤٣٠) صححه المحقق شعيب الأرناؤط.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا) هو محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قوله تعالى (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (من اتبع رضوانه سبل السلام) سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسوله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملا إلا به، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية.
قوله تعالى (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم)
قال أحمد: ثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال: مر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نفر من أصحابه وصبي في الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني وسعت فأخذته، فقال القوم: يارسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار قال: فخفضهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ولا الله عز وجل لا يلقي حبيبه في النار".
(المسند ٣/١٠٤)، وأخرجه البزار (كشف الأستار ٤/١٧٤) وأبو يعلى (المسند ٦/٣٩٧)، والحاكم في (المستدرك ا/٥٨) من طرق عن حميد به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ١٠/٣٨٣).
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعمان بن أضاء، وبحري بن عمرو، وشأس بن عدي، فكلموه، فكلمهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا: ماتخوفنا يامحمد!! نحن والله أبناء الله وأحباؤه!! كقول النصارى، فأنزل الله عز وجل فيهم (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) إلى آخر الآية.
قوله تعالى (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قوله: (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) يقول: يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له، ويميت من يشاء منكم علي كفره فيعذبه.
قوله تعالى (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ماجاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير)
قال مسلم: حدثنى حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره، أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أنا أولى الناس بابن مريم، الأنبياء أولاد علات، وليس بيني وبينه نبي".
(الصحيح ٤/١٨٣٧ ح ٢٣٦٥ - ك الفضائل، ب فضائل عيسى عليه السلام)، وأخرجه البخاري في (صحيحه ٦/٤٧٧-٤٧٨ ح ٣٤٤٢).
انظر حديث مسلم عن عياض بن حمار المتقدم عند الآية (١٦٨) من سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود: يامعشر اليهود اتقوا الله، فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله! لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه، وتصفوه لنا بصفتة! فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهودا: ما قلنا هذا لكم، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيراً ولا نذيراً بعده! فأنزل الله عز وجل في
ذلك من قولهما (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ماجاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل) وهو محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جاء بالفرقان الذي فرق الله به بين الحق والباطل، فيه بيان الله ونوره وهداه، وعصمة لمن أخذ به.
قوله تعالى (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اذكروا نعمة الله عليكم) يقول: عافية الله عز وجل.
قوله تعالى (وجعلكم ملوكا)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (وجعلكم ملوكا) قال: ملكهم الخدم، كانوا أول من ملك الخدم.
قوله تعالى (وآتاكم مالم يؤت أحداً من العالمين)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: هم قوم موسى.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (وآتاكم مالم يؤت أحداً من العالمين) يعني: أهل ذلك الزمان، المن والسلوى والحجر والغمام.
قوله تعالى، (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (الأرض المقدسة) الطور وما حوله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (الأرض المقدسة) قال: المباركة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (الأرض المقدسة) قال: هي الشام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) أمروا بها كما أمروا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين) قال: هم أطول منا أجساما وأشد قوة.
قوله تعالى (ادخلوا عليهم الباب)
أخرج أدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (ادخلوا عليهم الباب) قال: يعني قرية الجبارين.
قوله تعالى (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)
قال البخاري: حدثنا أبو نعيم حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب سمعت ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: شهدت من المقداد ح. وحدثنى حمدان بن عمر حدثنا أبو النضر حدثنا الأشجع عن سفيان عن مخارق عن طارق عن عبد الله قال: المقداد يوم بدر: يارسول الله، إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) ولكن امض ونحن معك.
فكأنه سري عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
رواه وكيع عن سفيان عن مخارق عن طارق أن المقداد قال: ذلك للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (الصحيح ٨/١٢٢ ح ٤٦٠٩ - ك التفسير، ب (فاذهب أنت وربك فقاتلا... )).
قوله تعالى (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) يقول: اقض بيننا وبينهم.
قوله تعالى (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله تعالى (فإنها محرمة عليهم أربعين سنة) يعني الشام على بني إسرائيل (يتيهون في الأرض) لا يأوون إلى قرية، فعند ذلك أظلهم الله بالغمام وأنزل عليهم المن والسلوى، وفي تيههم ذلك ضرب موسى بعصاه الحجر، فكان يتفجر منه اثنا عشرة عينا لكل سبط منهم عين، قال وكان يحملونه فإذا ضربه بعصاه تفجرت.
قوله تعالى (فلا تأس على القوم الفاسقين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فلا تأس) يقول: فلا تحزن.
قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)
قال البخاري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: حدثي عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تقتَل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل".
(صحيح البخاري ٦/٤١٩ ح ٣٣٣٥ - ك أحاديث الأنبياء، ب خلق أدم وذريته)، (صحيح مسلم ٣/١٣٠٣ - ك القسامة، ب بيان إثم من سن القتل).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر)
كان رجلان من بني آدم، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر.
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد، عن رجل لم يُسمّه عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالى الفتنة، فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلتُ أريد نُصرة ابن عم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار". قيل: فهذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه".
(الصحيح ١٣/٣٥ ح ٧٠٨٣ - ك الفتن، ب إذا التقى المسلمان بسيفيهما)، وأخرجه مسلم في (صحيحه ٤/٢٢١٣ ح ٢٨٨٨).
قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد الرملي، ثنا مفضل، عن عياش، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي، أنه سمع سعد ابن أبي وقاص، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث، قال: فقلت يارسول الله، أرأيت إن دخل على بيتي وبسط يده ليقتلني؟ قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كن كابني آدم". وتلا يزيد (لئن بسطت إلى يدك) الآية.
(السنن ٤/٩٩ ح ٤٢٥٧ - ك الفتن والملاحم، ب النهي عن السعي في الفتنة)، وأخرجه الترمذي في (السنن٤/٤٨٦ ح ٢١٩٤) ثم قال: حديث حسن. وأحمد (شرح المسند ح ١٦٠٩) من طريق ليث بن سعد عن عياش بن عباس به وصحح المحقق إسناده، وقال الألباني: سند صحيح على شرط مسلم (الإرواء ٨/١٠٤)، وأخرجه الضياء في (المختارة ٣/١٤٤-١٤٥ ح ٩٤٢) من طريق أبي داود به، وحسنه محققه إسناده. وصححه الألبانى في (صحيح سنن أبي داود) وللحديث شواهد عدة استوفى الكلام عليها الشيخ الألباني (انظر الإرواء ٨/١٠٠-١٠٤).
قال أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن أبي عمران الجوني، عن المشعث بن طريف، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أبا ذر" قلت: لبيك يارسول الله وسعديك. فذكر الحديث، قال فيه: "كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف"؟. (يعني القبر) قلت: الله ورسوله أعلم، أو قال: ما خار الله لي ورسوله، قال: "عليك بالصبر" أو قال: "تصبر". ثم قال لي: "يا أبا ذر".
قلت: لبيك وسعديك، قال: "كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم"؟. قلت: ماخار الله لي ورسوله، قال: "عليك بمن أنت منه". قلت: يارسول الله أفلا أخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: "شاركت القوم إذنْ".
قلت: فما تأمرنى؟ قال: "تلزم بيتك". قلت: فإن دخل على بيتى؟ قال: "فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه".
(السنن ٤/١٠١ ح ٤٢٦١ - ك الفتن والملاحم، ب في النهي عن السعي في الفتة)، وأخرجه ابن ماجة (السنن ٢/١٣٠٨ ح ٣٩٥٨ - ك الفتن، ب التثبت في الفتنة) عن أحمد بن عبدة عن حماد به، وعنده زيادة قوله: "فيكون من أصحاب النار"، وأخرجه أحمد (المسند ٥/١٦٣) عن عبد العزيز العمي وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٥/٧٨-٧٩ ح ٦٦٨٥) من طريق مرحوم بن عبد العزيز، والحاكم في (المستدرك ٤/٤٢٣-٤٢٤). من طريقين عن حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، كلهم عن أبي عمران الجونى به نحوه. قال الحاكم: صحيح علي شرط الشيخين... ووافقه الذهبي. وتعقبهما الألباني فقال: وحماد بن سلمة احتج به مسلم وحده ومثله عبد الله بن الصامت. وذكر للحديث عدة شواهد وصححه (الإرواء ٨/١٠٠-١٠٤)، وصححه في تصحيح ابن ماجة أيضاً (رقم ٣١٩٧).
وصححه محقق الإحسان على شرط مسلم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) يقول: بقتلك إياي، وإثمك قبل ذلك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) يقول: إني أريد أن يكون عليك خطيئتك ودمي، تبوء بهما جميعاً.
قوله تعالى (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد: (فطوعت له نفسه) قال: فشجعته.
قوله تعالى (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخي فاصبح من النادمين).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض) قال: جاء غراب إلى غراب ميت فحثى عليه من التراب حتى واراه، فقال الذي قتل أخاه: (يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب) الآية.
قوله تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)
قال الشيخ الشنقيطي: صرح في هذه الآية الكريمة أنه كتب على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ولم يتعرض هنا لحكم من قتل نفسا بنفس، أو بفساد في الأرض، ولكنه بين ذلك في موضع آخر، فبين أن قتل النفس بالنفس جائز، في قوله: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) الآية، وفي قوله (كتب عليكم القصاص في القتلى) وقوله (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) قال: هو كما قال. وقال (ومن أحياها
فكأنما أحيا الناس جميعاً) فإحياؤها: لايقتل نفسا حرمها الله، فذلك أحيى الناس جميعاً، يعني أنه من حرم قتلها إلا بحق، حيى الناس منه جميعاً.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله عز وجل (فكأنما قتل الناس جميعاً) قال: هي كالتي في النساء (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) سورة النساء: ٩٣، في جزائه.
قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا ابن عون قال: حدثي سلمان أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة أنه كان جالساً خلف عمر بن عبد العزيز فذكروا وذكروا، فقالوا وقالوا قد أقادت بها الخلفاء، فالتفت إلى أبي قلابة وهو خلف ظهره فقال: ماتقول يا عبد الله بن
زيد أو قال: ما تقول يا أبا قلابة؟ قلتُ: ماعلمتُ نفساً حلّ قتلها في الإسلام إلا رجل زنى بعد إحصان، أو قتل نفساً بغير نفس، أو حارب الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فقال عنبسة: حدثنا أنس بكذا وكذا. قلتُ: إياي حدث أنس. قال: قدِم قوم على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلموه فقالوا: قد استوحمنا هذه الأرض، فقال: "هذه نَعِم لنا تخرجُ لترعى فاخرجوا فيها، فاشربوا من ألبانها وأبوالها". فخرجوا فيها فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحّوا، ومالوا على الراعي فقتلوه، واطردوا النعم. فما يُستبطأ من هؤلاء؟ قتلوا النفسَ، وحاربوا الله ورسوله، وخوّفوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: سبحان الله! فقلتُ: تتهمني؟ قال: حدثنا بهذا أنس. قال: وقال: يا أهل كذا، إنكم لن تزالوا بخير ما أبقي هذا فيكم ومثلُ هذا.
(صحيح البخاري ٨/١٢٣ ح ٤٦١٠ -ك التفسير- سورة المائدة)، وأخرجه مسلم في (صحيحه ١٣/١٢٩٧ بعد رقم ٦٧١٣)، وقوله: في الحديث: "قد أفادت به الخلفاء" يعني: القسامه كما صرح به في رواية مسلم).
وقال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا قتادة عن أنس - رضي الله عنه -: أن ناساً من عُرينة اجتووا المدينة، فرخّص لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها. فقتلوا الراعي واستاقوا الذود. فأرسل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتى بهم فقطّع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وتركهم بالحرة يعضّون الحجارة.
تابعه أبو قلابة وحُميد وثابت عن أنس.
(صحيح البخاري ٣/٤٢٨-٤٢٩ ح ١٥٠١ - ك الزكاة، ب استعمال إبل الصدقة وألبانها..)، و (صحيح مسلم ٣/١٢٩٦ ح ١٦٧١ - ك القسامة والمحاربين... ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً) قال: من شهر السلاح في قبه الإسلام، وأخاف السبيل، ثم ظفر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار؛ إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله.
176
قوله تعالى (أو ينفوا من الأرض)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أو ينفوا من الأرض) يقول: أو يهربوا حتى يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة)
قال الشيخ الشنقيطي: اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ماجاء به محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بإخلاص في ذلك لله تعالى، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة.
قال مسلم: حدثنا محمد بن سلمة المرادي، حدثنا عبد الله بن وهب، عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فإنه من صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا. ثم سلوا الله لي الوسيلة. فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة".
(الصحيح ١/٢٨٨ ح ٣٨٤ - ك الصلاة، في استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه)، وأخرجه (البخاري في (كتاب الأذان بنحوه ٢/٩٤).
قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: أتينا على حذيفة فقلنا: حدِّثنا من أقرب الناس من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هدياً ودلاّ فنأخذ عنه ونسمع منه. قال: كان أقرب الناس هدياً ودلا وسمتا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابن مسعود حتى يتوارى منا في بيته، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن ابن أم عبد هو أقربهم إلى الله زلفى.
(السنن ٥/٦٧٣ ح ٣٨٠٧ - ك المناقب، ب مناقب ابن مسعود)، وأخرجه أحمد (المسند ٥/٣٩٥) من طريق شعبة عن أبي إسحاق به. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح ٢٩٩٤).
177
وأخرجه الحاكم قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، ثنا محمد ابن عبد الوهاب، ثنا محاضر بن المورع، ثنا الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة أنه سمع قارئاً يقرأ: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). قال: القربة. ثم قال: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله وسيلة.
(المستدرك ٢/٣١٢ - ك التفسير، سورة المائدة، وصححه الذهبي).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وابتغوا إليه الوسيلة) أي: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه.
قوله تعالى (إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ماتقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها)
قال ابن حبان: سمعت الهيثم بن خلف الدوري ببغداد يقول: سمعت إسحاق ابن موسى الأنصاري يقول: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت عمرو بن دينار يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول بأذني هاتين وأشار بيده إلى أذنيه: "يُخرج الله قوماً من النار فيُدخلهم الجنة". فقال له رجل في حديث عمرو إن الله يقول: (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها) فقال: جابر بن عبد الله: إنكم تجعلون الخاص عاما، هذه للكفار اقرؤوا ما قبلها، ثم تلا (إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبِّل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها) هذه للكفار.
(الإحسان ١٦/٥٢٦-٥٢٧ ح ٧٤٨٣) قال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين..).
قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما... )
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر (واللفظ ليحيى) (قال ابن أبي عمر: حدثنا. وقال: الآخران: أخبرنا سفيان بن عيينة)
عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقطع السارق في رُبع دينار فصاعداً.
(الصحيح ٣/١٣١٢ ح ١٦٨٤- ك الحدود، ب حد السرقة ونصابها)، وأخرجه البخاري في (الصحيح ١٢/٩٦ ح ٦٧٨٩-٦٧٩١ - ك الحدود، ب قوله تعالى (والسارق والسارقة..)).
وقال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم.
(صحيح مسلم ٣/١٣١٢، ١٣١٣ - ك الحدود، ب حد السرقة ونصابها ح /١٦٨٤، ١٦٨٦)، وأخرجه البخاري (الصحيح ١٢/٩٧ ح ٦٧٩٧، ٦٧٩٨).
وقال مسلم: وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى (واللفظ لحرملة) قالا: أخبرنا ابن وهب. قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب. قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أن قريشاً أهمّهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامهَ بن زيد، حِب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فأتى بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلّمه فيها أسامة بن زيد، فتلوّن وجه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟ "فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله! فلما كان العَشِي قام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه. وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد. وإني والذي نفسي يده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. قال يونس: قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة: فحسُنت توبتها بعد، وتزوجت، وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(صحيح مسلم ٣/١٣١٥ - ك الحدود، في قطع السارق الشريف وغيره)، وأخرجه البخاري في (الصحيح ١٢/٨٧ ح ٦٧٨٨ - ك الحدود، ب كراهية الشفاعة في الحد... ).
قوله تعالى (فمن تاب من بعد ظلمه)
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد: (فمن تاب من بعد ظلمه) يقول: الحد كفارة.
قوله تعالى (ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض... )
انظر حديث الترمذي عن أبي ذر الآتي عند الآية (٤٤) من سورة الإسراء. وهو حديث: "أطت السماء... ").
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن أبي معاوية، قال يحيى: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب، قال: مُرّ على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيهودى محمّما مجلودا، فدعاهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم؟ ". قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزانى في كتابكم؟ ".
قالْ لا. ولولا أنك نشدتني بهذا لما أخبرتك بحده الرجم. ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه". فأمر به فرجم. فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون في الكفر) إلى قوله: (إن أوتيتم هذا فخذوه). بقول: ائتوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، (وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا. فأنزل الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (٥/المائدة/٤٥). (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون) (٥/ المائدة/٤٥). (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (٥/ المائدة/٤٧) في الكفار كلها.
(صحيح مسلم ٣/٢٧١٣ ح ١٧٠٠- ك الحدود، ب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنى). محمماً: مسود الوجه، من الحمحمة: الفحممة، وجمعها حمم. (النهاية لابن الأثير ١-٤٤٤).
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد (آمنا بأفواههم) قال يقول: هم المنافقون (سماعون لقوم آخرين) قال: هم أيضاً سماعون لليهود.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قوله (يحرفون الكلم) يعني يحرفون حدود الله في التوراة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن أوتيتم هذا) إن وافقكم هذا فخذوه. يهود تقوله للمنافقين.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (وإن لم تؤتوه فاحذروا) يقول: إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه وإن خالفكم فاحذروه.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس قوله: (ومن يرد الله فتنته) يقول: من يرد الله ضلالته (فلن تملك) لن تغني.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن عباس (قلوبهم) إنما سمى القلب لتقلبه.
قوله تعالى (سماعون للكذب أكالون للسحت)
انظر حديت مسلم عن قبيصة بن مخارق الآتي تحت الآية (٦٠) من سورة التوبة عند قوله: (والغارمين).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور المروزي، ثنا النضر بن شميل، أنبا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن مهر البغي، وثمن الكلب والسنور، وكسب الحجام من السحت".
(التفسير - سورة المائدة آية ٤٢ ح ٤٣) وإسناده حسن كما قال محققه، وأخرجه الطبري (التفسير ١٠/٣٢٠ ح ١١٩٥٦) من طريق طلحة عن أبي هريرة به. وعزاه السيوطي لابن مردويه والديلمي والخطيب في تاريخه نحوه (الدر المنثور ٢/٢٤٨).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (سماعون للكذب أكالون للسحت) قال: كان هذا في حكام اليهود بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرشى.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى: (أكالون للسحت) قال الرشوة في الحكم وهم يهود.
قوله تعالى (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم... )
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: أيتان نسختا من هذه السورة -يعني المائدة- آية القلائد، وقوله: (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم). وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مخيراً إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم، فردهم إلى أحكامهم فنزلت (وأن احكم بينهم. مما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم) فأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
(التفسير - المائدة / آية ٤٢ ح ٥١)، وأخرجه النحاس في (الناسخ والمنسوخ ص ١٦٠)، والطبراني (المعجم الكبير ١١/٦٣-٦٤ ح ١١٠٥٤) والحاكم (المستدرك ٢/٣١٢) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. والبيهقي في سننه (٨/٢٤٩) كلهم من طريق عباد بن العوام به. قال أبو جعفر النحاس: وهذا إسناد مستقيم. وقال محقق ابن أبي حاتم: رجاله كلهم ثقات، والإسناد صحيح).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإن جاءوك فاحكم بينهم) يقول: إن جاءوك، فاحكم بينهم بما أنزل الله، أو أعرض عنهم. فجعل الله في ذلك رخصة إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم.
قوله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط)
قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء، ثنا عبيد الله -يعني ابن موسى- عن علي بن صالح، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان قريظة والنضير، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلاً من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة فودي بمائة وسْق من تمر، فلما بعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل رجل من النضير رجلاً من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله، فقالوا: بيننا وبينكم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتوه، فنزلت
182
(وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) والقسط: النفس بالنفس، ثم نزلت (أفحكم الجاهلية يبغون). قال أبو داود: قريظة والنضير جميعاً من ولد هارون النبي عليه السلام.
(السنن ٤/١٦٨ ح ٤٤٩٤ - ك الديات، ب النفس بالنفس)، وأخرجه النسائي في (سننه ٨/١٨-١٩ ك القسامة، ب تأويل قول الله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١١/٤٤٢ ح ٥٠٥٧)، والحاكم في (المستدرك ٤/٣٦٦) وابن أبي حاتم من تفسيره (٥/١٠٧ ح ٥٩) من طرق عن عبيد الله بن موسى به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داوود ٣/٨٤٣ ح ٣٧٤٠).
قوله تعالى (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) يعني: حدود الله، فأخبر الله بحكمه في التوراة.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (ثم يتولون من بعد ذلك) يتولون عن الحق بعد البيان (وما أولئك بالمؤمنين) اليهود.
قوله تعالى (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار... )
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مقاتل بن حيان (هدى ونور) هدى من الضلالة، ونور من العمي (يحكم به النبيون) يحكمون بما في التوراة من لدن موسى وعيسى.
انظر حديث مسلم عن البراء بن عازب المتقدم عند الآية (٤١) من السورة نفسها.
وانظر حديث أحمد عن واثلة بن الأسقع المتقدم عند الآية (٣-٤) من سورة آل عمران.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (الربانيون) فقهاء اليهود، (والأحبار) علماؤهم.
183
قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
انظر حديث مسلم السابق تحت الآية رقم (٤١) من سورة المائدة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال من جحد ما أنزل الله فقد كفر. ومن أقر به ولم يحكم، فهو ظالم فاسق.
قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء قوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم.
وسنده صحيح ورجاله ثقات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص) قال: إن بني إسرائيل لم تجعل لهم دية فيما كتب الله لموسى في التوراة من نفس قتلت، أو جرح، أو سن، أو عين، أو أنف، إنما هو القصاص، أو العفو.
قال البخاري: حدثني محمد بن سلام، أخبرنا الفزاري عن حميد عن أنس - رضي الله عنه - قال: كَسَرتِ الرُّبيع -وهي عمة أنس بن مالك- ثنية جارية من الأنصار.
فطلب القوم القصاص، فأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالقصاص، فقال: أنس بن النضر عم أنسِ بن مالك: لا والله لا تكسر سنها يا رسول الله، فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أنس كتاب الله القصاص". فرضي القوم وقبلوا الأرش، فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من عباد الله منَ لو أقسم على الله لأبره".
(صحيح البخاري ٨/١٢٤ ح ٤٦١١ -ك التفسير- سورة المائدة).
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفّان بن مسلم، حدثنا حمّاد، أخبرنا ثابت عن أنس، أن أخت الربيع، أم حارثة، جرحت إنسانا، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "القِصاص، القصاص" فقالت أمُّ الربيع: يارسول الله أيقتص من فلانة؟ والله لا يقتصّ منها. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبحان الله يا أم الربيع، القصاص كتاب الله "قالت: لا. والله لا يُقتص منها أبداً.
قال: فما زالت حتى قبلوا الدية. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه".
(صحيح مسلم ٣/١٣٠٢ ح ١٦٧٥ - ك القسامة، ب إثبات القصاص في في الأسنان وما في معناها).
قال أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، فذكر حديثاً وذكر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رجل طعن رجلا بقرن في رجله، فقال: يارسول الله أقدني، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لاتعجل حتى يبرأ جرحك" قال: فأبى الرجل إلا أن يستقيد، فأقاده رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه، قال: فعرج المستقيد وبرأ المستقاد منه، فأتى المستقيد إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له: يارسول الله عرجت وبرأ صاحبي؟ فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ألم أمرك أن لا تستقيد حتى يبرأ جرحك فعصيتني فأبعدك الله، وبطل جرحك". ثم أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الرجل الذي عرج من كان به جرح أن لا يستقيد حتى تبرأ جراحته، فإذا برئت جراحته استقاد.
(المسند رقم ٧٠٣٤) وصححه محققه، وأخرجه الدارقطني (السنن ٣/٨٨ ح ٢٤ - ك الحدود والديات)، والبيهقي (السنن ٨/٦٧-٦٨ - ك الجنايات، ب الاستثناء بالقصاص... ) كلاهما عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب به. وقال الهيثمي: رجاله ثقات (مجمع الزوائد ٦/٢٩٥)، وصححه الألبانى وساق له عدة شواهد يتقوى بها. (إرواء الغليل ٧/٢٩٨).
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد، قالا: ثنا يحيى بن سعيد، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عباد، قال:
185
انطلقت أنا والأشتر إلى علي عليه السلام، فقلنا: هل عَهِدَ إليك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا، إلا ما في كتابي هذا، قال مسدد: قال: فأخرج كتاباً، وقال أحمد: كتاباً من قراب سيفه، فإذا فيه "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدَثاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". قال مسدد: عن ابن أبي عروبة فأخرج كتاباً.
(السنن ٤/١٨٠-١٨١ ح ٤٥٣٠ - ك الديات، ب إيقاد المسلم بالكافر)، وأخرجه النسائي (السنن ٨/١٩ - ك القسامة، ب القود بين الأحرار والمماليك في النفس) من طريق محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد به. قال الألباني: صحيح (صحيح أبي داود ح ٣٧٩٧)، وأخرجه أحمد (المسند ح ٩٥٩) من حديث الأشتر عن علي مطولاً بنحوه، وفيه موضع الشاهد. وصححه محققه وأخرجه الحاكم في (المستدرك ٢/١٤١) من طريق أحمد، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١٣/٣٤٠-٣٤١ ح ٥٩٩٦) من حديث مجاهد عن ابن عمر مطولا جداً، وفيه موضع الشاهد أيضاً، قال محققه: إسناده حسن.
قوله تعالى (فمن تصدق به فهو كفارة له)
قال النسائي: أنا على بن حُجر، عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن ابن الصامت قال: قال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من تصدق من جسده بشيء كفّر الله عنه بقدر ذلك من ذنوبه".
(التفسير ١/٤٣٩ ح ١٦٦) قال محققه: صحيح. وأخرجه أحمد (المسند ٥/٣١٦) من حديث هشيم عن مغيرة بنحوه وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وعزاه مرة لعبد الله به أحمد والطبراني بلفظ: "من تصدق بشيء من جسده أعطى بقدر ماتصدق به". ثم قال: ورجال المسند رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٦/٣٠٢). وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع ح ٥٥٨٩). وللحديث شواهد كثيرة عن عدة من الصحابة (انظر تفصيل القول عن هذه الشواهد: حاشية تفسير النسائي ١/٤٣٩-٤٤١).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال: كفارة للمتصدق عليه.
186
قوله تعالى (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور)
انظر حديث واثلة بن الأسقع المتقدم عند الآية ٣-٤ من سورة آل عمران.
قوله تعالى (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا شيئاً مما أنزل الله في الانجيل الذي أمر أهل الإنجيل بالحكم به وبين في موضع آخر أن من ذلك البشارة بمبعث نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووجوب اتباعه والإيمان به كقوله: (وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يديّ من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) وقوله تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) الآية إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)
انظر حديث مسلم تحت الآية رقم (٤١) من نفس السورة.
قوله تعالى (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه)
انظر حديث أحمد عن واثلة بن الأسقع المتقدم عند الآية (٣-٤) من سورة آل عمران.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومهيمنا عليه) قال: والمهيمن الأمين. قال: القرآن أمين علي كل كتاب قبله.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (ومهيمناً عليه) قال: شهيداً عليه.
وصح أيضاً عن ابن عباس فيما رواه الطبري.
قوله تعالى (فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فاحكم بينهم بما أنزل الله) يقول: بحدود الله (ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق).
قوله تعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) يقول: سبيلاً وسنة.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) قال: الدين واحد والشريعة مختلفة.
قوله تعالى (فاستبقوا الخيرات)
انظر سورة البقرة آية (١٤٨).
قوله تعالى (وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك ولا تتبع أهواءهم)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد، وابن صوريا، وشأس بن قيس، بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد، لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه فقالوا: يامحمد، إنك قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وسادتهم وأنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولم يخالفونا، وإن بيننا وبين قومنا خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك! فأبى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله فيهم (وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك ولاتتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) إلى قوله (لقوم يوقنون).
قوله تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون)
انظر حديث أبي داود المتقدم عند الآية رقم (٤٢) من السورة نفسها.
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (أفحكم الجاهلية يبغون) قال: يهود.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) ذكر تعالى هذه في الآية الكريمة أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض، ولكنه بين في مواضع أخر أن ولاية بعضهم لبعض زائفة وليست خالصة، لأنها لاتستند على أساس صحيح، هو دين الإسلام، فبين
أن العداوة والبغضاء بين النصارى دائمة إلى يوم القيامة، بقوله: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) وبين مثل ذلك في اليهود أيضاً، حيث قال فيهم: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة). والظاهر أنها في اليهود فيما بينهم، كما هو صريح السياق، خلافاً لمن قال إنها بين اليهود والنصارى. وصرح تعالى بعدم اتفاق اليهود معللاً له بعدم عقولهم في قوله: (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون).
وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ذكر في هذه الآية الكريمة، أن من تولى اليهود والنصارى من المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم؛ وبين في موضع آخر أن توليهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى: (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل اليهود ما أتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون). ونهى في موضع آخر عن توليهم مبيناً سبب التنفير منه؛ وهو قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور). وبين في موضع آخر: أن محل ذلك، فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة) فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاح، لأن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيرخص في موالاتهم،
بقدر المداراة التي يكتفى بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة.
كل شيء من الأدهان مما يؤتدم به إهالة والسنخة المتغيرة الريح (النهاية ١/٨٤).
ومن يأتي الأمور على اضطرار فليس كمثل آتيها اختيار
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً، رغبة فيهم أنه كافر مثلهم.
قوله تعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله تعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم) قال: المنافقون، في مصانعة اليهود ومناجاتهم، واسترضاعهم أولادهم إياهم وقول الله تعالى ذكره (نخشى أن تصيبنا دائرة) قال يقول: نخشى أن تكون الدائرة لليهود.
انظر سورة البقرة آية (١٠) عند قوله تعالى (في قلوبهم مرض).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (فعسى الله أن يأتي بالفتح) قال: بالقضاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فعسى الله أن يأتي بالفتح) قال: فتح مكة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) من موادتهم اليهود، ومن غشهم للإسلام وأهله.
قوله تعالى (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم انهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين)
قال الشيخ الشنقيطي: وبين الله تعالى في موضع أخر أن سبب حلفهم بالكذب للمسلمين أنهم منهم، إنما هو الفرق أي الخوف، وأنهم لو وجدوا محلاً
190
يستترون فيه عن المسلمين لسارعوا إليه، لشدة بغضهم للمسلمين، وهو قوله (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وماهم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلاً لولوا إليه وهم يجمحون) ففي هذه الآية بيان سبب أيمان
المنافقين ونظيرها قوله: (اتخذوا أيمانهم جنة). وبين تعالى في موضع آخر، أنهم يحلفون تلك الأيمان ليرضى عنهم المؤمنون وأنهم إن رضوا عنهم، فإن الله لا يرضى عنهم وهو قوله (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لايرضى عن القوم الفاسقين).
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
قال ابن كثير: يقول الله تعالى مخبرا عن قدراته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) وقوله تعالى (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) أي: بممتنع ولا صعب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) الآية، وعيد من الله أنه من ارتد منكم أنه سيستبدل خيراً منهم.
قال الحاكم أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد، ثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا وهب بن جرير وسعيد بن عامر (قالا) ثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت عياضاً الاشعري يقول: لما نزلت (فسوف يأتي الله لقوم يحبهم ويحبونه) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هم قومك يا أبا موسى". وأومى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده إلى أبي موسى الأشعري.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك ٢/٣١٣) وصححه الذهبي وابن الملقن، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ١٧/٣٧١ ح ١٠١٦)، وأبو بكر ابن أبي شيبة في مسنده - كما في إتحاف الخيرة (١/١٦٣ ح ١٠٣)، الطبري في (تفسيره ١/٤١٤-٤١٥ ح ١٢١٨٨، ١٢١٩٢)، وابن حاتم في (تفسيره ٥/١٦٩ ح ٢٦٦) كلهم من طريق شعبة به. وعزاه الهيثمي إلى الطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد ٧/١٦)، وقال البوصيري في الإتحاف: هذا إسناد رواته ثقات.
191
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) يعني بالأذلة: الرحماء.
قوله تعالى (ولا يخافون لومة لائم)
قال ابن ماجة: حدثنا عمران بن موسى، أنبأنا حماد بن زيد، ثنا على بن زيد ابن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام خطيباً، فكان فيما قال: "ألا، لا يمنعنَّ رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه". قال: فبكى أبو سعيد، وقال: قد والله رأينا أشياء، فهبنا.
(السنن ح ٤٠٠٧ - ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وأخرجه الترمذي (السنن ح ٢١٩١ - ك الفتن، ب ما جاء ما أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما هو كائن إلى يوم القيامة) بإسناد ابن ماجة نفسه في حديث طويل وفيه موضع الشاهد. قال أبوعيسى: حديث حسن صحيح. وصححه الشيخ الألباني (صحيح ابن ماجه رقم ٣٢٣٧) وقد توبع علي بن زيد على إسناد هذا الحديث، فأخرجه أحمد (المسند ٣/٥) من طريق سليمان بن طرخان، و (٣/٤٤) من طريق أبي سلمة، و (٣/٤٦-٤٧) من طريق المستمر بن الريان، كلهم عن أبي نضرة به. وأخرجه أحمد (المسند ٣/٨٧)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١/٥٠٩ح ٢٧٥) من طرق عن خالد بن عبد الله، عن الجريري عن أبي نضرة به. وخالد بن عبد الله هو الواسطي، وقد أخرج البخاري ومسلم روايته عن الجريرى. قال محقق الإحسان: إسناده صحيح، رجاله رجال مسلم إلا الجريري وقد أخرجه أبو يعلى في مسنده (٢/٥٣٦ ح ١٤١١) ضمن حديث طويل، من طريق الحسن عن أبي سعيد، وفيه قوله: حدثنا أبو سعيد، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال صحيح (مجمع الزوائد ٧/ ٢٧٤).
قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا... )
قال أحمد: ثنا يزيد بن عبد ربه قال: ثنا الوليد بن مسلم قال: ثنا الأوزاعي، عن عبد الله بن فيروز الديلمي، عن أبيه أنهم أسلموا أو كان فيمن أسلم فبعثوا وفدهم إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببيعتهم وإسلامهم فقبل ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم فقالوا يا رسول الله نحن من قد عرفت وجئنا من حيث قد علمت وأسلمنا فمن ولينا؟ قال: "الله ورسوله". قالوا: حسبنا رضينا.
(المسند ٤/٢٣٢)، وأخرجه أبو يعلى في (مسنده ١٢/٢٠٣ ح ٦٨٢٥) من طريق الأوزاعي، والطبراني في (الكبير ١٨/٣٢٩ ح ٨٤٦) مطولا من طريق إسماعيل بن عياش، كلاهما عن يحيى السيبانى عن ابن الديلمي به. وعزاه الهيثمي لأحمد وأبى يعلى والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن فيروز وهو ثقة (مجمع الزوائد ٩/٤٠٦) وصحح إسناده محقق مسند أبي يعلى.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله.
قوله تعالى (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: أخبرهم يعني الرب تعالى ذكره من الغالب فقال: لا تخافوا الدولة والدائرة فقال (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) و (الحزب) هم الأنصار.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس: قال كان رفاعة بن زيد في التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله فيهما (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء) إلى قوله تعالى (والله أعلم بما كانوا يكتمون).
قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافع، وعازر، وزيد، وخالد، وأزار بن أبي أزار، وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال: أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بمن آمن به. فأنزل الله فيهم: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون).
قوله تعالى (وجعل منهم القردة والخنازير)
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب (واللفظ لأبي بكر). قالا: حدثنا وكيع، عن مسعر، عن علقمة بن مرثد، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن المعرور بن سويد، عن عبد الله، قال: قالت أم حبيبة، زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللهم أمتعني بزوجي، رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبأبي أبي سفيان، وبأخي، معاوية قال: فقال: النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة. لن يُعجِّل شيئاً قبل حله. أو يؤخر شيئاً عن حله. ولو كنتِ سألتِ الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل".
قال: وذُكرتْ عنده القردة. قال مسعر: وأُراه قال: والخنازير من مسخ.
فقال: " إن الله لم يجعل لمسخِ نسلاً ولا عقباً. وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك".
(الصحيح ٤/٢٠٥٠- ٢٠٥١ ح ٢٦٦٣ - ك القدر، ب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرهما لا تزيد ولا تنقص... ).
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وجعل منهم القردة والخنازير) قال: مسخت من يهود.
قوله تعالى (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا له والله أعلم بما كانوا يكتمون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا) الآية، أناس من اليهود، كانوا يدخلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذى جاء به، وهم متمسكون بضلالتهم والكفر، وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي نحوه.
قوله تعالى (وترى كثيراً منهْم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ماكانوا يعملون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان) قال: (الإثم)، الكفر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان) وكان هذا في حكام اليهود بين أيديكم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وأكلهم السحت) قال: الرشا.
قوله تعالى (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الأثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) يعنى: الربانيين، أنهم: لبئس ما كانوا يصنعون.
قوله تعالى (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا)، قال: ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة، ولكنهم يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً.
قوله تعالى (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام، حدثنا أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن يمين الله ملأى لا يفيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلقَ السماوات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض -أو القبض- يرفع ويخفِض".
(صحيح البخاري ١٣/٤١٤ ح ٧٤١٩ - ك التوحيد، ب (وكان عرشه على الماء..)، (وصحيح مسلم ٢/٦٩٠ - ك الزكاة، ب الحث على النفقة، من طريق الأعرج عن أبي هريرة بنحوه).
قوله تعالى (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً) حملهم حسد محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والعرب على أن كفروا به، وهم يجدونه مكتوباً عندهم.
قوله تعالى (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً) أولئك أعداء الله اليهود، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذل أهله، لقد جاء الإسلام حين جاء، وهم تحت أيدي المجوس أبغض خلقه إليهم.
قوله تعالى (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا) يقول: آمنوا بما أنزل الله، واتقوا ما حرم الله (لكفرنا عنهم سيئاتهم).
قوله تعالى (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم) يعني: لأرسل السماء عليهم مدراراً (ومن تحت أرجلهم) تخرج الأرض بركتها.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الكتاب لو أطاعوا الله، وأقاموا كتابهم باتباعه، والعمل بما فيه ليسر الله لهم الأرزاق وأرسل عليهم المطر، وأخرج لهم ثمرات الأرض. وبين في مواضع أخر أن ذلك ليس خاصاً بهم كقوله عن نوح وقومه (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل
لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) وقوله عن هود وقومه (وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم) الآية. وقوله عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقومه (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسنا إلى أجل مسمى).
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً، فقال: "ذاك عند أوان ذهاب العلم" قلتُ: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويُقرئه أبناؤنا أبناهم، إلى يوم القيامة؟ قال: "ثكلتك أمك، زياد إن كنتُ لأراكَ من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما؟ ".
(السنن ٢/١٣٤٤ ح ٤٠٤٨ - ك الفتن، ب ذهاب القرآن والعلم)، وأخرجه أحمد (المسند ٤/١٦٠) عن وكيع عن الأعمش به. وذكره ابن كثير في تفسيرة (٣/١٤٠) وقال: هذا إسناد صحيح. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة ح ٣٢٧٢).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله (منهم أمة مقتصدة) يقول: على كتابه وأمره، ثم ذم أكثر القوم فقال: (وكثير منهم ساء ما يعملون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (منهم أمة مقتصدة) يقول: مؤمنة.
قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية. أمر تعالى في هذه الآية نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتبليغ ما أنزل إليه، وشهد له بالامتثال في آيات متعددة، كقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) وقوله: (وما على الرسول إلا البلاغ)، وقوله: (فتول عنهم فما أنت بملوم) ولو كان يمكن أن يكتم شيئاً لكتم قوله تعالى (وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)، فمن زعم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كتم حرفاً مما أنزل عليه، فقد أعظم الافتراء على الله، وعلى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت. مَن حدّثك أن محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتم شيئاً مما أنزل عليه فقد كذب، والله يقول (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك) الآية.
(صحيح البخاري ٨/١٢٤ ح ٤٦١٢ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية)، وأخرجه مسلم في (الصحيح ١/١٥٩ ح ١٧٧ مطولاً - ك الإيمان، ب معنى قوله تعالى (ولقد رآه نزلة أخرى)).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)، يعني إن كتمت آية مما أنزل عليك من ربك، لم تبلغ رسالاتي.
قوله تعالى (والله يعصمك من الناس)
قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر. ح وحدثني أبو عمران، محمد بن جعفر بن زياد (واللفظ له). أخبرنا إبراهيم (يعني ابن سعد) عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن جابر بن عبد الله قال: غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوة قِبل نجد، فأدركنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت شجرة فعلّق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن رجلاً أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظتُ وهو قائم على رأسي فلم أشَعر إلا والسيِف صَلتاً في يده، فقال لي: من يمنعك منّي؟ قال: قلتُ: "الله". ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟.
قال: قلت: "الله". قال: " فَشَام السيف، فها هو ذا جالس" ثم لم يعرِض له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(صحيح مسلم ٤/١٧٨٦ ح ٨٤٣ - ك الفضائل، ب توكله على الله تعالى، وعصمة الله تعالى له من الناس)، وأخرجه البخاري في (الصحيح ٦/٩٦ ح ٢٩١٠ - ك الجهاد، ب من علق سيفه بالشجر).
198
قال البخاري: حدثنا إسماعيل بن خليل، أخبرنا على بن مسهر، أخبرنا يحيى ابن سعيد، أخبرنا عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سهِرَ، فلما قدم المدينة قال: "ليت رجلا من أصحابي صالحاً يحرسني الليلة". إذ سمعنا صوت سلاح، فقال: "من هذا؟ " فقال: أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك. فنام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(الصحيح ٦/٩٥ ح ٢٨٨٥ - ك الجهاد والسير، ب الحراسة في الغزو في سبيل الله)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/١٨٧٥ ح ٢٤١٠ - ك فضائل الصحابة، ب في فضل سعد بن أبي وقاص).
قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة قال: سمعت أبا إسرائيل قال: سمعت جعدة قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورأى رجلا سمينا فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئ إلى بطنه بيده ويقول: "لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك". قال: وأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل فقالوا: هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لم ترع لم ترع ولو أردت ذلك لم يسلطك الله على".
(المسند ٣/٤٧١)، وأخرجه الطبراني في (الكبير ٢/٣١٩ ح ٢١٨٣) من طريق علي بن الجعد، عن شعبة به مختصراً، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير أبي إسرائيل الجشمي، وهو ثقة (مجمع الزوائد ٨/٢٢٧). وصحح إسناده الحافظ ابن حجر. (تهذيب التهذيب ٢/٨١).
قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظم شجرة وأظلها، فنزل تحت شجرة فجاء رجل فأخذ سيفه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ قال: "الله". فأنزل الله (والله يعصمك من الناس).
وهذا إسناد حسن (الفتح ٦/٩٨).
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث ابن عبيد عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشهَ قالت: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحرس حتى نزلت هذه الآية (والله يعصمك من الناس) فأخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأسه من القبة، فقال لهم: "يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله".
حدثنا نصر بن علي حدثنا مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد نحوه.
199
(السنن ٥/٢٥١ ح ٣٠٤٦ - ك التفسير، ب ومن سورة المائدة) وقال: غريب، وأخرجه الطبري (التفسير ١٠/٤٦٩ ح ١٢٢٧٦) عن المثنى، وابن أبي حاتم (التفسير - سورة المائدة آية ٦٧ - ح ٣٥٧) عن إبراهيم بن مرزوق البصري، والحاكم (المستدرك ٢/٣١٣) من طريق محمد بن عيسى القاضي، كلهم عن مسلم ابن إبراهيم به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ بن حجر: إسناده حسن (فتح الباري ٦/٨٢) وقال الألباني: حسن (صحيح الترمذي ح ٢٤٤٠). وذكر ابن كثير لهذا الحديث شواهد عن أبي سعيد، وعصمة بن مالك وغيرهما (التفسير ٢/١٢٥-١٢٦).
قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين)
قال ابن حجر: وقد روى ابن أبي حاتم أن الآية نزلت في سبب خاص، فأخرج بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء مالك بن الصيف وجماعة من الأحبار فقالوا: يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق؟ قال: بلى، ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه، فأنا أبرأ مما أحدثتموه. قالوا: فإنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن لك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية.
(الفتح ٨/٢٦٩).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فلا تأس) قال: فلا تحزن.
قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون) الآية.
ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن بني إسرائيل عموا وصموا مرتين تتخللهما توبة من الله عليهم، وبين تفصيل ذلك في قوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) الآية. فبين جزاء عماهم وصممهم في المرة الأولى بقوله: (فإذا جاء وعد أولاهما، بعثنا عليكم عباداً لنا، أولي بأس
200
شديد) وبين جزاء عماهم، وصممهم في المرة الآخرة بقوله (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا) وبين التوبة التي بينهما بقوله (ثم رددنا لكم الكرة عليهم، وأمددناكم بأموال وبنين، وجعلناكم أكثر نفيراً)، ثم بين أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله: (وإن عدتم عدنا) فعادوا إلى الإفساد بتكذيبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتم صفاته التى في التوراة، فعاد الله إلى الانتقام منهم فسلط عليهم نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذبح مقاتلة بني قريظة، وسبى نساءهم وذراريهم وأجلى بني قينقاع، وبني النضير، كما ذكر تعالى طرفاً من ذلك في سورة الحشر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وحسبوا ألا تكون فتنة) الآية يقول: حسب القوم أن لا يكون بلاء (فعموا وصموا) كلما عرض بلاء ابتلوا به هلكوا فيه.
انظر سورة البقرة آية (١٨) عند قوله تعالى (صم بكم عمي).
قوله تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة)
بيانه في قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا) النساء: ١١٦.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
(صحيح مسلم ١/٧٤ ح ٥٤ - ك الإيمان، ب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون... ).
قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، قال: قالت النصارى هو والمسيح وأمه، فذلك قول الله تعالى (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله).
قوله تعالى (وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) ذكر في هذه الآية الكريمة أن عيسى وأمه كانا يأكلان الطعام، وذكر في مواضع أخر، أن جميع الرسل كانوا كذلك، كقوله: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام) الآية، وقوله: (وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام) الآية.
قوله تعالى (وضلوا عن سواء السبيل)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (وضلوا عن سواء السبيل) قال: يهود.
قوله تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكان يعتدون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) يقول: لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى بن مريم، ولعنوا في الزبور على لسان داود.
قوله تعالى (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) قال: المنافقون.
قوله تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشهدين)
قال الطبري: حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بمكة
خاف على أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب، وابن مسعود، وعثمان بن مظعون، في رهط من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة، فلما بلغ ذلك المشركين، بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم، ذكر أنهم سبقوا أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى النجاشي، فقالوا: إنه خرج فينا رجل سفه عقول قريش وأحلامها، زعم أنه نبي وإنه بعث إليك رهطاً ليفسدوا عليك قومك، فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم، قال: إن جاؤوني نظرت فيما يقولون. فقدم أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأموا باب النجاشي، فقالوا: استأذن لأولياء الله، فقالا: ائذن لهم، فمرحباً بأولياء الله، فلما دخلوا عليه سلموا، فقال له الرهط من المشركين: ألا ترى أيها الملك أنا صدقناك؟ لم يحيوك بتحيتك التي تحيَّ بها. فقال لهم: ما منعكم أن تحيوني بتحيتي؟ فقالوا: إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة.
قال لهم: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ قال: يقول: هو عبد الله، وكلمة من الله ألقاها إلى مريم، وروح منه. ويقول في مريم: إنها العذراء البتول.
قال: فأخذ عوداً من الأرض فقال: ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم قدر هذا العود. فكره المشركون قوله، وتغيَّرت وجوههم. قال لهم: هل تعرفون شيئاً مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعم. قال: اقرأوا فقرءوا، وهنالك منهم قسيسون ورهبان وسائر النصارى، فعرفت كل ما قرءوه وانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق. قال الله تعالى ذكره: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) الآية.
(التفسير ١٠/٤٩٩-٥٠٠ ح ١٢٣١٧)، وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة المائدة آية ٨٣ ح ٤٢٨) عن أبيه عن عبد الله بن صالح به، ولفظه أخصر من لفظ الطبري. وإسناده جيد محتج به، وتقدم الكلام عليه عند الآية ٢٩ من سورة النساء.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتحرّموا طيّبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً)
قال البخاري: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا خالد عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا نغزو مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخّص بنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب.
ثم قرأ (يا أيها الذين آمنوا لا تُحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم).
(صحيح البخاري ٨/١٢٦ ح ٤٦١٥ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية). (صحيح مسلم ٢/١٠٢٢ ح ١٤٠٤ - ك نكاح، ب نكاح المتعة وبيان انه ابيح ثم نسخ).
قال الحافظ ابن حجر: أخرج الثوري في جامعه وابن المنذر من طريقه بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جيء عنده بطعام فتنحى رجل فقال: إني حرمته أن لا آكله. فقال: ادن فكل وكفر عن يمينك ثم تلا هذه الآية إلى قوله: (ولا تعتدوا).
(الفتح ١١/٥٧٥)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٣١٣-٣١٤).
قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرنا حميد ابن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسألون عن عبادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأينَ نحنُ من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطر.
وقال أخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
(الصحيح ٩/٥-٦ ح ٥٠٦٣ - ك النكاح، ب الترغيب في النكاح)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٢/١٠٢٠ ح ١٤٠١ - ك النكاح، ب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه).
قوله تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) فهو الرجل يحلف على أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله، فيرى الذي هو خير منه، فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير وقال مرة أخرى قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) إلى قوله: (بما عقدتم الأيمان) قال: واللغو من الأيمان، هي التي تكفر، لا يؤاخذ الله بها. ولكن من أقام على تحريم ما أحل الله له، ولم يتحول عنه، ولم يكفر عن يمينه، فتلك التي يؤخذ بها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) يقول: ما تعمدت فيه المأثم، فعليك فيه الكفارة.
قوله تعالى (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحه عن ابن عباس: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبع المساكين، وإلا فعلى ما تطعم أهلك بقدره.
قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان ابن عيينة عن سليمان بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه سعة، وكان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه شدة فنزلت الآية (من أوسط ما تطعمون أهليكم).
(السنن - الكفارات، ب من أوسط ماتطعمون أهليكم)، وصحح إسناده البوصيري (مصباح الزجاجة ٢/١٣٥)، وكذا الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ح ١٧١٧).
انظر حديث معاوية بن الحكم المتقدم عند الآية (٢٣٨) من سورة البقرة.
وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اعتقها فإنها مؤمنة".
205
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة، الأول فالأول، فإن لم يجد من ذلك شيئًا فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن أبي عباس قوله: (رجس من عمل الشيطان) يقول: سخط.
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلى، أخبرنا عيسى وابن إدريس عن أبي حيّان عن الشعبي عن ابن عمر قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - على منبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحِنطة، والشعير. والخمر ما خامر العقل".
(صحيح البخاري ٨/١٢٦ ح ٤٦١٩- ك التفسير- سورة المائدة).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة".
(صحيح البخاري ١٠/٣٣ ح ٥٥٧٥ - ك الأشربة، ب قول الله تعالى (إنما الخمر والميسر والأنصاب)).
قال مسلم: حدثنا سُويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة (رجل من أهل مصر)، أنه جاء عبد الله بن عباس. ح وحدثنا أبو الطاهر (واللفظ له)، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس وغيره عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة السبأي (من أهل مصر)، أنه سأل عبد الله بن عباس عمّا يُعصر من العنب؟ فقال ابن عباس: إن رجلا أهدى لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راوية خمر. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل علمت أن الله قد حرمها؟ "قال: لا. فسارَّ إنساناً. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بِم ساررته؟ ".
فقال: أمرته ببيعها. فقال: "إن الذي حرم شُربها حرّم بيعها". قال: ففتح المزاد حتى ذهب ما فيها.
(صحيح مسلم ٣/١٢٠٦ ح ١٥٧٩ - ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر).
206
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالا: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا زهير، حدثنا سماك بن حرب. حدثني مصعب بن سعد عن أبيه، أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب. قالت: زعمت أن الله وصّاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد. فقام ابن لها يقال له عُمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد. فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصله في عاميِن أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير) لقمان: ١٥، وفيها (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) قال: وأصاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غنيِمة عظيمة، فإذا فيها سيف فأخذته، فأتيت به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلتُ: نفّلنى هذا السيف، فأنا من قد علمت حاله. فقال: "رُدّه من حيث أخذته" فانطلقت حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي، فرجعت إليه فقلتُ: أعطنيه. قال: فشد لي صوته: "ردّه من حيث أخذته". قال: فأنزل الله عز وجل (يسألونك عن الأنفال) الأنفال: ١. قال: ومرضت فأرسلت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتاني، فقلتُ: دعني أقسم مالي حيث شئت. قال: فأبى. قلت: فالنصف. قال: فأبى. قلت: فالثلث. قال: فسكت. فكان بعد الثلث جائزاً. قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً -وذلك قبل، أن تحرّم الخمر- قال: فأتيتهم في حش -والحش البستان- فإذا رأس جزور مشوي عندهم، وزق من خمر، قال: فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصار والمهاجرون عندهم، فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، قال: فأخذ رجل أحد لحيى الرأس فضربني به فجرح بأنفي، فأتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته، فأنزل الله عز وجل فيّ -يعني نفسه- شأن الخمر (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان).
(صحيح مسلم ١٤/١٨٧٧ ح ١٧٤٨ - ك فضائل الصحابة، ب في فضل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -).
207
قال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز (يعنى الدراوردي) عن عمارة بن غزية، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رجلا قدم من جيشان (وجيشان من اليمن) فسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرّة يقال له المِزر، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أو مسكر هو؟ " قال: نعم. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل مسكر حرام. إن على الله -عز وجل- عهداً لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طينة الخبال". قالوا: يا رسول الله وماطينة الخبال؟ قال: "عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار".
(صحيح مسلم ٣/١٥٨٧ ح ٢٠٠٢ - ك الأشربة، ب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام).
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن منير قال: سمعت أبا عاصم، عن شبيب بن بشر، عن أنس بن مالك قال: لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له.
(السنن ٣/٥٨٠ ح ١٢٩٥ - ك البيوع، ب النهي أن يتخد الخمر خلا) وقال: حديث غريب، وأخرجه ابن ماجة (السنن ٢/١١٢٢ ح ٣٣٨١ - ك الأشربة، ب التجارة في الخمر) من طريق محمد بن سعيد التستري عن أبي عاصم به. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح الترمذي ٢/٢٧) وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة ٦/١٨١-١٨٣) من طرق عن شبيب بن بشر به، وحسن محققه أسانيدها).
انظر حديث عمر المتقدم في سورة البقرة عند الآية (٢١٩).
قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ابن همام، حدثنا سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب بالمدينة قال؟ "يا أيها الناس: إن الله تعالى يعرض بالخمر، ولعل الله سينزل فيها أمراً، فمن كان عنده شيء فليبعه ولينتفع به". قال: فما لبثنا إلا يسيراً حتى قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده شيء فلا يشرب ولا يبع". قال: فاستقبل الناس بما كان عنده منها في طريق المدينة، فسفكوها.
(الصحيح ٣/١٢٠٥ ح ١٥٧٨ - ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر).
208
قال أبو داود: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي، ثنا يزيد بن هارون الواسطي، ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه".
(السنن ٤/١٦٤ ح ٤٤٨٤ - ك الحدود، ب إذا تتابع في شرب الخمر)، وأخرجه النسائي (السنن ٨/٣١٤ - ك الأشربه، ب ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر)، وابن ماجة (السنن ٢/٨٥٩ ح ٢٥٧٢ - ك الحدود، ب في شرب الخمر مراراً) كلاهما من طريق شبابة، عن ابن أبي ذئب به. وأخرجه أحمد (المسند ح ٧٨٩٨، ١٠٥٥٤) عن يزيد عن ابن أبي ذئب به. والحديث صحيح أفاض الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند في تصحيحه وذكر شواهده. وصححه كذلك الألباني (السلسلة الصحيحة ح ١٣٦٠).
وانظر حديث أبي داود عن أبي موسى الأشعري المتقدم تحت الآية رقم (٢١٩) من سورة البقرة.
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من لعب بالنردشير، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه".
(الصحيح ٤/١٧٧٠ ح ٢٢٦٠ - ك الشعر، ب تحريم اللعب بالنردشير).
قال النسائي: أنا محمد بن عبد الرحيم صاعقة، أنا حجاج بن منهال، نا ربيعة ابن كلثوم بن جبير عن أبيه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتى إذا نهلوا عبث بعضهم ببعض، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته
فيقول: قد فعل هذا بي أخي - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما فعل بي هذا فوقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله عز وجل: (إنما الخمر والميسر) إلى قوله: (فهل أنتم منتهون) فقال ناس: هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وفلان قتل يوم أحد فأنزل الله عز وجل (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات).
209
(التفسير ١/٤٤٧-٤٤٨ ح ١٧١)، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ١٢/٥٦ ح ١٢٤٥٩)، والطبري في تفسيره (١٠/٥٧١ ح ١٢٥٢٢)، والحاكم في (المستدرك ٤/١٤١-١٤٢)، والبيهقي في (سننه ٨/٢٨٥-٢٨٦)، كلهم من طريق ربيعة بن كلثوم به مثله. وهذا الإسناد رجاله أئمة ثقات، إلا أن ربيعة بن كلثوم وأباه في حفظهما شيء، وقد روى لهما مسلم رحمه الله. ويشهد لشطر الحديث الأول حديث سعد بن أبي وقاص عند الإمام مسلم، وقد تقدم عند الآية (٩٠) من السورة نفسها، ويشهد لشطره الثاني حديث البراء عند الترمذي وغيره الماضي قبل هذا الحديث مباشرة، فيكون حديث ابن عباس هذا حسناً إن شاء الله. وقد سكت عنه الحاكم - مع نقل السيوطي عنه انه صححه؟ (الدر المنثور ٣/١٥٧-١٥٨). وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح على شرط مسلم. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٧/١٨).
قوله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا)
قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا ثابت عن أنس - رضي الله عنه -: إن الخمر التي أهريقت الفضيخ. وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا منادى، فقال أبو طلحة: اخرُج فانظر ما هذا الصوت، قال: فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حُرّمت. فقال لي: اذهب فأهرقها. قال: فجرت في سكك المدينة. قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ، فقال: بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا).
(صحيح البخاري ٨/١٢٨ ح ٤٦٢٠ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية)، (صحيح مسلم ٣/١٥٧٠ - ك الأشربة، ب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر).
قال مسلم: حدثنا منجاب بن الحارث التميمي وسهل بن عثمان وعبد الله ابن عامر بن زرارة الحضرمي وسُويد بن سعيد والوليد بن شجاع (قال سهل ومنجاب: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا) على بن مسهر عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لمّا نزلت هذه الآية: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا) المائدة: ٩٣ إلى آخر الآية. قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قيل لي: أنت منهم".
(صحيح مسلم ٤/١٩١٠ ح ٢٤٥٩ - ك فضائل الصحابة، ب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما).
210
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم)
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (تناله أيديكم ورماحكم) قال: النبل (رماحكم) تنال كبير الصيد (وأيديكم) تنال صغير الصيد، أخذ الفرخ والبيض.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أيديكم ورماحكم) قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلى الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم، حتى لو شاؤوا نالوه بأيديهم، فنهاهم الله أن يقربوه.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) هذه الآية الكريمة يفهم من دليل خطابها أي مفهوم مخالفتها أنهم إن حلوا من إحرامهم، جاز لهم قتل الصيد، وهذا المفهوم مصرح به في قوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا) يعني: إن شئتم كما تقدم إيضاحه في أول هذه السورة الكريمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) قال: إن قتله متعمدا أو ناسيا حكم عليه، وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة، إلا أن يعفو الله.
قوله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) قال: إذا قتل المحرم شيئاً من الصيد حكم عليه فيه، فإن قتل ظبيا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد، فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام، فإن قتل إيّلا أو نحوه، فعليه بقرة، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل.
قوله تعالى (يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً)
انظر سورة البقرة آية (٤٨) عند قوله تعالى (ولا يؤخذ منها عدل).
قوله تعالى (ومن عاد فينتقم الله منه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو محرم، حكم عليه فيه مرة واحدة، فإن عاد يقال له: ينتقم الله منكم، كما قال الله عز وجل.
قوله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم... )
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا سفيان عن عمرو قال: سمعت جابراً يقول: بعثنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة نرصُدُ عيراً لقريش، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط، فسمي جيش الخبط، وألقى البحر حوتاً يقال له العنبر، فأكلنا نصف شهر، وادَّهنا بودكه حتى صلحت أجسامنا، قال: فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه فنصبه فمر الراكب تحته، وكان فينا رجل، فلمّا اشتد الجوع نحر ثلاث جزائر، ثم ثلاث جزائر، ثم نهاه أبو عبيدة.
(صحيح البخاري ٩/٥٣٠ ح ٥٤٩٤ - ك الذبائح والصيد، ب قوله تعالى (أحل لكم صيد البحر)).
قال الطبري: حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد ابن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم" قال: طعامه ما لفظه ميتاً فهو طعامه.
(التفسير ١١/٧٠ ح ١٢٧٢٩) قال الشيخ محمود شاكر: إسناد صحيح، ورجاله ثقات حفاظ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وطعامه متاعا لكم) يعني: بطعامه، مالحه، وما قذف البحر منه، مالحه.
قوله تعالى (وحرّم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عثمان -هو ابن موهب- قال: أخبرني عبد الله بن أبي قتادة أن أباه أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال: خذوا
ساحل البحر حتى نلتقى، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يُحرم. فبينما هم يسيرون إذ رأوا حُمُر وحش فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا، فنزلوا فأكلوا من لحمها وقالوا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا مابقي من لحم الأتان. فلمّا أتوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالوا: يا رسول الله، إنا كنا أحرمنا، وقد كان أبو قتادة لم يحرم، فرأينا حمر وحش، فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا، فنزلنا فأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا مابقي من لحمها. قال: "منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ " قالوا: لا. قال: "فكلوا ما بقي من لحمها".
(صحيح البخاري ٤/٣٥ ح ١٨٢٤ -ك جزاء الصيد- ب لا يشير المحرم إلى الصيد لكى يصطاده الحلال).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حماراً وحشياً وهو بالأبواء -أو بودان- فردّه عليه فلمّا رأى ما في وجهه قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم".
(صحيح البخاري ٤/٣٨ ح ١٨٢٥ - ك جزاء الصيد، ب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل).
قال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال: حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة، أن سعيد بن المسيب حدثه، عن أبي هريرة أنه سئل عن صيد صاده حلال، أيأكله المحرم؟ قال: فأفتاه هو بأكله، ثم لقي عمر ابن الخطاب رحمه الله فأخبره بما كان من أمره، فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك.
(وصححه أحمد شاكر. التفسير ح ١٢٧٥٤).
قال مسلم: وحدثنا يحيى، قال: قرأت على مالك عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خمس من الدواب، ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب والفأرة والكلب العقور".
(كتاب الحج ح ١١٩٩، ب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرام).
213
قال البخاري: حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خمس من الدواب كلهن فاسق يُقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور".
(صحيح البخاري ٤/٤٢ ح ١٨٢٩ - ك جزاء الصيد، ب ما يقتل المحرم من الدواب).
قوله تعالى (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد) يعنى: قياما لدينهم، ومعالم لحجهم.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)
قال البخاري: حدثني الفضل بن سهل قال: حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو خيثمة حدثنا أبو الجويرية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان قوم يسألون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضلُّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) حتي فرغ من الآية كلها.
(صحيح البخاري ٨/١٣٠ ح ٤٦٢٢ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سعيد، حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يُحرم فحرّم من أجل مسألته".
(صحيح البخاري ١٣/٢٧٨ - ك الاعتصام، ب ما يكره من كثرة السؤال ح ٧٢٨٩).
قال مسلم: حدثنا محمود بن غيلان ومحمد بن قدامة السلمي ويحيى بن محمد اللؤلؤي. وألفاظهم متقاربة (قال محمود: حدثنا النضر بن شميل. وقال الآخران:
214
أخبرنا النضر) أخبرنا شعبة، حدثنا موسى بن أنس عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أصحابه شيء فخطب فقال: "عُرضت عليّ الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً".
قال: فما أتى على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أشدّ منه. قال: غطوا رؤوسهم ولهم خنين. قال: فقام عمر فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، قال: فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال: "أبوك فلان". فنزلت: (يا أيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم).
(صحيح مسلم ٤/١٨٣٢ ح ٢٣٥٩ - ك الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، وأخرجه البخاري بنحوه الصحيح - الفتن باب التعوذ من النفاق ح ٧٠٨٩ ح ٧٢٩٥).
قال البخاري: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم".
(صحيح البخاري ١٣/٢٦٤ ح ٧٢٨٨ - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الإقتداء بسنن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، (صحيح مسلم ٤/١٨٣٠ - ك الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك إكثار سؤاله عمالا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف ومالا يقع، ونحو ذلك ح ١٣٣٧ نحوه).
قوله تعالى (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: البَحيرة التي يُمنع درّها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة: كانوا يسيّبونها لآلهتهم فلا يُحمل عليها شيء. قال: وقال أبو هريرة: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيت عمرو ابن عامر الخزاعى يجرّ قصبه في النار، كان أول من سيّب السوائب". والوصيلة: الناقة البكر تبَكر في أول نِتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يُسيّبونهم
لطواغيتهم أن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضِرابه ودَعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يُحمل عليه شيء، وسموه الحامي. وقال لي أبو اليمان: أخبرنا شعيب عن الزهري سمعت سعيداً يُخبره بهذا قال: وقال أبو هريرة: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نحوه.
ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (صحيح البخاري ٨/١٣٢-١٣٣ ح ٤٦٢٣ -ك التفسير- سورة المائدة)، (صحيح مسلم ٤/٢١٩٢ ح ٥١ - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء. نحوه).
قال البخاري: حدثني محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا يونس عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، ورأيت عَمْراً يَجُر قصبه، وهو أول من سيب السوائب".
(صحيح البخاري ٨/١٣٢-١٣٣ ح ٤٦٢٤ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية). ابن عمرو بن لي قمعه (انظر السيرة النبوية لابن هشام ١/٧٨، والمستدرك ٤/٦٠٥).
قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا قشف الهيئة فقال: هل لك مال؟ قال: قلت: نعم. قال: من أي المال؟ قال: قلت: من كل المال؛ من الإبل والرقيق والخيل والغنم. فقال: إذا آتاك الله مالا فلير عليك. ثم قال: هل تنتج إبل قومك صحاحاً آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحر وتشقها أو تشق جلودها وتقول: هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم. قال: فإن ما آتاك الله عز وجل لك وساعد الله أشد وموسى الله أحدّ. وربما قال: ساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك. قال: فقلت: يا رسول الله أرأيت رجلاً نزلت به فلم يكرمني ولم يقرني ثم نزل بي أجزيه بما صنع أم أقريه؟ قال: أقره.
(المسند ٣/٤٧٣)، وأخرجه الحاكم (المستدرك ٤/١٨١) من طريق وهب بن جرير كلاهما عن شعبة به، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي للطبراني في الصغير وقال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٥/١٣٣)، وصححه الألباني بشواهده في (غاية المرام ح ٧٥).
216
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة) ليسيبوها لأصنامهم (ولا وصيلة)، يقول: الشاة، (ولا حام) يقول: الفحل من الإبل.
قوله تعالى (وأكثرهم لا يعقلون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأكثرهم لا يعقلون) يقول: تحريم الشيطان الذي حرم عليهم، إنما كان من الشيطان، ولا يعقلون.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)
قال الشيخ الشنقيطي: قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله (إذا اهتديتم) لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد. ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد؛ أن الله تعالى أقسم أنه في خسر في قوله تعالى (والعصر. إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل. وقد دلت الآيات كقوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهو عن المنكر، عمهم الله بعذاب من عنده.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن سفيان. ح وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة كلاهما عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب. وهذا حديث أبي بكر. قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
(الصحيح ١/٦٩ ح ٤٩ - ك الإيمان، في بيان كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان... ).
217
قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد الله بن جرير، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، هم أعز منهم وأمنع، لا يُغيّرون، إلا عمّهم الله بعقاب".
(السنن ح ٤٠٠٩ - الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وأخرجه أحمد وأبو داود من طريقين عن جرير به نحوه (المسند ٤/٣٦١، ٣٦٣، ٣٦٤، ٣٦٦)، (السنن٤/١٢٢ - الملاحم، ب الأمر والنهي)، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق كذلك، وصححه ابن حبان (الإحسان ١/٢٥٩ ح ٣٠٠)، وأيضاً صححه الألباني (صحيح الجامع رقم ٥٧٤٩)، وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير ٥/٤٩٣ ح ٨٠٨٥).
قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، عن خالد. ح وثنا عمرو بن عون، أخبرنا هشيم المعني، عن إسماعيل، عن قيس، قال: قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال عن خالد: وإنا سمعنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب". وقال عمرو عن هشيم: وإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب".
قال أبو داود: ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة، وقال شعبة فيه: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله".
(السنن ٤/١٢٢ ح ٤٣٣٨ - ك الملاحم، ب الأمر والنهي)، وأخرجه الترمذى (السنن ٥/٢٥٧ ح ٣٠٥٧ - ك التفسير، ب ومن سورة المائدة) والضياء في (المختارة ١/١٤٦-١٤٧) من طريق يزيد بن هارون. وابن ماجة (السنن ٢/١٣٢٧ ح ٤٠٠٥ - ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من طريق ابن نمير وأبى أسامة، كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد به، وأخرجه أحمد (المسند ١/٢) عن ابن نمير به، قال محققه: إسناد صحيح (المسند ١/١٦٠)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١/٢٦١ ح ٣٠٤)، وأبو يعلى في (مسند ١/١١٨ ح ١٢٨) كلاهما من طريق شعبة، عن إسماعيل به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذى ح ٢٤٤٨)، وصحح إسناده محقق مسند أبي يعلى.
218
قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا: حدثنا عوف، عن سوّار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجل جليد في العين، شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن نحن ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، وكلهم مجتهد لا يألوا، وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك! فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك! قال: فقال الرجل: إني لست إياك أسأل أنا أسأل الشيخ، فأعاد على عبد الله الحديث، فقال عبد الله بن عمر: لعلك ترى -لا أبا لك- أني سآمرك أن تذهب أن تقتلهم! عظهم وانههم، فإن عصوك فعليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون).
(التفسير ١١/١٤٠ ح ١٢٨٥٤)، ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا محمد بن فضيل، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أبو طوالة، ثنا نهار العبدي، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقّن الله عبداً حجته، قالا: يارب رجوتك، وفرِقْتُ من الناس".
(السنن ٢/١٣٣٢ ح ٤٠١٧ - ك الفتن، ب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم)، وأخرجه أحمد (المسند ٣/٧٧) من طريق وهب، عن يحيى بن سعيد به. قال العراقي: رواه ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري، بإسناد جيد. (تخريج الإحياء ٣/١٢٧٣ ح ١٩٢٦) وقال البوصيرى: إسناد صحيح... (مصباح الزجاجة ٢/٣٠٠) وقال الألباني: هذا إسناد جيد (السلسلة الصحيحة ح ٩٢٩).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم) يقول: أطيعوا أمري، واحفظوا وصيتي.
219
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذاً لمن الآثمين)
قال البخاري: وقال لي على بن عبد الله: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعديّ بن بدّاء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلمّا قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوّصاً من ذهب، فأحلفهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم وُجد الجام بمكة فقالوا: ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت).
(صحيح البخاري ٥/٤٨٠ ح ٢٧٨٠ - ك الوصايا، ب قوله الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت..)). وقد حسنه علي بن المديني، كما نقله المزي في (تهذيب الكمال ١٨/٣١٢).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) إلى قوله: (ذوا عدل منكم) فهذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمره الله أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين. ثم قال: (أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره الله تعالى ذكره بشهادة رجلين من غير المسلمين. فإن ارتيب في شهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: لم نشتر بشهادتنا ثمنا قليلا. فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد. فذلك قوله: (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) يقول: إن اطلع على الكافرين كذبا
220
(فآخران يقومان مقامهما) يقول: من الأولياء، فحلفا بالله إن شهادة الكافرين باطلة وإنا لم نعتد فترد شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء. يقول تعالى ذكره: ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم. وليس على شهود المسلمين إقسام، وإنما الإقسام إذا كانوا كافرين.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: سمعت ابن المسيب يقول: (اثنان ذوا عدل منكم) أى: مسلمين (أوآخران من غيركم) أهل الكتاب.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن كاتم الشهادة أثم وبين في موضع آخر أن هذا الإثم من الآثام القلبية وهو قوله: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) ومعلوم أن منشأ الآثام والطاعات جميعاً من القلب، لأنه إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله.
قوله تعالى (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا) إلا علم أنت أعلم به منا.
انظر حديث الحاكم عن أبي أمامة المتقدم تحت الآية (٣١) من سورة البقرة.
وهو حديث: "كم كانت الرسل؟... ").
قوله تعالى (تكلم الناس في المهد)
انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (٤٦) من سورة آل عمران. وهو حديث: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة... ").
قوله تعالى (وإذ تخرج الموتى بإذني)
قال الشيخ الشنقيطي: معناه إخراجهم من قبورهم أحياء بمشيئة الله، وقدرته كما أوضحه بقوله: (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله).
221
قوله تعالى (وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات)
قال الشيخ الشنقيطي: لم يذكر هنا كيفية كفه إياهم عنه، ولكنه بينه في موضع آخر كقوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وقوله: (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) الآية. وقوله: (ومطهرك من الذين كفروا).
قوله تعالى (وإذ أوحيت إلى الحواريين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإذ أوحيت إلى الحواريين) يقول: قذفت في قلوبهم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: الحواري: الوزير.
قوله تعالى (مائدة من السماء)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره (مائدة من السماء) قال: مائدة عليها طعام، أتوا بها، حين عرض عليهم العذاب إن كفروا. ألوان من طعام ينزل عليهم.
قوله تعالى (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
قوله تعالى (فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه)
قال أحمد: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة، عن عمران أبي الحكم السلمي عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادع لنا ربك يصبح لنا الصفا ذهبة، فإن أصبحت ذهبة اتبعناك وعرفنا أن ما قلت كما قلت. فسأل ربه عز وجل، فأتاه جبريل فقال: إن شئت أصبحت لهم هذه الصفا ذهبة، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحنا لهم أبواب التوبة.
قال: "يا رب لا، بل افتح لهم أبواب التوبة".
(المسند ١/٣٤٥)، وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير (١٢/١٥٢ ح ١٢٧٣٦)، والحاكم في (المستدرك ١/٥٣ و٢/٣١٤ و٤/٢٤٠) من طريق سفيان به مثله. ووقع عند الإمام أحمد (١/٢٤٢)
وعند الحاكم في الموضع الأول والثاني (عمران بن الحكم) والصواب المثبت كما نبه على ذلك: الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/٥٠) وابن حجر في تعجيل المنفعة (ص ٣١٩) قال الحاكم في الموضع الثاني: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح. وقال الحاكم أيضاً في الموضع الثالث: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ونقل الشيخ أحمد شاكر عن ابن كثير أنه قال: إسناد جيد. (حاشية المسند رقم٢١٦٦). وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد ٧/٥٠، ١٠/٩٦) وصحح إسناده أحمد شاكر في الموضع المشار إليه عاليه).
قوله تعالى (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق)
قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوُس عن أبي هريرة قال: تلقّى عيسى حُجّته ولقاه الله في قوله: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمّي إلهين من دون الله) قال أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلقاه الله: (سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) الآية كلها.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (سنن الترمذى ٥/٢٦٠ - ك التفسير، سورة المائدة ح /٣٠٦٢)، وأخرج النسائي في (التفسير ١/٤٦٨ ح ١٨٢)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٥/٤٧٤ ح ٩٩٢) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به. وصححه الألبانى في (صحيح سنن الترمذى ٣/٤٨-٤٩).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) متى تكون؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه يقول: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم).
قوله تعالى (وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم)
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً". ثم قال: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) إلى أخر الآية. ثم
قال: "ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يُجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يارب أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا ما دُمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم".
(صحيح البخاري ٨/١٣٥ ح ٤٦٢٥ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) و (١١/٣٨٥- ك الرقاق، ب الحشر)، (صحيح مسلم ٤/٢١٩٤ - ك الجنه وصفة نعيمها وأهلها، ب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (كنت أنت الرقيب عليهم) قال: الحفيظ عليهم.
قوله تعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)
قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن بكر بن سوادة حدّثه عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني) إبراهيم: ٣٦، الآية.
وقال عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت
العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي". وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسلْه ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله. فأخبره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما قال. وهو أعلم.
فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.
(صحيح مسلم ١/١٩١ ح ٢٠٢ - ك الأيمان، ب دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمته وبكائه شفقة عليهم).
قوله تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه)
انظر حديث البخاري عن أبي سعيد المتقدم عند الآية (١٥) من آل عمران.
Icon