تفسير سورة المائدة

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة المائدة من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ واحدها عَقْد، ومجازها : العهود والأيمان التي عقّدتم. وقال الحُطَيْئة :
قَوْمٌ إذا عَقَدُوا عَقداً لجارِهم شَدّوا العِناجَ وشَدّوا فوقَه الكَرَبا
ويقال : اعتقد فلان لنفسه، ويقال : وفيت وأوفيت.
﴿ وَأنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ واحدها حرام، قال :
فقلتُ لها فِيئى إليكِ فإنّني حَرَامٌ وإني بعد ذاك لَبيبُ
أي مع ذاك، والمعنى محرم.
﴿ شَعَائِرَ اللهِ ﴾ واحدتها شعيرة وهي الهدايا، ويدلك على ذلك قوله :﴿ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْىُ مَحِلَّهُ ﴾، وأصلها من الإشعار وهو أن يُقَلّد، أو يُحلل أو يطعَن شِقّ سَنامِها الأيمن بحديدة ليعلمها بذلك أنّها هدية، وقال الكُميت :
نقُتِّلهم جِيلاً فجِيلاً تَراهُمُ شعائرَ قُرْبانٍ بها يُتقرَّبُ
الجيل والقرن واحد، ويقال : إن شَعائر الله ها هنا المشاعر ؛ الصَّفا والمَرْوة ونحو ذلك.
﴿ وَلاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾ ولا عامدين، ويقال : أمَمَتْ. وتقديرها هَمَمَتْ خفيفة. وبعضهم يقول : يمّمت، وقال :
إنِّي كذاك إذا ما ساءني بلَدٌ يمَّمْتُ صدرَ بَعِيرِي غيرَه بلدا
﴿ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ ﴾ مجازه : ولا يَحْمِلَنَّكُمْ ولا يعْدِينَّكم، وقال :
ولقد طعَنْتَ أبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً جَمَعَتْ فَزَارَة بَعْدَمَا أنْ يغْضَبُوا
ومجاز ﴿ شَنئَان قَوْمٍ ﴾ أي بَغضاء قوم، وبعضهم يحرّكُ حروفها، وبعضهم يسكِّن النون الأولى كما قال الأحْوَصُ :
وَما العَيْشُ إلاّ مَا تَلَذُّ وَتَشْتَهِى وَإنْ لاَمَ فِيهِ ذُو الشَّنَان وَفَنَّدَا
وبعضهم يقول :﴿ شَنَانُ قَوْمٍ ﴾ تقديره " أبان "، ولا يهمزه، وهو مصدرُ شنيت، وله موضع آخر معناه : شنئت حقك أقررتُ به وأخرجته من عندي كما قالَ العَجَّاجُ :
زَلَّ بَنُو الْعَوَّامِ عَنْ آلِ الْحكَمْ وَشَنئوا المُلْكَ لِمَلْكٍ ذِي قَدَمْ
شنئوا الملك : أخرجوه وأدَّوه وسلّموا إليه. ﴿ وقَدَم ﴾. قال الله تبارك وتعالى :﴿ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ قدم : منزلة ورفعة، وقِدَم من القديم، وقدم إذا تقدم أمامه، وقال الفرزدق :
وَلَو كَانَ فِي دِينٍ سِوَى ذَا شَنِئْتُمُ لنَا حَقَّنَا أَوْ غُصَّ بالماءِ شَارِبُهْ
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ : مخَفَّفة، وهي تخفيف ميَتّة، ومعناهما واحد، خُفِّفتْ أو ثُقِّلَتْ. كقول ابن الرّعْلاَء :
ليْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ إنما المَيْتُ مَيِّتُ الأحْيَاءِ
إنما المَيْتُ مَنْ يعِيشُ ذَليلاً سَيِّئا بَالُهُ قَلِيلَ الرَّجَاءِ
واسم ابن الرَّعْلاء كُوِتىّ، والكُؤتِيّ، والكُوِئىّ يهمز، ولا يهمز. والكُوْتى من الخيل والحمير : القصار. قال : فلا أدري أيكون في الناس أم لا ؛ قال : ولا أدري الرَّعْلاءُ أبوه أو أُمّه.
﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ﴾ مجازه : وما أهلَّ به لغير الله، ومعناه : وما ذُكر غيرُ اسم الله عليه إذا ذُبح أو نحر، وهي من استهلال الكلام، قال رجل، وخاصَمَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنين : " أَرَأَيْتَ مَنْ لا شَرِبَ وَلاَ أكلَ ولاَ صَاحَ فَاستهلَّ، أليسَ مثلُ ذلكمْ يُطَلُّ ". ومنه قولهم : أهَلَّ بالحجّ أي تكلَّمَ به، وأظهره من فيه.
وقال ابن أحْمَر :
يُهِلُّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا كمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ المُعْتَمِرْ
يقال : مُعتمِر ومُعْتَم، والعَمار والعِمامة، وكل شيء على الرأس من إكليل أو تاج أو عمامة، فهو عَمَار ؛ وله موضع آخر.
ما ذُبح لغيره، كقول ابن هَرْمة :
كَمْ نَاقَةٍ قَدْ وَجَأتُ لبَّتَهَا بِمُسْتَهِلِّ الشُّؤبُوبِ أوْ جَمَلِ
أي بمنفجر.
﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ ﴾ : التي انحنقت في خناقها حتى ماتت.
﴿ وَالْمَوْقُوذَةُ ﴾ : التي تُضرَب حتى توقذ فتموت منه أو تُرمَى ؛ يقال : رماه بحجر، فوقَذه يقذه وَقْذاً ووُقوذاً.
﴿ وَالْمُتَرَدِّيَةُ ﴾ : التي تردّت فوقعت في بئر أو وقعت من جبل أو حائط أو نحو ذلك فماتت.
﴿ وَالنَّطِيحَةُ ﴾ : مجازها مجاز المنطوحة حتى ماتت.
﴿ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ﴾ وهو الذي يصيده السَّبعُ فيأكل منه ويبقى بعضُه ولم يُذكَّ، وإنما هو فريسة.
﴿ إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ : وذكاته أن تقطع أوداجه أو تنهر دمه وتذكر اسم الله عليه إذا ذبجتَه، كقوله :
نعَمْ هو ذكّاها وأنتِ أضعتِهَا ***وألهاكِ عنها خُرْفةٌ وَفطيمُ
الخُرفة اجتناء، اخترف اجتنى.
﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾ وهو واحد الأنصاب، وكان أبو عمرو يقول : نَصْب بفتح أوله ويسكن الحرف الثاني منه.
والأنصاب : الحجارة التي كانوا يعبدونها، وأنصاب الحرم أعلامه.
﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِاْلأَزْلاَمِ ﴾ وهو من استفعلت من قسمت أمرى، بأن أُجيل القِداح لتقسم لي أمري : أأُسافر أم أُقيم أم أغزو أو لا أغزو ونحو ذلك فتكون هي التي تأمرني وتنهاني ولكلّ ذلك قِدْحٌ معروف وقال :
ولم أقْسِم فترَ بُثَنى القَسومُ
ويقال : رَبثه يربثه رَبْثاً إذا حبسه. وواحد الأزلام : زَلَم وزُلَم لغتان وهو القِدح.
﴿ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ﴾ أي كفر.
﴿ وَرَضِيْتُ لَكُمُ اْلإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ أي اخترت لكم.
﴿ فِي مَخْمَصَةٍ ﴾ أي مَجَاعة، وقال الأعْشى :
تبَيتون في المَشْتَىِ ملاءً بطونُكم وجاراتكمُ سُغْب يبتن خمَائِصا
أي جياعاً.
﴿ غَيْرَ مُتَجَانِف لإِثْمٍ ﴾ أي غير متعوّج مائل إليه، وكل منحرف، وكل أعوج فهو أجنف.
﴿ قُلْ أحِلَّ لَكمُ الطّيِّبَاتُ ﴾ أي الحلال.
﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِن الجَوَارحِ ﴾ أي الصوائد، ويقال : فلان جارحة أهله أي كاسبهم، وفي آية أخرى :﴿ ومن يجترح ﴾ أي يكتسب، ويقال : امرأة أرملة لا جارح لها، أي لا كاسب لها، وفي آية أخرى :﴿ اجترحوا السيئات ﴾ كسبوا، ﴿ وَمَا جَرَحْتُمْ ﴾ أي ما كسبتم.
﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ أصحاب كلاب، وقال طُفَيْل الغَنَويّ :
تُبارى مرَاخيها الزِّجاج كأنها ضِراءٌ أَحَسَّتْ نبأةً من مُكلِّبِ
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ أي ذوات الأزواج، وقد فرغنا قبل هذا منه.
﴿ مُسَافحِينَ ﴾ أي زانين، والسِّفاح : الزّناء.
﴿ أُجُورَهُنَّ ﴾ : مهورهن.
﴿ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾ أي ذهب.
﴿ وَأمْسَحُوا برُؤوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ﴾ مجرور بالمجرورة التي قبلها، وهي مشتركة بالكلام الأول من المغسول، والعرب قد تفعل هذا بالجِوار، والمعنى على الأول، فكأن موضعه " واغسلوا أرجلَكم "، فعلى هذا نصبهَا مَن نَصب الجرّ، لأن غسل الرجلَين جاءت به السُّنة، وفي القرآن :﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالمِينَ أَعَدَّ لُهَمْ عَذاباً أَلِيماً ﴾ فَنصبوا الظالمين على موضع المنصوب الذي قبله، والظالمين : لا يُدخلهم في رحمته ؛ والدليل على الغسل أنه قال :﴿ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾، ولو كان مسحاً مُسحَتا إلى الكعبين، لأن المسح على ظهر القدم ﴿ والكعبان ﴾ ها هنا : الظاهران لأن الغسل لا يدخل إلى الداخلين.
﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ﴾ والواحد والإثنين والجميع في الذكر والأنثى لفظه واحد : هو جُنُب، وهي جُنُب، وهما جُنُب، وهم جُنُب، وهنّ جُنُب.
﴿ أوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾ أو في سفر.
﴿ أوْ جَاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ ﴾ كناية عن إظهار لفظ قضاء الحاجة في البطن، وكذلك قوله تبارك وتعالى ﴿ أوْ لَمسْتُمْ النّسَاء ﴾ كناية عن الغشيان ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾ أي تعمدوا صعيداً، أي وجهَ الأرض، طيباً أي طاهراً.
﴿ مِنْ حَرَجٍ ﴾ أي ضِيقٍ.
﴿ بِذَاتِ الصدُورِ ﴾ مجازها : بحاجة الصدور لأنها مؤنثة.
﴿ قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ﴾ أي قائمين بالعدل، يقومون به، ويدمون عليه.
﴿ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ أي خيراً أي فاضلة بهذه، ثم قال، مستأنفاً :﴿ لَهُمْ مَغْفِرةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ فارتفعتا على القطع من أول الآية والفعل الذي في أولهما، وعملت فيهما ﴿ لَهُمْ ﴾.
{ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَى عَشَرَ نَقِيباً أي ضامِناً ينقب عليهم وهو الأمين والكفيل على القوم.
﴿ وَعَزَّرْتُمُوُهمْ ﴾ : نصرتموهم وأعنتموهم ووقّرتموهم وأيّدتموهم، كقوله :
وكم مِن ماجدٍ لهم كريمٍ ومِن لَيْثٍ يُعزَّرُ في النَّدِىِّ
وقال يونس : أثنيتم عليهم. قال الأثْرم : والتعزير في موضع آخر : أن يُضْرَبَ الرجل دون الحدّ.
﴿ سَوَاءَ السَّبِيل ﴾ : أي وسط الطريق وقال حسان :
يا وَيحَ أَنصار النبي ونسلهِ ***بَعد المغيَّبِ في سَواءِ المُلْحَدِ
﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ ﴾ : فبنقضهم، والعرب تستعمل ﴿ ما ﴾ في كلامها توكيداً وإن كان الذي قبلها بَجرّ جررتَ الاسمَ الذي بعدها، وإن كان مرفوعاً رفعتَ الاسمَ، وإن كان منصوباً نصبتَ الاسمَ كقولهم : ليت من العشْب خوصَة.
﴿ قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ أي يابسة صلبة من الخير وقال :
وقد قَسوتُ وقَسا لُدَّتِى
ولُدّتِى ولِداتى واحد، وكذلك عَسا وعَتا سواء.
﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ﴾ يزيلون.
﴿ وَنَسُوْا حَظّاً مِمَّا ذُكِرُوا بِهِ ﴾ أي نصيبهم من الدين.
﴿ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ ﴾ أي على خائن منهم، والعرب تزيد الهاء في المذكرَّ كقولهم : هو راوية للشعر، ورجل علاَّمة، وقال الكِلابيّ :
حَدَّثتَ نفسَك بالوَفاء ولم تكن لِلغَدْر خائِنةً مُغِلَّ الإِصْبَعِ
وقد قال قوم بل ﴿ خائنةٍ منهم ﴾ ها هنا الخِيانة، والعرب قد تضع لفظ ﴿ فاعلة ﴾ في موضع المصدر كقولهم للخِوان مائدة، وإنما المائدة التي تميدهم على الْخِوان ؛ يُميده ويُميحه واحد، وقال :
إلى أميرِ المؤمنين المُمْتادْ
أي الممتاح.
﴿ فَأغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ العَدَاوَةَ ﴾ : والإغراءُ : التهييج والإفساد
﴿ وَللهِ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ والسموات جماع والأرض واحد فقال :﴿ ما بينهما ﴾. فذهب إلى لفظ الإثنين، والعرب إذا وحّدوا جماعة في كلمة، ثم أشركوا بينهما وبين واحد جعلوا لفظ الكلمة التي وقع معناها على الجميع كالكلمة الواحدة، كما قال الراعي :
طَرَقا فتلك همَا همِى أقرِيهما قُلُصاً لَواقِحَ كالقِسىِّ وحُولا
وقد فرغنا منه في موضع قبل هذا.
﴿ الْمُقَدَّسَةَ ﴾ المطهّرة، يقال : لا قدّسه اللهُ ﴿ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ﴾ أي جعل الله لكم وقضاها.
﴿ فَاذهَبْ أَنْتَ وَرَبُّك فَقَاتِلاَ ﴾ مجازها : اذهب أنت وربك فقاتل، وليقاتل ربك أي ليعنك ؛ ولا يذهب الله.
﴿ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ أي باعدْ وافصِلْ وميّزْ، وأصله : فعلتُ خفيفة من فعّلت ثقيلة، كقوله :
يا ربّ فافرقْ بينه وبيني أشَدَّ ما فرّقتَ بين اثْنين
الفاسقين ها هنا : الكافرين.
﴿ يَتِيهُونَ في الأرْضِ ﴾ أي يحورن ويحارون ويضلون.
﴿ فَلاَ تَأسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ﴾ لا تحزنْ، يقال : أسيتُ عليه، قال العجّاج :
وانحلبتْ عيناه من فَرْط الأَسَى
﴿ بَسَطْتَ إِلَىَّ يَدَكَ ﴾ أي مددتَ.
﴿ أنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ﴾ أي أن تحتملَ إثمي وتفوز به، وله موضع آخر : أن تُقِرَّ به ؛ تقول : بُؤْت بذنبي، ويقال : قد أبأتُ الرجُلَ بالرجُلِ أي قتلتُه، وقد أبأ فلانٌ بفلان، إذا قتلهُ بقتِيلٍ. قال عمرو ابن حُنَيّ التَغْلِبيّ :
ألا تستحىِ منا ملوكٌ وتتَّقِى مَحارِمَنا لا يُبَأَءُ الدَّمُ بالدَّمِ
ولا يُباءُ الدّم بالدّمِ سواء في معناها، ويقالُ : أبأتُ بهذا المَنزل، أي نَزلت.
﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ ﴾ أي شجّعَته وآتته على قتله، وطاعت له، أي أطاعته.
﴿ سَوْأَةَ أخِيهِ ﴾ أي فرْجَ أخيه.
﴿ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ ﴾ أي : من جِناية ذلك وجرِّ ذلك، وهي مصدر أجَلت ذلك عليه.
قال الخِنَّوْتِ، وهو تَوْبة بن مُضَرِّس، أحد بني مالك بن سعد بن زيد مَنَاة ابن تميم ؛ وإنما سمَاه الِخنَّوْتَ الأحْنَفُ بن قيس، لأن الأحنف كلّمه فلم يكلمه احتقاراً له، فقال إن صاحبكم هذا الخِنَّوْت ؛ والخِنَّوْت المتجبِّر الذاهب بنفسه، المستصغر للناس فيما أخبرني أبو عبيدة محمد بن حفص بن مَحْبُور الأسَيْدِيِّ
وَأهْلُ خِبَاءٍ صَالحٍ ذات بينهم قد احتربوا في عاجِلٍ أنَا آجلُهْ
فأقبلتُ في الساعِينَ أسأَل عَنْهُمُ سُؤَالَكَ بالشيء الذي أنتَ جاهلُهْ
أي جانيه وجارُّ ذلك عليهم، ويقال : أجلت لي كذا وكذا، أي جررت إليَّ وكَسبتهُ لي.
﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ ﴾ مجازه : أو بغير فساد في الأرض.
{ لَمُسْرِفُونَ أي : لمفسدون معتدون.
﴿ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ﴾ والمحاربة ها هنا : الكفر.
﴿ أوْ تُقَطَعَ أيْدِيهِمْ وَأرْجُلُهُمْ ﴾ مِنْ خِلاَفٍ } يده اليمنى ورِجله اليسرى، يخالف بين قطعهما.
﴿ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ ﴾، أي القُرْبة، أي اطلبوا، واتخذوا ذلك بطاعته، ويقالُ : توسلتُ إليه تقرّبتُ، وقال :
إذا غفَلَ الواشُونَ عُدْنَا لِوَصْلِنَا وعادَ التصافِي بيننَا وَالوسَائلُ
الحوائج، وقال عَنْترَة :
إنَّ الرِّجَالَ لهمْ إليكِ وَسِيلةٌ أنْ يأخذُوكِ تَكَحَّليِ وَتَخَضَّبيِ
الحاجة، { قال رؤبة :
النَّاسُ إنْ فَصَّلْتَهُمْ فَصَائِلاَ كلٌّ إلينَا يبتغى الوَسَائِلاَ
﴿ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ أي دائم، قال :
فإنّ لكم بيوم الشَّعْب مِنِّي عذاباً دائماً لكم مُقِيما
﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أيْدِيَهُمَا ﴾ هما مرفوعان كأنهما خرجا مَخرج قولك : وفي القرآن السّارقُ والسارقةُ، وفي الفريضة : السارقُ والسارقةُ جزاؤهما أن تُقطع أيديهما فاقطعوا أيديهما ؛ فعلى هذا رُفعا أو نحو هذا، ولم يجعلوهما في موضع الإغراء فينصِبوهما، والعرب تقول : الصَّيدُ عندَك، رفع وهو في موضع إغراء، فكأنه قال : أَمكنَك الصيد عندك فالزَمه، وكذلك : الهلالُ عندك، أي طلع الهلالُ عندك فانظر إليه، ونصبَهما عيسى بن عُمر. ومجاز ﴿ أيديَهما ﴾ مجاز يديهما، وتفعل هذا العرب فيما كان من الجسد فيجعلون الاثنين في لفظ الجميع.
﴿ نَكَالاً مِنَ اللهِ ﴾ أي عقوبة وتنكيلا.
﴿ لاَ يَحْزُنْكَ ﴾ يقال : حزَنتُه وأحزنتُه، لغتان، وهو محزون، وحزِنتُ أنا لغة واحدة.
﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾ وهو ها هنا من الذين تهوَّدوا، فصاروا يهوداً. ﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ ﴾ : أي كُفره.
﴿ لِلسُّحْتِ ﴾ السحت : كَسْب مالا يَحِلُّ.
﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ﴾ أي بالعدل.
﴿ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ﴾ أي العادلين.
يقال : أقسط يُقسِط، إذا عدل، وقوله عز وجل :﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ ﴾ الجائرون الكُفّار، كقولهم هجَد : نام، وتهجَّد : سهَر.
﴿ بِمَا استُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ ﴾ أي بما استوُدعوا، يقال استحفظتهُ شيئاً : أي استودعتُه.
﴿ فَمَنْ تَصدّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ﴾ أي عفا عنه.
﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالُمِونَ ﴾ : أي الكافرون، ومَن ها هنا في معنى الجميع، فلذلك كان فأولئك هم الظالمون ؛ وللظلم موضعٌ غيرُ هذا ؛ ظلمُ النَّاس بعضُهم بعضاً، وظلمُ اللَّبَنِ : أن يُمْخَص قبل أن يَرُوب، وظلمُ السائل مالا يطيق المسئول عفواً. كقول زُهَير :
ويُظْلَم أحياناً فَيَنظلمُ
والأرض مظلومة : لم ينْبَط بهان ولا أُوقِد بها نار.
﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾ أي لمِا كان قبلَه، ﴿ وَقَفَّينا ﴾ أي أتبعنا، وقفيت أنا على أثره.
﴿ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ﴾ أي مصدِّقاً مؤتمناً على القرآن وشاهداً عليه.
﴿ لِكُلٍ ّجَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً ﴾ أي سُنة ﴿ وَمِنْهَاجاً ﴾ سبيلا واضحاً بَينّاً، وقال :
مَن يك ذا شكٍّ فهذا فَلْجُ ***ماءٌ رُواء وطَريقٌ نَهْجُ
﴿ وَاحْذَرْهُمْ ﴾ أَنْ يَفْتِنُوكَ } أن يُضلّوك ويستزلّوك.
﴿ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ ﴾، وأفتنت لغة، وقال الأعشَى أعشَى هَمْدان :
لئن فتَنَتْنى لهى بالأمس أَفتنتْ سُعَيْداً فأَمسَى قد قَلا كلَّ مُسْلِمٍ
فيه لغتان
﴿ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾ أي دولة، والدوائر قد تدور، وهي الدولة، والدوائل تدول، ويُديل اللهُ منه، قال حُمَيد الأرقط :
يرُدّ عنك القَدرَ المقدورَا ودائراتِ الدَّهر أنْ تدورا
﴿ بِالْفَتْحِ ﴾ أي بالنّصر.
﴿ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ﴾ أي يُديمون الصلاة في أوقاتها.
﴿ فَإِنّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ أي أنصار الله، قال رؤبة :
وكيفَ أَضوَى وبِلالُ حِزْبِي
قوله : أَضوى أي أنتقص وأستضعف، من الضَّوَى.
﴿ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا ﴾ أي هل تكرهون، قال : نَقَموا أكثر، ونَقِموا واحد، وهما لغتان ليس أحدهما بأولَى بالوجه من الآخر كما قال :
ما نَقَموا من نبي أميَّةَ إلاّ أنهم يَحملون ان غَضِبوا
﴿ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثْوَبةً ﴾ : تقديرها مَفْعَلة من الثواب على تقدير مَصْيدة من صِدتُ، ومَشْعلة من شعَلت ؛ ومن قرأها ﴿ مَثُوَبةً ﴾ فجعل تقديرها : مفعُولة، بمنزلة مَضُوفة ومَعُوشة، كما قال :
وكنتُ إذا جارِى دعا لمَضوفةٍ أَشَمِّر حتى يَنْصُفَ السَّاق مِئزَرِى
فخرج مخرج ميسُور ومعسور.
﴿ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ أي خير الله مُمْسَك.
﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ﴾ أي جعلنا ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ ﴾ أي كلما نصبوا حرباً.
﴿ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ أي لمَحونا عنهم.
﴿ مِنْهُمْ أُمَّةٌ ﴾ أي جماعة.
﴿ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ يمنعك، كقوله :
وقلتُ عليكم مالكاً إنّ مالكا سيَعصمكم إن كان في الناس عاصمُ
﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ﴾ أي ليس في أيديكم حُجة ولا حق ولا بيان.
﴿ فَلاَ تَأسَ ﴾ أي لا تَحزن. ﴿ عَلَى الْقَوْمِ الْكاَفِرِينَ ﴾، ولا تجزع، وقال العجّاج :
وَأنحَلبتْ عيناه مِن فَرْط الأَسَى***
والأسَى : الحُزن، يقال : أَسِىَ يأسَى، وأنشد :
يقولون لا تهلِكْ أسى وتجلّدِ ***
﴿ إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا والصَّابئُونَ وَالنَّصَارَى ﴾ : والصابئ الذي يخرج من دين إلى دين، كما تصبُؤ النجومُ من مطالعها، يقال : صبأت سِنُّهُ وصبأ فلان علينا : أي طلَع ؛ ورفع ﴿ الصابئون ﴾ لأن العرب تخرج المُشْرَك في المنصوب الذي قبلَه من النصب إلى الرفع على ضمير فعل يرفعه، أو استئنافٍ ولا يُعملون النصب فيه، ومع هذا إن معنى ﴿ إنّ ﴾ معنى الابتداء، ألا ترى أنها لا تعمل إلا فيما يليها ثم ترفع الذي بعد الذي يليها كقولك : إن زيداً ذاهبٌ، فذاهب رفعٌ، وكذلك إذا واليتَ بين مُشرَكين رفعتَ الأخير على معنى الابتداء. سمعت غير واحد يقول :
فمنَ يَكُ أَمسَى بالمدينة رَحْلُه فإنِّي وقَيّارٌ بها لغريبُ
وقد يفعلون هذا فيما هو أشدّ تمكناً في النصب من " إنّ ". سمعت غير واحد يقول :
وكلُّ قومٍ أَطاعوا أَمر سيِّدهم إلاّ نُمَيراً أَطاعت أمرَ غاويها
الظَّاعنون ولما يُظعِنوا أحداً والقائلين لمن دارٌ نُخَلِّيها
وربما رَفعوا " القائلين "، ونصبو " الظاعنين ".
﴿ فَرِيقاً كَذَّبُوا ﴾ : مقدم ومؤخر، مجازه كذبوا فريقاً. ﴿ وَفرِيقاً يَقْتُلُونَ ﴾ مجازه : يقتلون فريقاً.
﴿ وَحَسِبُوا أَنْ لاَ تَكُونُ فِتْنَةٌ ﴾ فتكونُ : مرفوعةٌ على ضمير الهاء، كأنه قال : " أنه لا تكونُ فِتنةٌ "، ومَن نصب تكون فعلى إعمال ﴿ أن ﴾ فيها ولا تمنع ﴿ لا ﴾ النصبَ أن يعمل في الفعل.
﴿ عَُوا وصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾ مجازه على وجهين، أحدهما أن بعض العرب يظهرون كناية الاسم في آخر الفعل مَع إظهار الاسم الذي بعد الفعل كقول أبي عمر والهذليّ " أكلُوني البَراغيثُ ". والموضع الآخَر أنه مستأنَف لأنه يتم الكلام إذا قلتَ : عَمُوا وصمّوا، ثم سكتّ، فتستأنف فتقول : كثير منهم، وقال آخرون : كثير صفةٌ للكناية التي في آخر الفعل، فهي في موضع، مرفوع فرفعت كثير بها.
﴿ أنَّي يُؤْفَكُونَ ﴾ أي كيف يُحَدُّون ويُصَدُّون عن الخير والدين والحق ويقال : أفكتْ أرضُ كذا أي لم يصبها مطر وصُرف عنها ولا نبات فيها ولا خير.
﴿ بالَّلغْوِ ﴾ أي بالذي هو فضل : لا والله، وبلَى والله، ما لم تحلفوا على حّقٍ تذهبون به، وما لم تعقِدوا عليه، أي توجبوا على أنفسكم.
﴿ فَكَفّارَتُهُ ﴾ أي فمَحوه.
﴿ وَالْمَيْسِر ﴾ أي الوجاب، أي المواجبة من وجب الشيء والأمر بقداحٍ أو بغيرها والقمارُ.
﴿ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيْدِ ﴾ أي ليختبرنكم وليبتلينكم.
﴿ فَجَزَاء مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ في هذا الموضع الإبل والبقر والغنم، والغالب على النّعَم الإبلُ.
﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾، فجاء مصدراً في القرآن كلِّهِ ؛ مَن جعله صفةً على أنه مصدرٌ، ولفظه للأنثى والذكر والجميع سواء، هي عَدْلٌ وهم عدل، قال زُهَير :
متى يَشتجرْ قومٌ يقلْ سَرَوَاتُهم هُمُ بيننا فهمْ رضاً وهُمُ عَدْلُ
فجعله هِشامٌ أخو ذي الرُّمة صِفةً تجرى مجرى ضخم وضخمة، فقال : عدل، وعَدْلة للمرأة.
﴿ أوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً ﴾ مفتوح الأول، أي مثل ذلك، " فإذا كسَرت فقلت : عِدل فهو زِنَة ذلك ".
﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ أي نَكال أمره، وعذابهَ ويقال : عاقبة أمره من الشرّ.
﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ﴾ رفعٌ لأنه مُجازاتٌ فيه، فمجازُه فمن عاد فإن الله ينتقم منه، وعاد : في موضع يعود، قال قعنب بن أُم صاحب :
إنْ يَسْمَعُوا رِيبَةً طَارُوا بهَا فَرَحاً وَإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أذنُوا
أي استمعوا.
﴿ ذُو انْتِقَام ﴾ : ذو اجتراء.
﴿ جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ ﴾ أي قوَاماً، وقال حُمَيدٌ الأرْقط : قِوَامُ دُنْيَا وَقِوَامُ دِينِ.
﴿ مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحيِرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ ﴾ أي : ما حرَّمَ الله البَحِيرَةَ التي كان أهل الجاهلية يُحرِّمُونهَا، وكانوا يُحَرِّمُونَ وَبَرَهَا وظَهْرَها وَلْحَمَهَا ولبنَهَا على النساء، وَيُحِلُّونها للرجال، وما وَلدَتْ من ذكَر أو أُثنى فهو بمنزلتها، وإن ماتَتْ البَحِيرة، اشترَك الرجالُ والنساء في أَكل لحمها، وإذا ضُرِبَ جَمَلٌ من وَلَدِ البَحِيرَة فهو عندهم حام، وهو اسمٌ له.
والسائبة من النَّعَمِ على نحو ذلك، إلا أنها ما وَلَدَتْ من وَلَدٍ بينها وبين ستة أولاد، فعلى هيئة أُمها وبمنزلتها، فإذا وَلَدَتِ السابعَ ذكراً أو ذَكَرَيْنِ، ونحوَه، أكله الرجال دون النساء. وإن أتأمَتْ بذكَرٍ أو أُنثَى، فهو ﴿ وَصِيلة ﴾، فلا يذبح الذكر، يترك ذبحه من أجل أخته، وإن كانتا اثنتين تُرِكتا، فلم تذبحا. وإذا وَلَدَتْ سبعةَ أبطن، كلّ بطن ذكراً وأُنثى، قالوا : قد وَصَلت أخاها، وإذا وضعت بعد سبعة أبطنٍ ذكراً أو أُنثى، قالوا : وصلت أخاها، فأَحْمَوْها وتركوها تَرْعى ولا يمسّها أحد. فإن وضعت أنثى حيّةً بعد البطن السابع، كانت مع أمها كسائر النّعم، لم تُحْمَ لا هي ولا أمُّها. وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النِّسَاءُ دون الرجال. فإن وَضَعَتْ ذكراً حيّاً بعد البطن السابع، أكله الرجالُ دون النساء ؛ وكذلك إن وَضَعَتْ ذكراً ميّتاً بعد البطن السابع، أكله الرجالُ دون النساء. وإن وَضَعَتْ ذكراً وأُنثى ميتين بعد البطن السابع، أكلهما الرجالُ والنساءُ جميعاً بالتسوية. وإن وَضَعَتْ ذكراً وأنثى حيين بعد البطن السابع، أكل الذكَرَ منها الرجالُ دون النساء، وجعلوا الأنثى مع أُمها كسائر النّعَم.
قال أبو الحسن الأثْرَم : والسائبة من العبيد، تعتقه سائبة، فلا ترثه، أي سيبّته، ولا عقل عليه.
والسائبة من جملة الأنعام : تكون من النذور، يجعلونها لأصنامهم، فتُسَيَّبُ ولا تُحبس عن رَعْىٍ، ولا عن ماءٍ، ولا يركبها أحد.
﴿ حَامٍ ﴾، والحامي من فُحُول الإبل خاصةً، إذا نتجوا منه عشرة أبطن، قالوا : قد حَمَى ظهرَه، فأَحْمَوا ظهرَهُ ووبَرَه، وكل شيء منه، فلم يمُسَّ، ولم يُرْكب، ولم يُطْرَق.
والبَحِيرة : جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدَت خمسة أبطن بحّروا أُذنها وتُرِكت، فلا يمسّها أحد ولا شيئاً منها يبَحّرُون أُذنها ؛ أي يخرمونها.
والفرع من الإبل أول ولد تضعه الناقة، يفرع لأصنامهم، أي يذبح، يقال : أفرعنا أي ذبحنا تلك. وقال آخرون : بل البَحِيرة أنّها إذ انتجت الناقة خمسة أبطن فكان آخرها سَقْباً، أي ذكراً بحّرُوا أذن الناقة، أي شقوها وخلّوا عنها، فلم تُرْكَبْ ولم يضربها فَحْلٌ، ولم تُدْفَع عن ماءٍ، ولا عن مَرْعى، وحرّموا ذلك منها، فتلقى الجائع، فلا ينحرها، ولا يركبها المُعْيِى تحرّجاً.
وقالوا : السائبة لا تكون إلاَّ من الإبل، إن مَرِضَ الرَّجل نَذَرَ، إن بَرِىء ليسيبنَّ بعيراً، أو إن قَدِمَ من سفر، أو غزوة، أو شكر رَفْعَ بلاءٍ أو نقمةٍ، سَيّب بعيراً، فكان بمنزلة البَحِيرة. وكذلك المُعْتِقُ السائبةَ في الإسلام، لا يرثه الذي يعتقه.
وقالوا : الوَصِيلةُ من الغنم خاصةً إذا ولَّدُوها ذكراً جعلوها لأصنامهم فتقرَّبوا به، وإذا ولَّدُوها أُنثى، قالوا : هذه لنا خاصةً دون آلهتنا، وإذا وَلَّدُوها ذكراً أو أنثى، قالوا : وصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لإلهتهم لمكانها.
وقالوا : بل ﴿ الحام ﴾ هو كما وصف في أول هذا الوجه، إلاَّ أنهم يجعلونه لأصنامهم وآلهتهم، فلا يهاج.
﴿ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ﴾ أي يختلقون الكذب على الله.
﴿ فإنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْماً ﴾، أي : فإن ظُهر عليه، ووقع، وهو من قولهم : " عَثَرَتْ عَلَى الْغَزْلِ بأخَرَة، فَلمْ تدَعْ بِنَجْدٍ قَرَدَةً ".
﴿ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَينِ ﴾ : واحدُها الأَوْلى، ومن قرأها : الأُولَيَان، فالواحدة منها : الأُولَى.
﴿ أَيَّدْتُكَ ﴾ أي قوَّيتك، يقال : رجل أيِّد أي شديد قويٌّ.
﴿ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ﴾ أي كمثل الطير، ومنه قولهم : دعه على هيئته.
﴿ وَإذْ أَوْحَيْتُ إلَى الْحَوَارِيِّينَ ﴾ أي ألقيتُ في قلوبهم، وقد فرغنا من تفسيرهم في موضع قبل هذا، وليس من وحي النبوة إنما هو أَمرت، قال العجّاج :
وَحَى لها القرارَ فاستقرَّتِ ***
أي : أمرها بالقرار. يقال : وَحَى وَأَوْحَى.
﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ﴾ أي هل يريد ربك.
﴿ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ أصلها أن تكون مفعولة، فجاءتْ فاعلة كما يقولون : تَطِليقة بائنَة، وعِيشة راضية ؛ وإنما مِيد صاحبُها بما عليها من الطعام، فيقالُ : مادَنى يَميدنى، قال رؤبة :
إلى أمير المؤمنين المُمْتَادْ ***
أي المُسْتَعطَى المسئول به، امتدتُك، ومِدْتني أنت.
﴿ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ﴾ مجاز العيد ها هنا : عائدة من الله علينا، وحجة وبرهان.
﴿ وآيةً مِنْكَ ﴾ أي : علماً وعلامة.
﴿ وَإذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ﴾ مجازه : وقال الله يا عيسى، وإذْ من حروف الزوائد، وكذلك :﴿ وَإذْ عَلّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ أي علمتك.
﴿ ءَانْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونيِ وَأُمِّيَ ﴾، هذا باب تفهيم، وليس باستفهام عن جهل ليعلمه. وهو يخرج مَخرج الاستفهام، وإنما يُراد به النَّهى عن ذلك ويتهدد به. وقد عَلم قائله أكان ذلك أم لم يكن، ويقول الرجلُ لعبدهِ : أفعلت كذا؟ وهو يَعلمُ أنهُ لم يفعَله ولكن يُحَذِّرُهُ، وقال جرير :
ألستم خيرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايا وَأَنْدَى العالمينَ بُطُونَ رَاحِ
ولم يستَفهِم، ولو كان استفهاماً ما أعطاه عبدُ الملك مائةً من الإبل برعاتها.
﴿ أتَّخِذُونيِ وَأُمِّيَ إِلهَيْنِ ﴾ إذا أشركوا فِعل ذكَر مع فعل أُنثى غُلِّبَ فعلُ الذَّكر وذكَّروهما.
﴿ الرَّقِيبَ ﴾ : الحافظ.
﴿ عِبَادُكَ ﴾ : جمعُ عبد، بمنزلة عبيد.
Icon