ﰡ
بدء نزول القرآن وفضائل ليلة القدر
لقد شرفت ليلة القدر، أي العظمة، بما اشتملت عليه من أعظم حدث إلهي بشري في التاريخ، ألا وهو بدء نزول القرآن الكريم فيها، فصارت ليلة مباركة، كما تضمنت تنزل الملائكة والروح جيريل فيها بكل أمر من أوامر الله تعالى، وأنها سلام من كل سوء، وأمان، واطمئنان، وعافية، ومستجاب الدعاء، من بدايتها حتى طلوعها فجر اليوم التالي.
أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير عن الحسن بن علي: أن ليلة القدر خير من ألف شهر،
ولكنه حديث غريب ومنكر جدا.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) عملها ذلك الرجل. وهذه هي السورة المكية على الصحيح:
[سورة القدر (٩٧) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)
«١» «٢» «٣» [القدر: ٩٧/ ١- ٥].
(٢) هي الليلة المباركة ليلة الشرف الرفيع والقدر العالي. [.....]
(٣) هو جبريل عليه السّلام.
وقد روي أن نزول الملك في حراء، كان في العشر الأواخر من رمضان، وليلة القدر: هي ليلة خصّها الله تعالى بفضل عظيم، وجعلها أفضل من ألف شهر، لا ليلة قدر فيها. وخصت هذه الأمة بهذه الفضيلة، لما رأى محمد صلّى الله عليه وسلّم أعمار أمته، فتقاصرها، ليعوضوا بفضلها من الأعمال ما بلغ به غيرهم من الأمم في أعمارهم الطويلة، فالعمل فيها خير من العمل في ألف شهر.
وفضائل هذه الليلة كثيرة وهي:
- وما أعلمك ما ليلة القدر؟ وهذا لتفخيم شأنها وتعظيم قدرها، وبيان مدى شرفها، وهي خير وأفضل من ألف شهر، لأن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وألف شهر: هي ثمانون سنة، وثلاثة أعوام، وثلث عام.
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه».
- وفي ليلة القدر تهبط الملائكة وجبريل من السماوات إلى الأرض بكل أمر ومن أجل كل أمر قدّر في تلك الليلة إلى سنة قابلة. ذكر ابن عباس وقتادة وغيرهما: أنها سميت ليلة القدر، لأن الله تعالى يقدّر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العام كلها،
والروح: هو جبريل عليه السّلام، خص بالذكر لزيادة شرفه، فيكون من باب عطف الخاص على العام. و (من) لابتداء الغاية، أي نزولهم من أجل هذه الأمور المقدرة وبسببها.
وتكون هذه الليلة في أوتار العشر الأواخر من رمضان، فينبغي لمرتقبها أن يرتقبها من ليلة عشرين في كل ليلة إلى آخر الشهر، أي في الأيام الفردية، وهي العشرون، والحادي والعشرون، والثالث والعشرون، والخامس والعشرون، والسابع والعشرون، والتاسع والعشرون.
أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان..».
- وهذه الليلة المحاطة بالخير بنزول القرآن والملائكة: هي سلامة وأمن وخير وبركة كلها، لا شر فيها، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، يستمر فيها نزول الخير والبركة، ونزول الملائكة بالرحمة، فوجا بعد فوج، إلى طلوع الفجر. وسَلامٌ هِيَ أي من كل أمر مخوف، قال مجاهد: لا يصيب أحدا فيها داء. وقال الشعبي ومنصور: سَلامٌ بمعنى التحية، أي تسلّم الملائكة على المؤمنين، فيكون المراد بكلمة سَلامٌ إما السلامة فيها من كل أمر سوء، أو بمعنى التحية.
والقائلون بانتهاء الكلام في قوله تعالى: سَلامٌ يرون أن قوله تعالى: هِيَ إنما هو إشارة إلى أنها ليلة سبع وعشرين من الشهر، إذ هذه الكلمة: هي السابعة والعشرون من كلمات هذه السورة.
أخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «خرج
والمراد: إذا مضت واحدة وعشرون: فالتي تليها التاسعة، وإذا مضى الثلاث والعشرون فالتي تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون، فالتي تليها الخامسة.