تفسير سورة العلق

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة العلق من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
( مكية، وهي تسع عشرة آية، واثنتان وتسعون كلمة، ومائتان وثمانون حرفا )
قال أكثر المفسرين : هذه السورة أول سورة نزلت من القرآن، وأول ما نزل خمس آيات من أولها إلى قوله﴿ ما لم يعلم ﴾ ( ق ) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت :" أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة " - ولمسلم " الصادقة " - في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه، وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الوحي " وفي رواية حتى فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال اقرأ قال : ما أنا بقارئ قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ. قلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال. اقرأ، فقلت : ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم ﴾ حتى بلغ﴿ ما لم يعلم ﴾ فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة بنت خويلد فقال : زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة : أي خديجة ما لي، وأخبرها الخبر قال : لقد خشيت على نفسي. قالت له خديجة : كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن بكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة : أي ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما أرى، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا. ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟ قال : نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي ". زاد البخاري قال : حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك.
( فصل )
في هذا الحديث دليل صحيح صريح على أن سورة اقرأ أول ما نزل من القرآن، وفيه رد على من قال : إن المدثر أول ما نزل من القرآن، وقد تقدم الكلام على ذلك والجمع بين القولين في أول سورة المدثر، وهذا الحديث من مراسيل الصحابة ؛ لأن عائشة لم تدرك هذه القصة، فيحتمل أنها سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره من الصحابة، ومرسل الصحابي حجة عند جميع العلماء إلا ما انفرد به الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني، وإنما ابتدئ صلى الله عليه وسلم بالرؤيا لئلا يفجأه الملك، فيأتيه بصريح النبوة بغتة فلا تحملها القوى البشرية، فبدئ بأول علامات النبوة توطئة للوحي، وأما التحنث فقد فسر في الحديث بالتعبد، وهو تفسير صحيح ؛ لأن أصل التحنث من الحنث، وهو الإثم، والمعنى أنه فعل فعلا يخرج به من الإثم، وقولها :" فجأه الحق " أي جاءه الحق بالوحي بغتة.
قوله :" فغطني " بالغين المعجمة، والطاء المشالة المهملة، أي عصرني، وضمني ضما شديدا، وهو قوله " حتى بلغ مني الجهد " قال العلماء : والحكمة في الغط شغله عن الالتفات إلى غيره، والمبالغة في صفاء قلبه، ولهذا كرره ثلاثا.
قوله :" زملوني زملوني " كذا هو في الروايات مكرر مرتين، ومعناه غطوني بالثياب، وقوله " حتى ذهب عنه الروع " أي الفزع. قولها :" كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا " يروى بضم الياء وبالخاء المعجمة من الخزي أي لا يفضحك الله، ولا يكسرك، ولا يهينك ولا يذلك، وروي بفتح الياء وبالحاء المهملة وبالنون أي : لا يحزنك من الحزن الذي هو ضد الفرح. وقولها :" وتحمل الكل " أي الثقيل والحوائج المهمة، و " تكسب المعدوم " أي تعطي المال لمن هو معدوم عنده، ومعنى كلام خديجة أنك لا يصيبك مكروه لما جعل فيك من مكارم الأخلاق، وحميد الفعال، وخصال الخير، وذلك سبب السلامة من مصارع السوء.
قولها :" وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية " وفي رواية مسلم " وكان يكتب الكتاب العربي يكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله تعالى أن يكتب " ومعناهما صحيح، وحاصله أنه تمكن من دين النصرانية بحيث صار يتصرف في الإنجيل، فيكتب أي موضع شاء منه بالعبرانية إن أراد، أو بالعربية إن أراد ذلك، قوله :" هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى " هو بالنون والسين المهملة، يعني جبريل عليه الصلاة والسلام، ومعنى الناموس صاحب خبر الخير. وإنما سمي جبريل بذلك لأن الله خصه بالوحي إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قوله :" يا ليتني فيها : ، أي في أيام النبوة وإظهار الرسالة. " جذعا " أي شابا قويا حتى أبالغ في نصرتك، وهو قوله :" وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا " أي قويا بالغا. قولها :" ثم لم يلبث ورقة أن توفي " أي فلم يلبث أن مات قبل ظهور النبي صلى الله عليه وسلم. قوله :" كي يتردى التردي الوقوع من علو "، وذروة الجبل أعلاه. قوله :" تبدى له " أي ظهر له. قوله :" فيسكن لذلك جأشه " أي قلبه، وقيل : الجأش هو ثبوت القلب عند الأمر العظيم المهول، وقيل : الجأش هو ما ثار من فزعه وهاج من حزنه. والله أعلم.

صلّى الله عليه وسلّم بالرؤيا لئلا يفجأه الملك، فيأتيه بصريح النبوة بغتة فلا تحملها القوى البشرية، فبدئ بأول علامات النبوة توطئه للوحي، وأما التّحنث فقد فسر في الحديث بالتعبد، وهو تفسير صحيح لأن أصل التحنث من الحنث، وهو الإثم، والمعنى أنه فعل فعلا يخرج به من الإثم وقولها فجأة الحق أي جاءه الحق بالوحي بغتة.
قوله: فغطني بالغين المعجمة، والطاء المشالة المهملة، أي عصرني، وضمني ضما شديدا، وهو قوله حتى بلغ مني الجهد قال العلماء: والحكمة في الغط شغله عن الالتفات إلى غيره، والمبالغة في صفاء قلبه ولهذا كرره ثلاثا.
قوله: زملوني زملوني كذا هو في الروايات مكرر مرتين، ومعناه غطوني بالثياب، وقوله حتى ذهب عنه الرّوع أي الفزع قولها كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا يروى بضم الياء وبالخاء المعجمة من الخزي أي لا يفضحك الله، ولا يكسرك، ولا يهينك ولا يذلك وروي بفتح الياء وبالحاء المهملة وبالنون أي لا يحزنك من الحزن الذي هو ضد الفرح وقولها وتحمل الكل أي الثقيل والحوائج المهمة، وتكسب المعدوم أي تعطي المال لمن هو معدوم عنده ومعنى كلام خديجة أنك لا يصيبك مكروه لما جعل فيك من مكارم الأخلاق وحميد الفعال. وخصال الخير وذلك سبب السلامة من مصارع السوء.
قولها: وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية وفي رواية مسلم «وكان يكتب الكتاب العربي يكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله تعالى أن يكتب» ومعناهما صحيح وحاصله أنه تمكن من دين النصرانية بحيث صار يتصرف في الإنجيل، فيكتب أي موضع شاء منه بالعبرانية إن أراد، أو بالعربية إن أراد ذلك، قوله هذا النّاموس الذي أنزل الله على موسى هو بالنون والسين المهملة، يعني جبريل عليه الصّلاة والسّلام ومعنى النّاموس صاحب خبر الخير. إنما سمي جبريل بذلك لأن الله خصه بالوحي إلى الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام قوله يا ليتني فيها، أي في أيام النّبوة وإظهار الرّسالة جذعا أي شابا قويا حتى أبالغ في نصرتك، وهو قوله وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا أي قويا بالغا قولها ثم لم يلبث ورقة أن توفي أي فلم يلبث أن مات قبل ظهور النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله كي يتردى التّردي الوقوع من علو، وذروة الجبل أعلاه قوله تبدى له أي ظهر له قوله فيسكن لذلك جأشه أي قلبه، وقيل الجأش هو ثبوت القلب عند الأمر العظيم المهول، وقيل الجأش هو ما ثار من فزعه وهاج من حزنه والله أعلم.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة العلق (٩٦): آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)
قوله عزّ وجلّ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ قيل الباء زائدة مجازه اقرأ اسم ربك، والمعنى اذكر اسم ربك أمر أن يبتدئ القراءة باسم الله تأديبا، وقيل الباء على أصلها والمعنى اقرأ القرآن مفتتحا باسم ربك أي قل بسم الله، ثم اقرأ فعلى هذا يكون في الآية دليل على استحباب البداءة بالتسمية في أول القراءة، وقيل معناه اقرأ القرآن مستعينا باسم ربك على ما تتحمله من النبوة وأعباء الرّسالة الَّذِي خَلَقَ يعني جميع الخلائق وقيل الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه وقيل الذي خلق كل شيء.

[سورة العلق (٩٦): الآيات ٢ الى ١٠]

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦)
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠)
خَلَقَ الْإِنْسانَ يعني آدم وإنما خص الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لأنه أشرفها، وأحسنها خلقه مِنْ عَلَقٍ جمع علقة ولما كان الإنسان اسم جنس في معنى الجمع جمع العلق ولمشاكله رؤوس الآي أيضا اقْرَأْ كرره تأكيدا وقيل الأول اقرأ في نفسك، والثاني اقرأ للتبليغ وتعليم أمتك ثم استأنف. فقال تعالى:
وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ يعني الذي لا يوازيه كريم ولا يعادله في الكرم نظير وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم كما جاء الأعز بمعنى العزيز، وغاية الكريم إعطاؤه الشيء من غير طلب العوض، فمن طلب العوض فليس بكريم، وليس المراد أن يكون العوض عينا بل المدح والثّواب عوض والله سبحانه وجلّ جلاله وتعالى علاؤه وشأنه يتعالى عن طلب العوض ويستحيل ذلك في وصفه لأنه أكرم الأكرمين، وقيل الأكرم هو الذي لا الابتداء في كل كرم وإحسان وقيل هو الحليم عن جهل العباد فلا يعجل عليهم بالعقوبة، وقيل يحتمل أن يكون هذا حثا على القراءة، والمعنى اقرأ وربك الأكرم لأنه يجزي بكل حرف عشر حسنات الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ أي الخط والكتابة التي بها تعرف الأمور الغائبة وفيه تنبيه على فضل الكتابة لما فيها من المنافع العظيمة لأن بالكتابة ضبطت العلوم، ودونت الحكم وبها عرفت أخبار الماضين، وأحوالهم وسيرهم ومقالاتهم ولولا الكتابة ما استقام أمر الدين والدنيا قال قتادة:
القلم نعمة من الله عظيمة. لولا القلم لم يقم دين ولم يصلح عيش، فسأل بعضهم عن الكلام، فقال ربح لا يبقى قيل له فما قيده قال الكتابة لأن القلم ينوب عن اللّسان ولا ينوب اللّسان عنه عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ قيل يحتمل أن يكون المراد علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، فيكون المراد من ذلك معنى واحدا، وقيل علمه من أنواع العلم، والهداية، والبيان، ما لم يكن يعلم، وقيل علم آدم الأسماء كلها، وقيل المراد بالإنسان هنا محمد صلّى الله عليه وسلّم.
قوله عزّ وجلّ: كَلَّا أي حقا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أي يتجاوز الحد، ويستكبر على ربه أَنْ أي لأن رَآهُ اسْتَغْنى أي رأى نفسه غنيا وقيل يرتفع عن منزلته إلى منزلة أخرى في اللّباس والطعام وغير ذلك، نزلت في أبي جهل وكان قد أصاب مالا فزاد في ثيابه ومركبه وطعامه فذلك طغيانه إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
أي المرجع في الآخرة وفيه تهديد، وتحذير لهذا الإنسان من عاقبة الطغيان، ثم هو عام لكل طاغ متكبر.
[سورة العلق (٩٦): الآيات ٩ الى ١٩]
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣)
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨)
كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى نزلت في أبي جهل وذلك أنه نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الصّلاة (م) عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم، فقيل نعم فقال واللّات والعزّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب قال فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي ليطأ على رقبته قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، فقيل له ما لك قال إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» فأنزل الله هذه الآية، لا أدري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه كلا إن الإنسان ليطغى إلى قوله كلا لا تطعه قال: وأمره بما أمره به زاد في رواية، فليدع ناديه يعني قومه (خ) عن ابن عباس قال قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي عند البيت لأطأن على عنقه. فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «لو فعله لأخذته الملائكة» زاد التّرمذي عيانا ومعنى أرأيت تعجبا للمخاطب وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفائدة التنكير في قوله عبدا تدل على أنه كامل العبودية، والمعنى أرأيت الذي ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية، وهذا دأبه وعادته، وقيل إن هذا الوعيد يلزم لكل من ينهى عن الصلاة عن طاعة الله تعالى، ولا يلزم منه عدم جواز المنع من الصّلاة في الدّار المغصوبة، وفي الأوقات المكروهة لأنه قد ورد النهي عن ذلك في الأحاديث الصّحيحة، ولا يلزم من ذلك أيضا عدم جواز منع المولى عبده، والرجل زوجته عن قيام الليل، وصوم
448
التّطوع والاعتكاف لأن ذلك استيفاء مصلحة إلا أن يأذن فيه المولى أو الزوج أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى يعني العبد المنهي وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى يعني في الإخلاص والتوحيد أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ يعني أبا جهل وَتَوَلَّى أي عن الإيمان وتقدير نظم الآية أرأيت الذي ينهي عبدا إذا صلّى وهو على الهدى آمر بالتّقوى والنّاهي مكذب متول عن الإيمان أي أعجب من هذا أَلَمْ يَعْلَمْ يعني أبا جهل بِأَنَّ اللَّهَ يَرى يعني يرى ذلك الفعل فيجازيه به، وفيه وعيد شديد وتهديد عظيم كَلَّا أي لا يعلم ذلك أبو جهل لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ يعني عن إيذاء محمد صلّى الله عليه وسلّم وعن تكذيبه لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ أي لنأخذن بناصيته فلنجرنه إلى النّار، يقال سفعت بالشيء إذا أخذته وجذبته جذبا شديدا والناصية شعر مقدم الرأس والسفع الضرب أي لنضربن وجهه في النار، ولنسودن وجهه ولنذلنه ثم قال على البدل ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ أي صاحبها كاذب خاطئ.
قال ابن عباس: لما نهى أبو جهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الصلاة انتهره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أبو جهل: أتنتهرني فو الله لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلا جردا، ورجالا مردا وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي فجاءه أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي صلّى الله عليه وسلّم فزبره فقال أبو جهل إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني فأنزل الله تعالى فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن غريب صحيح، ومعنى فليدع ناديه أي عشيرته وقومه فلينتصر بهم، وأصل النادي المجلس الذي يجمع الناس، ولا يسمى ناديا ما لم يكن فيه أهله سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ يعني الملائكة الغلاظ الشداد قال ابن عباس: يريد زبانية جهنم سموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النّار إليها بشدة مأخوذ من الزّبن وهو الدفع كَلَّا أي ليس الأمر على ما هو عليه أبو جهل لا تُطِعْهُ أي في ترك الصّلاة وَاسْجُدْ يعني صل لله وَاقْتَرِبْ أي من الله (م) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء» وهذه السّجدة من عزائم سجود التلاوة عند الشّافعي فيسن للقارئ، والمستمع أن يسجد عند قراءتها يدل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال «سجدنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في اقرأ باسم ربك وإذا السماء انشقت» أخرجه مسلم والله سبحانه وتعالى أعلم.
449
﴿ اقرأ ﴾ كرره تأكيداً. وقيل : الأول اقرأ في نفسك، والثاني اقرأ للتبليغ وتعليم أمتك، ثم استأنف فقال تعالى :﴿ وربك الأكرم ﴾ يعني الذي لا يوازيه كريم، ولا يعادله في الكرم نظير، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم، كما جاء الأعز بمعنى العزيز، وغاية الكريم إعطاؤه الشيء من غير طلب العوض، فمن طلب العوض فليس بكريم، وليس المراد أن يكون العوض عيناً ؛ بل المدح والثّواب عوض، والله سبحانه وجلَّ جلاله وتعالى علاؤه وشأنه يتعالى عن طلب العوض، ويستحيل ذلك في وصفه ؛ لأنه أكرم الأكرمين. وقيل : الأكرم هو الذي له الابتداء في كل كرم وإحسان. وقيل : هو الحليم عن جهل العباد، فلا يعجل عليهم بالعقوبة، وقيل : يحتمل أن يكون هذا حثاً على القراءة، والمعنى : اقرأ وربك الأكرم ؛ لأنه يجزي بكل حرف عشر حسنات.
﴿ الذي علم بالقلم ﴾ أي الخط والكتابة التي بها تعرف الأمور الغائبة، وفيه تنبيه على فضل الكتابة لما فيها من المنافع العظيمة ؛ لأن بالكتابة ضبطت العلوم، ودونت الحكم وبها عرفت أخبار الماضين، وأحوالهم وسيرهم ومقالاتهم، ولولا الكتابة ما استقام أمر الدين والدنيا، قال قتادة : القلم نعمة من الله عظيمة. لولا القلم لم يقم دين ولم يصلح عيش، فسأل بعضهم عن الكلام، فقال : ربح لا يبقى، قيل له : فما قيده ؟ قال : الكتابة، لأن القلم ينوب عن اللّسان ولا ينوب اللّسان عنه.
﴿ علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ قيل : يحتمل أن يكون المراد علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، فيكون المراد من ذلك معنى واحداً. وقيل : علمه من أنواع العلم، والهداية، والبيان، ما لم يكن يعلم. وقيل : علم آدم الأسماء كلها. وقيل : المراد بالإنسان هنا محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله عزّ وجلّ :﴿ كلا ﴾ أي حقاً ﴿ إن الإنسان ليطغى ﴾ أي يتجاوز الحد، ويستكبر على ربه.
﴿ أن ﴾ أي لأن ﴿ رآه استغنى ﴾ أي رأى نفسه غنياً، وقيل : يرتفع عن منزلته إلى منزلة أخرى في اللّباس والطعام وغير ذلك، نزلت في أبي جهل وكان قد أصاب مالاً فزاد في ثيابه ومركبه وطعامه، فذلك طغيانه.
﴿ إن إلى ربك الرجعى ﴾ أي المرجع في الآخرة، وفيه تهديد وتحذير لهذا الإنسان من عاقبة الطغيان، ثم هو عام لكل طاغ متكبر.
﴿ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ﴾ نزلت في أبي جهل، وذلك أنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة. ( م ) عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم. فقال : واللاّت والعزّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب. قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، قال : فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، فقيل له : ما لك ؟ قال : إن بيني وبينه خندقاً من نار، وهولاً وأجنحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً " فأنزل الله هذه الآية، لا أدري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه ﴿ كلا إن الإنسان ليطغى ﴾ إلى قوله ﴿ كلا لا تطعه ﴾ قال : وأمره بما أمره به، زاد في رواية ﴿ فليدع ناديه ﴾ يعني قومه. ( خ ) عن ابن عباس قال :" قال أبو جهل : لئن رأيت محمداً يصلي عند البيت لأطأن على عنقه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" لو فعله لأخذته الملائكة " زاد التّرمذي " عياناً ". ومعنى ﴿ أرأيت ﴾ تعجباً للمخاطب وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفائدة التنكير في قوله ﴿ عبداً ﴾ تدل على أنه كامل العبودية، والمعنى أرأيت الذي ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية، وهذا دأبه وعادته، وقيل : إن هذا الوعيد يلزم لكل من ينهى عن الصلاة عن طاعة الله تعالى، ولا يلزم منه عدم جواز المنع من الصّلاة في الدّار المغصوبة، وفي الأوقات المكروهة ؛ لأنه قد ورد النهي عن ذلك في الأحاديث الصّحيحة، ولا يلزم من ذلك أيضاً عدم جواز منع المولى عبده، والرجل زوجته عن قيام الليل، وصوم التّطوع والاعتكاف ؛ لأن ذلك استيفاء مصلحة إلا أن يأذن فيه المولى أو الزوج.
﴿ أرأيت إن كان على الهدى ﴾ يعني العبد المنهي وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ أو أمر بالتقوى ﴾ يعني في الإخلاص والوحيد.
﴿ أرأيت إن كذب ﴾ يعني أبا جهل ﴿ وتولى ﴾ أي عن الإيمان، وتقدير نظم الآية : أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى وهو على الهدى آمر بالتّقوى، والنّاهي مكذب متول عن الإيمان، أي أعجب من هذا.
﴿ ألم يعلم ﴾ يعني أبا جهل ﴿ بأن الله يرى ﴾ يعني يرى ذلك الفعل فيجازيه به، وفيه وعيد شديد وتهديد عظيم.
﴿ كلا ﴾ أي لا يعلم ذلك أبو جهل ﴿ لئن لم ينته ﴾ يعني عن إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم وعن تكذيبه ﴿ لنسفعاً بالناصية ﴾ أي لنأخذن بناصيته فلنجرنه إلى النّار، يقال : سفعت بالشيء إذا أخذته وجذبته جذباً شديداً، والناصية شعر مقدم الرأس، والسفع الضرب، أي لنضربن وجهه في النار، ولنسودن وجهه ولنذلنه، ثم قال على البدل.
﴿ ناصية كاذبة خاطئة ﴾ أي صاحبها كاذب خاطئ.
قال ابن عباس : لما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل : أتنتهرني ؟ فوالله لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلاً جرداً، ورجالاً مرداً. وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فجاءه أبو جهل فقال : ألم أنهك عن هذا ؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فزبره، فقال أبو جهل : إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني. فأنزل الله تعالى ﴿ فليدع ناديه سندع الزبانية ﴾ قال ابن عباس : والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله. أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن غريب صحيح. ومعنى فليدع ناديه أي عشيرته وقومه فلينتصر بهم، وأصل النادي المجلس الذي يجمع الناس، ولا يسمى نادياً ما لم يكن فيه أهله.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:قال ابن عباس : لما نهى أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو جهل : أتنتهرني ؟ فوالله لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلاً جرداً، ورجالاً مرداً. وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فجاءه أبو جهل فقال : ألم أنهك عن هذا ؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فزبره، فقال أبو جهل : إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني. فأنزل الله تعالى ﴿ فليدع ناديه سندع الزبانية ﴾ قال ابن عباس : والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله. أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن غريب صحيح. ومعنى فليدع ناديه أي عشيرته وقومه فلينتصر بهم، وأصل النادي المجلس الذي يجمع الناس، ولا يسمى نادياً ما لم يكن فيه أهله.

﴿ سندع الزبانية ﴾ يعني الملائكة الغلاظ الشداد، قال ابن عباس : يريد زبانية جهنم، سموا بذلك ؛ لأنهم يدفعون أهل النّار إليها بشدة، مأخوذ من الزّبن وهو الدفع.
﴿ كلا ﴾ أي ليس الأمر على ما هو عليه أبو جهل ﴿ لا تطعه ﴾ أي في ترك الصّلاة ﴿ واسجد ﴾ يعني صل لله ﴿ واقترب ﴾ أي من الله ( م ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء "، وهذه السّجدة من عزائم سجود التلاوة عند الشّافعي فيسن للقارئ، وللمستمع أن يسجد عند قراءتها، يدل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال :" سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في " اقرأ باسم ربك " و " إذا السماء انشقت " أخرجه مسلم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
Icon