تفسير سورة المائدة

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة المائدة من كتاب مجاز القرآن المعروف بـمجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة معمر بن المثنى . المتوفي سنة 209 هـ

(بسم الله الرّحمن الرّحيم)

سورة المائدة (٥)
«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (١) واحدها عقد، ومجازها: العهود والأيمان التي عقدتم. وقال الخطيئة:
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدّوا العناج وشدّوا فوقه الكربا «١»
ويقال: اعتقد فلان لنفسه، ويقال: وفيت وأوفيت.
«وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (١) «٢» واحدها حرام، قال:
فقلت لها فيئى إليك فإنّنى حرام وإنى بعد ذاك لبيب «٣»
(١) : ديوانه ٥٩- وأورده أبو رياش فى شرح الهاشميات للكميت ٩٠ وهو فى الطبري ٦/ ٢٨ والزجاج ١/ ١٠٨ آوالاقتضاب ٣٥١ والقرطبي ٦/ ٣٢ واللسان (عنج) وشواهد الكشاف ٢٧.
(٢) «أنتم... حرام» هكذا فى البخاري، قال ابن حجر (٨/ ٢٠١) : هو قول أبى عبيدة.
(٣) : القائل المضرب بن كعب بن زهير، والبيت فى السمط ٧٩ والاقتضاب ٤٧٥ والقرطبي ٦/ ٣٦ والزجاج ١/ ١٠٩ ورواه القتبى عن أبى عبيدة بغير عزو فى أدب الكاتب ٦٣٩.
أي مع ذاك، والمعنى محرم.
«شَعائِرَ اللَّهِ» «١» (٢) واحدتها شعيرة وهى الهدايا، ويدلك على ذلك قوله:
«حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» (٢/ ١٩٦)، وأصلها من الإشعار وهو أن يقلّد، أو يحلل أو يطعن شقّ سنامها الأيمن بحديدة ليعلمها بذلك أنّها هدية، وقال الكميت:
نقتّلهم جيلا فجيلا تراهم... شعائر قربان بها يتقرّب «٢»
الجيل والقرن واحد، ويقال: إن شعائر الله هاهنا المشاعر الصّفا والمروة ونحو ذلك.
«وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ» (٢) ولا عامدين، ويقال: أممت.
وتقديرها هممت خفيفة. وبعضهم يقول: يمّمت، وقال:
إنّى كذاك إذا ما ساءنى بلد... يمّمت صدر بعيري غيره بلدا «٣»
«٤»
(١) «شعائر الله... الهدايا» : أخذها الزجاج (١/ ١٠٩ ب) باختلاف يسير. [.....]
(٢) : فى الهاشميات ٤٨- والقرطبي ٦/ ٣٨ والسجاوندى (كوبريلى) ١/ ١٣٨ ورد فى اللسان والتاج (شعر) على أنه من إنشاد أبى عبيدة.
(٣) «ولا آمين... بلدا» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري ٨/ ٢٠٤.
(٤) : فى فتح الباري ٨/ ٢٠٤.
146
«وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ» (٢) مجازه: ولا يحملنّكم «١» ولا يعدينّكم، وقال:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة... جمعت فزارة بعد ما ان يغضبوا «٢»
ومجاز «شَنَآنُ قَوْمٍ» أي بغضاء قوم، «٣» وبعضهم يحرّك حروفها، وبعضهم يسكّن النون الأولى كما قال الأحوص:
وما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهى... وإن لام فيه ذو الشّنآن وفنّدا «٤»
(١) ولا يحملنكم: هكذا فى فتح الباري ٨/ ٢٠٩.
(٢) : قال ابن السيد فى عزو هذا البيت: البيت لأبى أسماء بن الضريبة وقيل بل هو لعطية بن عفيف (الاقتضاب ٣١٣)، وهو فى الكتاب ١/ ٤١٨ ومعانى القرآن للفراء ٨٠ آوالطبري ٦/ ٣٦ والقرطبي ٦/ ٤٥ والسجاوندى (كوبريلى) ١/ ١٣٨ ب والشنتمرى ١/ ٤٦٩ واللسان والتاج (جرم) والخزانة ٤/ ٣١٠ وشواهد الكشاف ٣٢.
(٣) «شنآن... البغضة» الذي ورد فى الفروق، رواه فى اللسان (شنأ) عن أبى عبيدة.
(٤) : هو أحد أبيات وردت فى الشعراء ٣٣٠ والحجمى ١٣٧ والأغانى ١٣/ ١٥٣ وهو فى الطبري ٦/ ٣٧ والصحاح واللسان والتاج (شنأ) والسجاوندى (كوبريلى) ١/ ١٣٨ ب.
147
وبعضهم يقول: «شَنَآنُ قَوْمٍ» تقديره «أبان»، ولا يهمزه، وهو مصدر شنيت، وله موضع آخر معناه: شنئت حقك أقررت به وأخرجته من عندى كما قال العجّاج:
زلّ بنو العوّام عن آل الحكم وشنئوا الملك لملك ذى قدم «١»
شنئوا الملك: أخرجوه وأدّوه وسلّموا إليه. [وقدم]. قال الله تبارك وتعالى: «أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (١٠/ ٢) قدم: منزلة ورفعة، وقدم من القديم، وقدم إذا تقدم أمامه، وقال الفرزدق:
ولو كان فى دين سوى ذا شنئتم لنا حقّنا أو غصّ بالماء شاربه «٢»
«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» (٣) : مخفّفة، وهى تخفيف ميّتة، ومعناهما واحد، خفّفت أو ثقّلت. كقول ابن الرّعلاء: «٣»
(١) ديوانه ٥٥ واللسان والتاج (شنأ).
(٢) ديوانه ٥٦- والكامل ٣٧١ والأغانى ٢/ ٦ والصحاح واللسان والتاج (شنأ).
(٣) ابن الرعلاء: أحد بنى عمرو بن مازن، شاعر جاهلى غسانى اسمه عدى. وانظر ترجمته فى معجم المرزباني ٢٥٢ والسمط ٥٨ الخزانة ٤/ ١٨٨.
148
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميّت الأحياء «١»
إنما الميت من يعيش ذليلا سيّئا باله قليل الرّجاء
واسم ابن الرّعلاء كوتىّ، «٢» والكؤتىّ، والكوتىّ يهمز، ولا يهمز.
والكوتى من الخيل والحمير: القصار. قال: فلا أدرى أيكون فى الناس أم لا قال: ولا أدرى الرّعلاء أبوه أو أمّه.
«وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ» (٣) مجازه: وما أهلّ به لغير الله، ومعناه:
وما ذكر غير اسم الله عليه إذا ذبح أو نحر، وهى من استهلال الكلام، قال
(١) البيت فى الأصمعيات ٥ وتهذيب الألفاظ ٤٤٨ والمعجم للمرزبانى ٢٥٢ والسمط ٨ والخزانة ٤/ ١٧٤ ونسبهما البحتري (فى الحماسة ٢١٤) وياقوت (فى الإرشاد ١٢/ ٩) إلى صالح بن عبد القدوس، وكان الحسن البصري يتمثل بالبيت الأول فى مجلسه وقصصه ومواعظه حسبما رواه الجاحظ (البيان ١/ ١٣٢)، والأول منهما فى الزجاج (١/ ١١٠ آ) من غير عزو.
(٢) ما قاله أبو عبيدة من أن اسمه كوتى لم أقف عليه فى غير التاج (كوت) حيث قال.
الكوتى كرومى أهمله الجوهري، وقال أبو عبيدة: هو الرجل القصير، والثاء لغة فيه، ولكنى رأيت فى الهامش من نسخة الصحاح زيادة الدميم بعد القصير، وزاد فى التكملة:
الكوتى بن الرعلاء بالفتح ممدودا. وقال فى مادة «كوث» : والكوثى القصير كالكوثى من التهذيب، وكوثى ابن الرعلاء شاعر.
149
رجل، وخاصم إلى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الجنين: «أرايت من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهلّ، أليس مثل ذلكم يطلّ». «١» ومنه قولهم:
أهلّ بالحجّ أي تكلّم به، وأظهره من فيه.
وقال ابن أحمر:
يهلّ بالفرقد ركبانها كما يهلّ الرّاكب المعتمر «٢»
يقال: معتمر ومعتم، والعمار والعمامة، وكل شىء على الرأس من إكليل أو تاج أو عمامة، فهو عمار وله موضع آخر.
ما ذبح لغيره، كقول ابن هرمة:
كم ناقة قد وجأت لبّتها بمستهلّ الشّؤبوب أو جمل «٣»
أي بمنفجر.
(١) «الجنين... يطل» : قد مر تخريج هذا الحديث فى ص ٦٤ وانظر الطبري ٦/ ٣٨.
(٢) فى الجمهرة ٢/ ٣٨٧ والطبري ٦/ ٣٨ والقرطبي ٢/ ٢٢٤ واللسان (هلل).
وذكره ابن دريد على أنه من إنشاد أبى عبيدة، وأنه فسر المعتمر الذي فى بيت ابن أحمر، بالمعتم. [.....]
(٣) فى ذيل السمط ٥٢. - اللبة: اللهزمة التي فوق الصدر، وفيها تنحر الإبل، والشئبوب الدفعة من المطر وغيره (اللسان).
150
«وَالْمُنْخَنِقَةُ» (٣) : التي انخنقت فى خناقها حتى ماتت.
«وَالْمَوْقُوذَةُ» (٣) : التي تضرب حتى توقذ فتموت منه أو ترمى يقال:
رماه بحجر، فوقذه يقذه وقذا ووقوذا.
«وَالْمُتَرَدِّيَةُ» (٣) : التي تردّت فوقعت فى بئر أو وقعت من جبل أو حائط أو نحو ذلك فماتت.
«وَالنَّطِيحَةُ» (٣) : مجازها مجاز المنطوحة حتى ماتت.
«وَما أَكَلَ السَّبُعُ» (٣) وهو الذي يصيده السّبع فيأكل منه ويبقى بعضه ولم يذكّ، وإنما هو فريسة.
«إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» (٣) : وذكاته أن تقطع أوداجه أو تنهر دمه وتذكر اسم الله عليه إذا ذبحته، كقوله:
نعم هو ذكّاها وأنت أضعتها وألهاك عنها خرفة وفطيم «١»
الخرفة اجتناء، اخترف اجتنى.
(١) : لم أجده فى مظانه.
151
«وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ» (٣) وهو واحد الأنصاب، «١» وكان أبو عمرو يقول: نصب بفتح أوله ويسكن الحرف الثاني منه.
والأنصاب: الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه.
«وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ» (٣) وهو من استفعلت من قسمت أمرى، بأن أجيل القداح لتقسم لى أمرى: أأسافر أم أقيم أم أغزو أو لا أغزو ونحو ذلك فتكون هى التي تأمرنى وتنهانى ولكلّ ذلك قدح معروف «٢» وقال:
ولم أقسم فتر بثني القسوم «٣»
(١) «النصب... الأنصاب» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري ٨/ ٢٠٨.
(٢) «وأن تستقسم... معروف» : قال البخاري: والاستقسام أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره. وقال ابن حجر:
قال أبو عبيدة الاستقسام من قسمت القسوم (فتح الباري ٨/ ٢٠٨).
(٣) فى الطبري ٦/ ٤٢ وفتح الباري ٨/ ٢٠٨. - والزبث: حبسك الإنسان عن حاجته وأمره بعلل (اللسان).
152
ويقال: ربثه يربثه ربثا إذا حبسه. وواحد الأزلام: زلم وزلم لغتان وهو القدح. «١»
«ذلِكُمْ فِسْقٌ» (٣) أي كفر.
«وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» (٣) أي اخترت لكم.
«فِي مَخْمَصَةٍ» (٣) أي مجاعة، وقال الأعشى:
تبيتون فى المشتى ملاء بطونكم وجاراتكم سغب يبتن خمائصا «٢»
أي جياعا.
«غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ» (٣) أي غير متعوّج مائل إليه، وكل منحرف، وكل أعوج فهو أجنف. «٣»
«قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ» (٤) أي الحلال. «٤»
(١) «وواحد... القدح» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة أثناء شرحه لقول البخاري: وقال غيره الزلم القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام (فتح الباري ٨/ ٢٠٨).
(٢) : ديوانه ١٠٩- والطبري ٦/ ٤٨ والسمط ٧٧٣ والقرطبي ٦/ ٦٤ وشرح المضنون به ٥٤٨.
(٣) وكل أعوج فهو أجنف. نقل فى الطبري ٦/ ٤٨.
(٤) أي الحلال: هكذا فى الطبري ٦/ ٤٩ والقرطبي ٦/ ٦٥.
«وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ» (٤) أي الصوائد، ويقال: فلان جارحة أهله أي كاسبهم، وفى آية أخرى: «ومن يجترح» (؟) «١» أي يكتسب، ويقال:
امرأة أرملة لا جارح لها، أي لا كاسب لها، «٢» وفى آية أخرى: «اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ»
(٤٥/ ٢٠) كسبوا، «وما جَرَحْتُمْ» (٦/ ٦٠) أي ما كسبتم.
«مُكَلِّبِينَ» (٤) أصحاب كلاب، وقال طفيل الغنوىّ:
تبارى مراخيها الزّجاج كأنها ضراه أحسّت نبأة من مكلّب «٣»
«وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ» (٥) أي ذوات الأزواج، وقد فرغنا قبل هذا منه.
«مُسافِحِينَ» (٥) أي زانين، والسّفاح: الزّناء.
«أُجُورَهُنَّ» (٥) : مهورهن.
(١) ومن يجترح: هكذا وردت فى الأصول كلها. ولعله يريد الآية «ومن يقترف» ٢٣ من سورة الشورى.
(٢) «امرأة... كاسب لها» : هذا القول فى القرطين (١/ ١٣٩) بحذف: أرملة.
(٣) : طفيل: قد مرت ترجمة طفيل الغنوي، والبيت فى ديوانه ٩ وهو من كلمة فى العيني ٣/ ٢٥ يصف بها الخيل.
«حَبِطَ عَمَلُهُ» (٦) أي ذهب.
«وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ» (٦) «١» مجرور بالمجرورة التي قبلها، وهى مشتركة بالكلام الأول من المغسول، والعرب قد تفعل هذا بالجوار، والمعنى على الأول، فكأن موضعه «واغسلوا أرجلكم»، فعلى هذا نصبها من نصب الجرّ، لأن غسل الرجلين جاءت به السّنة، وفى القرآن: «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» (٧٤/ ٣١) فنصبوا الظالمين على موضع المنصوب الذي قبله، والظالمين: لا يدخلهم فى رحمته والدليل على الغسل أنه قال: «إلى الكعبين»، ولو كان مسحا مسحتا إلى الكعبين، لأن المسح على ظهر القدم «والكعبان» هاهنا: الظاهران لأن الغسل لا يدخل إلى الداخلين.
«وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» (٧) والواحد والإثنين والجميع فى الذكر والأنثى لفظه واحد: هو جنب، وهى جنب، وهما جنب، وهم جنب، وهنّ جنب.
«أَوْ عَلى سَفَرٍ» (٦) أو فى سفر.
«أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ» (٦) كناية عن إظهار لفظ قضاء الحاجة فى البطن، وكذلك قوله تبارك وتعالى «أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ» كناية عن الغشيان «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (٦) أي تعمدوا صعيدا، أي وجه الأرض، طيبا أي طاهرا.
(١) «أرجلكم» قرأ ابن عامر والكسائي وحفص بنصب اللام، والباقون بفتحها (الدان ٩٨)
«مِنْ حَرَجٍ» (٦) أي ضيق.
«بِذاتِ الصُّدُورِ» (٧) مجازها: بحاجة الصدور لأنها مؤنثة.
«قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ» (٩) أي قائمين بالعدل، يقومون به، ويدومون عليه.
«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» (٩) أي خيرا أي فاضلة بهذه، ثم قال، مستأنفا: «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» (٩) فارتفعتا على القطع من أول الآية والفعل الذي فى أولهما، وعملت فيهما «لهم».
«وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً» (١٢) أي ضامنا ينقب عليهم وهو الأمين والكفيل على القوم.
«وَعَزَّرْتُمُوهُمْ» (١٢) : نصرتموهم وأعنتموهم ووقّرتموهم وأيّدتموهم، «١» كقوله:
(١) «وعزرتموهم... أيدتموهم» : وقال الطبري (٦/ ٧٧) : واختلف أهل العربية فى تأويله... حدثت بذلك عن أبى عبيدة معمر بن المثنى عنه، وكان أبو عبيدة يقول معنى ذلك نصرتموهم وأنشد فى ذلك «وكم من... البيت» وكان الفراء يقول:
العزر الرد عزرته رددته إذا رأيته يظلم فقلت اتق الله أو نهيته فذلك العزر. وأولى هذه الأقوال عندى فى ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك نصرتموهم... إلخ. [.....]
وكم من ماجد لهم كريم... ومن ليث يعزّر فى النّدى «١»
وقال يونس: أثنيتم عليهم. «٢» قال الأثرم: «٣» والتعزير فى موضع آخر: أن يضرب الرجل دون الحدّ.
«سَواءَ السَّبِيلِ» (١٢) : أي وسط الطريق وقال حسان:
يا ويح أنصار النبي ونسله... بعد المغيّب فى سواء الملحد (٦١)
«فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ» (١٣) : فبنقضهم، «٤» والعرب تستعمل «ما» فى كلامها توكيدا وإن كان الذي قبلها بجرّ جررت الاسم الذي بعدها، وإن كان مرفوعا رفعت الاسم، وإن كان منصوبا نصبت الاسم كقولهم: ليت من العشب خوصة.
(١) : روى الطبري ٦/ ٨٧ والقرطبي ٦/ ١١٤ هذا البيت عنه وهو فى السجاوندى (كوبريلى) ١/ ١٤١ ب.
(٢) أثنيتم عليهم: روى السجاوندى (كوبريلى ١/ ١٤١ ب) هذا الكلام عن يونس.
(٣) الأثرم: هو أبو الحسن الأثرم الذي يروى هذا الكتاب عن أبى عبيدة، وقد مرت ترجمته فى ص ١.
(٤) «فبما نقضهم... فبنقضهم» : هكذا فى البخاري، قال ابن حجر: هو تفسير قتادة أخرجه الطبري من طريقه، وكذا قال أبو عبيدة فبما نقضهم أي فبنقضهم، قال:
والعرب تستعمل... إلخ (فتح الباري ٨/ ٢٠٢).
157
«قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً» (١٣) أي يابسة صلبة من الخير وقال:
وقد قسوت وقسا لدّتى «١»
ولدّتى ولداتى واحد، وكذلك عسا وعتا سواء.
«يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ» (١٣) يزيلون.
«وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ» (١٣) أي نصيبهم من الدين.
«عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ» (١٣) أي على خائن منهم، والعرب تزيد الهاء فى المذكّر كقولهم: هو راوية للشعر، ورجل علّامة، «٢» وقال الكلابىّ:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن للغدر خائنة مغلّ الإصبع «٣»
(١) : فى الطبري ٥/ ٨٩ والقرطبي ٦/ ١١٤.
(٢) أي على... علامة: حكى الطبري (٦/ ٩٠) هذا الكلام عن بعض القائلين ولعله يعنى أبا عبيدة كما يفعل كثيرا.
(٣) : البيت من كلمة فى الكامل ٢٠٤، وقائله رجل من بنى أبى بكر بن كلاب وحوله، وحول بقية الأبيات قصة فصلها المبرد فى الكامل، وقد ورد البيت أيضا فى إصلاح المنطق ٢٩٥ والطبري ٦/ ٩٠ والقرطبي ١/ ٢٥٠ واللسان فى مادتى (صبع، وخون) وشواهد الكشاف ١٦٨.
158
وقد قال قوم بل «خائنة منهم» هاهنا الخيانة، والعرب قد تضع لفظ «فاعلة» فى موضع المصدر كقولهم للخوان مائدة، وإنما المائدة التي تميدهم على الخوان يميده ويميحه واحد، وقال:
إلى أمير المؤمنين الممتاد «١» أي الممتاح.
«فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ» (١٤) : والإغراء: التهييج والإفساد «٢»
«وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما» (١٧) والسموات جماع والأرض واحد فقال: «ما بينهما». فذهب إلى لفظ الإثنين، والعرب إذا وحّدوا
(١) : من أرجوزة لرؤبة فى ديوانه ٤٠، وهو فى الطبري ٧/ ٨٩ والقرطبي ٦/ ٣٦٨ واللسان (ميد) والزجاج (كوبريلى) ١/ ١٦١ ب.
(٢) «فأغرينا... والإفساد» : وفى البخاري: وقال غيره: الإغراء التسليط، قال ابن حجر: هكذا وقع فى النسخ التي وقفت عليها، ولم أعرف الغير، ولا من عاد عليه الضمير لأنه لم يفصح بنقل ما تقدم عن أحد، نعم سقط «وقال غيره» من رواية النسفي وكأنه أصوب ويحتمل أن يكون المعنى... وكذا فسره أبو عبيدة، والحاصل أن التقديم والتأخير فى وضع هذه التفاسير وقع فى نسخ كتاب البخاري كما قدمناه غير مرة ولا يضير ذلك غالبا وتفسير الإغراء بالتسليط يلازم معنى الإغراء لأن حقيقة الإغراء كما قال أبو عبيدة: التهييج للافساد (فتح الباري ٨/ ٢٠٢).
جماعة فى كلمة، ثم أشركوا بينهما وبين واحد جعلوا لفظ الكلمة التي وقع معناها على الجميع كالكلمة الواحدة، كما قال الراعي:
طرقا فتلك هما همى أقريهما... قلصا لواقح كالقسىّ وحولا «١»
وقد فرغنا منه فى موضع قبل هذا. «٢»
«الْمُقَدَّسَةَ» (٢٢) «٣» المطهّرة، يقال: لاقدّسه الله.
«الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» (٢٢) أي جعل الله لكم وقضاها.
«فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا» (٢٦) مجازها: اذهب أنت وربك فقاتل، وليقاتل ربك أي ليعنك ولا يذهب الله.
«فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» (٢٥) أي باعد وافصل وميّز، وأصله: فعلت خفيفة من فعّلت ثقيلة، كقوله:
يا ربّ فافرق بينه وبينى... أشدّ ما فرّقت بين اثنين «٤»
الفاسقين هاهنا: الكافرين.
«يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ» (٢٦) أي يحورن ويحارون ويضلون. «٥»
(١) قد مر تخريج هذا البيت، وهو فى الطبري ٦/ ٩٤ والقرطبي ٦/ ١١٩.
(٢) «وقد فرغنا... هذا» : أي من البيت وتفسيره أثناء تفسير آية ١٢ من سورة النساء.
(٣) «التي كتب... إلخ». نقل ابن حجر تفسير أبى عبيدة لهذه الآية فى فتح الباري ٨/ ٢٠٢.
(٤) : فى الطبري ٦/ ١٠٤ والقرطبي ٦/ ١٢٨ والسجاوندى ١/ ١٤١ ب (كوبريلى)
(٥) يحارون ويضلون: هكذا فى غريب القرآن لأبى بكر السجستاني ١٩٤. [.....]
«فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» (٢٦) لا تحزن، يقال: أسيت عليه، «١» قال العجّاج:
وانحلبت عيناه من فرط الأسى «٢»
«بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ» (٢٨) أي مددت.
«أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ» «٣» أي أن تحتمل إثمى وتفوز به، وله موضع آخر: أن تقرّ به تقول: بؤت بذنبي، ويقال: قد أبأت الرجل بالرجل أي قتلته، وقد أبأ فلان بفلان، إذا قتله بقتيل. قال عمرو ابن حنىّ التغلبىّ:
ألا تستحى منا ملوك وتتّقى... محارمنا لا يبأء الدّم بالدّم «٤»
ولا يباء الدّم بالدّم سواء فى معناها، ويقال: أبأت بهذا المنزل، أي نزلت.
(١) «فلا تأس... الأسى» قابل رواية نسخة هذه بروايات فى آية ٧١ من هذه السورة.
(٢) فى ديوانه ٢٠.
(٣) «أن تبوء... إلخ» : فى البخاري: تبوء تحمل، قال ابن حجر: قال أبو عبيدة فى قوله تعالى «إِنِّي أُرِيدُ» الآية: وله تفسير آخر تبوء أي تقر، وليس مرادا هنا. (فتح الباري ٨/ ٢٠٢).
(٤) عمرو بن حنى: فارس جاهلى مذكور. ذكره المرزباني فى معجمه ص ٢٠٦، وفى حاشيته كلام عنه نصه: رأيت فى كتاب المجاز لأبى عبيدة: عمرو ابن حبى التغلبي، وقد نقل من خط أبى إسحاق الحربي، وقال: قرأته على المبرد كذا، وصوابه عمرو بن حنى. - والبيت فى واللسان (بوأ) ونسبوه لجابر ابن حنى التغلبي، وهو جابر بن حنى بن حارثة بن عمرو بن معاوية بن عمرو ابن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، ونسب فى الكامل ٣٧١ إلى حبى التغلبي، وفى القرطبي (٦/ ١٢٨) من غير عزو. فلعل عمرو بن حنى هو جابر ابن حنى. وهذا الاختلاف قديم فالمرزبانى يورد الأبيات فى ترجمة عمرو بن حنى برواية محمد بن داود ويقول: وأبو عبيدة وغيره يروون هذه الأبيات لجابر بن حنى التغلبي. وذكره المبرد بياءين لا بنون وياء. واستدل لويس شيخو ببيت من هذه القصيدة المفضلية على أن قائلها كان نصرانيا. وفيه نظر. (القصيدة فى شعراء الجاهلية ١٨٨).
«فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ» (٣٠) أي شجّعته «١» وآتته على قتله، وطاعت له، أي أطاعته.
«سَوْأَةَ أَخِيهِ» (٣١) أي فرج أخيه.
«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ» (٣٢) أي: من جناية ذلك وجرّ ذلك، وهى [مصدر أجلت ذلك عليه.
(١) شجعته: قال الطبري (٦/ ١١٢) : فقال بعضهم معناه فشجعت له نفسه قتل أخيه.
162
قال الخنّوت، «١» وهو توبة بن مضرّس، أحد بنى مالك بن سعد بن زيد مناة ابن تميم وإنما سمّاه الخنّوت الأحنف بن قيس، لأن الأحنف كلّمه فلم يكلمه احتقارا له، فقال إن صاحبكم هذا الخنّوت والخنّوت المتجبّر الذاهب بنفسه، المستصغر «٢» للناس فيما أخبرنى «٣» أبو عبيدة محمد بن حفص بن محبور الأسيدىّ]
وأهل خباء صالح ذات بينهم... قد احتربوا فى عاجل أنا آجله
[فأقبلت فى الساعين أسأل عنهم... سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله]
(١) : الخنوت: شاعر جاهلى، ترجمته فى المؤتلف ٦٨ والسمط ٦٦٠.
بنو مالك... تميم: ابن عبد الله بن عباد بن محرث بن مسعد بن حزام بن سعد ابن مالك... ابن تميم (المؤتلف). - والأحنف بن قيس: ابن معاوية بن حصين ابن حفص بن عبادة... بن زيد مناة بن تميم المشهور بحلمه، وله قصص يطول ذكرها مع عمر ثم مع عثمان فى خلافتهما وقد توفى سنة سبع وستين. انظر المروج للمسعودى ٥/ ٦٩ والكامل لابن الأثير ٤/ ٢٣١ والإصابة ١/ ٢٠١ رقم ٤٢٠.
(٢) (والخنوت. - المستصغر) : قال الآمدى فى ترجمته: وقتل أخواه، فى قصة مذكورة فى كتاب بنى سعد، فأدرك الأخذ بثأرهما... وكان لا يزال يبكى أخويه فطلب إليه الأحنف أن يكف فأبى، فسماه الخنوت وهو الذي يمنعه الغيظ أو البكاء عن الكلام انتهى. وهكذا يختلف سبب تسميته بالخنوت. ولم أقف على هذين المعنيين فى المعاجم. - والبيتان قد اختلفوا فى قائلهما. فقال ابن برى: قال أبو عبيدة هو (أي البيت الأول) للخنوت، قال: وقد وجدته أنا فى شعر زهير فى القصيدة التي أولها: «صحا القلب عن ليلى وأقصر باطله»، قال: وليس فى رواية الأصمعى (اللسان مادة أجل)، وانظر شرح الأعلم الشنتمرى آخر القصيدة العاشرة (طبع لندبرج) وشرح ثعلب (الدار ١٤٥). وقال فى التاج (أجل) : وذكر فى شعر اللصوص أنه للخنوت واسمه توبة وقد نسب البيتان فى بعض المراجع إلى خوات بن جبير الأنصاري أيضا، وانظر إصلاح المنطق ١٠ وشرح السيرافي ٣ ب والطبري ٦/ ١١٦ والزجاج (كوپريلى) ١/ ١١٩ والاختلاف للبطليوسى ٢٢ والقرطبي ٦/ ١٤٥ والسجاوندى (كوپريلى) ١/ ١٤٢ ب وشواهد الكشاف ٢٢٢.
(٣) «فيما أخبرنى.... الأسيدى». كذا فى الأصول.
163
أي جانيه وجارّ ذلك عليهم، ويقال: أجلت لى كذا وكذا، أي جررت إلىّ وكسبته لى.
«مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ» (٣٢) مجازه: أو بغير فساد فى الأرض.
«لَمُسْرِفُونَ» (٣٢) أي: لمفسدون معتدون.
«يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (٣٣) والمحاربة هاهنا: الكفر.
[ «أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ] مِنْ خِلافٍ» (٣٣) يده اليمنى ورجله اليسرى، يخالف بين قطعهما.
«وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ» (٣٥)، أي القربة، أي اطلبوا، واتخذوا ذلك بطاعته، ويقال: توسلت إليه تقرّبت، وقال:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل»
(١) : فى الطبري ٦/ ١٢١ والقرطبي ٦/ ١٥٦ والسجاوندى (كوپريلى) ١٤٣.
الحوائج، وقال عنترة:
إنّ الرّجال لهم إليك وسيلة... أن يأخذوك تكحّلى وتخضّبى «١»
الحاجة، [قال رؤبة:
النّاس إن فصّلتهم فصائلا... كلّ إلينا يبتغى الوسائلا] «٢»
«عَذابٌ مُقِيمٌ» (٣٧) أي دائم، «٣» قال:
فإنّ لكم بيوم الشّعب منّى... عذابا دائما لكم مقيما «٤»
«وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (٣٨) «٥» هما مرفوعان كأنهما خرجا مخرج قولك: وفى القرآن السّارق والسارقة، وفى الفريضة: السارق والسارقة جزاؤهما أن تقطع أيديهما فاقطعوا أيديهما فعلى هذا رفعا أو نحو هذا، ولم يجعلوهما فى موضع الإغراء فينصبوهما، والعرب تقول: الصّيد عندك، رفع وهو
(١) : فى ديوانه من الستة ٣٥- والطبري ٦/ ١٢١ والقرطبي ٦/ ١٥٩ والسجاوندى (كوپريلى) ١٤٣ ب.
(٢) : فى ديوانه ١٢٢.
(٣) أي دائم: هكذا فى الطبري ٦/ ١٣٣ والقرطبي ٦/ ١٥٩.
(٤) : فى الطبري ٦/ ١٣٣ والقرطبي ٦/ ١٥٩ والسجاوندى (كوپريلى) ١/ ١٤٣ ب.
(٥) «والسارق... » قال السجاوندى (كوپريلى) ١٣٤ ب: أبو عبيدة رفع على الإغراء [.....]
فى موضع إغراء، فكأنه قال: أمكنك الصيد عندك فالزمه، وكذلك:
الهلال عندك، أي طلع الهلال عندك فانظر إليه، ونصبهما عيسى بن عمر. ومجاز «أَيْدِيَهُما» مجاز يديهما، وتفعل هذا العرب فيما كان من الجسد فيجعلون الاثنين فى لفظ الجميع.
«نَكالًا مِنَ اللَّهِ» (٣٨) أي عقوبة وتنكيلا.
«لا يَحْزُنْكَ» (٤١) يقال: حزنته وأحزنته، لغتان، وهو محزون، وحزنت «١» أنا لغة واحدة.
«وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ» (٤١) وهو هاهنا من الذين تهوّدوا، فصاروا يهودا.
«وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ» (٤١) : أي كفره.
[ «للسّحت» ] (٤٢) السحت: كسب ما لا يحلّ.
«فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ» (٤٢) أي بالعدل «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (٤٢) أي العادلين.
(١) وحزنت أنا لغة: قال اليزيدي حزنته لغة قريش وأحزنته لغة تميم (القرطبي ٦/ ١٨١)
يقال: أقسط يقسط، إذا عدل، وقوله عز وجل: َ أَمَّا الْقاسِطُونَ»
(٧٢/ ١٥) الجائرون الكفّار، كقولهم هجد: نام، وتهجّد: سهر.
«بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ» (٤٤) أي بما استودعوا، يقال استحفظته شيئا: أي استودعته.
«فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» (٤٥) أي عفا عنه.
«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (٤٥) : أي الكافرون، ومن هاهنا فى معنى الجميع، فلذلك كان فأولئك هم الظالمون وللظلم موضع غير هذا ظلم النّاس بعضهم بعضا، وظلم الّلبن: أن يمخص قبل أن يروب، وظلم السائل ما لا يطيق المسئول عفوا. كقول زهير:
ويظلم أحيانا فينظلم «١» والأرض مظلومة: «٢» لم ينبط بها، ولا أوقد بها نار.
(١) : فى ديوانه ١٥٢- واللسان (ظلم). تمامه:
هو الجواد الذي يعطيك نائله عفوا ويظلم أحيانا فينظلم
ويروى فيظلم.
(٢) والأرض مظلومة: وظلم الأرض. حفرها ولم تكن حفرت قبل ذلك، وقيل هو أن يحفرها غير موضع الحفر (اللسان- ظلم).
«وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ» (٤٦) أي لما كان قبله، «وقفّينا» أي أتبعنا، وقفيت أنا على أثره.
«وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» (٤٨) أي مصدّقا مؤتمنا على القرآن وشاهدا عليه.
«لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً» (٤٨) أي سنة «وَمِنْهاجاً» (٤٨) سبيلا واضحا بيّنا، «١» وقال:
من يك ذا شكّ فهذا فلج ماء رواء وطريق نهج «٢»
« [واحذرهم] أن يفتنوك» (٤٩) أن يضلّوك ويستزلّوك.
«عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ» (٤٩)، وأفتنت لغة، وقال الأعشى أعشى همدان:
لئن فتنتنى لهى بالأمس أفتنت سعيدا فأمسى قد قلا كلّ مسلم «٣»
فيه لغتان
(١) «لكل... بينا» : رواه ابن حجر عن أبى عبيدة فى فتح الباري ٨/ ٢٠٣.
(٢) فى السجاوندى (كوپريلى) ١/ ١٤٤ ا.
(٣) البيت لأعثى همدان، فى ديوانه (٣٤٠) الملحق بديوان الأعشى ميمون.
« [نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا] دائِرَةٌ» (٥٢) أي دولة، والدوائر قد تدور، وهى الدولة، والدوائل تدول، ويديل الله منه، قال حميد الأرقط:
يردّ عنك القدر المقدورا ودائرات الدّهر أن تدورا «١»
«بِالْفَتْحِ» (٥٢) أي بالنّصر.
«يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» (٥٥) أي يديمون الصلاة فى أوقاتها.
«فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ» (٥٦) أي أنصار الله، قال رؤبة:
وكيف أضوى وبلال حزبى «٢» قوله: أضوى أي أنتقص وأستضعف، «٣» من الضّوى.
(١) حميد الأرقط: هو حميد بن مالك بن ربعى بن مخاشن بن قيس أحد بنى ربيعة شاعر إسلامى. انظر ترجمته فى الخزانة ٢/ ٤٥٤ ومعجم الأدباء ٤/ ١٥٥.
والبيت فى الطبري ٦/ ١٦١ والقرطبي ٦/ ٢١٧ والسجاوندى ١/ ١٤٥ ب (كوپريلى)
(٢) ديوانه ١٦- والطبري ١/ ١٦٦ والقرطبي ٦/ ٢٢٢.
(٣) وأستضعف هكذا فى الطبري ١/ ١٦٦.
«هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا» (٥٩) أي هل تكرهون، قال: «١» نقموا أكثر، ونقموا واحد، وهما لغتان ليس أحدهما بأولى بالوجه من الآخر كما قال:
ما نقموا من بنى أميّة إلّا أنهم يحملون ان غضبوا «٢»
«بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً» (٦٠) : تقديرها مفعلة من الثواب على تقدير مصيدة من صدت، ومشعلة من شعلت ومن قرأها «مثوبة» فجعل تقديرها: مفعولة، بمنزلة مضوفة ومعوشة، «٣» كما قال:
وكنت إذا جارى دعا لمضوفة أشمّر حتى ينصف السّاق مئزرى «٤»
فخرج مخرج ميسور ومعسور.
«يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» (٦٤) أي خير الله ممسك.
(١) قال: القائل هو أبو عبيدة.
(٢) البيت لابن قيس الرقيات وهو فى ديوانه ٦٧- والشعراء ٣٤٤ والكامل ٣٩٨ والجمحي ١٣٨ والطبري ٦/ ١٦٧ والأغاني ٤/ ١٦٠، ١٦١ والسمط ٢٩٥ والروض ١/ ٥٠ والقرطبي ٦/ ٢٣٤ والسجاوندى ١/ ١٤٧ آ (كوبريلى) واللسان والتاج (نقم) وشواهد المغني ٢١١ والخزانة ٣/ ٢٦٨ وشواهد الكشاف ٤٧.
(٣) مضوفة: المضوفة أمر يشفق منه. والمعوشة: المعيشة وهى لغة الأزد (اللسان)
(٤) لأبى جندب الهذلي، وهو فى أشعار الهذليين ١/ ٩٩- وإصلاح المنطق ٢٦٩ والطبري ٦/ ١٦٧ والقرطبي ٦/ ٢٣٤ واللسان والتاج (ضيف) والمفصل- ابن يعيش ٧١٠ والعيني ٤/ ٥٨٨.
«وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ» (٦٤) أي جعلنا.
«كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ» (٦٤) أي كلما نصبوا حربا.
«لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ» (٦٥) أي لمحونا عنهم.
«مِنْهُمْ أُمَّةٌ» (٦٦) أي جماعة.
«يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» (٦٧) يمنعك، كقوله:
وقلت عليكم مالكا إنّ مالكا سيعصمكم إن كان فى الناس عاصم «١»
«لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ» (٦٨) أي ليس فى أيديكم حجة ولا حق ولا بيان.
«فَلا تَأْسَ» (٦٨) أي لا تحزن. «عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» (٦٨)، ولا تجزع، وقال العجّاج:
وانحلبت عيناه من فرط الأسى «٢»
والأسى: الحزن، يقال: أسى يأسى، وأنشد:
يقولون لا تهلك أسى وتجلّد (٢٠٦)
(١) فى الطبري ٦/ ١٧٦. [.....]
(٢) روى هذا الشطر فى تفسير الطبري ٦/ ١٧٧ والقرطبي ٦/ ٢٤٥ أيضا.
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى» (٦٦) :«١» والصابىء الذي يخرج من دين إلى دين، كما تصبُؤ النجوم من مطالعها، يقال: صبأت سنّه وصبأ فلان علينا: أي طلع ورفع «الصابئون» لأن العرب تخرج المشرك فى المنصوب الذي قبله من النصب إلى الرفع على ضمير فعل يرفعه، أو استئناف ولا يعملون النصب فيه، ومع هذا إن معنى «إنّ» [معنى] الابتداء، ألا ترى أنها لا تعمل إلا فيما يليها ثم ترفع الذي بعد الذي يليها كقولك: إن زيدا ذاهب، فذاهب رفع، وكذلك إذا واليت بين مشركين رفعت الأخير على معنى الابتداء. سمعت غير واحد يقول:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإنّى وقيّار بها لغريب «٢»
(١) «الصَّابِئُونَ» : قال أبو بكر السجستاني: «صابئين أي خارجين من دين إلى دين، يقال: صبأ فلان إذا خرج من دينه إلى دين آخر وصبأت النجوم خرجت من مطالعها (غريب القرآن ١٠٨).
(٢) من الأبيات التي قالها ضأبى بن الحارث البرجى وهو محبوس بالمدينة فى زمن عثمان بن عفان، فى الأصمعيات ١٦. والبيت فى الكتاب ١/ ٢٩ والكامل ١٨١ والطبري ٦/ ١٢١ والشنتمرى ١/ ٣٨ والقرطبي ٦/ ٢٤٦ وابن يعيش ١/ ١١٣، ٢/ ١١٢٦ والعيني ٢/ ٣١٨ وشواهد المغني ٢٩٣ والخزانة ٤/ ٢٢٣ واللسان والتاج (قير).
172
وقد يفعلون هذا فيما هو أشدّ تمكنا فى النصب من «إنّ». سمعت غير واحد يقول:
وكلّ قوم أطاعوا أمر سيدهم إلّا نميرا أطاعت أمر غاويها «١»
الظّاعنون ولما يظعنوا أحدا والقائلين لمن دار نخلّيها
وربما رفعوا «القائلين»، ونصبوا «الظاعنين».
«فَرِيقاً كَذَّبُوا» (٧٠) : مقدم ومؤخر، مجازه كذبوا فريقا. «وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ» (٧٠) مجازه: يقتلون فريقا.
(١) البيتان لابن خياط العكلي وهما فى الكتاب ١/ ٢٤٩.
173
«وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» (٧١) «١» ف «تكون» : مرفوعة على ضمير الهاء، كأنه قال: «أنه لا تكون فتنة»، ومن نصب «تكون» فعلى إعمال «أن» فيها ولا تمنع «لا» النصب أن يعمل فى الفعل.
«عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ» (٧١) مجازه على وجهين، أحدهما أن بعض العرب يظهرون كناية الاسم فى آخر الفعل مع إظهار الاسم الذي بعد الفعل كقول أبى عمرو الهذلي «أكلونى البراغيث» والموضع الآخر أنه مستأنف لأنه يتم الكلام إذا قلت: عموا وصمّوا، ثم سكتّ، فتستأنف فتقول: كثير منهم، وقال آخرون:
كثير صفة للكناية التي فى آخر الفعل، فهى فى موضع مرفوع فرفعت «كثير» بها.
«أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (٧٥) أي كيف يحدّون ويصدّون عن الخير والدين والحق
(١) «أن لا تكون» : قرأ أبو عمرو حمزة الكسائي برفع النون والباقون بنصبها (الداني ١٠٠).
ويقال: أفكت «١» أرض كذا أي لم يصبها مطر وصرف عنها ولا نبات فيها ولا خير.
«بِاللَّغْوِ» (٨٩) أي بالذي هو فضل: لا والله، وبلى والله، ما لم تحلفوا على حقّ تذهبون به، وما لم تعقدوا عليه أي توجبوا على أنفسكم.
«فَكَفَّارَتُهُ» (٨٩) أي فمحوه.
«وَالْمَيْسِرُ» (٨٩) أي الوجاب أي المواجبة من وجب الشيء والأمر بقداح أو بغيرها والقمار.
«لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ» (٩٤) أي ليختبرنكم وليبتلينكم.
«فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» (٩٥) «٢» فى هذا الموضع الإبل والبقر والغنم، والغالب على النّعم الإبل.
«يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (٩٥) فجاء مصدرا فى القرآن كلّه من جعله صفة على أنه مصدر ولفظه للأنثى والذكر والجميع سواء هى عدل وهم عدل، قال زهير:
(١) «أفكت... » قال الطبري (٦/ ١٧٩) : وقد أفكت الأرض إذا صرف عنها المطر.
(٢) النعم: قال الزجاج (١/ ١٥٨ آكوبريلى) : والنعم فى اللغة الإبل والبقر والغنم، وإن انفرد الإبل قيل لها نعم وإن انفردت الغنم والبقر لم تسم نعما.
175
متى يشتجر قوم يقل سرواتهم هم بيننا فهم رضا وهم عدل «١»
فجعله هشام «٢» أخو ذى الرّمة صفة تجرى مجرى ضخم وضخمة، فقال: عدل، وعدلة للمرأة.
«أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً» (٩٥) مفتوح الأول، أي مثل ذلك، [فإذا كسرت فقلت: عدل فهو زنة ذلك].
«لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ» (٩٥) أي نكال أمره، وعذابه ويقال: عاقبة أمره من الشرّ.
«وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ» (٩٥) رفع لأنه مجازات فيه، فمجازه فمن عاد فإن الله ينتقم منه، وعاد: فى موضع يعود، قال قعنب بن أم صاحب:
(١) : فى ديوانه ١٠٧.
(٢) هشام أخو ذى الرمة: اختلفوا فى إخوة ذى الرمة، فقالوا إنهم أربعة لأم وأب: غيلان ومسعود وهشام وأوفى. وكلهم شعراء وكان أحدهم يقول الأبيات فيزيد فيها ذو الرمة ويغلب عليها وقالوا إخوة ذى الرمة مسعود وهشام وحرقاس ولم يكن فيهم من اسمه أوفى. قال المبرد: وكان هشام من عقلاء الرجال. أنظر الكامل ١٤٨، والشعراء ٣٣٦، والأغانى ١٧/ ١٠٧ والسمط ٥٧٦.
176
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا «١»
أي استمعوا.
«ذُو انْتِقامٍ» (٩٥) : ذو اجتراء.
«جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ» (٩٧) أي قواما، وقال حميد الأرقط:
قوام دنيا وقوام دين «٢»
«ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ» (١٠٣) أي: ما حرّم الله البحيرة التي كان أهل الجاهلية يحرّمونها، وكانوا يحرّمون وبرها وظهرها ولحمها»
ولبنها على النساء، ويحلّونها للرجال، وما ولدت من ذكر أو أنثى فهو بمنزلتها، وإن ماتت البحيرة اشترك الرجال والنساء فى أكل لحمها، وإذا ضرب جمل من ولد البحيرة فهو عندهم حام، وهو اسم له.
(١) من قصيدة لقعنب بن ضمرة وأم صاحب أمه، وهو فى مختارات شعراء العرب، وهو مع بعض الأبيات فى الحماسة ٤/ ١٢، والسمط ٣٦٢، والاقتضاب ٢٩٢.
وشرح المضنون به ٤٧٠، واللسان (أذن) وشواهد المغني ٣٢٦، وشواهد الكشاف ١٤٣، ورواية البيت فى جميع المراجع:...
منى وما سمعوا من صالح دفنوا... وبعده: صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به
وإن ذكرت..... أذنوا
(٢) : فى الطبري ٧/ ٤٦.
(٣) «كانوا... أكل لحمها» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري ٧/ ٢١٣.
177
والسائبة «١» من النّعم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد فعلى هيئة أمها وبمنزلتها، فإذا ولدت السابع ذكرا أو ذكرين، ونحوه، فأكله الرجال دون النساء، وإن أتأمت بذكر أو أنثى، فهو «وَصِيلَةٍ» (١٠٣) فلا يذبح الذكر، يترك ذبحه من أجل أخته وإن كانتا اثنتين تركنا، فلم تذبحا وإذا ولدت سبعة أبطن، كلّ بطن ذكرا وأنثى، قالوا: قد وصلت أخاها وإذا وضعت بعد سبعة أبطن ذكرا أو أنثى قالوا: وصلت أخاها، فأحموها وتركوها ترعى ولا يمسّها أحد فإن وضعت أنثى حيّة بعد البطن السابع كانت مع أمها كسائر النّعم لم تحم لاهى ولا أمّها وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النّساء دون الرجال فإن وضعت ذكرا حيّا بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء وكذلك
(١) «والسائبة» : قال ابن حجر: قال أبو عبيدة: كانت السائبة من جميع الأنعام، وتكون من النذور للأصنام فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء ولا يركبها أحد. قال: وقيل:
178
إن وضعت ذكرا ميّتا بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء وإن وضعت ذكرا وأنثى ميتين بعد البطن السابع، أكلهما الرجال والنساء جميعا بالتسوية وإن وضعت ذكرا وأنثى حيين بعد البطن السابع، أكل الذكر منها الرجال دون النساء، وجعلوا الأنثى مع أمها كسائر النّعم.
قال أبو الحسن الأثرم والسائبة من العبيد، تعتقه سائبة، فلا ترثه أي سيّبته، ولا عقل عليه.
والسائبة من جملة الأنعام: تكون من النذور، يجعلونها لأصنامهم، فتسيّب ولا تحبس عن رعى، ولا عن ماء ولا يركبها أحد.
«حامٍ» (١٠٣)، والحام من فحول الإبل خاصة، إذا نتجوا منه عشرة أبطن، قالوا: قد حمى ظهره، فأحموا ظهره ووبره، وكل شىء منه، فلم يمسّ، ولم يركب، ولم يطرق.
والبحيرة: جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحّروا أذنها وتركت، فلا يمسّها أحد «١» ولا شيئا منها يبحّرون أذنها أي يخرمونها.
والفرع من الإبل أول ولد تضعه الناقة، يفرع لأصنامهم أي يذبح، يقال:
أفرعنا أي ذبحنا تلك. وقال آخرون: بل
(١) «والبحيرة... أحد» : روى ابن حجر هذا الكلام عن أبى عبيدة فى فتح الباري ٨/ ٢١٣. [.....]
179
البحيرة أنّها إذا نتجت الناقة خمسة أبطن فكان آخرها سقبا، أي ذكرا بحّروا أذن الناقة، أي شقوها وخلّوا عنها، فلم تركب ولم يضربها فحل، ولم تدفع عن ماء، ولا عن مرعى، وحرّموا ذلك منها، فتلقى الجائع، فلا ينحرها، ولا يركبها المعيى تحرّجا.
وقالوا: السائبة لا تكون إلّا من الإبل، إن مرض الرّجل نذر إن برىء ليسيبنّ بعيرا، أو إن قدم من سفر، أو غزوة، أو شكر رفع بلاء أو نقمة سيّب بعيرا، فكان بمنزلة البحيرة وكذلك المعتق السائبة فى الإسلام، لا يرثه الذي يعتقه.
وقالوا: الوصيلة من الغنم خاصة إذا ولّدوها ذكرا جعلوها لأصنامهم فتقرّبوا به، وإذا ولّدوها أنثى قالوا: هذه لنا خاصة دون آلهتنا، وإذا ولّدوها ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لإلهتهم لمكانها.
180
وقالوا: بل «الحام» هو كما وصف فى أول هذا الوجه، إلّا أنهم يجعلونه لأصنامهم وآلهتهم، فلا يهاج.
«يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ» (١٠٣) أي يختلقون الكذب على الله.
«فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً» (١٠٧) أي: فإن ظهر عليه، ووقع، وهو من قولهم: «عثرت على الغزل بأخرة، فلم تدع بنجد قردة». «١»
«استحقّ عليهم الأولين» (١٠٧) : واحدها الأولى ومن قرأها:
الْأَوْلَيانِ، «٢» فالواحدة منها: الأولى.
«أَيَّدْتُكَ» (١١٠) أي قوّيتك، يقال: رجل أيّد أي شديد قوىّ.
(١) «عثرت... قردة» : هذا مثل يضرب لمن ترك الحاجة وهى ممكنة، ثم جاء يطلبها بعد القوت. وهو فى الطبري ٧/ ٦٧، وكتاب الأمثال ٧٦. وجمهرة الأمثال ٢/ ٧١، ومجمع الأمثال ١/ ٣٠٥، واللسان والتاج (قرد) والفرائد ٢/ ٤.
(٢) «الأوليان» قرأها أبوبكر وحمزة بالجمع، والباقون على التثنية، وانظر التيسير للدانى ١٠٠.
«كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ» (١١٠) أي كمثل الطير، ومنه قولهم: دعه على هيئته.
«وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ» (١١١) أي ألقيت فى قلوبهم، وقد فرغنا من تفسيرهم فى موضع قبل هذا، «١» وليس من وحي النبوة [إنما هو أمرت، قال العجّاج:
وحي لها القرار فاستقرّت «٢»
أي: أمرها بالقرار. يقال: وحي وأوحى]. «٣»
«هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ» (١١٢) أي هل يريد ربك.
«أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ» (١١٢) [أصلها أن تكون مفعولة، فجاءت فاعلة كما يقولون: تطليقة بائنة، وعيشة راضية وإنما ميد صاحبها بما عليها من الطعام، فيقال: مادنى يميدنى، «٤» قال رؤبة:
إلى أمير المؤمنين الممتاد
أي المستعطى المسئول به امتدتك، ومدتنى أنت]. «٥»
(١) «موضع قبل هذا» : مرفى ص ٩٥.
(٢) : ديوانه ٥- واللسان والتاج (وحي).
(٣) «إنما... وأوحى» : روى القرطبي هذا الكلام عن أبى عبيدة ٦/ ٣٦٣.
(٤) «أصلها... يميدنى» الذي ورد فى الفروق. هذا الكلام فى البخاري، وقال ابن حجر: قال ابن التين: هو قول أبى عبيدة... قال ابن التين: وقوله:
تطليقة بائنة غير واضح إلا أن يريد أن الزوج أبان المرأة، وإلا فالظاهر أنها فرقت بين الزوجين فهى فاعل على بابها (فتح الباري ٨/ ٢١٣).
(٥) «أصلها... أنت» راجع تفسير آية ١٤ من هذه السورة. قال فى الغريبين: فقال أبو عبيدة: إنها فى المعنى مفعولة ولفظها فاعلة، وقال هى مثل عيشة راضية، وقال إنما المائدة من العطاء والممتاد المفتعل المطلوب منه العطاء (ميد)، وورد هذا الكلام فى اللسان (ميد) أيضا. وانظر القرطبي ٦/ ٣٦٧.
«تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا» (١١٤) مجاز العيد هاهنا: عائدة من الله علينا، وحجة وبرهان.
«وَآيَةً مِنْكَ» (١١٤) أي: علما وعلامة.
«وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى» (١١٦) مجازه: وقال الله يا عيسى، و «إذ» من حروف الزوائد،
وكذلك: «وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ» (١١٠) أي علمتك.
«أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي» (١١٦)، هذا باب تفهيم،
وليس باستفهام عن جهل ليعلمه، وهو يخرج مخرج الاستفهام، وإنما يراد به النّهى عن ذلك ويتهدد به، وقد علم قائله أكان ذلك أم لم يكن، ويقول الرجل لعبده: أفعلت كذا؟ وهو يعلم أنه لم يفعله ولكن يحذّره، وقال جرير:
السائبة لا تكون إلا من الإبل إلخ (فتح الباري ٨/ ٢١٣).
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح (٤٣)
ولم يستفهم، ولو كان استفهاما ما أعطاه عبد الملك «١» مائة من الإبل برعاتها.
«اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ» (١١٦) إذا أشركوا فعل ذكر مع فعل أنثى غلّب فعل الذّكر وذكّروهما.
«الرَّقِيبَ» (١١٧) : الحافظ.
«عِبادُكَ» (١١٨) : جمع عبد، بمنزلة عبيد.
(١) عبد الملك: هو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموى. انظر ترجمته فى طبقات ابن سعد ٥/ ١٦٥، والمروج للمسعودى ٥/ ١٩٣، والكامل لابن الأثير ٤/ ٩١، والخبر فى الأغانى ٧/ ٦٧، وشواهد المغني ١٥.
Icon