سورة المائدة
مدنية وهي مائة وعشرون آية وست عشر ركوعا
ﰡ
﴿ يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود ﴾ العقد : العهد الموثق وأصله الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال، قال الزجاج : هو أوكد العهود والوفاء والإيفاء القيام بمقتضى العهد وفي الإيفاء مبالغة ليس في الوفاء كذا قال التفتازاني، والحكم عام يشتمل العقود التي عقدها الله على عباده عامة من يوم الميثاق إلى يومنا هذا من التكاليف وتحليل حلاله وتحريم حرامه، وما أخد الله ميثاق الذين أتوا الكتب في الإيمان بمجمع صلى الله عليه وآله وسلم وبيان نعته وما يعد الناس بينهم من عقود الأمانات والمعاملات ونحوها مما يجب الوفاء به، وفد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم من آيات المنافق ( إذا عاهد غدر )متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر، وكما كان مما عقد الله سبحانه تحليل حلاله وتحريم حرامه عقبه بقوله عز وجل ﴿ أحلت لكم بهيمة الأنعام ﴾ والبهيمة : كل حي لا يميز، والأنعام ذات القوائم الأربع، وقيل : البهيمة ذات أربع قوائم والأنعام الإبل والبقر والغنم والإضافة على التقديرين إضافة العام المطلق إلى الخاص، وهذه عند النحويين بمعنى اللام وإنما جعلوا الإضافة بمعنى من إذا كان المضاف إليه جنس المضاف وفسروا الجنس بما يكون بينه وبين المضاف عموم من وجه نحو خاتم فضة، وكلام البيضاوي والكشاف يشعر أن هذه الإضافة بمعنى من والله أعلم، ومقتضى هذين التأويلين أنه تعالى : أراد تحليل ما حرم أهل الجاهلية على أنفسهم من الأنعام كالبحيرة والسائبة، وقال الكلبي : بهيمة الأنعام وحشيتها كالظباء وبقر الوحش ونحوهما مما يماثل الأنعام في اجترار العلف من الكرش إلى الفم وعدم الأنياب والإضافة حينئذ إلى الأنعام لملابسة الشبه من قبيل لجين الماء، قال البغوي وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : بهيمة الأنعام الأجنة ومثله عن الشعبي فالآية على هذا التأويل يدل على حل أكل الجنين إذا خرج ميتا بعد ذكاة أمه وقد تم خلقه وبه قال الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد وشرط مالك الإشعار، قال البغوي قال ابن عمر : ذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا تم خلقه ونبت شعره ومثله عن سعيد بن المسيب، وقال أبو حنيفة : لا يحل أكل الجنين من غير ذبح مستقل أشعر أولم أشعر. احتج الشافعي ومن معه بحديث أبي سعيد الخدري قال : قلنا يا رسول الله نخر الناقة ونذبح البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين أنلقه أم نأكله ؟ فقال ( كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه )رواه أحمد وأبو داود وعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ذكاة الجنين ذكاة أباه )رواه أبو والدرامي، وروى الدارقطني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ( في الجنين ذكاة أمة أشعر أو لم يشعر ) قال الدارقطني : الصواب أنه من قول ابن عمر، وقال الشافعي ومن معه أن الجنين جزء من الأمر حقيقة لأنه متصل بها حتى يفصل بالمقراض وقد يتغذى بغدائها ويتنفس بنفسها، فإذا كان جزء منها فالجرح في الأمر ذكاة له عند العجز عن ذكاته كالصيد، وقال أبو حنيفة رحمه الله : الجنين مستقل في الحياة يتصور حياته بعد موتها وهو حيوان دموي وما هو المقصود من الذكاة وهو الميز بين الدم واللحم ولا يحصل بجرح الأم فيه إذ هو ليس بسبب لخروج الدم من الجنين أصلا، بخلاف الجرح في الصيد لأنه سبب لخروج الدم ناقصا فيقام مقام الكامل عند التعذر وإذا لم يحصل الميز فالجنين ميتة وقد ثبت حرمة الميتة بدليل قطعي من الكتاب فلا يثبت حله بحديث الآحاد وتأويل بهيمة الأنعام في هذه الآية بالجنين غير ظاهر ولا يلائمه الاستثناء بقوله تعالى ﴿ إلا ما يتلى عليكم ﴾ المراد بالموصول الميتة وما أهل لغير الله به وما ذبح على النصب والمنخنقة والموقودة والنطحية وما أكل السبع، وهذه الأشياء كانت داخلة في بهيمة الأنعام والتحريم لما عرض من الموت حتف أنف ونحو ذلك من العوارض فالإسثتناء متصل، وقيل المراد بهيمة الأنعام المذكورة والاستثناء منقطع، وإسناد التلاوة إلى الميتة وأخواتها مجازي أو بتقدير المضاف أي : يتلى عليكم آية تحريمه فالمجاز في الظرف، وجاز أن يراد بالموصول الآية ويقدر المضاف على الموصول يعني إلا محرم ما يتلى عليكم ﴿ غير محلي الصيد ﴾ الصيد يحتمل المصدر والمفعول، وغير حال من الضمير في لكم بهيمة الأنعام حال كونكم غير معتقدين حل الصيد في حالة الإحرام، ولما كان تقييد إحلال الأنعام بحال عدم اعتقال حل الصيد كأنه قال أحلت لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم عن الصيد بل هي حلال في جميع الأحوال فهذا التقييد إنما يصح لو جعل بهيمة الأنعام ما يعم الوحشي والأهلي، وهو التأويل الأول أو يخص بالوحشي وهو التأويل الثالث فجعل حل الصيد مقيدا بحالة عدم الإحرام والتقدير أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها وحشيا كان أو أهليا إلا ما يتلى عليكم من الميتة وأخواتها حال كونكم غير معتقدين حل الصيد في الإحرام، يعني ما أحلت لكم الصيد في الإحرام حتى تعتقدوا حلها، وجاز أن يكون فاعل غير محلي الصيد الشارع جل وعلا، الجمع للتعظيم كأنه قال : أحللنا لكم بهيمة الأنعام حال كوننا غير محلي الصيد لكم ﴿ و أنتم حرم ﴾ الحرام جمع حرام، والجملة حال من المستكن في محلي الصيد إن كان المستكن ضمير المخاطبين، وكذا إن كان المستكن فيه ضمير الشارع المتكلم ويكفي للجملة الحالية الواو، ولا يجب الضمير أو الضمير المحذوف أعنى لكم على تقدير كون المستكن ضمير الشارع فقط ﴿ إن الله يحكم ما يريد ﴾ في التحليل والتحريم وغير ذلك لاعتراض عليه،
أخرج ابن جرير عن عكرمة وعن السدي نحوه أنه قدم الحكم بن هند البكري المدينة في عير له يحمل طعاما فباعه ثم دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعه واسلم، فلما ولى خارجا نظر إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : لمن عنده :( لقد دخل علي بوجه فاجر وولى بقضاء غادر ) فلما قدم اليمامة ارتدى عن الإسلام وخرج في عير له يحمل الطعام في ذي القعدة يريد مكة فلما سمع به أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تهيأ للخروج إليه نفر من المهاجرين والأنصار ليقطعوه في عيره فأنزل الله تعالى :﴿ يأيها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر الله ﴾ الآية فانتهى القوم. وقال البغوي : نزلت في الحطم واسمه شريح بن ضيعة البكري إلى المدينة وخلف خيله خارج المدينة وحده على رسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال : له : إلى ما تدعو الناس ؟ فقال :) إلى شهادة أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال : حسن، ألا إن لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم ولعلى أسلم وأتى بهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه ( يدخل عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان الشيطان ) ثم خرج شريح من عنده، فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( لقد دخل بوجه كافر وخرج بقناء غادر ) ومر الرجل فمر بسرح المدينة فاستاقه وانطلق فتبعوه فلم يدركوه، فلما كان العام المقبل خرج حاجا في حجاج بكر بن وائل من اليمامة ومعه تجارة عظيمة وقد قلد الهدي فقال : المسلمون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : هذا الحطم خرج حاجا فخل بيننا وبينه، فقال : النبي صلى الله عليه وآله وسلم :( إنه قد قلد الهدي ) فقالوا : يا رسول الله هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية، فأبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية. وذكر الواحدي أتى الحطم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمامة إلى المدينة فعرض عليه الإسلام فلم يقبل فلما خرج مر بسرح المدينة فاستاقها فلما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام القضية سمع تلبيته بحجاج اليمامة فقال : لأصحابه ( هذا الحطم وأصحابه ) وقد كان قلد ما نهب من السرح وأهداه إلى الكعبة فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقال ابن عباس والمجاهد : المراد بشعائر الله مناسك الحج وموقفه من المطاف والمسعى والموقف بعرفة والمزدلفة والرمي للجمار والأفعال التي تعرف بها الحاج من الإحرام والطواف والحلق والحلق والنحر وغيرها وإحلالها التهاون بحرمتها، وأن يحال بينها وبين المتناسكين بها كان المشركون يحجون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنهاهم الله عن ذلك. والشعائر : جمع شعيرة وهي في الأصل اسم لما أشعر به إنما سمى أعمال الحج ومواقفه شعائر لأنها علامات الحج وإعلام النسك، وقال أبو عبيدة شعائر الله هي الهدايا والإشعار من الشعار أي العلامة، والإشعار أن يطعن في صفحة سنام البعير بحديدة حتى يسيل الدم فيكون ذلك علامة أنه هدي، قلت : وعلى هذا يلزم التكرار بذكر الهدايا والقلائد.
مسألة : الإشعار في الهدايا سنة إذا كانت الهدي من الإبل عند الأئمة الثلاثة وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة مكروه والحجة للجمهور ما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :( فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيدي ثم قلدها وأشعرها وأهداها فما حرم عليه شيء كان أحل له ) قال عطية عن ابن عباس : لا تحلوا شعائر الله هي أن تصيد وأنت محرم بدليل قوله تعالى :﴿ وإذا حللتم فاصطادوا ﴾ قلت لعل المراد من قول ابن عباس هذا أو الذي ذكرنا عنه سابقا واحدا، فإن الاجتناب عن الاصطياد في الإحرام داخل في الاجتناب عن إحلال مناسك الحج، وقيل : المراد من قوله لا تحلوا شعائر الله النهي عن القتل في الحرم ﴿ ولا الشهر الحرام ﴾ وإحلال القتال فيه، وقال ابن زيد : هو النسيء وذلك أنهم كانوا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ﴿ ولا الهدى ﴾ جمع هدية وهي ما يهدى به إلى الكعبة من الإبل والبقر والغنم، ذكر البخاري عن ابن عباس أنه سئل عن الهدي فقال : فيها جزور أو بقر أو شاة، وإنما ذكر الهدي مع أنه من الشعائر تخصيصا بعد تعميم لأن المنع عن تحليله أهم لأن فيه إتلاف حق الفقراء ولأنه أقرب بأن يقع الناس فيه لأن فيه أخذ مال جبل الطبائع على حبها ﴿ ولا القلائد ﴾ جمع قلادة وهي : ما قلد به الهدي من لحاء شجر أو غيرهما ليعلم به أنه هدي فلا يتعرض له، والمراد به الهدايا المقلدة وعطفها على الهدي للاختصاص فإنه أشرف الهدي، وقال عطاء : أراد أصحاب القلائد وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا أرادوا الخروج من الحرم قلدوا أنفسهم وإبلهم بشيء من لحاء شجر الحرم كي لا يتعرض لهم، وقال مطرف بن الشخير : هي القلائد أنفسها وذلك أن المشركين كانوا يأخذون لحاء من شجر مكة ويتقلدونها فنهو عن نزع شجرها، وقيل : النهي عن إحلال القلائد مبالغة في النهي عن التعرض للهدي نظيره قوله تعالى :﴿ ولا يبدين زينتهن ﴾ وإحلال الهدي والقلائد أخذها أو منعها عن البلوغ إلى الحرم ( ولا آمين ) قاصدين ﴿ البيت الحرام ﴾لزيارته وإحلالهم التعرض لهم بالقتل والنهب ( يبتغون ) يطلبون ﴿ فضلا من ربهم ﴾ في الدنيا بالرزق في التجارة وفي الآخرة بالثواب
﴿ ورضوانا ﴾ يرضى عنهم، والجملة في موضع الحال من المستكن في آمين، أو صفة موصوفة المقدر تقديره ولا قوما آمين البيت الحرام يبتغون، ولا يجوز أن يكون صفة لآمين لأنه عامل والمختار أن اسم الفاعل الموصوف لا يكون عاملا، وفائدة هذا التقييد استنكار إحلال من هذا شأنه والتنبيه على المانع، وكلمة آمين والبيت الحرام يعم المؤمنين والمشركين من حيث الصيغة ومن حيث سوق الكلام، فإن الآية نزلت في عام القضاء وسيق الكلام للنهي عن تعرض البكري وهداياه وأمثاله، فالآية منسوخة باعتبار قصر حكمها بالمؤمنين بقوله تعالى :﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ وقوله تعالى :﴿ إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ﴾فلا يجوز أن يحج مشرك ولا يأمن كافر بالهدي والقلائد ابتغاء الفضل والرضوان في المشركين، قيل : مبني على زعمهم لأن الكافر لا نصيب له في الرضوان، وقال قتادة : هوأن يصلح الله معايشهم في الدنيا وأن لا يعجل لهم العقوبة فيها، وقيل : ابتغاء الفضل أي الرزق بالتجارة عام للمؤمنين والمشركين وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة ﴿ وإذا حللتم ﴾ من الإحرام ﴿ فاصطادوا ﴾ إذن في الاصطياد بعد تحريمه بقوله تعالى :﴿ لا تحلوا شعائر الله ﴾فإن الصيد في الإحرام تحليل للشعائر، وقيل : بعد المنهى لقوله تعالى :﴿ غير محلي الصيد ﴾ وهذا بعيد وهذا الأمر للإباحة بقرينة الإجماع كما في قوله تعالى :﴿ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا ﴾ولا دليل فيه على أن الأمر بعد الحظر يكون للإباحة مطلقا فإن مقتضى الأمر المطلق الخالي عن القرائن هوالإيجاب، كما برهن عليه في الأصول قال الله تعالى :﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ﴾ وقال الله تعالى :﴿ وما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم، ومر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة، فقال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نصد هؤلاء كما صدنا أصحابنا فأنزل الله تعالى :﴿ ولا يجرمنكم ﴾ قال البغوي : قال ابن عباس وقتادة : لا يحملنكم، وقال الفراء : لا يكسبنكم ﴿ شنآن قوم ﴾ أي قومكم من أهل مكة، والشنآن مصدر بمعنى شدة البغض والعداوة أضيف إلى المفعول أو الفاعل، قرأ ابن عامر وأبو بكر بسكون النون الأولى والآخرون بفتحها وهما لغتان في المصدر، وجاز أن يكون نعتا على تقدير سكون النون بمعنى بغيض قوم فإن المصادر أكثرها فعلان بفتح العين مثل الضربان والسيلان والنسلان وبالسكون في النعت أكثر مثل السكران والندمان والرحمن ﴿ أن صدوكم ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أنه شرط معترض أغنى عن جوابه لا يجرمنكم، والباقون بفتح الهمزة بتقدير اللام أي : لأن صدوكم عن البيت عام الحديبية متعلق بشنآن، قال البغوي : قال محمد بن جرير : هذه السورة نزلت بعد قصة الحديبية وكان الصد قد تقدم ﴿ عن المسجد الحرام أن تعتدوا ﴾ عليهم بالقتال وأخذ الموال، وهذا ثاني مفعولي يجرمنكم فإنه يتعدى إلى واحد وإلى اثنين ككسب ﴿ وتعاونوا على البر ﴾ أي على امتثال أمر الله تعالى والتقوى أي الانتهاء عما نهى عنه كي يتقي نفسه عن عذاب الله ﴿ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾ يعني لا تعاونوا على ارتكاب المنهيات ولا على الظلم لتشفى صدوركم بالانتقام. عن النواس بن سمعان الأنصاري قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن البر والإثم : قال :( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس رواه مسلم في صحيحه والبخاري في الأدب والترمذي، وعن أبي ثعلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب وإن أفتاك المفتون ) رواه أحمد، قلت : هذا الحديث خطاب لأرباب النفوس المطمئنة والقلوب الزاكية ﴿ واتقوا الله إن الله شديد العقاب ﴾ فانتقامه أشد وأخوف
﴿ حرمت عليكم الميتة ﴾ هذا بيان لما يتلى عليكم والميتة ما فارقه الروح على حتف أنفه، أخرج ابن مندة في كتاب الصحابة من طريق عبد الله بن جبلة بن حيان بن أبجر عن أبيه عن جده حيان بن الحي قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أوقد تحت قدر فيها لحم ميتة، فأنزل الله تحريم الميتة فأكفأت القدر، قلت : إنما ذكرت هذا الحديث في هذا المقام تبعا للباب النقول في أسباب النزول، والصحيح أن كون هذه القصة عند نزول هذه الآية آية المائدة محال لأن هذه الآية آخر آية الأحكام نزولا كما سنذكر وحرمة الميتة كانت قبل الهجرة نزلت بمكة في سورة الأنعام فلا يمكن من الصحابي طبخ لحم الميتة بعد ذلك، فالظاهر أن القصة عند نزول آية التحريم في الأنعام ﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي ﴾ والله أعلم، والدم أي : المسفوح منه بالإجماع وهو السائل وكان أهل الجاهلية يصبونها في الأمعاء ويشربونها ﴿ ولحم الخنزير ﴾إنما خص اللحم بالذكر مع كونه نجسا بجميع أجزائه بالنص والإجماع لأنه معظم المقصود من الحيوان ﴿ و ما أهل لغير الله به ﴾ والإهلال رفع الصوت وهو قولهم عند الذبح باسم اللات والعزة، عن أبي الطفيل قال : سئل علي رضي الله عنه خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ قال : ما خصنا بشيء لم يعم به الناس إلا ما في قراب سيفي هذا فأخرج صحيفة فيها : لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من سرق منار الأرض، وفي رواية بلفظ :( من غير منار الأرض ولعن الله من لعن والده ولعن الله من آوى محدثا رواه مسلم.
مسألة : يكره أن يذكر مع اسم الله عند الذبح شيئا غيره موصولا لا معطوفا مثل أن يقول عند الذبح بسم الله اللهم تقبل من فلان لكن لا يحرم، ونظير بسم الله محمد رسول الله بالرفع، وإن ذكر موصولا على وجه العطف والشركة نحو أن يقول بسم الله واسم فلان أو بسم الله ومحمد رسول الله بالجر يحرم الذبيحة لأنه أهل بها لغير الله، ولا بأس بأن يقول التسمية قبل أن يضجع الذبيحة أو بعد الذبح كما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال بعد الذبح :( اللهم تقبل هذا عن أمة محمد عليه السلام وممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ قد ذكر حرمة هذه الأربعة وما يتصل بها من المسائل في سورة البقرة ﴿ و المنخفنقة ﴾ التي ماتت بالخنق ﴿ والموقوذة ﴾ الوقذ الضرب الشديد، وكانوا في الجاهلية يقتلون البهيمة ضربا بعصا أو حجر ﴿ والمتردية ﴾ التي تردت أي سقطت من علو أو في بئر فماتت، *** بلا ذبح ﴿ والنطيحة ] وهي التي نطحتها أخرى أي أصابتها بقرنها فماتت، والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية { وما أكل السبع ﴾ يعني ما بقى عنه من أكل السبع وماتت بأكله بعضها، وهذا يدل على أن جوارح الصيد كالكلب والفهد والباز والصقر إذا أكلت مما اصطادته لا يحل أكله ﴿ إلا ما ذكيتم ﴾ يعني ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء، وأصل التذكية الإتمام، يقال : ذكت النار إذ أتمت اشتعالها، والمراد ههنا الذبح فإنه إتمام للحياة، قال في الصحاح : ذكيت الشاة أي ذبحتها، وحقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزية لكن خص في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه انتهى كلامه، قلت : يعني إبطال الحياة بالذبح أو النحر في الحلق واللبة في حالة الاختيار مع ذكر اسم الله تعالى وحده عليه، عن أبي هريرة قال :( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى، ألا إن الذكاة في الحلق واللبة ) رواه ابن الجوازي من طريق الدارقطني.
مسألة : فإذا جرح السبع أو أكل شيئا منه وأدركته حيا فذبحته يحل أكله وهو المراد بقوله تعالى " ﴿ إلا ما ذكيتم ﴾ أما ما صار بجرح السبع إلى حالة المذبوح فهو في حكم الميتة فلا يكون حلالا وإن ذبحته، كذلك المتردية والنطيحة والموقودة إذا أدركتها حية قبل أن يصير إلى حالة المذبوح فذبحتها يكون حلالا، والاستثناء إذا وقع بعد أمور متعاطفة يرجع إلى الأخيرة فقط عند أبي حنيفة وإنما عرف حكم ما أدركته حيا بعد الخنق والوقذ والنطح والتردي وذبحته بالمقايسة، ولا يمكن إرجاع الاستثناء إلى الجميع لأن المنخنقة اسم لما مات بالخنق وكذا أخواتها فلا يشتمل ذلك ما أدركته حيا وذبحته فلا يجوز الاستثناء.
مسالة : عروق الذبح الحلقوم أعني مجرى النفس والمريء أعني مجرى العلف والماء والودجان وهما مجرى الدم ؟ فقال : مالك : ويجب قطع هذه الأربعة وهو أحد قولي أحمد، رضي الله عنه، وقال الشافعي رضي الله عنه وأحمد رضي الله عنه : يجزئ في الذكاة قطع الحلقوم والمريء، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : إن قطع ثلاثا منها أي ثلاث كان يحل الأكل وبه كان يقول أبو يوسف رضي الله عنه أولا ثم رجع فقال : لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين وبه قال محمد رضي الله عنه في رواية، وعنه أنه يعتبر أكثر كل من الأربع وهو رواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه : لأن كل منها أصل بنفسه وللأكثر حكم الكل، ولأبي يوسف رضي الله عنه أن المقصود من قطع الودجين إنهار الدم فينوب أحدهما عن الآخر وأما الحلقوم فيخالف المريء فلا بد من قطعهما، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه الأكثر يقوم مقام الكل في كثير من الأحكام وأي ثلاث قطع فقد قطع الأكثر منها وحصل ما هو المقصود وهو إنهار الدم المسفوح.
مسألة : يجوز الذبح بكل ما ينهر الدم ويحصل القطع من زجاج أو حجر أو قصب أو غير إذا كان له حدة، وكذا يجوز بالسن والظفر والقرن إذا كان منزوعا ذي حدة عند أبي حنيفة، إلا أنه يكره كذا في الهداية، وقالت الأئمة الثلاثة : لا يجوز بالسن والظفر والقرن ويكون ميتة. عن رافع بن خديج قال : قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنا لا قوا العدو غدا وليست معنا مدى أفنذبح بالقصب ؟ قال :( ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر، وسأحدثك عنه أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة ) متفق عليه، وعن كعب بن مالك ( أنه كانت لنا غنم يرعى بسلع فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا فكسرت حجرا فذبحتها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلها ) روى البخاري، وعن عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أرأيت أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وشقة العصي ؟ ) قال : أمرر الدم بما شئت واذكر اسم الله )رواه أبو داود والنسائي، وعن عطاء بن يسار عن رجل من بني حادثة أنه كان يرعى لقحه بشعب من شعاب أحد، فرأى بها الموت فلم يجد ما ينحرها به فأخذ وتدا فوجأ به من لبتها حتى أهرق دمها، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلها ) رواه أبو داود ومالك، وفي رواية فذكاها بشظاظ، احتج أبو حنيفة رضي الله عنه في الخلافية بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ( ما أنهر فكل ) قوله صلى الله عليه وسلم :( أمرر الدم بما شئت ) واحتج الأئمة الثلاثة بققوله صلى الله عليه وسلم( ليس السن والظفر ) حيث استثنى مما أنهر الدم، أجاب أبو حنيفة رضي الله عنه بأنه محمول على غير المنزوع فإن الحبشة كانوا يذبحون بظفر غير منزوع، والظاهر أن المراد بالسن في الاستثناء ما ليس فيه حدة يدل علي قوله صلى الله عليه وسلم :( أما السن فعظم ) ولا يجوز بسن وظفر غير منزوعين إجماعا لأنه يقتل بالثقل فيكون في معنى المنخنقة.
مسألة : مسألة : يستجيب للذبح أن يحد شفرته لقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم عن شداد بن أوس.
مسألة : لو رمى إلى صيد في الهواء فأصابه فسقط على الأرض ومات كان حلالا ولأن الوقوع على الأرض من ضرورته، وإن سقط في الماء أو على جبل أو على شجر ثم تردى منه فمات لا يحل أكله وهو من المتردية والذي مات بالغرق إلا أن يكون السهم أصاب مذبحه في الهواء فيحل كيف ما وقع لأن الذبح قد حصل بإصابة السهم المذبح ﴿ و ما ذبح على النصب ﴾ قيل النصب جمع واحدها نصاب ككتب وكتاب، قيل : هو واحد وجمعها أنصاب كعنق وأعناق وهو الشيء المنصوب، قال مجاهد وقتادة : كانت حول البيت ثلاثمائة وستون حجرا منصوبة كان أهل الجاهلية يعبدونها ويعظمونها ويذبحون بها وليست هي بأصنام هي الصورة المنقوشة، وقال الآخرون : هي الأصنام المنصوبة، وقال قطرب : على بمعنى اللام ومعناه ما ذبح لأجل النصيب وقال ابن زيد : ما ذبح على النصب وما أهل لغير الله به واحد، قلت : العطف يقتضي التغاير فالظاهر ما قيل إنها كانت حجارة منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويعدون ذلك قربة وحرم عليكم ﴿ النصب تستقسموا بالأزلام ﴾ أي الاستسقاء أي طلب معرفة ما قسم لهم مما لم يقسم لهم بالأزلام وهي القداح التي لا ريش لها ولا نصل واحدها زلم بفتح الزاء وضمها، وكانت الأزلام سبعة قداح مستوية من تكون عند سادن الكعبة مكتوب على واحد العقل وواحد غفل ليس على شيء، فكانوا إذا أرادوا أمرا من سفر أو نكاح أو ختان أو غيره أو اختلفوا في النسب أو اختلفوا في تحمل العقل جاؤا إلى هبل، وكانت أعظم أصنام قريش بمكة جاؤوا بمائة درهم أعطوها صاحب القداح حتى يحيل القداح ويقولون : يا إلهنا إنا أردنا كذا وكذا، فإن خرج نعم فعلوا وإن خرج لا لم يفعلوا ذالك حولا ثم عادوا إلى القداح ثانية، وإذا جالوا على نسب فإن خرج منكم كان وسيطا منهم وإن خرج من غيركم كان حليفا وإن خرج ملصق كان على منزلة لا نسب له ولا حلف وإذا اختلفوا في عقل فمن خرج قدح العقل حمله وإن أجالوا ثانيا حتى يخرج مكتوب فنهى الله عن ذلك وقال مجاهد كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها، وقال الشعبي وغيره الأزلام للعرب والكعاب للعجم، وقال سفيان بن وكيع : هي الشطرنج، قلت : وكل شيء يطلب به علم الغيب على نحو هذا الطريق كعلم الرمل بضرب الكعاب واستخراج أشكال النقاط وما يقال بالفارسية فال نامه وكل ما يقامر بها فهو داخل في الاستقسام بالأزلام عبارة أو دلالة جلية أو خلفية والله أعلم. وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من تكهن أو استقسم أو تطير طيرة ترده عن سفره لم ينظر إلى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة ) رواه البغوي، وعن قبيصة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( العيافة والطيرة والطرق من الجبت ) رواه أبو داود بسند صحيح، و الطرق الضرب بالحصى﴿ اليوم ﴾ لم يرد يوما بعينه وإنما أراد الحاضر وما يتصل به من الأزمنة الآتية، وقيل أراد يوم نزولها ﴿ يئس الذين كفروا من دينكم ﴾ أن يبطلوه أو أن يغلبوا على أهله أو أن يرجع عنه أهله بتحليل الخبائث وغيرها ﴿ فلا تحشوهم ﴾ أن يظهروا عليكم ويبطلوا دينكم ﴿ و اخشون ﴾ أثبت الياء في الوصول خاصة أبو عمرو وحذفها الباقون في الحالين يعني أخلصوا الخشية لي ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم ﴾بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع من الفرائض والواجبات والسنن والآداب والحلال والحرام والمكروه وموجبات الفساد لماله وجود شرعي كالصلاة والصوم والبيع ونحوها وقوانين الاجتهاد فيما لا نص فيه، وجاز أن يكون المراد بإكمال الدين بلوغه صلى الله عليه وسلم في معارج القرب إلى مرتبة يغبط الأولون والآخرون حتى غفر لكمال محبوبيته جميع ذنوب أمته حتى الدماء والمظالم. عن عباس بن مرداس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأ
روى الطبراني والحاكم والبيهيقي وغيرهم عن أبي رافع قال : جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن عليه فأذن له فأبطأ فأخذ رداءه فخرج إليه وهو قائم بالباب، فقال : قد أذنا لك، فقال : أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب، فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جروا فأمر أبا رافع لا يدع كلبا بالمدينة إلا قتلته، فأتاه ناس فقالوا : يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فنزلت ( يسئلونك ماذا أحل لهم }لما تضمن السؤال معنى القول وقع على الجملة. وروى ابن جرير عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث أبا رافع في قتل الكلاب حق بلغ العوالي فدخل عاصم بن عدي وسعد بن حتم وعويمر بن ساعدة فقالوا : ماذا احل لنا يا رسول الله ؟ فنزلت هذه الآية. وأخرج عن محمد بن كعب القرظي قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، فقالوا : يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة ؟ فنزلت، وأخرج من طريق الشعبي أن عدي بن حاتم الطائي قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب فلم يدر ما يقول حتى نزلت هذه الآية، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين، سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة وإن كلاب آل دريح تصيد البقر والحمير والظباء وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها فنزلت ﴿ يسئلونك ماذا أحل لهم ﴾ يعني من الانتفاع بالكلاب ومن الصيد الذي تصيدها الكلاب ﴿ قل أحل لكم الطيبات ﴾ هذا زائد على قدر الجواب وسنذكر شرحه فيما بعد إن شاء الله تعالى، والجواب قوله تعالى ﴿ وما علمتم ﴾ عطف على الطيبات إن كانت ما موصولة والعائد محذوف، والتقدير أحل لكم صيد ما علمتموه، والجملة شرطية إن كانت ما شرطية وجواب الشرط فيما سيأتي أعني فكلوا ﴿ من الجوارح ﴾ بيان لما والمراد بها السباع من البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر وغيرها والباذي والصقر والشاهين وغيرها، والجرح إما من الكسب يقال فلان جارحة أهله أي كاسبهم ومنه يقال للأعضاء الجوارح لأنها كاسبة للأفعال وهذه السباع كاسبة لأربابها أقواتهم من الصيد وإما من الجراحة فإنها تجرح في الصيد، وبناء على التأويل قال أبو حنيفة رضي الله عنه وأحمد رضي الله عنه وأكثر العلماء رضي الله عنهم : لابد في الصيد من الجرح فلو قتل الكلب الصيد من غير جرح بأن صدمه أو خنقه فمات لا يحل أكله، وقال الشافعي رضي الله عنه في أحد قوليه يحل ولا يشترط الجرح نظرا إلى التأويل الأول، قال صاحب الهداية : لا تنافي بين التأويلين في الآية وفي الجمع بين التأويلين أخذ باليقين فلا بد من اشترط الجرح، وفي الكفاية : النهي إذا ورد فيه اختلاف المعاني فإن كان بينهما تناف يثبت أحدهما بدليل توجب ترجيحه وإن لم يكن بينهما تناف يثبت الجميع أخذا باليقين كذا ذكر فخر الإسلام. فإن قيل : فعلى هذا يلزم القول بعموم المشترك وهو خلاف مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ؟ قلنا : عموم المشترك أن يريد المتكلم من لفظ مشترك كلا المعنيين جميعا كما يراد بالعام وأن يحكم السامع بشمول الحكم لكلا المعنيين جميعا كما في العام وههنا ليس كذلك بل نقول إن المراد عند الله تعالى من الجوارح أحدهما لكن لما لم يقم دليل قاطع على تعيين أحدهما ولا منافاة بينهما أخدنا بها احتياطا. واحتج الحنفية أيضا على اشتراط الجرح أنه لا بد من الذكاة والذكاة الاضطراري الجرح في أي موضع كان من البدن بانتساب ما وجد من الآلة إليه بالاستعمال، وإن كسر عضوا فقتلته ففي رواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لا بأس بأكله لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة، والصحيح من مذهبه أنه لا يؤكل لأن المعتبر جرح ينتهض سببا لأنهاد الدم ولا يحصل ذلك بالكسر فأشبه التخنيق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ) وكذا يشترط الجرح في الرمي إجماعا لحديث عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نرمي بالمعراض ؟ قال ( كل ما خزق وما أصاب بعرضه فقتله فإنه وقيذ فلا تأكل ) متفق عليه.
مسألة : يجوز الاصطياد بكل جارح من البهائم والطيور، وعن أبي يوسف رضي الله عنه أنه استثنى من ذلك الأسد والذئب لأنهما لا يعملان لغيرهم الأسد لعلو همته والذئب لخساسته وألحق بهما البعض الحدأة لخساسته والخنزير مستثنى إجماعا لأنه نجس العين لا يجوز الانتفاع به بوجه، قلت : لا وجه لاستثناء الأسد والذئب والحدأة من الجوارح، والقول بأنهما لا يعملان لغيرهما لا يضر فإنهما حينئذ يخرجان من قوله تعالى ﴿ وما علمتم ﴾ وقال أحمد : لا يحل صيد الأسود البهيم لحديث عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لولا أن الكلب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم ) رواه داود والترمذي والدارمي، وعن جابر، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى من قتلها وقال :( عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان ) رواه مسلم، والجمهور على انه يحل صيده لعموم الآية والله أعلم ﴿ مكلبين ﴾ حال من الضمير المرفوع في علمتهم وفائدتها المبالغة في التعليم والإغراء، والمكلب الذي يغري الكلاب على الصيد ويعلمها ويِؤدبها مشتق من الكلب لأن التأديب يكون فيه أكثر وآثر أو لأن كل سبع يسمى كلبا، في القاموس : الكلب كل سبع عقور، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عتبة بن أبي لهب وقد كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ) فخرج في قافلة يريد الشام فنزلوا منزلا فقال : إني أخاف دعوة محمد فحطوا متاعهم حوله وقعدوا يحرسونه فجاء الأسد فانتزعه فذهب به أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه وقال صحيح الإسناد ﴿ تعلمونهن ﴾ حال ثانية أو استئناف﴿ مما علمكم الله ﴾ من طرق التأديب أو مما علمكم أن تعلموها أن تعلموها من إتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره وانصرافه بدعائه وأن يمسك الصيد ولا يأكل منه ويعلم كونه معلما بتكرر ظهور آثار التعليم هذه منها ثلاث مرات، أسند الله سبحانه التعليم إلى نفسه لأن العلوم كلها التصورية والتصديقية البديهية والنظرية ملهمة من الله تعالى والعقل والفكر في بعض الأمور سبب عادي والعلم بالنتيجة بعد العلم بالمتقدمتين إنما يحصل بفيضان من الله تعالى على مقتضى جري العادة فكلوا مما أمسكن } أي الجوارح ﴿ عليكم ﴾ يعني مما لم تأكل منه وهذا التفسير مستفاد من حديث عدي بن حاتم قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أمسك فأدركته حيا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكل، إن أكل فلا تأكله فإنما أمسك على نفسه ) الحديث متفق عليه، وفي رواية بلفظ ( ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله علية فكل ما أمسكن عليك ) قلت : وإن قتل ؟ قال : وإن قتله ولم يأكل منه فكله وإن أكل فلا تأكله فإنما أمسكه على نفسه ) رواه أبو داود والبيهقي من رواية مجالد عن الشعبي عنه، وقال البيهقي : تفرد مجالد بذكر الباز فيه وخالفه الحفاظ، فهذه الآية بهذا التفسير المستفاد من الحديث حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه وأحمد رضي الله عنه والشافعي رضي الله عنه في أصح قوليه أن الكلب إذا أكل الصيد لا يباح أكله قال البغوي : وهو المروي عن ابن عباس وهو قول عطاء وطاووس والشعبي والثوري وابن المبارك، قالوا : آية كون الكلب معلما أن لا يأكل ثلاث مرات فإذا ترك الأكل ثلاث مرات حل صيده في الرابعة، وفي رواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه حل صيده في الثالثة، وقال مالك رضي الله عنه : لا بأس بأكل الكلب من الصيد ويحل أكله وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه، قال البغوي : وهو المروي عن ابن عمر وسلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أتى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو ثعلبة فقال : يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها ؟ فقال :( أن كانت لك كلابا مكلبة فكل مما أمسكن عليك ) قال ذكي وغير ذكي ؟ قال :( ذكي وغير ذكي ) قال : وإن أكل منه قال ( و إن أكل منه ) رواه أبو داود. قلت : هذا الحديث أعله البيهقي وحديث عدي بن حاتم متفق عليه على صحته والله أعلم. قلت : وهذه الآية بهذا التأويل وما رواه أبو داود برواية مجالد عن الشعبي من الحديث يقتضي اشتراط ترك الأكل في سباع الطيور أيضا وإليه ذهب بعض الفقهاء، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يشترط ذلك في السباع الطيور لأن بدن الطيور لا يتحمل الضرب وبدن الكلاب يتحمله فيضرب ليتركه. أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال : إذا أكل الكلب فلا تأكل وإذا أكل الصقر فكل لأن الكلب يستطيع أن تضربه والصقر لا يستطيع أن تضربه. فإن قيل : هذا استدلال في مقابلة نص الكتاب والسنة ؟ قلنا الكتاب ليس بظاهر الدلالة على اشتراط عدم الأكل فإن الإمساك ضد الإرسال لا ضد الأكل وإنما اشترطنا عدم الأكل في الكلب بحديث الصحيحين وما تفرد به مجالد لا يعتد به لمخالفة الحفاظ ومخالفة القياس والله أعلم ﴿ و اذكروا اسم الله عليه ﴾ الضمير عائد إلى ما علمتم يعني سموا عليه عند إرساله فيشترط التسمية عند إرسال الكلب والباز ونحوهما وكذا عند الرمي كما يشترط عند الذبح، غير أن التسمية عند الذبح إنما هو على المذبوح وفي الصيد على الآلة لأن المقدور في الأول الذبح، وفي الثاني الرمي والإرسال دون الإصابة فيشترط عند فعل يقتدر عليه، حتى لو أضجع شاة وذبح غيرها بتلك التسمية لا يجوز، ولو رمى إلى الصيد وسمى وأصاب صيد غير حل، ولو أضجع شاة وسمى ثم رمى بالشفرة وذبح بآخر أكل وإن سمى على سهم ثم رمى بغير لا يؤكل. والتسمية على المذبوح هو الأصل وجواز التسمية على الآلة إنما هو عند العجز عن الأصل، فإن أدرك مرسل للباز أو الكلب بالتسمية أو الرامي بالتسمية الصيد حيا وجب عليه أن يذكيه ويذكر اسم الله عند الذبح ثانيا وإن ترك تذكية حتى مات لم يؤكل وهذا إذا تمكن من ذبحه، وأما إذا وقع في يده ولم يتمكن من ذبحه وفيه من الحياة فوق الحياة ما يكون في المذبوح لم يؤكل عند أبي حنيفة، وفي رواية عنه وعن أبي يوسف رضي الله عنه أنه يحل وهو قول الشافعي رضي الله عنه أنه يحل وهو قول الشافعي رضي الله عنه لأنه لم يقدر على الأصل، وقال بعضهم : إن لم يتمكن لفقد الآلة لم يؤكل وإن لم يتمكن لضيق الوقت أكل عند حنيفة رضي الله عنه خلافا للشافعي رضي الله عنه.
مسألة : إن ترك التسمية عامدا عند إرسال الكلب أو السهم أو عند الذبح أو شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب لم يذكر اسم الله عليه عمدا لا يحل أكله لفوات شرط الحل في هذه الآية ولقوله تعالى ﴿ و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ﴾ و لحديث عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل كلبي فأجد معه كلب آخر ؟ ) قال ( فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر ) متفق عليه، وعنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل ف
﴿ اليوم ﴾ يعني الآن عند كمال الدين إلى يوم القيامة إذ لا نسخ بعد الإكمال ﴿ أحل لكم الطيبات ﴾ كرره للتأكيد، ولفظ الطيبات ضد الخبائث مجمل التحق الأحاديث النبوية البينة للطيبات وللخبائث بيانا له ثم قيس على موارد النصوص أشباهها، والأصل فيه أن ما ورد النص بكونه حلالا ظهر أنه طيب وما ورد النص بكونه حراما ظهر كونه خبيثا وما ورد الأمر بقتله وسماه خبيثا فاسقا فهو خبيث حرام، كما روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام : الفأر والغراب والحدأة والعقرب والكلب العقور )متفق عليه، وعن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم قال :( خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحدأة ) متفق عليه، وعن أبي هريرة في الحية :( ما سالمناهم منذ حاربناهم ومن ترك شيئا منهم خيفة فليس منا ) رواه أبو داود، وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقتلوا الحياة كلهن فمن خاف ثأرهن فليس مني ) رواه أبو النسائي. وما لم يرد النص فيه يقاس إما على الطيبات بجامع استطابة الطبائع السليمة من العرب، وإما على الخبائث بجامع استقذار الطبائع السليمة منهم وكانت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعون يكرهون ما يأكل الجيف أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي، ولذا قال جمهور العلماء : لا يؤكل من الدواب والطيور وما يأكل الجيف والنهي عن قتل حيوان لا يدل على حرمته ولا على كراهته ما لم يدل عليه دليل آخر عند الأئمة الثلاثة، وعند الشافعي يدل على تحريمه فلا يحرم الهدهد والطاووس عند الثلاثة خلافا للشافعي رضي الله عنه.
مسألة : كل حيوان ذي ناب من السباع كالأسد والذئب والنمر والفهد والكلب والهرة وذي مخلب من الطير كالصقر والباز والحدأة ونحوها فأكله حرام عند الأئمة الثلاثة، وقال مالك رضي الله عنه : يكره ولا يحرم شيء من ذلك لقوله تعالى :﴿ قل أجد في ما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه ﴾ الآية. وهذا هو الأصل لمالك في جميع مسائل الباب. قلنا : هذه الآية تدل على عدم وجدان الحرمة في حالة نزول هذه الآية لا بعد ذلك وسنذكر البحث عن الآية في موضعها إن شاء الله تعالى وقد ظهر حرمة غير المذكورات في غير الآية بعد ذلك بنصوص صحيحة تلقته الأمة بالقبول. منها حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل ذي ناب من السباع فأكله حرام ) رواه مسلم، وعن ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير ) رواه مسلم، قال ابن عبد البر : مجمع على صحته، وكذا روى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من حديث علي وفي إسناده علة وروى أحمد نحوه من حديث جابر، وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها رواه أبو داود والترمذي.
مسألة : الضبع والثعلب حرام عند أبي حنيفة رضي الله عنه مكروه عند مالك رضي الله عنه كسائر السباع، وقال الشافعي رضي الله عنه وأحمد رضي الله عنه بحلهما، وفي رواية عن أحمد رضي الله عنه لا يحل الثعلب، قال صاحب الهداية : هما من السباع، وفي الكفاية : إن لهما نابان يقاتلان بأنيابهما فلا يؤكلان كالذئب. احتج الشافعي رضي الله عنه بحديث جابر ( أنه سئل عن الضبع أصيد هي ؟ قال : نعم، قيل : أيؤكل ؟ قال : نعم، قيل : أسمعته من الرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم ) رواه الشافعي رضي الله عنه وأصحاب السنن غير أبي داود والبيهقي وصححه البخاري والترمذي وغيرهما وأعله ابن عبد البر بعبد الرحمن بن أبي عمارة ووثقه أبو زرعة والنسائي، وقال الشافعي رضي الله عنه : وما يباع لحم الضباع إلا بين الصفا والمروة، ورواه، أبو داود بلفظ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال :( صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم ) قلت كونه صيدا وجزائه بكبش في الإحرام لا يقتضي حله فإنه يجب على المحرم الجزاء بقتل صيد حرم لحمه والصيد هو الحيوان المتوحش الممتنع بالطبع وحديث حل الضبع لا يقوي قوة حديث حرمة السباع، وعند التعارض والترجيح للمحرم على المبيح احتياطا ولئلا يلزم تكرار النسخ كما بين في الأصول، وأما ما رواه الترمذي من حديث خزيمة بن جرير ( أو يأكل الضبع أحد ) فضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد الكريم بن أمية والراوي عنه أمية بن مسلم.
مسألة : يحرم حشرات الأرض مثل الفأر والوزغ وغيرها عند الأئمة الثلاث، وقال مالك رضي الله عنه يكره ولا يحرم لما ذكرنا. لنا : حديث أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال :( كان ينفخ على إبراهيم )متفق عليه، وعن سعد رضي الله عنه بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :) أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا ) رواه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال :( من قتل وزغا في أول ضربة كتبت له مئة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك ) رواه مسلم، وسبق في الحديث الأمر بقتل الفأرة في الحل والحرام وتسميته فاسقة فيحرم الحشرات كلها استدلالا بالوزغ والفأرة. ومنها القنفذ وهو حلال عند مالك رضي الله عنه والشافعي رضي الله عنه، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه بتحريمه لأنه من الحشرات، ولما روى أبو داود من حديث عيسى بن نملية عن أبيه قال : كنت عند ابن عمر فسئل عن القنفذ فقرأ هذه الآية ﴿ قل لا أحد في ما أوحي إلي ﴾الآية، فقال : شيخ عنده : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول ذكر القنفذ عند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال :( خبيثة من الخبائث ) فقال ابن عمر : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو كما قال، قال البيهقي : فيه ضعف ولم يرد إلا بهذا الإسناد.
مسألة : يحرم الضب واليربوع عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند مالك رضي الله عنه والشافعي رضي الله عنه هما حلالان، وقال أحمد : الضب حلال في اليربوع عنه روايتان. احتجوا على حل الضب بحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الضب لست آكله ولا حرمه ) متفق عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنه أن خالد بن الوليد أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة وهي خالته وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضبا محنوذا فقدمت الضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضب فقال : خالد : أحرام الضب يا رسول الله ؟ قال :( لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ) قال خالد : فاجتررت فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي متفق عليه. قال أبو حنيفة رضي الله عنه : الضب من الحشرات وهذا استدلال في مقابلة النص الصحيح والصريح، وذكر في الهداية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عائشة حين سألت عن أكل الضب ولا أعرف ذلك الحديث.
مسألة : يحل أكل الجراد ميتا على كل حال، وقال مالك رضي الله عنه : لا يِؤكل منه ما مات على حتف أنفه من غير سبب يضع به يضع به يعني يكره، احتج الجمهور بحديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أحلت لنا ميتتان والدمان فأما الميتتان فالجراد والحوت وأما الدمان فالكبد والطحال ) رواه الشافعي وأحمد ابن ماجة والدارقطني والبيهقي من رواية عبد الرحمان بن زيد بن أسلم عن أبيه عنه وعبد الرحمان بن زيد ضعيف متروك، ورواه الدراقطني عن زيد بن أسلم موقوفا على ابن عمر فقال : وهو أصح، وكذا صحح الموقوف أبو زرعة وأبو حاتم، وأخرجه الخطيب من رواية مسور بن الصلت عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري والمسور قد كذبه أحمد بن حنبل، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات الموضوعات.
مسألة : يحرم أكل لحوم الحمر الأهلية والبغال عند الأئمة الثلاثة، وقال مالك رضي الله عنه يكره. لنا : حديث أبي ثعلبة قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية متفق عليه، وفي رواية عن أحمد رضي الله عنه : أمر عبد الرحمان بن عوف ينادي بالناس أن لحوم الحمر الإنسية لا تحل لمن شهد أني رسول الله وعن جابر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في الخيل متفق عليه، وعنه قال : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خبير الحمر الإنسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ) رواه الترمذي وقال : حديث غريب، ورواه أحمد بلفظ : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمر الإنسية ولحوم الثعالب وكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير، وعنه قال : أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر رواه الترمذي وصححه النسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم يوم خبير كل ذي ناب من السباع والحمر الإنسية رواه أحمد، وعن البراء بن عازب قال : أصبنا يوم خبير كل ذي ناب من السباع والحمر الإنسية رواه أحمد، وعن البراء بن عازب قال : أصبنا يوم خبير حمرا فإذا ينادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اكفاوا القدور متفق عليه، وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام خبير عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية. متفق عليه، وفي الباب حديث أبي سليط وأنس وابن عباس وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن أبي أوفى وخالد بن الوليد وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جدة والمقدام بن معد يكرب وعمرو بن دينار.
مسألة : يحل أكل لحوم الخيل عند الجمهور وبه قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله، وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله يكره، ثم قيل : الكراهة عند أبي حنيفة رضي الله عنه كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه، وقال صاحب الهداية : الأول أصح. احتج الجمهور لما مر من حديث جابرأذن في الخيل وحديث أسماء قال : نحرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ونحن بالمدينة متفق عليه زاد أحمد فيه نحن وأهل بيته احتج أبو حنيفة رضي الله عنه يقول تعالى :﴿ و الخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ﴾ قال : خرج مخرج الامتنان والأكل من أعلى منافعها والحكيم لا يترك الامتناع بالأعلى ويمن بالأدنى، وبحديث خالد بن الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( حرام لحوم الحمر الأهلية وخيلها ) وفي لفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير رواه أحمد برواية صالح بن يحيى بن المقدام عن جده المقدام عن خالد، قال أحمد : هذا حديث منكر، وقال موسى ابن هارون : لا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه إلا بجده، وقال الدارقطني هذا حديث ضعيف قال ابن الجوزي : وفي بعض ألفاظ هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر، قال الواقدي : إنما أسلم خالد بعد خيبر والله أعلم
مسألة : يكره عند أبي حنيفة رضي الله عنه ابن عرس فإنه من سباع الهوام. .
مسألة : يكره عند الأئمة الثلاثة أكل الرخم والبغاث لأنهما يأكلان الجيف والأبقع الذي يأكل الجيف وكذا الغراب وكذا النسر وكذا كل ما يأكل الجيف، ولا بأس بغراب الزرع لأنه يأكل الحب وليس من سباع الطير، ولا بأس بأكل العقعق لأنه يخلط بأشبه الدجاجة، وعن أبي يوسف رضي الله عنه : أنه يكره لأنه غالب أكله الجيف.
مسألة : يحرم أكل الجلالة وبيضها ولبنها عند أحمد رضي الله عنه
روى البخاري من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا، وأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال : حبست الناس في قلادة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت ﴿ يأيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ﴾ الآية، فقال : أسيد ابن حضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل بكر وهذه الرواية مصرحة بأن النازل في قصة قلادة عائشة هذه الآية في المائدة دون آية النساء، ويعلم أن هذه الآية أسبق نزولا من آية النساء وإلا لما عاتب أبو بكر عائشة بقوله إنها حبست الناس لا على ماء ولا ماء معهم وما شكره أسيد بن حضير وروى الطبراني عنها نحوه وفيه فأنزل الله رخصة التيمم فقال : أبو بكر : إنك لمباركة، ومعنى إذا قمتم إلى الصلاة أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة كقوله تعالى :﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ﴾عبر عن إرادة الفعل بالفعل المسبب عنها للإيجاز والتنبيه على أن من أراد العبادة فليبادر إليها بحيث لا ينفك الإرادة عن الفعل، وظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا والإجماع على خلافه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى يوم الفتح الصلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه وكان يتوضأ عند كل صلاة فقال له عمر : لقد صنعت شيئا اليوم لم تكن تصنعه ؟ قال ( عمدا صنعته يا عمر ) رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة من حديث بريدة. فاختلفت العلماء في تأويل هذه الآية ؟ فقال : بعضهم : الأمر فيه للوجوب وكان ذلك أول الأمر ثم نسخ ويدل عليه حديث عبد الله بن حنظلة بن عامر غسيل الملائكة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرا أو غير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في المستدرك، وقال بعضهم : الأمر للندب والإجماع منعقد على كون الوضوء مسنونا مندوبا عند كل صلاة وإن كان المصلي طاهرا ويدل على كونه مسنونا حديث أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة الحديث رواه النسائي وصححه، ويدل على كونه مندوبا حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات ) رواه النسائي بإسناد ضعيف، وقيل هذا الحكم وإن كان مطلقا لفظا لكنه أريد به التقييد ومعناه إذا قمتم الصلاة محدثين يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم :( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) رواه الشيخان في الصحيحين وأبوا داود والترمذي عن أبي هريرة، وقال زيد بن أسلم : معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة من النوم، وقال بعضهم : هذا إعلام من الله تعالى رسوله أن لا وضوء عليه إلا إذا قام إلى الصلاة دون غيرها من الأعمال، فأذن له أن يفعل بعد الحدث ما شاء من الأفعال غير الصلاة، عن ابن عباس قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فرجع من الغائط فأتى بطعام فقيل له ألا تتوضأ ؟ فقال أريد أن أصلي فأتوضأ رواه البغوي.
فائدة : الوضوء كان واجبا قبل نزول هذه الآية كما يدل عليه ما روى البخاري في شأن نزول الآية من قصة فقد قلادة عائشة ولذا استعظموا نزولهم على غير ماء، وقال ابن عبد البر : معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ فرضت الصلاة إلا بوضوء، وكان فرض الوضوء مع فرض الصلاة والحكمة في نزول آية الوضوء مع ما تقدم من العمل ليكون فرض متلوا بالتنزيل، قلت : ولتمهيد التيمم والله أعلم ﴿ فاغسلوا وجوهكم ﴾الغسل إمرار الماء عليه ولا يشترط فيه الدلك عند الأئمة الثلاثة خلافا لمالك رضي الله عنه وهو محجوج بإطلاق الكتاب، والوجه : اسم لعضو معلوم مشتق من المواجهة وحده من منابت الشعر إلى منتهى الذقن طولا وما بين الأذنين عرضا فمن ترك غسل ما بين اللحية والأذن لم يجز وضوءه عند الأئمة الثلاثة خلافا لمالك رحمه الله ويجب إيصال الماء إلى ما تحتها يجب غسله وإن كانت كثيفة لا يرى البشرة من تحتها يسقط غسل البشرة في الوضوء كما يسقط مسح الرأس بالشعر النابت عليه.
والدليل عليه إجماع الأمة وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم :( أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بغرفة واحدة ) رواه البخاري من حديث ابن عباس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كث اللحية ذكره القاضي عياض وقرر ذلك في أحاديث جماعة من الصحابة بأسانيد صحيحة، وفي مسلم من حديث جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية ، قلت : ولا يمكن إيصال الماء بغرفة واحدة إلى تحت كل شعرة لمن كان كث اللحية ويجب غسل ظاهر اللحية كلها عوضا عن البشرة عند الجمهور كما في مسح شعر الرأس وبه قال أبو حنيفة رحمه الله في رواية قال الظهيرية وعليه الفتوى، وقال في البديع : أن ما عدا هذه الرواية مرجوع عنه وفي رواية عنه يجب مسح ربع اللحية وفي رواية مسح ثلث اللحية وفي رواية لا يجب مسح اللحية ولا غسلها. والحجة على وجوب غسل ظاهر اللحية كلها وأن غسل البشرة سقط بالإجماع وسند الإجماع إما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغسل وجهه بغرفة وإما القياس على سقوط مسح الرأس بالشعر النابت عليه، ولاشك أن مستند الإجماع نصا كان أو قياسا يدل على أن غسل ما تحت اللحية إنما سقط لقيام الشعر مقامه وجوب غسله بدلا عنه، أما القياس فلأن حكم الأصل ليس إلا سقوط مسح الرأس إلى بدل وهو وجوب مسح الشعر فلا بد أن يكون سقوط وظيفة الوجه أعني الغسل أيضا إلى بدل وهو وجوب غسل ما يستره من اللحية كيلا يلزم مزية الفرع على الأصل، وأما الحديث فأيضا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بغرفة ولا شك أنه كان يغسل اللحية فظهر أن الإجماع منعقد على قيام اللحية مقام الوجه، وسقوط وظيفة الوجه إلى بدل لا بلا بدل فثبت بذلك أن وظيفته الوجه وهو غسل تمامه ثابت في بدله وهو اللحية والله أعلم – ﴿ و أيديكم إلى المرافق ﴾ اليد : اسم لعضو معلوم من الأنامل إلى الآباط ولما جعل المرافق غاية الغسل سقط ما وراءه أي العضد وبقي غسل المرافق واجبا عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء وحكي عن الشعبي ومحمد بن جرير عدم وجوب غسل المرافق، وبه قال زفر رحمه الله لأن كلمة إلى للغاية والغاية تكون خارجة عن حكم المغيا كما في :﴿ أتموا الصيام إلى الليل ﴾ أو لأن مذهب المحققين من علماء العربية أنها موضوعة لمطلق الغاية وأما دخولها في الحكم أو خروجها فلا دلالة لها عليه وإنما يعلم من خارج ولا دليل هاهنا فلا يدخل بالشك، قلنا : بل هاهنا دليل على كون الغاية داخلا في حكم المغيا وهو الإجماع، قال الشافعي رحمه الله في الأم لا أعلم مخالفا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء وما حكي عن الشعبي ومحمد بن الجرير إن صح الرواية عنهما وكذا قول زفر رحمه الله لا يرفع إجماع من قبلهم ومن بعدهم، ولم يثبت عن مالك رحمه الله خروج المرفقين صريحا وإنما حكي عنه أشهب كلاما محتملا وسند الإجماع فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبين لمجمل الكتاب. روى الدارقطني بإسناد حسن من حديث عثمان في الوضوء فغسل يديه إلى المرفقين حتى مس أطراف العضدين وقال : هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي أيضا من حديث جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه لكن إسناده ضعيف، وروى البزار والطبراني من حديث وائل بن حجر مرفوعا وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفقين وروى الطحاوي والطبراني من حديث ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا ثم يغسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم تركوا غسل المرافق والكعاب في الوضوء وذلك دليل واضح لمعرفة معنى الكتاب، ومن ثم قال بعض المفسرين : إلى هاهنا في الموضعين بمعنى مع كما في قوله تعالى ﴿ و يزيدكم قوة فوق قوتكم ﴾ وقوله تعالى :﴿ و لا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ﴾.
وقوله تعالى :﴿ من أنصاري إلى الله ﴾ أي مع الله ﴿ وامسحوا برءوسكم ﴾اختلف العلماء في القدر الواجب من مسح الرأس بهذه الآية ؟ فقال : مالك وأحمد رحمه الله : يجب مسح جميع الرأس لأن الرأس اسم لعضو معلوم والباء زائدة فإذا أمرنا بالمسح يجب استيعابها كما يجب استيعاب الوجه بالمسح في التيمم، ويدل عليه استعابه صلى الله عليه وسلم. روى عبد الله بن زيد ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ) متفق عليه، وقال أبو حنيفة رحمه الله والشافعي رحمه الله : الباء للإلصاق لأنه هو المعنى الحقيقي للباء أجمع عليه علماء العربية لا يصار عنه إلا بدليل وهي تدخل على الوسائط غالبا والوسائط لا تقصد استيعابها، ولذلك إذا دخلت على المحل دلت على أن الاستيعاب غير مراد ويدل على ذلك فعله صلى الله عليه وسلم عن المغيرة بن شعبة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته ومسح على الخفين والعمامة ) رواه مسلم، وروى الشافعي رحمة الله عن عطاء مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة ومسح مقدم رأسه وهو مرسل اعتضد من وجه آخر روى موصولا أخرجه أبو داود من حديث أنس وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله، وأخرج سعيد بن منصور عن عثمان صفة الوضوء قال : ومسح مقدم رأسه. وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك مختلف فيه، قال الحافظ ابن حجر وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس قاله ابن المنذر وغيره ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك قاله ابن حزم. وأحاديث الاستيعاب محمولة على الاستحباب لا ينفي عدم جواز الاكتفاء على البعض، ولما ثبت أن مسح جميع الرأس غير مراد فقال : الشافعي رحمه الله فالمعنى وامسحوا بعض رءوسكم فالآية مطلق فيكفي من الرأس غير مراد بدلالة كلمة الباء وأحاديث المسح على مقدم الرأس ولا مطلق البعض من الرأس أي بعض كان لأن ذلك يحصل في ضمن غسل الوجه ضرورة استيعاب الوجه، وإذا كانت الآية مجملة التحق حديث المغيرة وما في معناه بيانا لها فقلنا بوجوب مسح ربع الرأس لأن الرأس أربعة جوانب مقدم الرأس واحد منها ﴿ و أرجلكم ﴾ قرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب وحفص بالنصب معطوف على أيديكم بقرينة ضرب الغاية لقوله تعالى ﴿ إلى الكعبين ﴾ فإن الغاية لا يضرب في الممسوح كالرأس وأعضاء التيمم إنما يضرب للمغسولات، وقرأ الباقون بالجر لأجل الجوار كما في قوله تعالى ﴿ إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ﴾ بالجر في أليم على الجوار مع أنه صفة لعذاب وهو منصوب والقول بأن جر الجوار أنكره أكثر النجاة ومن جوزه جوزه بشرط أن لا يتوسط حرف العطف، وبشرط الأمن من اللبس مدفوع إذ الأمن من اللبس مدفوع إذ الأمن من اللبس حاصل بذكر الغاية وإنكار أكثر النحاة ممنوع وإنكار مكابرة لوقوعه كثيرا في القرآن وكلام البلغاء وذكر الأمثلة يقتضي تطويلا، لكن اختلف النحاة في مجيء جر الجوار يتوسط حرف العطف، فقيل : لا يجيء لأن العاطف يمنع التجاوز والحق أنه يجوز بتوسط العاطف فأن العاطف موضوع لتوكيد الوصل دون القطع، قال ابن مالك وخال
( واذكروا نعمة الله عليكم ) بإرسال الرسول وإنزال الكتاب والتوفيق للإسلام وسائر النعم ليذكركم المنعم ويرغبكم في شكره عز وجل ( وميثاقه الذي واثقكم به ) الذي أخذ على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره[ أخرجه البخاري في كتاب : الأحكام، باب : كيف يبايع الإمام الناس الإمام( ٧٢٠٠ ) وأخرجه مسلم في كتاب : الإمارة، باب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية( ١٧٠٩ ) ] أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت، أوميثاق ليلة العقبة الذي أخذه من الأنصار رواه البخاري وغيره، أو ميثاق بيعة الرضوان في الحديبية كما نطق به القرآن، وقال مجاهد ومقاتل : يعني الميثاق الذي أخذ على العالمين حين أخرجهم من صلب آدم عليه السلام ( إذ قلتم سمعنا وأطعنا ) بيان الميثاق ( واتقوا الله ) في نسيان العامة ونقض ميثاقه ( إن الله عليم بذات الصدور ) من خطراتكم من الخير والشر فضلا عن ظواهر أعمالكم فيه وعد ووعيد والله أعلم.
( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء ) على أنفسكم وأحبتكم ( قائما ) بالعدل والصدق ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ) جرم يجرم بمعنى كسب كاجترم يقال جرم لأهله كذا في القاموس وعدي بعلى بتضمين فعل يتعدى به، كأنه قيل ولا يحملنكم شدة بغضكم لقوم مشركين على ترك العدل فيهم فتعتدوا عليهم بكسب ما لا يحل لكم منهم كالمثلة والقذف وقتل النساء ونقض العهد تشفيا لما في قلوبكم على مقتضى أهوائكم ( اعدلوا ) أمر بالعدل هو ضد الجور بعد النهي عن تركه تأكيدا ( هو ) أي العدل ( أقرب للتقوى ) أي أقرب إلى التقوى من غيره، فإن التقوى عبارة عن وقاية نفسه وقواه الظاهرة والباطنة عن إتيان ما كره الله في الدنيا حتى يكون ذلك وقاية نفسه وقواه الظاهرة والباطنة عن إتيان ما كره الله في الدنيا حتى يكون ذلك وقاية لنفسه عن عذاب الله وسخطه في الآخرة، ومرجع العدل والجور إلى حقوق الناس ورعاية حقوق الناس أهم وأدخل في التقوى ولذلك قال : هو أقرب للتقوى ( واتقوا الله ) فيما أمر ونهى ( إن الله خبير بما تعملون ) فيجازيكم به، فيه وعد ووعيد وتكرير هذا الحكم إما لاختلاف السبب كما قيل الأولى نزلت في المشركين وهذه في اليهود، أو لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة فيه.
( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم ) الجملة في موضع المفعول الثاني من وعد، لأن الوعد نوع من القول فيقع على الجملة أو هي مستأنفة والمفعول الثاني لوعد محذوف يدل عليه هذه الجملة، وجاز أن يكون الصالحات ثاني مفعولي وعد أي وعد المثوبات الصالحات ومفعول عملوا محذوف لظهور أن أعمال المؤمن إنما هو ما آمن بحسنه.
( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) يعني لا يفارقونها هذا من قبيل عطف المعمولين على المعمولين السابقين على تقدير كوة جملة لهم مغفرة في موضع النصب على المفعولية، والمعنى وعد الله المؤمنين بهذا القول والكافرين بهذا القول، وجاز أن يكون الموصول مبتدأ خبره أولئك أصحاب الجحيم والجملة معطوفة على الجملة الاسمية السابقة، وكلاهما مفعول ثان لوعد يعني أن الله وعد المؤمنين بمغفرتهم وإهلاك أعدائهم، وجاز أن يكون الذين كفروا معطوفا على الذين آمنوا أو موعودهم محذوف يدل عليه أولئك أصحاب الجحيم على تقدير حذف مفعول وعد في الأول، وجعل جملة لهم مغفرة مستأنفة دليلا على المحذوف ويجوز أن يكون هذا كلاما مستأنفا، والواو للاستئناف، ومن عادته سبحانه ذكر حال أحد الفريقين بعد ذكر الفريق الآخر لإتمام مقام الدعوة والله أعلم.
قال البغوي : قال مجاهد وعكرمة والكلبي وابن بشار عن رجاله : أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمر والساعدي وهو أحد نقباء ليلة العقبة في ثلاثين ركبا من المهاجرين والأنصار إلى بني عامر بن صعصعة، فخرجوا ولقوا عامر بن الطفيل علء بير معونة وهي من مياه بني عامر واقتتلوا فقتل المنذر وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم أحدهم عمرو بن أمية الضميري فلم يرعهم إلا والطير تحوم في السماء ويسقط من بين خراطيمها علق الدم، فقال : أحد النفر قتل أصحابنا ثم تولى يشتد حتى لقي رجلا فاختلفا ضربتين فلما خالطته الضربة رفع رأسه إلى السماء وفتح عينيه وقال : الله أكبر الجنة ورب العالمين، ورجع صاحباه فلقيا رجلين من بني سليم وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة فانتسبا لهما آل بني عامر فقتلاهما وقدم قومهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف حتى دخلوا على كعب ابن الأشرف وبني النضير يستعينهم في عقلهما وكانوا عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على ترك القتال وعلى أن يعينوا في الديات، فقالوا : نعم يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك ما تسألنا، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا، فقال : عمرو بن جحش : أنا، فجاء إلى رحى عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله أيديهم وجاء جبرئيل وأخبره، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة ثم دعا عليا وقال : لا تبرح مقامك فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عني فقل توجه إلى المدينة ففعل ذلك علي حتى إليه ثم اتبعوه، فأنزل الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) الآية، ذكر القصة بطولها ابن إسحاق وابن عمرو وابن سعد وذكروا فيها أن سلام بن مشكم نهاهم عن ذلك، وقال : لئن فعلتم ليخبرن بأنا قد غدرنا به وإن هذا نقض للعهد الذي بيننا وبينه فلا تفعلوا، وأخرج ابن جرير عن عكرمة ويزيد بن زياد ونحوه عن عبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة ومجاهد وعبد الله بن كثير وأبي مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه أبو بكر الحديث كما ذكر البغوي ولم يذكر قصة قتل المنذر أصحابه، وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس وابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن يزيد بن رومان والذي في روايتهم أن المقتولين عبدان إلا أنهما كانا مسلمين، وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخل في الغزوة السابعة، فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به وبأصحابه إذا اشتغلوا بالصلاة فأطلعه الله تعالى على ذلك وأنزل صلاة الخوف. وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة من طريق الحسن عن جابر بن عبد الله أن رجلا من محارب يقال له : الغويرث بن الحارث قال لقومه : أقتل لكم محمد، فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال : يا محمد انظر إلى سيفك هذا قال نعم، فأخذه فاستله فجعل يهزه ويهمبه فيكبته الله تعالى فقال : يا محمد أما تخافني ؟ قال : لا، قال أما تخافني والسيف في يدي ؟ قال :" لا، يمنعني الله منك " ثم غمد السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية، وذكر هذه الرواية عن الحسن وقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ محاصر غطفان بنخل، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه الآية أن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعاما ليقتلوه فأوحى الله عز وجل بشأنهم فلم يأت الطعام وأمر أصحابه فلم يأتوه، وأخرج الشيخان من حديث جابر نحو هذه القصة وليس عندهما ذكر نزول الآية، وأخرج البيهقي في الدلائل عن قتادة أنها نزلت في قوم من العرقب أرادوا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأرسلوا إليه الأعرابي، يعني الذي جاءه وهو نائم في بعض المنازل فأخذ سلاحه وقال : من يحول بيني وبينك، فقال : له : الله السيف ولم يعاقبه ( إذ هم قوم ) الظرف متعلق بنعمة، ومفعول هم قوله ( أن يبسطوا إليكم أيديهم ) بالقتل والإهلاك، يقال بسط إليه يده إذا بطش وبسط إليه لسانه إذا شتم ( فكف أيدهم ) أي منع ورد مضرتها ( عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) فإنه الكافي لإيصال الخير ودفع الشر.
( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ) حين أنزل عليهم التوراة بعد الفراغ من أمر فرعون، وقد مر قصة أخذ ميثاق في سورة البقرة حيث قال :( وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور وما )[ سورة البقرة، الآية : ٦٣ ] ( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) والمراد به رئيس كل سبط يكون شاهدا ينقب عن أحوال قومه ويفتش عنها ويكفر عنهم بالوفاء بما أمروا به ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر على حسب أمر نبيهم ونهيه ( وقال الله إني معكم ) يعني ما دمتم مريدين الوفاء بالميثاق معية بلا كيف يوجب التوفيق لامتثال الأوامر والانتهاء عن المناهي وشرح الصدر والاطمئنان، وتم الكلام للابتداء بالشرط الداخر عليه اللام الموطئة للقسم في قوله تعالى ( لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي ) أي بموسى ومن يأتي بعده مصدقا لما جاء به موسى من غير تفريق بين أحد منهم ( وعزرتموهم ) أي عظمتموهم وقويتموهم ونصرتموهم، في القاموس : العزر اللوم والتفخيم والتعظيم ضد والإعانة والتقوية والنصر، وفي الصحاح التعزير النصرة مع التعظيم وأصله الذب والرد وفي النصرة رد الأعداء، وسمي الزاجر ما دون الحد تعزيرا لأن فيه معنى منعه عن شنائع الأعمال ودفع الشنائع عنده الله أعلم ( وأقرضتم الله ) بالإنفاق في سبيل الخير وقيل هو كل حسنة، وجاز أن يكون معناه أقرضتم عباد الله بحذف المضاف أو أقرضتم الناس لله ( قرضا حسنا ) يحتمل المصدر والمفعول، والقرض الحسن ما يكون بلا من وعجب ورياء وغير ذلك مما يبطل العمل ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ) جواب للقسم ساد مسد جواب الشرط ( ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) فمن كفر بعد ذلك الميثاق والوعد المؤكد المعلق بالوفاء ( فقد ضل سواء السبيل ) إضافة الصفة إلى الموصوف بعني ضل سبيلا مستويا وأخطأ طريق الحف، والمراد به ضلالا بينا لا شبهة فيه ولا عذر معه، يدل عليه التعبير عن المستقبل بالماضي وتأكيده بقد، بخلاف من كفر قبل ذلك فإنه يحتمل أن يكون له شبهة ويتوهم له معذرة.
( فبما نقضهم ) ما زائدة أفاد التفخيم ( ميثاقهم ) حيث كذب النصارى محمدا صلى الله عليه وسلم واليهود إياه وعيسى وغيرهما من الأنبياء ونبذوا كتب الله وضيعوا فرائضه ( لعنهم ) قال عطاء : بعدناهم عن رحمتنا، وقال الحسن ومقاتل : مسخناهم، وقيل : معناه ضربنا عليهم الجزية ( وجعلنا قلوبهم قاسية ) غليظة لا تلين بذكر الله ولا تنفعل بالآيات والنذر من القسوة بمعنى غلظ القلب، وأصله من حجر قاس كذا في الصحاح، وهو المراد بما فسر ابن عباس باليابسة. قرأ حمزة والكسائي قسية بتشديد الياء من غير ألف، قال البغوي : هما لغتان كالزاكية والزكية ومعناهما واحد، وقال البيضاوي : وهي إما مبالغة قاسية أو بمعنى ردية من قولهم درهم قسى إذا كان مغشوشا، قلت : وهو أيضا من القسوة بمعنى الغلظ فإن المغشوش فيه يبس صلاته، وقيل معناه أن قلوبهم ليست بخالصة للإيمان بل إيمانهم مشوب بالكفر والنفاق كالدرهم المغشوش، ( يحرفون الكلم ) يعني كلمات الله التي في التوراة ( عن مواضعه ) قيل : هو تبديل نعت النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل : تحريفهم بسوء التأويل، والجملة مستأنفة لبيان قسوة قلوبهم فإن تحريف كلام الله والافتراء عليه مقتضى كما القسوة، وجاز أن يكون حالا من مفعول لعناهم لا عن القلوب إذ لا ضمير ( ونسوا ) تركوا ( حظا ) نصيبا وافيا ( مما ذكروا به ) في التوراة وعلى لسان الأنبياء من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم أو المعنى تركوا حظهم مما أنزل إليهم لأن حظ أبائهم كان اتباع موسى عليه السلام وحظ هؤلاء الموجودين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كان اتباع محمد صلى الله عليه وسلم فلم ينالوه، ذكر التحريف بلفظ المضارع والنسيان بلفظ الماضي لأن الأول مترتب على الثاني في الوجود، وقيل : معناه أنهم حرفوا فنسوا بشؤم التحريف علوما كانوا يحفظونها مما ذكروا به، روى أحمد بن حنبل في الزهد عن ابن مسعود لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمها بالخطيئة يعملها وتلا هذه الآية ( ولا تزال ) يا محمد ( تطلع على خائنة ) الخائنة فاعلة بمعنى المصدر كالكاذب واللاعنة يعني على خيانة أو هي بمعناها، والمعنى فرقة خائنة أو نفس خائنة أو فعلة ذات خيانة، أو معناه خائن والهاء للمبالغة ( منهم ) الضمير عائد إلى بني إسرائيل أجمعين الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأسلافهم والاطلاع أعم منه بالمشاهدة أو بالإخبار، يعني أن الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم لا تزال ترى ذلك منهم كان أسلافهم يخونون الرسل الماضين وهؤلاء يخونونك وكانت خيانة هؤلاء نقص ما عهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمهم بقتله وسمه ونحو ذلك ( إلا قليلا منهم ) لم يخونوا أو هم الصالحون من أمة موسى وعيسى عليهما السلام والذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه، وقيل : الاستثناء من قوله وجعلنا قلوبهم قاسية وهذا ليس بسديد لأن جعل قلوبهم قاسية متفرع على نقضهم ميثاقهم ونقض الميثاق يستلزم القساوة البتة ( فاعف عنهم واصفح ) أن أعرض عنهم ولا تتعرض ولا تؤاخذهم بما أذوك، ولا تعامل معهم إلا ما أمرك الله به والعفو عما فعلوا في شأنه صلى الله عليه وسلم، لا ينافي القتال بأمر الله تعالى وقيل : معناه اعف واصفح عنهم إن تابوا أو آمنوا أو عاهدوا أو التزموا الجزية، وقيل : هذا الحكم منسوخ بآية السيف ( إن الله يحب المحسنين ) تعليل للأمر بالصفح وحث عليه وتنبيه على أن العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلا عن العفو عن غيره.
( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ ) الجار والمجرور متعلق بأخذنا وهو معطوف على قوله تعالى ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ) وضمير ميثاقهم إما راجع إلى الموصول يعني وأخذنا من النصارى في الإنجيل وعلى لسان عيسى عليه السلام، وميثاق النصارى بامتثال ما أمروا في الإنجيل ( مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد )[ سورة الصف، الآية : ٦ ] وإما راجع إلى بني إسرائيل المذكورين من قبل يعني أخذنا من النصارى ميثاق من ذكر قبلهم من قوم موسى أي ميثاقا مثل ميثاقهم، قال الحسن فيه دليل على أنهم نصارى بتسميتهم وأنفسهم لا بتسمية الله تعالى، والأولى أن يقال إنه تعالى إنما لم يقل ومن النصارى أخذنا ميثاقهم ليدل على أنهم يسمون أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله تعالى وليسوا كذلك، وليس هذا إلا للتعريض على الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا على أسلافهم فإن منهم من كانوا أنصار الله تعالى على الحقيقة وأخذ الميثاق على هؤلاء الموجودين إنما كان تبعا لأخذ الميثاق على آبائهم ( فنسوا ) يعني أكثر هؤلاء الموجودين وبعض من قبلهم ﴿ حظا ﴾أي حظا وافيا أو حظهم ﴿ مما ذكروا به ﴾في الإنجيل فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم بعد البشارة بمبعثه واتبعوا أهوائهم قبل ذلك فافترقوا فرقا منهم الملكائية والنسطورية واليعقوبية قال بعضهم إن الله ثالث ثلاثة وبعضهم عيسى ابن الله وبعضهم أن الله هو المسيح ﴿ فأغرينا ﴾ يعني ألصقنا وألزمنا من غرى الشيء إذا لصق به ولزمه ﴿ بينهم ﴾ قال مجاهد وقتادة : يعني بين اليهود والنصارى، وقال الربيع بين فرق النصارى وهو الأظهر ﴿ العداوة والبغضاء ﴾ لأجل اختلاف أهوائهم في الدين [ إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله ] بالجزاء والعقاب في الآخرة ﴿ بما كانوا يصنعون ﴾ في الدنيا من الكفر والمعاصي وترك الإقتداء بالكتب السماوية التي مآلها واحد والله أعلم
أخرج ابن جرير عن عكرمة، قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه اليهود يسألونه عن الرجم فقال :( أيكم أعلم ؟ فأشاروا إلى ابن صوريا فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى والذي رفع الطور بالمواثيق الذي أخذت عليهم، فقال : إنه لما كثر الزنا فينا جلدنا مائة وحلقنا الرؤس فحكم عليهم بالرجم فأنزل الله تعالى ﴿ يأهل الكتاب ﴾. إلى قوله ﴿ صراط مستقيم ﴾
﴿ يأهل الكتاب ﴾ والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى ووحده الكتاب لأنه للجنس ﴿ قد جاءكم رسولنا ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ يبين لكم كثير مما كنتم تخفون من الكتاب ﴾ أي التوراة والإنجيل مثل آية الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة وبشارة عيسى بأحمد في الإنجيل ﴿ ويعفوا ﴾، أي يعرض﴿ عن كثير ﴾ مما يخفونه لا يخبر به إذا لم يتوقف عليه أمر ديني أو عن كثير منكم فلا يؤاخذ بجرمه ﴿ قد جاءكم من الله نور ﴾ يعني محمد صلى الله عليه وسلم، أو الإسلام ﴿ وكتاب مبين ﴾ للأحكام أو بين الإعجاز وهو القرآن، وجاز أن يكون العطف تفسيريا وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم والقرآن نورا لكونهما كاشفين لظلمات الكفر.
﴿ يهدي به الله ﴾ وحد الضمير لأن المراد بهما إما واحد أو كواحد في الحكم ﴿ من اتبع رضوانه ﴾أي رضاه بالإيمان منهم ﴿ سبل السلام ﴾ أي طرق السلامة من عذاب الله، وقيل : السلام هو الله تعالى وسبله شرائعه الموصلة إليه ﴿ ويخرجهم من الظلمات ﴾أي ظلمات الكفر ﴿ إلى النور ﴾ نور الإيمان ﴿ بإذنه ﴾ بإرادته وتوفيقه﴿ ويهديهم إلى صراط مستقيم ﴾ أي طريق موصل إلى الله تعالى البتة وهو الإسلام.
﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ﴾ والقائلون بهذا القول اليعقوبية من النصارى فإنهم قائلون بالاتحاد، وقيل : لم يصرح به أحد ولكن لما زعموا أن فيه لاهوتا وقالوا لا إله إلا واحد لزمهم أن يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم ﴿ قل فمن يملك ﴾ أي يقدر أن يدفع ﴿ من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمة ومن في الأرض جميعا ﴾ يعني أن المسيح وأمه عبدان مخلوقان من جنس سائر الممكنات فإن عطف من في الأرض عليهما يفيد أنهما من جنسهم متصفان بالحدوث وأماراته من الإبنية والأمومية قابلان للهلاك والفناء مقدوران لله تعالى وحده إن شاء الله تعالى هلاكهما لا يستطيعان دفع الهلاك عن أنفسهما كسائر الممكنات ﴿ ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء ﴾ بغير مادة سبقت عليه كالسموات والأرض، أو من مادة من غير جنسه كما خلق آدم من الطين أو من ذكر وحده كما خلق حواء من آدم أو من أنثى وحدها كما خلق عيسى بن مريم أو من ذكر أنثى كأكثر الحيوانات ﴿ و الله على كل شيء قدير ﴾ من الإحياء والإماتة فكيف يتصور اتحاد من ذلك شأنه وظهر احتياجه وإمكانه بمن هذا سلطانه وعز برهانه، روى ابن إسحاق عن ابن عباس قالب : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أحي وبحري بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه وكلمهم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا : ما تخوفنا يا محمد نحن أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله تعالى ﴿ و قالت اليهود والنصارى نحن أبناؤا الله وأحباؤه ﴾.
﴿ و قالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ﴾.
الآية، قيل : أرادوا أن الله تعالى كالأب لنا في الحنو والعطف نحن كالأبناء له في القرب والمنزلة، وقال إبراهيم النخعي : إن اليهود وجدوا في التوراة يا أبناء حباري فبدلوا يا أبناء أبكاري فمن ذلك قالوا نحن أبناء الله، وقيل : معناه نحن أبناء رسل الله، وقيل : أرادوا أنهم أشياع ابنيه عزير والمسيح كما قال لأشياع أبي الجنيب عبد الله بن الزبير الجنبون ﴿ قل ﴾ يا محمد إن صح ما زعمتم ﴿ فلم يعذبكم بذنوبكم ﴾ فإن الأب لا يعذب ولده والحبيب حبيبه وقد عذبكم الله في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ وأنتم مقرون أنه سيعذبكم بالنار أياما معدودات فليس الأمر كما زعمتم ﴿ بل أنتم ممن خلق ﴾ كسائر بني آدم يجزون بالإساءة والإحسان ﴿ يغفر لمن شاء ﴾ ما دون الكفر فضلا ﴿ و يعذب من يشاء ﴾ عدلا ﴿ ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ﴾ كلها سواء في المملوكية والمخلوقية والمملوكية تنافي البنوة، فيه تنبيه على نفي بنوة عزير وعيسى، قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودا إلى الإسلام ورغبهم فيه، فقال : معاذ بن الجبل وسعد بن عبادة : يا معشر يهود اتقوا الله فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله لقد كنتم تذكرون لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته، فقال : رافع بن حريملة ووهب بن يهود ؛ : أما قلنا لكم هذا أو ما أنز ل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بشرا بعده فأنزل الله تعالى ﴿ يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير و الله على كل شيء قدير ﴾
﴿ يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم { يبين لكم ﴾، إعلام الهدى وشرائع الدين وحذف لظهوره أو ما كتمتم وحذف لتقدم وحذف لتقدم ذكره ويجوز أن لا يقدر مفعول والمعنى يبدل لكم البيان، والجملة في موضع الحال أي جاءكم رسولنا مبينا لكم ﴿ على فترة من الرسل ﴾ متعلق بجا أي جاءكم على حين فتور من المرسلين وانقطاع من الوحي أو حال من الضمير في يبين ﴿ أن تقولوا ﴾ يعني كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا معتذرين﴿ ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير ﴾ يعني فلا تعتذروا فقد جاءكم بشير ونذير ﴿ و الله على كل شيء قدير ﴾ فيقدر على الإرسال تترى كما فعل بين موسى وعيسى وكان بينهما ألف وسبعمائة أو خمسمائة سنة وألف نبي. أخرج ابن سعد والزبير بن بكار وابن عساكر عن الكلبي أنه كان بين موسى بن عمران ومريم بنت عمران أم عيسى ألف وسبعمائة سنة وليسا من سبط واحد، وأخرج الحاكم عن ابن أبي عباس بلفظ بين موسى وعيسى ألف وخمسمائة سنة، وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش قال : كان بين موسى وعيسى ألف نبي ويقدر على الإرسال على فترة كما فعل بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم كان بينهما ستمائة سنة، أخرجه ابن عساكر وابن أبي حاتم عن قتادة أو خمسمائة وستون سنة، أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير من طريق معمر عن قتادة ولم يكن بعد عيسى رسول سوى رسولنا صلى الله عليه وسلم. وفي الآية امتنان عليهم بأن بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي وكانوا أحوج ما يكونون إليه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة، الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بيننا نبي ] متفق عليه.
﴿ وإذ قال موسى لقومه ﴾ بني إسرائيل
﴿ يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء ﴾ فأرشدكم وشرفكم بهم ولم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء
﴿ وجعلكم ﴾ أي جعل منكم أو فيكم
﴿ ملوكا ﴾ وقد تكاثر فيهم الملوك بعد فرعون حتى قتلوا يحيي وهموا بقتل عيسى عليهما السلام، وقال : ابن عباس : أراد بالملوك أصحاب خدم وحشم، قال : قتادة كانوا أول من ملك الخدم ولم يكن لمن قبلهم خدم، وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم وامرأة ودابة يكتب ملكا وله شاهدا من مرسل زيد بن أسلم. وقال : عبد الرحمان الجبلي سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال : له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال : نعم، قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال : نعم قال : أنت من الأغنياء، قال : فأن لي خادما، قال : فأنت من الملوك، وقال : السدي معناه وجعلكم أحرارا تملكون أمر أنفسكم بعدما كنتم في أيدي القبط يستعبدونكم، وقال : الضحاك كانت منازلهم واسعة فيها مياه جارية فمن كان مسكنه واسعا فيها ماء جار فهو ملك
﴿ و أتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ﴾ في زمانهم لشرف صحبة الأنبياء من مراتب القرب عند الله مع الرفعة في الدنيا والكرامات مثل فلق البحر وإنزال أنواع الرجز على أعدائهم دونهم
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة وفاة هارون عليه الصلاة السلام :
قال السدي : أوحى الله إلى موسى أني متوفى هارون عليه السلام فأت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا بيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه قال : يا موسى أحب أن أنام على هذا السرير، قال : فنم عليه فقال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي، قال : موسى لا ترهب إني أكفيك رب هذا البيت، قال يا موسى فنم أنت معي فإن جاء رب البيت غضب علي وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت فلما وجد معه قال : يا موسى خذ عيني فلما قبض رفع البيت وذهب تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، فقال : موسى ويحكم كان أخي أفترونني أقتله ؟فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل فكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله مما قالوا، ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره إلا الرخم فجعله الله أصم أبكم، قال عمرو بن ميمون مات هارون وموسى عليهما السلام في التيه مات هارون قبل موسى وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل فقالوا : قتلته لحبنا إياه وكان محبا في بني إسرائيل فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فأوحى الله إليه انطلق بهم إلى قبره فنادى يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال : أنا قتلتك ؟ قال : لا ولكني مت، قال فعد إلى مضجعك وانصرفوا.
قصة وفاة موسى عليه السلام
قال ابن إسحاق : كان صفي الله موسى يكره الموت فأراد الله أن يجيب إليه الموت فنبأ يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه فيقول له موسى يا نبي الله ما أحدث الله إليك ؟ فيقول له يوشع يا نبي الله ألم ذا أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء ما أحدث إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره ولا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره الحياة وحبب الموت، وعن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاء ملك الموت إلى موسى فقال : له أجب ربك، قال : فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال : فرجع الملك إلى الله سبحانه وتعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال : فرد الله إليه عينه قال : إرجع إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما دارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة، قال : ثم مه ؟ قال : ثم تموت، قال : فالآن من قريب، قال : رب أدنني من الأرض المقدسة رمية الحجر، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ) متفق عليه. وقال : وهب خرج موسى لبعض حاجته فمر يرهط من الملائكة يحفرون قبر لم ير شيئا أحسن منه ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال : لهم يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا لعبد كريم على ربه، قال : إن هذا العبد من الله بمنزل ما رأيت كاليوم مضجعا فقال : الملائكة يا صفي الله أتحب أن يكون لك ؟ قال : وددت قالوا فانزل واضطجع فيه توجه إلى ربك قال فاضطجع وتوجه إلى ربه ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله تبارك وتعالى روحه ثم سوت عليه الملائكة، وقيل : إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها وقبض روحه | وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة والله أعلم |
﴿ يا قوم أدخلوا الأرض المقدسة ﴾ قال : مجاهد هي الطور وما حوله، وقال الضحاك إيليا وبيت المقدس، وقال : عكرمة والسدي هي أريحا، وقال : الكلبي : هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقال قتادة : هي الشام كلها، وقال كعب : وجدت في كتاب الله المنزل إن الشام كنز الله من أرضه وبها كنز من عباده سميت بالمقدسة لأنها مقر الأنبياء ومسكن المؤمنين
﴿ التي كتب الله لكم ﴾ أي كتب وفرض عليكم دخولها كما كتب الصوم والصلاة، كذا قال : قتادة والسدي
﴿ و لا ترتدوا على أدباركم ﴾ إلى مصر أو إلى خلاف ما أمركم الله جبنا
﴿ فتنقلبوا خاسرين ﴾ ثواب الدارين يجوز في فتنقلبوا الجزم على العطف والنصب على الجواب،
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة وفاة هارون عليه الصلاة السلام :
قال السدي : أوحى الله إلى موسى أني متوفى هارون عليه السلام فأت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا بيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه قال : يا موسى أحب أن أنام على هذا السرير، قال : فنم عليه فقال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي، قال : موسى لا ترهب إني أكفيك رب هذا البيت، قال يا موسى فنم أنت معي فإن جاء رب البيت غضب علي وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت فلما وجد معه قال : يا موسى خذ عيني فلما قبض رفع البيت وذهب تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، فقال : موسى ويحكم كان أخي أفترونني أقتله ؟فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل فكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله مما قالوا، ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره إلا الرخم فجعله الله أصم أبكم، قال عمرو بن ميمون مات هارون وموسى عليهما السلام في التيه مات هارون قبل موسى وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل فقالوا : قتلته لحبنا إياه وكان محبا في بني إسرائيل فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فأوحى الله إليه انطلق بهم إلى قبره فنادى يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال : أنا قتلتك ؟ قال : لا ولكني مت، قال فعد إلى مضجعك وانصرفوا.
قصة وفاة موسى عليه السلام
قال ابن إسحاق : كان صفي الله موسى يكره الموت فأراد الله أن يجيب إليه الموت فنبأ يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه فيقول له موسى يا نبي الله ما أحدث الله إليك ؟ فيقول له يوشع يا نبي الله ألم ذا أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء ما أحدث إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره ولا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره الحياة وحبب الموت، وعن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاء ملك الموت إلى موسى فقال : له أجب ربك، قال : فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال : فرجع الملك إلى الله سبحانه وتعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال : فرد الله إليه عينه قال : إرجع إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما دارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة، قال : ثم مه ؟ قال : ثم تموت، قال : فالآن من قريب، قال : رب أدنني من الأرض المقدسة رمية الحجر، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ) متفق عليه. وقال : وهب خرج موسى لبعض حاجته فمر يرهط من الملائكة يحفرون قبر لم ير شيئا أحسن منه ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال : لهم يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا لعبد كريم على ربه، قال : إن هذا العبد من الله بمنزل ما رأيت كاليوم مضجعا فقال : الملائكة يا صفي الله أتحب أن يكون لك ؟ قال : وددت قالوا فانزل واضطجع فيه توجه إلى ربك قال فاضطجع وتوجه إلى ربه ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله تبارك وتعالى روحه ثم سوت عليه الملائكة، وقيل : إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها وقبض روحه | وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة والله أعلم |
وقيل : معنى كتب الله في اللوح المحفوظ أنها تكون مسكنا لكم ولا بد على هذا التأويل أن يقيد بشرط مقدر وهو أن أمنتم وأطعتم لقوله تعالى بعد ما عصوا ( إنها محرمة عليهم ) وجاز أن يكون ضمير لكم عائدا على بني إسرائيل بالنسبة إلى بعضهم يعني المطيعين، و ضمير محرمة عليهم بالنسبة إلى بعض آخر يعني العاصين أو يقال التحريم مقيد بأربعين سنة ثم يكون مسكنا لهم، وقال : ابن إسحاق : معنى كتب الله لكم ووهب الله لكم وجعلها لكم، قال : الكلبي : صعد إبراهيم جبل لبنان فقال : له أنظر فما أدركه بصرك فهو مقدس وهو ميراث لذريتك، قال : البغوي : إن الله عز وجل وعد موسى أن يورثه وقومه الأرض المقدسة وهي الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبارون فلما استقرت لبنى لإسرائيل الديار بمصر يعني بعد الفراغ من أمر فرعون أمرهم الله بالمصير إلى أريحا من أرض الشام وهي الأرض المقدسة وكانت بها ألف قرية في كل قرية ألف بستان، قلت : لعل المراد بالألف الكثرة جدا دون العدد والله أعلم. وقال : الله تعالى يا موسى إني كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرج إليها وجاهد من فيها من العدو فإني ناصرك عليهم وخذ من قومك اثنا عشر نقيبا من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به، فاختار موسى النقباء وسار ببني إسرائيل حتى إذا قربوا من أريحا بعث هؤلاء النقباء يتجسسون له الأخبار ويعلمون علمها، فلقيهم رجال من الجبارين يقال لهى عوج بن عناق وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع، وكان يحتجر بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه يعني بالشمس يرفعه إليها ثم يأكله، ويروى أن الماء طبق على ما على الأرض من جبل وما جاوز من ركبتي عوج وعاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله على يدي موسى، وذلك أن جاء وقور صخرة من الجبل على قدر عسكر موسى عليه السلام وكان فرسخا في فرسخ وحملها ليطبقها عليهم فبعث الله الهدهد فنقر الصخرة بمنقاره فوقعت في عنقه فصرعته فأقبل موسى عليه السلام وهو مصروع فقتله، وكانت أمه عنق إحدى بنات آدم عليه السلام وكان مجلسها جريبا من الأرض، قال : فلما لقي عوج النقباء وعلى رأسه حزمة حطب أخد الاثني عشر وجعلهم في حجزته وانطلق بهم إلى امرأته وقال : انظري إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا وطرحهم بين يديها وقال : ألا أطحنهم برجلي، فقالت امرأته لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك، وروى أنه جعلهم في كمه أتى بهم إلى الملك فنشرهم بين يديه، فقال : الملك ارجعوا فأخبروهم بما رأيتم وكان لا يحمل عنقودا من عنبهم إلا خمسة أنفس منهم في خشبة ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس، قلت : كذا ذكر البغوي : في عوج بن عنق وفيه مبالغات لا يقبلها العقل وينكرها المحدثون، غير أنه أعظم جثة وأقوى قوة من الجبارين وكانوا أجراما عظيمة أولى بأس شديد، فلما رجع النقباء إلى موسى وأخبروه بما عاينوا قال : لهم موسى اكتموا شأنهم ولا تخبروا به أحدا من أهل العسكر فيفشلوا فأخبر كل رجل منهم قريبه وابن عمه إلا رجلان وفيا بما قال : لهم موسى أحدهما يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف فتى موسى، والآخر كالب بن يوقنا ختن موسى على أخته مريم بنت عمران وكان متن سبط يهودا، فعمت جماعة بني إسرائيل ذلك، ورفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا يا ليتنا متنا بمصر وليتنا نموت ول يدخلنا الله أرضهم فتكون نساءنا وأولادنا وأثقالنا غنيمة لهم، وجعل الرجل يقول لصاحبه تعال نجعل علينا رأسا وننصرف إلى مصر
﴿ قالوا يا موسى إن فيها ﴾ أي في تلك الأرض
﴿ قوما جبارين ﴾ الجبار فعال من جبره على أمر بمعنى أجبره عليه وهو العالي الذي يجبر الناس على ما يريد، وقال البغوي : الجبار المتعظم الممتنع عن القهر بحيث لا يتأتى مقاومته يقال نخلة جبارة إذا كانت طويلة ممتنعة عن وصول الأيدي إليها، قلت كان امتناعهم إما بطولهم أو قوة أجسادهم كما يدل عليه القصة، أو لكثرة جنودهم وأموالهم وآلات الحرب معهم، قال البغوي : كانوا من العمالقة وبقية قوم عاد
﴿ وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإن داخلون ﴾ إذ لا طاقة لنا بهم،
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة وفاة هارون عليه الصلاة السلام :
قال السدي : أوحى الله إلى موسى أني متوفى هارون عليه السلام فأت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا بيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه قال : يا موسى أحب أن أنام على هذا السرير، قال : فنم عليه فقال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي، قال : موسى لا ترهب إني أكفيك رب هذا البيت، قال يا موسى فنم أنت معي فإن جاء رب البيت غضب علي وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت فلما وجد معه قال : يا موسى خذ عيني فلما قبض رفع البيت وذهب تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، فقال : موسى ويحكم كان أخي أفترونني أقتله ؟فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل فكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله مما قالوا، ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره إلا الرخم فجعله الله أصم أبكم، قال عمرو بن ميمون مات هارون وموسى عليهما السلام في التيه مات هارون قبل موسى وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل فقالوا : قتلته لحبنا إياه وكان محبا في بني إسرائيل فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فأوحى الله إليه انطلق بهم إلى قبره فنادى يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال : أنا قتلتك ؟ قال : لا ولكني مت، قال فعد إلى مضجعك وانصرفوا.
قصة وفاة موسى عليه السلام
قال ابن إسحاق : كان صفي الله موسى يكره الموت فأراد الله أن يجيب إليه الموت فنبأ يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه فيقول له موسى يا نبي الله ما أحدث الله إليك ؟ فيقول له يوشع يا نبي الله ألم ذا أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء ما أحدث إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره ولا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره الحياة وحبب الموت، وعن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاء ملك الموت إلى موسى فقال : له أجب ربك، قال : فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال : فرجع الملك إلى الله سبحانه وتعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال : فرد الله إليه عينه قال : إرجع إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما دارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة، قال : ثم مه ؟ قال : ثم تموت، قال : فالآن من قريب، قال : رب أدنني من الأرض المقدسة رمية الحجر، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ) متفق عليه. وقال : وهب خرج موسى لبعض حاجته فمر يرهط من الملائكة يحفرون قبر لم ير شيئا أحسن منه ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال : لهم يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا لعبد كريم على ربه، قال : إن هذا العبد من الله بمنزل ما رأيت كاليوم مضجعا فقال : الملائكة يا صفي الله أتحب أن يكون لك ؟ قال : وددت قالوا فانزل واضطجع فيه توجه إلى ربك قال فاضطجع وتوجه إلى ربه ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله تبارك وتعالى روحه ثم سوت عليه الملائكة، وقيل : إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها وقبض روحه | وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة والله أعلم |
فلما قال بنو إسرائيل وهموا بالانصراف إلى مصر خر موسى وهارون ساجدين وخرق كالب ويوشع ثيابها هما الذين أخبر الله تعالى عنهما في قوله
﴿ قال رجلان ﴾ يعني كالب ويوشع
﴿ من الذين يخافون ﴾ الله تعالى ويتقونه، وقيل كانا ر جلين من الجبابرة اسلما وصارا موسى فعلى هذا الواو لبني إسرائيل، والراجع إلى الموصول محذوف أي من الذين يخافهم بنو إسرائيل ويشهده قراءة سعيد بن جبير يخافون بضم الياء أخرجه ابن جرير عنه والحاكم وصححه عن ابن عباس
﴿ أنعم الله عليهما ﴾ بالإيمان والتثبيت صفة ثانية لرجلين أو اعتراض
﴿ ادخلوا عليهم الباب ﴾ باب قريتهم أي باغتوهم أو ضاغطوهم في المضيق وأمنعوهم عن الخروج على الصحارى
﴿ فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ﴾ التعذر الكر عليهم في المضائق ولأن المنجز وعده وإنا رأيناهم فكانت أجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة
﴿ وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنون ﴾ به مصدقين بوعده،
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة وفاة هارون عليه الصلاة السلام :
قال السدي : أوحى الله إلى موسى أني متوفى هارون عليه السلام فأت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا بيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه قال : يا موسى أحب أن أنام على هذا السرير، قال : فنم عليه فقال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي، قال : موسى لا ترهب إني أكفيك رب هذا البيت، قال يا موسى فنم أنت معي فإن جاء رب البيت غضب علي وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت فلما وجد معه قال : يا موسى خذ عيني فلما قبض رفع البيت وذهب تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، فقال : موسى ويحكم كان أخي أفترونني أقتله ؟فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل فكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله مما قالوا، ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره إلا الرخم فجعله الله أصم أبكم، قال عمرو بن ميمون مات هارون وموسى عليهما السلام في التيه مات هارون قبل موسى وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل فقالوا : قتلته لحبنا إياه وكان محبا في بني إسرائيل فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فأوحى الله إليه انطلق بهم إلى قبره فنادى يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال : أنا قتلتك ؟ قال : لا ولكني مت، قال فعد إلى مضجعك وانصرفوا.
قصة وفاة موسى عليه السلام
قال ابن إسحاق : كان صفي الله موسى يكره الموت فأراد الله أن يجيب إليه الموت فنبأ يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه فيقول له موسى يا نبي الله ما أحدث الله إليك ؟ فيقول له يوشع يا نبي الله ألم ذا أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء ما أحدث إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره ولا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره الحياة وحبب الموت، وعن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاء ملك الموت إلى موسى فقال : له أجب ربك، قال : فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال : فرجع الملك إلى الله سبحانه وتعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال : فرد الله إليه عينه قال : إرجع إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما دارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة، قال : ثم مه ؟ قال : ثم تموت، قال : فالآن من قريب، قال : رب أدنني من الأرض المقدسة رمية الحجر، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ) متفق عليه. وقال : وهب خرج موسى لبعض حاجته فمر يرهط من الملائكة يحفرون قبر لم ير شيئا أحسن منه ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال : لهم يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا لعبد كريم على ربه، قال : إن هذا العبد من الله بمنزل ما رأيت كاليوم مضجعا فقال : الملائكة يا صفي الله أتحب أن يكون لك ؟ قال : وددت قالوا فانزل واضطجع فيه توجه إلى ربك قال فاضطجع وتوجه إلى ربه ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله تبارك وتعالى روحه ثم سوت عليه الملائكة، وقيل : إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها وقبض روحه | وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة والله أعلم |
قال : البغوي : فأراد بنو إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة وغضبوهما و
﴿ قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ﴾ نفوا دخولهم على التأكيد والتأبيد وقوله
﴿ ما داموا فيها ﴾ بدل من أبدا بدل البعض،
﴿ فأذب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ﴾ قيل : قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما وهذا مستبعد جدا لأنه يستلزم الكفر فلا يتصور بعد ذلك مصاحبة موسى وقد كانوا في مصاحبته ونزل عليهم المن والسلوى وظلل عليهم الغمام وانفجرت من الحجر عيونا لشربهم فالمعنى اذهب أنت وربك يعينك والله أعلم عن ابن مسعود قال :" شهدت من المقداد بن أسود مشهدا لأن أكون صاحبه لأحب إلى مما عدل به أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعوه على المشركين قال : لا نقول كما قال : قوم موسى اذهب أنت وربك فقاتلا ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره ) رواه البخاري وغيره،
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة وفاة هارون عليه الصلاة السلام :
قال السدي : أوحى الله إلى موسى أني متوفى هارون عليه السلام فأت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا بيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه قال : يا موسى أحب أن أنام على هذا السرير، قال : فنم عليه فقال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي، قال : موسى لا ترهب إني أكفيك رب هذا البيت، قال يا موسى فنم أنت معي فإن جاء رب البيت غضب علي وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت فلما وجد معه قال : يا موسى خذ عيني فلما قبض رفع البيت وذهب تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، فقال : موسى ويحكم كان أخي أفترونني أقتله ؟فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل فكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله مما قالوا، ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره إلا الرخم فجعله الله أصم أبكم، قال عمرو بن ميمون مات هارون وموسى عليهما السلام في التيه مات هارون قبل موسى وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل فقالوا : قتلته لحبنا إياه وكان محبا في بني إسرائيل فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فأوحى الله إليه انطلق بهم إلى قبره فنادى يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال : أنا قتلتك ؟ قال : لا ولكني مت، قال فعد إلى مضجعك وانصرفوا.
قصة وفاة موسى عليه السلام
قال ابن إسحاق : كان صفي الله موسى يكره الموت فأراد الله أن يجيب إليه الموت فنبأ يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه فيقول له موسى يا نبي الله ما أحدث الله إليك ؟ فيقول له يوشع يا نبي الله ألم ذا أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء ما أحدث إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره ولا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره الحياة وحبب الموت، وعن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاء ملك الموت إلى موسى فقال : له أجب ربك، قال : فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال : فرجع الملك إلى الله سبحانه وتعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال : فرد الله إليه عينه قال : إرجع إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما دارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة، قال : ثم مه ؟ قال : ثم تموت، قال : فالآن من قريب، قال : رب أدنني من الأرض المقدسة رمية الحجر، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ) متفق عليه. وقال : وهب خرج موسى لبعض حاجته فمر يرهط من الملائكة يحفرون قبر لم ير شيئا أحسن منه ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال : لهم يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا لعبد كريم على ربه، قال : إن هذا العبد من الله بمنزل ما رأيت كاليوم مضجعا فقال : الملائكة يا صفي الله أتحب أن يكون لك ؟ قال : وددت قالوا فانزل واضطجع فيه توجه إلى ربك قال فاضطجع وتوجه إلى ربه ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله تبارك وتعالى روحه ثم سوت عليه الملائكة، وقيل : إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها وقبض روحه | وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة والله أعلم |
فلما فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من مخالفة أمر الله ورسوله وهموا بيوشع وكالب غضب موسى ودعا عليهم
﴿ قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ﴾ يعني وأخي لا يملك إلا نفسه فأخي إما منصوب عطفا على اسم إن أو مرفوع عطفا على الضمير المرفوع في أملك أو مبتدأ خبره محذوف يعني كذلك وجاز أن يكون معناه لا يطيعني إلا نفسي وأخي، وحينئذ أخي إما منصوب عطفا على نفسي أو مجرور عند الكوفيين عطفا على ياء المتكلم في نفسي، والحصر إضافي بالنسبة إلى القوم العاصين أخرج الكلام شكاية عنهم ولا يلزم منه عدم إطاعة الرجلين يوشع وكالب
﴿ فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ﴾ بأن تحكم لكل ما يستحقه من المدح والثواب والذم والعقاب أو المعنى فافرق بالتبعيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة وفاة هارون عليه الصلاة السلام :
قال السدي : أوحى الله إلى موسى أني متوفى هارون عليه السلام فأت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا بيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه قال : يا موسى أحب أن أنام على هذا السرير، قال : فنم عليه فقال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي، قال : موسى لا ترهب إني أكفيك رب هذا البيت، قال يا موسى فنم أنت معي فإن جاء رب البيت غضب علي وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت فلما وجد معه قال : يا موسى خذ عيني فلما قبض رفع البيت وذهب تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، فقال : موسى ويحكم كان أخي أفترونني أقتله ؟فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل فكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله مما قالوا، ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره إلا الرخم فجعله الله أصم أبكم، قال عمرو بن ميمون مات هارون وموسى عليهما السلام في التيه مات هارون قبل موسى وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل فقالوا : قتلته لحبنا إياه وكان محبا في بني إسرائيل فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فأوحى الله إليه انطلق بهم إلى قبره فنادى يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال : أنا قتلتك ؟ قال : لا ولكني مت، قال فعد إلى مضجعك وانصرفوا.
قصة وفاة موسى عليه السلام
قال ابن إسحاق : كان صفي الله موسى يكره الموت فأراد الله أن يجيب إليه الموت فنبأ يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه فيقول له موسى يا نبي الله ما أحدث الله إليك ؟ فيقول له يوشع يا نبي الله ألم ذا أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء ما أحدث إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره ولا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره الحياة وحبب الموت، وعن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاء ملك الموت إلى موسى فقال : له أجب ربك، قال : فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال : فرجع الملك إلى الله سبحانه وتعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال : فرد الله إليه عينه قال : إرجع إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما دارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة، قال : ثم مه ؟ قال : ثم تموت، قال : فالآن من قريب، قال : رب أدنني من الأرض المقدسة رمية الحجر، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ) متفق عليه. وقال : وهب خرج موسى لبعض حاجته فمر يرهط من الملائكة يحفرون قبر لم ير شيئا أحسن منه ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال : لهم يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا لعبد كريم على ربه، قال : إن هذا العبد من الله بمنزل ما رأيت كاليوم مضجعا فقال : الملائكة يا صفي الله أتحب أن يكون لك ؟ قال : وددت قالوا فانزل واضطجع فيه توجه إلى ربك قال فاضطجع وتوجه إلى ربه ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله تبارك وتعالى روحه ثم سوت عليه الملائكة، وقيل : إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها وقبض روحه | وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة والله أعلم |
﴿ قال ﴾ الله تعالى
﴿ فإنها ﴾ أي الأرض المقدسة
﴿ محرمة عليهم ﴾ تحريم منع لا تحريم تعبد يعني أنها ممنوعة منهم لا يدخلونها ولا يسكنونها بسبب عصيانهم
﴿ أربعين سنة ﴾ الظاهر أنه متعلق بقوله محرمة فيكون التحريم مؤقتا غير مؤبد ولا يكون مخالفا لظاهر قوله تعالى
﴿ التي كتب الله لكم ﴾ على تأويل كتيب الله في اللوح المحفوظ كونها مسكنا لكم، ويؤيد ذلك ما روي أن موسى فيها فتح أريحا من بقي من بني إسرائيل وكان يوشع على مقدمته وقاتل الجبابرة وأقام موسى فيها ما شاء الله ثم قبض كما سيجيء قصته ولا يعلم قبره أحد، قال : البغوي : وهذا أصح الأقاويل لاتفاق العلماء أن عوج بن عنق قتله موسى، قلت : ولقوله تعالى
﴿ و إذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض ﴾ إلى قوله تعالى
﴿ اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ﴾ فإنه يدل على أن موسى كان حيا حين أهبطوا مصر بعد خروجهم من التيه وذلك بعد أربعين سنة، وقيل : الظرف متعلق بما بعده يعني
﴿ يتيهون في الأرض ﴾ أي يسيرون فيها يتحيرون لا يرون الطريق فيكون التحريم حينئذ مطلقا ولم يدخل الأرض المقدسة أحد مما قال : لا ندخلها بل هلكوا في التيه كلهم، وإنما قاتل الجبابرة أولادهم مع يوشع لما هلكوا كلهم وإنقضت أربعون سنة ونشأت النواشىء من ذراريهم ولم يسر إليهم يوشع إلا بعد موت موسى ومات موسى وهارون عليهما السلام في التيه كذا أخرج ابن جرير ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال : البغوي : على هذه الرواية : فلما مات موسى وانقضت أربعون سنة بعث الله يوشع نبيا فأمرهم أن الله تعالى أمر بقتال الجبابرة فصدقوه وبايعوه فتوجه بنو إسرائيل إلى أريحا معه تابوت الميثاق فأحاط بمدينة أريحا ستة أشهر، فلما كان السابع نفخوا في القرن وضج الشغب ضجة واحدة فسقط سور المدينة ودخلوا فقاتلوا الجبارين فهزموهم وهجموا عليهم يقتلونهم وكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق رجل يضربونها لا يقطعونها، فكان القتال يوم الجمعة فبقيت منه بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فقال : اللهم اردد الشمس علي، وقال : للشمس إنك طاعة الله وأنا في طاعته فسأل الشمس أن تقف حتى ينتقم من أعداء الله قبل دخول السبت فردت عليه الشمس وزيد في النهار ساعة حتى قتلهم أجمعين، روى أحمد في مسنده مرفوعا ( إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس ) قال : البغوي : تتبع ملوك الشام فقتل منهم واحدا أو ثلثين ملكا حتى غلب على جميع أرض الشام وفرق العمال في نواحيها وجمع الغنائم فلم تنزل النار فأوحى الله إلى يوشع أن فيها غلولا فمرهم فليبايعوك فبايعوه فالتصق يد رجل منهم بيده، فقال : هلم ما عندك فأتاه برأس ثور من ذهب مكلل بالجواهر واليواقيت كان قد غله فجعله في القربان وجعل الرجل معه فجاءت النار فأكلت الرجل والقربان، ثم مات يوشع ودفن في جبل أفرائيم وكان عمره مائة وستا وعشرون سنة وتدبيره أمر بني إسرائيل بعد موسى ستا وعشرون سنة
﴿ فلا تأس ﴾ أي لا تحزن
﴿ على القوم الفاسقين ﴾ خاطب به موسى لما ندم على الدعاء عليهم وبين أنهم أحقاء بذلك لفسقهم، روي أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ وكانوا يسيرون كل يوم جادين فإذا أمسوا كانوا في موضع الذي ارتحلوا عنه كذا أخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه بدون ستة فراسخ، قال : البغوي : كانوا ستمائة ألف مقاتل، قيل : إن موسى وهارون لم يكونا فيهم والأصح أنهما كانا فيهم ولم يكن لهما عقوبة بل كان روحا لهما وزيادة لدرجتهما، وإنما كانت العقوبة لهؤلاء القوم وكان الغمام يظللهم من الشمس في التيه قدر خمسة فراسخ أو ستة كذا أخرج ابن جرير عن الربيع ابن إنس، وكان يطلع بالليل عمود من النور فيضيء لهم وكان طعامهم المن والسلوى ومائهم من الحجر الذي يحملونه حتى أنقضت مدة التيه وأمروا بأن يهبطون مصرا ثم قاتل موسى الجبابرة وفتح أريحا وأمروا أن يدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:قصة وفاة هارون عليه الصلاة السلام :
قال السدي : أوحى الله إلى موسى أني متوفى هارون عليه السلام فأت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير مثلها وإذا بيت مبني وفيه سرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك أعجبه قال : يا موسى أحب أن أنام على هذا السرير، قال : فنم عليه فقال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي، قال : موسى لا ترهب إني أكفيك رب هذا البيت، قال يا موسى فنم أنت معي فإن جاء رب البيت غضب علي وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون عليه السلام الموت فلما وجد معه قال : يا موسى خذ عيني فلما قبض رفع البيت وذهب تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له، فقال : موسى ويحكم كان أخي أفترونني أقتله ؟فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى ونزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته فآذوه، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل فكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله مما قالوا، ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره إلا الرخم فجعله الله أصم أبكم، قال عمرو بن ميمون مات هارون وموسى عليهما السلام في التيه مات هارون قبل موسى وكانا قد خرجا إلى بعض الكهوف فمات هارون ودفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيل فقالوا : قتلته لحبنا إياه وكان محبا في بني إسرائيل فتضرع موسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فأوحى الله إليه انطلق بهم إلى قبره فنادى يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال : أنا قتلتك ؟ قال : لا ولكني مت، قال فعد إلى مضجعك وانصرفوا.
قصة وفاة موسى عليه السلام
قال ابن إسحاق : كان صفي الله موسى يكره الموت فأراد الله أن يجيب إليه الموت فنبأ يوشع بن نون فكان يغدو ويروح عليه فيقول له موسى يا نبي الله ما أحدث الله إليك ؟ فيقول له يوشع يا نبي الله ألم ذا أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شيء ما أحدث إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره ولا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره الحياة وحبب الموت، وعن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( جاء ملك الموت إلى موسى فقال : له أجب ربك، قال : فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال : فرجع الملك إلى الله سبحانه وتعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني، قال : فرد الله إليه عينه قال : إرجع إلى عبدي فقل له الحياة تريد فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما دارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة، قال : ثم مه ؟ قال : ثم تموت، قال : فالآن من قريب، قال : رب أدنني من الأرض المقدسة رمية الحجر، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ) متفق عليه. وقال : وهب خرج موسى لبعض حاجته فمر يرهط من الملائكة يحفرون قبر لم ير شيئا أحسن منه ولا مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة فقال : لهم يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر ؟ قالوا لعبد كريم على ربه، قال : إن هذا العبد من الله بمنزل ما رأيت كاليوم مضجعا فقال : الملائكة يا صفي الله أتحب أن يكون لك ؟ قال : وددت قالوا فانزل واضطجع فيه توجه إلى ربك قال فاضطجع وتوجه إلى ربه ثم تنفس أسهل تنفس فقبض الله تبارك وتعالى روحه ثم سوت عليه الملائكة، وقيل : إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها وقبض روحه | وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة والله أعلم |
﴿ واتل عليهم نبأ ابني آدم ﴾ هابيل وقابيل ﴿ بالحق ﴾ صفة مصدر محذوف أي تلاوة متلبسة بالحق أو حال من الضمير في اتل أو من نبأ متلبسا بالصدق موافقا لما في كتب الأولين ﴿ إذ قربا قربانا ﴾ ظرف لنبأ أو حال منه أو بدل على حذف مضاف أي اتل كتب الأولين ﴿ إذ قربا قربانا ﴾ ظرف لنبأ أو حال منه أو بدل على حذف مضاف أي اتل نبأهم نبأ ذاك الوقت. والقربان اسم ما يتقرب بها إلى الله تعالى من ذبيحة أو غيرها كما أن الحلوان اسم لما يحلى أي يعطي وهو في الأصل مصدر ولذلك لم يثن، وقيل : تقديره إذ قرب كل واحد منهما قربانا. وكان سبب قربانهم على ما ذكر أهل العلم أن حواء كانت تلد لآدم عليه السلام في بطن غلاما وجارية وكان جميع ما ولد أربعين ولدا في عشرين بطنا أولهم قابيل وتوأمته أقليما، وثانيهم هابيل وتوأمته لبود أو آخرهم أبو المغيث وتوأمته أم المغيث. قال : ابن عباس : لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا، قال : محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول أنه ولد قابيل وأخته في الجنة فلم تجد حواء عليهما وجعا ولا وصبا ولا طلقا ولم تر معهما دما فلما هبطا إلى الأرض حملت بهابيل وأخته فوجدت عليهما الوجع والوصب والطلق والدم، وقال : غيره غشي آدم حواء بعد هبطهما إلى الأرض بمائة سنة فولدت له قابيل وأخته في بطن ثم هابيل وأخته في بطن ثم هابيل وأخته في بطن وكان بينهما سنتان في قول الكلبي : وكان آدم إذا شب أولاده يزوج غلام هذا البطن جارية بطن أخرى فكان الرجل منهم يتزوج آية أخواته شاء إلا توأمته فلما بلغ قابيل وهابيل النكاح أوحى الله تعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأمة الآخر، فرضي هابيل وسخط قابيل لأن توأمته كانت أجمل، وقال : أنا أحق بها ونحن من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض فقال : له أبوه إنها لا تحل لك فأبى أن يقبل ذلك، وقال : إن الله لم يأمره بهذا وإنما هو برأيه فقال : آدم فقربا قربانا فمن يقبل قربانه فهو أحق بها، وكانت القربان إذا قبلت نزلت نار من السماء بيضاء فأكلته وإذا لم تقبل لم تنزل النار وأكله الطير والسباع فخرجا ليقربا وكان قابيل صاحب زرع فقرب صبرة من طعام من أدى زرعه وأضمر في نفسه لا أبالي أيقبل قرباني أم لا يقبل لا يتزوج أختي أبدا، وكان هابيل صاحب غنم فعمد إلى أحسن كبش من غنمه فقرب به وأضمر رضوان الله تعالى فوضعا قربانهما على الجبل ثم دعا آدم عليه السلام فنزلت نار من السماء﴿ فتقبل من أحدهما ﴾يعني هابيل أكلت النار قربانه ﴿ ولم يتقبل من الآخر ﴾يعني من قابيل قربانه، فغضب قابيل لرد قربانه وكان يضمر الحسد في نفسه إلى أن آتى آدم مكة لزيارة البيت فلما غاب آدم أتى قابيل وهابيل ﴿ قال لأقتلنك قال ﴾ هابيل لم ؟ قال لأن الله تعالى قبل قربانك ورد قرباني وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك الذميمة فيحدث الناس أنك خير مني ويفخر ولدك على ولدي فقال : هابيل وما ذنبي ؟ ﴿ إنما يتقبل الله ﴾ القربان ﴿ من المتقين ﴾ وفيه إشارة إلى أن الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا في إزالة حظه، فإن ذلك مما يضره ولا ينفعه وإن الطاعة إنما يتقبل من مؤمن متق عن الرذائل والمناهي عند إخلاص النية. أخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في قوله تعالى :﴿ إنما يتقبل الله من المتقين ﴾ قال : الذين يتقون الشرك، قلت : لغل المراد بقوله تعالى :﴿ إنما يتقبل الله من المتقين ﴾قال : الذين يتقون الشرك، قلت : لعل المراد بقوله تعالى :﴿ إنما يتقبل الله من المتقين ﴾أن القربان لا يتقبل إلا ممن كان محقا من الخصمين لا من المبطل والله أعلم، وسئل موسى بن أعين عن قوله تعالى :﴿ إنما يتقبل الله من المتقين ﴾قال : تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة الحرام، وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي بن أبي طالب قال : لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل، وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي بن أبي طالب قال : لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل، وأخرج ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى رجل أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثاب إلا عليها فإن الواعظون بها كثير والعاملون بها قليل، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال لأن أستقر أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها إن الله يقول إنما يتقبل الله من المتقين، وأخرج ابن عساكر عن هشام بن يحيى عن أبيه قال : دخل سائر إلى ابن عمر فقال : لابنه أعطه درهما فأعطاه فلما إنصرف قال : ابنه تقبل منك يا أبتاه قال : لو علمت أن الله يقبل سجدة واحدة أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلى من الموت تدري ممن يتقبل الله إنما الله من المتقين، وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال : لأن أكون أعلم أن الله يتقبل مني عملا أحب إلي من أن أكون لي ملأ الأرض ذهبا، وعن عامر بن عبد الله أنه بكى حين حضره الوفاة فقيل له وما يبكيك وقد كنت وكنت يبعني كنت كثير العبادة، قال : إني أسمع الله يقول إنما يتقبل الله من المتقين وقال : هابيل في جوابه ﴿ لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي ﴾
﴿ لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي ﴾ قرأ نافع وأبو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بالإسكان ﴿ إليك لأقتلك إني ﴾قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان ﴿ أخاف الله رب العالمين ﴾ قال : عبد الله بن عمرو وإيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه يعني استسلم له خوفا من الله تعالى إما لأن الدفع لم يجز بعد، قال : مجاهد كتب عليهم في ذلك الوقت إذا أراد الرجل قتل رجل أن لا يمتنع ويصبر وإما تحريا لما هو الأفضل قال : عليه السلام ( كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل )أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث عبد الله عنه. وهذا جائز في شريعتا أن ينقاد ويستسلم كما فعل عثمان رضي الله عنه. أخرج ابن سعد عن أبي هريرة، قال : دخلت على عثمان يوم الدار فقلت جئت لأنصرك، فقال : يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعا وإياي معهم ؟ قلت لا، قال : فإن قتلت رجلا واحد فكأنما قتلت الناس جميعا ) وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن ابني آدم ضربا مثلا لهذا الأمة فخذوا بالخير منهما ) وأخرج عبد بن حميد عنه بلفظ ( فتشبهوا بخيرهما ولا تشبهوا بشرهما ) وإنما قال : ما أنا بباسط في جواب لئن بسطت للتبرىء عن هذا الفعل الشنيع رأسا والتحرز من أن يوصف به ويطلق عليه ولذا أكد النفي بالباء
﴿ إني ﴾ فتح الباء نافع وأسكن غيره ﴿ أريد أن تبوء ﴾ إلى ربك ﴿ بإثمي وإثمك ﴾كلاهما في موضع الحال من فاعل تبوء أي ترجع متلبسا بالإثمين حاملا لهما يعني إذا قتلتني ترجع حاملا إثم خطاياي التي عملتها وإثم خطاياك التي عملتها من قتلي وغير ذلك كذا روى ابن نجيح عن مجاهد ﴿ فتكون من أصحاب النار وذلك جزاءا الظالمين ﴾ فإن المظلوم يعطى من حسنات الظالم يوم القيامة جزاء لظلمه وإن لم يكن للظالم حسنات أو كانت ولكن فنيت قبل أداء جميع حقوق الناس يطرح على الظالم إثم خطايا المظلوم ويلقى في النار. عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وذكاة ويأتي قد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار )رواه مسلم. فإن قيل : لا يجوز لمسلم إرادة معصية أخيه وشقاوته فكيف أراد هابيل هكذا ؟ ( قلنا : ليس الكلام على حقيقته ولم يكن مرادها هابيل أن يقتله أخوه البتة ويكون أخوه قاتلا عاصيا بل إنه لما علم أنه يكون قاتلا أو مقتولا لا محالة أراد نفي كونه قاتلا عن نفسه لا كون أخيه قاتلا، فالمراد بالذات أن لا يكون عليه إثم
﴿ فطوعت ﴾ أي أسمعت وانقادت ﴿ له نفسه ﴾ وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله﴿ قتل أخيه ﴾ كأنه دعا نفسه إليه فطاوعت وأطاعته، قال : في الصحاح : طوعت أبلغ من أطاعت فلما قصد قابيل قتله لم يدر كيف يقتله، قال ابن جريج : فمتمثل له إبليس فأخذ طير فوضع رأسه على حجر ثم شدخ رأسه بحجر آخر وقابيل ينظر إليه فعلمه القتل فرضخ قابيل رأس هابيل بين حجرين، قيل وهو مستسلم، وقيل : اغتاله في النوم فشدخ رأسه ﴿ فقتله فأصبح من الخاسرين ﴾ في الدنيا حيث بقي مدة عمره مطرودا محزونا وفي الآخرة حيث بدل جنته بالنار وكان هابيل يوم قتل ابن عشرين سنة.
قال ابن عباس : قتله على جبل نود وقيل عند عقبة حراء فلما قتله تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به لأنه أول ميت على وجه الأرض من بني آدم وقصده والسباع فجعله في جراب على ظهره أربعين يوما، وقال : ابن عباس سنة حتى تغير وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمى به فتأكله فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجله حتى مكن له ثم ألقاه في حفرة وواراه وقابيل ينظر إليه وذلك قوله تعالى ﴿ فبعث الله غربا يبحث في الأرض ليريه ﴾الضمير المرفوع راجع إلى سبحانه أو إلى الغراب ﴿ كيف ﴾ حال من الضمير في ﴿ يواري سوءة أخيه ﴾ قدم عليه لاقتضائه صدر الكلام والجملة ثاني مفعولي ليريه والرؤية هاهنا بمعنى العلم دون الإبصار إذ الإبصار لم يتحقق بمواراة سوءة أخيه بل بمواراة الغراب، ولا بد هاهنا من مفعول ثالث لتعديته بهمزة الأفعال فتقول جملة كيف يواري قائم مقام المفعولين كما في قولك علمت أن زيدا قائم معنى الكلام ليريه تواري سوأة أخي متكيفا بتلك الكيفية، والمراد بسوأة أخيه جسده الميت فإنه مما يستقبح أن يرى، وقيل : المراد به عورته وما لا يجوز أن ينكشف من جسده ولم يلهم الله سبحانه قابيل ما ألهم الغراب إزدراء به وتنبيها على أنك أهون على الله من الغراب وأبعد منزلة منه حتى جعلك تلميذا له يدل عليه قوله ﴿ قال يا ويلتي ﴾ كلمة جزع وتحسر والألف منه بدل من ياء المتكلم والمعنى يا ويلتي أحضري هذا أوانك ونجني من ألم العجز والويل الهلاك، وهو منادى مستغاث أو كلمة ندبة مثل يا حسرتا ﴿ أعجزت ﴾ والاستفهام للتعجب ﴿ أن أكون مثل هذا الغراب فأواري ﴾ عطف على أن أكون وليس جواب الاستفهام إذ ليس المعنى لو عجزت لواريت ﴿ سوءة أخي ﴾ يعني لست أنا أهتدي إليه الغراب ﴿ فأصبح من النادمين ﴾على حمله على عاتقه سنة، وقيل : ندم على فراق أخيه، وقيل : ندم على القتل لأنه أسخط والديه وما انتفع بقتله شيئا ولم يكن ندم على القتل من حيث ركوب الذنب، قال : المطلب بن عبد الله بن خطب لما قتل ابن آدم أخاه رجفت الأرض بما عليها ثم شربت الأرض دمه كما يشرب الماء فناداه الله أين أخوك هابيل قال : ما أدري ما كنت عليه رقيبا فقال : إن دم أخيك ليناديني من الأرض فلم قتلت أخاك ؟ قال فأين دمه إن كنت قتلته ؟ فحرم الله عز وجل على الأرض يومئذ أن يشرب دما بعده أبدا. روي أنه لما قتله اسود جسده فسأله آدم عن أخيه فقال : ما كنت عليه وكيلا، فقال : بل قتلته ولذلك اسود جسدك وتبرأ عنه ومكث بعد ذلك مائة سنة لا يضحك، وقال : مقاتل ابن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس : لما قتل قابيل هابيل وآدم بمكة إشتاك الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه وأمر الماء واغبرت الأرض فقال : آدم قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا قابيل قتل هابيل فأنشا يقول وهو أول من قال : شعرا :
*** *** تغيرت البلاد ومن عليها *** *** *** *** فوجه الأرض معبر قبيح
*** *** تغير كل ذي طعم ولون *** *** *** *** *** وقل بشاشة الوجه المليح
وروي عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : إن آدم قال : شعرا فقد كذب على الله ورسوله، فإن محمد والأنبياء كلهم في الشعر سواء لكنه لما قتل هابيل ورثاه آدم وهو سرياني، فلما قال : آدم مرثية قال : لشيت يا بني إنك وصيي احفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه فلم يزل ينقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان، وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية وكان يقول الشعر فرد المقدم إلى مؤخر والمؤخر إلى المقدم وجعله موزونا وزيد فيه أ بيات منها.
*** *** مالي لا أجود بسكب دمع *** *** *** *** *** وهابيل تضمنه الضريح
*** أرى طول الحياة على غما *** *** *** *** فهل أنا من حياتي مستريح
فلما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حواء شيثا واسمه هبة الله يعني أنه خلف من هابيل علمه الله ساعات الليل والنهار وعلمه عبادة الحق في كل ساعة منها أو نزل عليه خمسين صحيفة فصار وصي آدم وولى عهده، فأما قابيل فقيل له اذهب طريدا شريدا فزعا مرعوبا لا تأمن من تراه فأخذ بيد أخته أقليما وهرب بها إلى عدن من الأرض من اليمن، فأتاه إبليس فقال : له إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يعبد النار فانصب أنت أيضا نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيتا للنار فهو أول من عبد النار، واتخذ أولاد قابيل آلات اللهو من اليراع والطبول والمزامير والعيدان والطنابير وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنا والفواحش حتى غرقهم الله بالطوفان أيام نوح وبقي نسل شيث. عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل )رواه البخاري وغيره، وروى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر في شعب الإيمان عن ابن عمرو( ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم ) وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من هجر أخاه سنة لقي الله بخطيئة قابيل لا يفكه شيء دون ولوج النار )
﴿ من أجل ذلك ﴾ قرأ أبو جعفر من أجل بكسر النون موصولا وإلقاء الهمزة، والعامة بسكون النون وفتح الهمزة مقطوعا أي بسبب وقوع ذلك الجناية العظيمة من ابن آدم وسد باب القتل، وأجل في الأصل مصدر أجل شرا بأجل إذا أجناه أي جره إليه في القاموس أجل للشر عليهم يأجله جناه إذا ثاره وهيجه ثم استعمل في التعليل الجنايات، ثم اتسع فيه فاستعمل في كل تعليل، ومن ابتدائية متعلقة بقوله ﴿ كتبنا على بني إسرائيل ﴾ أي ابتداء الكتب وأنشأه من أجل ذلك ( أنه ) الضمير للشأن ﴿ من قتل نفسا بغير نفس ﴾ أي بغير قتل نفس يوجب القصاص ﴿ أو فساد في الأرض ﴾ وهو يشتمل فساد أهل الحرب وأهل البغي وقطاع الطريق وزنا يعني بغير هذه الأشياء الموجبة للقتل ﴿ فكأنما قتل الناس جميعا ﴾ قال البغوي : اختلفوا في تأويلها ؟ فقال : ابن عباس في رواية عن عكرمة من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن شد على عضد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعا، وقال : مجاهد من قتل نفسا محرمة يصلى النار بقتلها كما يصلى لو قتل الناس جميعا ومن أحياها يعني من سلم من قتلها فقد سلم من قتل الناس جميعا، وقال : قتادة عظم الله أجرها وعظم وزنها معناه من استحل قتل مسلم بغير حقه فكأنما قتل الناس جميعا في الإثم لأنهم لا يسلمون منه ﴿ ومن أحياها ﴾ أي تورع عن قتلها أو استنقذها من بعض أسباب الهلاك كالقتل بغير حق أو غرق أو حرق أو هدم أو نحو ذلك ﴿ فكأنما أحيا الناس جميعا ﴾في الثواب لسلامتهم منه، وقال الحسن فكأنما قتل الناس جميعا يعني أنه يجب القصاص بقتلها مثل الذي يجب عليه لو قتل الناس جميعا ومن أحياها أي عفا عمن وجب عليه القصاص له فلم يقتله فكأنما أحيا الناس جميعا، والمقصود من هذه الآية تعظيم قتل النفس وإحياءها في قلوب ترهيبا عن التعرض لها وترغيبا في المحاماة عليها. عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق )رواه ابن ماجة بسند حسن والبيهقي وزاد ( ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم النار )و في رواية له ) من سفك دم بغير حق ) ولمسلم من حديث، عبد الله بن عمر مثل الأول والنسائي من حديث بريدة ( قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ) ولابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول :( ما أطيبك وما أطيب ريحك وما أعظمك وما أعظم حرمتك، والذي نفسي بيده لحرمة المؤمن أعظم من حرمتك وماله ودمه ) قال : سليمان بن علي قلت للحسن في هذه الآية يا أبا سعيد أهي لنا كما كانت لبني إسرائيل ؟ قال : إي والذي لا إله غيره ما كان دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا ﴿ و لقد جاءتهم ﴾ يعني بني إسرائيل ﴿ رسلنا بالبيانات ﴾ بالمعجزات الواضحات ﴿ ثم إن كثير منهم بعد ذلك ﴾ أي بعدما كتبنا عليهم هذا التشديد العظيم من أجل أمثال تلك الجناية وأرسلنا إليهم الرسل بالآيات الواضحات تأكيدا للأمر وتجديدا للعهد كي يتحاموا عنها كثير منهم ﴿ في الأرض لمسرفون ﴾ بالقتل لا يبالون به، والإسراف التباعد عن حد الاعتدال في الأمر.
﴿ إنما جزاءوا الذين يحاربون الله ورسوله ﴾ أي يحاربون عباد الله ويحاربون رسوله فإنه صلى الله عليه وسلم هو الحافظ للطرق والخلفاء والملوك بعده نوابه، أو المعنى يحاربون الله ورسوله أنهم يخالفون أمرها ويهتكون حرمة دماء وأموال ثبت بإثباتهما، قال : البيضاوي أصل الحرب السلب وفي القاموس الحرب معروف والسلب وهذا يدل على كونه مشتركا وكلام البيضاوي يدل على كونه منقولا ﴿ يسعون في الأرض فسادا ﴾ أي مفسدين أو للفساد، وجاز أن يكون منصوبا على المصدرية لأن سعيهم كان فسادا وقيل : يفسدون في الأرض فسادا. واختلفوا في نزول هذه الآية ؟ أخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية ؟ أخرج ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية فكتب إليه أنس أن هذه الآية نزلت في العرنيين ارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستقادوا الإبل الحديث، ثم أخرج عن جرير مثله، وأخرج عبد الرزاق نحوه عن أبي هريرة وكذا ذكر البغوي : قول سعيد بن جبير، روى البخاري وغيره عن أنس قال :( لما قدم علي النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا فاجتوت المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم ثم أمرهم بمسامير فكحلهم بها وطرحهم بالحرة يستسقون فما يسقون حتى ماتواقال : أبو قلابة : قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا. واختلفوا فيما فعل بالعرنيين ؟ فقال : بعضهم منسوخ بهذه الآية لأن المثلة لا يجوز، قال : بعضهم : حكم ثابت إلا السمل والمثلة وهذا القول لا يتصور إلا إذا كان الإمام مخيرا بين الأحكام الأربعة المذكورة في هذه الآية، وروى قتادة عن ابن سيرين أن ذلك كان قبل أن ينزل الحدود، وقال : أبو الزناد لما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بهم أنزل الله الحدود ونهاه عن المثلة فلم يعد، وعن قتادة قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة، وقال : سليمان التيمي عن أنس إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة، وقال : الليث بن سعد نزلت هذه الآية معاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعليما منه إياه عقوبتهم وقال : إنما جزاءهم هذه لا المثلة، وقال : الضحاك نزلت هذه الآية في قوم من في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض، وقال : الكلبي : نزلت في قوم هلال بن عويمر وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر وهو أبو برزة الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ومن مر بهلال بن عويمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أمن ولا يهاج فمر قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم من قوم هلالا ابن عويمر ولم يكن هلال شاهدا إليهم فقتلوهم وأخذ أموالهم فنزل جبرئيل عليه السلام بالقضية فيهم والله أعلم.
فائدة : أجمعوا على أن المراد بالمحاربين المفسدين في هذه الآية قطاع الطريق سواء كانوا مسلمين أو من أهل الذمة، واتفقوا على أن من برزو شهر السلاح مخيفا مغيرا خارج المصر بحيث لا يدركه الغوث فهو محارب قاطع للطريق جارية عليه أحكام هذه الآية. واختلفوا فيمن قطع الطريق ليلا أو نهارا في المصر أو بين الكوفة والحيرة مثلا ؟ فقال : مالك رضي الله عنه والشافعي رضي الله عنه وأحمد رضي الله عنه هو قاطع محارب، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يثبت هذا الحكم إلا فيمن يكون خارج المصر بعيدا منه بحيث لا يلحقه الغوث كذا ذكر صاحب رحمة الأمة، قال البغوي : المكابرون في الأمصار داخلن في حكم هذه الآية وهو قول مالك والأوزاعي والليث ابن سعد والشافعي رضي الله عنه وقال همام هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه فإن في وجيزهم من أخذ في البلد ما لا مغالبة فهو قاطع طريق، وعلى ظاهر الرواية من مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه يشترط أن يكون بين مكان القطع وبين المصر ولم مسيرة سفر، وعن أبي يوسف رضي الله عنه أنه إذا كان خارج المصر ولم يقرب منه يجب الحد لأنه لا يلحقه الغوث لأنه محارب بل مجاهرته هاهنا أغلظ من مجاهرته في المفازة ولا تفصيل في النص في مكان القطع، وعن مالك كل من أخذ المال على وجه لا يمكن لصاحبه الاستعانة فهو محارب وعنه لا محاربة إلا على قدر ثلاثة أميال من العمران، وتوقف أحمد مرة وعند أكثر أصحابه أن يكون بموضع لا يلحق الغوث، وعن أبي يوسف رضي الله عنه في رواية أخرى إن قصد بالسلاح نهارا في المصر فهو قاطع وإن قصد بخشب ونحوه فليس بقاطع، وفي الليل يكون قاطعا بالخشب والحجر لأن السلاح لا يلبث فيتحقق القطع قبل الغوث والغوث يبطئ بالليل فيتحقق القطع فيها بلا سلاح، وفي شرح الطحاوي والفتوى على قول أبي يوسف رضي الله عنه يعني هذا، قال : في الهداية قول أبي حنيفة رضي الله عنه استحسان والقياس قول الشافعي رضي الله عنه لوجود قطع الطريق حقيقة، ووجه الاستحسان أن قطع الطريق بقطع المادة ولا يتحقق ذلك في المصر ويقرب منه لأن الظاهر لحوق الغوث انتهى كلامه، وقال : ابن همام وأنت تعلم أن الحد المذكور في الآية لم ينط بمسمى قطع الطريق وإنما هو اسم من الناس وإنما ينط بمحاربة عباد الله على ما ذكرنا من تقديم المضاف وذلك يتحقق في خارجه ثم هذا الدليل المذكور لا يفيد تعيين مسيرة ثلاثة أيام بين المصر وبين القاطع، قلت : وحديث العرنيين يأبى عن اشتراط هذه المسافة بين المصر ومكان القطع والله أعلم.
مسألة : ويشترط كونهم ذا منعة جماعة ممتنعين أو واحد يقدر على الامتناع لا مختلسون يتعرضون لآخر القافلة يعتمدون المهرب والذين يغلبون شرذمة بقوتهم فهم قطاع في حقهم وإن لم يكونوا قطاعا في حق قافلة عظيمة، وهذا الشرط يستفاد من الآية فإن المحاربة والفساد في الأرض لا يتحقق بدون المنعة والقدرة على الامتناع ﴿ أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ﴾ يعني أيديهم الإيمان وأرجلهم الأيسار بإجماع الأمة ﴿ أو ينفوا من الأرض ﴾ ذهب قوم إلى أن الإمام بالخيار في أمر المحاربين بين القتل والصلب والقطع والنفي كما هو المستفاد من ظاهر الآية بكلمة أو فإنها للتخيير ولا يحتاج حينئذ إلى تقدير تقييد وهو قول سعيد ابن المسيب وعطاء وداود والحسن والضحاك والنخعي ومجاهد أبو ثور، قال : مالك إنه يفعل فيهم الإمام على ما يراه ويجتهد فمن كان منهم ذا رأي وقوة قتله فإن رأي زيادة سياسة صلب ومن كان ذا قوة وجلدة بلا رأي قطعه من خلاف ومن كان لا رأي له ولا قوة له نفاه، والمراد بالنفي عنده أن يخرج من البلد الذي كان فيه إلى غيره ويحبس فيه كما سنذكر قول محمد بن جبير، ويشترط عند مالك في المال المأخوذ أن يكون جملتها نصابا ولا يشترط عنده أن يكون نصيب كل واحد من المحاربين نصابا، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والشافعي رضي الله عنه وأحمد رضي الله عنه والأوزاعي وقتادة كلمة أو للتوزيع على أحوال القاطع إن قصدوا قطع الطريق وأخافوا فأخذ قبل أن يأخذوا مالا أو يقتلوا نفسا ينفوا من الأرض، والمراد بالنفي عند أبي حنيفة رضي الله عنه أن يحبس حتى يظهر منه التوبة لأنه نفي عن وجه الأرض لدفع شرهم عن أهلها، قال : مكحول إن عمر بن الخطاب أول من حبس في السجون وقال : أحبسه حتى أعلم منه التوبة ولا أنفيه إلى بلد فيؤذيهم، وقال محمد بن جبير ينفى من بلده إلى غيره ويحبس في السجن في البلد الذي نفي إليه حتى يظهر توبته وعلى هذا القول يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، وقال : أكثر العلماء هو أن يطلبه الإمام ففي كل بلد يوجد ينفى عنه ولا يتمكنون من القرار في الموضع. وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي ولم يقتلوا والمأخوذ إذا قسم على جماعته أصاب كل واحد نصاب السرقة وهو عشرة دراهم عند أبي حنيفة رضي الله عنه وربع دينار عند الشافعي رضي الله عنه وأحمد رضي الله عنه أو ثلاثة دراهم كما سنذكره إن شاء الله تعالى قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الإمام حدا ولا يلتفت إلى عفو الأولياء. وإن باشر القتل أو الأخذ أحدهم أجري الحد على جميعهم عند أبي حنيفة رضي الله عنه ومالك وأحمد رضي الله عنه لأنه جزاء المحاربة وهي يتحقق بأن يكون البعض ردا للبعض، حتى لو زالت أقدمهم انحازوا إليهم وإنما الشرط القتل من واحد منهم والتشديد في قوله تعالى ﴿ أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ﴾ يفيد أن يجري الحد بمباشرة بعضهم على كلهم واحدا بعد واحد فإن التفعيل للتكثير وأيضا يفيد المبالغة ولا يجوز عفوه، وقال : الشافعي رضي الله عنه : لا يجب على الرد غير التعزير بالحبس والتغريب وغير ذلك وإن قتلوا وأخذوا المال فعند أبي حنيفة رضي الله عنه وأبي يوسف الإمام بالخيار إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم إن شاء قتلهم وإن شاء صلبهم، وعند الشافعي رضي الله عنه وأحمد رضي الله عنه قتلوا وصلبوا ولا قطع فيه وهو الظاهر من الآية، وقال محمد يقتل أو يصلب ولا يقطع لأنه جناية واحدة فلا توجب حدين ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد كحد السرقة والرجم وجه قول أبي حنيفة رضي الله عنه أن هذه عقوبة واحدة تغلظت لتغلط سببها وهو تفويت الأمن على التناهي بالقتل وأخذ المال ولهذا كان قطع اليد والرجل في السرقة الكبرى حد واحد إن كان في الصغرى حدين والتداخل إنما يكون في حدين لا في حد واحد وعن أبي يوسف رضي الله عنه أنه يقتل ويصلب البتة ولا يترك الصلب، لأنه منصوص عليه والمقصود به التشهير وليعتبر به غيره، وقال : أبو حنيفة رضي الله عنه أصل التشهير بالقتل والمبالغة في الصلب فيخير فيه وصفة الصلب عند الشافعي رضي الله عنه أنه يقتل ثم يصلب، وقيل : عنده يصلب حيا ثم يطعن برمح حتى يموت وكلا الروايتين عن أبي حنيفة رضي الله عنه الأولى مختار الطحاوي رضي الله عنه توقيا عن المثلة والثانية مروي عن الكرخي رضي الله عنه وهو الأصح لدخول كلمة أو بين القتل والصلب ولا يصلب فوق ثلاثة أيام عند أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه يتغير بعدها فيتأذى به الناس وعن أبي يوسف رضي الله عنه أنه يترك على خشبة حتى ينقطع فيسقط ليعتبر به غيره. قلنا : يحصل الاعتبار بالصلب والنهاية غير مطلوبة وهذا التفسير الذي اختاره الجمهور رواه الشافعي رضي الله عنه عن ابن عباس، قال : في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض، ورواه البيهقي من طريق محمد بن سعد العوفي عن آبائه إلى ابن عباس في هذه الآية، قال : إذا حارب وقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته وإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب وإن لم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف وإن حارب وأخاف السبيل فعليه النفي، وروى محمد عن أبي يوسف رضي الله عنه عن الكلبي : عن أبي صالح عن ابن عباس قال :( وادع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بردة هلال بن عويمر الأسل
﴿ إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ﴾ قال : البغوي : من ذهب أن الآية نزلت في الكفار قال : معناه إلا الذين تابوا من الشرك وأسلموا قبل القدرة عليهم فلا سبيل عليهم بشيء من الحدود ولا تبعة عليهم فيما أصابوا في حال الكفر من دم أو مال، قلت : وكذا إن تاب الكافر الحربي عن الشرك بعد القدرة ويثبت هذا الحكم من غير هذه الآية، وأما قطاع الطريق من المسلمين وأهل الذمة فمن تاب منهم من قطع الطريق قبل القدرة عليه أي قبل أن يظفر به الإمام فبمقتضى هذا الاستثناء يسقط عنه الحد المذكور حقا لله تعالى إجماعا كما يدل عليه قوله تعالى ﴿ فاعلموا أن الله غفور رحيم ﴾ وأما حقوق العباد فقال : بعضهم يسقط ولا يكون لأحد عليه تبعة في دم أو مال إلا أن يوجد معه مال بعينه فيرده إلى صاحبه وهو المروي عن علي في حارثة بن بدر كان خرج محاربا فسفك الدماء وأخد الأموال ثم جاء تائبا قبل أن يقدر عليه فلم يجعل عليه علي عليه السلام تبعة كذا روى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي عن علي، وأخرج ابن شيبة وأبي شيبة وعبد بن حميد عن أشعث عن رجل عن أبي موسى الأشعري نحوه وعند الجمهور لا يسقط عنه حقوق العباد فإن كان قد قتل وأخد المال وتاب قبل أن يظفر به يستوفي الولي القصاص أو يعفو ويجب ضمان المال إذا هلك في يده أو استهلكه، قال : أبو حنيفة سقوط القصاص والضمان إنما كان مبنيا على وجوب الحد وكونه خالص حق الله تعالى فإذا ظهر بالإستثناء أن الحد لم يجب ظهر حق العبد في النفس والمال ويحب القصاص في النفس والأطراف والضمان في الأموال تغير هذه الآية، والله أعلم
﴿ يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ﴾ أي التقرب رواه الحاكم عن حذيفة وكذا روى الفريابي عن عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس، قلت : يعني تقربا ذاتيا بلا كيف، في القاموس الوسيلة المنزلة عند الملك والدرجة والقربة والواصل الراغب، وفي الصحاح : الوسيلة التوصل إلى شيء برغبة وهي أخص من الوصيلة لتضمنها معنى الرغبة، وفي الحديث :( الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة ) رواه أحمد بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري مرفوعا، وروى مسلم عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا ينبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة ) فإن قيل : هذه الأحاديث تدل على أن الوسيلة درجة ليست فوقها درجة ولا جرم أنها مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه النصوص والإجماع وقوله تعالى ﴿ وابتغوا إليه الوسيلة ﴾ أمر بطلبه ويظهر بذلك جواز حصوله لغيره فما الوجه لتخصيصه ؟ قلت : المراتب المختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن حصولها لأحد بالأصالة ولكن جاز حصولها لكمل أفراد أمته بالتبعية والوراثة ومن طلب زيادة شرح هذا المقام فليرجع إلى مكاتيب سيدي وإمامي القيوم والرباني المجدد للألف الثاني، ومن هاهنا يتلاشى كثير من اعتراضات المعاندين المتعصبين الغافلين عن حقيقة الأمر عن كلامه، ويمكن أن يقال : الوسيلة تعم درجات قربه تعالى ما طلبه النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه هو على أفراد والله أعلم.
فائدة : وكون الرغبة والمحبة داخلة في مفهوم الوسيلة كما ذكره الجوهري في الصحاح يفيدك أن الترقي إلى هنالك منوط بالمحبة لا بشيء آخر، ويؤيده ما قال : المجدد أن السير يعني النظري في مرتبة اللآتعين التي هي أعلى مراتب القرب التي ليس فوقها درجة وهي المكنى عنها بقوله صلى الله عليه وسلم :( لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ) منوط بالمحبة لا غير والله أعلم والمحبة ثمرة إتباع السنة قال : الله تعالى :﴿ فاتبعوني يحببكم الله ﴾ فكمال متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا يفيد حصول تلك المرتبة لمن يشاء الله تعالى تبعا ووراثة ﴿ وجاهدوا في سبيله ﴾مع أعداء الله سبحانه عن النفس والشياطين والكفار ﴿ لعلكم تفلحون ﴾ وتفوزون إلى ما هو مقصودكم من الخلوص لعبودية الله تعالى وكمال التقوى وابتغاء الوسيلة
﴿ إن الذين كفرو لو ﴾ ثبت ﴿ أن لهم ﴾ في الآخرة ﴿ ما في الأرض ﴾من صنوف المحبوبين عنده ﴿ جميعا ومثله معه ﴾وبذلوه، يدل عليه سياق الكلام ﴿ ليفتدوا به ﴾ ووحد الضمير والمذكور شيئان إما لإجرائه مجرى اسم الإشارة في نحو قوله تعالى ﴿ عوان بين ذلك ﴾ أو لأن الواو في مثله بمعنى مع من قبيل كل رجل وضعية معطوف على اسم أن وكلمة معه للتأكيد والتنبيه على أن الواو بمعنى مع. فإن قيل : الواو بمعنى مع يفيد المعية في الثبوت لا المعية في الإفتداء ؟ قلنا : رجوع الضمير إلى ما معه الشيء يفيد تعلق الحكم الذي تعلق به بما معه التزام ﴿ من عذاب يوم القيامة ﴾ المرتب على كمال بعدهم من الله وكونهم ملعونين مطرودين عن رحمته﴿ ما تقبل منهم ﴾ جواب لو ولو بما في حيزه خبر إن والمعنى أن الكافرين الذين اختاروا في الدنيا محبوبين غير الله سبحانه من الأنفس والأولاد والأموال وغيرها وما بذلوها في الدنيا رغبة في الله تعالى لو بذلوها في الآخرة ما تقبل منهم لذهاب وقته فإن قيل : هذا المعنى يحصل في القول بأن الذين كفروا لو افتدوا بما في الأرض ومثله معه ما تقبل منهم مع كونه أخضر ؟ قلنا : في هذا الأسلوب فائدتان جليلتان أحدهما أنهم لو حصلوا ما في الأرض ومثله للبذل والافتداء وكانوا خائفين من الله وحفظوا الفدية له وتفكروا في الافتداء ورعاية أسبابه كما هو شأن من يصدر منه أمر بهم ما تقبل منه فضلا عند كونه غافلين عن تحصيل الفدية، ثانيهما أن لا يتوهم أن عدم قبول الفدية لأنها ليست عندهم ما يفتدوا به والله أعلم ﴿ ولهم عذاب أليم ﴾يعني أنه كما لا يندفع به عذابهم لا يخفف عنهم، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال :( يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به ؟ فيقول نعم، فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت أن لا تشرك بي ) متفق عليبه.
﴿ يريدون أن يخرجوا من النار ﴾ أي يقصدون الخروج كما في قوله تعالى﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ﴾ ويتمنون ويطلبون من الله كما في قوله تعالى إخبارا عنهم﴿ ربنا أخرجنا منها ﴾ ﴿ وما هم بخرجين منها ﴾ أورد جملة الاسمية بذل وما يخرجون للمبالغة، والجملة حال من فاعل يريدون ﴿ ولهم عذاب مقيم ﴾ أي دائم فيه، تصريح لما علم ضمنا من الجملة السابقة، وفيها إفادة أنه كما لا يندفع ولا يخفف عذابهم لا يندفع دوامه ولا يزول عنهم
﴿ و السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ﴾ كان المختار عند النحاة في مثل هذا الموضع أعني في اسم يقع بعده فعل مشتغل عنه بضميره وكان الفعل إنشاء النصب بإضمار الفعل على شريطة للتفسير لأن الإنشاء لا يقع خبرا إلا بإضمار وتأويل. قد اتفق القراء هاهنا على الرفع فاحتاج النحاة هاهنا إلى تكليف فقال : سيبويه : الآية جملتان السارق والسارقة مبتدأ خبره محذوف تقديره حكمهما فيما يتلى عليكم، وقوله فاقطعوا جزاء شرط محذوف أي إن ثبت سرقتهما فاقطعوا، وقال : المبرد هي جملة واحدة وكون الفعل إنشاء وإن كان يقتضي النصب لكن يعارضه أن الفاء يمنع فيما قبله فقوله تعالى :﴿ و السارق والسارقة ﴾ مبتدأ تضمن معنى الشرط ولذا دخل الفاء على خبره أي الذي سرق والتي سرقت فاقطعوا، قال : المحقق التفتازاني : الإنشاء في مثل هذا الموضع يقع خبر مبتدأ بلا تكلف لكونه في الحقيقة جزاء للشرط أي إن سرق أحد فاقطعوه ولم يدرج الله سبحانه الإناث هاهنا وكذا في حد الزنا في التعبير عن الذكور كما هو دأب القرآن في كثير من المواضع لأن الحدود تندرئ بالشبهات فلا بد فيه من التصريح. وبدأ بذكر الرجل هاهنا وأخر في الزانية والزاني لأن في السرقة لا بد من الجرأة وهي في الرجال أكثر وفي الزنا من الشهوة وهي في النساء أوفر. وقطعت اليد لأنها آلة السرقة ولم يقطع آلة الزنا تعاديا عن قتل النسل، واليد : اسم للعضو إلى المنكب ولذلك ذهب الخوارج إلى أن المقطع هو المنكب لكن توارث العمل وانعقد الإجماع على القطع من الرسغ ومثله لا يطلب له سند بخصوصه، وقد روي فيه خصوص متون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع السارق من المفصل رواه الدارقطني في حديث رداء صفوا وضعف بالعذرى، ورواه ابن عدي في الكامل عن عبد الله بن عمر وفيه عبد الرحمان بن سلمة، قال : ابن القطان : لا أعرف له حالا. وأخرج ابن أبي شيبة عن رجاء بن حيوة أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع رجلا من المفصل وإنما فيه الإرسال، وأخرج عن عمرو على أنهما قطعا من المفصل، وقيل : اليد اسم مشترك يطلق على ما إلى المنكب وما إلى الرسغ بل الإطلاق الثاني أشهر من الأول حتى يتبادر عند الإطلاق وإذا كان مشتركا فالقطع من الرسغ عملفا بالمتقين ودرأ للزائد عند احتمال عدمه. والمراد بأيديهما أيمانهما إجماعا عملا بقراءة ابن مسعود ( فاقطعوا أيمانهما ) وهي مشهورة يجوز به تقييد المطلق إذا كانا في الحكم واتحدت الحادثة وليس هذا من بيان المجمل إذ لا إجمال فيه وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة اليمين فلو كان الإطلاق مرادا دون التقييد باليمين لقطع اليسار البتة طلبا لليسر للناس منا أمكن فإن اليمين أنفع من اليسار والله أعلم. ولما المراد أيمانهما جاز وضع الجمع موضع المثنى كما في قوله تعالى :﴿ صغت قلوبكما ﴾اكتفاء بتثنية المضاف إليه واحترازا عن تكرير التثنية وذلك إنما يجوز عند عدم اللبس فلا يقال عند إرادة التثنية أفراسكما وغلمانكما، ولو كان الإطلاق مرادا لم يجز ذلك لأجل اللبس، فإن أيدي الشخصين أربعة جاز إرادة الجمع أيضا والله أعلم. والسرقة : أخد مال الغير من حرز متخفيا، قال : في القاموس سرق منه الشيء واسترقه جاء مستترا إلى حرز فأخذ مال غيره فالأخذ مال الغير على وجه الخفية من حرز داخل في مفهومه، فلهذا يشترط في السرقة كون المال مملوكا لغيره لا يكون للسارق فيه ملك ولا شبهة ملك وكون المال في حرز لا شبهة فيه وما كان حرز الشيء من الأموال فهو حرز لجميعها عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعند الأئمة الثلاثة الحرز يختلف باختلاف الأموال ومبناه على العرف فلو سرق لؤلؤ من اصطبل أو حظيرة غنم يقطع عند أبي حنيفة لا عندهم، والحرز قد يكون بالمكان المعد له، وقد يكون بالحافظ كمن جلس في الطريق أو المسجد وعنده متاعه فهو محرز به ( و قد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد )رواه مالك في الموطأ وأحمد من غير وجه والحاكم وأبو داود والنسائي وابن ماجة، قال : صاحب التنقيح : حديث صحيح وله طرق كثيرة وألفاظ مختلفة وإن كان في بعضها انقطاع وفي بعضها ضعف. وكون الآخذ متخفيا إما ابتداء وانتهاء إن كان السرقة بالنهار أو ابتداء فقط إن كانت بالليل فإنه إذا نقب الجدار ليلا على الاستسرارا وأخذ المال من المالك جهارا مكابرة فهو سرقة وهذه الشروط مراعية بالإجماع لكونها مأخوذة في مفهوم السرقة، وما قيدنا من عدم الشبهة في الملك أو الحرز فمستفاد من الأحاديث المرفوعة، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ) رواه الشافعي رضي الله عنه والترمذي والحاكم والبيهقي وصححه من حديث عائشة، وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة مرفوعا بسند حسن( ادفعوا الحدود عن عباد الله ما وجدتم له مدفعا ) عن علي مرفوعا :{ ادرؤا الحدود ولا ينبغي للإمام تعطيل الحدود ] رواه الدراقطني والبيهقي بسند حسن وروى ابن عدي في جزء له من حديث أهل المصر بسند ضعيف، عن ابن عباس مرفوعا ( ادرءوا الحدود بالشبهات وأقيلوا الكرام عثرتهم إلا في حد من حدود الله ) وروى صدره أبو مسلم الكحي وابن السمعاني في الذيل عن عمر بن عبد العزيز مرسلا، ومسدد عن ابن مسعود موقوفا وقد انعقد الإجماع على درء الحدود بالشبهات. وإذا تمهد ما ذكنا من الشروط في الرقة فليتفرع عليها مسائل : منها أنه لا يقطع على منتهب ولا قطع على مختلس لأنه يجاهر بفعله فليس بسرقة ولا على خائن وجاحد وديعة لقصور في الحرز لأنه كان في يد الخائن وحرزه لا حرز المالك باعتبار أنه أحرزه بإيداعه عنده لكنه حرز مأذون للسارق فيه الدخول فيه وفي ما ذكرنا حديث جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ليس على المنتهب قطع ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا )رواه أبو داود، وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ليس خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع ) رواه أحمد والترمذي وقال : حسن صحيح والنسائي وابن ماجة والدارمي، وله شاهد من حديث عبد الرحمان بن عون رواه ابن ماجة بإسناد صحيح وآخر من رواية الزهري عن أنس أخرجه الطبراني في الأوسط، ورواه ابن الجوزي في العلل من حديث ابن عباس وضعفه وقال : أحمد يجب القطع على جاحد العارية لحديث عائشة قالت :( كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم أسامة النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يا أسامة لا أراك تكلمني في حد من حدود الله ) ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال( إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيه الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية ) رواه مسلم، وعن ابن عمر قال : كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن المرأة كانت متصفة مشهورة بجحد العارية فعرفتها عائشة بوصفها المشهور، والمعنى امرأة كانت وصفها جحد العارية سرقت فأمرت بقطعها، ولو سلمنا حملها على الظاهر فهذا الحديث يعارضه ما ذكرنا من حديث جابر( لا قطع على الخائن ) وقد تلقته الأمة بالقبول والعمل به فيحمل هذا الحديث على كونه منسوخا درإ للحد ومنها أنه لا قطع على النباش بشبهة في الملك والحرز وبه قال : أبو حنيفة ومحمد لأن الكفن ليس ملكا للورثة لتأخر تعلق حقهم بالتركة من التجهيز بل من الديون والوصايا أيضا ولا ملكا للميت فإنه في أحكام الدنيا ملحق بالجمادات ليس أهلا للملك والقبر حفرة من الصحراء مأمور للعموم المرور به ليلا ونهارا ولا غلق عليه ولا حارس فلا حرز وقالت الأئمة الثلاثة وأبو يوسف بقطع النباش لقوله صلى الله عليه وسلم( من نبش قطعناه )وهو حديث منكر رواه البيهقي في المعرفة من حديث البراء بن عازب وقال : في إسناده بعض من يجهل حاله، وقال : البخاري في التاريخ قال : هشيم حدثنا سهل شهدت ابن الزبير قطع نباشا وسهل ضعيف، قال : عطاء نتهمه بالكذب، وروى أحمد بن حنبل بسنده عن هشيم عن يونس عن الحسن وابن سيرين قالا : النباش يقطع وروى أيضا عن معاوية بن فروة وقال : يقطع النباش يصح في الباب حديث مرفوع.
ومنه أنه لا يقطع السارق من بيت المال عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد والنخعي والشعبي وقال : مالك يقطع قلنا إنه مال عامة والسارق منهم، وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر أنه قال : لا يقطع عليه يعني على سارق من بيت المال ما من أحد إلا وله فيه حق وروى البيهقي عن علي ليس على من سرق من بيت المال قطع، وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس أن عبدا من رقيق الخمس سرق من بيت المال قطع، وأخرج ابن ماجة عن ابن عباس أن عبدا من رقيق الخمس سرق من المغنم فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه قال : مال الله سرق بعضه بعضا وعن ابن مسعود فيمن سرق من بيت المال قال : أرسله فما من أحد إلا وله في هذا المال حق. ومنها أنه لا يقطع السارق إذا كان للسارق فيه شركة بأن سرق أحد الشريكين من حرز الآخر مالا مشتركا بينهما ومنها أنه من له على آخر دراهم فسرق مثلها لم يقطع لأنه استوفى حقه وكذا لو سرق أكثر من حقه لأن في الزيادة يكون شريكا بحقه ومنها : أنه لا يقطع الآباء والأمهات إن علوا فيما سرقوا من مال أولادهم لقوله صلى الله عليه وسلم :( أنت ومالك لأبيك ) وكذا إن سرق الفرع مال أصله عند الثلاثة للبسوطة في المال وفي الدخول في الحرز، وقال مالك يقطع وكذا من سرق من ذي رحم محرم كالأخ والعم عند أبي حنيفة للبسوطة في الدخول في الحرز، ولذا أباح الشرع النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وعند الأئمة الثلاثة يقطع إلحاقا لها بالقربة البعيدة، مما يدل على نقصان الحرز في المحارم من ذوي الأرحام قوله تعالى :﴿ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت أبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالتكم أو ما ملكتم مفاتيحه أو صديقكم ﴾ فإنه يفيد إطلاق الدخول وجواز الأكل أو يورث شبهة عند قيام دليل المنع كما في قوله عليه السلام( أنت ومالك لأبيك ) فإن قيل : فعلى هذا ينبغي أن لا يجب القطع من بيت الصديق أيضا ؟ قلنا : لما سرق من ماله فقد عاداه فلم يبق صديقا وقت السرقة، ومنها أنه لو سرق من بيت ذي الرحم مال غيره لا يقطع ولو سرق من بيت غير ذي الرحم مال ذي رحمه يقطع عند أبي حنيفة رضي الله عنه اعتبارا للحرز وعدمه ومنها أنه لا يقطع أحد الزوجين بسرقة مال الآخر سواء سرق من بيت خاص لأحدهما أو من البيت الذي هما فيه عند أبي حنيفة رضي الله عنه وقول الشافعي، وقال مالك رضي الله عنه والشافعي رضي الله عنه وهي رواية عن أحمد أخرى : إن سرق من بيت خاص قطع ومن بيت سكناها لا يقطع وفي قول للشافعي يقطع الزوج خاصة دون الزوجة لقوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان :( خذي من ماله ما يكفيك وولدك ) ووجه قول أبي حنيفة الإذن في الدخول عادة فاختل الحرز، وفي موطأ مالك عن عمر أنه أتى بغلام سرق مرآة امرأة سيده فقال : ليس عليه شيء خاد
أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو وأن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها اليمنى فقالت هل لي من توبة يا رسول الله ؟قال :( نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك ) فأنزل الله تعالى﴿ فمن تاب ﴾ من السرقة وغيرها ﴿ من بعد ظلمه ﴾أي معصية من السرقة وغيرها، و المراد بالتوبة الندم على ما وقع منه من المعصية ورد المظلمة والاستعفاف من الله تعالى والعزم على تركها ﴿ و أصلح ﴾أمره بعد ذلك ﴿ فإن الله تواب عليه ﴾أي يرجع عليه بالرحمة وقبول التوبة فلا يعذبه في الآخرة وهل يسقط عنه القطع في الدنيا أم لا فقال : أحمد يسقط القطع عن السارق وكل حد بالتوبة لهذه الآية لقوله تعالى﴿ و الذان يأتينها منكم فأذوهما فإن تاب وأصلحا فأعرضوا عنهما ﴾ ولقوله عليه السلام ( التائب من الذنب كمن ذنب له ) وفي قول الشافعي : يسقط الحد إذا مضى على التوبة سنة، وعند أبي حنيفة ومالك وهو رواية عند أحمد وقول للشافعي لا يسقط شيء من الحدود بالتوبة إلا حد قاطع الطريق بالاستثناء المذكور في الآية، قالوا هذه الآية لا تدل على سقوط الحد وقوله تعالى :﴿ والذان يأتينها ﴾كان في أول الأمر ثم نسخ ونحن نقطع بأن رجم ما عز والغامدية كان بعد توبتهما.
مسألة : و من سرق سرقة ورد المسروق إلى المالك قبل الارتفاع إلى الحاكم لم يقطع، وعن أبي يوسف يقطع اعتبار بما إذا ردها بعد المرافعة، وجه الظاهر أن الخصومة شرط لظهور السرقة فكانت شرطا في القطع والخصومة شرط لظهور السرقة فكانت شرطا في القطع والخصومة لا يتصور بعد الرد بخلاف ما لو ردها بعد المرافعة وسماع البينة والقضاء فإنه يقطع، وكذا بعد سماعها قبل القضاء استحسانا لظهور السرقة عند القاضي بالشهادة بعد الخصومة.
مسألة : قطع السارق هل يكون له توبة أولا ؟ فقال : مجاهد نعم لحديث عبادة ابن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب على ذلك في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفى عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك ) متفق عليه، وقال : البغوي : الصحيح أن القطع للجزاء على الجناية كما قال : الله تعالى﴿ جزاء بما كسبا ﴾ ولا بد من التوبة بعده ويدل عليه حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في مسألة الحسم بعد القطع حيث قال : له النبي صلى الله عليه وسلم بعد القطع بالإقرار( تب إلى الله ) فقال : تبت إلى الله تعالى فقال :( تاب الله عليك ) ﴿ إن الله غفور رحيم ﴾
﴿ ألم تعلم ﴾ أيها النبي والمراد به الأمة أو المراد به الأمة أو المراد ألم تعلم أيها الإنسان خطابا لكل واحد ﴿ أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ﴾ تعذيبه من العصاة سواء إرتكب صغيرة أو كبيرة فإنه عدل مقتضى المعصية ﴿ ويغفر ﴾بفضله صغيرة كانت أو كبيرة بالتوبة وبلا توبة﴿ لمن يشاء ﴾ مغفرته ﴿ و الله على كل شيء ﴾ من التعذيب والمغفرة [ قدير ] لا يجب عليه شيء قدم التعذيب لأن التعذيب مقدم على المغفرة ولأن المقصود وصفه تعالى بالقدرة والقدرة في تعذيب من يشاء، أظهر من القدرة في مغفرته لأنه لا إباء في المغفرة وفي التعذيب إباء والله أعلم،
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ صنيع ﴿ الذين يسارعون ﴾ يقطعون سريعا ﴿ في الكفر ﴾في إنكار ما يجب في الشرع إقراره والاعتقاد به إذا وجدوا منه فرصة. روى البغوي : بسنده عن ابن عمر قال : إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال : لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ قال : نفضحهم ويجلدون قال : عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الآية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحد يده على أية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال : له عبد الله : ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم قالوا : صدق محمد فيه آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، فقال : عبد الله فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها من الحجارة، وأخرج أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله قال : زنى رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود المدينة أن اسألوا محمدا عن ذلك فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه فسألوا عن ذلك نحو حديث مسلم فأمر به فرجم فنزلت ﴿ فإن جاءوك فاحكم بينهم ﴾ الآية، وأخرج البيهقي في الدلائل من حديث أبي هريرة نحوه قال : البغوي : وقيل : سبب نزول الآية القصاص وذلك أن بني نضير كان لهم فضل على بني قريظة فقال : بنو قريظة إخواننا بني النضير أبونا واحد وديننا واحد ونبينا واحد وإذا قتلوا منا قتيلا لم يقيدونا وأعطونا ديته سبعون وسقا من تمر وإذا قتلنا منهم قتلوا القاتل وأخذوا منا الضعف مائة وأربعين وسقا من تمر إن كان القتيل امرأة قتلوا بها رجلا منا بالرجل رجلين وبالعبد حرا منا وجراحاتنا على التضعيف من جراحاتهم فاقض بيننا وبينهم، فأنزل الله عز وجل هذه الآية كذا روى أحمد وأبو داود عن ابن عباس قال : أنزلها الله في طائفتين من اليهود قهرت احداهما الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على كل قتيل قتله العزيزة فديته خمسون وسقا وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا فأرسلت العزيزة أن ابعثوا الدية مائة وسق فقال : الذليلة وهل كان ذلك في حيين قط دينهما واحد ونسبتها واحدة وبلدهما واحد دية بعضهم نصف دية بعض إنا أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا أما إذا قدم محمد فلا نعطيكم فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن جعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فأرسلوا إليه ناس من المنافقين ليختبروا رأيه، فأنزل الله عز وجل يأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ﴿ من الذين قالوا ﴾بيان لقوله الذين يسارعون ﴿ منا ﴾ مقولة قالوا﴿ بأفواههم ﴾ متعلق بقالوا لا بآمنا﴿ ولم تؤمن قلوبهم ﴾ في محل النصب على الحال من فاعل قالوا، ويحتمل العطف على قالوا﴿ من الذين هادوا ﴾عطف على من الذين قالوا يعني من المنافقين واليهود ﴿ سماعون ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هم سماعون والضمير للفرقين أي الذين يسارعون، ويجوز أن يكون مبتدأ أو من الذين هادوا خبره أي من اليهود قوم سماعون﴿ للكذب ﴾ اللام إما مزيدة للتأكيد أو لتضمين السماع معنى القبول أي قابلون لما يفتريه الأحبار أو للعلة والمفعول محذوف أي سماعون كلامك ليكذبوا عليك فيها بالزيادة والنقصان والتغير والتبديل، وقيل : اللام بمعنى إلى أي سماعون إلى كذب أحبارهم ﴿ سماعون لقوم أخرين ﴾ من اليهود﴿ لم يأتوك ﴾أي لم يحضروك وتجافوا عنك تكبرا أو إفراطا في البغض، واللام في لقوم إما التضمن السماع معنى القبول أي مصغون لقوم آخرين قابلون كلامهم، وإما للعلة أي سماعون لأجلهم والإنهاء إليهم أي هم يعني بني قريظة جواسيس لقوم آخرين وهم أهل خبير، ويجوز أن يتعلق اللام بالكذب وسماعون الثاني مكرر للتأكيد أي سماعون كلامك ليكذبوا عليك لقوم آخرين أي للإنهاء إليهم ﴿ يحرفون الكلم ﴾المنزلة في التوراة من آية الرجم والقصاص وغير ذلك والكلم اسم جنس أو اسم جمع وليس بجمع ولذلك أفرد الضمير نظرا إلى لفظه في قوله تعالى﴿ من بعد مواضعه ﴾ أي من بعد وضعه الله تعالى مواضعه معنى يحرفون الكلم عما هو في التوراة إما لفظا بأن يغيروه بغيره أو معنى بأن يحملوه على غير ما أريد منه، والجملة صفة أخرى لقوم أو صفة لسماعون أو حال من الضمير فيه أو استئناف لا موضع من الإعراب أو في موضع الرفع خبرا عن مبتدأ محذوف أي هم يحرفون وكذلك قوله تعالى ﴿ يقولون ﴾ وجاز أن يكون حالا من الضمير في يحرفون﴿ إن أتيتم { يعني إن أتاكم محمد صلى الله عليه وسلم حكما مثل { هذا { المحرف{ فخذوه ﴾ أي اعملوا به ﴿ و إن لم تؤتوه ﴾يعني أفتاكم محمد صلى الله عليه وسلم بخلافه﴿ فاحذروا ﴾ قبول ما أفتاكموه ﴿ له من يرد الله فتنته ﴾ ضلالته أو هلاكه أو عذابه ﴿ فلن تملك ﴾يا محمد ﴿ له من الله شيئا ﴾ أي لن تقدر ولن تستطيع له شيئا من الاستطاعة كائنة من الله تعالى في دفع مراده أو لن تقدر دفع شيء من مراده تعالى فقوله تعالى من الله إما متعلق بقوله تملك ومن ابتدائية أو ظرف مستقر حال من شيئا وشيئا منصوب على المصدرية أو المفعولية، فيه حجة لنا على المعتزلة في أن مراد الله لا ينفك على إرادته ﴿ أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ﴾، من الكفر أية محكمة دالة على فساد قول المعتزلة إن الله يريد من عباده الإيمان دون الكفر ﴿ لهم في الدنيا خزي ﴾ هوان بالقتل كما وقع في بني قريظة أو بالجزية والخوف من المؤمنين ﴿ و لهم في الآخرة عذاب عظيم ﴾ وهو الخلود في النار والضمير للذين هادوا على تقدير الاستئناف بقوله ومن الذين هادوا وإلا فللفريقين
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
﴿ سماعون للكذب ﴾كرر للتأكيد أي هم سماعون ومثله ﴿ أكالون للسحت ﴾قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وأبو جعفر في المواضع الثلاثة بضم الحاء والباقون بإسكانها، و معناه الحرام وأصله الهلاك قال : الله تعالى ﴿ فيسحتكم بعذاب ﴾ قال : الأحفش : السحت كل كسب لا يحل. نزلت الآية في حكام اليهود كعب بن الأشرف وأمثاله كانوا يرتشون ويقضون لمن رشاهم ويسمعون الكذب ويقبلونه من الراشي ولا يلتفون إلى خصمه، وقال : الحسن ومقاتل وقتادة والضحاك السحت هو الرشوة في الحكم، وقال : الحسن إنما ذلك في الحكم إذا رشوته ليحق لك باطلا أو يبطل عليك حقا فإما أن يعطي الرجل الوالي يخاف ظلمه ليدرأ به عن نفسه الظلم فلا بأس به يعني لا بس به على المعطي في دفعه وقاية لنفسه وماله وإما على الأخذ فحرام أخذه، قلت : وكذا إذا كان المدعي محقا يرى أن القاضي لا يحكم له بحقه ولا يدفع عنه ظلم خصمه إلا بدفع الرشوة فلا بأس له في الدفع وحرام على القاضي الأخذ لأن الحكم بالحق ودفع الظلم واجب عليه لا يجوز له أن يأخذ عليه شيئا، قال : ابن مسعود من يشفع شفاعته ليرد بها حقا أو يدفع بها ظلما فأهدى له فقبل فهو سحت فقيل له يا أبا عبد الرحمان ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم فقال : الأخذ على الحكم كفر، قال : الله عز وجل :﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ﴾و عن مسروق قال : قلت لعمر بن الخطاب أرأيت الرشوة في الحكم من السحت هي ؟ قال : لا ولكن كفر إنما السحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه منزلة ويكون للآخر إلى السلطان حاجة فلا يقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية، وعن عمر قال : بابان من السحت يأكلهما الناس الرشا في الحكم ومهر الزانية. وعن ليث قال : تقدم إلى عمر بن الخطاب خصمان فأقامهما ثم عادا فأقامهما ثم عادا ففصل بينهما فقيل له في ذلك، فقال : تقدما إلى فوجدت لأحدهما ما لم أجد لصاحبه فكرهت أن أفصل بينهما على ذلك ثم عادا فوجدت بعض ذلك فكرهت ثم عادا قد ذهب ذلك ففصلت بينهما : وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :) لعنة الله على الراشي والمرتشي في الحكم ) رواه أحمد والترمذي وصححه الحاكم عن أبي هريرة، وروى البغوي : نحوه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وروى أحمد بإسناد ضعيف عن ثوبان مرفوع ( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يسعى بينهما ).
فائدة : قال ابن همام الرشوة على أقسام : منها ما هو حرام على الأخذ والمعطي وهو الرشوة في تقليد القضاء فلا يصير قاضيا وارتشاء القاضي ليحكم فلا ينفذ قضاؤه في تلك الواقعة وإن حكم بحق لأنه واجب عليه فلا يحلل أخذ المال عليه ولا إعطائه، ومنها ما هو حرام على الآخذ دون المعطي كما إذا أعطى المال ليسوي أمره عند السلطان دفعا للضرر أو جلبا للنفع وحيلة حلها للآخذ أن يستأجر يوما إلى الليل أو يومين فيصير منافعه مملوكة له ثم يستعمله في الذهاب إلى السلطان للأمر الفلاني، وكذا إذا ما أعطى المال لدفع الخوف من المدفوع أليه على نفسه أو مال حرام على الآخذ دون المعطي لأن دفع الضرر على المسلم واجب ولا يجوز أخذ المال على الفعل الواجب.
فائدة : وفي المحيط الرشوة على أنواع : منها أن يهدي الرجل إلى رجل مالا لابتغاء التودد والتحبب وهذا احلال من جانب المهدي والمهدي إليه، قلت في الباب قوله صلى الله عليه وسلم :)تهادوا تحابوا ) ونوع منها أن يهدي الرجل إلى رجل مالا بسبب أن ذلك الرجل قد خوفه فيهدي إليه مالا ليدفع الخوف عن نفسه أو يهدي إلى السلطان مالا ليدفع ظلمه عن نفسه أو ماله وهذا النوع لا يحل للآخذ وعامة المشايخ على أنه يحل للمعطي لأنه بذل ماله وقاية لنفسه وماله، ونوع منها أن يهدي الرجل إلى رجل مالا يسوى أمره فيما بينه وبين السلطان ويعينه في حاجته فإن كان حاجته حراما لا يحل من الجانبين الأخذ والإعطاء وإن كان مباحا، فإن كان قد اشترط أنه إنما يهدي إليه ليعينه عند السلطان لا يحل الأخذ، وهل يحل الإعطاء تكلموا فيه ؟ فمنهم من قال : يحل ومنهم من قال : لا يحل والحيلة فيه أن يستأجره صاحب الحادثة يوما إلى الليل ليقوم بعمله وإن لم يشترط لكن إنما يهدي إليه ليعينه عند السلطان، فقال : عامة المشايخ : لا يكره أخذه، وقيل : يكره كذا نقل عن ابن مسعود﴿ فإن جاءوك ﴾ يا محمد يعني اليهود لتحكم بينهم ﴿ فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ﴾ خير الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم إذا تحاكم إليه الكفار بين الحكم والإعراض قال : البغوي : اختلفوا في حكم هذه الآية اليوم هل للحاكم الخيار في الحكم بين أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا ؟ فقال : أكثر أهل العلم هو حكم ثابت وليس في سورة المائدة منسوخ حكام المسلمين بالخيار في الحكم بين أهل الكتاب إن شاؤا حكموا وإن شاؤا لم يحكموا وإن حكموا حكموا بحكم الإسلام وهو قول النخعي والشعبي وعطاء وقتادة، وقال : قوم يجب على حكام المسلمين أن يحكم بينهم والآية منسوخة نسخها قوله تعالى﴿ وإن احكم بينهم بما أنزل الله ﴾ وهو قول مجاهد وعكرمة، وروى ذلك عن ابن عباس وقال : لم ينسخ من المائدة إلا آيتان قوله تعالى ﴿ لا تحلوا شعائر الله ﴾ نسخها قوله تعالى﴿ وقاتلوا المشركين كافة ﴾ وقوله تعالى﴿ فإن جاءوك فأحكم بينهم أو أعرض عنهم ﴾ نسخها قوله تعالى ﴿ وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ﴾ قال : البيضاوي قيل : لو تحاكما الكتابيان إلى القاضي لم يجب عليه الحكم وهو قول الشافعي، والأصح وجوبه إذا كان المترافعان أو أحدهما ذميا لأنا التزامنا عنهم ودفع الظلم منهم والآية ليست في أهل الذمة، وعند أبي حنيفة رحمه الله يجب مطلقا، قلت : إذا ترافع إلى القاضي كافران ذميان أو حربيان يجب على القاضي الحكم بينهما بالعدل لأنه التزم من السلطان القضاء بالحق وكذا إذا ترافع أحدهما والمدعي عليه مسلم أو ذمي لالتزام حكم الشرع بالإسلام أو الاستسلام بخلاف ما إذا كان المدعي عليه حربيا حيث لم يلتزم أحكامنا، وأما أذا ترافع مسلمان أو ذميان أو حربيان أو مختلفان إلى رجل من المسلمين غير الحكام ليحكم بينهم لا يجب عليه قبول التحكيم بل هو بالخيار إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم ﴿ وإن حكمت فأحكم بينهم بالقسط ﴾ بالعدل﴿ إن الله يحب المقسطين ﴾العادلين قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ) رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو، وعن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أفضل عباد الله منزلة يوم القيامة إمام عادل رفيق وإن شر الناس عند الله منزلة إمام جائر خرق ) رواه البيهقي في شعب الإيمان
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
﴿ وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ﴾تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به والحال أنهم يعلمون حكم الله فإن عندهم التوراة فيها حكم الله وهو الرجم لا يعلمون به، والحاصل أنه ليس غرضهم من تحكيمهم إياك إصابة الحق وإقامة الشرع بل إنما يطلبون ما يكون أهون عليهم وإن لم يكن حكم الله، وقوله فيها حكم الله حال من التوراة إن رفعتها بالظرف وإن جعلتها مبتدأ فمن ضميرها المستكن في الظرف وتأنيثها لكونه نظيرة المؤنث في كلام العرب كرماة﴿ ثم يتولون ﴾عطف على يحكمونك داخل في التعجيب يعني ثم يعرضون عن حكمك الموافق لكتابهم﴿ من بعد ذلك ﴾ أي بعد تحكيمك ﴿ وما أولئك بالمؤمنين ﴾ بشيء من كتب الله تعالى لا بالتوراة وإلا لعملوا بها وأمنوا بما يصدقه ويوافقه ولا بكتابك
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
﴿ إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ﴾إلى الحق﴿ ونور ﴾ينكشف به أحكام الله تعالى ويجتلي به القلوب الغير القاسية ﴿ يحكم بها النبيون ﴾ موسى ومن بعده من الأنبياء آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم قضى عليهم بالرجم، وقال : الحسن والسدي : أراد به محمد صلى الله عليه وسلم حكم على اليهود بالرجم وذكر بلفظ الجمع كما في قوله تعالى ﴿ إن إبراهيم كان أمة قانتا ﴾ ويحكم بصيغة المضارع يدل على أن حكم محمد صلى الله عليه وسلم أيضا داخل في المقصود بالآية، وقيل : إن المراد بالنبيين هاهنا الذين بعثوا بعد موسى قبل عيسى ليحكموا بالتوراة بقرينة قوله تعالى﴿ وقفينا على أثرهم بعيسى ﴾ وعلى تقدير شمول كلمة النبيين المذكورة محمدا صلى الله عليه وسلم وغيره لا بد من التأويل في قوله تعالى وقفينا على أثرهم بأن الضمير راجع إليهم بالنسبة إلى بعض أفرادهم كما في قوله تعالى﴿ وبعولتهن أحق بردهن ﴾ومن هاهنا قال : أبو حنيفة : يجب علينا العمل بشرائع من قبلنا ما لم يظهر نسخه، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ) الحديث متفق عليه، يعني دينهم واحد وهو ما قضى الله به سبحانه وطرق ظهور ذلك الدين في الدنيا شتى بعد تعينات الأنبياء ﴿ الذين أسلموا ﴾أي انقادوا الحكم الله صفة أجريت على النبيين مدحا لهم وتنويها لشأن المسلمين وتعريضا لليهود حيث لا يحكمون بما في التوراة ولا ينقادون لحكم الله تعالى﴿ للذين هادوا ﴾ إن تابوا من الكفر، متعلق بأنزلنا أو بالظرف المستقر أعني فيها هدى ونور أو بيحكم أي يحكمون بها في تحاكمهم، وعلى التقدير الثالث قيل : اللام بمعنى على كما في قوله تعالى :﴿ وإن أسأتم فلها ﴾يعني فعليها وقوله تعالى :﴿ أولئك لهم اللعنة ﴾ أي عليهم، قلت : وعلى هذا التأويل جاز أن يكون معنى الآية يحكم النبيون بالتوراة على اليهود بكفرهم فإن التوراة يحكم عليهم أنه إذا جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال : البيضاوي : هذا القيد يعني للذين هادوا يدل على أن المراد بالنبيين في هذه الآية أنبياء بني إسرائيل الذين بعثوا بعد موسى عليه السلام ليحكموا بما في التوراة لا من لم يومر بما في التوراة ومنهم عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكذا قوله تعالى ﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ﴾ وهذا القول منه مبني على مذهب الشافعي رضي الله عنه أن شرائع من قبلنا لا يكون حجة علينا، قلنا : قوله تعالى﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ﴾لا يدل على نسخ جميع أحكام التوراة بل على بعضها أو أكثرها وما لم يظهر نسخ حكم ثبت بالكتاب أو السنة أن الله تعالى حكم به لا بد من العمل به لقوله تعالى﴿ فبهداهم اقتده ﴾و الله أعلم ﴿ والربانيون ﴾ أي الصوفية الزهاد بحكم المسترشدين منهم فيما يتعلق بتهذيب الأخلاق وتجلية القلوب ﴿ والأحبار ﴾جمع حبر بفتح الحاء وكسره والكسر أفصح هو العالم المحكم للشيء، وقيل : الحبر بمعنى الجمال في الحديث ( يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وصبره ) أي حسنه وهيئته ومنه التحبير للتحسين، يقال للعالم حبرا لما عليه من جمال العلم والعلماء جمال الأمة﴿ بما استحفظوا ﴾العائد إلى الموصول محذوف وبيانه من قوله تعالى﴿ من كتاب الله ﴾الجار والمجرور متعلق بيحكم والباء للسببية والضمير المرفوع في استحفظوا راجع إلى النبيين والربانيين والأحبار، والاستحفاظ منهم تكليفهم بحفظه والعمل به ومنعهم عن نسيانه وعن ترك العمل به وعن التضييع والتحريف يعني يحكم بها الأنبياء ومن تبعهم بسبب أمرهم الله تعالى بأن يحفظوا﴿ وكانوا عليه ﴾ أي على الاستحفاظ من الله أو كتاب الله ﴿ شهداء ﴾رقباء يعلمونه ويبينونه ﴿ فلا تخشوا ﴾أيها الحكام ﴿ الناس ﴾ في الحكومة على خلاف مرادهم ﴿ واخشون ﴾في ترك العمل بكتابي وأحكامي، أثبت الياء في الوصل فقط أبو عمرو وحذفها الجمهور في الحالين، أخرج ابن عساكر والحكيم الترمذي عن ابن عباس أنه قال : إنما يسلط على ابن آدم من خافه ابن آدم فإن لم يخف إلا الله لم يسلط عليه غيره وإنما وكل ابن آدم بمن رجا ابن آدم فإن لم يرج ابن آدم إلا الله لم يكله إلى سواه﴿ ولا تشتروا ﴾ أي لا تستبدلوا ﴿ بآيتي ﴾ بأحكامي التي أنزلتها ﴿ ثمنا قليلا ﴾من متاع الدنيا على سبيل الرشوة ونحو ذلك هذا صريح في أن حكام هذه الأمة مأمورون بالحكم بما ثبت كونه في التوراة ولم يثبت نسخه ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله ﴾مستهينا به جاحد إله كذا قال : عكرمة﴿ فأولئك هم الكافرون ﴾إن لم يحكم بالاستهانة، وقيل : المراد بالكفر الفسق وجاز أن يكون المراد ستر الحق، قال ابن عباس وطاووس : ليس الكفر الفسق وجاز أن يكون المراد بالكفر ستر الحق، قال : ابن عباس وطاووس : ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعل فهو به كفر يعني ستر الحق وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
﴿ وكتبنا ﴾أي فرضنا ﴿ عليهم ﴾أي على بني إسرائيل ﴿ فيها ﴾ أي في التوراة ﴿ أن النفس ﴾ القاتلة حرا كانت أو رقيقا ذكر كانت أو أنثى مسلما كانت أو ذميا تقتل ﴿ بالنفس ﴾المقتولة كيفما كانت وقد مر حكم هذه المسألة في شرعنا في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿ الحر بالحر ﴾الآية ﴿ العين ﴾ تفقأ﴿ بالعين والأنف ﴾تجدع ﴿ بالأنف والأذن ﴾تقطع ﴿ بالأذن والسن ﴾تقلع﴿ بالسن ﴾قرأ الكسائي العين والأنف والسن بالرفع على أنها جمل متعاطفة عطفت على أن وما في حيزها، كأنه قيل : كتبنا عليهم النفس بالنفس، فإن الكتابة والقراءة يقعان على الجمل كالقول أو مستأنفة، ومعناها وكذلك العين مقفوة بالعين والأنف مجدوعة بالأنف والأذن مقطوعة بالأذن والسن مقلوعة بالسن أو على أن المرفوع منها معطوف على المستكن في قوله بالنفس، وإنما ساغ لأنه في الأصل مفصول عنه بالظرف والجار والمجرور مبنية للمعنى والباقون بالنصب، وقرأ نافع الأذن بالأذن وفي أذنيه بإسكان الذال حيث وقع والباقون بضمها، ﴿ والجروح ﴾ ذات ﴿ قصاص ﴾قرأ ابن كثير والكسائي وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر بالرفع على أنه إجمال للحكم بعد التفصيل والباقون بالنصب عطفا على اسم إن وهذا تعميم بعد التخصيص، ولفظ القصاص ينبئ عن المماثلة فكل ما أمكن فيه رعاية المماثلة يجب فيه القصاص ومالا فلا فاليد إن قطع من المفصل عمدا قطعت يد الجاني من المفصل إن كانت يده أكبر من اليد المقطوعة وكذلك الرجل ومارن الأنف والأذن والسن لإمكان رعاية المماثلة، ومن ضرب عين رجل فقلعها لا قصاص عليه لامتناع المماثلة في القلع، فإن كانت العين قائمة وذهب ضوءها فعليه القصاص لإمكان المماثلة فتحمي له المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب ويقابل عينه بالمرآة فيذهب ضوءها، وهو مأثور عن جماعة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، قال : في الكفاية هذه حادثة وقعت في زمن عثمان فسأل الصحابة عنها فلم يكن عندهم جواب فحضر علي رضي الله عنه فأجاب بهذا، فقضى عثمان بهذا ولم ينكر عليه أحد فصار إجماعا ولا قصاص في عظم إلا في السن.
مسألة : ولا يقتص من الجراحة إلا بعد الاندمال عند أبي حنيفة وأحمد قال : الشافعي يقتضي في الحال، لنا : حديث جابر أن رحلا جرح فأراد أن يستقيد منه فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح رواه الدارقطني.
مسالة : من قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، إذ الأول كسر العظم ولا ضابطة فيه وكذا البرأ نادر فيفضي الثاني إلى الهلاك ظاهرا، وقال : الشافعي : لو كسر عضده وأبانه قطع من المرفق وله حكومة الباقي، وكذا كسر الساعد وغيره من العظام أن له قطع أقرب مفصل من موضع الكسر وحكومة الباقي.
مسألة : لا قصاص عند أبي حنيفة في اللسان ولا في الذكر إلا أن يقطع الحشفة لأنهما ينقبضان وينبسطان فلا يمكن اعتبار المماثلة، وعن أبي يوسف أنه إذا قطع اللسان أو الذكر من أصله يجب القصاص وبه قال : الشافعي وأحمد لأنه يمكن اعتبار المساواة والشفة إن استقصاها بالقطع يجب القصاص لإمكان اعتبار المماثلة بخلاف ما إذا قطع بعضها لأنه يتعذر اعتبارها.
مسألة : ولا يقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء ولا يمكن بيسار ولا بيمين إجماعا.
مسألة : في العين القائمة بلا نور واليد الشلاء ولسان الأخرس والذكر الأشل والإصبع الزائد حكومة عدل عند الجمهور، وعند أحمد فيها ثلث دية العضو لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في العين العوراء السادة مكانها إذا طمست ثلث ديتها وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها وفي السن السوداء إذا نزعت بثلث ديتها رواه البيهقي من طريق النسائي، وعن ابن عباس موقوفا في اليد الشلاء ثلث الدية وفي العين القائمة إذا حشفت ثلث الدية رواه الدارقطني.
مسألة : إن كان يد المقطوع صحيحة ويد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع فالمقطوع بالخيار عند أبي حنيفة رحمه الله إن شاء قطع اليد المعيبة ولا شيء غيرها وإن شاء أخذ الأرش كاملا لأن استيفاء الحق كملا متعذر فله أن يتجوز بدون حقه وله أن يعدل إلى البدل، وعند الشافعي يجب الأرش لا غير.
مسألة : من شج رجلا فاستوعبت الشجة ما بين قرنيه وهي لا تستوعب ما بين قرني الشاج فالمشجوج بالخيار إن شاء اقتص بمقدار شجته يبتدئ بها من أي الجانيين شاء وإن شاء أخذ الأرش، وفي عكسه يخير أيضا.
مسألة : ويجري القصاص في كسر السن كما يجري في قطعها عند أب حنيفة رحمه الله، وقال الشافعي : لا قصاص في الكسر لامتناع التماثل، إذا يبرد بالمبرد وفي الباب حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قضى القصاص في السن ) رواه النسائي، وعن أنس أيضا قال :( كسرت الربيع وهي عمة أنس بن مالك ثنية جارية من الأنصار فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص فقال : أنس بن النضر عم أنس ابن مالك : لا تكسر ثنيتها يا رسول الله، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يا أنس كتاب الله القصاص ) فرضي القوم وقبلوا الأرش، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ) متفق عليه.
مسألة : ليس فيما دون النفس شبهة عمد إنما هو عمد أو خطأ لأن شبه العمد فيما دون النفس عمد.
مسألة : لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس ولا بين الحر والعبد ولا بين العبدين عند أبي حنيفة رحمه الله، وعند الأئمة الثلاثة يجري القصاص في جميع ذلك إلا في الحر يقطع طرفا للعبد جريا على أصلهم من أنه لا يقتص حر لعبد، لقوله تعالى﴿ الحر بالحر ﴾و هذه الآية بعمومها يعني العين بالعين حجة لهم على أبي حنيفة، ووجه قول أبي حنيفة أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة وهو معلوم قطعا بتقويم الشرع فأمكن اعتباره بخلافه الأنفس لأن المتلف به الحياة بإزهاق الروح ولا تفاوت فيه.
مسألة : يجب القصاص في الأطراف بين المسلم والذمي عند أبي حنيفة رحمه الله للتساوي بينهما في الأرش عنده، وقال الشافعي وأحمد : إن قطع المسلم طرف كافر فلا قصاص لعدم جريان القصاص بينهما في الأنفس وقد مر المسألة في سورة البقرة﴿ فمن تصدق ﴾من أصحاب الحق به إن القصاص وعفا عن الجاني﴿ فهو ﴾ أي التصدق ﴿ كفارة له ﴾أي للمتصدق كذا قال : عبد الله بن عمرو بن العاص والحسن والشعبي وقتادة، أخرج ابن مردويه عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى :﴿ فمن تصدق به فهو كفارة ﴾قال : هو الرجل يكسر سنه أو يقطع يده أو يقطع شيء منه أو يخرج في بدنه فيعفو عن ذلك فيحط عنه قدر خطاياه فإن كان ربع الدية فربع خطاياه وإن كان الثلث فثلث خطاياه وإن كانت الدية حطت عنه خطاياه كذلك، وروى الطبراني في الكبير بسند حسن عن عبادة بن الصامت، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من تصدق من جسده بشيء كفر الله بقدره من ذنوبه )و الطبراني والبيهقي عن سنجرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من ابتلي فصبر وأعقل فشكر وظلم فاستغفر أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي الدمام قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( ما من رجل يصاب بشيء في جسده فتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة ) ولما أصيب شيخنا وإمامنا بجراحة توفي بها واستشهد أرسل إليه أمير الأمراء، وقال : لأقيدن ممن جنى عليك أيها الشيخ فقال : الشيخ رضي الله تعالى عنه لا تعرضوا بمن جنى علي فتصدق الشيخ به، وقيل : الضمير عائد إلى الجاني المفهوم مما سبق معنى عفوه كفارة لذنب الجاني لا يؤخذ به في الآخرة كما أن القصاص كفارة له وأما أجر العافي فعلى الله قال : الله تعالى﴿ فمن عفا وأصلح فأجره على الله ﴾ قال البغوي : روى ذلك عن عباس وبه قال : مجاهد وإبراهيم وزيد بن أسلم، وجاز أن يكون معنى الآية فمن تصدق به أي انقاد للقصاص لمن وجب له القصاص فهو كفارة له من ذنوبه قال الله تعالى :﴿ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ﴾ ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله ﴾من القصاص وغيره ﴿ فأولئك هم الظالمون ﴾ بالإمتناع من ذلك
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
﴿ وقفينا ﴾أي أتبعناهم يعني النبيين، حذف المفعول لدلالة الجار والمجرور عليه أعني ﴿ على آثارهم ﴾أي على آثار النبيين الذين أسلموا ﴿ بعيسى ابن مريم ﴾ مفعول ثان عدي إليه الفعل بالباء ﴿ مصدقا لما بين يديه من التوراة وأتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ﴾في موضع النصب على الحال من الإنجيل ﴿ ومصدقا لما بين يديه ﴾ أي الإنجيل ﴿ من التوراة ﴾عطف على فيه هدى وكذا قوله﴿ وهدى وموعظة ﴾وجاز نصبهما على العلية عطفا على محذوف يعني رحمة للناس وهدى وموعظة ﴿ للمتقين ﴾لأنهم هو المنتفعون به، أو تعلقا بمحذوف تقديره وأتيناه هدى وموعظة وعلى تقدير نصبهما على العلية عطفا عليهما
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
﴿ وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ﴾في قراءة حمزة بكسر اللام ونصب يحكم وعلى التأويل الأول لام كي متعلق بحذوف تقديره وأتيناه ليحكم وأما على قراءة الجمهور بسكون اللام والجزم على أنه صيغة أمر والجملة مستأنفة. فإن قيل : الإنجيل نسخ بالقرآن وصيغة الأمر للحال أو للاستقبال فكيف يتصور الأمر بالحكم بما في الإنجيل ؟ قلنا : لا نسلم أنه منسوخ في جميع أحكامه وما نسخ منه فتركه بإتباع القرآن محكوم فيه فالحكم بالناسخ الذي ورد في القرآن حكم بما أنزل الله في الإنجيل والحكم بالمنسوخ بعد النسخ ترك العمل بالإنجيل وأهل الإنجيل هم أمة عيسى عليه السلام قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وأمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثته بدليل قوله تعالى لعيسى :﴿ وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ﴾﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ﴾الخارجون عن حكمه أو عن الإيمان بالاستهانة
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
﴿ وأنزلنا إليك ﴾يا محمد﴿ الكتاب ﴾ القرآن متلبسا﴿ بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ﴾أي من جنس الكتب المنزلة فاللام الأولى للعهد والثانية للجنس﴿ ومهيمنا عليه ﴾روى الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أي شاهدا وهو قول مجاهد وقتادة والسدي والكسائي وقال : عكرمة دالا، قال : سعيد بن جبير وأبو عبيدة مؤتمنا عليه وقال : الحسن أمينا، وقال : سعيد بن المسيب والضحاك قاضيا، وقال : الخليل رقيبا وحافظا والمعنى متقاربة، ومعنى الكل أن كل كتاب يشهد به القرآن ويصدقه فهو كتاب الله، قال : ابن جريح القرن أمين على ما قبله من الكتب فما أخبر أهل الكتاب من كتابهم فإن كان في القرآن فصدقوه وإلا فكذبوه يعني إن كان في القرآن فصدقوا إن كان في القرآن تكذيبه فكذبوه وإن كان القرآن ساكتا عنه فاسكتوا عنه لإحتمال الصدق والكذب من أهل الكتاب، قيل : أصل مهيمن ما يمن مفيعل من الأمانة فقبلت الهمزة هاء﴿ فاحكم بينهم ﴾أي بين الناس ﴿ بما أنزل الله ﴾في القرآن فإنه إما موافق لما سبق من الأحكام أو ناسخ له ﴿ ولا تتبع أهواءهم ﴾ أي أهواء الناس إن أرادوا منك الحكم على خلاف ما أنزل الله ﴿ عما جاءك من الحق ﴾متعلق بقوله لا تتبع لتضمنه معنى لا تنحرف، أو حال من فاعله أي لا تتبع أهوائهم معرضا عما جاءك من الحق ﴿ لكل جعلنا منكم ﴾أي جعلنا لكل أمة منكم أيها الناس ﴿ شرعة ﴾أي شريعة وهي الطريق إلى الماء شبه الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب للحياة الأبدية ﴿ ومنهاجا ﴾طريقا واضحا في الدين من نهج الأمر إذا أوضح، استدل البيضاوي بهذه الآية على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة، ونحن نقول إذا ثبت بالقرآن أو السنة أن الله تعالى حكم بشيء في شيء من الكتب السابقة ولم يثبت نسخه فنحن متعبدون به بناء على أنه من أحكام شريعتنا، والقول بترك جميع ما أنزل في الكتب السابقة لا يساعده عقل ولا نقل واختلاف الشرائع إنما هو باختلاف أكثر الفروع مع اتحاد الأصول لا محالة ﴿ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ﴾جماعة متفقة على جميع الفروع في جميع الأعصار من غير نسخ وتبديل ﴿ ولكن ﴾لم يشأ ذلك وجعلكم أمما شتى على شرائع مختلفة﴿ ليبلوكم في ما أتاكم ﴾من الأحكام المناسبة لكل عصر وقرن أي ليعلم من يتبع حكم الله ممن ينقلب على عقبيه جمودا على دين آبائهم، وقيل : معناه ولو شاء الله اجتماعكم على الإسلام لأجبركم عليه ولكن لم يجبر ليبلوكم ﴿ فاستبقوا الخيرات ﴾ يعني بادروا إلى الأعمال الصالحة اغتناما للفرصة وحيازة لفضل السبق والتقدم فإنه من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء﴿ إلى الله مرجعكم جميعا ﴾ استئناف فيه تعليل للاستباق ووعد ووعيد للمبادرين والمقصرين ﴿ فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ﴾ بالجزاء الفاصل بين المحق والمبطل،
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
روى ابن إسحاق : عن ابن عباس قال : كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا : يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وساداتم وأنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونِؤمن لك فأبى ذلك فأنزل الله تعالى ﴿ وإن احكم بينهم ﴾ إلى قوله ( يوقنون ) عطف على الكتاب أي أنزلنا إليك الكتاب وأنزلنا إليك الحكم أو على الحق أي أنزلناه بالحق وبأن أحكم، وجاز أن يكون جملة بتقدير وأمرنا أن أحكم بينهم ﴿ بما أنزل الله ولا تتبع أهواءكم ﴾ عطف على احكم وكذا ﴿ واحذرهم أن يفتنوك ﴾أي أن يضلوك ويصرفوك وأن مع صلته بدل اشتمال من الضمير المنصوب يعني احذر فتنتهم أو مفعول له يعني احذر فتنتهم أو مفعول له يعني احذرهم مخافة أن يفتنوك أولئك يفتنوك ﴿ عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا ﴾عن الحكم المنزل وأردوا غيره ﴿ فأعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ﴾أي يجعل لهم الله العقوبة في الدنيا ببعض ذنوبهم هاهنا وضع المظهر موضع المضمر، والمعنى يريد الله أن يصيبهم به أي بذلك التولي في الدنيا وهذا الإبهام لتعظيم التولي والتنبيه على أن لهم ذنوب كثيرة وأحدها هذا ﴿ وإن كثير من الناس ﴾ يعني من اليهود﴿ لفاسقون ﴾المتمردون المعتدون في الكفر
روى أحمد ومسلم وغيرهما عن البراء ابن عازب قال :( مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد الزانى في كتابكم ؟ قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال :( انشدك بالله الذي أنزل التورة على موسى وهكذا تجدون حد الزانى في كتابكمِِ ] قال : لا والله ولولا أنك نشدتني لم أخبرك نحد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرفنا فكنا إذا أخدنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا تعالوا نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال : النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم ) فأنزل الله تعالى ﴿ يأيها الرسول لا يحزنك ﴾ إلى قوله ﴿ إن أتيتم هذا فخذوه ﴾ يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله ﴿ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ﴾ وذكر البغوي : هذه القصة بأن امرأة ورجلا من أشراف خبير زنيا وكانا محصنين وكان حدهما في التورية الرجم فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوا إلى إخوانهم بني قريظة وقالوا سلوا محمدا عن الزانيين إذا أحصنا ما حدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقالت قريظة والنضير : إذا والله يأمركم بما تكرهون، ثم انطلق منهم كعب بن أشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الضيف ولبابة بن أبي الحقيق وغيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا حدهما في كتابك ؟فقال : هل ترضوني بقضائي ؟ قالوا نعم، فنزل جبرائيل بالرجم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال : جبرائيل جعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟قالوا نعم، قال : فأي رجل هو فيكم ؟قالوا هو أعلم يهودي بقي على وجه الأرض بما أنزل الله سبحانه على موسى في التوراة، قال : فأرسلوا إليه فأتاهم، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم :( أنت ابن صوريا ؟ قال : نعم، فأخبرهم قال : وأنت أعلم اليهود ؟ قال : كذلك يزعمون قال : أتجعلونه بيني وبينكم ؟ قالوا : نعم فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وأخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ؟قال : ابن صوريا نعم والذي ذكرتني لولا خشيه أن يحرقني التوراة إن كذبت وغيرت ما اعترفت لك، ولكن كيف هي في كتابك يا محمد ؟ قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب الرجم عليه، قال : ابن صوريا والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل الله في التوراة على موسى، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله ؟ قال : كنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا لابن عم الملك، فقلنا : تعالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الوضيع والشريف فوضعنا الجلد والتحميم، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بهما عند باب مسجد قال : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله عز وجل.
﴿ أفحكم الجاهلية يبغون ﴾ قرأ ابن عامر بالتاء الفوقانية على الخطاب والباقون بالتحتانية على الغيبة والمراد بالجاهلية الملة الجاهلية وهي متابعة الهوى قبل : نزلت في قريظة وبني النضير طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بما كان يحكم به في أهل الجاهلية من التفاضل بين القتلى، والاستفهام للإنكار يعني لا تفعل ذلك ﴿ ومن أحسن ﴾يعني لا أحد أحسن ﴿ من الله حكما لقوم يوقنون ﴾أي عندهم واللام للبيان كما في قولك هيئت لك أي هذا الاستفهام لقوم يوقنون فإنهم هم الذين يتدبرون في الأمور ويتحققون في الأشياء بأنظارهم فيعملون أن لا أحسن حكما من الله تعالى.
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ يأيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ﴾ أي لا تعتمدوا عليهم ولا تعاشروهم معاشرة الأحباب﴿ بعضهم أولياء بعض ﴾ إيماء إلى علة النهي يعني أنهم متفقون على خلافكم وإضراركم وتوالي بعضهم بعضا لاتحادهم في الدين﴿ ومن يتولهم منكم ﴾يعني عبد الله بن أبي ﴿ فإنه منهم ﴾ يعني كافر منافق، فقال : النبي صلى الله عليه وسلم :( يا أبا الحباب ما نفست من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه ) قال : إذا قبل. وجاز أن يكون قوله تعالى ﴿ ومن تولهم منكم فإنه منهم ﴾مبينا على التجوز يعني من يتولهم فهو الفاسق يشابه الكافر، والغرض منه التشديد في وجوب مجانبته، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنا بريء من كل مسلم أقام مع المشركين لا ترأى ناراهما )رواه الطبراني برجال ثقات عن خالد بن الوليد وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن جرير بن عبد الله﴿ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ﴾الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار، وظلموا المؤمنين بموالاة أعدائهم
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾يعني عبد الله ابن أبي ابن سلول وأصحابه من المنافقين ﴿ يسارعون فيهم ﴾أي في موالاة اليهود ومعاونتهم مفعول ثان لترى إن كان من الرؤية بمعنى العلم وإلا فهو حال من فاعله ﴿ يقولون ﴾حال من فاعل يسارعون ﴿ نخشى أن تصيبنا دائرة ﴾من دوائر الزمان بأن ينقلب الأمر ويكون الدولة للكفار ولا يتم أمر محمد فيدور علينا كذا قال : ابن عباس، وقيل : معناه نخشى أن يدور الدهر للكفار علينا بمكروه فنحتاج إلى نصرهم أو يصيبنا جدب وقحط فلا يعطونا الميرة، أخرج ابن جرير من حديث عطية وابن إسحاق أن عبادة بن الصامت قال : لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لي موالي من اليهود كثيرا عددهم وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولايتهم وأوالي إلى الله ورسوله فقال : ابن أبي إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي، قال : البغوي : فقال : النبي صلى الله عليه وسلم :( يا أبا الحباب ما نفست من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه )قال : إذا قبل قال الله تعالى ﴿ فعسى الله أن يأتي بالفتح ﴾ قال : قتادة ومقاتل : بالقضاء الفصل من نصر محمد صلى الله عليه وسلم على من خالفه، وقال : الكلبي : والسدي : فتح مكة قال : الضحاك : فتح قرى يهود خيبر وفدك وغيرها﴿ أو أمر من عنده ﴾ أي إظهار أسرار المنافقين وقتلهم وتفضيحهم أو قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير واستئصال اليهود من جزيرة العرب﴿ فيصبحوا ﴾ أي هؤلاء المنافقين منصور بأن مقدرة بعد فاء السببية الواقعة بعد عسى لأنه بمعنى لعل وهو من ملحقات التمني كما في قوله تعالى ﴿ لعلي أبلغ الأسباب السموات فأطلع ﴾ بالنصب، وجاز أن يكون معطوفا على الفتح تقديره عسى الله أن يأتي بالفتح وصيرورة المنافقين نادين، وجاز أن يكون معطوفا يأتي وهذا إما على تقدير كون أن يأتي اسم عسى بدلا من الله مغنيا عن الخبر بما تضمنه الحدث، وإما على تنزيل عسى الله أن يأتي منزلة عسى أن يأتي الله لأن كليهما بمعنى واحد، فالتقدير عسى أن يأتي الله بالفتح وعسى أن يصبحوا إلا على تقدير كون يأتي خبر عسى لأنه حينئذ لا بد من الضمير في خبر عسى عائدا إلى اسمه، وجاز أن يقال لفظة الله في قوله أقسموا بالله مظهر في موضع الضمير والله أعلم﴿ على ما أسروا ﴾استبطنوا من النفاق وموالاة الكفار فضلا عم أظهروه مما أشعر على نفاقهم ﴿ نادمين ﴾خبر ليصبحوا والجار والمجرور متعلق به
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ ويقول الذين أمنوا ﴾قرأ الكوفيون بالواو ويقول بالرفع على أنه كلام مبتدأ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بغير واو، وهكذا في مصاحفهم ويقول بالرفع على الاستئناف كأنه في جواب قائل بقول فماذا يقول المؤمنون حينئذ، وقرأ أبو عمرو ويعقوب بالواو ويقول بالنصب على أنه معطوف على يصبحوا، والمعنى إذا جاء الله بالفتح يصير المنافقون نادمين ويقول المؤمنون متعجبين أو على احتمالات أخر ذكرنا في فيصبحوا، والتقدير عسى أن يأتي الله بالفتح وقول المؤمنين كذلك أو عسى أن يأتي الله بالفتح أو عسى أن يقول المؤمنون أو عسى الله أن يقول المؤمنون أهؤلاء المنافقون الذين أقسموا به تعالى كذلك ﴿ أهؤلاء ﴾يعني المنافقين ﴿ الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم ﴾أي أغلظها، مصدر قائم مقام الجملة الواقعة حالا تقديره أقسموا بالله يجتهدون جهد أيمانهم ولذلك جاز كونه معرفة أو منصوب على المصدرية من أقسموا لأنه بمعناه ﴿ إنهم ﴾أي المنافقين ﴿ لمعكم ﴾ هذه الجملة جواب للقسم، يعني يقول المؤمنون بعضهم لبعض تعجبا من حال المنافقين حيث كانوا يقسمون بأنهم لمع المؤمنين وتبجحا بما من الله عليهم من الإخلاص أو يقولون لليهود فإن المنافقين كانوا يحلفون لليهود بالمعاضدة ويقولون لهم إن أخرجتم لنخرجن معكم وإن قوتلتم لننصرنكم ﴿ حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ﴾في الدنيا والآخرة، هذه الجملة إما من مقولة المؤمنين أو من مقولة الله تعالى شهادة لهم بحبوط أعمالهم وخسرانهم
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ يأيها الذين أمنوا من يرتد ﴾قرأ نافع وابن عامر يرتد وبفك الإدغام، و الباقون بالإدغام بفتح الدال﴿ منكم عن دينه ﴾ يعني عن الإسلام إلى الكفر قال : الحسن علم الله تبارك وتعالى أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم فأخبر أنه سيأتي ﴿ فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ﴾العائد إلى عن محذوف تقدير فسوف يأتي الله، أي يقيم الله تعالى لمدافعتهم قوما منكم يحبهم ويحبونه واختلفوا في ذلك القوم من هم قال : علي رضي الله عنه ابن أبي طالب والحسن والضحاك وقتادة هم ؟ أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض ارتد عامة العرب إلا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس، ومنع بعضهم الزكاة وهم أبو بكر بقتالهم فكره ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال : عمر كيف تقاتل الناس وقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قاله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل ) فقال : أبو بكر رضي الله عنه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال : أنس بن مالك كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة وقالوا أهل القبلة، فتقلد أبو بكر رضي الله عنه سيفه وخرج وحده فلم يجدوا بدا من الخروج على إثره، قال : ابن مسعود رضي الله عنه كرهنا ذلك في الابتداء ثم حمدناه عليه في الانتهاء، قال : أبو بكر بن عياش سمعت أبا حفص يقول ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه قام بعد النبي صلى الله عليه وسلم في قتال أهل الردة، وقال : قد ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق منهم مذحج ورئيسهم ذو الحمار عبهلة بن كعب العنسي ويلقب بالأسود وكان كاهنا مشعبدا فتنبى باليمن، واستولى على بلاده فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين، وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم وعلى النهوض إلى حرب الأسود فقتله فيروز الديلمي على فراشه قال : ابن عمر فأتى الخبر النبي صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التي قتل فيها، وقال : النبي صلى الله عليه وسلم :( قتل الأسود البارحة قتله رجل مبارك ) قيل : ومن هو ؟قال : فيروز وفاز فيروز )فبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بهلاك الأسود وقبض صلى الله عليه وسلم من الغد وأتى خبر مقتل العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول بعد مخرج أسامة وكان ذلك أول فتح جاء أبا بكر رضي الله عنه. والفرقة الثانية بنو حنيفة باليمامة ورئيسهم مسيلمة الكذاب وكان قد تنبأ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر وزعم أنه أشرك مع محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك وبعث بذلك إليه رجلين من أصحابه، فقال : لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن الرسل لا يقتل لضربت أعناقكما، ثم أجاب ( من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى مسيلمة في جيش كثير حتى أهلكه الله على يدي وحشي يقول قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام. والفرقة الثالثة بنو أسد ورئيسهم طلحة بن خويلد وكان طليحة آخر من ارتد وادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأول من قوتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الردة فبعث أبو بكر خالد بن الوليد إليه فهزمهم خالد بعد قتال شديد وأفلت طليحة فمر على وجهه هاربا نحو الشام ثم إنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وقد ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه خلق كثير سبع فرق فزارة قوم عيينة بن حصين وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري، وبنو سليم قوم الفجأة بن عبد يا ليل وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض تميم قوم شجاج بنت المنذر المتنبية زوجة مسيلمة وأسلمت آخرا، وكندة قوم الأشعت بن قيس وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطيم حتى كفى الله بالمسلمين أمرهم ونصر دينه على يدي أبي بكر رضي الله عنه، قالت عائشة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب وأشرب النفاق ونزل بأبي ما لو نزل بالجبال الرسيات لما ضمهيا. وارتد في خلافة عمر غسان قوم جبلة ابن الأيهم لما أجرى عليه عمر للذين آمنوا لأنه جار مجرى الاسم، ولو قدر له موصوف يكون صفة ثانية لموصوفه أو بدل منه، ويجوز نصه على المدح وكذا رفعه بتقدير المبتدأ يعني هم أو الاستئناف في الجواب من الذين آمنوا
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ وهم راكعون ﴾الواو للعطف على يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة والمعنى هم مصلون صلاة ذات ركوع بخلاف صلاة اليهود والنصارى فإنها لا ركوع فيها أو المعنى هم خاضعون متخشعون في صلاتهم وزكاتهم، قال : الجوهري يستعمل الركوع تارة في التواضع والتذلل، وجاز أن يكون الواو للحال من فاعل يؤتون أي يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة مسارعة إلى الإحسان. أخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر، قال : وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع ونزع خاتمه وأعطاه السائل فنزلت﴿ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ﴾ الآية وله شواهد قال : عبد الرزاق بن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ إنما وليكم الله ﴾ قال : نزلت في على ابن أبي طالب، وروى ابن مردويه عن وجه آخر عن ابن عباس مثله وأخرج أيضا عن علي مثله، وأخرج عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله وروى الثعلبي عن أبي ذر والحاكم في علوم الحديث عن علي رضي الله عنه فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا، وهذه القصة تدل على أن العمل القليل في الصلاة لا يبطلها وعليه انعقد الإجماع وعلى أن صدقة التطوع تسمى زكاة. ونزول هذه الآية في علي رضي الله عنه لا يقتضي تخصيص الحكم به لأن العبرة لعموم اللفظ دون خصوص الموارد كما يدل عليه صيغة الجمع، ولعل ذكر الركوع هاهنا على سبيل التمثيل وعلى مقتضى الحادثة الواردة فيه، والمراد منه يؤتون الزكاة فورا على السؤال بلا مهلة، وقال : البيضاوي إن صح أنه أنزل في علي رضي الله عنه فلعله جيء بلفظ الجمع ليرغب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه، قلت : ولو كان المراد به علي رضي الله عنه فالحصر المستفاد بإنما على قول البصريين حصر إضافي بالنسبة إلى اليهود والنصارى دون المؤمنين كما في قوله تعالى﴿ وما محمد إلا رسول ﴾ وذكر البغوي : أنه روي عن ابن عباس أنها نزلت في عبادة ابن الصامت رضي الله عنه وعبد الله بن أبي ابن سلول حين تبرأ عبادة من اليهود، وقال : أتولى الله ورسوله والذين آمنوا فنزل فيهم من قوله﴿ يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ﴾إلى قوله ﴿ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ﴾الآية يعني عبادة وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال : جاء عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا فنزلت هذه الآية، فقال : رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء. وقال : جويبر عن الضحاك في قوله تعالى :﴿ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ﴾قال : هم المؤمنون بعضهم أولياء بعض، وقال : أبو جعفر محمد بن علي الباقر رضي الله عنهما نزلت في المؤمنين فقيل له إن ناسا يقولون إنها نزلت في علي وابن أبي طالب رضي الله عنه فقال : هو من المؤمنين، رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وروى عن عكرمة أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، قال : البغوي : وعلي هذه الروايات أراد بقوله وهم راكعون مصلون صلاة التطوع بالليل والنهار
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا ﴾قال : ابن عباس يريد المهاجرين والأنصار يعني من يتخذهم أولياء
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا ﴾قال : ابن عباس يريد المهاجرين والأنصار يعني من يتخذهم أولياء
﴿ فإن حزب الله هم الغالبون ﴾تقديره فإنهم هم الغالبون، وضع المظهر موضع المضمر تنبيها على البرهان عليه كأنه قيل : ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون فهم هم الغالبون وتنويها بذكرهم وتعظيما لشأنهم وتشريفا لهم بهذا الاسم وتعريضا لمن تولى غير هؤلاء بأنهم حزب الشيطان في القاموس الحزب بالكسر الورد والطائفة والسلاح وجند الرجل وأصحابه الذين على رأيه، قلت : وهذا هو المراد هاهنا، قال : البيضاوي الحزب القوم يجتمعون لأمر حزبه، في القاموس حزبه الأمر يعني نابه واشتد عليه. احتجت الروافض بهذا الآية على انحاصر الخلافة في علي رضي الله عنه قالوا المراد بالولي المتولي لأمور المسلمين والمستحق للتصرف فيهم فالله سبحانه كما أثبت الولاية لنفسه وللرسول أثبت لعلى رضي الله عنه وذكر بكلمة إنما للحصر، ولا شك أن ولاية الله والرسول عامة فكذلك ولاية على وهو الإمام دون غيره، واحتجوا بحديث البرء بن عازب وزيد ابن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لما نزل بغدير خم أخد بيد علي ) فقال :( ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟قالوا : بلى، قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن بنفسه ؟ قالوا : بلى، فقال :( اللهم من كنت مولاة فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) فلفقيه عمر بعد ذلك فقال : له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ) رواه أحمد وغيره، وقد بلغ هذا الحديث مبلغ التواتر رواه جمع من المحدثين في الصحاح والسنن والمسانيد برواية نحو من ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وبريدة بن حصيب وأبو أيوب وعمروبن مرة وأبو هريرة وابن عباس وعمار بن بريدة وسعد بن وقاص وابن عمر وأنس وجرير وبن مالك بن الحويرث وأبو سعيد الخدري وطلحة وأبو الطفيل، وحذيفة بن أسيد وغيرهم، وفي بعض الروايات ( من كنت أولى به من نفسه وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) قالت الروافض هذا الحديث حديث غدير خم نص جلي في خلافة علي رضي الله عنه وعن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال :( أن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن )رواه الترمذي وابن أبي شيبة، وهذين الحديثين أولى بالاحتجاج من الآية فإنها لأنه نص محكم في وجوب ولاية علي رضي الله عنه غير شامل لغيره بخلاف الآية فإنها على تقدير صحة نزولها في علي شاملة لجميع المؤمنين فإن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص الموارد، لكن استدلال الروافض بالحديثين والآية على نفي خلافه غيره باطل فإن الوالي والمولي مشتقان من الولي بمعنى القرب والدنو، قال في القاموس : الوالي اسم من الولي ويقال الولي للمحب والصديق والنصير، وفي الصحاح الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ويستعار ذلك من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصر والاعتقاد والولاية والنصرة ويطلق أيضا على تولي الأمر، وفي القاموس المولى والعبد والمعتق والمعتق على البناء للفاعل والمفعول والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف وابن العم والنزيل والشريك وابن الأخت والوالي والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصادق وقد ورد في القرآن ونسبة المحبة والقرب التي بين العبد والله سبحانه يطلق عليه الولاية ويطلق الولي على المؤمن فيقال ولي الله وعلى الله فيقال الله ولي الذين آمنوا وأطلق المولي في القرآن على الله سبحانه حيث قال :﴿ نعم المولى ونعم النصير ﴾ وعلى العباد فيما بينهم أيضا حيث قال ﴿ فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ﴾ فهذه الآية وهذه الأحاديث لا يدل شيء منها على خلافة علي فضلا عن نفي خلافة غيره، بل إنما يدل الآية على استحقاق محبته والحديث على وجوب محبته وحرمة عداوته كما يدل الآية على حرمة ولاية اليهود والنصارى أعني محبتهم ومناصرتهم، وأخرج أبو نعيم المدايني عن الحسن المثنى ابن الحسن المجتبى أنه لما قيل : له إن خبر ( من كنت مولاه ) نص في إمامة علي، قال : أما والله لو يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الإمامة والسلطان لأفصح لهم فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان أفصح الناس للمسلمين وكان سبب خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث عليا إلى اليمن أمير العسكر فتسرى جارية من الخمس وشكا بذلك بعض الناس فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأجل شكايته، وقال : ما تريدون من رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ؟ وخطب تلك الخطبة ليتمكن محبة علي في قلوب المؤمنين ويزول شكايتهم، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم :( ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن ) الغرض منه تنبيه المسلمين على وجوب امتثال أمره في محبة علي رضي الله عنه وكذا دعاء صلى الله عليه وآله وسلم في آخر الحديث للتأكيد في محبته، قلت وهذه الآية تدل على إبطال مذهب الروافض بوجهين، أحدهما أن قوله تعالى :﴿ أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ﴾ يستأصل بنيان التقية التي عليها بناء مذهبهم فإن عليا رضي الله عنه تابع الخلفاء الثلاثة وصلى معهم وجاهد معهم إلى ثلاثة وعشرين سنة وأنكح ابنته عمر رضي الله عنه فإن كان ذلك بالتقية خوفا من الناس لا يكون علي داخلا في حكم هذه الآية ولا مجال بهذه القول الباطل إلا للروافض خذلهم الله والله أعلم، وثانيهما أن قوله تعالى :﴿ فإن حزب الله هم الغالبون ﴾ يدل على أن الفرقة الناجية ليست إلا أهل السنة والجماعة دون الروافض وغيرهم من أهل الأهواء لبداهة غلبة أهل السنة في القرون والأمصار بل الروافض يعترفون بذلك حيث قالوا إن عليا كان مع الخلفاء الثلاثة مقهورا مغلوبا والأئمة بعده لم يظهروا دينهم خوفا وعلموا أصحابهم دينهم خفية ويأمرونهم بالإخفاء ويقولون للجدر آذان كذا رووا عن الباقر والصادق في كتبهم، وقالوا صاحب الأمر اختفى في سرد دابة سر من رأي نحوا من ألف سنة والله أعلم،
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
روى ابن جرير عن ابن عباس قال : كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهر الإسلام نفاقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم ﴾ إلى قوله تكتمون ﴿ هزوا ولعبا ﴾ مهزوا به وملعوبا حيث يظهرون الإيمان ويضمرون الكفر رتب النهي عن موالاتهم على استهزائهم إيماء على علته النهي من باب ترتب الحكم على العلة وتنبيها على أن هذا الوصف يوجب المعادات فكيف يجوز موالاتهم ﴿ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ﴾ يعني اليهود ﴿ والكفار ﴾ يعني المشركين يؤيده قراءة ابن مسعود ومن الذين أشركوا، قرأ أبو عمرو والكسائي بالجر عطفا على الموصول الثاني، والباقون بالنصب عطفا على الموصول الأول، عبر المشركين بالكفار لتضاعف كفرهم، وجاز أن يكون المراد بالكفار أعم من أهل الكتاب وأهل الشرك فهو تعميم بعد تخصيص على قراءة النصب تنبيها على أن الاستهزاء والكفر كل واحد منهما يقتضي المعاداة ويمنع الموالا ة ﴿ أولياء واتقوا الله ﴾ بترك المناهي ﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾ شرط استغنى عن الجزاء بما سبق يعني أن الإيمان بالله وبوعده ووعيده يوجب التقوى عن المناهي المقتضية للوعيد،
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
قال، الكلبي : كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى للصلاة وقام المسلمون إليها قالت اليهود قد قاموا لا قاموا وصلوا لا صلوا على طريق الاستهزاء وضحكوا فأنزل الله عز وجل ﴿ وإذا ناديتم ﴾ عطف على اتخذوا دينكم يعني لا تتخذوا الذين إذا ناديتم ﴿ إلى الصلاة اتخذوها ﴾يعني الصلاة أو المناداة ﴿ هزوا ولعبا ﴾أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن نصرانيا بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول أشهد أن محمدا رسول الله، قال : أحرق الله الكاذب فدخل خادمه ذات ليلة بنار وهو وأهله ينام فتطايرت منها شرارة فاحترق هو وأهله، قيل : إن الكفار لما سمعوا الأذان حسدوا المسلمين فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا : يا محمد لقد أبدعت شيئا لم يسمع به فيما مضى من الأمم فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت الأنبياء قبلك ولو كان فيه خيرا لكان أولى الناس به الأنبياء فمن أين ذلك صياح كصياح العنز فما أقبح من صوت وما استهجن من أمر فأنزل الله تعالى ﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا ﴾وأنزل الله هذه الآية ﴿ ذلك ﴾ الاستهزاء بالحق﴿ بأنهم قوم لا يعقلون ﴾فإن مقتضى العقل ترك الاستهزاء والتأمل في حسن الشيء وقبحه، وفي هذه الآية دليل على أن الكافرين مع كونهم عاقلين في أمور الدنيا كما يشهده البداهة لا يعقلون شيئا من أمور الدين، وبهذا يظهر أن صرف الحواس والعقل والنظر في المقدمات ليست علة موجبة لحصول العلم بالمطالب كما يزعمه الفلاسفة بل هو أمر عادي يخلق الله العلم بعد النظر إن شاء والله أعلم.
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
روى ابن جرير عن ابن عباس قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافع وعاري بن عمرو فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، قال : أؤمن بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون، فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته، وقالوا لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن به، وفي رواية قالوا والله ما نعلم أهل الكتاب أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ولا دينا شرا من دينكم فأنزل الله تعالى﴿ قل يأهل الكتاب هل تنقمون ﴾ قرأ الكسائي بإدغام لام هل وبل في التاء كما في هذه الآية وقوله تعالى﴿ هل تعلم ﴾ والثاء والسين والزاء والطاء والضاد والنون نحو هل ثوب وبل سولت وبل زين، وبل طبع وبل ظننتم وبل ضلوا وهل ندلكم وهل ننبئكم وهل نحن وشبهه، وأدغم حمزة في التاء والثاء والسين فقط، واختلف عن خلاد عند الطاء في قوله بل طبع وأدغم أبو عمرو هل ترى من فطور فهل ترى الملك والحاقة لا غير وأظهر الباقون عند اليمانية والاستفهام للإنكار بمعنى النفي والنقمة العيب المنكر المكروه والأسقام مكافأته، ومعنى ما تنقمون ما تنكرن وتكرهون وتعيبون﴿ منا ﴾ أي من أعمالنا وصفاتنا شيئا ﴿ إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ﴾يعني إلا إيمانا بالله وبكل ما أنزل الله من الكتب وذلك هو الحسن البين حسنه﴿ وإن أكثركم فاسقون ﴾الواو للحال من الفاعل هل تنقمون يعني لا تكرهون إلا إيماننا والحال أن أكثركم فاسقون أي كافرون فمالكم لا تعلمون أنكم على أقبح الصفات من إنكار الكتب السماوية، ونحن على أحسنها ومع ذلك تكرهون الحسن ولا تكرهون القبيح، أو هي للعطف على أن آمنا وكان المستثني لازم الأمرين وهو المخالفة، يعني لا تنكرون منا إلا مخالفتكم حيث دخلنا في الإيمان وأنتم خارجون عنه أو كان تقديره واعتقاد أن أكثركم فاسقون فحذف المضاف، أو على علة أمنا بتقدير فعل منصوب، يعني إلا أن أمنا واعتقدنا أن أكثرهم فاسقون أو هو معطوف على علة محذوفة والتقدير هل تنقمون منا إلا أن آمنا لعدم اتصافكم ولأن أكثركم فاسقون، فهو منصوب بنزع اللام الخافض أو منصوب بإضمار فعل دل عليه هل تنقمون أي ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون أو هي بمعنى مع يعني هل تنقمون إلا أن آمنا مع أن أكثركم فاسقون، قيل : لا يتم هذا على ظاهر كلام النحاة حيث يشترطون في المفعول معه المصاحبة في معمولية الفعل ويتم على مذهب الأحفش حيث اكتفى في المفعول معه المقارنة في الوجود مطلقا. قلنا : الاشتراط في المفعول معه لا يوجب أن يشترط في كل واو بمعنى مع فليكن الواو بمعنى مع العطف ولا يكون مفعولا معه عند النحاة لانتفاء شرطه ويكون عند الأخفش وجاز أن يكون مجرورا معطوفا على ما يعني ما تنقمون منا إلا الإيمان بالله وبما أنزل وبأن أكثركم فاسقون، وجاز أن يكون مرفوعا على الابتداء والخبر محذوف تقديره ومعلوم عندكم إن أكثركم فاسقون، لكن حب الرياسة والمال يمنعكم عن الإنصاف، وجاز أن يكون تقدير الكلام وما تنقمون منا شيئا لشيء لأن أمنا ولأن أكثركم فاسقون يعني علة إنكار شيء تنكرونه منا ليس إلا المخالفة في الدين،
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ قل ﴾ يا محمد لمعشر اليهود ﴿ هل أنبئكم ﴾أخبركم ﴿ بشر من ذلك ﴾المتقوم المكروه عندكم ﴿ مثوبة ﴾جزاء وهي مختصة بالخير كالعقوبة بالشر وضعت هاهنا موضع العقوبة استهزاء بهم كقوله تعالى﴿ فبشرهم بعذاب أليم ﴾ المثوبة منصوب على التميز عن بشر، قال : البغوي لما كان قول اليهود لم نر أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة ولا دينا شرا من دينكم فذكر الجواب بلفظ الابتداء وإن لم يكن الابتداء شرا كما في قوله تعالى ﴿ أفأنبئكم بشر من ذلكم النار ﴾ ﴿ عند الله ﴾ متعلق بشر ﴿ من لعنه الله ﴾ بدل من شر على حذف المضاف هاهنا أو فيما قبل تقديره بشر من ذلك أيضا تقديره هو دين من لعنه الله ﴿ وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير ﴾ فالقردة أصحاب السبت والخنازير كفار مائدة عيسى عليه السلام، وروى عن علي أبي طلحة عن ابن عباس : أن المسخين كلاهما في أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير﴿ وعبد الطاغوت ﴾قرأ حمزة عبد بضم الباء والطاغوت بكسر التاء علي الإضافة عطفا على القردة وعبد بضم الباء، قيل : مفرد كعبد بسكون الباء وهما لغتان كسبع وسبع، وقيل : هو اسم موضوع للمبالغة كحذر وفطن للبليغ في الحذر والفطانة، وقيل : هو جمع عبد ذكره في القاموس من صيغ الجمع كندس، وقيل : أصله عبدة فحذف التاء للإضافة تحرزا عن اجتماع الزيادتين من التاء والإضافة مثل أخلفوك، عد الأمر الذي وعدوا أي عدة الأمر، وقرأ الباقون بفتح الباء على الماضي، ونصب الطاغوت عطفا على صلة من والمراد بالطاغوت إما العجل أستعير له من الشيطان بجامع المعبودية الباطلة، أو المراد الشيطان فإن عبادتهم العجل كان بتزيين الشيطان، وقيل : المراد به الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله ﴿ أولئك ﴾ملعونون﴿ شر مكانا ﴾ من كل شرير جعل مكانهم شرا ليكون أبلغ في الدلالة على شرارتهم ﴿ وأضل عن سواء السبيل ﴾ من كل ضال عن السبيل السوي
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
ونزلت في المنافقين قوله تعالى ﴿ وإذا جاءوكم ﴾يعني المنافقين ﴿ قالوا آمنا ﴾بك وهم يسرون الكفر ﴿ وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ﴾الجملتان حالان فاعل قالوا، وبالكفر وبه حالان من فاعلي دخلوا أو خرجوا، يعني قالوا آمنا بك، والحال أنهم كاذبون في هذا القول وقد دخلوا عندك متلبسين بالكفر وخرجوا لذلك لم يؤثر فيهم ما سمعوا منا ﴿ والله أعلم بما كانوا يكتمون ﴾فيه وعيد لهم بالفضيحة في الدنيا والعذاب في الآخرة
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ وترى كثيرا منهم ﴾ يعني من اليهود أو من المنافقين ﴿ يسارعون في الإثم والعدوان ﴾قيل : الإثم المعاصي والعدوان الظلم وقيل : الإثم ما كتموا من التوراة والعدوان ما زادوا فيها﴿ وأكلهم السحت ﴾ الحرام خصه بالذكر للمبالغة في الذم فإن أكلهم الرشى منعهم عن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعثهم على تحريف التوراة والكذب على الله وصد غيرهم عن الإيمان، ﴿ لبئس ما كانوا يعملون ﴾أي لبئس شيئا بما يعملونه وصفهم بسوء الأعمال بعد وصفهم بسوء الاعتقاد ليستدل بها على نفاقهم
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ﴾يعني العلماء قيل الربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود وتخصيص لعلمائهم عن النهي ﴿ عن قولهم الإثم ﴾يعني الكذب ﴿ وأكلهم السحت ﴾ الحرام وفيه كمال توبيخ عليهم حيث كان منصبهم النهي عن المنكر وهم يأمرون به ويفعلونه ﴿ لبئس ما كانوا يصنعون ﴾ هذا أبلغ مما سبق فإن الصنع عمل الإنسان بعد تدرب فيه وتعود وتحري إجادة ولذلك ذم به خواصهم، ذكر في المدارك أنه روى ابن عباس هي أشد آية في القرآن حيث أنزل تارك النهي عن المنكر منزلة مرتكب المنكر في الوعيد بل أبلغ منه، قال : البيضاوي : ترك الحسنة أقبح من الوقوع في المعصية لأن النفس يلتذ بها وتميل إليها ولا كذلك في ترك الإنكار عليها فكان جديرا بأبلغ الذم
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ وقالت اليهود يد الله مغلولة ﴾قال بن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة : إن الله تعالى قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا وأخصبهم ناحية فلما عصوا الله في محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوه كف الله عنهم ما بسط عليهم من السعة فعند ذلك نسبوه إلى البخل، وقال : فخاص بن عازوراء رأس يهود قينقاع يد الله مغلولة أي محبوسة مقبوضة عن الرزق كذا أخرج أبو الشيخ ابن حبان في تفسيره عن ابن عباس، وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس أن ربك بخيل ولا ينفق فأنزل الله هذه الآية، قيل : إنما أقال هذه المقالة فخاص أو النباش ولكن لما لم ينهه الآخرون ورضوا بقوله أشركهم الله في نسبة القول إليهم، وغل اليد وبسطها مجازا عن البخل والجود ومنه قوله تعالى :﴿ ولا تجعل يد مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ﴾﴿ غلت أيديهم ﴾ دعاء عليهم بالبخل أو بالفقر أو بالمسكنة أو بغل الأيدي حقيقة بالأسر في الدنيا أو بالأغلال في أعناقهم والسلاسل في نار جهنم ﴿ ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ﴾يد الله صفة من صفاته تعالى كالسمع والبصر والوجه لا يدري كنهها إلا الله تعالى ولا تذهب نفسك إلى الجارحة وتكيفها ويجب على العباد الإيمان بها والتسليم، قال : أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات أمروا كما جاءت بلا كيف، عن عمرو بن عنبسة، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( عن يمين الرحمان وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين يغبطهم النبيون والشهداء بمقعدهم وقربهم من الله ) قيل : يا رسول الله ومن هم ؟قال :( جماع من نزاع القبائل يجتمعون على ذكر الله فيبتغون أطيب الكلام كما ينبغي أكل أطايبه ) رواه الطبراني بسند جيد، والمتأخرون يؤولونه بما يليق به تعالى من القدرة ونحوها قالوا بسط اليدين كناية عن الجود وثنى اليد مبالغة في الرد ونفي البخل عنه وإثباتا لغاية الجود فإن غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطيه بيديه وتنبيها على منح الدنيا والآخرة وعلى ما يعطى للاستدراج وما يعطى للإكرام ﴿ ينفق كيف يشاء ﴾يوسع تارة ويضيق أخرى على مقتضى حكمته والجملة تأكيد للجود ودفع لتوهم البخل عند التضيق ﴿ وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ﴾ كما أن الغذاء الصالح يزيد للصحيح قوة للمريض مرضا وضعفا كذلك القرآن لفساد بواطنهم يزيد هو طغيانا وكفرا، قيل : معناه، أنه كلما نزلت آية كفروا بها فازدادوا طغيانا وكفرا، وقيل : إنهم عند نزول القرآن يحسدون ويتمادون في الجحود فأسند الفعل إلى السبب البعيد مجازا ﴿ وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ﴾يعني بين اليهود والنصارى قاله الحسن ومجاهد، وقيل : بين طوائف اليهود وجعلهم الله مختلفين في دينهم فلا يتوافق قلوبهم ولا يتطابق أقوالهم ﴿ كلما أوقدوا نار للحرب ﴾ظرف مستقر صفة لنار أو لغو متعلق بأوقدوا ﴿ أطفأها الله ﴾، قال : الحسن معناه كلما أردوا حرب الرسول صلى الله عليه وسلم وإثارة شر عليه أوقع بينهم منازعة كف بها عنه شرهم فردهم وقهرهم ونصر نبيه ودينه، وقال قتادة : هذا عام في كل حرب طلبته اليهود وذلك أنهم أفسدوا وخالفوا حكم التوراة فبعث الله عليهم ضطنوس الرومي ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المجوس، ثم أفسدوا فبعث الله المسلمين فلا تلقى اليهود في بلد إلا وجدتهم أذل الناس﴿ ويسعون في الأرض فساد ﴾أي للفساد أو مفسدين وهو اجتهادهم في إثارة الحروب والفتن، وجاز أن يكون يسعون بمعنى يطلبون وفسادا منصوبا على المفعولية يعني يطلبون الفساد والكفر ويجتهدون في محو دين الإسلام وذكر النبي صلى الله عليه وسلم من كتبهم ﴿ والله لا يحب المفسدين ﴾فلا يجازيهم الأشرار
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ ولو أن أهل الكتاب آمنوا ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن ﴿ واتقوا ﴾ الكفر والمعاصي ﴿ واتقوا عنهم سيئاتهم ﴾التي فعلوها قبل ذلك وإن جلت عن عمرو بن العاص قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت :( ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي فقال : مالك يا عمرو ؟ قلت أردت أن أشترط، قال : تشترط ماذا ؟قلت : أن يغفر لي، قال : أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ) رواه مسلم ﴿ ولأدخلناهم جنات النعيم ﴾ فإن دخول الجنة مشروط بالإيمان، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم أنه قال : إن بيني وبين قريظة والنضير حلف وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا، وقال : عبادة بن الصامت إني أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسول والمؤمنين فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله ﴿ فترى الذين في قلوبهم مرض ﴾الآية، وقوله﴿ إنما وليكم الله ﴾ الآية وقوله﴿ ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ﴾وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قنيقاع نشب يأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله ومن حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم عبد الله بن أبي فتبرأ من حلفائه الكفار وولايتهم، قال : ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت.
﴿ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ﴾يعني أقاموا حدودها وأحكامها وعملوا بما فيها ولم يحرفوها ولم يكتموها، ومن جملة إقامتها أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبينوا ما وصفه الله تعالى في التوراة ﴿ وما أنزل إليهم من ربهم ﴾يعني القرآن والزبور وسائر الكتب السماوية فإنهم مكلفون بالإيمان بجميع الكتب فهي كالمنزلة إليهم﴿ لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾قال الفراء : أراد به كمال التوسعة في الرزق كما يقال فلان في الخير من القرن إلى القدم، وقال ابن عباس لأنزلت عليهم المطر من فوقهم وأخرجت نبات الأرض من تحتهم نظيره قوله تعالى ﴿ ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ﴾ والحاصل أن ما كف الله عنهم من الرزق بشؤم كفرهم ومعاصيهم لا لبخل به تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ﴿ منهم أمة مقتصدة ﴾عادلة غير غالية ولا مقتصرة وهم عبد الله بن سلام وأشباهه مؤمنوا أهل الكتاب ﴿ وكثير منهم ساء ما يعلمون ﴾ أي ساء ما يعملونه أو ساء شيئا عملهم وهي المعاندة وتحريف كتاب الله عز وجل والإعراض عنه والإفراط في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم،
أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال :( إن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني ) فنزلت :
﴿ يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ يعني كل شيء أنزل إليك لا يفوت منه شيء غير منتظر مضرتك ولا خائف من أحد مكروها، روى عن مسروق قال : قالت عائشة : من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله فقد كذب وهو يقول﴿ يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ﴾ وقيل : بلغ ما أنزل من الرجم والقصاص نزلت في قصة يهود، وقيل : نزلت في أمر زينب بنت جحش ونكاحها، وقيل : نزلت في الجهاد وذلك أن المنافقين كرهوه كما قال : الله تعالى﴿ فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ﴾و كرهه بعض المؤمنين قال : الله تعالى﴿ ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ﴾الآية وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يمسك من الحث على الجهاد لما علم من كراهية بعضهم فأنزل الله هذه الآية، وأخرج ابن أبي حاتم عن المجاهد، قال : لما نزلت ( يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك )قال : يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون على فنزلت ﴿ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ﴾الآية قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب رسالاته على الجمع والباقون رسالته على التوحيد يعني إن لم تفعل تبليغ كل شيء وتركت بعضه فكأنما ما بلغت شيئا من رسالاته لأن كتمان بعضها يضيع ما أدى منها كترك بعض أركان الصلاة، وذلك لأن ترك تبليغ البعض يستلزم كفر الناس بذلك البعض وإنكارهم كونه من الله تعالى والإيمان ببعض الكتاب مع الكفر بالبعض لا يعد إيمانا كقول اليهود نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض أو لأن كتمان البعض يستجلب العقاب مثل كتمان الكل نظيره قوله تعالى﴿ فكأنما قتل الناس جميعا ﴾﴿ والله يعصمك من الناس ﴾فلا تخفهم في التبليغ وإن كنت وحدك ولا يستطيعون قتلك فلا يرد أن يقال أنه صلى الله عليه وسلم قد شجر رأسه وكسرت رباعيته وأوذي بضروب من الأذى، وقيل : نزلت هذه الآية بعدما شج رأسه، لأن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا، وأخرج الترمذي والحاكم عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية والله يعصمك من الناس فأخرج رأسه من القبة فقال :( يأيها الناس انصرفوا فقد عصمنا الله في هذا ) الحديث أنها ليلية فراشية، وروى البخاري عن عائشة تقول :( كان النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم المدينة، قال : ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة إذ سمعنا صوت سلاح فقال : من هذا ؟قال : أنا سعيد بن أبي وقاص جئت لأحرسك ونام النبي صلى الله عليه وسلم ) وأخرج الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال : كان العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه فلما نزلت ﴿ والله يعصمك من الناس ﴾ترك الحرس، وأخرج أيضا عن عصمة بن مالك الحطمي قال : كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت﴿ و الله يعصمك من الناس ﴾فترك الحرس، وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة، قال : كنا إذا أصحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا أعظم شجر وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال : يا محمد من يمنعك مني ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الله يمنعني منك ضع السيف ) فوضعه فنزلت ﴿ و الله يعصمك من الناس ﴾ قال : البغوي : وروى محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة نحوه وفيه فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده وجعل يضرب برأسه الشجرة حتى انتشر دماغه فأنزل الله عز وجل هذه الآية،
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله، قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار نزل ذات الرقيع بأعلى نخل فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلي رجليه فقال : الوارث من بني النجار لأقتلن محمدا فقال : له أصحابه كيف تقتله ؟ قال : أقول له أعطني سيفك فإذا أعطنيه قتلته، فأتاه فقال : يا محمد أعطني سيفك أشمه فأعطاه إياه فرعدت يده، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم حال بيني وبينك ما تريد فأنزل الله ﴿ يأيها الرسول بلغ ﴾الآية، وروى البخاري نحو هذه القصة وليس فيها ذكر نزول الآية ومن غريب ما ورد في سبب نزولها ما أخرجه ابن مردويه والطبراني عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس وكان يرسل معه أبو طالب كل يوم رجلا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت هذه الآية فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه فقال : يا عم إن الله عصمني من الجن والإنس، وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله نحوه وهذا يقتضي أن الآية مكية والظاهر خلافه﴿ إن الله لا يهدي القوم الكافرين ﴾أي لا يمكنهم ما يريدون من قتلك ومحو دين الإسلام، قال البغوي : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام فقالوا : أسلمنا قبلك وجعلوا *** يستهزءون به فيقولون تريد أن نتخذك كما اتخذ النصارى عيسى حنانا فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سكت فنزلت ﴿ يأيها الرسول بلغ ﴾ الآية
وأمره أن يقول ﴿ يأهل الكتاب لستم على شيء ﴾الآية وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : جاء رافع وسلام بن مشكم ومالك بن الضيف فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنكم على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عنده، قال : بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم بما فيها وكتمتم ما أمرتم أن تبينوه للناس، قالوا فإنا نأخذ بما في أيدينا فإنا على الهدى والحق فأنزل الله تعالى﴿ قل يا أهل الكتاب لستم على شيء ﴾أي على دين معتد به عند الله، أو يقال إذا لم يكن دينهم معتدا به عند الله تعالى والدين كالصلاة له وجود اعتباري باعتبار الشرع لا وجود له سواه كان باطلا فصدق لستم على شيء من الدين﴿ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ﴾ومن إقامته الإيمان بما فيها من أصول الدين ومنها الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن والعمل بمقتضاها من بيان نعت محمد صلى الله عليه وسلم وفي فروع الإيمان الأعمال المأمورة في التوراة ما لم يثبت نسخها وبعد النسخ العمل بالناسخ مما أنزل الله وهذه الآية تدل على وجوب العمل بالشرائع المتقدمة﴿ وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك ﴾ يعني القرآن ﴿ طغيانا وكفرا ﴾ وقد مر شرحه﴿ فلا تأس ﴾ فلا تحزن ﴿ على القوم الكافرين ﴾ لزيادة طغيانهم ترجما عليهم ترحما عليهم ولا خوفا شرهم
﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ﴾ قد مر تفسير هذه الآية في سورة البقرة بقي الكلام في رفع الصابئين وكان حقه والصابئين ؟ فذهب الكوفيون إلى أنه يجوز للعطف على اسم أن بالرفع نظر إلى محله من غير اشتراط مضى الخبر فإن عندهم لا تعمل إلا في الاسم وعند الكسائي والمبرد يجوز ذلك إن كان اسم مبنيا لعدم ظهور عملها فيه فكأنها لم تعمل فلا إشكال على مذهب هؤلاء، وعند البصريين لا يجوز ذلك من غير مضى الخبر كيلا يجتمع العاملان في خبر إن، ومعنى الابتداء فاحتاجوا إلى تكلف، فقال : سيبويه هو مرفوع على الابتداء وخبره محذوف والنية فيه التأخير تقديره إن الذين آمنوا والذين هادوا﴿ والنصارى من أمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴾ والصائبون كذلك وهذه الجملة إنما قدمت من مقامها لتدل على أن الصائبين مع ظهور ضلالتهم ميلهم عن الأديان كلها يغفر لهم ويثاب عليهم إن صح إيمانهم وعملوا صالحا فغيرهم أولى بذلك وجاز أن يكون والنصارى أيضا مرفوعا على الصابئون وما بعده خبرهما وخبر إن مقدرة دل عليه ما بعده كقول الشاعر نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف، وجاز أن يكون الصابئون معطوف على الموصول مع الصلة بحذف الموصول وصدر الصلة تقديره والذين هم الصابئون، وقيل : إن بمعنى وما بعدها في موضع الرفع على الابتداء، وقيل : الصابئون منصوب بالفتحة وذلك كما جوز بالياء جوز بالواو
﴿ لقد أخدنا ميثاق بني إسرائيل ﴾في التوراة بالتوحيد والعمل بما فيها والإيمان بالأنبياء كلهم وبمحمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وأرسلنا إليهم رسلا ﴾ليذكروهم وليبينوا لهم أمر دينهم﴿ كلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسهم ﴾ في هذا الكلام دلالة على أنهم خالفوا التوراة ونقضوا المواثيق فكلما جاءهم رسول بما في التوراة مخالفا لهواهم ﴿ فريقا ﴾ منهم﴿ كذبوا ﴾ولم يقتلوه﴿ وفريقا يقتلون ﴾ بعد تكذيبهم هذا جواب الشرط والجملة الشرطية صفة رسلا والعائدة محذوف أي كلما جاءكم رسول منهم، وقيل : الجواب محذوف والشرطية مستأنفة وإنما جيء بيقتلون، موضع قتلوا على حكاية الحال الماضية استحضارا لها واستعظاما للقتل، وتنبيها على أن هذا ديدنهم ماضيا ومستقبلا ومحافظة على رؤس الآي أو المراد أنهم يريدون قتل محمد صلى الله عليه وسلم يحاربونه ويجعلون في طعامه سما ويسحرونه
﴿ وحسبوا ﴾ يعني بني إسرائيل ﴿ أن لا تكون ﴾ قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالرفع على أن هي المخففة من الثقيلة والحسبان نزل منزلة العلم لتمكنه في قلوبهم تقديره أنه لا تكون وإن بما في حيزها ساد مسد مفعولية، والباقون بالنصب على أنه مصدرية وكان تامة فاعله﴿ فتنة ﴾ أي لا تصيبهم عذاب وبلاء بقتل الأنبياء وتكذيبهم ﴿ فعموا ﴾عن الدين والدلائل ﴿ وصموا ﴾عن استماع الحق لأجل حسبانهم الباطل بعد موسى عليه السلام﴿ ثم تاب الله عليهم ﴾حين تابوا وأمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ﴿ كثير منهم ﴾ بدل من الضمير أو فاعل والواو علامة الجمع كقولهم أكلوني البراغيث، أو خبر مبتدأ محذوف أي أولئك كثير منهم﴿ والله بصير بما يعلمون ﴾فيجازيهم على حسب أعمالهم
﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ﴾يعني الملكائية واليعقوبية منهم زعموا بالحلول والإتحاد ﴿ وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ﴾يعني مربوب مثلكم ولا يمكن اتحاد الرب مع المربوب وحلوله فيه﴿ إنه من يشرك بالله ﴾أي بمرتبة التنزيه الصرف غيره في استحقاق العبادة أو في وجوب الوجود أو فيما يختص به من الصفات والأفعال ﴿ فقد حرم الله عليه الجنة ﴾التي أعدت للموحدين المتقين يعني جعل دخولها عليه ممتنعا بالغير ﴿ ومأواه النار ﴾ التي أعدت للمشركين﴿ وما للظالمين من أنصار ﴾وضع الظاهر موضع الضمير تنبيها على أنهم ظلموا أنفسهم ومن زائدة يعني مالهم ناصر وذكر الأنصار موضع ناصر مبني على زعمهم أن لهم أنصارا كثيرة تهكما بهم، وقيل : فيه إشارة إلى أنه لا بد لهم جمع كثير ينصرهم وليس لهم ذلك، وقوله ﴿ إنه من يشرك بالله ﴾إلى آخره يحتمل أن يكون من كلام الله تعالى وأن يكون من تمام كلام عيسى عليه السلام أخبره الله تعالى بذلك حكاية عنه تنبيها على أنهم قالوا ما قالوا تعظيما لعيسى عليه السلام وتقربا إليه في زعمهم وهو يخاصمهم فيه، ويعاديهم بذلك فما ظنك لغيره
﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ﴾أي ثالث آلهة ثلاثة يعني المرقوسية والنصطورية القائلون بالأقانيم الثلاثة، قيل : المراد بالثلاثة الله يعني مرتبة الذات وعيسى وهو عبارة عن صفة العلم على زعمهم وجبرائيل وهو عبارة عن صفة الحياة على زعمهم، وقيل : الثلاثة هو الله وعيسى ومريم كما يدل عليه قوله تعالى للمسيح :﴿ أأنت قلت للناس اتخذوا وأمي إلهين من دون الله ﴾ ﴿ وما من إله ﴾ من مزيدة للاستغراق وإله في محل الرفع على أنه اسم ما وخبره محذوف أي ما إله في الوجود أي ما في الوجود والإمكان العام إله واجب وجوده مستحق للعبادة من حيث وجوب وجوده وكونه مبدأ لوجود كل موجود يغايره ﴿ إلا إله واحد ﴾موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة لا في ذاته وماهيته ولا في شيء من صفاته ﴿ وإن لم ينتهوا عما يقولون ﴾من كلمات الشرك ولم يوحدوا ﴿ ليمسن الذين كفروا منهم ﴾ من للبيان أو للتبعيض بناء على أن الذين داموا على الكفر بعض منهم، ووضع المظهر موضع المضمر تكريرا للشهادة على كفرهم وتنبيها على أن من دام على الكفر حتى مات فله ﴿ عذاب أليم ﴾ ولذلك عقبه بقوله﴿ أفلا يتوبون إلى الله ﴾
﴿ أفلا يتوبون إلى الله ﴾من الشرك ﴿ ويستغفرونه ﴾عما صدر منهم موحدين منزهين عن الاتحاد والحلول بعد هذا التقرير والتهديد﴿ والله غفور رحيم ﴾ يغفر لهم ويرحمهم إن تابوا وفي هذا الاستفهام تعجيب من إصرارهم
﴿ ما المسيح ابن مريم إلا رسول ﴾ يعني هو منحصر في صفة الرسالة له صفة الألوهية كما زعمته النصارى خذلهم الله، فالحصر إضافي بالنسبة إلى ما يصفه به النصارى ﴿ قد خلت ﴾أي مضت ﴿ من قبله الرسل ﴾وهو يمضي أيضا، الجملة صفة لرسول يعني ما هو إلا رسول من جنس الذين خلوا من قبله ممكن حادث جائز العدم، خصه الله ببعض المعجزات كإبراء الأبرص والأكمة وإحياء الموتى، كما خص غيره بغير ذلك فإن الله أحيى على يد موسى عصاه وجعلها حية تسعى وذلكم أعجب من إحياء الموتى وإن خلقه من غير أب فقد خلق آدم من غير أب وأم ﴿ وأمه صديقة ﴾ يعني كانت امرأة كسائر النساء فضلت على أكثرهن بكثرة الصدق وتصديق آيات الله وأنبيائه كما ينبغي ﴿ كانا يأكلان الطعام ﴾ويفتقران إليه كسائر الحيوانات، بين أولا أقصى مالهما من الكمال وبين أنه لا يوجب الألوهية وإن كثيرا من الناس يشاركهما في مثله بين نقصهما وما فيهما من أمارة الحدوث ومنافي الربوبية، وكونهما من جملة المركبات الكائنة الفاسدة ثم تعجب ممن يدعي الربوبية لهما مع هذه الأدلة الظاهرة فقال ﴿ انظر كيف نبين لهم الآيات ﴾ الدالة على بطلان قولهم ﴿ ثم انظر أني يؤفكون ﴾ كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله وثم لتفاوت ما بين العجبين يعني بياننا عجيب وإعراضهم عنها أعجب منه فإنهم مع بداهة كونه من الحوادث اليومية الممكنة المفتقرة إلى علة الإيجاد والإبقاء لا يحكمون عليه بالإمكان والحدوث ومع بون بعيد بين الرب والمربوب لما نظروا إلى بعض صفاته الكاملة المستعارة من الله سبحانه حكموا عليه بالألوهية
﴿ قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ﴾ يعني عيسى عليه السلام، فإن أفعاله مخلوقه لله تعالى كسائر العباد فلا يملك في الحقيقة شيئا وإن ملك بعض الأشياء بتمليك الله تعالى وصدر على يده بخلق الله تعالى وهو لا يملك مثلا ما يضر الله به من البلايا والمصائب في الدنيا والتعذيب بالنار في الآخرة ولا مثل ما ينفع الله به من الصحة والسعة في الدنيا والجنة في الآخرة، وعبر بكلمة ما وهو بغير ذوي العقول توطية لنفي القدرة عنه رأسا وتنبيها على أنه من هذا الجنس، ومن كان له مجانسة بالممكنات فهو بمعزل عن الألوهية وقدم الضرر لأن دفع الضر أهم من جلب النفع ﴿ والله هو السميع العليم ﴾ بالأقوال والعقائد فيجازي على حسبها وضمير الفصل للحصر يدل على أن عيسى ليس له حد ذاته سمعا ولا بصرا ولا علما ولا غير ذلك من صفات الكمال بل هي مستعارة من الله تعالى
﴿ يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ﴾ الغلو التجاوز عن الحد بالإفراط والتفريط فإن من جملة الدين الصحيح عند الله الإيمان بأن عيسى عبد الله ورسوله، فاليهود فرطوا في دينهم وأنكروا رسالته وبهتوا أمه والنصارى أفرطوا فيه وادعوا له الألوهية، وقيل : الخطاب للنصارى فقط﴿ غير الحق ﴾ منصوب على المصدرية، أي : غلوا باطلا غير الحق وفيه تأكيد وإلا فالغلو لا يكون إلا باطلا، وجاز أن يكون حالا من دينكم يعني لا تغلوا في دينكم حال كونه غير الحق والغلو في الدين الباطل الإصرار عليه دولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل } يعني أسلافهم الذين ضلوا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم في شريعتهم ﴿ وأضلوا كثيرا ﴾ ممن تابعهم على البدع والضلال ﴿ وضلوا ﴾ بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لما كذبوه وبغوا عليه ﴿ عن سواء السبيل ﴾ يعني عن دين الإسلام الذي هو ظاهر الحقبة، وقيل : الضلال الأول كفرهم والضلال الثاني إضلالهم غيرهم، وقيل : الأول إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى العقل، والثاني إشارة إلى ضلالهم عما نطق به الشرع
﴿ لعن الذين كفروا من بني إسرائيل ﴾يعني اليهود﴿ على لسان داود ﴾ يعني في الزبور أو المراد بهم أهل أيلة لما اعتدوا في السبت، قال : داود عليه السلام : اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة على لسانه﴿ وعيسى ابن مريم ﴾في الإنجيل أو المراد بهم كفار أصحاب مائدة لما لم يؤمنوا، قال : عيسى عليه السلام اللهم العنهم واجعلهم آية فمسحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل ﴿ ذلك ﴾ اللعن ﴿ بما عصوا وكانوا يعتدون ﴾ أي بسبب عصيانهم واعتدائهم ثم فسر العصيان والاعتداء بقوله ﴿ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ﴾
﴿ كانوا لا يتناهون ﴾أي لا ينهى بعضهم بعضا﴿ عن منكر ﴾يعني عن معاودة منكر أو عن مثل منكر﴿ فعلوا ﴾ أو المعنى عن منكر أرادوا فعله، فإن جريمة ترك النهي عن المنكر يقتضي عذاب كلهم أجمعين. عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم بعقاب ) رواه الأربعة قال : الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان، ولفظ النسائي ( القوم إذا رأوا المنكر بل فلم يغيروه ) وفي لفظ لأبي داود :( ما من قوم يعمل فيهم المعاصي وهم يقدرون على أن يغيروا فلم يغيروا أوشك أن يعمهم الله العذاب ) وجاز أن يكون المعنى لا ينتهون عن منكر بل يصرون عليه من قولهم تناهي عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع منه﴿ لبئس ما كانوا يفعلون ﴾ تعجب من سوء فعلهم مؤكد بالقسم ذمهم، عن عبد الرحمان بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل العامل منهم الخطيئة نهاه الناهي تعذيرا فإن كانوا من الغد جالسه وأكله وشاربه كأنه لم يره على الخطيئة بالأمس، فلما رأى الله تبارك وتعالى ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض وجعل منهم القردة والخنازير ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرن على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم ) رواه البغوي : ورواه الترمذي وأبو داود من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا
﴿ ترى كثيرا منهم ﴾ يعني من اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه ﴿ يتولون ﴾ أي يوالون﴿ الذين كفروا ﴾ يعني مشركي مكة حين خرجوا إليهم يستجيشون على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال : ابن عباس ومجاهد والحسن في منهم ضمير للمنافقين فإنهم كانوا يتولون اليهود( لبئس } أي شيئا ﴿ ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ﴾أن مع صلته مخصوص بالذم والمراد بالسخط موجب سخط الله وعذابه المخلد أو المخصوص محذوف، وهذا علة الذم أي لبئس شيئا قدمت لهم أنفسهم ذلك لأن ذلك يوجب السخط والخلود في العذاب
﴿ ولو كانوا ﴾ هؤلاء اليهود أو المنافقين ﴿ يؤمنون بالله والنبي ﴾ يعني نبيهم وإن كانت الآية في المنافقين فالمراد به نبينا صلى الله عليه وسلم ﴿ وما أنزل إليه ﴾من التوراة والقرآن ﴿ ما اتخذوهم ﴾ يعني ما اتخذ اليهود كفار مكة على بغض النبي صلى الله عليه وسلم أو المنافقين اليهود﴿ الكافرين ﴾ إذ الإيمان بالأنبياء والكتب السماوية يمنع ذلك﴿ ولكن كثيرا منهم فاسقون ﴾ خارجون عن امتثال أمر الله سبحانه.
﴿ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود ﴾أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي، قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما خلا يهودي بمسلم إلا حدث نفسه بقتله )﴿ والذين أشركوا ﴾ يعني مشركي العرب لانهماكهم في اتباع الهوى وركونهم إلى التقليد وبعدهم عن التحقيق وتمرنهم على تكذيب الأنبياء ومعاداتهم ﴿ ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ﴾قال : البغوي : لا يريد جمع النصارى لأنهم في عداوة المسلمين كاليهود في قتل المسلمين وأسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم فلا كرامة لهم بل الآية فيمن أسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه، وأخرج النسائي وابن أبي حاتم والطبراني عن عبد الله بن الزبير قال : نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه إذا سمعوا الآية، وروى ابن أبي حاتم وغيره عن مجاهد قال : هم الوفد الذين جاؤا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة، وكذا أخرج عن عطاء إنما يراد به النجاشي وأصحابه، وقيل نزلت في جميع اليهود وجميع النصارى، لأن اليهود أقسى قلبا والنصارى ألين قلبا منهم وكانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود، قلت : عموم لفظ الآية يقتضي أن لا يراد بهم جماعة، معينة منهم، وإن كان سبب النزول قصة النجاشي كيف والجماعة المعينة من اليهود يعني الذي أسلموا منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وكعب الأحبار أيضا بهذه الصفة فلا وجه للتفرقة بين اليهود والنصارى، بل الظاهر أن المراد بالنصارى هاهنا الذين هم كانوا على الدين الحق دين عيسى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم منهم النجاشي دون القائلين بأن المسيح هو الله أو ثالث ثلاثة فإن تلك الفرق من النصارى مثل اليهود في كونهم على الباطل قاسية قلوبهم متبعين أهوائهم كأهل نجران، وأما من كان منهم على الدين الحق ووصية عيسى عالمين بالإنجيل منتظرين ظهور رسول يأتي من بعد عيسى اسمه أحمد صلى الله عليه وسلم مشتغلين بالعلم والعمل معرضين عن الدنيا كانت قلوبهم صافية لأجل إيمانهم بعيسى قبل مبعث سيد الرسل عليهم الصلاة والسلام يدل قوله تعالى ﴿ ذلك ﴾ القرب مودة للمؤمنين ﴿ بأن ﴾ أي بسبب أن ﴿ منهم ﴾أي من النصارى ﴿ قسيسين ﴾، قال : البغوي : القس والقسيس العالم بلغة الروم، وفي القاموس هو رئيس النصارى في العلم والقس مثلثة تتبع الشيء وطلبه، في الصحاح هو العالم العابد من رؤس النصارى وأصل القس تتبع وطلبه بالليل كأنهم سموا بذلك لأن العلماء والعباد يطلبون العلم ووحدة الوجهة إلى الله سبحانه في الظلمات الليالي ﴿ ورهبانا ﴾جمع راهب كالركبان جمع راكب وهم العباد وأصحاب الصوامع في القاموس رهب كعلم خاف والترهب التعبد ﴿ وأنهم لا يستكبرون ﴾عن قبول الحق إذا دعوا إليه ويتواضعون ولا يتكبرون كاليهود، قال قتادة نزلت هذه الآية في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى عليه السلام فلما بعث الله سبحانه محمدا صلى الله عليه وسلم صدقوه وآمنوا به فأثنى الله عز وجل عليهم بقوله ذلك بأن منهم قسيسين الآية، قلت : وهؤلاء القوم من النصارى الذين كانوا على الدين الحق قبل البعثة وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعدها هم المراد بأهل الكتاب في قوله ل صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد ) الحديث متفق عليه عن أبي موسى الأشعري والله أعلم قال أهل التفسير : ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذبونهم فافتن من افتتن وعصم الله منهم من شاء ومنع الله تعالى رسوله بعمه أبي طالب، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة قال :( إن بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا ) وأراد به النجاشي واسمه أصحمة وهو بالحبشة عطية وإنما النجاشي اسم الملك مثل قيصر وكسرى، فخرج إليها سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة وهم عثمان ابن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزبير بن العوام، وسهيل بن عمر، ومصعب بن عمير، وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أمية وعثمان بن مغظون، وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت حشمة، وحاطب بن عمر وسهيل ابن بيضاء رضي الله عنهما أجمعين، فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار في رجب من السنة الخامسة من البعثة، وهذه الهجرة الأولى ثم خرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون إليها وكان جميع المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان. فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص صاحبه بالهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليردهم إليهم فعصمهم الله، ذكرت القصة في التفسير سورة آل عمران في تفسير قوله تعالى :﴿ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوا وهذا النبي ﴾ الآية. فلما أقام المسلمين هناك بخير وحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلا أمره وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي على يدي عمرو بن أمية الضميري سنة ست من الهجرة ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وقد هاجرت مع زوجها فمات زوجها وليبعث من عنده من المسلمين فأرسل النجاشي إلى أم حبيبة جارية له يقال لها أبرهة تخير بخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطتها أوضاحا لها سرورا بذلك فأذنت خالد بن سعيد بن العاص حتى أنكحها على صداق أربعمائة دينار فأنقد إليها النجاشي أربعمائة دينار على أبرهة فلما جاءت بها أعطتها خمسين دينارا فردته، وقالت أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئا وقالت أنا صاحبة دهن الملك وثيابه وقد صدقت ومحمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به وحاجتي منك أن تقرائيه مني السلام، قالت نعم وقد أمر الملك نسائه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عليها وعندها فلا ينكر، وقالت أم حبيبة فخرجنا إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت عليه فكان يسألني عن النجاشي فقرأت عليه من أبرهة السلام فرد الرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى :( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم ) يعني أبا سفيان ( مودة ) يعني بتزويج أم حبيبة ولما جاء أبا سفيان تزوج أم حبيبة قال : ذلك الفحل لا يقرع أنفه.
وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه أرها بن أصحمة ابن الجرفي ستين رجلا من الحبشة وكتب إليه يا رسول الله أشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين، وقد بعثت إليك بابني أرها وأنت إن شئت أن آتيك بنفسي فعلت والسلام عليك يا رسول الله، فركبوا سفينة في آثر جعفر وأصحابه حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس إلى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السلام فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿ ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ﴾ يعني وفد النجاشي الذين قدموا مع جعفر وهم سبعون وكانوا أصحاب الصوامع، وقال : مقاتل والكلبي كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وقال : عطاء كانوا ثمانين رجلا أربعون من أهل نجران من بني الحارث واثنان وثلاثون من أهل الحبشة وثمانية من أهل الشام روميون.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والواحدي من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن بكر بن عبد الرحمان وعروة بن الزبير مرسلا قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري وكتب معه كتابا إلى النجاشي فقدم على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه وأرسل إلى الرهبان والقسيسين، ثم أمر جعفر ابن طالب فقرأ عليهم سورة مريم فآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع فهم الذين أنزل فيهم﴿ ولتجدن أقربهم مودة ﴾إلى قوله﴿ فاكتبنا مع الشاهدين ﴾
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبر قال : بعث النجاشي فلاس رجلا من خيار أصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه سورة يس فبكوا فيهم الآية، وأخرج النسائي عند عبد الله بن الزبير قال : نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه﴿ وإذا سمعوا ما أنزل إلى رسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ﴾ وروى الطبراني عن ابن عباس نحوه أبسط منه، قلت : ونزول الآية في النجاشي أو في الذين وفدهم لا يقتضي اختصاصهم بهذا الحكم فإن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد، قوله وإذا سمعوا عطف علي لا يستكبرون وهو بيان لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم ومسارعتهم إلى قبول الحق وعدم تابيهم عنه والفيض هو انصباب عن امتلاء، فوضع موضع الامتلاء للمبالغة أو جعلت أعينهم من فرط البكاء كأنها تفيض بأنفسها وتفيض في موضع النصب على الحال لأن الرؤية بمعنى الإبصار، وقيل : من الابتداء والظاهر أنها للتعليل أي من أجل الدمع ﴿ مما عرفوا ﴾ من للابتداء أو للتعليل أي من أجل المعرفة وما موصولة يعني من الذي عرفون كائنا ﴿ من الحق ﴾ من إما للبيان أو للتبعيض يعني أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم فكيف إذا عرفوه كله، قال : ابن عباس في رواية عطاء : به يريد بالسامعين النجاشي وأصحابه قرأ عليهم جعفر بالحبشة كهيعص فما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة ﴿ يقولون ﴾ حال من الضمير الفاعل في عرفوا﴿ ربنا أمنا ﴾بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه منك والمراد إنشاء الإيمان والدخول فيه وإنما قالوا ربنا ليكونوا مؤمنين فيما بينهم وبين الله لا كالمنافقين ﴿ فاكتبنا مع الشاهدين ﴾يعني مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون للرسل على سائر الأمم، قالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكر أمة في الإنجيل كذلك أو المعنى مع الشاهدين بنبوته وبأن القرآن حق من عند الله تعالى والشهادة ما يكون عن صميم القلب ولذلك قال الله تعالى في المنافقين :﴿ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ﴾ففيه تنزيه لأنفسهم عن النفاق
ثم أظهروا الحجة على أن إيمانهم إيمان الشهداء لا المنافقين بقولهم ﴿ وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا ﴾على لسان محمد﴿ من الحق ﴾يعني القرآن ﴿ ونطمع أن يدخلنا ربنا ﴾الجنة ﴿ مع القوم الصالحين ﴾أي مع مؤمني أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين قال : الله تعالى فيهم ﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ( ١٠٥ ) ﴾ قوله ما لنا مبتدأ وخبر ولا نؤمن حال أي غير مؤمنين كقولك مالك قائما ونطمع معطوف على نؤمن يعني مالنا لا نؤمن ولا نطمع أوعطف على نؤمن أي مالنا نجمع بين عدم الإيمان والطمع مالنا لا نؤمن ولا نطمع، أو عطف على نؤمن أي مالنا نجمع بين عدم الإيمان والطمع فإنهما متنافيان فإن الطمع مع عدم الإيمان باطل، أو خبر مبتدأ محذوف أي نحن والواو للحال وجملة ونحن نطمع حال من ضمير الفاعل في نؤمن وفيه إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع في إنعام الله تعالى، وقيل : جواب سؤال، ذكر البغوي : أن اليهود عيرهم وقالوا لم أمنتم فأجابوا، وقيل : إنهم لما رجعوا إلى قومهم لاموهم فأجابوا بذلك ويرد عليه أنه كيف جاء الجواب بالعاطف والجواب مبنية للفصل وغاية التوجيه أن يقال تقديره مالك لا تؤمن وما لنا لا نؤمن
﴿ فأثابهم الله ﴾أي جزاهم الله ﴿ بما قالوا ﴾ بعد خلوص الاعتقاد المدلول عليه بقوله ﴿ ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ﴾ وقيل : القول يستعمل في قول عن اعتقاد يقال هذا قول فلان أي معتقده﴿ جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك ﴾الجنات﴿ جزاء المحسنين ﴾الذين يعبدون الله تعالى بكمال الخشوع والحضور، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الإحسان أن تعبد ربك كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )
ثم ذكر جزاء الكافرين والمكذبين كما هو دأب المثاني والقرآن العظيم من الجمع بين الترغيب والترهيب، ولما كان فيما مضى ذكر التصديق بالقلب ومعرفة الحق مع الإقرار باللسان عقبه بما يضاده من جحود الحق والتكذيب فقال :﴿ والذين كفرو ﴾أي جحدوا الحق بقلوبهم﴿ وكذبوا بآياتنا ﴾ بألسنتهم ﴿ أولئك أصحاب الجحيم ﴾
روى الترمذي وغيره عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت علي اللحم فأنزل الله تعالى.
﴿ يأيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ﴾ أي ما طاب ولذا وتشتهيها الأنفس من الحلال، وفي ترتيب الآيات لطافة فإنه تضمن ما قبله مدح النصارى على ترهبهم والحث على كسر النفس ورفض الشهوات ثم عقبه النبي عن الإفراط في ذلك والاعتداء عما حد الله تعالى بجعل الحلال حرما، فقال :﴿ ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ﴾ ويجوز أن يراد به ولا تعتدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرم عليكم فتكون الآية ناهية عن تحريم ما أحل وتحليل ما حرم داعية إلى القصد بينهما، وجاز أن يكون المعنى ولا تسرفوا في تناول الطيبات، أخرج ابن جرير من طريق العوفي أن رجالا من الصحابة منهم عثمان بن مظعون حرموا النساء واللحم على أنفسهم وأخذوا الشفار ليقطعوا مذاكيرهم لكي ينقطع الشهوة عنهم ويتفرغوا للعبادة فنزلت هذه الآية، وأخرج ابن جرير نحو ذلك من مرسل عكرمة وأبي قلابة ومجاهد وأبي مالك والنخعي والسدي وغيرهم، وفي رواية السدي أنهم كانوا عشرة منهم ابن مظعون، وعلي ابن أبي طالب، وفي رواية عكرمة منهم ابن مظعون وعلي وابن مسعود والمقداد الأسود وسالم، مولى حذيفة، وفي رواية مجاهد منهم ابن مظعون، وعبد الله عمرو. وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق السدي الصغير عن الكلبي : عن أبي صالح عن عباس قال : نزلت هذه الآية في رهط من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعثمان بن مطعون والمقداد بن الأسود وسالم مولى أبي حذيفة توافقوا على أن يجبوا أنفسهم ويعتزلوا النساء ولا يأكلوا لحما ولا دسما ويلبسوا المسوح ولا يأكلوا من الطعام إلا قوتا وأن يسيحوا في الأرض كهيئة الرهبان فنزلت. وذكر البغوي : عن أهل التفسير إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الناس يوما ووصف القيامة فرق الناس له وبكوا فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي وهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو ذر الغفاري وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي ومعقل ابن مقرن رضي الله عنهم أجمعين، وتشاوروا واتفقوا على أن يترهبوا ويلبسوا المسموح ويجبوا مذاكيرهم ويصوموا الدهر ويقولوا الليل، ولايناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم والودك ولا يقربوا النساء والطيب ويسيحوا في الأرض فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى دار عثمان بن مظعون فلم يصادفه، فقال : لامرأته أم حكيم بنت أبي أمية واسمها الخولاء وكانت عطارة أحق ما بلغني عن زوجك وأصحابه ؟فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهت أن تبدي على زوجها، فقالت يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل عثمان أخبرت بذلك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال : لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أنبأكم أنكم اتفقتم على كذا وكذا ؟قالوا بلى يا رسول الله وما أدرنا إلا الخير، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إني لم أؤمر بذلك ) ثم قال : لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء ومن رغب عن سنتي فليس مني ) ثم جمع الناس وخطبهم، فقال :( ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما فإني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد واعبدوا الله تعالى ولا تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع فأنزل الله عز وجل هذه الآية وروى البغوي : بسنده عن سعد بن مسعود أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال : ائدن لنا في الإختصاء فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ليس منا من خصى ولا من اختصى، إن خصاء أمتي الصيام ) فقال : يا رسول الله ائذن لنا في السياحة فقال :( أن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ) قالوا يا رسول الله ائذن لنا في الترهب، فقال :( إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد وانتظار الصلاة ) وفي الصحيحين عن أنس قال :( جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها، فقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟فقال : أحدهم أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال : الآخر أنا أصوم النهار ولا أفطر، وقال : الآخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال :)( أنتم الذي قتلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) وروى أبو داود عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول :( لا تشدوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) وفي الصحيحين عن عائشة قالت :( صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخطب فحمد الله ثم قال :( ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فو الله إني لأعلمهم بالله وأشدهم خشية )
وروى ابن أبي حاتم عن زيد ابن أسلم أن عبد الله ابن رواحة أضاف ضيفا من أهله وهو عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارا له، فقال : لامرأته حبست ضيفي من أجلي وهو حرام علي فقالت امرأته هو علي حرام، قال الضيف هو علي حرام فلما رأى ذلك وضع يده وقال : كلوا باسم الله ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر الذي كان منه ثم أنزل الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا الطيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ( ٨٧ ) ﴾
﴿ وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ﴾ قال : عبد الله بن مبارك الحلال ما أخذته من وجهه يعني من وجه مشروع والطيب ما غدا ونما، فأما الجوامد كالطين والتراب وما لا يغذي فمكروه إلا على وجه التداوي، حلالا مفعول كلوا مما رزقكم حال منه قدمت لكون ذي الحال نكرة، ومن للتبعيض وفيه تصريح أن بعض الرزق يكون حلالا دون بعض كما يقوله أهل الحق، ويجوز أن يكون من ابتدائية متعلق بكلوا، ويجوز أن يكون مفعولا وحلالا حال من الموصول والعائد محذوف، أو صفة لمصدر محذوف يعني أكلا حلالا، وعلى الوجوه كلها لم لم يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة ﴿ واتقوا الله ﴾ توكيد للتوصية ما امر به وزاده توكيدا بقوله ﴿ الذي أنتم به مؤمنون ﴾ لأن مقتضى الإيمان التقوى فيما أمر به ونهى عنه، روى البغوي : بسنده عن عائشة قالت :( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب الحلواء والعسل ) رواه البخاري، وعن ابن عباس قال :( كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس ) رواه أبو داود، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( الطاعم الشاكر كالصائم الصابر )
رواه الترمذي ورواه ابن ماجة والدارمي عن سنان بن سنة عن أبيه، قال : البغوي : قال : ابن عباس لما نزلت ﴿ لا تحرموا الطيبات ما أحل الله لكم ﴾ قالوا : يا رسول فكيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ؟ وكانوا حلفوا على ما اتفقوا عليه فأنزل الله تعالى :﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ﴾ قرأ ابن ذكوان عاقدتم من المفاعلة بمعنى فعل، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي عقدتم بغير ألف مخففا على وزن ضربتم والباقون مشددا من التفعيل وقد مر تفسير الآية في سورة البقرة وأقسام الأيمان وأحكامها وأن المراد بالمؤاخذة المؤاخذة الأخوية، وبما عقدتم الإيمان ما تعلق القصد بتوثيقه، وإلزام شيء من فعل أو ترك به على نفسه صيانة لذكر اسم الله تعالى فتكون لا محالة في الإنشاء، وهذا القسم من اليمين يوجب ذلك الفعل أو الترك على الحالف، بقوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ﴾ وقوله تعالى :﴿ ولكن يؤاخذكم بما عقدتم ﴾ يعني بمكث ما عقدتم أو يؤاخذكم بما عقدتم إن حنثتم وحذف للعلم.
مسألة : ينعقد اليمين عند جمهور العلماء والأئمة الأربعة بحرف القسم ملفوظا أو مقدرا مقترنا باسم من أسماء الله تعالى أو ما يدل على ذاته تعالى نحو والذي نفسي بيده والذي لا إله غيره مقلب القلوب ورب السماوات والأرض ونحو ذلك، وقال : بعض مشايخ الحنفية كل اسم لا يسمى به غيره تعالى فهو يمين وما يسمى به غيره أيضا كالحليم والعليم والقادر والوكيل والرحيم ونحو ذلك لا يكون يمينا إلا بالنية أو العرف أو دلالة الحال، وكذا ينعقد عند الجمهور بكل صفة من صفاته، وقال : أبو حنيفة ينعقد بكل صفة يحلف بها عرفا كعزة الله وجلاله وعظمته وكبريائه لا بما لا يحلف عرفا كعلم الله وإرادته ومشيئته، ولمشايخ العراق هاهنا تفصيل آخر وهو أن الحلف بصفات الذات يكون يمينا وبصفات الفعل لا يكون يمينا وصفات الذات ما لا يوصف الله تعالى بضده كالقدرة والجلال والكبرياء والعظمة والعزة وصفات الفعل ما يوصف به بضده كالرحمة والغضب والرضاء والسخط والقبض والبسط.
مسألة : لو حلف بالقرآن يكون يمينا عند الأئمة الثلاث وعند أبي حنيفة لا يكون يمينا لعدم العرف، وقال : ابن همام ولا يخفى أن الحلف بالقرآن الآن متعارف فيكون يمينا يعني عنه أبي حنيفة أيضا كما هو قول الأئمة الثلاثة، وكذا الكلام لو حلف بالمصحف فإن المراد به القرآن دون القراطيس، وحكى ابن عبد البر في التمهيد في المسألة أقوال الصحابة والتابعين واتفاقهم على إيجاب الكفارة فيها، قال : ولم يخالف فيها إلا من لا يعتد بقوله. واختلفوا في قدر الكفارة ؟ فقال : ما لك والشافعي يلزمك كفارة واحدة، وعن أحمد رضي الله عنه روايتان إحداهما كالجمهور والثانية يلزم بكل آية كفارة، ولو قال : وحق الله كان يمينا عند الثلاثة خلافا لأبي حنيفة، ولو قال : لعمر الله وايم الله قال : أبو حنيفة يمين نوى أو لم ينو وهي رواية عن أحمد، وقال : بعض أصحاب الشافعي وهي رواية عن أحمد وقال : بعض أصحاب الشافعي وهي رواية عن أحمد إن لم ينو لا يكون يمينا.
مسألة : من حلف بالكعبة أو بالنبي لا يكون يمينا ولا يجب عليه الكفارة عند الأئمة الثلاثة وهي رواية عن أحمد وفي أظهر الروايتين عنه الحلف بالنبي يكون يمينا، لنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم :( من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ) متفق عليه من حديث ابن عمر، وعنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( من حلف بغير الله فقد أشرك ) رواه أبو داود، وعن ابن مسعود موقوفا لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي أن أحلف بغير الله صادقا ) قال : صاحب الهداية هذا إذ قال : والنبي أما لو قال : إن فعلت كذا فهو بريء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن الكعبة أو هو يهودي أو نصراني أو كافر يكون يمينا لأنه لما جعل الشرط علما على الكفر فقد جعله واجب الامتناع وقد أمكن القول بوجوبه لغيره فجعلناه يمينا كما نقول في تحريم الحلال فإن تحريم الحلال عندنا يمين وقال : الشافعي رضي الله عنه تحريم الحلال لا يكون يمينا، لنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم مارية وشرب العسل فنزل ﴿ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ﴾ ﴿ قد فرض الله لكم تحلية أيمانكم ﴾ كذا في الصحيحين وغيرهما وسنذكر في سورة التحريم إن شاء الله تعالى.
مسألة : ولو قال : إن فعلت كذا فهو يهودي أو بريء من الإسلام أو نحو ذلك في شيء قد فعله فهو الغموس، ولا يكفر عند أبي حنيفة اعتبارا بالمستقبل وقيل : يكفر لأنه تنجيز معنى، قال : صاحب الهداية والصحيح أنه لا يكفر إن كان يعلم أنه يمين إن كان عنده أنه يكفر بالحلف يكفر لأنه رضي بالكفر، عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قال :( إني بريء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال : وإن كان صادقا لن يرجع إلى الإسلام سالما ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
مسألة : وذكر فعل القسم على صيغة الماضي مقترنا باسم الله أو صفة من صفاته، فقال : أقسمت بالله أو حلفت بالله أو شهدت بالله أو عزمت بالله لأفعلن كذا فهو يمين بلا خلاف، ولو قال : بصيغة المضارع نحو أقسم بالله أو أحلف بالله أو أشهد بالله أو أعزم بالله فهو يمين عند أبي حنيفة وأحمد وعند الشافعي لا يكون يمينا إلا بالنية لاحتمال أن يريد بالمستقبل الوعد، قالت الحنفية المضارع حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال لا ينصرف إليه إلا بقرينة السين أو سوف أو نحو ذلك.
مسألة : لو قال : أقسمت أو أقسم أو حلفت أو أحلف ونحو ذلك من غير ذك اسم الله تعالى وصفة فهو يمين عند أبي حنيفة نوى أو لم ينو شيئا، وإن نوى غيره يصدق ديانة لا قضاء، وقال : مالك وأحمد في رواية وزفر إن نوى يكون يمينا وإلا فلا احتمال اليمين بغير الله، وقال : الشافعي لا يكون يمينا وإن نوى، قلنا الحلف بالله هو المعهود والمشروع وبغيره محظور فيصرف إلى الشروع عند عدم النية، وآحتج في هذه المسئلة بحديث ابن عباس ( أن رجلا رأى رؤيا فقصها على الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أبو بكر ائذن لي فأعبرها فأذن له فعبرها، ثم قال : أصبت يا رسول الله ؟ قال :( أصبت وأخطأت ) قال : أقسمت يا رسول الله لتخبرني، قال : ل( لا تقسم هكذا ) رواه أحمد، وقد أخرج في الصحيحين بلفظ آخر فإنه قال : والله لتخبرني بالذي أخطأت، قال :( لا تقسم ) والله أعلم ﴿ فكفارته ﴾ أي كفارة نكثه أو كفارة معقود الإيمان أو كفارة ما عقدتم الأيمان إذا حنثتم والكفارة الفعلة التي من شأنها أن يكفر الخطيئة و يذهب إثمها ويسترها ﴿ إطعام عشرة مساكين ﴾ والإطعام جعل الغير طاعما سواء كان بالتمليك أو الإباحة، ومن ثم قال : أبو حنيفة : لو غداهم وعشاهم أكلتين مشبعتين من غير تمليك جاز قليلا أكلوا أو كثيرا كذا ذكر الكرخي بإسناده إلى الحسن خلافا للشافعي رحمه الله، فعنده يشترط التمليك اعتبارا بالزكاة وصدقة الفطر ولأن التمليك دفع للحاجة فلا ينوب منابه الإباحة، قلنا : المنصوص عليه في الزكاة الإيتاء وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك حقيقة بخلاف الإطعام لأنه حقيقة في التمليك من الطعم. فإن قيل : لما كان الإطعام حقيقة في التمكين ينبغي أن لا يجوز التمليك وإلا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ؟قلنا : في التمليك من الطعم أيضا أو يقال جواز التمليك إنما هو بدلالة النص والدلالة يمنع العمل بالحقيقة كما في حرمة الضرب والشتم مع التأفيف لأن النص ورد في دفع حاجة الأكل فالتمليك الذي هو لدفع كل حاجة ومنها الأكل أجوز، أخرج عبد بن حميد وابن حميد وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى﴿ فكفارته إطعام عشرة مساكين ﴾قال : يغذيهم ويعشيهم إن شئت خبزا ولحما أو خبزا وزيتا أو خبزا وسمنا أو خبزا وتمرا.
مسألة : لو كان فيمن أطعمهم صبيا فطيما لا يجزئه لأنه لا يستوفي كاملا.
مسألة : لابد من الإدام في خبز غير الحنطة ليمكنهم الاستيفاء إلى الشبع في صورة الإباحة وفي خبز الحنطة لا يشترط إن كان أوسط طعام أهله بغير إدام.
مسألة : إن أعطى مسكينا واحدا عشرة أيام يجوز عند أبي حنيفة وإن أطعم في يوم واحد عشر مرات لا يجوز، وقيل : هذا إذا كان بالإباحة، وأما إذا كان بالتمليك فيجوز لأن الحاجة إلى التمليك يتجدد في يوم واحد ولا يتجدد الحاجة إلى الأكل في يوم واحد عشرات مرات، وإذا دفع إلى فقير واحد طعام عشرة مساكين دفعة واحدة في اليوم الواحد ولو بالتمليك لا يجوز هذا كله قول أبي حنيفة، وجه قوله إن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة يتجدد في كل يوم فالدفع إليه في اليوم الثاني إلى غيره ولا يتجدد الحاجة في يوم الأكل عشر مرات، وقال : مالك والشافعي وهو الصحيح من مذهب أحمد وبه قال : أكثر أهل العلم لا يجوز إطعام مسكين واحد عشرة أيام ولو بالتمليك لأنه تعالى نص على عشرة مساكين وبتكرر الحاجة في مسكين واحد لا يصير هو عشرة مساكين والتعليل بأن المقصود سد خلة المحتاج إلى آخر ما ذكر مبطل لمقتضى النص فلا يجوز.
مسألة : وإذا ملك الطعام عشرة مساكين فالقدر الواجب لكل مسكين عند أهل العراق مدان وهو نصف صاع، قال : البغوي : يروي ذلك عن عمر وعلي، وقال أبو حنيفة نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو تمر وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد والحكم، وقال : مالك مد وهو رطلان بالبغدادي، وقال : أحمد مد من حنطة أو دقيق ومدان من شعير أو تمر ورطلان من خبز أي خبز حنطة، قال : الشافعي : مد النبي صلى الله عليه وسلم وهو رطل وثلث رطل من غالب قوة البلد ولا يجوز عنده دفع الخبز ولا الدقيق بل إعطاء الحب، قال : البغوي : وهو قول زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر، وبه قال : سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن يسار وعطاء والحسن، وكذلك الخلاف في جميع الكفارات. ويجوز دفع القيمة من الدارهم والدنانير عند أبي حنيفة خلافا لغيره وذكر الكرخي بإسناده إلى عمر قال : صاع من تمر أو شعير أو نصفه من بر وبإسناده إلى علي قال : كفارة اليمين نصف صاع من حنطه، وبإسناده إلى مجاهد قال : كل كفارة في القرآن فهو نصف صاع من بر لكل مسكين، وروى ابن الجوزي في التحقيق بسنده عن سليمان بن يسار قال : أدركت الناس وهم يعطون في طعام المساكين مدا مدا، ويروي أن ذلك يجزئ عنهم. وفي الباب حديث أبي سلمة أن سليمان بن صخر ويقال له سلمة بن صخر البياضي جعل امرأته كظهر أمه حتى يمضي رمضان، فلما مضى نصف من رمضان وقع عليها ليلا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال : له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أعتق رقبة ) قال : لا أجدها، قال :( فصم شهرين متتابعين ) قال : لا أستطيع، قال :( أطعم ستين مسكينا ) قال : لا أجد، /فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة بن عمرو ( أعطيه ذلك الفرق ) وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا أو ستة عشر صاعا يطعم ستين مسكينا ) رواه الترمذي، وروى أبو داود وابن ماجة والدارمي عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر نحوه، قال : كنت أصبت من النساء ما لا يصيب غيري، وهذا الحديث حجة للشافعي وغيره من قال : إن لكل مسكين هذا، احتج أبو حنيفة بحديث رواه الطبراني عن أوس بن الصامت، قال :( فأطعم ستين مسكينا ثلاثين صاعا ) قال : لا أملك ذلك أن تعينني فأعانه النبي صلى الله علي
﴿ أيها الذين آمنوا الخمر و الميسر ﴾قد مر تفسيرهما وحكمهما في تفسير سورة البقرة﴿ الأنصاب ﴾أي الأصنام التي نصبت للعبادة﴿ والأزلام ﴾ سبق تفسيرها في أول السورة﴿ رجس ﴾قذر يعاف عنه العقول السليمة والطباع المستقيمة وإفراده لأنه خبر للخمر وخبر المعطوفات محذوف أو بحذف المضاف كأنه قال : إنما تعاطي الخمر و الميسر ﴿ من عمل الشيطان ﴾أي من تسويله وتزيينه فكأنه عمله ﴿ فاجتنبوه ﴾ الضمير للرجس أو لما ذكر أو للتعاطي﴿ لعلكم تفلحون ﴾ لكي تفلحوا بالاجتناب عنه أن سبحانه أكد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية بأن صدر الجملة بإنما وقرنهما بالأنصاب والأزلام وسماهما رجسا وجعلهما من عمل الشيطان، وتنبيها على أن الاشتغال بهما شر بحت أو غالب وأمر بالاجتناب عن أعينهما، وجعله سببا يرجى منه الفلاح
ثم بين فيهما من المفاسد الدينية و الدنيوية و المقتضية للاجتناب، فقال :﴿ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر ﴾كما فعل الأنصاري الذي شج رأس سعد بن أبي وقاص بلحي الجمل يقامر وفيه نزلت هذه الآية وقد مرت القصة في سورة البقرة﴿ الميسر ﴾ قال قتادة : كان رجل يقامر على الأهل و المال ثم يبقى حزينا مسلوب الأهل و المال مغتاظا على حرفائه خصهما بإعادة الذكر وشرح ما فيهما من الفساد تنبيها على أنهما هما المقصودان بالبيان هاهنا إنما ذكر الأنصاب والأزلام هاهنا للدلالة على أنهما مثلهما في الحرمة والشرارة، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( شارب الخمر كعابد الوثن ) أخرجه البزار من حديث عبد الله بن عمر، وروى ابن ماجة بلفظ ( مدمن الخمر ) ورواه الحارث بلفظ ( شارب الخمر كعابد اللات والعزى ) ﴿ ويصدكم ﴾أي الشيطان بارتكاب الخمر والميسر ﴿ عن ذكر الله وعن الصلاة ﴾وذلك أنه من اشتغل بالخمر والقمار ألهاه عن ذكر الله وشوش عليه صلاته كما فعل بأضياف عبد الرحمان بن عوف قدم رجلا ليصلي بهم صلاة المغرب بعد ما شربوا فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد بحذف لا كما مرت القصة في سورة البقرة، وخص الصلاة من بين الذكر للتعظيم و الإشعار بأن الصاد منها كالصاد من الإيمان من حيث أنها شعار المؤمنين وعماد الدين، و الفارق بين المؤمن و الكافر صورة قال : الله تعالى ﴿ وما كان الله ليضيع إيمانكم ﴾ يعني صلاتكم، وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة )رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث جابر وروى أحمد من حديث عبد الله بن بريدة نحوه وفيه ( فمن تركها فقد كفر )وروى أحمد من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال :( من حافظ عليها كانت له نورا وبرهنا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا نجاة و كان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف ) ثم أعاد الحث على الإنتهاء بصيغة الاستفهام مرتبا على ما تقدم من أنواع المفاسد فقال :﴿ فهل أنتم منتهون ﴾لفظة استفهام ومعناه أمر بأبلغ الوجوه كأنه قيل : فهل أنتم بعد ما ذكر من المفاسد منتهون أمر لا كنكم لم توعظوا
﴿ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ﴾في الانتهاء عن الخمر و الميسر وسائر المناهي وإتيان الواجبات ﴿ واحذروا ﴾عن مخالفتهما﴿ فإن توليتم ﴾عن إطاعة الله والرسول ﴿ فاعملوا أنما على رسولنا البلاغ المبين ﴾فتوليكم لا يضر بالرسول وإنما يضر بأنفسكم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال :( كل مسكر حرام ) وإن حتما على الله أن لا يشربه عبد في الدنيا إلا سقاه الله من طينة الخبال هل تدرون ما طينة الخبال ؟قال :( عرق أهل النار )رواه البغوي، وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها الله في الآخرة ) رواه البغوي، وعنه أنه، قال : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول :( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمول إليه وآكل ثمنها )رواه ابن ماجة، وروى أبو داود وليس فيه ( وأكل ثمنها ) في الباب عن أنس بن مالك وروى الترمذي وابن ماجة عن ابن عباس والحاكم عن ابن مسعود، وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم يقبل الله صلاة أربعين صباحا فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال ) رواه الترمذي ورواه النسائي وابن ماجة والدارمي عن عبد الله بن عمرو، وعن عبد الله بن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يدخل الجنة عاق ولا قمار ولا مد من خمر ) رواه الدارمي، وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للعالمين، وأمرني ربي بمحق المعازف والمزامير و الأوثان و الصليب وأمر الجاهلية، وحلف ربي عز وجل بعزتي لا يشرب عبد من عبيد جرعة من خمر إلا سقيته من الصديد مثلها و لا يتركها من مخافتي إلا سقيته من حياض القدس ) رواه أحمد، وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مد من الخمر والعاق والديوث ) رواه أحمد والنسائي، وعن أبي موسى الأشعري مثله وفيه ( مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر ) رواه أحمد، وقد ذكرنا في سورة البقرة ما أخرجه أحمد عن أبي هريرة قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر الحديث إلى أن قال : ثم نزلت أغلظ من ذلك ﴿ يأيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر ﴾ إلى قوله ﴿ فهل أنتم منتهون ﴾قالوا انتهينا ربنا
فقال الناس ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فراشهم وكانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله تعالى ﴿ ليس على الذين آمنوا ﴾ الآية، وروى النسائي والبيهقي عن ابن عباس قال : إنما نزل تحريم الخمر في القبيلتين من قبائل الأنصار شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر في وجهه رأسه ولحيته فيقول صنع بي هذا أخي فلان وكانوا أخوه ليس فيهم ضغائن، فيقول والله لو كان بي رءوفا رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله ﴿ يأيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر ﴾الآية، فقال : ناس من المتكلفين هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل يوم أحد فأنزل الله تعالى﴿ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ﴾أي شربوا من الخمر وأكلوا من مال الميسر قبل تحريمهما﴿ إذا ما اتقوا ﴾الشرك﴿ آمنوا ﴾ بالله﴿ وعملوا الصالحات ﴾ بعد الإيمان ﴿ ثم اتقوا ﴾ الخمر والميسر بعد التحريم﴿ وآمنوا ﴾ بتحريمهما﴿ ثم اتقوا ﴾، سائر المحرمات أو الأولى عن الشرك والثاني عن المحرمات والثالث عن الشبهات ﴿ وأحسنوا ﴾إلى الناس أو المعنى أحسنوا الأعمال بأن عبدوا ربهم كأنهم يرونه﴿ والله يحب المحسنين ﴾فلا يؤاخذهم بشيء، وفيه تنبيه على أنه من فعل ذلك صار محسنا، ومن صار محسنا صار لله محبوبا ونزلت عام الحديبية وكانوا محرمين بالعمرة في ذي القعدة سنة ست.
﴿ يأيها الذين أمنوا ليبلونكم الله بشيء ﴾أي شيء يسير ليس من العظائم التي يدحض الأقدام كالابتلاء ببدل الأنفس والأموال﴿ من الصيد ﴾يرسله إليكم صفة لشيء﴿ تناله أيديكم ورماحكم ﴾صفة بعد صفة فكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم بحيث يتمكنون من أخذها بأيديهم وطعنها برماحهم﴿ ليعلم الله من يخافه ﴾متعلق بيبلوا فإن ذلك الابتلاء إنما هو ليميز الخائف من عقاب الله ممن لا يخافه، فذكر العلم وأراد وقوع المعلوم وظهوره أو تعلق العلم، أو المعنى ليعلم خوف الخائف موجودا كما كان يعلمه قبل وجوده أنه يوجد حتى ليثبه على عمله لا على علم نفسه فيه﴿ بالغيب ﴾أي متلبسا ذلك الخائف بالغيب يعني غائبا من العذاب أو من الله سبحانه يعني يخافه ولم يره، أخبر الله سبحانه بذلك الابتلاء ليكونوا أصبر على الانتهاء عن المعصية إعانة للمؤمنين ﴿ فمن اعتدى بعد ذلك ﴾ الابتلاء بالصيد فصاده أو بعد ذلك الإخبار من الله سبحانه بالابتلاء ﴿ فله عذاب أليم ﴾فإنه لم يملك نفسه في مثل ذلك الشيء اليسير ولم يراع حكم الله فيه فكيف يملك نفسه فيما يكون النفس إليه أميل، قال : البغوي : روي عن ابن عباس أنه، قال : يوسع جلد ظهره وبطنه جلدا أو يسلب ثيابه،
ذكر البغوي : أن رجلا يقال له أبو اليسر شد على حمار وحش فقتله فنزلت ﴿ يأيها الذين أمنوا لا تقتلوا الصيد وأنت حرم ﴾يعني الحيوان الممتنع المتوحش في أصل الخلقة سواء كان مأكول اللحم أو لا كذا في القاموس، وبه قال : أبو حنيفة رحمه الله غير أنه خص منه ما ورد في الحديث جواز قتلتها وهي الحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والذئب والسبع العادي دون غير العادي فيجوز قتل الكلب لاسيما العقور، والظاهر أنه صيد واستئناسها عارضي وقيل : إنه ليس بصيد فإنه غير متوحش بالطبع، في الصحيحين عن ابن عمر سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يقتل المحرم من الدواب فقال :( لا جناح في قتلهن على من قتلهن العقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور ) وفيهما عن عائشة وعن حفصة نحوه، قال : ابن الجوزي المراد بالكلب السبع مطلقا لأنه يطلق الكلب على السبع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة عتبة بن أبي لهب ( اللهم سلط عليه كلبا وكلابك )وقال : الله تعالى :﴿ من الجوارح مكلبين ﴾ قال : أبو حنيفة لو سلمنا جواز إطلاق الكلب على السبع لغة لكن في العرف غلب استعماله في الحيوان المخصوص وحمل الحديث على العرف العام أولى، وأخرج أبو عوانة في المستخرج من طريق البخاري عن عائشة ذكر فيا ستا وزاد الحية، وروى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري قال : عليه السلام :( يقتل المحرم الحية والعقرب والفويسقة والكلب العقور والحدأة والسبع العادي ويرمي الغراب ولا يقتله ) ورواه الترمذي ولم يذكر السبع العادي، وقال : الحسن ويحمل الغراب المنهي عن قتله على غراب الزرع، وروى ابن خزيمة وابن المنذر من حديث أبي هريرة زيادة ذكر الذئب و النمر على الخمس المشهور، لكن قال : ابن خزيمة ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور وفي مرسل سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتل المحرم الحية والذئب أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود ورجاله ثقات، أخرج مسلم عن عائشة ذكر أربعا وأسقط العقرب عن الخمس المشهور. فإن قيل : كيف يجوز تخصيص الكتاب ذكر أربعا وأسقط العقرب عن الخمس المشهور. فإن قيل : كيف يجوز تخصيص الكتاب على أصل أبي حنيفة بأحاديث الآحاد ؟قلنا هذه الحديث تلقته الأمة بالقبول، فصار في حكم الحديث المشهور جاز به تخصيص الكتاب أو ثبت بالإجماع أن بعض الصيد يجوز قتله للمحرم فصار العام مخصوصا بالبعض فخصصنا بالأحاديث، وقال : الشافعي وأحمد إنما يحرم على المحرم قتل ما يحل أكله دون ما لا يحل أكله لأن في الأحاديث عيان بعضها سباع ضارية، وبعضها هوام قاتلة، وبعضها طير لا يدخل في معنى السباع بل هو حيوان مستخبث اللحم فرتبنا الحكم على استخباث اللحم غير مناسب لعدم استلزامه المصلحة فلا يجوز القياس، والمختار عندي للفتوى ما قال : صاحب البدائع أن الحيوان البري ينقسم إلى مأكول وغير المأكول، والثاني إلى ما يبتدئ بالأذى غالبا وما ليس كذلك وإنما يجوز في الإحرام قتل ما يبتدئ بالأذى غالبا من غير المأكول وهي رواية عن أبي يوسف كذا في فتاوى قاضي خان ومثله عن مالك، والعلة المؤثرة في القياس البداية بالأذى، قلت : والإيذاء على أنواع مختلفة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم نبه بالعقرب على ذوات السموم كالزنبور وكل ما يلدغ بالفأرة ما يشاركها في النقب والتقرض كابن عرس وبالغراب والحدأة على ما يشاركهما في الاختطاف كالصقر وبالكلب العقور على كل سبع عادي، والسنور الأهلي ليس بصيد عند أبي حنيفة لعدم توحشها، والصحيح أنها متوحشة واستئناسها عارضي بخلاف المتوحش من الأنعام فإنها مستأنسة خلقه.
مسألة : ويلتحق بقتل الصيد الإشارة إليه والدلالة عليه للذي يريد قتله إجماعا لأنه في معنى القتل إذ هو إزالة الأمن عن الصيد لأنه أمن بتوحشه وبعده عن الأعين، روى الشيخان في الصحيحين حديث أبي قتادة وفيه( أحرموا كلهم إلا أبا قتادة لم يحرم فبينما هم يسيرون إذا رأوا حمر وحش فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا فأكلوا من لحمها ) الحديث، وفيه فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ) ؟قالوا لا، قال : فكلوا ما بقي من لحمها ) ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علق إباحة الأكل بعدم الإشارة.
مسألة : ويلحق بالصيد بيض الطائر، وقال : داود لا يضمن، وسندكر ما ورد من الحديث والآثار في ضمان المبيض.
مسألة : أجمعوا على أن المحرم إذا اصطاد صيدا أو ذبحه كان حكمه حكم الميتة لا يجوز أكله للحلال ولا للمحرم، وقال : الثوري وأبو ثور وطائفة يجوز أكله وهو كذبيحة السارق وهو وجه للشافعية، لنا أنه أثم في ذبحه بمنزلة تارك التسمية عامدا فصار في معنى ما ذبح فسقا أهل لغير الله بخلاف السارق فإن الذبح له في نفسه وإنما المانع هناك حق العبد وهو ينجبر بالضمان.
مسألة : وإن اصطاده حلال وكان أمره بالقتل محرم أو دل عليه أو أشار إليه يحرم أكله للمحرم لما ذكرنا من حديث أبي قتادة، حيث علق النبي صلى الله عليه وسلم إباحة الأكل للمحرم بعدم الأمر والإشارة ويجوز أكله للحلال إجماعا ﴿ ومن قتله ﴾ يعني الصيد﴿ منكم ﴾ يعني من المؤمنين المحرمين﴿ متعمدا ﴾قال : سعيد بن جبير وداود وأبو ثور وأبو ثوم وأبو منذر من الشافعية، وهي رواية عن أحمد بن حنبل أن هذا القيد يفيد أنه لا يجب الجزاء إذا قتل مخطيا وناسيا إحرامه أو مكروها أو نحو ذلك، وقال : مجاهد والحسن إنما الجزاء إنما يجب إذا قتله عامدا في قتله ناسيا إحرامه وأما إذا قتله ذاكرا إحرامه فلا حكم عليه وأمره إلى الله تعالى لأنه أعظم من أن يكون له كفارة، وجمهور العلماء والأئمة الأربعة على أنه يجب الجزاء سواء قتله عامدا أو ناسيا إحرامه أو مكرها أو مخطئا أو جاهلا للحرمة، قال : الزهري الجزاء على المتعمد بالكتاب وعلى المخطئ بالسنة والمفهوم ليس بحجة عند أبي حنيفة، وعند القائلين به المفهوم دليل ظني ومنطوق الحديث أقوى منه والإجماع أقوى منه والإجماع أقوى من الكل لكونه دليلا قطعيا، واستدل ابن الجوزي بحديث جابر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال :( هي صيد ) وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا ) رواه الترمذي وقال : هذا حديث صحيح. والاستدلال بإطلاق الحكم قبل : قوله تعالى متعمدا توطئة لقوله تعالى ﴿ ومن عاد فينتقم الله منه ﴾.
مسألة : إذا دل المحرم على صيد من يريد قتله باللسان أو باليد يجب عليه الجزاء كما يجب بالقتل عند أبي حنيفة وأحمد، وقال : مالك والشافعي لا يلزم الجزاء على الدال وإن كان يأثم كمن دل صائما على امرأة فجامعها لا يلزم الكفارة على الدال ولا يفسد صومه ولكن يأثم فكذا هاهنا لأن الدلالة ليس بقتل، والجزاء إنما هو القتل بالنص، قلنا : الدلالة في معنى القتل والنبي صلى الله عليه وسلم سوى بين الإشارة والقتل كما مر في حديث أبي قتادة ولأنه محظورات الإحرام إجماعا فلو لم يجب عليه الجزاء لا يرفع إثمه ويرتفع القتل بالجزاء فيلزمه مزية الدلالة على القتل. فإن قيل : فعلى هذا يلزم أن يجب الكفارة على الدال وإن لم يتعقبه القتل ؟قلنا : الدلالة كالنية أن يكون كالرمي إلى الصيد من أسباب القتل وذلك ليس بموجب للجزاء ما لم يتعقبه القتل فإنه إذا لم يتعقبه القتل لم ينعقد سببا ﴿ فجزاء ﴾ خبر مبتدأ محذوف يعني فالواجب عليه جزاء أو مبتدأ خبره ظرف مقدم عليه أو فاعل ظرف مقدم عليه، يعني فعليه جزاء والجملة خبر لمن والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط قرأ الجمهور مضافا إلى﴿ مثل ما قتل ﴾ قيل : الإضافة بيانية، والظاهر أنه إضافة المصدر إلى مفعوله يعني فعليه أن يجزي مثل ما قتل، وقرأ الكوفيون فجزاء منونا ومثل مرفوعا بدلا منه أو صفة له، ومآل القرائتين واحد معنى. والمراد بالمثل القيمة عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن المثل المطلق صورة ومعنى هو المشارك في النوع غير مراد هاهنا إجماعا فبقي أن يراد المثل معنى وهو القيمة ولأن القيمة في قتل بعض الصيد واجب إجماعا، وهو ما لا يكون له مثل من النعم وما كان أصغر من الحمامة كالعصفور والجراد فلا بد أن المعهود في الشرع في إطلاق المثل أن يراد المشارك في النوع أو القيمة قال : الله تعالى في ضمان العدوان :﴿ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ﴾ والمراد الأعم أعني المماثل في النوع إذا كان المتلف مثليا والقيمة إذا كان قيميا بناء على أنه مشترك معنوي، وفي الحيوانات أهدر المماثلة الكائنة في تمام الصورة إجماعا تغليبا للاختلاف الباطني بين أفراد نوع واحد فجعل من القيميات فما ظنك إذا انتفى المشاركة في النوع أيضا، لم يكن هناك إلا مشاكلة في العوارض كطول العنق والرجلين في النعامة مع البدنة وأن يعب ويهدر في الحمامة مع الشاة، وعند مالك و الشافعي وأحمد ومحمد بن الحسن المراد بالمثل حيوان من النعم الأهلية يشابهه الصيد المقتول من حيث الخلقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الضبع صيد وفيه شاة ) رواه أبو داود عن عبد الله، وكذا روى أصحاب السنن والحاكم في المستدرك وأحمد وابن حبان عن جابر، وروى مالك في الموطأ والشافعي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب أنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بمعز. وروى الشافعي والبيهقي عن ابن مسعود قضى في اليربوع بجفر أو جفرة، وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : في حمامة الحرم شاة وفي البيضتين درهم وفي النعامة جزور وفي البقر بقرة وفي الحمار بقرة، وروى الشافعي والبيهقي عن عثمان بن عفان أنه قضى في أم جنين بحلان من الغنم لأن قوله تعالى :﴿ من النعم ﴾ أي الإبل أو البقر أو الغنم صفة لمثل بيان له والقيمة لا يكون من النعم، وأجاب الحنفيه عن استدلالهم بأن التقديرات المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة إنما هي باعتبار القيمة دون المشاكلة الصورية وبأنا لا نسلم أن قوله تعالى﴿ من النعم ﴾صفة لمثل بل هو حال من الضمير المنصوب المحذوف أي مثل ما قتلته حال كون المقتول من النعم أي ذات قوائم الأربع والنعم يطلق على الوحشي كما يطلق على الأهلي كذا قال : أبو عبيدة، وكذا في القاموس. ويرد عليه أن كلام في جزاء الصيد مطلقا سواء كان من النعم أو من الطير فجعله حالا من المقتول ينافي المقصود، قلت : وعندي أنه صفة لمثل والمراد بالمثل حيوان من النعم الأهلية يماثل المقتول في القيمة دون بعض العوارض لما ذكر أبو حنيفة من الدليل، فعندي أنه إذا اختار الجاني الهدي فعليه أن يهدي من النعم الأهلي أمثلها وأقربه قيمة من الصيد المقتول ففي حمار الوحش وبقر الوحش وكل ما زاد قيمته على قيمة الشاة سواء كانت قيمته مثل قيمة البقر أو دونه يهدي بقر جيدة أو رديئة بشرط أن لا يكون قيمة الهدي أقل من قيمة الصيد وفيما زاد على البقر أو دونه بقرة جيدة أو رديئة بشرط أن لا يكون قيمة الهدي أقل من قيمة الصيد وفيما زاد على البقر في القيمة سواء كان مثل البدنة في القيمة أو أقل منها يهدي بدنة، وفيما زاد على بدنة يهدي شاة مع بدنة أو بقرة وشاة أو بدنة وبقرة أو بدنتين أو بقرتين أو شاتين أو نحو ذلك يعني يكون قيمة الهدي مثل قيمة الصيد أو أكثر منه وما كان قيمته كقيمة الشاة جائز التضحية يهدي شاة كذلك وما يكون
﴿ أحل لكم صيد البحر ﴾أي الاصطياد من البحر لأنه هو المراد من صيد البر كما سنذكر ﴿ طعامه ﴾أي ما يطعم منه الضمير إما عائد إلى الصيد أو إلى البحر أي ما يطعم من صيد البحر أو من البحر، وقيل : المراد بصيد البحر كل حيوان لا يعيش إلا في الماء وطعامه أكله، وأحتج به مالك على جواز أكل كل حيوان بحري وقد مرت المسألة في أول السورة، وقال : عمر رضي الله عنه صيد البحر ما اصطيد وطعامه ما رمى به، وعن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة طعامه ما قذفه الماء إلى الساحل ميتا، وقال : سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعكرمة وقتادة والنخعي ومجاهد صيده طريه وطعامه مالحه ﴿ متعا لكم ﴾مفعول له لأحل يعني أحل ذلك تمتيعا لكم أي للمقيمين منكم يأكلونه طريا ﴿ وللسيارة ﴾أي المسافرين منكم يتزودونه قديدا﴿ وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ﴾قيل : معنى الآية حرم صيد البر مطلقا على المحرم وإن اصطاده حلال من غير أمر المحرم ولا إعانته ولا إشارته ولا لأجله، يروي ذلك عن ابن عباس وهو قول طاووس وسفيان الثوري ويؤيده حديث ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرد عليه فلما رأى ما في وجهه قال :( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) متفق عليه، وعند النسائي ( لا نأكل الصيد ) وفي رواية سعيد عن ابن عباس :( لولا أنا محرمون لقبلنا منك ) وأجيب بما ترجم البخاري في الباب أنه حمل الحديث على أن الحمار كان حيا والمحرم لا يجوز له ذبح الصيد الحي كذا نقلوا التأويل عن مالك، وهذا التأويل لا يصح لأنه رواه إسحاق : في مسنده بسنده عن موسى عن محمد بن عمر وابن علقمة عن الزهي فقال : لحم حمار، وأخرج الطبراني الزهري فقال : رجل حمار وحش، وفي رواية عند مسلم عجز حمار وحش تقطر دما، وفي رواية عند مسلم عجز حمار وحش تقطر دما، وفي رواية عند مسلم رجل حمار وحش، وأخرج مسلم من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد فقال : تارة حمار وحش وتارة شق حمار وحش واتفقت الروايات كلها على أنه رده إلا ما رواه وهب والبيهقي من طريقه بإسناده حسن من طريق عمر وبن أمية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهدي له عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم، والجمع بينهما بالحمل على قصتين أولى لأن القصة مروية والأبواء ثلاثة وعشرون ميلا وبين جحفة وودان ثمانية أميال، وفي الباب حديث علي قال :( انشد من كان هاهنا من أشجع أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهدي إليه عضو صيد فلم يقبله ؟ قال أنا حرم ؟ قال : نعم ) رواه أبو داود والطحاوي، وروى، مسلم نحوه لكن أجمع المسلمون بعد القرن الأول أن ما صاده الحلال لأجل نفسه يحل للمحرمين كله، وقد صح الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل من لحم الصيد وأمر أصحابه بأكله : منها حديث أبي قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( كلوا ما بقي من لحمها ) وفي بعض الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكلها ومنها ] ما ذكرنا من حديث الصعب بن جثامة أنه وقع في بعض رواياته أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منها، ومنها ما رواه مسلم عن معاد بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن بيه قال :( كنا مع طلحة بن عبد الله ونحن حرم فأهدي له طير وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فلما استيقظ طلحة وافق من أكله وقال : أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ومنها حديث عمرو بن سلمة الضميري عن البهزي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحا إذا حمار وحشي عقير فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه ) فجاء البهزي وهو صاحبه فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( شأنكم بهذا الحمار ) فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق الحديث رواه مالك وأصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة فتفسير الآية وحرم عليكم صيد البر أي اصطياده.
مسألة : ما اصطاد الحلال لأجل المحرم اختلف فيه ؟ فقال : أبو حنيفة يحل أكله مطلقا يحل لمن صيد لأجله أيضا، وقال : مالك لا يحل أكله لا للحلال ولا للحوم، وقال : الشافعي وأحمد ما صيد لأجل المحرم قبل إحرامه أو بعده يحرم على ذلك المحرم أكله ولا يحرم أكله لغير المحرم ولا لمن لم يصد له من المحرمين ومذهب الشافعي وأحمد مروي عن عثمان، روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر قال : رأيت عثمان بن عفان بالعرج وهو محرم في صائف قد غطى وجهه بقطيفة ثم أتى بلحم صيد فقال : لأصحابه : كلوا، فقالوا : ، لا تأكل أنت ؟ قال : لست كهيئتهم إنما صيد من أجلي، وما روى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل من لحم الصيد، وروى أنه رده ولم يأكله، قال : الأئمة الثلاثة وجه الجمع بين الرواتين أنه أكل ما صاده الحلال لأجل نفسه ولم يأكل ما صاد لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لغيره من المحرمين، قلنا لا دليل في شيء من الأحاديث المذكورة على هذا التفصيل، ووجه الجمع عندي أن أكل لحم الصيد مطلقا إذا صاده الحلال مباح للمحرم لكن تركه أفضل فبالأكل تارة علم النبي صلى الله عليه وسلم الجواز وبترك الأكل منه أخرى نبه على الاستحباب. فإن قيل : إذا تعارض الأحاديث ولا ترجيح كان القياس الأخذ بالمحرم احتياطا ؟ قلنا : نعم لكنا إنما لم نقل هكذا حتى لا يلزمنا مخالفة الإجماع، فإنهم أجمعوا على أن أكل بعض الصيد للمحرم حلال. احتج الأئمة الثلاثة على حرمة ما صيد لأجل المحرم بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوا أو يصاد لكم ) أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة وأحمد نحوه، قال : مالك سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين المحرم بنفسه فهو حرام على جميع الناس كالميتة، وقال : الشافعي وأحمد : إن انقسام الآحاد على الآحاد يقتضي أن كل محرم يحرم عليه ما صاده وما صيد له وأما صاده محرم غيره أو حلال أوصيد لغيره من محرم أو حلال فلا يثبت من هذا الحديث فيه شيء وإنما يعرف حكمه من خارج، وقلنا : هذا الحديث لا يصلح للاحتجاج فإن مداره على عمرو بن أبي عمرو، فرواه أحمد عنه عن رجل من الأنصار عن جابر ورواه الترمذي وغيره عنه عن المطلب عن جابر، ففي رواية أحمد راوي عن جابر مجهول، وفي رواية الترمذي قال : الترمذي لا يعرف للمطلب سماع من جابر ثم عمرو بن أبي عمرو وهو مولى المطلب قال : يحيى بن معين لا يحتج بحديثه، وقال : مرة هو وأبو داود أنه ليس بالقوى لكن قال : أحمد ما به بأس، ثم هو استدلال بمفهوم الغاية والاستدلال بالمفهوم لا يجوز عندنا، وقد يحتجون بحديث أبي قتادة قال :( خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمار فحملت عليه فاصطدته فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أني لم أكن أحرمت وأني إنما اصطدته لك فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته لك ) أخرجه إسحاق : وابن خزيمة والدارقطني والجواب أنه قال : ابن خزيمة وأبو بكر النيسابور والدارقطني أنه تفرد بهذه الزيارة معمر ولا أعلم أحدا ذكر قوله اصطدته لك، وقوله ولم يأكل منه غيره فلعل هذا من أوهامه قال : الذهبي معمر بن راشد له أوهام، قلت : وقد ورد في الروايات المتفقة على صحتها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكلها وما استدلوا برواية معمر حجة على مالك لا له حيث قال : فأمر أصحابه فأكلوا فإن مالكا يجعل ما صيد لأجل المحرم حراما على الناس ﴿ واتقوا الله الذي إليه تحشرون ﴾.
﴿ جعل ﴾ أي صير ﴿ الله الكعبة ﴾ سميت لتربعها والعرب تسمى كل بيت مربع كعبة، وقال مقاتل : سميت كعبة لانفرادها من البناء، وقيل : سميت كعبة لارتفاعها من الأرض وأصلها الخروج والارتفاع منه سمى الكعب في الرجل كعبا لارتفاعه من جانبي القدم، ومنه قيل : للجارية إذا قاربت البلوغ وخروج ثديها تكعبت ﴿ البيت الحرام ﴾عطف بيان على جهة المدح أو بدل أو مفعول الثاني سمي به لأن الله حرم وعظم حرمته، قال : النبي صلى الله عليه وسلم :( إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ) ﴿ قياما للناس ﴾منصوب على أنه مفعول ثان أو حال. قرأ ابن عامر قيما بلا ألف والباقون بالألف أي قواما لهم وهو ما يقوم به أمر دينهم ودنياهم، أما الدين فلأن به يقوم الحج والمناسك وأما الدنيا فلأنهم كانوا يأمنون فيه من النهب والغارة ولا يتعرض أحد لهم في الحرم﴿ والشهر الحرام ﴾ يعني جنس الأشهر الحرم، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم جعلها قياما للناس يأمنون فيه من القتال﴿ والهدى والقلائد ﴾ سبق تفسير في أول السورة يأمنون الناس بها من التعرض ﴿ ذلك ﴾ إشارة إلى الجعل أو إلى ما ذكر من الأمر بحفظ حرمة الإحرام وغيره، وقال : الزجاج : راجع إلى ما سبق في هذه السورة من الأخبار عن الغيوب وكشف الأسرار مثل قوله﴿ سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين ﴾ ومثل إخباره تحريفهم الكتب ونحو ذلك ﴿ لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات والأرض ﴾فإن شرع الأحكام لدفع المضار قبل وقوعها وجلب المنافع المترتبة عليهما دليل على حكمة الشارع وكمال علمه، وكذا الإخبار بالغيب دليل على عمله الكامل الشامل﴿ وأن الله بكل شيء عليم ﴾تعميم بعد تخصيص ومبالغة بعد إطلاق
﴿ اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم ﴾وعد ووعيد لمن أنتهك محارمه ولمن حافظ عليها ولمن أصر عليها ولمن انقلع عليها،
أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن أبا بكر الصديق حين حضرته الوفاة قال : ألم تر أن الله ذكر آية الرخاء ليكون المؤمن راغبا راهبا لا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقي بأيديه إلى التهلكة﴿ ما على الرسول إلا البلاغ ﴾وقد فرغ الرسول ما وجب عليه من التبليغ وقامت عليكم الحجة ولا عذر لكم في التفريط، فيه تشديد في إيجاب القيام بما أمر به ﴿ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ﴾من تصديق وتكذيب وفعل وعزيمة،
أخرج الواحدي والأصبهاني في الترغيب عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الخمر، فقام أعرابي فقال : إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي فاعتقيت منها مالا فهل ينفع ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله فقال : النبي صلى الله عليه وسلم :( إن الله لا يقبل إلا الطيب ) فأنزل الله تصديقا لرسوله﴿ قل لا يستوي الخبيث والطيب ﴾ لفظه عام في نفي المساواة عند الله بين الرديء من الأشخاص والأعمال وبين جيدها رغب به في صالح العمل والحلال من المال ﴿ ولو أعجبك كثرة الخبيث ﴾ فإن العمل القليل الصالح بالإخلاص خير من كثير بلا إخلاص وإنفاق مال قليل حلال خير من الكثير الحرام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من تصدق بعدل تمرة ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل )متفق عليه، والمخلصون والصالحون من الناس عند الله من ملأ الأرض من الخبيثين، عن سهل بن سعد قال : مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لرجل عنده جالس ما رأيك في هذا ؟ فقال : رجل من أشراف الناس هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع، قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيك في هذا ؟ فقال : يا رسول الله رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال : لا يسمع لقوله فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) متفق عليه﴿ فاتقوا الله ﴾حتى الله حتى تكونوا عند الله من الطيبين وآثروا الطيب وإن قل من العمل والمال على الخبيث وإن كثر قال : البغوي : يعني فاتقوا الله ولا تتعرضوا للحجاج وإن كانوا مشركين وقد مضت قصة شريح في أول السورة﴿ يا أولي الألباب ﴾ أصحاب العقول السليمة ﴿ لعلكم تفلحون ﴾أي راجين أن تبلغوا الفلاح بالتقوى،
روى أحمد والترمذي والحاكم عن علي عليه السلام وابن جرير مثله من حديث أبي هريرة وأبي أمامة وابن عباس وأنه لما نزلت ولله على الناس حج البيت قالوا يا رسول الله في كل عام ؟ فسكت قالوا يا رسول الله في كل عام ؟قال :( لا ولو قلت نعم لوجبت } وفي رواية قال : النبي صلى الله عليه وسلم :( ما يؤمنك أن أقول نعم والله لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتم عن شيء فاجتنبوه ) فأنزل الله تعالى عز وجل ﴿ يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ﴾ والقائل عكاشة بن محصن كذا في حديث بن محصن كذا في حديث أبي هريرة عند ابن جرير يعني لا تسألوا عن أشياء يشق عليكم إتيانها كالحج في كل عام قال : الخليل وسيبويه وجمهور البصريين أصله شئياء على وزن فعلاء بهمزتين بينهما ألف وهمزته الثانية للتأنيث ولذا لم ينصرف كحمراء وهي مفردة لفظا جمع معنى يعني اسم جمع ولما استثقلت الهمزتان المجتمعان قدمت الأولى التي هي لام الكلمة فجعلت قبل الشين فصار وزنها لفعاء، وقيل : أصله أشياء على وزن أفعلاء جمع لشيء على أن أصله شيء كهيىء أو شيئي كصديق فخفف، وقيل : أفعال جمع لشيء من غير تغيير كبيت وأبيات ومنع عن الصرف على الشذوذ لعدم السببين﴿ إن تبد لكم ﴾أي تظهر لكم ذلك الأشياء الشاقة بأن تؤمروا بإتيانها﴿ تسوؤكم ﴾ أي تغمكم ويصعب عليكم إتيانها ﴿ وإن تسألوا عنها ﴾ عن هذه التكليفات الشاقة﴿ حين ينزل القرآن ﴾والرسول بين أظهركم ﴿ تبد لكم ﴾ يعني يحتما أن تبد لكم وتؤمروا بما سألتم من التكاليف الشاقة، الجملتان الشرطيتان المتعاطفتان صفتان لأشياء وهما كالمقدمين المنتجتين لمنع السؤال.
مسألة : الأمر المطلق لا يقتضي التكرار على أصل أبي حنيفة ولا يحتمله فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت. وقوله تعالى﴿ إن تبد لكم تسوؤكم ﴾ أنه لو قال : النبي صلى الله عليه وسلم نعم يجب الحج كل عام ويظهر ذلك الأمر لكان ناسخا للأمر المطلق لا بيانا له، ويدل عليه قوله تعالى﴿ وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ﴾ فإنه لو كان بيانا لامتنع تأخره عن وقت الحاجة من غير سؤال، ولأن البيان قد يكون بالعقل والتأمل وتتبع اللغة، بما ذكرنا ظهر أن السؤال والاستفسار للمجمل أو المشكل والخفي لا بأس به قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما شفاء العي السؤال )وإنما الممنوع السؤال عن تكليف لم يرد الشرع به كالحج في كل عام وكالسؤال عن لون البقرة المأمورة ذبحها لبني إسرائيل ونحو ذلك﴿ عفا الله عنها ﴾أي عن الأشياء الشاقة المذكورة حيث لم يأمر بإتيانها صفة أخرى لأشياء، وجاز أن يكون استئنافا أي عفا الله عما سلف منت مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها ﴿ والله غفور حليم ﴾ لا يعاجلكم بتفريط وإفراط منكم ويعفوا
﴿ قد سألها ﴾ الضمير راجع إلى الأشياء بحذف الجار أي عنها أو إلى المسألة التي دل عليها لا تسألوا فلم يعد بعن ﴿ قوم من قبلكم ﴾ قال : البيضاوي الظرف متعلق بسألها وليس صفة لقوم لأن ظرف يسند إلى الجثة التي لا يتعين وجودها فيه نحو الهلال يوم الجمعة فيصح كونه صفة لقوم، سأل بنو إسرائيل حين أمروا بذبح البقرة بما هي وما لونها وما هي فشق ذلك عليهم وسأل ثمود صالحا الناقة وقوم عيسى المائدة وسأل بنو إسرائيل بعد موسى ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله مع جالوت ﴿ ثم أصبحوا بها ﴾ أي بسببها﴿ كافرين ﴾ حيث لم يأتمروا بما أمروا بعد سؤالهم، قال : أبو ثعلبة الخشني إن الله فرض فرائض فلا تضيقوها يعني بالسؤال ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا عن أشياء بغير نسيان فلا تبحثوا عنها، وروى البخاري عن قتادة عن أنس بن مالك قال : سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أحفوه بالمسألة فغضب فصعد المنبر فقال :( لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم ) فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل لان رأسه في ثوبه يبكي فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه، فقال : يا رسول الله من أبي ؟قال :( حذافة ) ثم أنشأ عمر فقال : رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا بمحمد رسولا نعوذ بالله من الفتن، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط )وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية :﴿ يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ﴾الآية، قال : يونس عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة ما سمعت بابن قط أعق منك أمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس، قال : عبد الله بن حذافة و الله لو ألحقني بعبد أسود للحقته، وروى أن عمر قال : يا رسول الله إنا حديث العهد بالجاهلية فأعف عنا يعف الله سبحانه عنك فسكن غضبه. وروى البخاري أيضا عن ابن عباس قال :( كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء فيقول الرجل من أبي ويقول الرجل ضلت ناقته أين ناقتي فأنزل الله هذه الآية ) قال : الحافظ ابن حجر لا مانع أن تكون نزلت في الأمرين وحديث ابن عباس في ذلك أصح إسنادا، قلت : وقصة السؤال عن الحج في كل عام أوفق بسياق الكتاب وإن كانت الآية نزلت في السؤال عن أبيه فمعنى لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم أنه إن تبدلكم نسبكم إلى غير أبيكم تفضحوا وتسؤكم،
وقال : مجاهد هذه الآية نزلت حين سألوا رسول الله ت عن البحيرة السائبة و الوصيلة وإلحام ألا تراه ذكرها ﴿ كفرين ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا صيلة ولا حام ﴾ كلمة من زائدة يعني ما شرع هذه الأشياء ووضع لها أحكاما، قال : ابن عباس البحيرة الناقة التي ولدت خمسة أبطن كانوا بحروا أذنها أي شقوها وتركوا الحمل عليها ولم يركبوها ولم يجزوأ وبرها ولم يمنعوها الماء والكلاء فإن كان خامس ولدها ذكر نحروه وأكله الرجال و النساء وإن كان أنثى بحروا أذنها أي شقوها، قال أبو عبيدة : السائبة البعير الذي يسيب وذلك أن الرجل من أهل الجاهلية إذا مرض أو غاب له قريب نذر فقال : إن شفاني الله أو شفي مريضي أو رد غائبي فناقتي هذه سائبة ثم تسيب فلا تحبس عن رعي وماء ولا يركبها أحد فكانت بمنزلة البحيرة، وقيل : الناقة إذا نتجت ثنتي عشرة أناثا سيبت ولم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك شق أذنها ثم خلى مع أمها فهي البحيرة بنت السائبة فعل بها كما فعل بأمها، وقال : علقمة العبد يسيب على أن لا ولاء عليه ولا عقل ولا ميراث وقال عليه السلام :( الولاء لمن أعتق ) و السائبة الفاعلة بمعنى المفعولة وهي المسيبة نحو عيشة راضية أي مرضية. وأما الوصيلة فمن الغنم كان الشاة إذا ولدت سبعة أبطن نظروا فإن كان السابع ذكرا ذبحوه فأكله الرجال والنساء، وإن كانت أنثى تركوها في الغنم وإن كانت ذكرا مع أنثى حراما على النساء فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا. وأما الحام فهو الفحل إذا ركب ولد ولده، ويقال إذا أنتج من صلبه عشرة أبطن قالوا حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من كلأ ولا ماء فإذا مات أكله الرجال والنساء روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال :( البحيرة التي تمنع درها للطواغيث فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء، والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثني بعده بالأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت احدهما بالأخرى ليس بينهما ذكر، والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإن قضى ضرابه دعوه للطواغيث وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه بالحام )قال : أبو هريرة قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( رأيت عمرو بن عامر الخراعي يجر قصبه في النار كان أول من سيب السوائب )قال : البغوي : روي عن محمد بن إسحاق : عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأكثم بن جون الخزاعي :) يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبة في النار فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ولا به منك وذلك أنه أول من غيره دين إسماعيل ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامي فلقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه ) فقال : أكثم أيضرني شبهه يا رسول الله ؟ فقال :( لا إنك مؤمن وهو كافر ) ﴿ ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب ﴾ في قولهم إن الله أمرنا بها﴿ وأكثرهم لا يعقلون ﴾ وجه التحليل والتحريم بل يقلدون كبارهم الجهال وفيه إشارة أن بعضهم يعرفون بطلان ذلك ولكن يمنعهم حب الرياسة، وتقليد الآباء أن يعترفوا به
﴿ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ﴾ في التحليل و التحريم﴿ قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ﴾حسبنا مبتدأ والخبر ما وجدنا يعني الذي وجدنا عليه آباءنا بيان لقصور عقلهم وأن لا استدلال لهم سوى التقليد﴿ أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ﴾ الواو للحال والهمزة دخلت عليها لإنكار التقليد على هذا الحال يعني أيحسبهم ما وجدوا عليه آباؤهم ولو كانوا جهلة ضالين يعني أي يحسبهم الجهل و الضلال الذي كان عليه آباؤهم، والحاصل أن الإقتداء لا يليق إلا بالعلماء المهتدين
﴿ يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ﴾ و الجار والمجرور إسم فعل جعلا اسما لالزموا فلذلك نصب أنفسكم يعني ألزموا إصلاحها وحفظوها ﴿ لا يضركم ﴾ يحتمل الرفع على أنه مستأنف، والجزم على أنه جواب أمر أو على أنه نهي ضمت الراء إتباعا لضمه الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة ﴿ من ضل إذا اهتديتم ﴾ قيل : نزلت الآية لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفار ويتمنون إيمانكم، أخرج أحمد والطبراني وغيرهما عن أبي عامر الأشعري قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال :( لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم } وقال مجاهد وسعيد بن جبير الآية في اليهود والنصارى يعني عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من أهل الكتاب إذا اهتديتم فخذوا منهم الجزية واتركوهم، وقيل : كان الرجل إذا أسلم يقال سفهت أباك، أخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولي عفرة قال : إنما نزلت هذه﴿ يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ﴾ لأن الرجل كان ليسلم ويكفر أبوه وأخوه فلما دخل في قلوبهم حلاوة الإيمان دعوا آبائهم وإخوانهم إلى الإسلام فقالوا : حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا فأنزل الله هذه الآية، وليست الآية في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن من الاهتداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب طاقته. عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ﴿ يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ﴾وإنكم تضعون على غير موضعها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الناس إذا رأوا منكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه )رواه ابن ماجة و الترمذي وصححه، وفي رواية أبي داود( إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب ) وفي أخرى له ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب ) وفي أخرى( ما من قوم يعمل فيهم المعاصي وهم أكثر ممن يعمله ) الحديث، وفي رواية ( ليأمرون بالمعروف ولينهن عن المنكر أو ليسلطن سبحانه عليكم شراركم فليسومنكم سوء العذاب ثم ليدعن الله عز وجل خياركم فلا يستجاب لكم ) وقال : البغوي : روي عن ابن عباس أنه قال : في هذه الآية : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قبل منكم فإن رد عليكم فعليكم أنفسكم، ثم قال : إن القرآن نزل منه أي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ومنه أي وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه آي وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم ومنه آي يقع تأويلهن في آخر الزمان ومنه آي يقع تأويلهن يوم القيامة ما ذكر من الحساب والجنة والنار فما دامت قلوبكم أهواءكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا ولم يذق بعضهم بأس بعض فأمرؤ ونفسه فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية. وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ و البيهقي في الشعب عن أبي العالية هذه القصة عن عبد الله بن مسعود، وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي ثعلبة الخشني في قوله تعال﴿ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ﴾فقال : أما والله لقد سألت عنها رسول الله فقال :( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرا لا بد لك منه فعليك نفسك ودع أمر العوام فإن وراءكم أيام الصبر فيهن صبر فمن قبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله، قالوا : يا رسول الله أجر خمسين منهم ؟ قال :( أجر خمسين منكم )وقيل : نزلت الآية في أهل الأهواء، قال : أبو جعفر الرازي دخل على صفوان بن محرز شاب من أهل الأهواء فذكر شيئا من أمره فقال : صفوان ألا أدلك على خاصة الله تعالى خص بها أولياه ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلا إذا هديتم ﴿ إلى الله مرجعكم جميعا ﴾ الضال والمهتدي ﴿ فينبئكم بما كنتم تعملون ﴾ فيجزي كل على حسب عمله، ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره فيه وعد ووعيد للفريقين،
ذكر البغوي : وأخرج نحوه البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن تميما الدارمي وعدي بن بدأ خرجا إلى الشام للتجارة وكانا حينئذ نصرانيين ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلما، فلما قدموا الشام مرض بديل ودون ما معه في صحيفة و طرحها في متاعه ولم يخبرهما به، وأوصى إليهما أن يدفعها متاعه إلى أهله ومات بديل ففتشا متاعه وأخذا منه إناء فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوشا بالذهب فغيباه ثم قضيا حاجتهما فانصرفا إلى المدينة فدفعا إلى أهل الميت ففتشوا فأصابوا صحيفة فيها تسمية ما كان معه، فجاؤا تميما وعديا فقالوا : هل باع صاحبنا شيئا من متاعه ؟ قالا : لا، قالوا : فهل اتجر تجارة ؟ قال : لا، قالوا : فهل طال مرضه، فأنفق على نفسه ؟ قالا : لا، فقالوا : إنا وجدنا في متاعه صحيفة فيها تسمية ما معه وإنا قد فقدنا منها إناء من فضة مموها بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال من فضة، قالا : لا ندري إنما أوصى لنا بشيء فأمرنا أن ندفع إليكم فدفعناه وما لنا من علم بالإناء فجحدوا فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت .
﴿ يأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ﴾شهادة بينكم مبتدأ خبره اثنان بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه تقديره شهادة بينكم شهادة اثنين لفظه خبر ومعناه أمر أي ليشهد اثنان، وجاز أن يكون اثنان فاعل المصدر يعني شهادة بينكم والمصدر مبتدأ خبره محذوف مقدم عليه تقديره فيما أمرتم شهادة اثنين أي أن يشهد اثنان، واتسع في بين فأضيف إليه المصدر والمراد بالشهادة الإشهاد بمعنى الإحضار للإيصاء إليهما يدل عليه سياق القصة المنزلة فيها كما في قوله تعالى :﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ وعدد الاثنان مبني على الأحوط والواحد يكفي للوصية إجماعا، وإذا حضر ظرف للشهادة أي الإشهاد، ومعنى إذا حضر أحدكم الموت إذا ظهرت أمارته، وقوله حين الوصية ظرف لحضر أو بدل من حضر في إبداله تنبيه على أن الوصية مما ينبغي أن لا يتهاون فيه يعني وقت حضور الموت وقت الوصية ضرورة ﴿ ذوا عدل منكم ﴾ أي من أهل دينكم يا معشر المؤمنين صفتان للاثنان فإن المسلمين العدول أولى للاستئمان ﴿ أو آخرين من غيركم إن أنتم ﴾مرفوع بفعل مضمر يفسره ما بعده﴿ ضربتم في الأرض ﴾ أي سافرتم ﴿ فأصبتكم الموت ﴾ فأوصيتم إليهما مالكم فاتهمهما بعض الورثة وادعوا عليهما خيانة، يدل على هذا التقدير سبب النزول حيث أصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما الإناء فجحد الوصيان ﴿ تحبسونهما ﴾ صفة لاثنان أو آخران يعني لكل عادلين من الحاضرين للإيصاء سواء كان منكم أومن غيركم ولا وجه لجعله صفة لآخرين فقط والمعنى تقفون الوصيين المنكرين للخيانة﴿ من بعد الصلاة ﴾ من زائدة والمراد بالصلاة صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار، وقيل : أي صلاة كان ﴿ فيقسمان ﴾أي الوصيان ﴿ بالله إن ارتبتم ﴾ شرط استغنى عن الجزاء بما سبق يعني إن ارتاب الوارث منكم ويتهم الوصيين بالخيانة وينكر أنها يستحلف الوصيين الحاكم فيقسمان بالله وإن لم يرتابوا أو لم يتهموا فلا حاجة إلى تحليفهما، فقوله إن ارتبتم اعراض وجواب القسم ﴿ لا نشتري به ﴾أي لا نستبدل بالقسم بالله ﴿ ثمنا ﴾عرضا من الدنيا أي لا نحلف بالله كذبا بالطمع ﴿ ولو كان ﴾الوصي ﴿ ذا قربى ﴾ من الميت وادعى الورثة عليه الخيانة يعني الاستحلاف لا يختص بالأجنبي عند إنكار الخيانة و الله أعلم ﴿ ولا نكتم شهادة الله ﴾ أي الشهادة التي أمر الله بإقامتها، والمراد بالشهادة ها هنا إظهار الحق والإخبار بالصدق ولو على أنفسهم قرأ يعقوب شهادة الله ممدودا جعل همزة الإستفهام عوضا عن حرف القسم أي والله﴿ إنا إذا ﴾ أي إذا كتمنا الحق ﴿ لمن الآثمين ﴾ فلما نزلت هذه الآية فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر دعا تميما وعديا فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو أنهما لم يختانا شيئا مما دفع إليهما فحلفا على ذلك وخلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلهما.
ثم وجد الإناء في أيديهما بعدما طال الزمان، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه وجد بمكة فقالوا : اشترينا عن تميم وعدي فبلغ ذلك بني سهم فأتوهم في ذلك فقالا انا كنا اشترينا منه هذا فقالوا : ألم تزعما أن صاحبنا لم يبع شيئا من متاعه، قالا : لم يكن عندنا بينه فكرهنا أن نقر لكم به فكتمنا لذلك، فرفعوهما إلى رسول الله فنزلت ﴿ فإن عثر ﴾
﴿ فإن عثر ﴾ أي اطلع وأصلا العثر الوقوع على الشيء ﴿ على أنهما ﴾ يعني الوصين ﴿ استحقا ﴾أي استوجبا وفعلا ما أوجب﴿ إثما ﴾بخيانتهما وأيمانهما الكاذبة وادعيا دعوى بالشراء أو نحو ذلك ليدفع عنهما تهمة الخيانة ﴿ فآخران ﴾ فشاهد أن آخر أن ﴿ يقومان ﴾ ليحلفا ﴿ مقامهما ﴾ مقام الوصيين، سمى الاثنان من الورثة شاهدين لأنهما بدعوى حقهما وتصديق الشرع لهما في أن الحق لهما يظهر أن إثم الشاهدين السابقين كأنهما شاهدان على إثمهما، وتخصيص الحلف باثنين من أقارب الميت لخصوص الواقعة التي نزلت لهما فإن كان وارث الميت واحدا يحلف هو أو أكثر من الاثنين يحلفوا جميعا حيث أنكروا ما ادعيا الوصيان من الشراء من الميت أو نحو ذلك﴿ من الذين استحق ﴾ قرأ حفص على البناء للفاعل يعني من أهل الميت الذين استحق﴿ عليهم ﴾ أي على الورثة﴿ الأولين ﴾ من بين الورثة بالشهادة وذلك بسبب كونهما أقرب إلى الميت غير محجوبين بغيرهما من الورثة استحقا على سائر الورثة بأن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهر بهما كذب الوصيين، وعلى هذه القراءة الأوليان فاعل لاستحق والجار والمجرور متعلق به، وقرأ الباقون استحق على البناء للمفعول أسند إلى عليهم، وعلى حينئذ بمعنى في كما في قوله تعالى :﴿ على ملك سليمان ﴾أي في ملكه يعني استحق الحلفان الإثم الحالفان الإثم فيهم أي بسببهم والأوليان صفة للآخرين، وإنما جاز ذلك مع أن الأوليان معرفة وآخران نكرة لأنه لما وصف الآخران بقوله تعالى من الذين صار معرفة والظاهر أن أوليان بدل من آخران أو من الضمير في يقومان، ولا يلزم خلو الصفة عن الضمير لأن المبدل منه موجود إن كان في حكم المطروح ولكون البدل عين المبدل منه فهو يسد مسده كالظاهر موضع الضمير أو خبر مبتدأ محذوف أي هما الأوليان والمراد بالأوليان الأقربان إلى الميت الذين لم يحجبهما غيرهما، وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة ويعقوب الأولين على أنه صفة الذين أو بدل منه أو من الأولين الذين استحق عليهم وسموا أولين لأنهم كانوا أولين في الذكر في قوله﴿ شهادة بينكم ﴾ ﴿ فيقسمان بالله ﴾ على خيانة الوصيين وكذبهما في دعوى الشراء ونحو ذلك ويقولان﴿ لشهادتنا أحق من شهادتهما ﴾ يعني يميننا أحق بالقبول من يمينهما كما في قوله تعالى :﴿ فشهادة أحدهم أربع شهادة بالله إنه من الصادقين ﴾ ﴿ وما اعتدينا ﴾ أي ما تجاوزنا الحق في أيماننا ﴿ إنا إذا ﴾ أي إذا إعتدينا ﴿ لمن الظالمين ﴾ الواضعين الباطل موضع الحق فلما نزلت هذه الآية قام رجلان من أولياء السهيم فحلفا هكذا في رواية البخاري، وفي رواية الترمذي فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا وسمى البغوي : الآخر المطلب بن وداعة السهمي حلفا بالله بعد العصر، ولعل حلف السهميان على عدم علمهما ببيع بديل الإناء من الوصيين، وروى الترمذي وضعه غيره من حديث ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية قال : يرى الناس منها غيري وغير عدي بن بداء كنا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتينا الشام لتجارتنا وقدم علينا مولى لبنى سهم يقال له بديل بن أبي مهيم بتجارة ومعنى جام من فضة فمرض فأوصى إلينا وأمرنا أن تبلغا ما ترك أهله، فلما مات أخدنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقدوا الجام فسألونا عنه، فقلنا غير هذا دفع إلينا فلما أسلمت وتأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلما فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه فحلف فأنزل الله تعالى﴿ يأيها الذين آمنوا شهادة بينكم ﴾ إلى قوله ﴿ أن ترد أيمان بعد أيمانهم ﴾ فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء
﴿ ذلك ﴾ الحكم بتحليف الوصيين عند ارتياب الورثة وتحليف الورثة عند دعوى الوصيين بالشراء ونحوه﴿ أدنى ﴾ أي أقرب من ﴿ أن يأتوا ﴾ أي يأتي الأوصياء﴿ بالشهادة ﴾ أي بإظهار الحق وبيان ما أوصى إليهم الميت ﴿ على وجهها ﴾ على نحو ما حملوها من غير خيانة فيها﴿ أو يخافوا ﴾ عطف على يأتوا أي أو أدنى أن يخافوا ﴿ أن ترد ﴾ على الورثة﴿ أيمان ﴾ على إنكار ما ادعاه الوصي ﴿ بعد أيمانهم واتقوا ﴾ عطف على محذوف أي أحفظوا أحكام الله وتقوا الله﴿ واسمعوا ﴾ ما أمركم الله سماع إجابة ﴿ والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾ يعني إن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم قوما فاسقين و الله لا يهدي القوم الفاسقين، إلى حجة أو حجة أو إلى طريق الجنة، وعلى هذا التفسير الذي ذكرت تطابق الآية سبب نزولها ولا يلزم النسخ لأن يمين الوصي عند إنكاره الخيانة ويمين الوارث عند إنكاره دعوى الوصي الشراء ونحو حكم ثابت محكم، وقد تقرر عند القوم أن شيئا من سورة المائدة لم ينسخ، وقيل : معنى الآية ليستشهد الميت عند احتضاره إذا أوصى لأحد رجلين ليؤديا الشهادة عند القاضي للموصى له ويدل عليه ظاهر قوله تعالى ﴿ لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ﴾ يعني لو كان الموصى له قربى منا لا نشهد له بالزيادة على الوصية طمعا وعلى هذا التأويل، قيل : معنى ذوا عدل منكم أي من حي الموصى أو آخران من غيركم أي من غير حيكم وعشيرتكم وهو قول الحسن والزهري وعكرمة.
مسألة : ولا يجوز شهادة كافر على مسلم في شيء من الأحكام، وقال : أكثر المفسرين معنى قوله تعالى منكم أي من أهل دينكم وملتكم ومن غيركم من غيرملتكم وبه قال : ابن عباس وأبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وسعيد ابن جبير ومجاهد وعبيدة، فقال : النخعي وجماعة هي منسوخة كانت شهادة أهل الذمة مقبولة في الابتداء ثم نسخت فإن شهادة الكافر على مسلم لا يسمع وذهب قوم إلى أنها ثابتة، وقالوا إذا لم يجد مسلمين ليشهد كافرين قال : شريح من كان بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهد على وصية فأشهد كافرين فشهادتهما جائزة ولا يجوز شهادة كافر على مسلم إلا على وصية، وعن الشعبي أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ولم يجد مسلما يشهده على وصية فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة بتركته وأتيا الأشعري فأخبراه وقدما بتركه ووصيته فقال : الأشعري هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأحلفهما وأمضى شهادتهما، قلت : ولو كان حكم هذه الآية ثابتة يجب أن يرد اليمين على الورثة إن ظهر كذب الشاهدين في الشهادة على الوصية بوجه
﴿ يوم يجمع الله الرسل ﴾ يعني يوم القيامة ظرف متعلق بلا يهدي يعني لا يهدي إلى طريق الجنة يوم يجمع، أو بدل من مفعول اتقوا بإضمار اذكروا أو احذروا ﴿ فيقول ﴾ الله تعالى للرسل ﴿ ماذا أجبتم ﴾ ماذا منصوب بأجبتم نصب المصدر أو بنزع الخافض، أي أي إجابة أجابتكم أمتكم أو بأي شيء مما دعوتم قومكم إجابتكم قومكم، وهذا السؤال لتوبيخ قومهم كما يسأل المؤودة بأي ذنب قتلت لتوبيخ الوائدة ﴿ قالوا ﴾ يعني الرسل ﴿ لا علم لنا ﴾ قال : ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي للقيامة أهوالا وزلازل يزول فيها القلوب عن مواضعها فيفزعوا من هول ذلك اليوم ويذهلون عن الجواب ويقولون لا علم لنا ثم بعدما ثابت إليهم عقولهم يشهدون على أممهم، وقال : ابن جريج معناه لا علم لنا بعاقبة أمرهم وبما أحدثوا بعدنا وبما أضمروا في قلوبهم ﴿ إنك أنت علام الغيوم ﴾ تعلم ما غاب عنا ونحن لا نعلم إلا ما نشاهده قرأ أبو بكر وحمزة الغيوب بكسر الغين حيث وقع والباقون بضمها، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى عرفتهم اختلجوا دوني فأقول أصيحابي أصيحابي فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك ) رواه البخاري وغيره و نظيره قوله تعالى حكاية عن عيسى﴿ وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتي كنت أنت الرقيب عليهم ﴾وروى عن عباس أنه قال : معناه لا علم لنا إلا علما أنت أعلم به منا، وقيل المعنى لا علم لنا إلى جنب عليك، وقيل : لا علم لنا بوجه الحكمة عن سؤالك إيانا عن أمر أنت أعلم به منا.
﴿ إذا قال الله ﴾ بدل من يجمع، يعني يوبخ الكفرة يومئذ تكذيبهم طائفة وسموهم سحرة وغلا آخرين فاتخذوهم آلهة أو منصوب بإضمار ذكر﴿ يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتي ﴾ لفظه واحد ومعناه جمع إذ المراد به الجنس ﴿ عليك وعلى والدتك ﴾ مريم حيث طهرتها واصطفيتها على نساء العالمين، قال : الحسن ذكر النعمة شكرها ﴿ إذا أيدتك ﴾ أي قويتك لنعمتي أو حال منه ﴿ بروح القدس ﴾ أي جبريل عليه السلام أو بالكلام الذي يحيى به النفوس حياة أبدية ويطهرها من الآثام، ولذا أضاف الروح إلى القدس لأنه سبب الطهر والذي يحيى به﴿ تكلم الناس ﴾ حال من مفعول أيدتك ﴿ في المهد ﴾ أي كائنا في المهد صبيا﴿ وكهلا ﴾ نبيا يعني يكلمهم في الطفولية والكهولة على سواء الحق حاله في الطفولية بحال الكهولة في كمال العقل والتكلم بالحكمة، وبه يستدل على أنه سينزل فإنه رفع قبل الكهولة، قال : ابن عباس أرسله الله وهو ابن ثلاثين سنة فمكث في رسالته ثلاثين شهرا ثم رفعه الله إليه، قال : بعض الأفاضل لا دلالة في النظم على التسوية بين الطفولية و الكهولة والأولى أن يجعل وكهلا تشبيها بليغا أي يكلمهم كائنا في المهد و كائنا كالكهل وحينئذ لا دلالة فيه على أنه سينزل ﴿ وإذ علمتك ﴾ عطف على إذ أيدتك﴿ الكتاب و الحكمة و التوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فتكون طيرا ﴾ قرأ نافع ويعقوب طائرا ﴿ بإذني وتبرى الأكمة والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني ﴾سبق تفسيره في سورة آل عمران ﴿ وإذ كففت ﴾ عطف على إذا علمتك يعني إذ منعت وصرفت ﴿ بني إسرائيل عنك ﴾ يعني اليهود حين هموا بقتلك﴿ إذ جئتهم بالبينات ﴾ يعني المعجزات المذكورات الدالة على نبوته ظرف لكففت ﴿ فقال الذين كفروا منهم هذا ﴾ يعني ما هذا الذي جئت به﴿ إلا سحر مبين ﴾ قرأ حمزة والكسائي هاهنا وفي سورة هود و الصف إلا ساحر، فالإشارة إلى عيسى عليه السلام وفي هود إلى محمد صلى الله عليه وسلم
﴿ وإذ أوحيت إلى الحواريين ﴾ عطف على إذ كففت ومعنى أوحيت آلهمتهم وقذفت في قلوبهم كذا روى عبد بن حميد عن قتادة وأبو الشيخ عن السدي، وقيل : معناه أمرتهم على لسان عيسى ﴿ أن آمنوا بي وبرسولي ﴾أن مصدرية، ويجوز أن يكون مفسرة لأوحيت﴿ قالوا ﴾ حين أمرتهم وفقتهم ﴿ آمنا ﴾ بالله و برسوله﴿ وأشهد ﴾ يا عيسى ﴿ بأننا مسلمون ﴾ مخلصون
﴿ إذ قال الحواريون ﴾ منصوب بأذكر أو ظرف لقالوا ﴿ يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ﴾ قرأ الجمهور يستطيع على الغيبة وربك مرفوعا على الفاعلية يعني هل يطيعك ربك إن سألته فاستطاع بمعنى أطاع كاستجاب بمعنى أجاب، أخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أن عليا كان يقرأ هل يستطيع ربك قال : هل يطيعك ربك، وفي الآثار من أطاع الله أطاعه الله أطاعه ويؤيده، قراءة الكسائي هل يستطيع بصيغة الخطاب لعيسى وربك منصوبا على المفعولية بحذف المضاف وهي قراءة علي وعائشة وابن عباس ومجاهد ورواه الحاكم من معاذ بن جبل يعني هل تستطيع سؤال ربك من غير صارف يصرفك عن سؤاله فيفعل ربك إجابة سؤالك قالت عائشة كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا هل يستطيع أن تدعوه رواه ابن شيبة وأبو الشيخ وغيرهما، وقيل : هذه الاستطاعة على ما يقتضيه الحكمة والإرادة لا على ما يقتضيه القدرة فلم يقولوا شاكين في قدرة الله بل كما يقول الرجل لصاحبه هل تستطيع أن تنهض معي وهو يعلم أنه يستطيع وهو يريد هل تفعل ذلك. وأجرى بعضهم على الظاهر فقالوا : كان ذلك قبل إستحكام المعرفة وكانوا بشرا حديث عهد بالجاهلية، ومن ثم فال : عيسى استعظاما لقومهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، يعني لا تشكوا في قدرته تعالى﴿ أن ينزل علينا مائدة من السماء ﴾ المائدة الخوان إذا كان عليه الطعام فاعلة من مادة يميده إذا أعطاه وأطعمه كأنها تميد أي تطعم من يقدم عليه، فالمائدة بمعنى المعطية المطعمة للآكلين الطعام وسمى الطعام أيضا مائدة على التجوز كما يقال جرى النهر، وقال : أهل الكوفة سميت مائدة لأنها تميد بالآكلين أي تتحرك، وقال : أهل البصرة فاعلة بمعنى المفعولة يعني مميدة بالآكلين ﴿ قال ﴾ عيسى ﴿ اتقوا الله ﴾ عن أمثال هذا السؤال الذي لم يسأل مثله الأمم السابقة نهاهم عن اقتراح الآيات ﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾ فإنه لا يجوز للمؤمنين اقتراح الآيات أو المعنى اتقوا ولا تشكوا في قدرته إن كنتم مؤمنين بكمال قدرته وصحة نبوتي أو إن كنتم صدقتم في إدعاء الإيمان،
أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وأبو بكر الشافعي في عن سلمان الفارسي قال : لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة كره ذلك جدا وقال : اقنعوا بما رزقكم الله تعالى في الأرض و لا تسألوا المائدة فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية فابتلوا بها فأبوا إلا أن يأتيهم بها فلذلك ﴿ قالوا ﴾ أي الحواريون إنما سألنا لأنا ﴿ نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ﴾ بانضمام علم المشاهدة إلى علم الاستدلال بكمال قدرته ﴿ قلوبنا أن قد صدقتنا ﴾ في ادعاء النبوة أي نزداد إيمانا أو يقينا قيل إن عيسى أمرهم أن يصوموا ثلاثين يوما فإذا أفطروا لا يسألون الله شيئا إلا أعطاهم ففعلوا وسئلوا المائدة وقالوا ونعلم أن قد صدقتنا بمعنى صدقتنا أن الله يجيب دعوتنا بعدما صمنا ثلاثين يوما ﴿ ونكون عليها من الشاهدين ﴾ لله بالوحدانية والقدرة ولك بالنبوة بعدما آمنا بذلك بالغيب، أو من الشاهدين لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم، قيل إن عيسى حينئذ اغتسل ولبس المسيح وصلي ركعتين وطأطأ رأسه وغض بصره وبكى.
﴿ قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا ﴾ نداء ثان لا صفة ولا بدل لأن اللهم لا يوصف ولا يبدل منه كذا قال : التفتازاني ﴿ أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا ﴾ قال : السدي معناه تتخذ ذلك اليوم عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا والعيد السرور بعد الغم، وقيل : يوم السرور سمى به للعود من الترح إلى الفرح، قيل : كان هو يوم الأحد ولذا اتخذه النصارى عيدا، وقيل : عيدا أي عائدة من الله حجة وبرهانا﴿ لأولنا وآخرنا وآية ﴾بدل من لنا بإعادة الجار أي يكون عيدا لمتقدمنا ومتأخرنا يعني أهل زماننا ومن جاء بعدنا على ملتنا، قال : ابن عباس يأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم والظاهر أن لنا خبرا كان وعيدا خبر ثان ولأولنا وآخرنا صفة لعيد أو آية عطف على عيد ﴿ منك ﴾ صفة لآية أي دلالة وحجة كائنة منك على كمال قدرتك وصحة نبوتي﴿ وارزقنا وأنت خير الرازقين ﴾
﴿ قال الله ﴾ تعالى مجيبا لعيسى عليه السلام ﴿ إني منزلها ﴾ يعني المائدة، قرأ نافع وابن عامر وعاصم مشددا من التفعيل والتفعيل يدل على التكثير مرة بعد أخرى والباقون مخففا من الأفعال ﴿ عليكم ﴾ إجابة إلى سؤالكم ﴿ فمن يكفر ﴾ بعد نزول المائدة ﴿ بعد منكم فإني أعذبه عذابا ﴾ أي تعذيبا مصدر للجنس ويجوز أن يجعل مفعولا به لعى السعة أي أعذبه بعذاب ويراد بالعذاب ما عذب به﴿ لا أعذبه ﴾ صفة لعذابا والضمير للمصدر أو للعذاب بمعنى ما يعذب به على حذف الجر﴿ أحد من العالمين ﴾أي من عالمي زمانهم أو العالمين مطلقا فإنهم مسخوا قردة وخنازير لما كفروا بعد نزول المائدة ولم يعذب بمثل ذلك غيرهم، وتمام حديث سلمان الفارسي المذكور أنه لما سأل عيسى ذلك ربه نزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه السلام وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة، واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قط ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحه، فقال : عيسى عليه السلام : ليقم أحسنكم عملا فيكشف عنها ويذكر اسم الله تعالى، فقال : شمعون الصفار رأس الحواريين أنت أولى بذكر كثير منا يا رسول الله، فقام عيسى عليه السلام فتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى كثيرا ثم كشف المنديل عنها وقال : بسم الله خير الرازقين، فإذا هو سمكة مشوية ليس عليها قلوسا ولا شوك عليها يسيل من الدسم وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث وإذا خمسة أرغفة على واحد زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد، فقال : شمعون يا روح الله أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة ؟فقال : ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ولكنه شيء افتعله الله تعالى بالقدرة الغالبة كلوا مما سألتم يمددكم ويزيدكم من فضله، قالوا يا روح الله كن أول من يأكل منها فقال : عيسى عليه السلام ومعاذ الله أن آكل منها ولكن يأكل منها سألها فخافوا أن يأكلوا منها، فدعا لها عيسى أهل الفاقة والمرض وأهل البرص والجذام والمتقعدين والمبتلين وقال : كلوا من رزق الله ولكم المهناء ولغيركم البلاء فأكلوا وصدر عنها ألف وثلاثمائة رجل وامرأة من فقير ومريض وزمن ومبتلى كلهم الشبعان، وإذا السمكة كهيئتها حين نزلت ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت فلم يأكل منها زمن ولا مريض ولا مبتلى وإلا عوفي ولا فقير إلا استغنى وندم من لم يأكل منها فلبث أربعين صباحا ينزل ضحى، فإن نزلت اجتمع الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء ولا تزال منصوبة تؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها في ظلها حتى توارت عنهم، وكانت تنزل غبا تنزل يوما ولا تنزل يوما كناقة ثمود فأوحى الله إلى عيسى عليه السلام اجعل مائدتي ورزقي للفقراء دون الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكوا وشككوا فيها ترون المائدة حقا ينزل من السماء، فأوحى الله تعالى إلى عيسى أني شرطت أن من كفر بعد نزولها عذبته عذابا لا أعذبه أحد من العالمين، فقال : عيسى عليه السلام ﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ فمسخ منها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون رجلا باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم فأصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكناسات ويأكلون العذرة في فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام وبكوا فلما أبصرت خنازير عيسى بكت وجعلت تطيف بعيسى عليه السلام فجعل عيسى يدعوهم بأسمائهم فيشيرون برؤسهم ويبكون ولا يقدرون على الكلام، فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا. وقال : البغوي : روى خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت خبزا ولحما وقيل : لهم إنها مقيمة لكل ما لم تخونوا وتخبئوا فما مضى يومهم حتى خانوا وخبئوا فمسخوا قردة وخنازير، وقال : ابن عباس أن عيسى عليه السلام قال : لهم صوموا ثلاثين يوما ثم سلوا الله ما شئتم يعطكموه فصاموا فلما فرغوا قالوا يا عيسى لو عملنا لأحد فقضينا عمله لأطعمنا وسألوا المائدة فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعتها بين أيديهم فأكل آخر الناس كما أولهم، وقال : كعب الأحبار نزلت مائدة منكوسة تطير بها الملائكة بين السماء والأرض عليها كل الطعام إلا اللحم، قال : سعيد بن جبير عن ابن عباس أنزل على المائدة شيء إلا الخبز واللحم، قال : قتادة كان علهما ثمر من ثمار الجنة، وقال : عطية العوفي نزلت من السماء سمكة فيها طعم كل شيء، وقال : الكلبي : كان عليها خبز رز، وقال : وهب بن منبه أنزل الله أقرصة من شعير وحيتانا وكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجيء آخرون فيأكلون حتى أكلوا بأجمعهم وفضل، وعن الكلبي : ومقاتل أنزل الله خبزا وسمكا وأرغفة فأكلوا ما شاء الله سبحانه وتعالى والناس ألف ونيف فلما رجعوا إلى قراهم ونشروا الحديث ضحك منهم من لم يشهد، وقالوا يحكم إنما سحر أعينكم فمن أراد الله به الخير ثبته على بصيرة ومن أراد فتنة رجع إلى كفره فمسخوا خنازير ليس فيهم صبي ولا امرأة فمكثوا بذلك ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا وكذلك كل ممسوخ، وقال : قتادة كانت المائدة تنزل عليهم بكرة وعيشا حيث كانوا كالمن والسلوى لبني إسرائيل، هكذا أقوال أكثر العلماء، قال : مجاهد والحسن لم تنزل المائدة فإن الله عز وجل لما أوعدهم على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا أن يفكر بعضهم فاستعفوا وقالوا لا نريدها فلم ينزل، ومعنى قوله تعالى :﴿ إني منزلها عليكم ﴾ يعني إن سألتم، والصحيح هو الذي عليه الأكثرون وأنها نزلت لقوله تبارك وتعالى﴿ إني منزلها عليكم ﴾ يعني إن سألتم، والصحيح هو الذي عليه الأكثرون أنها نزلت لقوله تبارك وتعالى﴿ إني منزلها عليكم ﴾ ولا خلف في خبره تعالى ولتواتر الأخبار به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين
﴿ وإذ قال الله ﴾ قال : البغوي : اختلفوا في هذا القول متى يكون ؟ فقال : السدي، قال الله تعالى ذلك حين رفعه إلى السماء يدل عليه كلمة إذ فإنها للماضي وصيغة قال، وقال : سائر المفسرين : إنما يقول الله تعالى له ذلك يوم القيامة يريد به توبيخ الكفرة وتبكيتهم بدليل قوله تعالى :﴿ يوم يجمع الله الرسل ﴾ وقوله تعالى﴿ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ﴾ وأراد بها يوم القيامة وقد يجيء إذ مع صيغة الماضي في المستقبل للدلالة على إتيانها لا محالة كأنها كائنة نظيره قوله تعالى ﴿ ولو ترى إذ فزعوا ﴾﴿ يا عيسى ابن مريم أأنت ﴾ توبيخ للكفرة قدمت المسند إليه على المسند الفعلي لتقوية النسبة لأن نسبة هذا القول إلى عيسى كان مستبعدة كان فاحتاجت إلى التقوية ففيه توبيخ للكفرة﴿ قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين ﴾ لم يقل ومريم مكان أمي للتوبيخ بأنك مع كونك مولود وهي والدة كيف وسعك دعوى الأولوهية مع وجوب تنزه الإله عن التوالد والتماثل﴿ من دون الله ﴾ صفة لإلهين أو صلة اتخذوني أو حال من فاعل اتخذوني أو من مفعوله، يعني حال كونكم متجاوزين الله في الاتخاذ أو حال كوني إلها دون الله ومعنى دون المغايرة، فيكون فيه تنبيها على أن عبادة الله مع عبادة غيره بمنزلة العدم فمن عبد الله مع عيسى ومريم فكأنه لم يعبد الله، وجاز أن يكون دون للقصور فإنهم لم يعتقدوا عيسى ومريم مستقلين باستحقاق العبادة بل زعموا أن عبادتهما توصل إلى عبادة الله، قال : أبو روق إذا يسمع عيسى هذا الخطاب ترعد مفاصله وتتفجر من أصل كل شعر على جسده عين من دم ثم يقول كما حكى الله تعالى عنه ﴿ قال ﴾ عيسى ﴿ سبحانك ﴾ يعني أسبحانا وأنزهك تنزيها من أن يكون لك شريك أو تنزيها من أن يكون في العالم بالحقيقة محتاجا إلى الاستفهام و البيان﴿ ما يكون لي ﴾ أي ما ينبغي لي ﴿ أن أقول ما ليس لي بحق ﴾أي قولا لا يحق لي﴿ إنك كنت قلته فقد علمته ﴾ يعني لا حاجة لي إلى الاعتذار لأنك تعلم أني لم أقله ولو قلته لعلمته لأنك﴿ تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ﴾، يعني تعلم ما أخفيته في نفسي ولا أعلم ما تخفيه من المعلومات والمراد بالنفس الذات وتعبيره بالنفس للمشاكلة﴿ إنك أنت علام الغيوب ﴾ مر اختلاف القراءة في الغيوب ما كان منها وما يكون الجملة خبر، وأنت تأكيد لاسم إن تقدير للجملتين السابقين بالمنطوق والمفهوم
﴿ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ﴾ تصريح بنفي المستقيم عنه بعد تقديم ما يدل عليه ﴿ أن اعبدوا الله ربي وربكم ﴾ يعني وحدوه ولا تشركوا به شيئا وهو خالقي كما هو خالقكم، إن مع صلته عطف بيان للضمير في به ولا تشركوا به شيئا وهو الخالقي كما هو خالقكم، إن مع صلته عطف بيان للضمير في به أو بدل منه وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقا حتى يلزم بقاء الموصول بلا عائد أو خبر مبتدأ محذوف، أعني هو أو منصوب بتقدير أعني ولا يجوز إبداله من ما أمرتني به فإن المصدر لا يكون مقول القول ولا أن يكون إن مفسرة لأن الأمر مسند إلى الله وهو يقول أعبدوا الله ربي وربكم، والقول لا يفسر بأن اللهم إلا أن يقال القول ما مأول بالأمر تقديره ما أمرتهم إلا ما أمرتني به ثم فسر عيسى أمر نفسه بقوله أن أعبدوا الله وفي وضع قلت موضع أمرت نكتة جليلة هي التحاشي عن أن يجعل نفسه كالرب في كونه آمرا﴿ وكنت عليهم شهيدا ﴾ رقيبا ومشاهدا لأحوالهم من الكفر والإيمان مرشدهم إلى الحق ما نعهم من القول والاعتقاد الباطل﴿ ما دمت فيهم فلما توفيتني ﴾ يعني قبضتني ورفعتني إليك والتوفي أخذ الشيء وافيا والموت نوع منه قال الله تعالى :﴿ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ﴾﴿ كنت أنت الرقيب عليهم ﴾ المحافظ بأعمالهم والمراقب لأحوالهم فتمنع من أردت عصمته بالإرشاد إلى الدلائل وإرسال الرسل وإنزال الكتب والتوفيق ﴿ وأنت على كل شيء شهيد ﴾ من قولي وفعلي وقولهم وفعلهم
﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك ﴾ ولا اعتراض على المالك المطلق بما فعل بملكه كيف وقد عبدوا غيرك وأنت خلقتهم وشكروا سواك وأنت أنعمت عليهم﴿ وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز ﴾ القادر الغالب القوي على الثواب والعقاب فمغفرتك ليست عن عجز حتى يستقبح ﴿ الحكيم ﴾ لا تفعل إلا بمقتضى الحكمة يعني أن عذبت فعدل وإن غفرت ففضل وعدم غفران المشرك بمقتضى الوعيد لا ينافي جواز المغفرة لذاته حتى يمتنع الترديد والتعلق بأن، وليس فيه طلب المغفرة للكفار ومن ثم لم يقل فإنك أنت الغفور الرحيم، بل فيه تسليم الأمر وتفويضه إلى إرادة الله تعالى وحكمته، وكان ابن مسعود يقرأ إن تغفر لهم فإنهم عبادك وإن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم وكأن هذه القراءة كان نظرا إلى مناسبة العزيز الحكيم بالتعذيب دون المغفرة ولذلك، قيل : في الآية تقديم وتأخير وقد عرفت أن المستحسن المناسب هو الذي في القراءة المتواترة عن عبد الله بن عمر وبن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلى قوله تعالى في إبراهيم عليه السلام ﴿ رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني من عصاني فإنك غفور رحيم( ٣٦ ) ﴾ وفي عيسى قال﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم( ١١٨ ) ﴾فقال : اللهم أمتي وبكى فقال : الله سبحانه يا جبرائيل اذهب إلى محمد وربك أعلم فاسأله ما يبكيك، فأتاه جبرائيل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال : الله تعالى يا جبرائيل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك
﴿ قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ﴾ قرأ نافع يوم بالفتح أمك على أنه منصوب ظرفا لقال أي قال الله هذا الكلام لعيسى يوم ينفع، وجاز أن يكون خبر هذا محذوف يعني قال : الله هذا حق يعني ما قال : عيسى حق، قال : ذلك يوم ينفع تصديقا لعيسى ومزيد وتوبيخ لأمة أو ظرفا مستقرا واقعا خبرا لهذا يعني هذا الذي مر من كلام عيسى واقع يوم ينفع فالجملة تأكيد لما سبق، وإما على أنه مرفوع خبرا لهذا لكنه بني على الفتح لإضافته إلى المبني لا يقال إنه مضاف إلى المضارع وهو معرب لأنا نقول المضاف إليه هو الجملة الفعلية لا المضارع فحسب، وقرأ الجمهور بالرفع بالضم على أنه خبر هذا، وفيه رد لما يفهم من الاستغفار في حق الكفار يعني هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم دون الكاذبين الكفار حيث لا مغفرة لهم، ويحتمل أن يراد به إزالة خوف عيسى من صورة هذا السؤال والمعنى هذا يوم ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة وأما الكاذبون في الدنيا لو صدقوا في الآخرة﴿ قالوا لم نك من المصلين( ٤٣ ) ولم نطعم المسكين ﴾ وقال : الشيطان﴿ إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم ﴾ الآية لا ينفع صدقهم وكذا لا ينفعهم كذبهم بل لو كانوا قالوا والله ربنا ما كنا مشركين يختم على أفواههم ونطقت جوارحهم فافتضحوا، قيل : أراد بالصادقين النبيين، وقال : الكلبي ينفع المؤمنين إيمانهم، وقال : عطاء يوم من أيام الدنيا لأن الآخرة دار جزاء لا دار عمل ثم بين الله نفعهم وثوابهم فقال :﴿ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ﴾لأجل المحبة من الجانبين كذا قالت الصوفية، وقال : العامة رضي الله عنهم بالسعي المشكور ورضوا عنه بالجزاء الموفور﴿ ذلك الفوز العظيم ﴾لأنه باق بخلاف الفوز في الدنيا
ثم عظم الله نفسه ونبه على كذب النصارى وبطلان دعواهم في عيسى وأمه فقال :" ﴿ لله ملك السماوات والأرض وما فيهن ﴾لم يقل من فيهم تغليبا للعقلاء وقال : ما فيهن إتباعا لهم غير العقلاء تنبيها لغاية قصورهم عن مرتبة الألوهية بسبب مجالسهم لغير العقلاء في الإمكان والقصور في العلم والإرادة ونحو ذلك بل الصفات الكاملة في الممكن بمنزلة العدم قال : الله تعالى :﴿ إنك ميت وإنهم ميتون( ٣٠ ) ﴾ يعني في حدود ذواتكم ولأن كلمة ما تطلق على الأجناس كلها فهي أولى لإرادة العموم﴿ وهو على كل شيء قدير ﴾ من المنع والإعطاء و الإيجاد والإفناء.
تمت سورة المائدة وعمت الفائدة ونرجو العائدة إن شاء الله تعالى.
في السادس عشر من ذي القعدة سنة ألف ومائة وثمان وتسعين.