تفسير سورة القدر

تفسير السمعاني
تفسير سورة سورة القدر من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني .
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة القدر، وهي مدنية.

قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر﴾ أَي: الْقُرْآن، وَقد ذكرنَا أَن الله تَعَالَى أنزل جَمِيع الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقدر إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، ثمَّ أنزلهُ تفاريق على الرَّسُول، بعضه فِي إِثْر بعض وَالْهَاء كِنَايَة عَن الْقُرْآن، وَإِن لم يكن الْقُرْآن مَذْكُورا، وَصَحَّ ذَلِك لِأَنَّهُ مَعْلُوم.
وَلَيْلَة الْقدر: هِيَ لَيْلَة الحكم.
قَالَ مُجَاهِد فِي التَّفْسِير: إِن الله تَعَالَى يقسم فِيهَا [الأرزاق] والأعمال.
وَاخْتلفُوا فِي لَيْلَة الْقدر، فَحكى عَن بَعضهم: أَنَّهَا رفعت حِين توفّي النَّبِي وَلَيْسَ بِصَحِيح، بل هِيَ بَاقِيَة إِلَى قيام السَّاعَة.
وَعَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: فِي الْحول، وَمن يقم حولا يُصِيبهَا.
وَالصَّحِيح أَنَّهَا فِي الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان، وَقد ثَبت بِرِوَايَة زر بن حُبَيْش أَنه قَالَ لأبي بن كَعْب: " إِن أَخَاك عبد الله بن مَسْعُود يَقُول: إِنَّهَا فِي الْحول، فَقَالَ أبي بن كَعْب: يرحم الله أَبَا عبد الرَّحْمَن! لقد علم أَنَّهَا فِي الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان، وَعلم أَنَّهَا لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين، وَلَكِن أَرَادَ أَن لَا يتكل النَّاس على ذَلِك، ثمَّ حلف أبي بن كَعْب، وَلم يسْتَثْن أَنَّهَا لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين، قَالَ زر: فَلَمَّا رَأَيْته يحلف: قلت: يَا أَبَا الْمُنْذر، بِمَ تعرف ذَلِك؟ قَالَ بالعلامة الَّذِي ذكرهَا لنا رَسُول الله، وَهِي أَن تطلع الشَّمْس فِي صبيحتها وَلَا شُعَاع لَهَا ".
260
﴿وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر (٢) لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر (٣) ﴾ وَقد ثَبت أَيْضا عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " تحروها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان ".
أَي: اطلبوها، وَفِي بعض الرِّوَايَات: " اطلبوها فِي الْأَفْرَاد "، وَفِي رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ: " أَنَّهَا لَيْلَة الْحَادِي وَالْعِشْرين ".
وَقيل غير ذَلِك، وَأَصَح الْأَقَاوِيل وأشهرها أَنَّهَا لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين، وَمن قَامَ الْعشْر أدْركهَا قطعا وَحَقِيقَة.
261
وَقَوله: ﴿وَمَا أَدْرَاك مَا لَيْلَة الْقدر﴾ قد بَينا أَن مَا ورد فِي الْقُرْآن على هَذَا اللَّفْظ، فقد أعلمهُ الله تَعَالَى.
وَقَوله: ﴿لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر﴾ أَي: ثَوَاب الْعَمَل فِيهَا أَكثر من ثَوَاب الْعَمَل فِي ألف شهر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقدر، وَذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه بِرِوَايَة يُوسُف بن سعد، أَن الْحسن بن عَليّ - رَضِي الله عَنْهُمَا - لما بَايع مُعَاوِيَة، وَسلم إِلَيْهِ الْخلَافَة، قَالَ لَهُ رجل: يَا مسود وُجُوه الْمُؤمنِينَ، أَو يَا مذل الْمُؤمنِينَ، فَقَالَ: لَا تقل بهَا، فَإِن رَسُول الله أرِي بني أُميَّة على منبره، فساءه ذَلِك، فَأنْزل الله تَعَالَى عَلَيْهِ: ﴿إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر﴾، وَأنزل أَيْضا: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر﴾، وَقَالَ ﴿لَيْلَة الْقدر خير من ألف شهر﴾ أَي: خير من ألف شهر يملك فِيهَا بَنو أُميَّة ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَهُوَ غَرِيب.
وَفِي بعض التفاسير: أَن النَّبِي قَالَ: " إِن رجلا من بني
261
﴿تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا بِإِذن رَبهم من كل أَمر (٤) سَلام هِيَ حَتَّى مطلع الْفجْر (٥) ﴾ إِسْرَائِيل جَاهد أَعدَاء الله ألف شهر، وَكَانَ مَعَ ذَلِك يقوم بِاللَّيْلِ، ويصوم النَّهَار، فَاغْتَمَّ من ذَلِك لقصر أَعمار أمته، وَقلة أَعْمَالهم، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه السُّورَة، وَأخْبر أَنه أعطَاهُ لَيْلَة يكون الْعَمَل فِيهَا خيرا من عمل ذَلِك الرجل ألف شهر ".
وَقد ثَبت فِي فَضلهَا عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من قَامَ لَيْلَة الْقدر إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ".
262
وَقَوله: ﴿تنزل الْمَلَائِكَة وَالروح فِيهَا﴾ أَي: جِبْرِيل فِيهَا.
وَقَوله: ﴿بِإِذن رَبهم من كل أَمر﴾ أَي: لكل أَمر، وَهُوَ مَا ذكرنَا من مقادير الْأَشْيَاء.
وَقَوله: ﴿سَلام هِيَ﴾ فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَن المُرَاد مِنْهُ تَسْلِيم الْمَلَائِكَة على من يذكر الله تَعَالَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: ﴿سَلام﴾ أَي: سَلامَة، وَالْمعْنَى: أَنه لَا يعْمل فِيهَا دَاء وَلَا سحر وَلَا شَيْء من عمل الشَّيَاطِين والكهنة.
وَقَوله: ﴿حَتَّى مطلع الْفجْر﴾ وَقُرِئَ: " مطلع الْفجْر " بِكَسْر اللَّام، فالبفتح على الْمصدر وبالكسر على وَقت الطُّلُوع.
262

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة (١) رَسُول من الله يَتْلُو صحفا مطهرة (٢) فِيهَا كتب قيمَة (٣) وَمَا تفرق الَّذين﴾
تَفْسِير سُورَة لم يكن
وَهِي مَكِّيَّة فِي قَول بَعضهم، (مَدَنِيَّة فِي قَول بَعضهم، وَالله أعلم)
263
Icon