تفسير سورة سورة المائدة من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
سُورَة الْمَائِدَة وَهِيَ مَدَنِيَّة بِإِجْمَاعٍ، وَرُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مُنْصَرَف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة.
وَذَكَرَ النَّقَّاش عَنْ أَبِي سَلَمَة أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة قَالَ :( يَا عَلِيّ أَشَعَرْت أَنَّهُ نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَة الْمَائِدَة وَنِعْمَتْ الْفَائِدَة ).
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا يَحِلّ لِمُسْلِمٍ اِعْتِقَاده ; أَمَا إِنَّا نَقُول : سُورَة " الْمَائِدَة، وَنِعْمَتْ الْفَائِدَة " فَلَا نَأْثُرهُ عَنْ أَحَد وَلَكِنَّهُ كَلَام حَسَن.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا عِنْدِي لَا يُشْبِه كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( سُورَة الْمَائِدَة تُدْعَى فِي مَلَكُوت اللَّه الْمُنْقِذَة تُنْقِذ صَاحِبهَا مِنْ أَيْدِي مَلَائِكَة الْعَذَاب ).
وَمِنْ هَذِهِ السُّورَة مَا نَزَلَ فِي حَجَّة الْوَدَاع، وَمِنْهَا مَا أُنْزِلَ عَام الْفَتْح وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :" وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم " [ الْمَائِدَة : ٢ ] الْآيَة.
وَكُلّ مَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآن بَعْد هِجْرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَدَنِيّ، سَوَاء نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ فِي سَفَر مِنْ الْأَسْفَار، وَإِنَّمَا يُرْسَم بِالْمَكِّيِّ مَا نَزَلَ قَبْل الْهِجْرَة.
وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَة :" الْمَائِدَة " مِنْ آخِر مَا نَزَلَ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخ، وَفِيهَا ثَمَان عَشْرَة فَرِيضَة لَيْسَتْ فِي غَيْرهَا ; وَهِيَ :" الْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع " [ الْمَائِدَة : ٣ ]، " وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ "، " وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ " [ الْمَائِدَة : ٤ ]، " وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب " [ الْمَائِدَة : ٥ ] " وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ " [ الْمَائِدَة : ٥ ]، وَتَمَام الطُّهُور " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة " [ الْمَائِدَة : ٦ ]، " وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة " [ الْمَائِدَة : ٣٨ ]، " لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم " [ الْمَائِدَة : ٩٥ ] إِلَى قَوْله :" عَزِيز ذُو اِنْتِقَام " [ الْمَائِدَة : ٩٥ ] و " مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بِحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ " [ الْمَائِدَة : ١٠٣ ]، وَقَوْله تَعَالَى :" شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت " [ الْمَائِدَة : ١٠٦ ] الْآيَة.
سُورَة الْمَائِدَة وَهِيَ مَدَنِيَّة بِإِجْمَاعٍ، وَرُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ مُنْصَرَف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة.
وَذَكَرَ النَّقَّاش عَنْ أَبِي سَلَمَة أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا رَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَة قَالَ :( يَا عَلِيّ أَشَعَرْت أَنَّهُ نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَة الْمَائِدَة وَنِعْمَتْ الْفَائِدَة ).
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا يَحِلّ لِمُسْلِمٍ اِعْتِقَاده ; أَمَا إِنَّا نَقُول : سُورَة " الْمَائِدَة، وَنِعْمَتْ الْفَائِدَة " فَلَا نَأْثُرهُ عَنْ أَحَد وَلَكِنَّهُ كَلَام حَسَن.
وَقَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا عِنْدِي لَا يُشْبِه كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( سُورَة الْمَائِدَة تُدْعَى فِي مَلَكُوت اللَّه الْمُنْقِذَة تُنْقِذ صَاحِبهَا مِنْ أَيْدِي مَلَائِكَة الْعَذَاب ).
وَمِنْ هَذِهِ السُّورَة مَا نَزَلَ فِي حَجَّة الْوَدَاع، وَمِنْهَا مَا أُنْزِلَ عَام الْفَتْح وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :" وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم " [ الْمَائِدَة : ٢ ] الْآيَة.
وَكُلّ مَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآن بَعْد هِجْرَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَدَنِيّ، سَوَاء نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ فِي سَفَر مِنْ الْأَسْفَار، وَإِنَّمَا يُرْسَم بِالْمَكِّيِّ مَا نَزَلَ قَبْل الْهِجْرَة.
وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَة :" الْمَائِدَة " مِنْ آخِر مَا نَزَلَ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخ، وَفِيهَا ثَمَان عَشْرَة فَرِيضَة لَيْسَتْ فِي غَيْرهَا ; وَهِيَ :" الْمُنْخَنِقَة وَالْمَوْقُوذَة وَالْمُتَرَدِّيَة وَالنَّطِيحَة وَمَا أَكَلَ السَّبُع " [ الْمَائِدَة : ٣ ]، " وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ "، " وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ " [ الْمَائِدَة : ٤ ]، " وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب " [ الْمَائِدَة : ٥ ] " وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ " [ الْمَائِدَة : ٥ ]، وَتَمَام الطُّهُور " إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة " [ الْمَائِدَة : ٦ ]، " وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة " [ الْمَائِدَة : ٣٨ ]، " لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم " [ الْمَائِدَة : ٩٥ ] إِلَى قَوْله :" عَزِيز ذُو اِنْتِقَام " [ الْمَائِدَة : ٩٥ ] و " مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بِحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ " [ الْمَائِدَة : ١٠٣ ]، وَقَوْله تَعَالَى :" شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت " [ الْمَائِدَة : ١٠٦ ] الْآيَة.
قُلْت : وَفَرِيضَة تَاسِعَة عَشْرَة وَهِيَ قَوْله جَلَّ وَعَزَّ :" وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة " [ الْمَائِدَة : ٥٨ ] لَيْسَ لِلْأَذَانِ ذِكْر فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي هَذِهِ السُّورَة، أَمَّا مَا جَاءَ فِي سُورَة " الْجُمُعَة " فَمَخْصُوص بِالْجُمُعَةِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ السُّورَة عَامّ لِجَمِيعِ الصَّلَوَات، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَة " الْمَائِدَة " فِي حَجَّة الْوَدَاع وَقَالَ :( يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ سُورَة الْمَائِدَة مِنْ آخِر مَا نَزَلَ فَأَحِلُّوا حَلَالهَا وَحَرِّمُوا حَرَامهَا ) وَنَحْوه عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا مَوْقُوفًا ; قَالَ جُبَيْر بْن نُفَيْر : دَخَلْت عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فَقَالَتْ : هَلْ تَقْرَأ سُورَة " الْمَائِدَة " ؟ فَقُلْت : نَعَمْ، فَقَالَتْ : فَإِنَّهَا مِنْ آخِر مَا أَنْزَلَ اللَّه، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَال فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَام فَحَرِّمُوهُ، وَقَالَ الشَّعْبِيّ : لَمْ يُنْسَخ مِنْ هَذِهِ السُّورَة إِلَّا قَوْله :" وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي " [ الْمَائِدَة : ٢ ] الْآيَة، وَقَالَ بَعْضهمْ : نُسِخَ مِنْهَا " أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ " [ الْمَائِدَة : ١٠٦ ].
قَالَ عَلْقَمَة : كُلّ مَا فِي الْقُرْآن " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " فَهُوَ مَدَنِيّ و " يَا أَيّهَا النَّاس " [ النِّسَاء : ١ ] فَهُوَ مَكِّيّ ; وَهَذَا خُرِّجَ عَلَى الْأَكْثَر، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ الْآيَة مِمَّا تَلُوح فَصَاحَتهَا وَكَثْرَة مَعَانِيهَا عَلَى قِلَّة أَلْفَاظهَا لِكُلِّ ذِي بَصِيرَة بِالْكَلَامِ ; فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ خَمْسَة أَحْكَام : الْأَوَّل : الْأَمْر بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ ; الثَّانِي : تَحْلِيل بَهِيمَة الْأَنْعَام ; الثَّالِث : اِسْتِثْنَاء مَا يَلِي بَعْد ذَلِكَ ; الرَّابِع : اِسْتِثْنَاء حَال الْإِحْرَام فِيمَا يُصَاد ; الْخَامِس : مَا تَقْتَضِيه الْآيَة مِنْ إِبَاحَة الصَّيْد لِمَنْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ، وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ أَصْحَاب الْكِنْدِيّ قَالُوا لَهُ : أَيّهَا الْحَكِيم اِعْمَلْ لَنَا مِثْل هَذَا الْقُرْآن فَقَالَ : نَعَمْ ! أَعْمَل مِثْل بَعْضه ; فَاحْتَجَبَ أَيَّامًا كَثِيرَة ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ : وَاَللَّه مَا أَقْدِر وَلَا يُطِيق هَذَا أَحَد ; إِنِّي فَتَحْت الْمُصْحَف فَخَرَجَتْ سُورَة " الْمَائِدَة " فَنَظَرْت فَإِذَا هُوَ قَدْ نَطَقَ بِالْوَفَاءِ وَنَهَى عَنْ النَّكْث، وَحَلَّلَ تَحْلِيلًا عَامًّا، ثُمَّ اِسْتَثْنَى اِسْتِثْنَاء بَعْد اِسْتِثْنَاء، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ قُدْرَته وَحِكْمَته فِي سَطْرَيْنِ، وَلَا يَقْدِر أَحَد أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا إِلَّا فِي أَجْلَاد.
قَالَ عَلْقَمَة : كُلّ مَا فِي الْقُرْآن " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " فَهُوَ مَدَنِيّ و " يَا أَيّهَا النَّاس " [ النِّسَاء : ١ ] فَهُوَ مَكِّيّ ; وَهَذَا خُرِّجَ عَلَى الْأَكْثَر، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ الْآيَة مِمَّا تَلُوح فَصَاحَتهَا وَكَثْرَة مَعَانِيهَا عَلَى قِلَّة أَلْفَاظهَا لِكُلِّ ذِي بَصِيرَة بِالْكَلَامِ ; فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ خَمْسَة أَحْكَام : الْأَوَّل : الْأَمْر بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ ; الثَّانِي : تَحْلِيل بَهِيمَة الْأَنْعَام ; الثَّالِث : اِسْتِثْنَاء مَا يَلِي بَعْد ذَلِكَ ; الرَّابِع : اِسْتِثْنَاء حَال الْإِحْرَام فِيمَا يُصَاد ; الْخَامِس : مَا تَقْتَضِيه الْآيَة مِنْ إِبَاحَة الصَّيْد لِمَنْ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ، وَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ أَصْحَاب الْكِنْدِيّ قَالُوا لَهُ : أَيّهَا الْحَكِيم اِعْمَلْ لَنَا مِثْل هَذَا الْقُرْآن فَقَالَ : نَعَمْ ! أَعْمَل مِثْل بَعْضه ; فَاحْتَجَبَ أَيَّامًا كَثِيرَة ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ : وَاَللَّه مَا أَقْدِر وَلَا يُطِيق هَذَا أَحَد ; إِنِّي فَتَحْت الْمُصْحَف فَخَرَجَتْ سُورَة " الْمَائِدَة " فَنَظَرْت فَإِذَا هُوَ قَدْ نَطَقَ بِالْوَفَاءِ وَنَهَى عَنْ النَّكْث، وَحَلَّلَ تَحْلِيلًا عَامًّا، ثُمَّ اِسْتَثْنَى اِسْتِثْنَاء بَعْد اِسْتِثْنَاء، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ قُدْرَته وَحِكْمَته فِي سَطْرَيْنِ، وَلَا يَقْدِر أَحَد أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا إِلَّا فِي أَجْلَاد.
آمَنُوا
يُقَال : وَفَى وَأَوْفَى لُغَتَانِ : قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه " [ التَّوْبَة : ١١١ ]، وَقَالَ تَعَالَى :" وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى " [ النَّجْم : ٣٧ ] وَقَالَ الشَّاعِر :
فَجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ.
يُقَال : وَفَى وَأَوْفَى لُغَتَانِ : قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه " [ التَّوْبَة : ١١١ ]، وَقَالَ تَعَالَى :" وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى " [ النَّجْم : ٣٧ ] وَقَالَ الشَّاعِر :
أَمَّا ابْنُ طَوْقٍ فَقَدْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ | كَمَا وَفَى بِقِلَاصِ النَّجْمِ حَادِيهَا |
أَوْفُوا
الْعُقُود الرُّبُوط، وَاحِدهَا عَقْد ; يُقَال : عَقَدْت الْعَهْد وَالْحَبْل، وَعَقَدْت الْعَسَل فَهُوَ يُسْتَعْمَل فِي الْمَعَانِي وَالْأَجْسَام ; قَالَ الْحُطَيْئَة :
فَأَمَرَ اللَّه سُبْحَانه بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ ; قَالَ الْحَسَن : يَعْنِي بِذَلِكَ عُقُود الدَّيْن وَهِيَ مَا عَقَدَهُ الْمَرْء عَلَى نَفْسه ; مِنْ بَيْع وَشِرَاء وَإِجَارَة وَكِرَاء وَمُنَاكَحَة وَطَلَاق وَمُزَارَعَة وَمُصَالَحَة وَتَمْلِيك وَتَخْيِير وَعِتْق وَتَدْبِير وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور، مَا كَانَ ذَلِكَ غَيْر خَارِج عَنْ الشَّرِيعَة ; وَكَذَلِكَ مَا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسه لِلَّهِ مِنْ الطَّاعَات، كَالْحَجِّ وَالصِّيَام وَالِاعْتِكَاف وَالْقِيَام وَالنَّذْر وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ طَاعَات مِلَّة الْإِسْلَام، وَأَمَّا نَذْر الْمُبَاح فَلَا يَلْزَم بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّة ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.
ثُمَّ قِيلَ : إِنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ " [ آل عِمْرَان : ١٨٧ ].
قَالَ اِبْن جُرَيْج : هُوَ خَاصّ بِأَهْلِ الْكِتَاب وَفِيهِمْ نَزَلَتْ، وَقِيلَ : هِيَ عَامَّة وَهُوَ الصَّحِيح ; فَإِنَّ لَفْظ الْمُؤْمِنِينَ يَعُمّ مُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَاب ; لِأَنَّ بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه عَقْدًا فِي أَدَاء الْأَمَانَة فِيمَا فِي كِتَابهمْ مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ فِي قَوْله :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " وَغَيْر مَوْضِع.
قَالَ اِبْن عَبَّاس :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " مَعْنَاهُ بِمَا أَحَلَّ وَبِمَا حَرَّمَ وَبِمَا فَرَضَ وَبِمَا حَدَّ فِي جَمِيع الْأَشْيَاء ; وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره، وَقَالَ اِبْن شِهَاب : قَرَأْت كِتَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْن حَزْم حِين بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَان وَفِي صَدْره :( هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ مِنْ اللَّه وَرَسُوله " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " فَكَتَبَ الْآيَات فِيهَا إِلَى قَوْله :" إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب " [ الْمَائِدَة : ٤ ] ).
وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى أَوْفُوا بِعَقْدِ اللَّه عَلَيْكُمْ وَبِعَقْدِكُمْ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض، وَهَذَا كُلّه رَاجِع إِلَى الْقَوْل بِالْعُمُومِ وَهُوَ الصَّحِيح فِي الْبَاب ; قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شُرُوطهمْ ) وَقَالَ :( كُلّ شَرْط لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه فَهُوَ بَاطِل وَإِنْ كَانَ مِائَة شَرْط ) فَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْط أَوْ الْعَقْد الَّذِي يَجِب الْوَفَاء بِهِ مَا وَافَقَ كِتَاب اللَّه أَيْ دِين اللَّه ; فَإِنْ ظَهَرَ فِيهَا مَا يُخَالِف رُدَّ ; كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدّ ).
الْعُقُود الرُّبُوط، وَاحِدهَا عَقْد ; يُقَال : عَقَدْت الْعَهْد وَالْحَبْل، وَعَقَدْت الْعَسَل فَهُوَ يُسْتَعْمَل فِي الْمَعَانِي وَالْأَجْسَام ; قَالَ الْحُطَيْئَة :
قَوْم إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ | شَدُّوا الْعِنَاج وَشَدُّوا فَوْقه الْكَرَبَا |
ثُمَّ قِيلَ : إِنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ " [ آل عِمْرَان : ١٨٧ ].
قَالَ اِبْن جُرَيْج : هُوَ خَاصّ بِأَهْلِ الْكِتَاب وَفِيهِمْ نَزَلَتْ، وَقِيلَ : هِيَ عَامَّة وَهُوَ الصَّحِيح ; فَإِنَّ لَفْظ الْمُؤْمِنِينَ يَعُمّ مُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَاب ; لِأَنَّ بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه عَقْدًا فِي أَدَاء الْأَمَانَة فِيمَا فِي كِتَابهمْ مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ فِي قَوْله :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " وَغَيْر مَوْضِع.
قَالَ اِبْن عَبَّاس :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " مَعْنَاهُ بِمَا أَحَلَّ وَبِمَا حَرَّمَ وَبِمَا فَرَضَ وَبِمَا حَدَّ فِي جَمِيع الْأَشْيَاء ; وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره، وَقَالَ اِبْن شِهَاب : قَرَأْت كِتَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْن حَزْم حِين بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَان وَفِي صَدْره :( هَذَا بَيَان لِلنَّاسِ مِنْ اللَّه وَرَسُوله " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " فَكَتَبَ الْآيَات فِيهَا إِلَى قَوْله :" إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب " [ الْمَائِدَة : ٤ ] ).
وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى أَوْفُوا بِعَقْدِ اللَّه عَلَيْكُمْ وَبِعَقْدِكُمْ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض، وَهَذَا كُلّه رَاجِع إِلَى الْقَوْل بِالْعُمُومِ وَهُوَ الصَّحِيح فِي الْبَاب ; قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شُرُوطهمْ ) وَقَالَ :( كُلّ شَرْط لَيْسَ فِي كِتَاب اللَّه فَهُوَ بَاطِل وَإِنْ كَانَ مِائَة شَرْط ) فَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْط أَوْ الْعَقْد الَّذِي يَجِب الْوَفَاء بِهِ مَا وَافَقَ كِتَاب اللَّه أَيْ دِين اللَّه ; فَإِنْ ظَهَرَ فِيهَا مَا يُخَالِف رُدَّ ; كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرنَا فَهُوَ رَدّ ).
ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق قَالَ : اِجْتَمَعَتْ قَبَائِل مِنْ قُرَيْش فِي دَار عَبْد اللَّه بْن جُدْعَان - لِشَرَفِهِ وَنَسَبه - فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَلَّا يَجِدُوا بِمَكَّة مَظْلُومًا مِنْ أَهْلهَا أَوْ غَيْرهمْ إِلَّا قَامُوا مَعَهُ حَتَّى تُرَدّ عَلَيْهِ مَظْلِمَته ; فَسَمَّتْ قُرَيْش ذَلِكَ الْحِلْف حِلْف الْفُضُول، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَقَدْ شَهِدْت فِي دَار عَبْد اللَّه بْن جُدْعَان حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْر النَّعَم وَلَوْ ادُّعِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَام لَأَجَبْت )، وَهَذَا الْحِلْف هُوَ الْمَعْنَى الْمُرَاد فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( وَأَيّمَا حِلْف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَام إِلَّا شِدَّة ) لِأَنَّهُ مُوَافِق لِلشَّرْعِ إِذْ أَمَرَ بِالِانْتِصَافِ مِنْ الظَّالِم ; فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ عُهُودهمْ الْفَاسِدَة وَعُقُودهمْ الْبَاطِلَة عَلَى الظُّلْم وَالْغَارَات فَقَدْ هَدَمَهُ الْإِسْلَام وَالْحَمْد لِلَّهِ.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : تَحَامَلَ الْوَلِيد بْن عُتْبَة عَلَى الْحُسَيْن بْن عَلِيّ فِي مَال لَهُ - لِسُلْطَانِ الْوَلِيد ; فَإِنَّهُ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَة - فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن : أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَتُنْصِفَنِّي مِنْ حَقِّي أَوْ لَآخُذَنَّ بِسَيْفِي ثُمَّ لَأَقُومَنَّ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَأَدْعُوَنَّ بِحِلْفِ الْفُضُول.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر : وَأَنَا أَحْلِف بِاَللَّهِ لَئِنْ دَعَانِي لَآخُذَنَّ بِسَيْفِي ثُمَّ لَأَقُومَنَّ مَعَهُ حَتَّى يَنْتَصِف مِنْ حَقّه أَوْ نَمُوت جَمِيعًا ; وَبَلَغَتْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة فَقَالَ مِثْل ذَلِكَ ; وَبَلَغَتْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّه التَّيْمِيّ فَقَالَ مِثْل ذَلِكَ ; فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ أَنْصَفَهُ.
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : تَحَامَلَ الْوَلِيد بْن عُتْبَة عَلَى الْحُسَيْن بْن عَلِيّ فِي مَال لَهُ - لِسُلْطَانِ الْوَلِيد ; فَإِنَّهُ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَة - فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن : أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَتُنْصِفَنِّي مِنْ حَقِّي أَوْ لَآخُذَنَّ بِسَيْفِي ثُمَّ لَأَقُومَنَّ فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَأَدْعُوَنَّ بِحِلْفِ الْفُضُول.
قَالَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر : وَأَنَا أَحْلِف بِاَللَّهِ لَئِنْ دَعَانِي لَآخُذَنَّ بِسَيْفِي ثُمَّ لَأَقُومَنَّ مَعَهُ حَتَّى يَنْتَصِف مِنْ حَقّه أَوْ نَمُوت جَمِيعًا ; وَبَلَغَتْ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة فَقَالَ مِثْل ذَلِكَ ; وَبَلَغَتْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان بْن عُبَيْد اللَّه التَّيْمِيّ فَقَالَ مِثْل ذَلِكَ ; فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ أَنْصَفَهُ.
بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ
الْخِطَاب لِكُلِّ مَنْ اِلْتَزَمَ الْإِيمَان عَلَى وَجْهه وَكَمَاله ; وَكَانَتْ لِلْعَرَبِ سُنَن فِي الْأَنْعَام مِنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَام، يَأْتِي بَيَانهَا ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة رَافِعَة لِتِلْكَ الْأَوْهَام الْخَيَالِيَّة، وَالْآرَاء الْفَاسِدَة الْبَاطِلِيَّة، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " بَهِيمَة الْأَنْعَام " وَالْبَهِيمَة اِسْم لِكُلِّ ذِي أَرْبَع ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِبْهَامِهَا مِنْ جِهَة نَقْص نُطْقهَا وَفَهْمهَا وَعَدَم تَمْيِيزهَا وَعَقْلهَا ; وَمِنْهُ بَاب مُبْهَم أَيْ مُغْلَق، وَلَيْل بَهِيم، وَبُهْمَة لِلشُّجَاعِ الَّذِي لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ يُؤْتَى لَهُ.
و " الْأَنْعَام " : الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلِينِ مَشْيهَا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَالْأَنْعَام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء وَمَنَافِع " [ النَّحْل : ٥ ] إِلَى قَوْله :" وَتَحْمِل أَثْقَالكُمْ " [ النَّحْل : ٧ ]، وَقَالَ تَعَالَى :" وَمِنْ الْأَنْعَام حَمُولَة وَفَرْشًا " [ الْأَنْعَام : ١٤٢ ] يَعْنِي كِبَارًا وَصِغَارًا ; ثُمَّ بَيَّنَهَا فَقَالَ :" ثَمَانِيَة أَزْوَاج " [ الزُّمَر : ٦ ] إِلَى قَوْله :" أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء " [ الْبَقَرَة : ١٣٣ ] وَقَالَ تَعَالَى :" وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْم ظَعْنكُمْ وَيَوْم إِقَامَتكُمْ وَمِنْ أَصْوَافهَا " [ النَّحْل : ٨٠ ] يَعْنِي الْغَنَم " وَأَوْبَارهَا " يَعْنِي الْإِبِل " وَأَشْعَارهَا " يَعْنِي الْمَعْز ; فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَدِلَّة تُنْبِئ عَنْ تَضَمُّن اِسْم الْأَنْعَام لِهَذِهِ الْأَجْنَاس ; الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم ; وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن.
قَالَ الْهَرَوِيّ : وَإِذَا قِيلَ النَّعَم فَهُوَ الْإِبِل خَاصَّة، وَقَالَ الطَّبَرِيّ : وَقَالَ قَوْم " بَهِيمَة الْأَنْعَام " وَحْشِيّهَا كَالظِّبَاءِ وَبَقَر الْوَحْش وَالْحُمُر وَغَيْر ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ غَيْر الطَّبَرِيّ وَالرَّبِيع وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك، كَأَنَّهُ قَالَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ الْأَنْعَام، فَأُضِيفَ الْجِنْس إِلَى أَخَصّ مِنْهُ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا قَوْل حَسَن ; وَذَلِكَ أَنَّ الْأَنْعَام هِيَ الثَّمَانِيَة الْأَزْوَاج، وَمَا اِنْضَافَ إِلَيْهَا مِنْ سَائِر الْحَيَوَان يُقَال لَهُ أَنْعَام بِمَجْمُوعِهِ مَعَهَا، وَكَأَنَّ الْمُفْتَرِس كَالْأَسَدِ وَكُلّ ذِي نَاب خَارِج عَنْ حَدّ الْأَنْعَام ; فَبَهِيمَة الْأَنْعَام هِيَ الرَّاعِي مِنْ ذَوَات الْأَرْبَع.
قُلْت : فَعَلَى هَذَا يَدْخُل فِيهَا ذَوَات الْحَوَافِر لِأَنَّهَا رَاعِيَة غَيْر مُفْتَرِسَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" وَالْأَنْعَام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء وَمَنَافِع " [ النَّحْل : ٥ ] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا قَوْله :" وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير " [ النَّحْل : ٨ ] فَلَمَّا اسْتَأْنَفَ ذِكْرَهَا وَعَطَفَهَا عَلَى الْأَنْعَام دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا ; وَاَللَّه أَعْلَمُ، وَقِيلَ :" بَهِيمَة الْأَنْعَام " مَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا ; لِأَنَّ الصَّيْد يُسَمَّى وَحْشًا لَا بَهِيمَة، وَهَذَا رَاجِع إِلَى الْقَوْل الْأَوَّل.
الْخِطَاب لِكُلِّ مَنْ اِلْتَزَمَ الْإِيمَان عَلَى وَجْهه وَكَمَاله ; وَكَانَتْ لِلْعَرَبِ سُنَن فِي الْأَنْعَام مِنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَام، يَأْتِي بَيَانهَا ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة رَافِعَة لِتِلْكَ الْأَوْهَام الْخَيَالِيَّة، وَالْآرَاء الْفَاسِدَة الْبَاطِلِيَّة، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى " بَهِيمَة الْأَنْعَام " وَالْبَهِيمَة اِسْم لِكُلِّ ذِي أَرْبَع ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِبْهَامِهَا مِنْ جِهَة نَقْص نُطْقهَا وَفَهْمهَا وَعَدَم تَمْيِيزهَا وَعَقْلهَا ; وَمِنْهُ بَاب مُبْهَم أَيْ مُغْلَق، وَلَيْل بَهِيم، وَبُهْمَة لِلشُّجَاعِ الَّذِي لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ يُؤْتَى لَهُ.
و " الْأَنْعَام " : الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلِينِ مَشْيهَا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَالْأَنْعَام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء وَمَنَافِع " [ النَّحْل : ٥ ] إِلَى قَوْله :" وَتَحْمِل أَثْقَالكُمْ " [ النَّحْل : ٧ ]، وَقَالَ تَعَالَى :" وَمِنْ الْأَنْعَام حَمُولَة وَفَرْشًا " [ الْأَنْعَام : ١٤٢ ] يَعْنِي كِبَارًا وَصِغَارًا ; ثُمَّ بَيَّنَهَا فَقَالَ :" ثَمَانِيَة أَزْوَاج " [ الزُّمَر : ٦ ] إِلَى قَوْله :" أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء " [ الْبَقَرَة : ١٣٣ ] وَقَالَ تَعَالَى :" وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْم ظَعْنكُمْ وَيَوْم إِقَامَتكُمْ وَمِنْ أَصْوَافهَا " [ النَّحْل : ٨٠ ] يَعْنِي الْغَنَم " وَأَوْبَارهَا " يَعْنِي الْإِبِل " وَأَشْعَارهَا " يَعْنِي الْمَعْز ; فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَدِلَّة تُنْبِئ عَنْ تَضَمُّن اِسْم الْأَنْعَام لِهَذِهِ الْأَجْنَاس ; الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم ; وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن.
قَالَ الْهَرَوِيّ : وَإِذَا قِيلَ النَّعَم فَهُوَ الْإِبِل خَاصَّة، وَقَالَ الطَّبَرِيّ : وَقَالَ قَوْم " بَهِيمَة الْأَنْعَام " وَحْشِيّهَا كَالظِّبَاءِ وَبَقَر الْوَحْش وَالْحُمُر وَغَيْر ذَلِكَ، وَذَكَرَهُ غَيْر الطَّبَرِيّ وَالرَّبِيع وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك، كَأَنَّهُ قَالَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ الْأَنْعَام، فَأُضِيفَ الْجِنْس إِلَى أَخَصّ مِنْهُ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا قَوْل حَسَن ; وَذَلِكَ أَنَّ الْأَنْعَام هِيَ الثَّمَانِيَة الْأَزْوَاج، وَمَا اِنْضَافَ إِلَيْهَا مِنْ سَائِر الْحَيَوَان يُقَال لَهُ أَنْعَام بِمَجْمُوعِهِ مَعَهَا، وَكَأَنَّ الْمُفْتَرِس كَالْأَسَدِ وَكُلّ ذِي نَاب خَارِج عَنْ حَدّ الْأَنْعَام ; فَبَهِيمَة الْأَنْعَام هِيَ الرَّاعِي مِنْ ذَوَات الْأَرْبَع.
قُلْت : فَعَلَى هَذَا يَدْخُل فِيهَا ذَوَات الْحَوَافِر لِأَنَّهَا رَاعِيَة غَيْر مُفْتَرِسَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" وَالْأَنْعَام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْء وَمَنَافِع " [ النَّحْل : ٥ ] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا قَوْله :" وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير " [ النَّحْل : ٨ ] فَلَمَّا اسْتَأْنَفَ ذِكْرَهَا وَعَطَفَهَا عَلَى الْأَنْعَام دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا ; وَاَللَّه أَعْلَمُ، وَقِيلَ :" بَهِيمَة الْأَنْعَام " مَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا ; لِأَنَّ الصَّيْد يُسَمَّى وَحْشًا لَا بَهِيمَة، وَهَذَا رَاجِع إِلَى الْقَوْل الْأَوَّل.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ :" بَهِيمَة الْأَنْعَام " الْأَجِنَّة الَّتِي تَخْرُج عِنْد الذَّبْح مِنْ بُطُون الْأُمَّهَات ; فَهِيَ تُؤْكَل دُون ذَكَاة، وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَفِيهِ بُعْد ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ :" إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " وَلَيْسَ فِي الْأَجِنَّة مَا يُسْتَثْنَى ; قَالَ مَالِك : ذَكَاة الذَّبِيحَة ذَكَاة لِجَنِينِهَا إِذَا لَمْ يُدْرَك حَيًّا وَكَانَ قَدْ نَبَتَ شَعْره وَتَمَّ خَلْقه ; فَإِنْ لَمْ يَتِمّ خَلْقه وَلَمْ يَنْبُت شَعْره لَمْ يُؤْكَل إِلَّا أَنْ يُدْرَك حَيًّا فَيُذَكَّى، وَإِنْ بَادَرُوا إِلَى تَذْكِيَته فَمَاتَ بِنَفْسِهِ، فَقِيلَ : هُوَ ذَكِيّ، وَقِيلَ : لَيْسَ بِذَكِيٍّ ; وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى :
الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى
أَيْ يُقْرَأ عَلَيْكُمْ فِي الْقُرْآن وَالسُّنَّة مِنْ قَوْله تَعَالَى :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة " [ الْمَائِدَة : ٣ ] وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( وَكُلّ ذِي نَاب مِنْ السِّبَاع حَرَام ).
فَإِنْ قِيلَ : الَّذِي يُتْلَى عَلَيْنَا الْكِتَاب لَيْسَ السُّنَّة ; قُلْنَا : كُلّ سُنَّة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ مِنْ كِتَاب اللَّه ; وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَمْرَانِ : أَحَدهمَا : حَدِيث الْعَسِيفِ ( لَأَقْضِيَنَّ بَيْنكُمَا بِكِتَابِ اللَّه ) وَالرَّجْم لَيْسَ مَنْصُوصًا فِي كِتَاب اللَّه.
الثَّانِي : حَدِيث اِبْن مَسْعُود : وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَاب اللَّه ; الْحَدِيث، وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " الْحَشْر ".
وَيَحْتَمِل " إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " الْآن أَوْ " مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " فِيمَا بَعْدُ مِنْ مُسْتَقْبَل الزَّمَان عَلَى لِسَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَيَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت لَا يُفْتَقَر فِيهِ إِلَى تَعْجِيل الْحَاجَة.
أَيْ يُقْرَأ عَلَيْكُمْ فِي الْقُرْآن وَالسُّنَّة مِنْ قَوْله تَعَالَى :" حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة " [ الْمَائِدَة : ٣ ] وَقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( وَكُلّ ذِي نَاب مِنْ السِّبَاع حَرَام ).
فَإِنْ قِيلَ : الَّذِي يُتْلَى عَلَيْنَا الْكِتَاب لَيْسَ السُّنَّة ; قُلْنَا : كُلّ سُنَّة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ مِنْ كِتَاب اللَّه ; وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَمْرَانِ : أَحَدهمَا : حَدِيث الْعَسِيفِ ( لَأَقْضِيَنَّ بَيْنكُمَا بِكِتَابِ اللَّه ) وَالرَّجْم لَيْسَ مَنْصُوصًا فِي كِتَاب اللَّه.
الثَّانِي : حَدِيث اِبْن مَسْعُود : وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَاب اللَّه ; الْحَدِيث، وَسَيَأْتِي فِي سُورَة " الْحَشْر ".
وَيَحْتَمِل " إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " الْآن أَوْ " مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " فِيمَا بَعْدُ مِنْ مُسْتَقْبَل الزَّمَان عَلَى لِسَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَيَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت لَا يُفْتَقَر فِيهِ إِلَى تَعْجِيل الْحَاجَة.
عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي
أَيْ مَا كَانَ صَيْدًا فَهُوَ حَلَال فِي الْإِحْلَال دُون الْإِحْرَام، وَمَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا فَهُوَ حَلَال فِي الْحَالَيْنِ.
وَاخْتَلَفَ النُّحَاة فِي " إِلَّا مَا يُتْلَى " هَلْ هُوَ اِسْتِثْنَاء أَوْ لَا ؟ فَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ " بَهِيمَة الْأَنْعَام " و " غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد " اِسْتِثْنَاء آخَر أَيْضًا مِنْهُ ; فَالِاسْتِثْنَاءَانِ جَمِيعًا مِنْ قَوْله :" بَهِيمَة الْأَنْعَام " وَهِيَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا ; التَّقْدِير : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ إِلَّا الصَّيْد وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ ; بِخِلَافِ قَوْله :" إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْم مُجْرِمِينَ.
إِلَّا آل لُوط " [ الْحِجْر :
٥٨ - ٥٩ ] عَلَى مَا يَأْتِي، وَقِيلَ : هُوَ مُسْتَثْنًى مِمَّا يَلِيه مِنْ الِاسْتِثْنَاء ; فَيَصِير بِمَنْزِلَةِ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْم مُجْرِمِينَ " وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ إِبَاحَة الصَّيْد فِي الْإِحْرَام ; لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَحْظُور إِذْ كَانَ قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِبَاحَة ; وَهَذَا وَجْه سَاقِط ; فَإِذًا مَعْنَاهُ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ سِوَى الصَّيْد، وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ أَيْضًا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ يَكُون " إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الْبَدَل عَلَى أَنْ يُعْطَف بِإِلَّا كَمَا يُعْطَف بِلَا ; وَلَا يُجِيزهُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَّا فِي النَّكِرَة أَوْ مَا قَارَبَهَا مِنْ أَسْمَاء الْأَجْنَاس نَحْو جَاءَ الْقَوْم إِلَّا زَيْد، وَالنَّصْب عِنْده بِأَنَّ " غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد " نُصِبَ عَلَى الْحَال مِمَّا فِي " أَوْفُوا " ; قَالَ الْأَخْفَش : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد، وَقَالَ غَيْره : حَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي " لَكُمْ " وَالتَّقْدِير : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد.
ثُمَّ قِيلَ : يَجُوز أَنْ يَرْجِع الْإِحْلَال إِلَى النَّاس، أَيْ لَا تُحِلُّوا الصَّيْد فِي حَال الْإِحْرَام، وَيَجُوز أَنْ يَرْجِع إِلَى اللَّه تَعَالَى أَيْ أَحْلَلْت لَكُمْ الْبَهِيمَة إِلَّا مَا كَانَ صَيْدًا فِي وَقْت الْإِحْرَام ; كَمَا تَقُول : أَحْلَلْت لَك كَذَا غَيْر مُبِيح لَك يَوْم الْجُمُعَة.
فَإِذَا قُلْت يَرْجِع إِلَى النَّاس فَالْمَعْنَى : غَيْر مُحِلِّينَ الصَّيْد، فَحُذِفَتْ النُّون تَخْفِيفًا.
أَيْ مَا كَانَ صَيْدًا فَهُوَ حَلَال فِي الْإِحْلَال دُون الْإِحْرَام، وَمَا لَمْ يَكُنْ صَيْدًا فَهُوَ حَلَال فِي الْحَالَيْنِ.
وَاخْتَلَفَ النُّحَاة فِي " إِلَّا مَا يُتْلَى " هَلْ هُوَ اِسْتِثْنَاء أَوْ لَا ؟ فَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ : هُوَ اِسْتِثْنَاء مِنْ " بَهِيمَة الْأَنْعَام " و " غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد " اِسْتِثْنَاء آخَر أَيْضًا مِنْهُ ; فَالِاسْتِثْنَاءَانِ جَمِيعًا مِنْ قَوْله :" بَهِيمَة الْأَنْعَام " وَهِيَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهَا ; التَّقْدِير : إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ إِلَّا الصَّيْد وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ ; بِخِلَافِ قَوْله :" إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْم مُجْرِمِينَ.
إِلَّا آل لُوط " [ الْحِجْر :
٥٨ - ٥٩ ] عَلَى مَا يَأْتِي، وَقِيلَ : هُوَ مُسْتَثْنًى مِمَّا يَلِيه مِنْ الِاسْتِثْنَاء ; فَيَصِير بِمَنْزِلَةِ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ :" إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْم مُجْرِمِينَ " وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ إِبَاحَة الصَّيْد فِي الْإِحْرَام ; لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَحْظُور إِذْ كَانَ قَوْله تَعَالَى :" إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " مُسْتَثْنًى مِنْ الْإِبَاحَة ; وَهَذَا وَجْه سَاقِط ; فَإِذًا مَعْنَاهُ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ سِوَى الصَّيْد، وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ أَيْضًا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد وَأُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ يَكُون " إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى الْبَدَل عَلَى أَنْ يُعْطَف بِإِلَّا كَمَا يُعْطَف بِلَا ; وَلَا يُجِيزهُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَّا فِي النَّكِرَة أَوْ مَا قَارَبَهَا مِنْ أَسْمَاء الْأَجْنَاس نَحْو جَاءَ الْقَوْم إِلَّا زَيْد، وَالنَّصْب عِنْده بِأَنَّ " غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد " نُصِبَ عَلَى الْحَال مِمَّا فِي " أَوْفُوا " ; قَالَ الْأَخْفَش : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد، وَقَالَ غَيْره : حَال مِنْ الْكَاف وَالْمِيم فِي " لَكُمْ " وَالتَّقْدِير : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَة الْأَنْعَام غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد.
ثُمَّ قِيلَ : يَجُوز أَنْ يَرْجِع الْإِحْلَال إِلَى النَّاس، أَيْ لَا تُحِلُّوا الصَّيْد فِي حَال الْإِحْرَام، وَيَجُوز أَنْ يَرْجِع إِلَى اللَّه تَعَالَى أَيْ أَحْلَلْت لَكُمْ الْبَهِيمَة إِلَّا مَا كَانَ صَيْدًا فِي وَقْت الْإِحْرَام ; كَمَا تَقُول : أَحْلَلْت لَك كَذَا غَيْر مُبِيح لَك يَوْم الْجُمُعَة.
فَإِذَا قُلْت يَرْجِع إِلَى النَّاس فَالْمَعْنَى : غَيْر مُحِلِّينَ الصَّيْد، فَحُذِفَتْ النُّون تَخْفِيفًا.
الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ
يَعْنِي الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَة ; يُقَال : رَجُل حَرَام وَقَوْم حُرُم إِذَا أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
أَيْ مُلَبٍّ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ إِحْرَامًا لِمَا يُحَرِّمهُ مَنْ دَخَلَ فِيهِ عَلَى نَفْسه مِنْ النِّسَاء وَالطِّيب وَغَيْرهمَا، وَيُقَال : أَحْرَمَ دَخَلَ فِي الْحَرَم ; فَيَحْرُم صَيْد الْحَرَم أَيْضًا، وَقَرَأَ الْحَسَن وَإِبْرَاهِيم وَيَحْيَى بْن وَثَّاب " حُرْم " بِسُكُونِ الرَّاء ; وَهِيَ لُغَة تَمِيمِيَّة يَقُولُونَ فِي رُسُل : رُسْل وَفِي كُتُب كُتْب وَنَحْوه.
يَعْنِي الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَة ; يُقَال : رَجُل حَرَام وَقَوْم حُرُم إِذَا أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
فَقُلْت لَهَا فِيئِي إِلَيْكِ فَإِنَّنِي | حَرَام وَإِنِّي بَعْد ذَاكَ لَبِيبُ |
حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا
تَقْوِيَة لِهَذِهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الْمُخَالِفَة لِمَعْهُودِ أَحْكَام الْعَرَب ; أَيْ فَأَنْتَ يَا مُحَمَّد السَّامِع لِنَسْخِ تِلْكَ الَّتِي عَهِدْت مِنْ أَحْكَامهمْ تَنَبَّهْ، فَإِنَّ الَّذِي هُوَ مَالِك الْكُلّ " يَحْكُم مَا يُرِيد " " لَا مُعَقِّب لِحُكْمِهِ " [ الرَّعْد : ٤١ ] يُشَرِّع مَا يَشَاء كَمَا يَشَاء.
تَقْوِيَة لِهَذِهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الْمُخَالِفَة لِمَعْهُودِ أَحْكَام الْعَرَب ; أَيْ فَأَنْتَ يَا مُحَمَّد السَّامِع لِنَسْخِ تِلْكَ الَّتِي عَهِدْت مِنْ أَحْكَامهمْ تَنَبَّهْ، فَإِنَّ الَّذِي هُوَ مَالِك الْكُلّ " يَحْكُم مَا يُرِيد " " لَا مُعَقِّب لِحُكْمِهِ " [ الرَّعْد : ٤١ ] يُشَرِّع مَا يَشَاء كَمَا يَشَاء.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ
خِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ حَقًّا ; أَيْ لَا تَتَعَدَّوْا حُدُود اللَّه فِي أَمْر مِنْ الْأُمُور، وَالشَّعَائِر جَمْع شَعِيرَة عَلَى وَزْن فَعِيلَة، وَقَالَ اِبْن فَارِس : وَيُقَال لِلْوَاحِدَةِ شِعَارَة ; وَهُوَ أَحْسَنُ، وَالشَّعِيرَة الْبَدَنَة تُهْدَى، وَإِشْعَارُهَا أَنْ يُجَزّ سَنَامهَا حَتَّى يَسِيل مِنْهُ الدَّم فَيُعْلَم أَنَّهَا هَدْي.
وَالْإِشْعَار الْإِعْلَام مِنْ طَرِيق الْإِحْسَاس ; يُقَال : أَشْعَرَ هَدْيه أَيْ جَعَلَ لَهُ عَلَامَة لِيُعْرَف أَنَّهُ هَدْي ; وَمِنْهُ الْمَشَاعِر الْمَعَالِم، وَاحِدهَا مَشْعَر وَهِيَ الْمَوَاضِع الَّتِي قَدْ أُشْعِرَتْ بِالْعَلَامَاتِ، وَمِنْهُ الشِّعْر، لِأَنَّهُ يَكُون بِحَيْثُ يَقَع الشُّعُور ; وَمِنْهُ الشَّاعِر ; لِأَنَّهُ يَشْعُر بِفِطْنَتِهِ لِمَا لَا يَفْطِن لَهُ غَيْره ; وَمِنْهُ الشَّعِير لِشَعْرَتِهِ الَّتِي فِي رَأْسه ; فَالشَّعَائِر عَلَى قَوْلٍ مَا أُشْعِرَ مِنْ الْحَيَوَانَات لِتُهْدَى إِلَى بَيْت اللَّه، وَعَلَى قَوْلٍ جَمِيع مَنَاسِك الْحَجّ ; قَالَ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ مُجَاهِد : الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَالْهَدْي وَالْبُدْن كُلّ ذَلِكَ مِنْ الشَّعَائِر، وَقَالَ الشَّاعِر :
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ وَيَعْتَمِرُونَ وَيُهْدُونَ فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه ".
وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : شَعَائِر اللَّه جَمِيع مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، وَقَالَ الْحَسَن : دِين اللَّه كُلّه ; كَقَوْلِهِ :" ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّم شَعَائِر اللَّه فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب " [ الْحَجّ : ٣٢ ] أَيْ دِين اللَّه.
قُلْت : وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الرَّاجِح الَّذِي يُقَدَّم عَلَى غَيْره لِعُمُومِهِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي إِشْعَار الْهَدْي وَهِيَ : فَأَجَازَهُ الْجُمْهُور ; ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي أَيّ جِهَة يُشْعَر ; فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْر : يَكُون فِي الْجَانِب الْأَيْمَن ; وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر، وَثَبَتَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ نَاقَته فِي صَفْحَة سَنَامهَا الْأَيْمَن ; أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَغَيْره وَهُوَ الصَّحِيح، وَرُوِيَ أَنَّهُ أَشْعَرَ بَدَنَة مِنْ الْجَانِب الْأَيْسَر ; قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا عِنْدِي حَدِيث مُنْكَر مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس ; وَالصَّحِيح حَدِيث مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس، قَالَ : وَلَا يَصِحّ عَنْهُ غَيْره.
خِطَاب لِلْمُؤْمِنِينَ حَقًّا ; أَيْ لَا تَتَعَدَّوْا حُدُود اللَّه فِي أَمْر مِنْ الْأُمُور، وَالشَّعَائِر جَمْع شَعِيرَة عَلَى وَزْن فَعِيلَة، وَقَالَ اِبْن فَارِس : وَيُقَال لِلْوَاحِدَةِ شِعَارَة ; وَهُوَ أَحْسَنُ، وَالشَّعِيرَة الْبَدَنَة تُهْدَى، وَإِشْعَارُهَا أَنْ يُجَزّ سَنَامهَا حَتَّى يَسِيل مِنْهُ الدَّم فَيُعْلَم أَنَّهَا هَدْي.
وَالْإِشْعَار الْإِعْلَام مِنْ طَرِيق الْإِحْسَاس ; يُقَال : أَشْعَرَ هَدْيه أَيْ جَعَلَ لَهُ عَلَامَة لِيُعْرَف أَنَّهُ هَدْي ; وَمِنْهُ الْمَشَاعِر الْمَعَالِم، وَاحِدهَا مَشْعَر وَهِيَ الْمَوَاضِع الَّتِي قَدْ أُشْعِرَتْ بِالْعَلَامَاتِ، وَمِنْهُ الشِّعْر، لِأَنَّهُ يَكُون بِحَيْثُ يَقَع الشُّعُور ; وَمِنْهُ الشَّاعِر ; لِأَنَّهُ يَشْعُر بِفِطْنَتِهِ لِمَا لَا يَفْطِن لَهُ غَيْره ; وَمِنْهُ الشَّعِير لِشَعْرَتِهِ الَّتِي فِي رَأْسه ; فَالشَّعَائِر عَلَى قَوْلٍ مَا أُشْعِرَ مِنْ الْحَيَوَانَات لِتُهْدَى إِلَى بَيْت اللَّه، وَعَلَى قَوْلٍ جَمِيع مَنَاسِك الْحَجّ ; قَالَ اِبْن عَبَّاس.
وَقَالَ مُجَاهِد : الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَالْهَدْي وَالْبُدْن كُلّ ذَلِكَ مِنْ الشَّعَائِر، وَقَالَ الشَّاعِر :
نُقَتِّلهُمْ جِيلًا فَجِيلًا تَرَاهُمُ | شَعَائِرَ قُرْبَان بِهَا يُتَقَرَّب |
وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : شَعَائِر اللَّه جَمِيع مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، وَقَالَ الْحَسَن : دِين اللَّه كُلّه ; كَقَوْلِهِ :" ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّم شَعَائِر اللَّه فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب " [ الْحَجّ : ٣٢ ] أَيْ دِين اللَّه.
قُلْت : وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الرَّاجِح الَّذِي يُقَدَّم عَلَى غَيْره لِعُمُومِهِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي إِشْعَار الْهَدْي وَهِيَ : فَأَجَازَهُ الْجُمْهُور ; ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي أَيّ جِهَة يُشْعَر ; فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَبُو ثَوْر : يَكُون فِي الْجَانِب الْأَيْمَن ; وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر، وَثَبَتَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْعَرَ نَاقَته فِي صَفْحَة سَنَامهَا الْأَيْمَن ; أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَغَيْره وَهُوَ الصَّحِيح، وَرُوِيَ أَنَّهُ أَشْعَرَ بَدَنَة مِنْ الْجَانِب الْأَيْسَر ; قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا عِنْدِي حَدِيث مُنْكَر مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس ; وَالصَّحِيح حَدِيث مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس، قَالَ : وَلَا يَصِحّ عَنْهُ غَيْره.
وَصَفْحَة السَّنَام جَانِبه، وَالسَّنَام أَعْلَى الظَّهْر، وَقَالَتْ طَائِفَة : يَكُون فِي الْجَانِب الْأَيْسَر ; وَهُوَ قَوْل مَالِك، وَقَالَ : لَا بَأْس بِهِ فِي الْجَانِب الْأَيْمَن، وَقَالَ مُجَاهِد : مِنْ أَيّ الْجَانِبَيْنِ شَاءَ ; وَبِهِ قَالَ أَحْمَد فِي أَحَد قَوْلَيْهِ، وَمَنَعَ مِنْ هَذَا كُلّه أَبُو حَنِيفَة وَقَالَ : إِنَّهُ تَعْذِيب لِلْحَيَوَانِ، وَالْحَدِيث يَرُدّ عَلَيْهِ ; وَأَيْضًا فَذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْوَسْم الَّذِي يُعْرَف بِهِ الْمِلْك كَمَا تَقَدَّمَ ; وَقَدْ أَوْغَلَ اِبْن الْعَرَبِيّ عَلَى أَبِي حَنِيفَة فِي الرَّدّ وَالْإِنْكَار حِين لَمْ يَرَ الْإِشْعَار فَقَالَ : كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَع بِهَذِهِ الشَّعِيرَة فِي الشَّرِيعَة ! لَهِيَ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي الْعُلَمَاء.
قُلْت : وَاَلَّذِي رَأَيْته مَنْصُوصًا فِي كُتُب عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة الْإِشْعَار مَكْرُوه مِنْ قَوْل أَبِي حَنِيفَة، وَعِنْد أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا سُنَّة بَلْ هُوَ مُبَاح ; لِأَنَّ الْإِشْعَار لَمَّا كَانَ إِعْلَامًا كَانَ سُنَّة بِمَنْزِلَةِ التَّقْلِيد، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ جَرْح وَمُثْلَة كَانَ حَرَامًا، فَكَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى السُّنَّة وَالْبِدْعَة فَجُعِلَ مُبَاحًا، وَلِأَبِي حَنِيفَة أَنَّ الْإِشْعَار مُثْلَة وَأَنَّهُ حَرَام مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَعْذِيب الْحَيَوَان فَكَانَ مَكْرُوهًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ فِي أَوَّل الِابْتِدَاء حِين كَانَتْ الْعَرَب تَنْتَهِب كُلّ مَال إِلَّا مَا جُعِلَ هَدْيًا، وَكَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْهَدْي إِلَّا بِالْإِشْعَارِ ثُمَّ زَالَ لِزَوَالِ الْعُذْر ; هَكَذَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخ الْإِمَام أَبِي مَنْصُور الْمَاتُرِيدِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : يَحْتَمِل أَنْ أَبَا حَنِيفَة كَرِهَ إِشْعَار أَهْل زَمَانه وَهُوَ الْمُبَالَغَة فِي الْبَضْع عَلَى وَجْه يُخَاف مِنْهُ السِّرَايَة، أَمَّا مَا لَمْ يُجَاوِز الْحَدّ فُعِلَ كَمَا كَانَ يُفْعَل فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَسَن ; وَهَكَذَا ذَكَرَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ.
فَهَذَا اِعْتِذَار عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة لِأَبِي حَنِيفَة عَنْ الْحَدِيث الَّذِي وَرَدَ فِي الْإِشْعَار، فَقَدْ سَمِعُوهُ وَوَصَلَ إِلَيْهِمْ وَعَلِمُوهُ ; قَالُوا : وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ مَكْرُوه لَا يَصِير بِهِ أَحَد مُحْرِمًا ; لِأَنَّ مُبَاشَرَة الْمَكْرُوه لَا تُعَدّ مِنْ الْمَنَاسِك.
قُلْت : وَاَلَّذِي رَأَيْته مَنْصُوصًا فِي كُتُب عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة الْإِشْعَار مَكْرُوه مِنْ قَوْل أَبِي حَنِيفَة، وَعِنْد أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا سُنَّة بَلْ هُوَ مُبَاح ; لِأَنَّ الْإِشْعَار لَمَّا كَانَ إِعْلَامًا كَانَ سُنَّة بِمَنْزِلَةِ التَّقْلِيد، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ جَرْح وَمُثْلَة كَانَ حَرَامًا، فَكَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى السُّنَّة وَالْبِدْعَة فَجُعِلَ مُبَاحًا، وَلِأَبِي حَنِيفَة أَنَّ الْإِشْعَار مُثْلَة وَأَنَّهُ حَرَام مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَعْذِيب الْحَيَوَان فَكَانَ مَكْرُوهًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ فِي أَوَّل الِابْتِدَاء حِين كَانَتْ الْعَرَب تَنْتَهِب كُلّ مَال إِلَّا مَا جُعِلَ هَدْيًا، وَكَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْهَدْي إِلَّا بِالْإِشْعَارِ ثُمَّ زَالَ لِزَوَالِ الْعُذْر ; هَكَذَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخ الْإِمَام أَبِي مَنْصُور الْمَاتُرِيدِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : يَحْتَمِل أَنْ أَبَا حَنِيفَة كَرِهَ إِشْعَار أَهْل زَمَانه وَهُوَ الْمُبَالَغَة فِي الْبَضْع عَلَى وَجْه يُخَاف مِنْهُ السِّرَايَة، أَمَّا مَا لَمْ يُجَاوِز الْحَدّ فُعِلَ كَمَا كَانَ يُفْعَل فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَسَن ; وَهَكَذَا ذَكَرَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ.
فَهَذَا اِعْتِذَار عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة لِأَبِي حَنِيفَة عَنْ الْحَدِيث الَّذِي وَرَدَ فِي الْإِشْعَار، فَقَدْ سَمِعُوهُ وَوَصَلَ إِلَيْهِمْ وَعَلِمُوهُ ; قَالُوا : وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ مَكْرُوه لَا يَصِير بِهِ أَحَد مُحْرِمًا ; لِأَنَّ مُبَاشَرَة الْمَكْرُوه لَا تُعَدّ مِنْ الْمَنَاسِك.
اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ
اِسْم مُفْرَد يَدُلّ عَلَى الْجِنْس فِي جَمِيع الْأَشْهُر الْحُرُم وَهِيَ أَرْبَعَة : وَاحِد فَرْد وَثَلَاثَة سَرْد، يَأْتِي بَيَانهَا فِي " بَرَاءَة " ; وَالْمَعْنَى : لَا تَسْتَحِلُّوهَا لِلْقِتَالِ وَلَا لِلْغَارَةِ وَلَا تُبَدِّلُوهَا ; فَإِنَّ اِسْتِبْدَالهَا اِسْتِحْلَال، وَذَلِكَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ النَّسِيء ; وَكَذَلِكَ قَوْله :" وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد " أَيْ لَا تَسْتَحِلُّوهُ، وَهُوَ عَلَى حَذْف مُضَاف أَيْ وَلَا ذَوَات الْقَلَائِد جَمْع قِلَادَة.
فَنَهَى سُبْحَانه عَنْ اِسْتِحْلَال الْهَدْي جُمْلَة، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُقَلَّد مِنْهُ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَة فِي التَّنْبِيه عَلَى الْحُرْمَة فِي التَّقْلِيد.
اِسْم مُفْرَد يَدُلّ عَلَى الْجِنْس فِي جَمِيع الْأَشْهُر الْحُرُم وَهِيَ أَرْبَعَة : وَاحِد فَرْد وَثَلَاثَة سَرْد، يَأْتِي بَيَانهَا فِي " بَرَاءَة " ; وَالْمَعْنَى : لَا تَسْتَحِلُّوهَا لِلْقِتَالِ وَلَا لِلْغَارَةِ وَلَا تُبَدِّلُوهَا ; فَإِنَّ اِسْتِبْدَالهَا اِسْتِحْلَال، وَذَلِكَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ النَّسِيء ; وَكَذَلِكَ قَوْله :" وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد " أَيْ لَا تَسْتَحِلُّوهُ، وَهُوَ عَلَى حَذْف مُضَاف أَيْ وَلَا ذَوَات الْقَلَائِد جَمْع قِلَادَة.
فَنَهَى سُبْحَانه عَنْ اِسْتِحْلَال الْهَدْي جُمْلَة، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُقَلَّد مِنْهُ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَة فِي التَّنْبِيه عَلَى الْحُرْمَة فِي التَّقْلِيد.
الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا
الْهَدْي مَا أُهْدِيَ إِلَى بَيْت اللَّه تَعَالَى مِنْ نَاقَة أَوْ بَقَرَة أَوْ شَاة ; الْوَاحِدَة هَدْيَة وَهَدِيَّة وَهَدْي.
فَمَنْ قَالَ : أَرَادَ بِالشَّعَائِرِ الْمَنَاسِك قَالَ : ذَكَرَ الْهَدْي تَنْبِيهًا عَلَى تَخْصِيصهَا، وَمَنْ قَالَ : الشَّعَائِر الْهَدْي قَالَ : إِنَّ الشَّعَائِر مَا كَانَ مُشْعَرًا أَيْ مُعَلَّمًا بِإِسَالَةِ الدَّم مِنْ سَنَامه، وَالْهَدْي مَا لَمْ يُشْعَر، اكْتُفِيَ فِيهِ بِالتَّقْلِيدِ، وَقِيلَ : الْفَرْق أَنَّ الشَّعَائِر هِيَ الْبُدْن مِنْ الْأَنْعَام، وَالْهَدْي الْبَقَر وَالْغَنَم وَالثِّيَاب وَكُلّ مَا يُهْدَى، وَقَالَ الْجُمْهُور : الْهَدْي عَامّ فِي جَمِيع مَا يُتَقَرَّب بِهِ مِنْ الذَّبَائِح وَالصَّدَقَات ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( الْمُبَكِّر إِلَى الْجُمُعَة كَالْمُهْدِي بَدَنَة ) إِلَى أَنْ قَالَ :( كَالْمُهْدِي بَيْضَة ) فَسَمَّاهَا هَدْيًا ; وَتَسْمِيَة الْبَيْضَة هَدْيًا لَا مَحْمَل لَهُ إِلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَة ; وَكَذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاء : إِذَا قَالَ جَعَلْت ثَوْبِي هَدْيًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّق بِهِ ; إِلَّا أَنَّ الْإِطْلَاق إِنَّمَا يَنْصَرِف إِلَى أَحَد الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم، وَسَوْقهَا إِلَى الْحَرَم وَذَبْحهَا فِيهِ، وَهَذَا إِنَّمَا تُلُقِّيَ مِنْ عُرْف الشَّرْع فِي قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " [ الْبَقَرَة : ١٩٦ ] وَأَرَادَ بِهِ الشَّاة ; وَقَالَ تَعَالَى :" يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة " [ الْمَائِدَة : ٩٥ ] وَقَالَ تَعَالَى :" فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " [ الْبَقَرَة : ١٩٦ ] وَأَقَلّه شَاة عِنْد الْفُقَهَاء، وَقَالَ مَالِك : إِذَا قَالَ ثَوْبِي هَدْي يَجْعَل ثَمَنه فِي هَدْي.
" وَالْقَلَائِد " مَا كَانَ النَّاس يَتَقَلَّدُونَهُ أَمَنَة لَهُمْ ; فَهُوَ عَلَى حَذْف مُضَاف، أَيْ وَلَا أَصْحَاب الْقَلَائِد ثُمَّ نُسِخَ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ " الْمَائِدَة " آيَة الْقَلَائِد وَقَوْله :" فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ " [ الْمَائِدَة : ٤٢ ] فَأَمَّا الْقَلَائِد فَنَسَخَهَا الْأَمْر بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ كَانُوا وَفِي أَيّ شَهْر كَانُوا، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَنَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى :" وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه " [ الْمَائِدَة : ٤٩ ] عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْقَلَائِدِ نَفْس الْقَلَائِد ; فَهُوَ نَهْي عَنْ أَخْذ لِحَاء شَجَر الْحَرَم حَتَّى يُتَقَلَّد بِهِ طَلَبًا لِلْأَمْنِ ; قَالَهُ مُجَاهِد وَعَطَاء وَمُطَرِّف بْن الشِّخِّير، وَاَللَّه أَعْلَمُ، وَحَقِيقَة الْهَدْي كُلّ مُعْطًى لَمْ يُذْكَر مَعَهُ عِوَض.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاء عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْي أَنَّهُ يَبْعَث بِثَمَنِهِ إِلَى مَكَّة.
وَأَمَّا الْقَلَائِد فَهِيَ كُلّ مَا عُلِّقَ عَلَى أَسْنِمَة الْهَدَايَا وَأَعْنَاقهَا عَلَامَة أَنَّهُ لِلَّهِ سُبْحَانه ; مِنْ نَعْل أَوْ غَيْره، وَهِيَ سُنَّة إِبْرَاهِيمِيَّة بَقِيَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة وَأَقَرَّهَا الْإِسْلَام، وَهِيَ سُنَّة الْبَقَر وَالْغَنَم.
الْهَدْي مَا أُهْدِيَ إِلَى بَيْت اللَّه تَعَالَى مِنْ نَاقَة أَوْ بَقَرَة أَوْ شَاة ; الْوَاحِدَة هَدْيَة وَهَدِيَّة وَهَدْي.
فَمَنْ قَالَ : أَرَادَ بِالشَّعَائِرِ الْمَنَاسِك قَالَ : ذَكَرَ الْهَدْي تَنْبِيهًا عَلَى تَخْصِيصهَا، وَمَنْ قَالَ : الشَّعَائِر الْهَدْي قَالَ : إِنَّ الشَّعَائِر مَا كَانَ مُشْعَرًا أَيْ مُعَلَّمًا بِإِسَالَةِ الدَّم مِنْ سَنَامه، وَالْهَدْي مَا لَمْ يُشْعَر، اكْتُفِيَ فِيهِ بِالتَّقْلِيدِ، وَقِيلَ : الْفَرْق أَنَّ الشَّعَائِر هِيَ الْبُدْن مِنْ الْأَنْعَام، وَالْهَدْي الْبَقَر وَالْغَنَم وَالثِّيَاب وَكُلّ مَا يُهْدَى، وَقَالَ الْجُمْهُور : الْهَدْي عَامّ فِي جَمِيع مَا يُتَقَرَّب بِهِ مِنْ الذَّبَائِح وَالصَّدَقَات ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( الْمُبَكِّر إِلَى الْجُمُعَة كَالْمُهْدِي بَدَنَة ) إِلَى أَنْ قَالَ :( كَالْمُهْدِي بَيْضَة ) فَسَمَّاهَا هَدْيًا ; وَتَسْمِيَة الْبَيْضَة هَدْيًا لَا مَحْمَل لَهُ إِلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَة ; وَكَذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاء : إِذَا قَالَ جَعَلْت ثَوْبِي هَدْيًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّق بِهِ ; إِلَّا أَنَّ الْإِطْلَاق إِنَّمَا يَنْصَرِف إِلَى أَحَد الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم، وَسَوْقهَا إِلَى الْحَرَم وَذَبْحهَا فِيهِ، وَهَذَا إِنَّمَا تُلُقِّيَ مِنْ عُرْف الشَّرْع فِي قَوْله تَعَالَى :" فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " [ الْبَقَرَة : ١٩٦ ] وَأَرَادَ بِهِ الشَّاة ; وَقَالَ تَعَالَى :" يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة " [ الْمَائِدَة : ٩٥ ] وَقَالَ تَعَالَى :" فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " [ الْبَقَرَة : ١٩٦ ] وَأَقَلّه شَاة عِنْد الْفُقَهَاء، وَقَالَ مَالِك : إِذَا قَالَ ثَوْبِي هَدْي يَجْعَل ثَمَنه فِي هَدْي.
" وَالْقَلَائِد " مَا كَانَ النَّاس يَتَقَلَّدُونَهُ أَمَنَة لَهُمْ ; فَهُوَ عَلَى حَذْف مُضَاف، أَيْ وَلَا أَصْحَاب الْقَلَائِد ثُمَّ نُسِخَ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ " الْمَائِدَة " آيَة الْقَلَائِد وَقَوْله :" فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنهمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ " [ الْمَائِدَة : ٤٢ ] فَأَمَّا الْقَلَائِد فَنَسَخَهَا الْأَمْر بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ كَانُوا وَفِي أَيّ شَهْر كَانُوا، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَنَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى :" وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه " [ الْمَائِدَة : ٤٩ ] عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْقَلَائِدِ نَفْس الْقَلَائِد ; فَهُوَ نَهْي عَنْ أَخْذ لِحَاء شَجَر الْحَرَم حَتَّى يُتَقَلَّد بِهِ طَلَبًا لِلْأَمْنِ ; قَالَهُ مُجَاهِد وَعَطَاء وَمُطَرِّف بْن الشِّخِّير، وَاَللَّه أَعْلَمُ، وَحَقِيقَة الْهَدْي كُلّ مُعْطًى لَمْ يُذْكَر مَعَهُ عِوَض.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاء عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْي أَنَّهُ يَبْعَث بِثَمَنِهِ إِلَى مَكَّة.
وَأَمَّا الْقَلَائِد فَهِيَ كُلّ مَا عُلِّقَ عَلَى أَسْنِمَة الْهَدَايَا وَأَعْنَاقهَا عَلَامَة أَنَّهُ لِلَّهِ سُبْحَانه ; مِنْ نَعْل أَوْ غَيْره، وَهِيَ سُنَّة إِبْرَاهِيمِيَّة بَقِيَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة وَأَقَرَّهَا الْإِسْلَام، وَهِيَ سُنَّة الْبَقَر وَالْغَنَم.
قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : أَهْدَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّة إِلَى الْبَيْت غَنَمًا فَقَلَّدَهَا ; أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم ; وَإِلَى هَذَا صَارَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء : الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَابْن حَبِيب ; وَأَنْكَرَهُ مَالِك وَأَصْحَاب الرَّأْي وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغهُمْ هَذَا الْحَدِيث فِي تَقْلِيد الْغَنَم، أَوْ بَلَغَ لَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ لِانْفِرَادِ الْأَسْوَد بِهِ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا ; فَالْقَوْل بِهِ أَوْلَى، وَاَللَّه أَعْلَم، وَأَمَّا الْبَقَر فَإِنْ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَة أُشْعِرَتْ كَالْبُدْنِ ; قَالَ اِبْن عُمَر ; وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَقَالَ الشَّافِعِيّ : تُقَلَّد وَتُشْعَر مُطْلَقًا وَلَمْ يُفَرِّقُوا، وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : تُقَلَّد وَلَا تُشْعَر ; وَهَذَا الْقَوْل أَصَحُّ إِذْ لَيْسَ لَهَا سَنَام، وَهِيَ أَشْبَهُ بِالْغَنَمِ مِنْهَا بِالْإِبِلِ، وَاَللَّه أَعْلَمُ.
وَاتَّفَقُوا فِيمَنْ قَلَّدَ بَدَنَة عَلَى نِيَّة الْإِحْرَام وَسَاقَهَا أَنَّهُ يَصِير مُحْرِمًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه " إِلَى أَنْ قَالَ :" فَاصْطَادُوا " وَلَمْ يَذْكُر الْإِحْرَام لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ التَّقْلِيد عُرِفَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْرَام.
فَإِنْ بَعَثَ بِالْهَدْيِ وَلَمْ يَسُقْ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا ; لِحَدِيثِ عَائِشَة قَالَتْ : أَنَا فَتَلْت قَلَائِد هَدْي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ; ثُمَّ قَلَّدَهَا بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْء أَحَلَّهُ اللَّه لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْي ; أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَق وَجُمْهُور الْعُلَمَاء.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : يَصِير مُحْرِمًا ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُم عَلَى الْحَاجّ حَتَّى يُنْحَر الْهَدْي ; رَوَاهُ الْبُخَارِيّ ; وَهَذَا مَذْهَب اِبْن عُمَر وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيّ عَنْ أَصْحَاب الرَّأْي ; وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : كُنْت عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَقَدَّ قَمِيصه مِنْ جَيْبه ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ، فَنَظَرَ الْقَوْم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( إِنِّي أُمِرْت بِبُدْنِي الَّتِي بَعَثْت بِهَا أَنْ تُقَلَّد وَتُشْعَر عَلَى مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلَبِسْت قَمِيصِي وَنَسِيت فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِج قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي ) وَكَانَ بَعَثَ بِبُدْنِهِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ.
فِي إِسْنَاده عَبْد الرَّحْمَن بْن عَطَاء بْن أَبِي لَبِيبَة وَهُوَ ضَعِيف.
وَاتَّفَقُوا فِيمَنْ قَلَّدَ بَدَنَة عَلَى نِيَّة الْإِحْرَام وَسَاقَهَا أَنَّهُ يَصِير مُحْرِمًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه " إِلَى أَنْ قَالَ :" فَاصْطَادُوا " وَلَمْ يَذْكُر الْإِحْرَام لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ التَّقْلِيد عُرِفَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْرَام.
فَإِنْ بَعَثَ بِالْهَدْيِ وَلَمْ يَسُقْ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا ; لِحَدِيثِ عَائِشَة قَالَتْ : أَنَا فَتَلْت قَلَائِد هَدْي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ; ثُمَّ قَلَّدَهَا بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُم عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْء أَحَلَّهُ اللَّه لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْي ; أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ، وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَق وَجُمْهُور الْعُلَمَاء.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : يَصِير مُحْرِمًا ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُم عَلَى الْحَاجّ حَتَّى يُنْحَر الْهَدْي ; رَوَاهُ الْبُخَارِيّ ; وَهَذَا مَذْهَب اِبْن عُمَر وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيّ عَنْ أَصْحَاب الرَّأْي ; وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : كُنْت عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَقَدَّ قَمِيصه مِنْ جَيْبه ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ، فَنَظَرَ الْقَوْم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :( إِنِّي أُمِرْت بِبُدْنِي الَّتِي بَعَثْت بِهَا أَنْ تُقَلَّد وَتُشْعَر عَلَى مَكَان كَذَا وَكَذَا فَلَبِسْت قَمِيصِي وَنَسِيت فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِج قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي ) وَكَانَ بَعَثَ بِبُدْنِهِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ.
فِي إِسْنَاده عَبْد الرَّحْمَن بْن عَطَاء بْن أَبِي لَبِيبَة وَهُوَ ضَعِيف.
فَإِنْ قَلَّدَ شَاة وَتَوَجَّهَ مَعَهَا فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : لَا يَصِير مُحْرِمًا ; لِأَنَّ تَقْلِيد الشَّاة لَيْسَ بِمَسْنُونٍ وَلَا مِنْ الشَّعَائِر ; لِأَنَّهُ يُخَاف عَلَيْهَا الذِّئْب فَلَا تَصِل إِلَى الْحَرَم بِخِلَافِ الْبُدْن ; فَإِنَّهَا تُتْرَك حَتَّى تَرِد الْمَاء وَتَرْعَى الشَّجَر وَتَصِل إِلَى الْحَرَم، وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : فَتَلْت قَلَائِدهَا مِنْ عِهْن كَانَ عِنْدِي.
الْعِهْن الصُّوف الْمَصْبُوغ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَتَكُون الْجِبَال كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوش " [ الْقَارِعَة : ٥ ].
وَلَا يَجُوز بَيْع الْهَدْي وَلَا هِبَته إِذَا قُلِّدَ أَوْ أُشْعِرَ ; لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ، وَإِنْ مَاتَ مُوجِبه لَمْ يُوَرَّث عَنْهُ وَنَفَذَ لِوَجْهِهِ ; بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّة فَإِنَّهَا لَا تَجِب إِلَّا بِالذَّبْحِ خَاصَّة عِنْد مَالِك إِلَّا أَنْ يُوجِبَهَا بِالْقَوْلِ ; فَإِنْ أَوْجَبَهَا بِالْقَوْلِ قَبْل الذَّبْح فَقَالَ : جَعَلْت هَذِهِ الشَّاة أُضْحِيَّة تَعَيَّنَتْ ; وَعَلَيْهِ ; إِنْ تَلِفَتْ ثُمَّ وَجَدَهَا أَيَّام الذَّبْح أَوْ بَعْدهَا ذَبَحَهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعهَا ; فَإِنْ كَانَ اِشْتَرَى أُضْحِيَّة غَيْرهَا ذَبَحَهُمَا جَمِيعًا فِي قَوْل أَحْمَد وَإِسْحَاق، وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا بَدَل عَلَيْهِ إِذَا ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ، إِنَّمَا الْإِبْدَال فِي الْوَاجِب، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : إِذَا ضَلَّتْ فَقَدْ أَجْزَأَتْ، وَمَنْ مَاتَ يَوْم النَّحْر قَبْل أَنْ يُضَحِّيَ كَانَتْ ضَحِيَّتُهُ مَوْرُوثَة عَنْهُ كَسَائِرِ مَاله بِخِلَافِ الْهَدْي، وَقَالَ أَحْمَد وَأَبُو ثَوْر : تُذْبَح بِكُلِّ حَال، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : تُذْبَح إِلَّا أَنْ يَكُون عَلَيْهِ دَيْن لَا وَفَاء لَهُ إِلَّا مِنْ تِلْكَ الْأُضْحِيَّة فَتُبَاع فِي دَيْنه، وَلَوْ مَاتَ بَعْد ذَبْحهَا لَمْ يَرِثهَا عَنْهُ وَرَثَته، وَصَنَعُوا بِهَا مِنْ الْأَكْل وَالصَّدَقَة مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَصْنَع بِهَا، وَلَا يَقْتَسِمُونَ لَحْمهَا عَلَى سَبِيل الْمِيرَاث، وَمَا أَصَابَ الْأُضْحِيَّة قَبْل الذَّبْح مِنْ الْعُيُوب كَانَ عَلَى صَاحِبهَا بَدَلهَا بِخِلَافِ الْهَدْي، هَذَا تَحْصِيل مَذْهَب مَالِك، وَقَدْ قِيلَ فِي الْهَدْي عَلَى صَاحِبه الْبَدَل ; وَالْأَوَّل أَصْوَبُ.
وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ : وَقَوْله تَعَالَى :" وَلَا الشَّهْر الْحَرَام " مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ :" وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة " [ التَّوْبَة : ٣٦ ] وَقَوْله :" وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد " مُحْكَم لَمْ يُنْسَخ ; فَكُلّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْي وَنَوَى الْإِحْرَام صَارَ مُحْرِمًا لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يُحِلّ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَة ; فَهَذِهِ الْأَحْكَام مَعْطُوف بَعْضهَا عَلَى بَعْض ; بَعْضهَا مَنْسُوخ وَبَعْضهَا غَيْر مَنْسُوخ.
الْعِهْن الصُّوف الْمَصْبُوغ ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :" وَتَكُون الْجِبَال كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوش " [ الْقَارِعَة : ٥ ].
وَلَا يَجُوز بَيْع الْهَدْي وَلَا هِبَته إِذَا قُلِّدَ أَوْ أُشْعِرَ ; لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ، وَإِنْ مَاتَ مُوجِبه لَمْ يُوَرَّث عَنْهُ وَنَفَذَ لِوَجْهِهِ ; بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّة فَإِنَّهَا لَا تَجِب إِلَّا بِالذَّبْحِ خَاصَّة عِنْد مَالِك إِلَّا أَنْ يُوجِبَهَا بِالْقَوْلِ ; فَإِنْ أَوْجَبَهَا بِالْقَوْلِ قَبْل الذَّبْح فَقَالَ : جَعَلْت هَذِهِ الشَّاة أُضْحِيَّة تَعَيَّنَتْ ; وَعَلَيْهِ ; إِنْ تَلِفَتْ ثُمَّ وَجَدَهَا أَيَّام الذَّبْح أَوْ بَعْدهَا ذَبَحَهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعهَا ; فَإِنْ كَانَ اِشْتَرَى أُضْحِيَّة غَيْرهَا ذَبَحَهُمَا جَمِيعًا فِي قَوْل أَحْمَد وَإِسْحَاق، وَقَالَ الشَّافِعِيّ : لَا بَدَل عَلَيْهِ إِذَا ضَلَّتْ أَوْ سُرِقَتْ، إِنَّمَا الْإِبْدَال فِي الْوَاجِب، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : إِذَا ضَلَّتْ فَقَدْ أَجْزَأَتْ، وَمَنْ مَاتَ يَوْم النَّحْر قَبْل أَنْ يُضَحِّيَ كَانَتْ ضَحِيَّتُهُ مَوْرُوثَة عَنْهُ كَسَائِرِ مَاله بِخِلَافِ الْهَدْي، وَقَالَ أَحْمَد وَأَبُو ثَوْر : تُذْبَح بِكُلِّ حَال، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : تُذْبَح إِلَّا أَنْ يَكُون عَلَيْهِ دَيْن لَا وَفَاء لَهُ إِلَّا مِنْ تِلْكَ الْأُضْحِيَّة فَتُبَاع فِي دَيْنه، وَلَوْ مَاتَ بَعْد ذَبْحهَا لَمْ يَرِثهَا عَنْهُ وَرَثَته، وَصَنَعُوا بِهَا مِنْ الْأَكْل وَالصَّدَقَة مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَصْنَع بِهَا، وَلَا يَقْتَسِمُونَ لَحْمهَا عَلَى سَبِيل الْمِيرَاث، وَمَا أَصَابَ الْأُضْحِيَّة قَبْل الذَّبْح مِنْ الْعُيُوب كَانَ عَلَى صَاحِبهَا بَدَلهَا بِخِلَافِ الْهَدْي، هَذَا تَحْصِيل مَذْهَب مَالِك، وَقَدْ قِيلَ فِي الْهَدْي عَلَى صَاحِبه الْبَدَل ; وَالْأَوَّل أَصْوَبُ.
وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ : وَقَوْله تَعَالَى :" وَلَا الشَّهْر الْحَرَام " مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ :" وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة " [ التَّوْبَة : ٣٦ ] وَقَوْله :" وَلَا الْهَدْي وَلَا الْقَلَائِد " مُحْكَم لَمْ يُنْسَخ ; فَكُلّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْي وَنَوَى الْإِحْرَام صَارَ مُحْرِمًا لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يُحِلّ بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَة ; فَهَذِهِ الْأَحْكَام مَعْطُوف بَعْضهَا عَلَى بَعْض ; بَعْضهَا مَنْسُوخ وَبَعْضهَا غَيْر مَنْسُوخ.
الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ
يَعْنِي الْقَاصِدِينَ لَهُ ; مِنْ قَوْلهمْ أَمَمْت كَذَا أَيْ قَصَدْته، وَقَرَأَ الْأَعْمَش :" وَلَا آمِّي الْبَيْت الْحَرَام " بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ :" غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد " وَالْمَعْنَى : لَا تَمْنَعُوا الْكُفَّار الْقَاصِدِينَ الْبَيْت الْحَرَام عَلَى جِهَة التَّعَبُّد وَالْقُرْبَة ; وَعَلَيْهِ فَقِيلَ : مَا فِي هَذِهِ الْآيَات مِنْ نَهْي عَنْ مُشْرِك، أَوْ مُرَاعَاة حُرْمَة لَهُ بِقِلَادَةٍ، أَوْ أَمَّ الْبَيْت فَهُوَ كُلّه مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف فِي قَوْله :" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " [ التَّوْبَة : ٥ ] وَقَوْله :" فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا " [ التَّوْبَة : ٢٨ ] فَلَا يُمَكَّن الْمُشْرِك مِنْ الْحَجّ، وَلَا يُؤَمَّن فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَإِنْ أَهْدَى وَقَلَّدَ وَحَجَّ ; رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَهُ اِبْن زَيْد عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْره، وَقَالَ قَوْم : الْآيَة مُحْكَمَة لَمْ تُنْسَخ وَهِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ نَهَى اللَّه عَنْ إِخَافَة مَنْ يَقْصِد بَيْته مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالنَّهْي عَامّ فِي الشَّهْر الْحَرَام وَغَيْره ; وَلَكِنَّهُ خَصَّ الشَّهْر الْحَرَام بِالذِّكْرِ تَعْظِيمًا وَتَفْضِيلًا ; وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْل عَطَاء ; فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا تُحِلُّوا مَعَالِم اللَّه، وَهِيَ أَمْره وَنَهْيه وَمَا أَعْلَمَهُ النَّاس فَلَا تُحِلُّوهُ ; وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو مَيْسَرَة : هِيَ مُحْكَمَة، وَقَالَ مُجَاهِد : لَمْ يُنْسَخ مِنْهَا إِلَّا " الْقَلَائِد " وَكَانَ الرَّجُل يَتَقَلَّد بِشَيْءٍ مِنْ لِحَاء الْحَرَم فَلَا يُقْرَب فَنُسِخَ ذَلِكَ.
وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : هَذِهِ الْآيَة نَهْي عَنْ الْحُجَّاج أَنْ تُقْطَع سُبُلهمْ، وَقَالَ اِبْن زَيْد : نَزَلَتْ الْآيَة عَام الْفَتْح وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة ; جَاءَ أُنَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَحُجُّونَ وَيَعْتَمِرُونَ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا هَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ فَلَنْ نَدَعَهُمْ إِلَّا أَنْ نُغِير عَلَيْهِمْ ; فَنَزَلَ الْقُرْآن " وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام ".
وَقِيلَ : كَانَ هَذَا لِأَمْرِ شُرَيْح بْن ضُبَيْعَة الْبَكْرِيّ - وَيُلَقَّب بِالْحُطَمِ - أَخَذَتْهُ جُنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي عُمْرَته فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْحُكْم كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَدْرَكَ الْحُطَم هَذَا رِدَّة الْيَمَامَة فَقُتِلَ مُرْتَدًّا وَقَدْ رُوِيَ مِنْ خَبَره أَنَّهُ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَخَلَّفَ خَيْله خَارِج الْمَدِينَة فَقَالَ : إِلَامَ تَدْعُو النَّاس ؟ فَقَالَ :( إِلَى شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَإِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة ) فَقَالَ : حَسَن، إِلَّا أَنَّ لِي أُمَرَاء لَا أَقْطَع أَمْرًا دُونهمْ وَلَعَلِّي أُسْلِم وَآتِي بِهِمْ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ :( يَدْخُل عَلَيْكُمْ رَجُل يَتَكَلَّم بِلِسَانِ شَيْطَان ) ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْده فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِر وَخَرَجَ بِقَفَا غَادِر وَمَا الرَّجُل بِمُسْلِمٍ ).
يَعْنِي الْقَاصِدِينَ لَهُ ; مِنْ قَوْلهمْ أَمَمْت كَذَا أَيْ قَصَدْته، وَقَرَأَ الْأَعْمَش :" وَلَا آمِّي الْبَيْت الْحَرَام " بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ :" غَيْر مُحِلِّي الصَّيْد " وَالْمَعْنَى : لَا تَمْنَعُوا الْكُفَّار الْقَاصِدِينَ الْبَيْت الْحَرَام عَلَى جِهَة التَّعَبُّد وَالْقُرْبَة ; وَعَلَيْهِ فَقِيلَ : مَا فِي هَذِهِ الْآيَات مِنْ نَهْي عَنْ مُشْرِك، أَوْ مُرَاعَاة حُرْمَة لَهُ بِقِلَادَةٍ، أَوْ أَمَّ الْبَيْت فَهُوَ كُلّه مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف فِي قَوْله :" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ " [ التَّوْبَة : ٥ ] وَقَوْله :" فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا " [ التَّوْبَة : ٢٨ ] فَلَا يُمَكَّن الْمُشْرِك مِنْ الْحَجّ، وَلَا يُؤَمَّن فِي الْأَشْهُر الْحُرُم وَإِنْ أَهْدَى وَقَلَّدَ وَحَجَّ ; رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَهُ اِبْن زَيْد عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْره، وَقَالَ قَوْم : الْآيَة مُحْكَمَة لَمْ تُنْسَخ وَهِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ نَهَى اللَّه عَنْ إِخَافَة مَنْ يَقْصِد بَيْته مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالنَّهْي عَامّ فِي الشَّهْر الْحَرَام وَغَيْره ; وَلَكِنَّهُ خَصَّ الشَّهْر الْحَرَام بِالذِّكْرِ تَعْظِيمًا وَتَفْضِيلًا ; وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْل عَطَاء ; فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا تُحِلُّوا مَعَالِم اللَّه، وَهِيَ أَمْره وَنَهْيه وَمَا أَعْلَمَهُ النَّاس فَلَا تُحِلُّوهُ ; وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو مَيْسَرَة : هِيَ مُحْكَمَة، وَقَالَ مُجَاهِد : لَمْ يُنْسَخ مِنْهَا إِلَّا " الْقَلَائِد " وَكَانَ الرَّجُل يَتَقَلَّد بِشَيْءٍ مِنْ لِحَاء الْحَرَم فَلَا يُقْرَب فَنُسِخَ ذَلِكَ.
وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : هَذِهِ الْآيَة نَهْي عَنْ الْحُجَّاج أَنْ تُقْطَع سُبُلهمْ، وَقَالَ اِبْن زَيْد : نَزَلَتْ الْآيَة عَام الْفَتْح وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة ; جَاءَ أُنَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَحُجُّونَ وَيَعْتَمِرُونَ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا هَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ فَلَنْ نَدَعَهُمْ إِلَّا أَنْ نُغِير عَلَيْهِمْ ; فَنَزَلَ الْقُرْآن " وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام ".
وَقِيلَ : كَانَ هَذَا لِأَمْرِ شُرَيْح بْن ضُبَيْعَة الْبَكْرِيّ - وَيُلَقَّب بِالْحُطَمِ - أَخَذَتْهُ جُنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي عُمْرَته فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْحُكْم كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَدْرَكَ الْحُطَم هَذَا رِدَّة الْيَمَامَة فَقُتِلَ مُرْتَدًّا وَقَدْ رُوِيَ مِنْ خَبَره أَنَّهُ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَخَلَّفَ خَيْله خَارِج الْمَدِينَة فَقَالَ : إِلَامَ تَدْعُو النَّاس ؟ فَقَالَ :( إِلَى شَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَإِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة ) فَقَالَ : حَسَن، إِلَّا أَنَّ لِي أُمَرَاء لَا أَقْطَع أَمْرًا دُونهمْ وَلَعَلِّي أُسْلِم وَآتِي بِهِمْ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ :( يَدْخُل عَلَيْكُمْ رَجُل يَتَكَلَّم بِلِسَانِ شَيْطَان ) ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْده فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام :( لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِر وَخَرَجَ بِقَفَا غَادِر وَمَا الرَّجُل بِمُسْلِمٍ ).
فَمَرَّ بِسَرْحِ الْمَدِينَة فَاسْتَاقَهُ ; فَطَلَبُوهُ فَعَجَزُوا عَنْهُ، فَانْطَلَقَ وَهُوَ يَقُول :
فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْقَضِيَّة سَمِعَ تَلْبِيَة حُجَّاج الْيَمَامَة فَقَالَ :( هَذَا الْحُطَم وَأَصْحَابه )، وَكَانَ قَدْ قَلَّدَ مَا نَهَبَ مِنْ سَرْح الْمَدِينَة وَأَهْدَاهُ إِلَى مَكَّة، فَتَوَجَّهُوا فِي طَلَبه ; فَنَزَلَتْ الْآيَة، أَيْ لَا تُحِلُّوا مَا أُشْعِرَ لِلَّهِ وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ ; ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس.
وَعَلَى أَنَّ الْآيَة مُحْكَمَة قَوْله تَعَالَى :" لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه " يُوجِب إِتْمَام أُمُور الْمَنَاسِك ; وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّ الرَّجُل إِذَا دَخَلَ فِي الْحَجّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ أَفْعَال الْحَجّ، وَلَا يَجُوز أَنْ يَتْرُك شَيْئًا مِنْهَا وَإِنْ فَسَدَ حَجّه ; ثُمَّ عَلَيْهِ الْقَضَاء فِي السَّنَة الثَّانِيَة.
قَدْ لَفَّهَا اللَّيْل بِسَوَّاقٍ حُطَمْ | لَيْسَ بِرَاعِي إِبِل وَلَا غَنَمْ |
وَلَا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْر وَضَمْ | بَاتُوا نِيَامًا وَابْن هِنْد لَمْ يَنَمْ |
بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَام كَالزَّلَمْ | خَدَلَّج السَّاقَيْنِ خَفَّاق الْقَدَمْ |
وَعَلَى أَنَّ الْآيَة مُحْكَمَة قَوْله تَعَالَى :" لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه " يُوجِب إِتْمَام أُمُور الْمَنَاسِك ; وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّ الرَّجُل إِذَا دَخَلَ فِي الْحَجّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ أَفْعَال الْحَجّ، وَلَا يَجُوز أَنْ يَتْرُك شَيْئًا مِنْهَا وَإِنْ فَسَدَ حَجّه ; ثُمَّ عَلَيْهِ الْقَضَاء فِي السَّنَة الثَّانِيَة.
الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ
قَالَ فِيهِ جُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ : مَعْنَاهُ يَبْتَغُونَ الْفَضْل وَالْأَرْبَاح فِي التِّجَارَة، وَيَبْتَغُونَ مَعَ ذَلِكَ رِضْوَانه فِي ظَنّهمْ وَطَمَعهمْ، وَقِيلَ : كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَبْتَغِي التِّجَارَة، وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُب بِالْحَجِّ رِضْوَان اللَّه وَإِنْ كَانَ لَا يَنَالهُ ; وَكَانَ مِنْ الْعَرَب مَنْ يَعْتَقِد جَزَاء بَعْد الْمَوْت، وَأَنَّهُ يُبْعَث، وَلَا يَبْعُد أَنْ يَحْصُل لَهُ نَوْع تَخْفِيف فِي النَّار.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : هَذِهِ الْآيَة اِسْتِئْلَاف مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْعَرَبِ وَلُطْف بِهِمْ ; لِتَنْبَسِط النُّفُوس، وَتَتَدَاخَل النَّاس، وَيَرِدُونَ الْمَوْسِم فَيَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن، وَيَدْخُل الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ وَتَقُوم عِنْدهمْ الْحُجَّة كَاَلَّذِي كَانَ، وَهَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَام الْفَتْح فَنَسَخَ اللَّه ذَلِكَ كُلّه بَعْد عَام سَنَة تِسْع ; إِذْ حَجَّ أَبُو بَكْر وَنُودِيَ النَّاس بِسُورَةِ " بَرَاءَة ".
قَالَ فِيهِ جُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ : مَعْنَاهُ يَبْتَغُونَ الْفَضْل وَالْأَرْبَاح فِي التِّجَارَة، وَيَبْتَغُونَ مَعَ ذَلِكَ رِضْوَانه فِي ظَنّهمْ وَطَمَعهمْ، وَقِيلَ : كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَبْتَغِي التِّجَارَة، وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُب بِالْحَجِّ رِضْوَان اللَّه وَإِنْ كَانَ لَا يَنَالهُ ; وَكَانَ مِنْ الْعَرَب مَنْ يَعْتَقِد جَزَاء بَعْد الْمَوْت، وَأَنَّهُ يُبْعَث، وَلَا يَبْعُد أَنْ يَحْصُل لَهُ نَوْع تَخْفِيف فِي النَّار.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : هَذِهِ الْآيَة اِسْتِئْلَاف مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْعَرَبِ وَلُطْف بِهِمْ ; لِتَنْبَسِط النُّفُوس، وَتَتَدَاخَل النَّاس، وَيَرِدُونَ الْمَوْسِم فَيَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن، وَيَدْخُل الْإِيمَان فِي قُلُوبهمْ وَتَقُوم عِنْدهمْ الْحُجَّة كَاَلَّذِي كَانَ، وَهَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَام الْفَتْح فَنَسَخَ اللَّه ذَلِكَ كُلّه بَعْد عَام سَنَة تِسْع ; إِذْ حَجَّ أَبُو بَكْر وَنُودِيَ النَّاس بِسُورَةِ " بَرَاءَة ".
وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ
أَمْر إِبَاحَة - بِإِجْمَاعِ النَّاس - رَفَعَ مَا كَانَ مَحْظُورًا بِالْإِحْرَامِ ; حَكَاهُ كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ صِيغَة " اِفْعَلْ " الْوَارِدَة بَعْد الْحَظْر عَلَى أَصْلهَا مِنْ الْوُجُوب ; وَهُوَ مَذْهَب الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّب وَغَيْره ; لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْوُجُوبِ قَائِم وَتَقَدُّم الْحَظْر لَا يَصْلُح مَانِعًا ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ " [ التَّوْبَة : ٥ ] فَهَذِهِ " اِفْعَلْ " عَلَى الْوُجُوب ; لِأَنَّ الْمُرَاد بِهَا الْجِهَاد، وَإِنَّمَا فُهِمَتْ الْإِبَاحَة هُنَاكَ وَمَا كَانَ مِثْله مِنْ قَوْله :" فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا " [ الْجُمُعَة : ١٠ ] " فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ " مِنْ النَّظَر إِلَى الْمَعْنَى وَالْإِجْمَاع، لَا مِنْ صِيغَة الْأَمْر.
وَاَللَّه أَعْلَمُ.
أَمْر إِبَاحَة - بِإِجْمَاعِ النَّاس - رَفَعَ مَا كَانَ مَحْظُورًا بِالْإِحْرَامِ ; حَكَاهُ كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ صِيغَة " اِفْعَلْ " الْوَارِدَة بَعْد الْحَظْر عَلَى أَصْلهَا مِنْ الْوُجُوب ; وَهُوَ مَذْهَب الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّب وَغَيْره ; لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْوُجُوبِ قَائِم وَتَقَدُّم الْحَظْر لَا يَصْلُح مَانِعًا ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى :" فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ " [ التَّوْبَة : ٥ ] فَهَذِهِ " اِفْعَلْ " عَلَى الْوُجُوب ; لِأَنَّ الْمُرَاد بِهَا الْجِهَاد، وَإِنَّمَا فُهِمَتْ الْإِبَاحَة هُنَاكَ وَمَا كَانَ مِثْله مِنْ قَوْله :" فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا " [ الْجُمُعَة : ١٠ ] " فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ " مِنْ النَّظَر إِلَى الْمَعْنَى وَالْإِجْمَاع، لَا مِنْ صِيغَة الْأَمْر.
وَاَللَّه أَعْلَمُ.
فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ
أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة، وَهُوَ قَوْل الْكِسَائِيّ وَأَبِي الْعَبَّاس، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ; يُقَال : جَرَمَنِي كَذَا عَلَى بُغْضك أَيْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ ; قَالَ الشَّاعِر :
وَقَالَ الْأَخْفَشُ : أَيْ وَلَا يُحِقَّنَّكُمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْفَرَّاء : مَعْنَى " لَا يَجْرِمَنَّكُمْ " أَيْ لَا يَكْسِبَنَّكُمْ بُغْض قَوْم أَنْ تَعْتَدُوا الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل، وَالْعَدْل إِلَى الظُّلْم، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام :( أَدِّ الْأَمَانَة إِلَى مَنْ اِئْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك ) وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي هَذَا، وَنَظِير هَذِهِ الْآيَة " فَمَنْ اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اِعْتَدَى عَلَيْكُمْ " [ الْبَقَرَة : ١٩٤ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ مُسْتَوْفًى، وَيُقَال : فُلَان جَرِيمَة أَهْله أَيْ كَاسِبهمْ، فَالْجَرِيمَة وَالْجَارِم بِمَعْنَى الْكَاسِب وَأَجْرَمَ فُلَان أَيْ اكْتَسَبَ الْإِثْم.
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
مَعْنَاهُ كَاسِب قُوت، وَالصَّلِيب الْوَدَك، وَهَذَا هُوَ الْأَصْل فِي بِنَاء ج ر م.
قَالَ اِبْن فَارِس : يُقَال جَرَمَ وَأَجْرَمَ، وَلَا جَرَمَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلك : لَا بُدّ وَلَا مَحَالَة ; وَأَصْلهَا مِنْ جَرَمَ أَيْ اِكْتَسَبَ، قَالَ :
جَرَمَتْ فَزَارَة بَعْدهَا أَنْ يَغْضَبُوا
وَقَالَ آخَر :
وَيُقَال : جَرَمَ يَجْرِم جَرْمًا إِذَا قَطَعَ ; قَالَ الرُّمَّانِيّ عَلِيّ بْن عِيسَى : وَهُوَ الْأَصْل ; فَجَرَمَ بِمَعْنَى حَمَلَ عَلَى الشَّيْء لِقَطْعِهِ مِنْ غَيْره، وَجَرَمَ بِمَعْنَى كَسَبَ لِانْقِطَاعِهِ إِلَى الْكَسْب، وَجَرَمَ بِمَعْنَى حُقّ لِأَنَّ الْحَقّ يُقْطَع عَلَيْهِ، وَقَالَ الْخَلِيل :" لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّار " [ النَّحْل : ٦٢ ] لَقَدْ حُقّ أَنَّ لَهُمْ الْعَذَاب، وَقَالَ الْكِسَائِيّ : جَرَمَ وَأَجْرَمَ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد، أَيْ اِكْتَسَبَ.
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " يُجْرِمَنَّكُمْ " بِضَمِّ الْيَاء، وَالْمَعْنَى أَيْضًا لَا يَكْسِبَنَّكُمْ ; وَلَا يَعْرِف الْبَصْرِيُّونَ الضَّمّ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ : جَرَمَ لَا غَيْر، وَالشَّنَآن الْبُغْض، وَقُرِئَ بِفَتْحِ النُّون وَإِسْكَانهَا ; يُقَال : شَنِئْت الرَّجُل أَشْنَؤُهُ شَنْأً وَشَنْأَةً وَشَنَآنًا وَشَنْآنًا بِجَزْمِ النُّون، كُلّ ذَلِكَ إِذَا أَبْغَضْته ; أَيْ لَا يَكْسِبَنَّكُمْ بُغْض قَوْم بِصَدِّهِمْ إِيَّاكُمْ أَنْ تَعْتَدُوا ; وَالْمُرَاد بُغْضكُمْ قَوْمًا، فَأَضَافَ الْمَصْدَر إِلَى الْمَفْعُول.
أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة، وَهُوَ قَوْل الْكِسَائِيّ وَأَبِي الْعَبَّاس، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ; يُقَال : جَرَمَنِي كَذَا عَلَى بُغْضك أَيْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ ; قَالَ الشَّاعِر :
وَلَقَدْ طَعَنْت أَبَا عُيَيْنَة طَعْنَة | جَرَمَتْ فَزَارَة بَعْدهَا أَنْ يَغْضَبُوا |
وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
جَرِيمَةُ نَاهِضٍ فِي رَأْسِ نِيقٍ | تَرَى لِعِظَامِ مَا جَمَعَتْ صَلِيبَا |
قَالَ اِبْن فَارِس : يُقَال جَرَمَ وَأَجْرَمَ، وَلَا جَرَمَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلك : لَا بُدّ وَلَا مَحَالَة ; وَأَصْلهَا مِنْ جَرَمَ أَيْ اِكْتَسَبَ، قَالَ :
جَرَمَتْ فَزَارَة بَعْدهَا أَنْ يَغْضَبُوا
وَقَالَ آخَر :
يَا أَيُّهَا الْمُشْتَكِي عُكْلًا وَمَا جَرَمَتْ | إِلَى الْقَبَائِلِ مِنْ قَتْلٍ وَإِبْآسِ |
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود " يُجْرِمَنَّكُمْ " بِضَمِّ الْيَاء، وَالْمَعْنَى أَيْضًا لَا يَكْسِبَنَّكُمْ ; وَلَا يَعْرِف الْبَصْرِيُّونَ الضَّمّ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ : جَرَمَ لَا غَيْر، وَالشَّنَآن الْبُغْض، وَقُرِئَ بِفَتْحِ النُّون وَإِسْكَانهَا ; يُقَال : شَنِئْت الرَّجُل أَشْنَؤُهُ شَنْأً وَشَنْأَةً وَشَنَآنًا وَشَنْآنًا بِجَزْمِ النُّون، كُلّ ذَلِكَ إِذَا أَبْغَضْته ; أَيْ لَا يَكْسِبَنَّكُمْ بُغْض قَوْم بِصَدِّهِمْ إِيَّاكُمْ أَنْ تَعْتَدُوا ; وَالْمُرَاد بُغْضكُمْ قَوْمًا، فَأَضَافَ الْمَصْدَر إِلَى الْمَفْعُول.
قَالَ اِبْن زَيْد : لَمَّا صُدَّ الْمُسْلِمُونَ عَنْ الْبَيْت عَام الْحُدَيْبِيَة مَرَّ بِهِمْ نَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُونَ الْعُمْرَة ; فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : نَصُدّهُمْ كَمَا صَدَّنَا أَصْحَابهمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ; أَيْ لَا تَعْتَدُوا عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَا تَصُدُّوهُمْ " أَنْ صَدُّوكُمْ " أَصْحَابُهُمْ، بِفَتْحِ الْهَمْزَة مَفْعُول مِنْ أَجْله ; أَيْ لِأَنْ صَدُّوكُمْ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير بِكَسْرِ الْهَمْزَة " إِنْ صَدُّوكُمْ " وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد، وَرُوِيَ عَنْ الْأَعْمَش " إِنْ يَصُدُّوكُمْ ".
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَإِنْ لِلْجَزَاءِ ; أَيْ إِنْ وَقَعَ مِثْل هَذَا الْفِعْل فِي الْمُسْتَقْبَل، وَالْقِرَاءَة الْأُولَى أَمْكَن فِي الْمَعْنَى، وَقَالَ النَّحَّاس : وَأَمَّا " إِنْ صَدُّوكُمْ " بِكَسْرِ " إِنْ " فَالْعُلَمَاء الْجُلَّة بِالنَّحْوِ وَالْحَدِيث وَالنَّظَر يَمْنَعُونَ الْقِرَاءَة بِهَا لِأَشْيَاءَ : مِنْهَا أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ عَام الْفَتْح سَنَة ثَمَان، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ صَدُّوا الْمُسْلِمِينَ عَام الْحُدَيْبِيَة سَنَة سِتّ، فَالصَّدّ كَانَ قَبْل الْآيَة ; وَإِذَا قُرِئَ ٠ بِالْكَسْرِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُون إِلَّا بَعْده ; كَمَا تَقُول : لَا تُعْطِ فُلَانًا شَيْئًا إِنْ قَاتَلَك ; فَهَذَا لَا يَكُون إِلَّا لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ فَتَحْت كَانَ لِلْمَاضِي، فَوَجَبَ عَلَى هَذَا أَلَّا يَجُوز إِلَّا " أَنْ صَدُّوكُمْ "، وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَصِحّ هَذَا الْحَدِيث لَكَانَ الْفَتْح وَاجِبًا ; لِأَنَّ قَوْله :" لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه " إِلَى آخِر الْآيَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَكَّة كَانَتْ فِي أَيْدِيهمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يُنْهَوْنَ عَنْ هَذَا إِلَّا وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الصَّدّ عَنْ الْبَيْت الْحَرَام، فَوَجَبَ مِنْ هَذَا فَتْح " أَنْ " لِأَنَّهُ لِمَا مَضَى.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : فَإِنْ لِلْجَزَاءِ ; أَيْ إِنْ وَقَعَ مِثْل هَذَا الْفِعْل فِي الْمُسْتَقْبَل، وَالْقِرَاءَة الْأُولَى أَمْكَن فِي الْمَعْنَى، وَقَالَ النَّحَّاس : وَأَمَّا " إِنْ صَدُّوكُمْ " بِكَسْرِ " إِنْ " فَالْعُلَمَاء الْجُلَّة بِالنَّحْوِ وَالْحَدِيث وَالنَّظَر يَمْنَعُونَ الْقِرَاءَة بِهَا لِأَشْيَاءَ : مِنْهَا أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ عَام الْفَتْح سَنَة ثَمَان، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ صَدُّوا الْمُسْلِمِينَ عَام الْحُدَيْبِيَة سَنَة سِتّ، فَالصَّدّ كَانَ قَبْل الْآيَة ; وَإِذَا قُرِئَ ٠ بِالْكَسْرِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُون إِلَّا بَعْده ; كَمَا تَقُول : لَا تُعْطِ فُلَانًا شَيْئًا إِنْ قَاتَلَك ; فَهَذَا لَا يَكُون إِلَّا لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ فَتَحْت كَانَ لِلْمَاضِي، فَوَجَبَ عَلَى هَذَا أَلَّا يَجُوز إِلَّا " أَنْ صَدُّوكُمْ "، وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَصِحّ هَذَا الْحَدِيث لَكَانَ الْفَتْح وَاجِبًا ; لِأَنَّ قَوْله :" لَا تُحِلُّوا شَعَائِر اللَّه " إِلَى آخِر الْآيَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَكَّة كَانَتْ فِي أَيْدِيهمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يُنْهَوْنَ عَنْ هَذَا إِلَّا وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الصَّدّ عَنْ الْبَيْت الْحَرَام، فَوَجَبَ مِنْ هَذَا فَتْح " أَنْ " لِأَنَّهُ لِمَا مَضَى.
الْحَرَامِ أَنْ
فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهُ مَفْعُول بِهِ، أَيْ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم الِاعْتِدَاء.
وَأَنْكَرَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو عُبَيْد " شَنْآن " بِإِسْكَانِ النُّون ; لِأَنَّ الْمَصَادِر إِنَّمَا تَأْتِي فِي مِثْل هَذَا مُتَحَرِّكَة ; وَخَالَفَهُمَا غَيْرهمَا وَقَالَ : لَيْسَ هَذَا مَصْدَرًا وَلَكِنَّهُ اِسْم الْفَاعِل عَلَى وَزْن كَسْلَان وَغَضْبَان.
فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهُ مَفْعُول بِهِ، أَيْ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآن قَوْم الِاعْتِدَاء.
وَأَنْكَرَ أَبُو حَاتِم وَأَبُو عُبَيْد " شَنْآن " بِإِسْكَانِ النُّون ; لِأَنَّ الْمَصَادِر إِنَّمَا تَأْتِي فِي مِثْل هَذَا مُتَحَرِّكَة ; وَخَالَفَهُمَا غَيْرهمَا وَقَالَ : لَيْسَ هَذَا مَصْدَرًا وَلَكِنَّهُ اِسْم الْفَاعِل عَلَى وَزْن كَسْلَان وَغَضْبَان.
تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
قَالَ الْأَخْفَش : هُوَ مَقْطُوع مِنْ أَوَّل الْكَلَام، وَهُوَ أَمْر لِجَمِيعِ الْخَلْق بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى ; أَيْ لِيُعِنْ بَعْضكُمْ بَعْضًا، وَتَحَاثُّوا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى وَاعْمَلُوا بِهِ، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَى اللَّه عَنْهُ وَامْتَنِعُوا مِنْهُ ; وَهَذَا مُوَافِق لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( الدَّالّ عَلَى الْخَيْر كَفَاعِلِهِ )، وَقَدْ قِيلَ : الدَّالّ عَلَى الشَّرّ كَصَانِعِهِ.
ثُمَّ قِيلَ : الْبِرّ وَالتَّقْوَى لَفْظَانِ بِمَعْنًى وَاحِد، وَكُرِّرَ بِاخْتِلَافِ اللَّفْظ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَة، إِذْ كُلّ بِرّ تَقْوَى وَكُلّ تَقْوَى بِرّ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَفِي هَذَا تَسَامُح مَا، وَالْعُرْف فِي دَلَالَة هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ أَنَّ الْبِرّ يَتَنَاوَل الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب إِلَيْهِ، وَالتَّقْوَى رِعَايَة الْوَاجِب، فَإِنْ جُعِلَ أَحَدهمَا بَدَل الْآخَر فَبِتَجَوُّزٍ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : نَدَبَ اللَّه سُبْحَانه إِلَى التَّعَاوُن بِالْبِرِّ وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى لَهُ ; لِأَنَّ فِي التَّقْوَى رِضَا اللَّه تَعَالَى، وَفِي الْبِرّ رِضَا النَّاس، وَمَنْ جَمَعَ بَيْن رِضَا اللَّه تَعَالَى وَرِضَا النَّاس فَقَدْ تَمَّتْ سَعَادَته وَعَمَّتْ نِعْمَته، وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد فِي أَحْكَامه : وَالتَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى يَكُون بِوُجُوهٍ ; فَوَاجِب عَلَى الْعَالِم أَنْ يُعِين النَّاس بِعِلْمِهِ فَيُعَلِّمهُمْ، وَيُعِينهُمْ الْغَنِيّ بِمَالِهِ، وَالشُّجَاع بِشَجَاعَتِهِ فِي سَبِيل اللَّه، وَأَنْ يَكُون الْمُسْلِمُونَ مُتَظَاهِرِينَ كَالْيَدِ الْوَاحِدَة ( الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَد عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ )، وَيَجِب الْإِعْرَاض عَنْ الْمُتَعَدِّي وَتَرْك النُّصْرَة لَهُ وَرَدّه عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ نَهَى فَقَالَ.
قَالَ الْأَخْفَش : هُوَ مَقْطُوع مِنْ أَوَّل الْكَلَام، وَهُوَ أَمْر لِجَمِيعِ الْخَلْق بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى ; أَيْ لِيُعِنْ بَعْضكُمْ بَعْضًا، وَتَحَاثُّوا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى وَاعْمَلُوا بِهِ، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَى اللَّه عَنْهُ وَامْتَنِعُوا مِنْهُ ; وَهَذَا مُوَافِق لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( الدَّالّ عَلَى الْخَيْر كَفَاعِلِهِ )، وَقَدْ قِيلَ : الدَّالّ عَلَى الشَّرّ كَصَانِعِهِ.
ثُمَّ قِيلَ : الْبِرّ وَالتَّقْوَى لَفْظَانِ بِمَعْنًى وَاحِد، وَكُرِّرَ بِاخْتِلَافِ اللَّفْظ تَأْكِيدًا وَمُبَالَغَة، إِذْ كُلّ بِرّ تَقْوَى وَكُلّ تَقْوَى بِرّ.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَفِي هَذَا تَسَامُح مَا، وَالْعُرْف فِي دَلَالَة هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ أَنَّ الْبِرّ يَتَنَاوَل الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب إِلَيْهِ، وَالتَّقْوَى رِعَايَة الْوَاجِب، فَإِنْ جُعِلَ أَحَدهمَا بَدَل الْآخَر فَبِتَجَوُّزٍ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : نَدَبَ اللَّه سُبْحَانه إِلَى التَّعَاوُن بِالْبِرِّ وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى لَهُ ; لِأَنَّ فِي التَّقْوَى رِضَا اللَّه تَعَالَى، وَفِي الْبِرّ رِضَا النَّاس، وَمَنْ جَمَعَ بَيْن رِضَا اللَّه تَعَالَى وَرِضَا النَّاس فَقَدْ تَمَّتْ سَعَادَته وَعَمَّتْ نِعْمَته، وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد فِي أَحْكَامه : وَالتَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى يَكُون بِوُجُوهٍ ; فَوَاجِب عَلَى الْعَالِم أَنْ يُعِين النَّاس بِعِلْمِهِ فَيُعَلِّمهُمْ، وَيُعِينهُمْ الْغَنِيّ بِمَالِهِ، وَالشُّجَاع بِشَجَاعَتِهِ فِي سَبِيل اللَّه، وَأَنْ يَكُون الْمُسْلِمُونَ مُتَظَاهِرِينَ كَالْيَدِ الْوَاحِدَة ( الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَد عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ )، وَيَجِب الْإِعْرَاض عَنْ الْمُتَعَدِّي وَتَرْك النُّصْرَة لَهُ وَرَدّه عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ نَهَى فَقَالَ.
وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ
وَهُوَ الْحُكْم اللَّاحِق عَنْ الْجَرَائِم، وَعَنْ " الْعُدْوَان " وَهُوَ ظُلْم النَّاس.
وَهُوَ الْحُكْم اللَّاحِق عَنْ الْجَرَائِم، وَعَنْ " الْعُدْوَان " وَهُوَ ظُلْم النَّاس.
وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّقْوَى وَتَوَعَّدَ تَوَعُّدًا مُجْمَلًا.
ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّقْوَى وَتَوَعَّدَ تَوَعُّدًا مُجْمَلًا.
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ كَامِلًا فِي الْبَقَرَة.
تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ كَامِلًا فِي الْبَقَرَة.
وَالْمُنْخَنِقَةُ
هِيَ الَّتِي تَمُوت خَنْقًا، وَهُوَ حَبْس النَّفَس سَوَاء فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ آدَمِيّ أَوْ اتَّفَقَ لَهَا ذَلِكَ فِي حَبْل أَوْ بَيْن عُودَيْنِ أَوْ نَحْوه، وَذَكَرَ قَتَادَة : أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَخْنُقُونَ الشَّاة وَغَيْرهَا فَإِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا ; وَذَكَرَ نَحْوه اِبْن عَبَّاس.
هِيَ الَّتِي تَمُوت خَنْقًا، وَهُوَ حَبْس النَّفَس سَوَاء فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ آدَمِيّ أَوْ اتَّفَقَ لَهَا ذَلِكَ فِي حَبْل أَوْ بَيْن عُودَيْنِ أَوْ نَحْوه، وَذَكَرَ قَتَادَة : أَنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَخْنُقُونَ الشَّاة وَغَيْرهَا فَإِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا ; وَذَكَرَ نَحْوه اِبْن عَبَّاس.
وَالْمَوْقُوذَةُ
الْمَوْقُوذَة هِيَ الَّتِي تُرْمَى أَوْ تُضْرَب بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا حَتَّى تَمُوت مِنْ غَيْر تَذْكِيَة ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ ; يُقَال مِنْهُ : وَقَذَهُ يَقِذهُ وَقْذًا وَهُوَ وَقِيذ، وَالْوَقْذ شِدَّة الضَّرْب، وَفُلَان وَقِيذ أَيْ مُثْخَن ضَرْبًا.
قَالَ قَتَادَة : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَأْكُلُونَهُ، وَقَالَ الضَّحَّاك : كَانُوا يَضْرِبُونَ الْأَنْعَام بِالْخَشَبِ لِآلِهَتِهِمْ حَتَّى يَقْتُلُوهَا فَيَأْكُلُوهَا، وَمِنْهُ الْمَقْتُولَة بِقَوْسِ الْبُنْدُق، وَقَالَ الْفَرَزْدَق :
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْد فَأُصِيب ; فَقَالَ :( إِذَا رَمَيْت بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلهُ ) وَفِي رِوَايَة ( فَإِنَّهُ وَقِيذ ).
قَالَ أَبُو عُمَر : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي الصَّيْد بِالْبُنْدُقِ وَالْحَجَر وَالْمِعْرَاض ; فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ وَقِيذ لَمْ يُجِزْهُ إِلَّا مَا أُدْرِكَ ذَكَاته ; عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر، وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ وَالشَّافِعِيّ، وَخَالَفَهُمْ الشَّامِيُّونَ فِي ذَلِكَ ; قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْمِعْرَاض : كُلْهُ خَزَقَ أَوْ لَمْ يَخْزِق ; فَقَدْ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء وَفَضَالَة بْن عُبَيْد وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر وَمَكْحُول لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا ; قَالَ أَبُو عُمَر : هَكَذَا ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر، وَالْمَعْرُوف عَنْ اِبْن عُمَر مَا ذَكَرَهُ مَالِك عَنْ نَافِع عَنْهُ، وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل وَفِيهِ الْحُجَّة لِمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ حَدِيث عَدِيّ بْن حَاتِم وَفِيهِ ( وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلهُ فَإِنَّمَا هُوَ وَقِيذ ).
الْمَوْقُوذَة هِيَ الَّتِي تُرْمَى أَوْ تُضْرَب بِحَجَرٍ أَوْ عَصًا حَتَّى تَمُوت مِنْ غَيْر تَذْكِيَة ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ ; يُقَال مِنْهُ : وَقَذَهُ يَقِذهُ وَقْذًا وَهُوَ وَقِيذ، وَالْوَقْذ شِدَّة الضَّرْب، وَفُلَان وَقِيذ أَيْ مُثْخَن ضَرْبًا.
قَالَ قَتَادَة : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَأْكُلُونَهُ، وَقَالَ الضَّحَّاك : كَانُوا يَضْرِبُونَ الْأَنْعَام بِالْخَشَبِ لِآلِهَتِهِمْ حَتَّى يَقْتُلُوهَا فَيَأْكُلُوهَا، وَمِنْهُ الْمَقْتُولَة بِقَوْسِ الْبُنْدُق، وَقَالَ الْفَرَزْدَق :
شَغَّارَة تَقِذ الْفَصِيل بِرِجْلِهَا | فَطَّارَة لِقَوَادِم الْأَبْكَارِ |
قَالَ أَبُو عُمَر : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي الصَّيْد بِالْبُنْدُقِ وَالْحَجَر وَالْمِعْرَاض ; فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ وَقِيذ لَمْ يُجِزْهُ إِلَّا مَا أُدْرِكَ ذَكَاته ; عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر، وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْرِيّ وَالشَّافِعِيّ، وَخَالَفَهُمْ الشَّامِيُّونَ فِي ذَلِكَ ; قَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْمِعْرَاض : كُلْهُ خَزَقَ أَوْ لَمْ يَخْزِق ; فَقَدْ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء وَفَضَالَة بْن عُبَيْد وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر وَمَكْحُول لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا ; قَالَ أَبُو عُمَر : هَكَذَا ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر، وَالْمَعْرُوف عَنْ اِبْن عُمَر مَا ذَكَرَهُ مَالِك عَنْ نَافِع عَنْهُ، وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل وَفِيهِ الْحُجَّة لِمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ حَدِيث عَدِيّ بْن حَاتِم وَفِيهِ ( وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلهُ فَإِنَّمَا هُوَ وَقِيذ ).
وَالْمُتَرَدِّيَةُ
الْمُتَرَدِّيَة هِيَ الَّتِي تَتَرَدَّى مِنْ الْعُلُوّ إِلَى السُّفْل فَتَمُوت ; كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَبَل أَوْ فِي بِئْر وَنَحْوه ; وَهِيَ مُتَفَعِّلَة مِنْ الرَّدَى وَهُوَ الْهَلَاك ; وَسَوَاء تَرَدَّتْ بِنَفْسِهَا أَوْ رَدَّاهَا غَيْرهَا، وَإِذَا أَصَابَ السَّهْم الصَّيْد فَتَرَدَّى مِنْ جَبَل إِلَى الْأَرْض حَرُمَ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا مَاتَ بِالصَّدْمَةِ وَالتَّرَدِّي لَا بِالسَّهْمِ ; وَمِنْهُ الْحَدِيث ( وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاء فَلَا تَأْكُلهُ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاء قَتَلَهُ أَوْ سَهْمك ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم، وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَأْكُل الْمُتَرَدِّيَ وَلَمْ تَكُنْ تَعْتَقِد مَيْتَة إِلَّا مَا مَاتَ بِالْوَجَعِ وَنَحْوه دُون سَبَب يُعْرَف ; فَأَمَّا هَذِهِ الْأَسْبَاب فَكَانَتْ عِنْدهَا كَالذَّكَاةِ ; فَحَصَرَ الشَّرْع الذَّكَاة فِي صِفَة مَخْصُوصَة عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانهَا، وَبَقِيَتْ هَذِهِ كُلّهَا مَيْتَة، وَهَذَا كُلّه مِنْ الْمُحْكَم الْمُتَّفَق عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ النَّطِيحَة وَأَكِيلَة السَّبُع الَّتِي فَاتَ نَفَسُهَا بِالنَّطْحِ وَالْأَكْل.
الْمُتَرَدِّيَة هِيَ الَّتِي تَتَرَدَّى مِنْ الْعُلُوّ إِلَى السُّفْل فَتَمُوت ; كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَبَل أَوْ فِي بِئْر وَنَحْوه ; وَهِيَ مُتَفَعِّلَة مِنْ الرَّدَى وَهُوَ الْهَلَاك ; وَسَوَاء تَرَدَّتْ بِنَفْسِهَا أَوْ رَدَّاهَا غَيْرهَا، وَإِذَا أَصَابَ السَّهْم الصَّيْد فَتَرَدَّى مِنْ جَبَل إِلَى الْأَرْض حَرُمَ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا مَاتَ بِالصَّدْمَةِ وَالتَّرَدِّي لَا بِالسَّهْمِ ; وَمِنْهُ الْحَدِيث ( وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاء فَلَا تَأْكُلهُ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاء قَتَلَهُ أَوْ سَهْمك ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم، وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَأْكُل الْمُتَرَدِّيَ وَلَمْ تَكُنْ تَعْتَقِد مَيْتَة إِلَّا مَا مَاتَ بِالْوَجَعِ وَنَحْوه دُون سَبَب يُعْرَف ; فَأَمَّا هَذِهِ الْأَسْبَاب فَكَانَتْ عِنْدهَا كَالذَّكَاةِ ; فَحَصَرَ الشَّرْع الذَّكَاة فِي صِفَة مَخْصُوصَة عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانهَا، وَبَقِيَتْ هَذِهِ كُلّهَا مَيْتَة، وَهَذَا كُلّه مِنْ الْمُحْكَم الْمُتَّفَق عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ النَّطِيحَة وَأَكِيلَة السَّبُع الَّتِي فَاتَ نَفَسُهَا بِالنَّطْحِ وَالْأَكْل.
وَالنَّطِيحَةُ
النَّطِيحَة فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة، وَهِيَ الشَّاة تَنْطَحهَا أُخْرَى أَوْ غَيْر ذَلِكَ فَتَمُوت قَبْل أَنْ تُذَكَّى، وَتَأَوَّلَ قَوْم النَّطِيحَة بِمَعْنَى النَّاطِحَة ; لِأَنَّ الشَّاتَيْنِ قَدْ تَتَنَاطَحَانِ فَتَمُوتَانِ، وَقِيلَ : نَطِيحَة وَلَمْ يَقُلْ نَطِيح، وَحَقّ فَعِيل لَا يُذْكَر فِيهِ الْهَاء كَمَا يُقَال : كَفّ خَضِيب وَلِحْيَة دَهِين ; لَكِنْ ذَكَرَ الْهَاء هَهُنَا لِأَنَّ الْهَاء إِنَّمَا تُحْذَف مِنْ الْفَعِيلَة إِذَا كَانَتْ صِفَة لِمَوْصُوفٍ مَنْطُوق بِهِ ; يُقَال : شَاة نَطِيح وَامْرَأَة قَتِيل، فَإِنْ لَمْ تَذْكُر الْمَوْصُوف أَثْبَتّ الْهَاء فَتَقُول : رَأَيْت قَتِيلَة بَنِي فُلَان وَهَذِهِ نَطِيحَة الْغَنَم ; لِأَنَّك لَوْ لَمْ تَذْكُر الْهَاء فَقُلْت : رَأَيْت قَتِيل بَنِي فُلَان لَمْ يُعْرَف أَرَجُل هُوَ أَمْ اِمْرَأَة.
وَقَرَأَ أَبُو مَيْسَرَة " وَالْمَنْطُوحَة ".
النَّطِيحَة فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة، وَهِيَ الشَّاة تَنْطَحهَا أُخْرَى أَوْ غَيْر ذَلِكَ فَتَمُوت قَبْل أَنْ تُذَكَّى، وَتَأَوَّلَ قَوْم النَّطِيحَة بِمَعْنَى النَّاطِحَة ; لِأَنَّ الشَّاتَيْنِ قَدْ تَتَنَاطَحَانِ فَتَمُوتَانِ، وَقِيلَ : نَطِيحَة وَلَمْ يَقُلْ نَطِيح، وَحَقّ فَعِيل لَا يُذْكَر فِيهِ الْهَاء كَمَا يُقَال : كَفّ خَضِيب وَلِحْيَة دَهِين ; لَكِنْ ذَكَرَ الْهَاء هَهُنَا لِأَنَّ الْهَاء إِنَّمَا تُحْذَف مِنْ الْفَعِيلَة إِذَا كَانَتْ صِفَة لِمَوْصُوفٍ مَنْطُوق بِهِ ; يُقَال : شَاة نَطِيح وَامْرَأَة قَتِيل، فَإِنْ لَمْ تَذْكُر الْمَوْصُوف أَثْبَتّ الْهَاء فَتَقُول : رَأَيْت قَتِيلَة بَنِي فُلَان وَهَذِهِ نَطِيحَة الْغَنَم ; لِأَنَّك لَوْ لَمْ تَذْكُر الْهَاء فَقُلْت : رَأَيْت قَتِيل بَنِي فُلَان لَمْ يُعْرَف أَرَجُل هُوَ أَمْ اِمْرَأَة.
وَقَرَأَ أَبُو مَيْسَرَة " وَالْمَنْطُوحَة ".
وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ
يُرِيدُ كُلَّ مَا افْتَرَسَهُ ذُو نَاب وَأَظْفَار مِنْ الْحَيَوَان، كَالْأَسَدِ وَالنَّمِر وَالثَّعْلَب وَالذِّئْب وَالضَّبْع وَنَحْوهَا، هَذِهِ كُلّهَا سِبَاع.
يُقَال : سَبَعَ فُلَان فُلَانًا أَيْ عَضَّهُ بِسِنِّهِ، وَسَبَعَهُ أَيْ عَابَهُ وَوَقَعَ فِيهِ، وَفِي الْكَلَام إِضْمَار، أَيْ وَمَا أَكَلَ مِنْهُ السَّبُع ; لِأَنَّ مَا أَكَلَهُ السَّبُع فَقَدْ فَنِيَ، وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يُوقِف اِسْم السَّبُع عَلَى الْأَسَد، وَكَانَتْ الْعَرَب إِذَا أَخَذَ السَّبُع شَاة ثُمَّ خَلَصَتْ مِنْهُ أَكَلُوهَا، وَكَذَلِكَ إِنْ أَكَلَ بَعْضهَا ; قَالَهُ قَتَادَة وَغَيْره وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو حَيْوَة " السَّبْع " بِسُكُونِ الْبَاء، وَهِيَ لُغَة لِأَهْلِ نَجْد، وَقَالَ حَسَّان فِي عُتْبَة بْن أَبِي لَهَب :
وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود :" وَأَكِيلَة السَّبُع " وَقَرَأَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس :" وَأَكِيل السَّبُع ".
يُرِيدُ كُلَّ مَا افْتَرَسَهُ ذُو نَاب وَأَظْفَار مِنْ الْحَيَوَان، كَالْأَسَدِ وَالنَّمِر وَالثَّعْلَب وَالذِّئْب وَالضَّبْع وَنَحْوهَا، هَذِهِ كُلّهَا سِبَاع.
يُقَال : سَبَعَ فُلَان فُلَانًا أَيْ عَضَّهُ بِسِنِّهِ، وَسَبَعَهُ أَيْ عَابَهُ وَوَقَعَ فِيهِ، وَفِي الْكَلَام إِضْمَار، أَيْ وَمَا أَكَلَ مِنْهُ السَّبُع ; لِأَنَّ مَا أَكَلَهُ السَّبُع فَقَدْ فَنِيَ، وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يُوقِف اِسْم السَّبُع عَلَى الْأَسَد، وَكَانَتْ الْعَرَب إِذَا أَخَذَ السَّبُع شَاة ثُمَّ خَلَصَتْ مِنْهُ أَكَلُوهَا، وَكَذَلِكَ إِنْ أَكَلَ بَعْضهَا ; قَالَهُ قَتَادَة وَغَيْره وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو حَيْوَة " السَّبْع " بِسُكُونِ الْبَاء، وَهِيَ لُغَة لِأَهْلِ نَجْد، وَقَالَ حَسَّان فِي عُتْبَة بْن أَبِي لَهَب :
مَنْ يَرْجِع الْعَام إِلَى أَهْله | فَمَا أَكِيلُ السَّبْع بِالرَّاجِعِ |
إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ
نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل، عِنْد الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء، وَهُوَ رَاجِع عَلَى كُلّ مَا أُدْرِكَ ذَكَاته مِنْ الْمَذْكُورَات وَفِيهِ حَيَاة ; فَإِنَّ الذَّكَاة عَامِلَة فِيهِ ; لِأَنَّ حَقّ الِاسْتِثْنَاء أَنْ يَكُون مَصْرُوفًا إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَام، وَلَا يُجْعَل مُنْقَطِعًا إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهُ.
رَوَى اِبْن عُيَيْنَة وَشَرِيك وَجَرِير عَنْ الرُّكَيْن بْن الرَّبِيع عَنْ أَبِي طَلْحَة الْأَسَدِيّ قَالَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ ذِئْب عَدَا عَلَى شَاة فَشَقَّ بَطْنهَا حَتَّى انْتَثَرَ قُصْبهَا فَأَدْرَكْت ذَكَاتهَا فَذَكَّيْتهَا فَقَالَ : كُلْ وَمَا اِنْتَثَرَ مِنْ قُصْبهَا فَلَا تَأْكُل.
قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ : السُّنَّة فِي الشَّاة عَلَى مَا وَصَفَ اِبْن عَبَّاس ; فَإِنَّهَا وَإِنْ خَرَجَتْ مَصَارِينهَا فَإِنَّهَا حَيَّة بَعْد، وَمَوْضِع الذَّكَاة مِنْهَا سَالِم ; وَإِنَّمَا يُنْظَر عِنْد الذَّبْح أَحَيَّة هِيَ أَمْ مَيِّتَة، وَلَا يُنْظَر إِلَى فِعْل هَلْ يَعِيش مِثْلهَا ؟ فَكَذَلِكَ الْمَرِيضَة ; قَالَ إِسْحَاق : وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّة مِنْ جُمْهُور الصَّحَابَة وَعَامَّة الْعُلَمَاء.
قُلْت : وَإِلَيْهِ ذَهَبَ اِبْن حَبِيب وَذُكِرَ عَنْ أَصْحَاب مَالِك ; وَهُوَ قَوْل اِبْن وَهْب وَالْأَشْهَرُ مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ.
قَالَ الْمُزَنِيّ : وَأَحْفَظُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا آخَر أَنَّهَا لَا تُؤْكَل إِذَا بَلَغَ مِنْهَا السَّبُع أَوْ التَّرَدِّي إِلَى مَا لَا حَيَاة مَعَهُ ; وَهُوَ قَوْل الْمَدَنِيِّينَ، وَالْمَشْهُور مِنْ قَوْل مَالِك، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْد الْوَهَّاب فِي تَلْقِينه، وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت ; ذَكَرَهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي وَجَمَاعَة الْمَالِكِيِّينَ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَالِاسْتِثْنَاء عَلَى هَذَا الْقَوْل مُنْقَطِع ; أَيْ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاء لَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يُحَرَّم.
نُصِبَ عَلَى الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل، عِنْد الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء، وَهُوَ رَاجِع عَلَى كُلّ مَا أُدْرِكَ ذَكَاته مِنْ الْمَذْكُورَات وَفِيهِ حَيَاة ; فَإِنَّ الذَّكَاة عَامِلَة فِيهِ ; لِأَنَّ حَقّ الِاسْتِثْنَاء أَنْ يَكُون مَصْرُوفًا إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَام، وَلَا يُجْعَل مُنْقَطِعًا إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهُ.
رَوَى اِبْن عُيَيْنَة وَشَرِيك وَجَرِير عَنْ الرُّكَيْن بْن الرَّبِيع عَنْ أَبِي طَلْحَة الْأَسَدِيّ قَالَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس عَنْ ذِئْب عَدَا عَلَى شَاة فَشَقَّ بَطْنهَا حَتَّى انْتَثَرَ قُصْبهَا فَأَدْرَكْت ذَكَاتهَا فَذَكَّيْتهَا فَقَالَ : كُلْ وَمَا اِنْتَثَرَ مِنْ قُصْبهَا فَلَا تَأْكُل.
قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ : السُّنَّة فِي الشَّاة عَلَى مَا وَصَفَ اِبْن عَبَّاس ; فَإِنَّهَا وَإِنْ خَرَجَتْ مَصَارِينهَا فَإِنَّهَا حَيَّة بَعْد، وَمَوْضِع الذَّكَاة مِنْهَا سَالِم ; وَإِنَّمَا يُنْظَر عِنْد الذَّبْح أَحَيَّة هِيَ أَمْ مَيِّتَة، وَلَا يُنْظَر إِلَى فِعْل هَلْ يَعِيش مِثْلهَا ؟ فَكَذَلِكَ الْمَرِيضَة ; قَالَ إِسْحَاق : وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّة مِنْ جُمْهُور الصَّحَابَة وَعَامَّة الْعُلَمَاء.
قُلْت : وَإِلَيْهِ ذَهَبَ اِبْن حَبِيب وَذُكِرَ عَنْ أَصْحَاب مَالِك ; وَهُوَ قَوْل اِبْن وَهْب وَالْأَشْهَرُ مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ.
قَالَ الْمُزَنِيّ : وَأَحْفَظُ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا آخَر أَنَّهَا لَا تُؤْكَل إِذَا بَلَغَ مِنْهَا السَّبُع أَوْ التَّرَدِّي إِلَى مَا لَا حَيَاة مَعَهُ ; وَهُوَ قَوْل الْمَدَنِيِّينَ، وَالْمَشْهُور مِنْ قَوْل مَالِك، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْد الْوَهَّاب فِي تَلْقِينه، وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت ; ذَكَرَهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي وَجَمَاعَة الْمَالِكِيِّينَ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَالِاسْتِثْنَاء عَلَى هَذَا الْقَوْل مُنْقَطِع ; أَيْ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاء لَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يُحَرَّم.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : اِخْتَلَفَ قَوْل مَالِك فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء ; فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْكَل إِلَّا مَا ذُكِّيَ بِذَكَاةٍ صَحِيحَة ; وَاَلَّذِي فِي الْمُوَطَّأ أَنَّهُ إِنْ كَانَ ذَبَحَهَا وَنَفَسهَا يَجْرِي، وَهِيَ تَضْطَرِب فَلْيَأْكُلْ ; وَهُوَ الصَّحِيح مِنْ قَوْله الَّذِي كَتَبَهُ بِيَدِهِ وَقَرَأَهُ عَلَى النَّاس مِنْ كُلّ بَلَد طُول عُمْره ; فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الرِّوَايَات النَّادِرَة، وَقَدْ أَطْلَقَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى الْمَرِيضَة أَنَّ الْمَذْهَب جَوَاز تَذْكِيَتهَا وَلَوْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْت إِذَا كَانَتْ فِيهَا بَقِيَّة حَيَاة ; وَلَيْتَ شِعْرِي أَيّ فَرْق بَيْن بَقِيَّة حَيَاة مِنْ مَرَض، وَبَقِيَّة حَيَاة مِنْ سَبُع لَوْ اِتَّسَقَ النَّظَر، وَسَلِمَتْ مِنْ الشُّبْهَة الْفِكَرُ !، وَقَالَ أَبُو عَمْرو : قَدْ أَجْمَعُوا فِي الْمَرِيضَة الَّتِي لَا تُرْجَى حَيَاتهَا أَنَّ ذَبْحهَا ذَكَاة لَهَا إِذَا كَانَتْ فِيهَا الْحَيَاة فِي حِين ذَبْحهَا، وَعُلِمَ ذَلِكَ مِنْهَا بِمَا ذَكَرُوا مِنْ حَرَكَة يَدهَا أَوْ رِجْلهَا أَوْ ذَنَبهَا أَوْ نَحْو ذَلِكَ ; وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا إِذَا صَارَتْ فِي حَال النَّزْع وَلَمْ تُحَرِّك يَدًا وَلَا رِجْلًا أَنَّهُ لَا ذَكَاة فِيهَا ; وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاس أَنْ يَكُون حُكْم الْمُتَرَدِّيَة وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا فِي الْآيَة، وَاَللَّه أَعْلَمُ.
قَوْله تَعَالَى :" ذَكَّيْتُمْ " الذَّكَاة فِي كَلَام الْعَرَب الذَّبْح ; قَالَهُ قُطْرُب، وَقَالَ اِبْن سِيدَهْ فِي [ الْمُحْكَم ] وَالْعَرَب تَقُول ( ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه ) ; قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ حَدِيث، وَذَكَّى الْحَيَوَان ذَبَحَهُ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
يُذَكِّيهَا الْأَسَلْ
قُلْت : الْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد وَأَبِي هُرَيْرَة وَعَلِيّ وَعَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه )، وَبِهِ يَقُول جَمَاعَة أَهْل الْعِلْم، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَة أَنَّهُ قَالَ : إِذَا خَرَجَ الْجَنِين مِنْ بَطْن أُمّه مَيِّتًا لَمْ يَحِلّ أَكْله ; لِأَنَّ ذَكَاة نَفْس لَا تَكُون ذَكَاة نَفْسَيْنِ.
قَوْله تَعَالَى :" ذَكَّيْتُمْ " الذَّكَاة فِي كَلَام الْعَرَب الذَّبْح ; قَالَهُ قُطْرُب، وَقَالَ اِبْن سِيدَهْ فِي [ الْمُحْكَم ] وَالْعَرَب تَقُول ( ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه ) ; قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ حَدِيث، وَذَكَّى الْحَيَوَان ذَبَحَهُ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
يُذَكِّيهَا الْأَسَلْ
قُلْت : الْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد وَأَبِي هُرَيْرَة وَعَلِيّ وَعَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه )، وَبِهِ يَقُول جَمَاعَة أَهْل الْعِلْم، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَة أَنَّهُ قَالَ : إِذَا خَرَجَ الْجَنِين مِنْ بَطْن أُمّه مَيِّتًا لَمْ يَحِلّ أَكْله ; لِأَنَّ ذَكَاة نَفْس لَا تَكُون ذَكَاة نَفْسَيْنِ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَفِي قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه ) دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجَنِين غَيْر الْأُمّ، وَهُوَ يَقُول : لَوْ أُعْتِقَتْ أَمَة حَامِل أَنَّ عِتْقه عِتْق أُمّه ; وَهَذَا يَلْزَمهُ أَنَّ ذَكَاته ذَكَاة أُمّه ; لِأَنَّهُ إِذَا أَجَازَ أَنْ يَكُون عِتْق وَاحِد عِتْق اِثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يَكُون ذَكَاة وَاحِد ذَكَاة اِثْنَيْنِ ; عَلَى أَنَّ الْخَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابه، وَمَا عَلَيْهِ جُلّ النَّاس مُسْتَغْنًى بِهِ عَنْ قَوْل كُلّ قَائِل، وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ الْجَنِين إِذَا خَرَجَ حَيًّا أَنَّ ذَكَاة أُمّه لَيْسَتْ بِذَكَاةٍ لَهُ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا ذُكِّيَتْ الْأُمّ وَفِي بَطْنهَا جَنِين ; فَقَالَ مَالِك وَجَمِيع أَصْحَابه : ذَكَاته ذَكَاة أُمّه إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقه وَنَبَتَ شَعْره، وَذَلِكَ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا أَوْ خَرَجَ بِهِ رَمَق مِنْ الْحَيَاة، غَيْر أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُذْبَح إِنْ خَرَجَ يَتَحَرَّك، فَإِنْ سَبَقَهُمْ بِنَفْسِهِ أُكِلَ، وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : ضَحَّيْت بِنَعْجَةٍ فَلَمَّا ذَبَحْتهَا جَعَلَ يَرْكُض وَلَدهَا فِي بَطْنهَا فَأَمَرْتهمْ أَنْ يَتْرُكُوهَا حَتَّى يَمُوت فِي بَطْنهَا، ثُمَّ أَمَرْتهمْ فَشَقُّوا جَوْفهَا فَأُخْرِجَ مِنْهُ فَذَبَحْته فَسَالَ مِنْهُ دَم ; فَأَمَرْت أَهْلِي أَنْ يَشْوُوهُ، وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك.
كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : إِذَا أُشْعِرَ الْجَنِين فَذَكَاته ذَكَاة أُمّه.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَمِمَّنْ قَالَ ذَكَاته ذَكَاة أُمّه وَلَمْ يَذْكُر أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِر عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِر " إِلَّا أَنَّهُ حَدِيث ضَعِيف ; فَمَذْهَب مَالِك هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْأَقْوَال الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة فُقَهَاء الْأَمْصَار.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
قَوْله تَعَالَى :" ذَكَّيْتُمْ " الذَّكَاة فِي اللُّغَة أَصْلهَا التَّمَام، وَمِنْهُ تَمَام السِّنّ، وَالْفَرَس الْمُذَكَّى الَّذِي يَأْتِي بَعْد تَمَام الْقُرُوح بِسَنَةٍ، وَذَلِكَ تَمَام اِسْتِكْمَال الْقُوَّة، وَيُقَال : ذَكَّى يُذَكِّي، وَالْعَرَب تَقُول : جَرْي الْمُذَكِّيَات غِلَاب ٢٢.
وَالذَّكَاء حِدَّة الْقَلْب ; وَقَالَ الشَّاعِر :
وَالذَّكَاء سُرْعَة الْفِطْنَة، وَالْفِعْل مِنْهُ ذَكِيَ يَذْكَى ذَكًا، وَالذَّكْوَة مَا تَذْكُو بِهِ النَّار، وَأَذْكَيْت الْحَرْب وَالنَّار أَوْقَدْتهمَا، وَذُكَاء اِسْم الشَّمْس ; وَذَلِكَ أَنَّهَا تَذْكُو كَالنَّارِ، وَالصُّبْح اِبْن ذُكَاء لِأَنَّهُ مِنْ ضَوْئِهَا.
فَمَعْنَى " ذَكَّيْتُمْ " أَدْرَكْتُمْ ذَكَاته عَلَى التَّمَام.
كَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : إِذَا أُشْعِرَ الْجَنِين فَذَكَاته ذَكَاة أُمّه.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَمِمَّنْ قَالَ ذَكَاته ذَكَاة أُمّه وَلَمْ يَذْكُر أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِر عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أُمّه أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِر " إِلَّا أَنَّهُ حَدِيث ضَعِيف ; فَمَذْهَب مَالِك هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْأَقْوَال الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة فُقَهَاء الْأَمْصَار.
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق.
قَوْله تَعَالَى :" ذَكَّيْتُمْ " الذَّكَاة فِي اللُّغَة أَصْلهَا التَّمَام، وَمِنْهُ تَمَام السِّنّ، وَالْفَرَس الْمُذَكَّى الَّذِي يَأْتِي بَعْد تَمَام الْقُرُوح بِسَنَةٍ، وَذَلِكَ تَمَام اِسْتِكْمَال الْقُوَّة، وَيُقَال : ذَكَّى يُذَكِّي، وَالْعَرَب تَقُول : جَرْي الْمُذَكِّيَات غِلَاب ٢٢.
وَالذَّكَاء حِدَّة الْقَلْب ; وَقَالَ الشَّاعِر :
يُفَضِّلهُ إِذَا اِجْتَهَدُوا عَلَيْهِ | تَمَامُ السِّنِّ مِنْهُ وَالذَّكَاءُ |
فَمَعْنَى " ذَكَّيْتُمْ " أَدْرَكْتُمْ ذَكَاته عَلَى التَّمَام.
ذَكَّيْت الذَّبِيحَة أُذَكِّيهَا مُشْتَقَّة مِنْ التَّطَيُّب ; يُقَال : رَائِحَة ذَكِيَّة ; فَالْحَيَوَان إِذَا أُسِيلَ دَمه فَقَدْ طُيِّبَ، لِأَنَّهُ يَتَسَارَع إِلَيْهِ التَّجْفِيف ; وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " ذَكَاة الْأَرْض يُبْسهَا " يُرِيد طَهَارَتهَا مِنْ النَّجَاسَة ; فَالذَّكَاة فِي الذَّبِيحَة تَطْهِيرٌ لَهَا، وَإِبَاحَةٌ لِأَكْلِهَا فَجُعِلَ يُبْسُ الْأَرْض بَعْد النَّجَاسَة تَطْهِيرًا لَهَا وَإِبَاحَةُ الصَّلَاة فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الذَّكَاة لِلذَّبِيحَةِ ; وَهُوَ قَوْل أَهْل الْعِرَاق، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهَا فِي الشَّرْع عِبَارَة عَنْ إِنْهَار الدَّم وَفَرْي الْأَوْدَاج فِي الْمَذْبُوح، وَالنَّحْر فِي الْمَنْحُور وَالْعَقْر فِي غَيْر الْمَقْدُور، مَقْرُونًا بِنِيَّةِ الْقَصْد لِلَّهِ وَذِكْره عَلَيْهِ ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا يَقَع بِهِ الذَّكَاة ; فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّ كُلّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاج وَأَنْهَرَ الدَّم فَهُوَ مِنْ آلَات الذَّكَاة مَا خَلَا السِّنّ وَالْعَظْم ; عَلَى هَذَا تَوَاتَرَتْ الْآثَار، وَقَالَ بِهِ فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَالسِّنّ وَالظُّفْر الْمَنْهِيّ عَنْهُمَا فِي التَّذْكِيَة هُمَا غَيْر الْمَنْزُوعَيْنِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِير خَنْقًا ; وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : ذَلِكَ الْخَنْق ; فَأَمَّا الْمَنْزُوعَانِ فَإِذَا فَرَيَا الْأَوْدَاج فَجَائِز الذَّكَاة بِهِمَا عِنْدهمْ، وَقَدْ كَرِهَ قَوْم السِّنّ وَالظُّفْر وَالْعَظْم عَلَى كُلّ حَال ; مَنْزُوعَة أَوْ غَيْر مَنْزُوعَة ; مِنْهُمْ إِبْرَاهِيم وَالْحَسَن وَاللَّيْث بْن سَعْد، وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيّ ; وَحُجَّتهمْ ظَاهِر حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّا لَاقُو الْعَدُوّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى - فِي رِوَايَة - فَنُذَكِّي بِاللِّيطِ ؟.
وَفِي مُوَطَّأ مَالِك عَنْ نَافِع عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار عَنْ مُعَاذ بْن سَعْد أَوْ سَعْد بْن مُعَاذ : أَنَّ جَارِيَة لِكَعْبِ بْن مَالِك كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاة مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ :( لَا بَأْس بِهَا وَكُلُوهَا )، وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُد : أَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ وَشِقَّة الْعَصَا ؟ قَالَ :( أَعْجِلْ وَأَرِنْ مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنّ وَالظُّفْر وَسَأُحَدِّثُك أَمَّا السِّنّ فَعَظْم وَأَمَّا الظُّفْر فَمُدَى الْحَبَشَة ) الْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ : مَا ذُبِحَ بِاللِّيطَةِ وَالشَّطِير وَالظُّرَر فَحِلّ ذَكِيّ.
اللِّيطَة فِلْقَة الْقَصَبَة وَيُمْكِن بِهَا الذَّبْح وَالنَّحْر.
وَالشَّطِير فِلْقَة الْعُود، وَقَدْ يُمْكِن بِهَا الذَّبْح لِأَنَّ لَهَا جَانِبًا دَقِيقًا، وَالظُّرَر فِلْقَة الْحَجَر يُمْكِن الذَّكَاة بِهَا وَلَا يُمْكِن النَّحْر ; وَعَكْسه الشِّظَاظ يُنْحَر بِهِ، لِأَنَّهُ كَطَرَفِ السِّنَان وَلَا يُمْكِن بِهِ الذَّبْح.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا يَقَع بِهِ الذَّكَاة ; فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء أَنَّ كُلّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاج وَأَنْهَرَ الدَّم فَهُوَ مِنْ آلَات الذَّكَاة مَا خَلَا السِّنّ وَالْعَظْم ; عَلَى هَذَا تَوَاتَرَتْ الْآثَار، وَقَالَ بِهِ فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَالسِّنّ وَالظُّفْر الْمَنْهِيّ عَنْهُمَا فِي التَّذْكِيَة هُمَا غَيْر الْمَنْزُوعَيْنِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِير خَنْقًا ; وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : ذَلِكَ الْخَنْق ; فَأَمَّا الْمَنْزُوعَانِ فَإِذَا فَرَيَا الْأَوْدَاج فَجَائِز الذَّكَاة بِهِمَا عِنْدهمْ، وَقَدْ كَرِهَ قَوْم السِّنّ وَالظُّفْر وَالْعَظْم عَلَى كُلّ حَال ; مَنْزُوعَة أَوْ غَيْر مَنْزُوعَة ; مِنْهُمْ إِبْرَاهِيم وَالْحَسَن وَاللَّيْث بْن سَعْد، وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيّ ; وَحُجَّتهمْ ظَاهِر حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّا لَاقُو الْعَدُوّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى - فِي رِوَايَة - فَنُذَكِّي بِاللِّيطِ ؟.
وَفِي مُوَطَّأ مَالِك عَنْ نَافِع عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار عَنْ مُعَاذ بْن سَعْد أَوْ سَعْد بْن مُعَاذ : أَنَّ جَارِيَة لِكَعْبِ بْن مَالِك كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاة مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ :( لَا بَأْس بِهَا وَكُلُوهَا )، وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُد : أَنَذْبَحُ بِالْمَرْوَةِ وَشِقَّة الْعَصَا ؟ قَالَ :( أَعْجِلْ وَأَرِنْ مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنّ وَالظُّفْر وَسَأُحَدِّثُك أَمَّا السِّنّ فَعَظْم وَأَمَّا الظُّفْر فَمُدَى الْحَبَشَة ) الْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ : مَا ذُبِحَ بِاللِّيطَةِ وَالشَّطِير وَالظُّرَر فَحِلّ ذَكِيّ.
اللِّيطَة فِلْقَة الْقَصَبَة وَيُمْكِن بِهَا الذَّبْح وَالنَّحْر.
وَالشَّطِير فِلْقَة الْعُود، وَقَدْ يُمْكِن بِهَا الذَّبْح لِأَنَّ لَهَا جَانِبًا دَقِيقًا، وَالظُّرَر فِلْقَة الْحَجَر يُمْكِن الذَّكَاة بِهَا وَلَا يُمْكِن النَّحْر ; وَعَكْسه الشِّظَاظ يُنْحَر بِهِ، لِأَنَّهُ كَطَرَفِ السِّنَان وَلَا يُمْكِن بِهِ الذَّبْح.
قَالَ مَالِك وَجَمَاعَة : لَا تَصِحّ الذَّكَاة إِلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُوم وَالْوَدَجَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيّ : يَصِحّ بِقَطْعِ الْحُلْقُوم وَالْمَرِيء وَلَا يَحْتَاج إِلَى الْوَدَجَيْنِ ; لِأَنَّهُمَا مَجْرَى الطَّعَام وَالشَّرَاب الَّذِي لَا يَكُون مَعَهُمَا حَيَاة، وَهُوَ الْغَرَض مِنْ الْمَوْت.
وَمَالك وَغَيْره اِعْتَبَرُوا الْمَوْت عَلَى وَجْه يَطِيب مَعَهُ اللَّحْم، وَيَفْتَرِق فِيهِ الْحَلَال - وَهُوَ اللَّحْم - مِنْ الْحَرَام الَّذِي يَخْرُج بِقَطْعِ الْأَوْدَاج وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة ; وَعَلَيْهِ يَدُلّ حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج فِي قَوْله :( مَا أَنْهَرَ الدَّم )، وَحَكَى الْبَغْدَادِيُّونَ عَنْ مَالِك أَنَّهُ يُشْتَرَط قَطْع أَرْبَع : الْحُلْقُوم وَالْوَدَجَيْنِ وَالْمَرِيء ; وَهُوَ قَوْل أَبِي ثَوْر، وَالْمَشْهُور مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْل اللَّيْث.
ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي قَطْع أَحَد الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُوم هَلْ هُوَ ذَكَاة أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الذَّبْح مَهْمَا كَانَ فِي الْحَلْق تَحْت الْغَلْصَمَة فَقَدْ تَمَّتْ الذَّكَاة ; وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا ذُبِحَ فَوْقهَا وَجَازَهَا إِلَى الْبَدَن هَلْ ذَلِكَ ذَكَاة أَمْ لَا، عَلَى قَوْلَيْنِ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك أَنَّهَا لَا تُؤْكَل ; وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَهَا مِنْ الْقَفَا وَاسْتَوْفَى الْقَطْع وَأَنْهَرَ الدَّم وَقَطَعَ الْحُلْقُوم وَالْوَدَجَيْنِ لَمْ تُؤْكَل، وَقَالَ الشَّافِعِيّ : تُؤْكَل ; لِأَنَّ الْمَقْصُود قَدْ حَصَلَ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْل، وَهُوَ أَنَّ الذَّكَاة وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُود مِنْهَا إِنْهَار الدَّم فَفِيهَا ضَرْب مِنْ التَّعَبُّد ; وَقَدْ ذَبَحَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَلْق وَنَحَرَ فِي اللَّبَّة وَقَالَ :( إِنَّمَا الذَّكَاة فِي الْحَلْق وَاللَّبَّة ) فَبَيَّنَ مَحِلّهَا وَعَيَّنَ مَوْضِعهَا، وَقَالَ مُبَيِّنًا لِفَائِدَتِهَا :( مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلْ ).
فَإِذَا أُهْمِلَ ذَلِكَ وَلَمْ تَقَع بِنِيَّةٍ وَلَا بِشَرْطٍ وَلَا بِصِفَةٍ مَخْصُوصَة زَالَ مِنْهَا حَظّ التَّعَبُّد، فَلَمْ تُؤْكَل لِذَلِكَ، وَاللَّه أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ رَفَعَ يَده قَبْل تَمَام الذَّكَاة ثُمَّ رَجَعَ فِي الْفَوْر وَأَكْمَلَ الذَّكَاة ; فَقِيلَ : يُجْزِئهُ، وَقِيلَ : لَا يُجْزِئهُ ; وَالْأَوَّل أَصَحّ لِأَنَّهُ جَرَحَهَا ثُمَّ ذَكَّاهَا بَعْد وَحَيَاتهَا مُسْتَجْمَعَة فِيهَا.
وَيُسْتَحَبّ أَلَّا يَذْبَح إِلَّا مَنْ تُرْضَى حَاله، وَكُلّ مَنْ أَطَاقَهُ وَجَاءَ بِهِ عَلَى سُنَّته مِنْ ذِكْر أَوْ أُنْثَى بَالِغ أَوْ غَيْر بَالِغ جَازَ ذَبْحه إِذَا كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا، وَذَبْح الْمُسْلِم أَفْضَلُ مِنْ ذَبْح الْكِتَابِيّ، وَلَا يَذْبَح نُسُكًا إِلَّا مُسْلِم ; فَإِنْ ذَبَحَ النُّسُك كِتَابِيّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ ; وَلَا يَجُوز فِي تَحْصِيل الْمَذْهَب، وَقَدْ أَجَازَهُ أَشْهَب.
وَمَالك وَغَيْره اِعْتَبَرُوا الْمَوْت عَلَى وَجْه يَطِيب مَعَهُ اللَّحْم، وَيَفْتَرِق فِيهِ الْحَلَال - وَهُوَ اللَّحْم - مِنْ الْحَرَام الَّذِي يَخْرُج بِقَطْعِ الْأَوْدَاج وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة ; وَعَلَيْهِ يَدُلّ حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج فِي قَوْله :( مَا أَنْهَرَ الدَّم )، وَحَكَى الْبَغْدَادِيُّونَ عَنْ مَالِك أَنَّهُ يُشْتَرَط قَطْع أَرْبَع : الْحُلْقُوم وَالْوَدَجَيْنِ وَالْمَرِيء ; وَهُوَ قَوْل أَبِي ثَوْر، وَالْمَشْهُور مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْل اللَّيْث.
ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي قَطْع أَحَد الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُوم هَلْ هُوَ ذَكَاة أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الذَّبْح مَهْمَا كَانَ فِي الْحَلْق تَحْت الْغَلْصَمَة فَقَدْ تَمَّتْ الذَّكَاة ; وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا ذُبِحَ فَوْقهَا وَجَازَهَا إِلَى الْبَدَن هَلْ ذَلِكَ ذَكَاة أَمْ لَا، عَلَى قَوْلَيْنِ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك أَنَّهَا لَا تُؤْكَل ; وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَهَا مِنْ الْقَفَا وَاسْتَوْفَى الْقَطْع وَأَنْهَرَ الدَّم وَقَطَعَ الْحُلْقُوم وَالْوَدَجَيْنِ لَمْ تُؤْكَل، وَقَالَ الشَّافِعِيّ : تُؤْكَل ; لِأَنَّ الْمَقْصُود قَدْ حَصَلَ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْل، وَهُوَ أَنَّ الذَّكَاة وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُود مِنْهَا إِنْهَار الدَّم فَفِيهَا ضَرْب مِنْ التَّعَبُّد ; وَقَدْ ذَبَحَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَلْق وَنَحَرَ فِي اللَّبَّة وَقَالَ :( إِنَّمَا الذَّكَاة فِي الْحَلْق وَاللَّبَّة ) فَبَيَّنَ مَحِلّهَا وَعَيَّنَ مَوْضِعهَا، وَقَالَ مُبَيِّنًا لِفَائِدَتِهَا :( مَا أَنْهَرَ الدَّم وَذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلْ ).
فَإِذَا أُهْمِلَ ذَلِكَ وَلَمْ تَقَع بِنِيَّةٍ وَلَا بِشَرْطٍ وَلَا بِصِفَةٍ مَخْصُوصَة زَالَ مِنْهَا حَظّ التَّعَبُّد، فَلَمْ تُؤْكَل لِذَلِكَ، وَاللَّه أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ رَفَعَ يَده قَبْل تَمَام الذَّكَاة ثُمَّ رَجَعَ فِي الْفَوْر وَأَكْمَلَ الذَّكَاة ; فَقِيلَ : يُجْزِئهُ، وَقِيلَ : لَا يُجْزِئهُ ; وَالْأَوَّل أَصَحّ لِأَنَّهُ جَرَحَهَا ثُمَّ ذَكَّاهَا بَعْد وَحَيَاتهَا مُسْتَجْمَعَة فِيهَا.
وَيُسْتَحَبّ أَلَّا يَذْبَح إِلَّا مَنْ تُرْضَى حَاله، وَكُلّ مَنْ أَطَاقَهُ وَجَاءَ بِهِ عَلَى سُنَّته مِنْ ذِكْر أَوْ أُنْثَى بَالِغ أَوْ غَيْر بَالِغ جَازَ ذَبْحه إِذَا كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا، وَذَبْح الْمُسْلِم أَفْضَلُ مِنْ ذَبْح الْكِتَابِيّ، وَلَا يَذْبَح نُسُكًا إِلَّا مُسْلِم ; فَإِنْ ذَبَحَ النُّسُك كِتَابِيّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ ; وَلَا يَجُوز فِي تَحْصِيل الْمَذْهَب، وَقَدْ أَجَازَهُ أَشْهَب.
وَمَا اِسْتَوْحَشَ مِنْ الْإِنْسِيّ لَمْ يَجُزْ فِي ذَكَاته إِلَّا مَا يَجُوز فِي ذَكَاة الْإِنْسِيّ، فِي قَوْل مَالِك وَأَصْحَابه وَرَبِيعَة وَاللَّيْث بْن سَعْد ; وَكَذَلِكَ الْمُتَرَدِّي فِي الْبِئْر لَا تَكُون الذَّكَاة فِيهِ إِلَّا فِيمَا بَيْن الْحَلْق وَاللَّبَّة عَلَى سُنَّة الذَّكَاة، وَقَدْ خَالَفَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَغَيْرهمْ ; وَفِي الْبَاب حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَتَمَامه بَعْد قَوْله :( فَمُدَى الْحَبَشَة ) قَالَ : وَأَصَبْنَا نَهْب إِبِل وَغَنَم فَنَدَّ مِنْهَا بَعِير فَرَمَاهُ رَجُل بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِل أَوَابِد كَأَوَابِد الْوَحْش فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْء فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا - وَفِي رِوَايَة - فَكُلُوهُ )، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ ; قَالَ الشَّافِعِيّ : تَسْلِيط النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْفِعْل دَلِيل عَلَى أَنَّهُ ذَكَاة ; وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي الْعُشَرَاء عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَمَا تَكُون الذَّكَاة إِلَّا فِي الْحَلْق وَاللَّبَّة ؟ قَالَ :( لَوْ طَعَنْت فِي فَخِذهَا لَأَجْزَأَ عَنْك ).
قَالَ يَزِيد بْن هَارُون : وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَعْجَبَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي دَاوُد، وَأَشَارَ عَلَى مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُفَّاظ أَنْ يَكْتُبَهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد : لَا يَصْلُح هَذَا إِلَّا فِي الْمُتَرَدِّيَة وَالْمُسْتَوْحِش، وَقَدْ حَمَلَ اِبْن حَبِيب هَذَا الْحَدِيث عَلَى مَا سَقَطَ فِي مَهْوَاة فَلَا يُوصَل إِلَى ذَكَاته إِلَّا بِالطَّعْنِ فِي غَيْر مَوْضِع الذَّكَاة ; وَهُوَ قَوْل انْفَرَدَ بِهِ عَنْ مَالِك وَأَصْحَابه.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَوْل الشَّافِعِيّ أَظْهَر فِي أَهْل الْعِلْم، وَأَنَّهُ يُؤْكَل بِمَا يُؤْكَل بِهِ الْوَحْشِيّ ; لِحَدِيثِ رَافِع بْن خَدِيج ; وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود ; وَمِنْ جِهَة الْقِيَاس لَمَّا كَانَ الْوَحْشِيّ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلّ إِلَّا بِمَا يَحِلّ بِهِ الْإِنْسِيّ ; لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ ; فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاس إِذَا تَوَحَّشَ أَوْ صَارَ فِي مَعْنَى الْوَحْشِيّ مِنْ الِامْتِنَاع أَنْ يَحِلّ بِمَا يَحِلّ بِهِ الْوَحْشِيّ.
قَالَ يَزِيد بْن هَارُون : وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أَعْجَبَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي دَاوُد، وَأَشَارَ عَلَى مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُفَّاظ أَنْ يَكْتُبَهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد : لَا يَصْلُح هَذَا إِلَّا فِي الْمُتَرَدِّيَة وَالْمُسْتَوْحِش، وَقَدْ حَمَلَ اِبْن حَبِيب هَذَا الْحَدِيث عَلَى مَا سَقَطَ فِي مَهْوَاة فَلَا يُوصَل إِلَى ذَكَاته إِلَّا بِالطَّعْنِ فِي غَيْر مَوْضِع الذَّكَاة ; وَهُوَ قَوْل انْفَرَدَ بِهِ عَنْ مَالِك وَأَصْحَابه.
قَالَ أَبُو عُمَر : قَوْل الشَّافِعِيّ أَظْهَر فِي أَهْل الْعِلْم، وَأَنَّهُ يُؤْكَل بِمَا يُؤْكَل بِهِ الْوَحْشِيّ ; لِحَدِيثِ رَافِع بْن خَدِيج ; وَهُوَ قَوْل اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود ; وَمِنْ جِهَة الْقِيَاس لَمَّا كَانَ الْوَحْشِيّ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلّ إِلَّا بِمَا يَحِلّ بِهِ الْإِنْسِيّ ; لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ ; فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاس إِذَا تَوَحَّشَ أَوْ صَارَ فِي مَعْنَى الْوَحْشِيّ مِنْ الِامْتِنَاع أَنْ يَحِلّ بِمَا يَحِلّ بِهِ الْوَحْشِيّ.
قُلْت : أَجَابَ عُلَمَاؤُنَا عَنْ حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج بِأَنْ قَالُوا : تَسْلِيط النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى حَبْسه لَا عَلَى ذَكَاته، وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيث وَظَاهِره ; لِقَوْلِهِ :( فَحَبَسَهُ ) وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ السَّهْم قَتَلَهُ ; وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَقْدُور عَلَيْهِ فِي غَالِب الْأَحْوَال فَلَا يُرَاعَى النَّادِر مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ فِي الصَّيْد، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيث بِأَنَّ السَّهْم حَبَسَهُ وَبَعْد أَنْ صَارَ مَحْبُوسًا صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ ; فَلَا يُؤْكَل إِلَّا بِالذَّبْحِ وَالنَّحْر، وَاللَّه أَعْلَمُ، وَأَمَّا حَدِيث أَبِي الْعُشَرَاء فَقَدْ قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ :" حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث حَمَّاد بْن سَلَمَة، وَلَا نَعْرِف لِأَبِي الْعُشَرَاء عَنْ أَبِيهِ غَيْر هَذَا الْحَدِيث، وَاخْتَلَفُوا فِي اِسْم أَبِي الْعُشَرَاء ; فَقَالَ بَعْضهمْ : اِسْمه أُسَامَة بْن قِهْطِم، وَيُقَال : اِسْمه يَسَار بْن بَرْز - وَيُقَال : بَلْز - وَيُقَال : اِسْمه عُطَارِد نُسِبَ إِلَى جَدّه ".
فَهَذَا سَنَد مَجْهُول لَا حُجَّة فِيهِ ; وَلَوْ سُلِّمَتْ صِحَّته كَمَا قَالَ يَزِيد بْن هَارُون لَمَّا كَانَ فِيهِ حُجَّة ; إِذْ مُقْتَضَاهُ جَوَاز الذَّكَاة فِي أَيّ عُضْو كَانَ مُطْلَقًا فِي الْمَقْدُور وَغَيْره، وَلَا قَائِل بِهِ فِي الْمَقْدُور ; فَظَاهِره لَيْسَ بِمُرَادٍ قَطْعًا.
وَتَأْوِيل أَبِي دَاوُد وَابْن حَبِيب لَهُ غَيْر مُتَّفَق عَلَيْهِ ; فَلَا يَكُون فِيهِ حُجَّة، وَاللَّه أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَحُجَّة مَالِك أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنِدّ الْإِنْسِيّ أَنَّهُ لَا يُذَكَّى إِلَّا بِمَا يُذَكَّى بِهِ الْمَقْدُور عَلَيْهِ، ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فَهُوَ عَلَى أَصْله حَتَّى يَتَّفِقُوا.
وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ ; لِأَنَّ إِجْمَاعهمْ إِنَّمَا اِنْعَقَدَ عَلَى مَقْدُور عَلَيْهِ، وَهَذَا غَيْر مَقْدُور عَلَيْهِ.
وَمِنْ تَمَام هَذَا الْبَاب قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ اللَّه كَتَبَ الْإِحْسَان عَلَى كُلّ شَيْء فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْح وَلْيُحِدَّ أَحَدكُمْ شَفْرَته وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته ) رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس قَالَ : ثِنْتَانِ حَفِظْتهمَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ اللَّه كَتَبَ ) فَذَكَرَهُ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِحْسَان الذَّبْح فِي الْبَهَائِم الرِّفْق بِهَا ; فَلَا يَصْرَعهَا بِعُنْفٍ وَلَا يَجُرّهَا مِنْ مَوْضِع إِلَى آخَر، وَإِحْدَاد الْآلَة، وَإِحْضَار نِيَّة الْإِبَاحَة وَالْقُرْبَة وَتَوْجِيههَا إِلَى الْقِبْلَة، وَالْإِجْهَاز، وَقَطْع الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُوم، وَإِرَاحَتهَا وَتَرْكهَا إِلَى أَنْ تَبْرُد، وَالِاعْتِرَاف لِلَّهِ بِالْمِنَّةِ، وَالشُّكْر لَهُ بِالنِّعْمَةِ ; بِأَنَّهُ سَخَّرَ لَنَا مَا لَوْ شَاءَ لَسَلَّطَهُ عَلَيْنَا، وَأَبَاحَ لَنَا مَا لَوْ شَاءَ لَحَرَّمَهُ عَلَيْنَا.
فَهَذَا سَنَد مَجْهُول لَا حُجَّة فِيهِ ; وَلَوْ سُلِّمَتْ صِحَّته كَمَا قَالَ يَزِيد بْن هَارُون لَمَّا كَانَ فِيهِ حُجَّة ; إِذْ مُقْتَضَاهُ جَوَاز الذَّكَاة فِي أَيّ عُضْو كَانَ مُطْلَقًا فِي الْمَقْدُور وَغَيْره، وَلَا قَائِل بِهِ فِي الْمَقْدُور ; فَظَاهِره لَيْسَ بِمُرَادٍ قَطْعًا.
وَتَأْوِيل أَبِي دَاوُد وَابْن حَبِيب لَهُ غَيْر مُتَّفَق عَلَيْهِ ; فَلَا يَكُون فِيهِ حُجَّة، وَاللَّه أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَحُجَّة مَالِك أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنِدّ الْإِنْسِيّ أَنَّهُ لَا يُذَكَّى إِلَّا بِمَا يُذَكَّى بِهِ الْمَقْدُور عَلَيْهِ، ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فَهُوَ عَلَى أَصْله حَتَّى يَتَّفِقُوا.
وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ ; لِأَنَّ إِجْمَاعهمْ إِنَّمَا اِنْعَقَدَ عَلَى مَقْدُور عَلَيْهِ، وَهَذَا غَيْر مَقْدُور عَلَيْهِ.
وَمِنْ تَمَام هَذَا الْبَاب قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِنَّ اللَّه كَتَبَ الْإِحْسَان عَلَى كُلّ شَيْء فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَة وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْح وَلْيُحِدَّ أَحَدكُمْ شَفْرَته وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته ) رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس قَالَ : ثِنْتَانِ حَفِظْتهمَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( إِنَّ اللَّه كَتَبَ ) فَذَكَرَهُ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إِحْسَان الذَّبْح فِي الْبَهَائِم الرِّفْق بِهَا ; فَلَا يَصْرَعهَا بِعُنْفٍ وَلَا يَجُرّهَا مِنْ مَوْضِع إِلَى آخَر، وَإِحْدَاد الْآلَة، وَإِحْضَار نِيَّة الْإِبَاحَة وَالْقُرْبَة وَتَوْجِيههَا إِلَى الْقِبْلَة، وَالْإِجْهَاز، وَقَطْع الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُوم، وَإِرَاحَتهَا وَتَرْكهَا إِلَى أَنْ تَبْرُد، وَالِاعْتِرَاف لِلَّهِ بِالْمِنَّةِ، وَالشُّكْر لَهُ بِالنِّعْمَةِ ; بِأَنَّهُ سَخَّرَ لَنَا مَا لَوْ شَاءَ لَسَلَّطَهُ عَلَيْنَا، وَأَبَاحَ لَنَا مَا لَوْ شَاءَ لَحَرَّمَهُ عَلَيْنَا.
وَقَالَ رَبِيعَة : مِنْ إِحْسَان الذَّبْح أَلَّا يَذْبَح بَهِيمَة وَأُخْرَى تَنْظُر إِلَيْهَا ; وَحُكِيَ جَوَازه عَنْ مَالِك ; وَالْأَوَّل أَحْسَنُ، وَأَمَّا حُسْن الْقِتْلَة فَعَامّ فِي كُلّ شَيْء مِنْ التَّذْكِيَة وَالْقِصَاص وَالْحُدُود وَغَيْرهَا، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي هُرَيْرَة قَالَا : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرِيطَة الشَّيْطَان، زَادَ اِبْن عِيسَى فِي حَدِيثه ( وَهِيَ الَّتِي تُذْبَح فَتُقْطَع وَلَا تُفْرَى الْأَوْدَاج ثُمَّ تُتْرَك فَتَمُوت ).
وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ
قَالَ اِبْن فَارِس :" النُّصُب " حَجَر كَانَ يُنْصَب فَيُعْبَد وَتُصَبّ عَلَيْهِ دِمَاء الذَّبَائِح، وَهُوَ النَّصْب أَيْضًا، وَالنَّصَائِب حِجَارَة تُنْصَب حَوَالَيْ شَفِير الْبِئْر فَتُجْعَل عَضَائِد، وَغُبَار مُنْتَصِب مُرْتَفِع، وَقِيلَ :" النُّصُب " جَمْع، وَاحِده نِصَاب كَحِمَارٍ وَحُمُر، وَقِيلَ : هُوَ اِسْم مُفْرَد وَالْجَمْع أَنْصَاب ; وَكَانَتْ ثَلَاثمِائَةٍ وَسِتِّينَ حَجَرًا، وَقَرَأَ طَلْحَة " النُّصْب " بِجَزْمِ الصَّاد.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر " النَّصْب " بِفَتْحِ النُّون وَجَزْم الصَّاد.
الْجَحْدَرِيّ : بِفَتْحِ النُّون وَالصَّاد جَعَلَهُ اِسْمًا مُوَحَّدًا كَالْجَبَلِ وَالْجَمَل، وَالْجَمْع أَنْصَاب ; كَالْأَجْمَالِ وَالْأَجْبَال.
قَالَ مُجَاهِد : هِيَ حِجَارَة كَانَتْ حَوَالَيْ مَكَّة يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : كَانَتْ الْعَرَب تَذْبَح بِمَكَّة وَتَنْضَح بِالدَّمِ مَا أَقْبَلَ مِنْ الْبَيْت، وَيُشَرِّحُونَ اللَّحْم وَيَضَعُونَهُ عَلَى الْحِجَارَة ; فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَحْنُ أَحَقّ أَنْ نُعَظِّمَ هَذَا الْبَيْت بِهَذِهِ الْأَفْعَال، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَمْ يَكْرَه ذَلِكَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا " [ الْحَجّ : ٣٧ ] وَنَزَلَتْ " وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب " الْمَعْنَى : وَالنِّيَّة فِيهَا تَعْظِيم النُّصُب لَا أَنَّ الذَّبْح عَلَيْهَا غَيْر جَائِز، وَقَالَ الْأَعْشَى :
وَقِيلَ :" عَلَى " بِمَعْنَى اللَّام ; أَيْ لِأَجْلِهَا ; قَالَ قُطْرُب قَالَ اِبْن زَيْد : مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه شَيْء وَاحِد.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب جُزْء مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه، وَلَكِنْ خُصَّ بِالذِّكْرِ بَعْد جِنْسه لِشُهْرَةِ الْأَمْر وَشَرَف الْمَوْضِع وَتَعْظِيم النُّفُوس لَهُ.
قَالَ اِبْن فَارِس :" النُّصُب " حَجَر كَانَ يُنْصَب فَيُعْبَد وَتُصَبّ عَلَيْهِ دِمَاء الذَّبَائِح، وَهُوَ النَّصْب أَيْضًا، وَالنَّصَائِب حِجَارَة تُنْصَب حَوَالَيْ شَفِير الْبِئْر فَتُجْعَل عَضَائِد، وَغُبَار مُنْتَصِب مُرْتَفِع، وَقِيلَ :" النُّصُب " جَمْع، وَاحِده نِصَاب كَحِمَارٍ وَحُمُر، وَقِيلَ : هُوَ اِسْم مُفْرَد وَالْجَمْع أَنْصَاب ; وَكَانَتْ ثَلَاثمِائَةٍ وَسِتِّينَ حَجَرًا، وَقَرَأَ طَلْحَة " النُّصْب " بِجَزْمِ الصَّاد.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر " النَّصْب " بِفَتْحِ النُّون وَجَزْم الصَّاد.
الْجَحْدَرِيّ : بِفَتْحِ النُّون وَالصَّاد جَعَلَهُ اِسْمًا مُوَحَّدًا كَالْجَبَلِ وَالْجَمَل، وَالْجَمْع أَنْصَاب ; كَالْأَجْمَالِ وَالْأَجْبَال.
قَالَ مُجَاهِد : هِيَ حِجَارَة كَانَتْ حَوَالَيْ مَكَّة يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا.
قَالَ اِبْن جُرَيْج : كَانَتْ الْعَرَب تَذْبَح بِمَكَّة وَتَنْضَح بِالدَّمِ مَا أَقْبَلَ مِنْ الْبَيْت، وَيُشَرِّحُونَ اللَّحْم وَيَضَعُونَهُ عَلَى الْحِجَارَة ; فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَحْنُ أَحَقّ أَنْ نُعَظِّمَ هَذَا الْبَيْت بِهَذِهِ الْأَفْعَال، فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَمْ يَكْرَه ذَلِكَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى :" لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا " [ الْحَجّ : ٣٧ ] وَنَزَلَتْ " وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب " الْمَعْنَى : وَالنِّيَّة فِيهَا تَعْظِيم النُّصُب لَا أَنَّ الذَّبْح عَلَيْهَا غَيْر جَائِز، وَقَالَ الْأَعْشَى :
وَذَا النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنَّهُ | لِعَافِيَةٍ وَاَللَّهَ رَبَّك فَاعْبُدَا |
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب جُزْء مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه، وَلَكِنْ خُصَّ بِالذِّكْرِ بَعْد جِنْسه لِشُهْرَةِ الْأَمْر وَشَرَف الْمَوْضِع وَتَعْظِيم النُّفُوس لَهُ.
وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ
مَعْطُوف عَلَى مَا قَبْله، و " أَنْ " فِي مَحَلّ رَفْع، أَيْ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ الِاسْتِقْسَام.
وَالْأَزْلَام قِدَاح الْمَيْسِر، وَاحِدهَا زَلَم وَزُلَم ; قَالَ :
بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَام كَالزَّلَمْ
وَقَالَ آخَر، فَجَمَعَ :
وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن جَرِير : أَنَّ اِبْن وَكِيع حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُرَيْك عَنْ أَبِي حُصَيْن عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّ الْأَزْلَام حَصًى بِيض كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا.
قَالَ مُحَمَّد بْن جَرِير : قَالَ لَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع : هِيَ الشِّطْرَنْج.
فَأَمَّا قَوْل لَبِيد :
تَزِلُّ عَنْ الثَّرَى أَزْلَامهَا
فَقَالُوا : أَرَادَ أَظْلَاف الْبَقَرَة الْوَحْشِيَّة، وَالْأَزْلَام لِلْعَرَبِ ثَلَاثَة أَنْوَاع : مِنْهَا الثَّلَاثَة الَّتِي كَانَ يَتَّخِذهَا كُلّ إِنْسَان لِنَفْسِهِ، عَلَى أَحَدهَا افْعَلْ، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَفْعَل، وَالثَّالِث مُهْمَل لَا شَيْء عَلَيْهِ، فَيَجْعَلهَا فِي خَرِيطَة مَعَهُ، فَإِذَا أَرَادَ فِعْل شَيْء أَدْخَلَ يَده - وَهِيَ مُتَشَابِهَة - فَإِذَا خَرَجَ أَحَدهَا اِئْتَمَرَ وَانْتَهَى بِحَسَبِ مَا يَخْرُج لَهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْقِدْح الَّذِي لَا شَيْء عَلَيْهِ أَعَادَ الضَّرْب ; وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ضَرَبَ بِهَا سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم حِين اِتَّبَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْر وَقْت الْهِجْرَة ; وَإِنَّمَا قِيلَ لِهَذَا الْفِعْل : اِسْتِقْسَام لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهِ الرِّزْق وَمَا يُرِيدُونَ ; كَمَا يُقَال : الِاسْتِسْقَاء فِي الِاسْتِدْعَاء لِلسَّقْيِ.
وَنَظِير هَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّه تَعَالَى قَوْل الْمُنَجِّم : لَا تَخْرُج مِنْ أَجْل نَجْم كَذَا، وَاخْرُج مِنْ أَجْل نَجْم كَذَا، وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ :" وَمَا تَدْرِي نَفْس مَاذَا تَكْسِب غَدًا " الْآيَة [ لُقْمَان : ٣٤ ]، وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّه، وَالنَّوْع الثَّانِي : سَبْعَة قِدَاح كَانَتْ عِنْد هُبَل فِي جَوْف الْكَعْبَة مَكْتُوب عَلَيْهَا مَا يَدُور بَيْن النَّاس مِنْ النَّوَازِل، كُلّ قِدْح مِنْهَا فِيهِ كِتَاب ; قِدْح فِيهِ الْعَقْل مِنْ أَمْر الدِّيَات، وَفِي آخَر " مِنْكُمْ " وَفِي آخَر " مِنْ غَيْركُمْ "، وَفِي آخَر " مُلْصَق "، وَفِي سَائِرهَا أَحْكَام الْمِيَاه وَغَيْر ذَلِكَ، وَهِيَ الَّتِي ضَرَبَ بِهَا عَبْد الْمُطَّلِب عَلَى بَنِيهِ إِذْ كَانَ نَذَرَ نَحْر أَحَدهمْ إِذَا كَمُلُوا عَشَرَة ; الْخَبَر الْمَشْهُور ذَكَرَهُ اِبْن إِسْحَاق.
مَعْطُوف عَلَى مَا قَبْله، و " أَنْ " فِي مَحَلّ رَفْع، أَيْ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ الِاسْتِقْسَام.
وَالْأَزْلَام قِدَاح الْمَيْسِر، وَاحِدهَا زَلَم وَزُلَم ; قَالَ :
بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَام كَالزَّلَمْ
وَقَالَ آخَر، فَجَمَعَ :
فَلَئِنْ جَذِيمَة قَتَّلَتْ سَرَوَاتهَا | فَنِسَاؤُهَا يَضْرِبْنَ بِالْأَزْلَامِ |
قَالَ مُحَمَّد بْن جَرِير : قَالَ لَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع : هِيَ الشِّطْرَنْج.
فَأَمَّا قَوْل لَبِيد :
تَزِلُّ عَنْ الثَّرَى أَزْلَامهَا
فَقَالُوا : أَرَادَ أَظْلَاف الْبَقَرَة الْوَحْشِيَّة، وَالْأَزْلَام لِلْعَرَبِ ثَلَاثَة أَنْوَاع : مِنْهَا الثَّلَاثَة الَّتِي كَانَ يَتَّخِذهَا كُلّ إِنْسَان لِنَفْسِهِ، عَلَى أَحَدهَا افْعَلْ، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَفْعَل، وَالثَّالِث مُهْمَل لَا شَيْء عَلَيْهِ، فَيَجْعَلهَا فِي خَرِيطَة مَعَهُ، فَإِذَا أَرَادَ فِعْل شَيْء أَدْخَلَ يَده - وَهِيَ مُتَشَابِهَة - فَإِذَا خَرَجَ أَحَدهَا اِئْتَمَرَ وَانْتَهَى بِحَسَبِ مَا يَخْرُج لَهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْقِدْح الَّذِي لَا شَيْء عَلَيْهِ أَعَادَ الضَّرْب ; وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ضَرَبَ بِهَا سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم حِين اِتَّبَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْر وَقْت الْهِجْرَة ; وَإِنَّمَا قِيلَ لِهَذَا الْفِعْل : اِسْتِقْسَام لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهِ الرِّزْق وَمَا يُرِيدُونَ ; كَمَا يُقَال : الِاسْتِسْقَاء فِي الِاسْتِدْعَاء لِلسَّقْيِ.
وَنَظِير هَذَا الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّه تَعَالَى قَوْل الْمُنَجِّم : لَا تَخْرُج مِنْ أَجْل نَجْم كَذَا، وَاخْرُج مِنْ أَجْل نَجْم كَذَا، وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ :" وَمَا تَدْرِي نَفْس مَاذَا تَكْسِب غَدًا " الْآيَة [ لُقْمَان : ٣٤ ]، وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّه، وَالنَّوْع الثَّانِي : سَبْعَة قِدَاح كَانَتْ عِنْد هُبَل فِي جَوْف الْكَعْبَة مَكْتُوب عَلَيْهَا مَا يَدُور بَيْن النَّاس مِنْ النَّوَازِل، كُلّ قِدْح مِنْهَا فِيهِ كِتَاب ; قِدْح فِيهِ الْعَقْل مِنْ أَمْر الدِّيَات، وَفِي آخَر " مِنْكُمْ " وَفِي آخَر " مِنْ غَيْركُمْ "، وَفِي آخَر " مُلْصَق "، وَفِي سَائِرهَا أَحْكَام الْمِيَاه وَغَيْر ذَلِكَ، وَهِيَ الَّتِي ضَرَبَ بِهَا عَبْد الْمُطَّلِب عَلَى بَنِيهِ إِذْ كَانَ نَذَرَ نَحْر أَحَدهمْ إِذَا كَمُلُوا عَشَرَة ; الْخَبَر الْمَشْهُور ذَكَرَهُ اِبْن إِسْحَاق.
وَهَذِهِ السَّبْعَة أَيْضًا كَانَتْ عِنْد كُلّ كَاهِن مِنْ كُهَّان الْعَرَب وَحُكَّامهمْ ; عَلَى نَحْو مَا كَانَتْ فِي الْكَعْبَة عِنْد هُبَل، وَالنَّوْع الثَّالِث : هُوَ قِدَاح الْمَيْسِر وَهِيَ عَشَرَة ; سَبْعَة مِنْهَا فِيهَا حُظُوظ، وَثَلَاثَة أَغْفَال، وَكَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا مُقَامَرَة لَهْوًا وَلَعِبًا، وَكَانَ عُقَلَاؤُهُمْ يَقْصِدُونَ بِهَا إِطْعَام الْمَسَاكِين وَالْمُعْدَم فِي زَمَن الشِّتَاء وَكَلَب الْبَرْد وَتَعَذُّر التَّحَرُّف، وَقَالَ مُجَاهِد : الْأَزْلَام هِيَ كِعَاب فَارِس وَالرُّوم الَّتِي يَتَقَامَرُونَ بِهَا، وَقَالَ سُفْيَان وَوَكِيع : هِيَ الشِّطْرَنْج ; فَالِاسْتِقْسَام بِهَذَا كُلّه هُوَ طَلَب الْقَسْم وَالنَّصِيب كَمَا بَيَّنَّا ; وَهُوَ مِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ حَرَام، وَكُلّ مُقَامَرَة بِحَمَامٍ أَوْ بِنَرْدٍ أَوْ شِطْرَنْج أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْعَاب فَهُوَ اِسْتِقْسَام بِمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَزْلَام حَرَام كُلّه ; وَهُوَ ضَرْب مِنْ التَّكَهُّن وَالتَّعَرُّض لِدَعْوَى عِلْم الْغَيْب.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَلِهَذَا نَهَى أَصْحَابنَا عَنْ الْأُمُور الَّتِي يَفْعَلهَا الْمُنَجِّمُونَ عَلَى الطُّرُقَات مِنْ السِّهَام الَّتِي مَعَهُمْ، وَرِقَاع الْفَأْل فِي أَشْبَاه ذَلِكَ، وَقَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيّ : وَإِنَّمَا نَهَى اللَّه عَنْهَا فِيمَا يَتَعَلَّق بِأُمُورِ الْغَيْب ; فَإِنَّهُ لَا تَدْرِي نَفْس مَاذَا يُصِيبهَا غَدًا، فَلَيْسَ لِلْأَزْلَامِ فِي تَعْرِيف الْمُغَيَّبَات أَثَر ; فَاسْتَنْبَطَ بَعْض الْجَاهِلِينَ مِنْ هَذَا الرَّدّ عَلَى الشَّافِعِيّ فِي الْإِقْرَاع بَيْن الْمَمَالِيك فِي الْعِتْق، وَلَمْ يَعْلَم هَذَا الْجَاهِل أَنَّ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيّ بُنِيَ عَلَى الْأَخْبَار الصَّحِيحَة، وَلَيْسَ مِمَّا يُعْتَرَض عَلَيْهِ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِقْسَام بِالْأَزْلَامِ ; فَإِنَّ الْعِتْق حُكْم شَرْعِيّ، يَجُوز أَنْ يَجْعَل الشَّرْع خُرُوج الْقُرْعَة عَلَمًا عَلَى إِثْبَات حُكْم الْعِتْق قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا، وَلَا يُسَاوِي ذَلِكَ قَوْل الْقَائِل : إِذَا فَعَلْت كَذَا أَوْ قُلْت كَذَا فَذَلِكَ يَدُلّك فِي الْمُسْتَقْبَل عَلَى أَمْر مِنْ الْأُمُور، فَلَا يَجُوز أَنْ يُجْعَل خُرُوج الْقِدَاح عَلَمًا عَلَى شَيْء يَتَجَدَّد فِي الْمُسْتَقْبَل، وَيَجُوز أَنْ يُجْعَل خُرُوج الْقُرْعَة عَلَمًا عَلَى الْعِتْق قَطْعًا ; فَظَهَرَ اِفْتِرَاق الْبَابَيْنِ.
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَاب طَلَب الْفَأْل، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يُعْجِبهُ أَنْ يَسْمَع يَا رَاشِد يَا نَجِيح ; أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح غَرِيب ; وَإِنَّمَا كَانَ يُعْجِبهُ الْفَأْل لِأَنَّهُ تَنْشَرِح لَهُ النَّفْس وَتَسْتَبْشِر بِقَضَاءِ الْحَاجَة وَبُلُوغ الْأَمَل ; فَيَحْسُن الظَّنّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ قَالَ :( أَنَا عِنْد ظَنّ عَبْدِي بِي )، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَكْرَه الطِّيَرَة ; لِأَنَّهَا مِنْ أَعْمَال أَهْل الشِّرْك ; وَلِأَنَّهَا تَجْلِب ظَنّ السُّوء بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ اِبْن خُوَيْز مَنْدَاد : وَلِهَذَا نَهَى أَصْحَابنَا عَنْ الْأُمُور الَّتِي يَفْعَلهَا الْمُنَجِّمُونَ عَلَى الطُّرُقَات مِنْ السِّهَام الَّتِي مَعَهُمْ، وَرِقَاع الْفَأْل فِي أَشْبَاه ذَلِكَ، وَقَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيّ : وَإِنَّمَا نَهَى اللَّه عَنْهَا فِيمَا يَتَعَلَّق بِأُمُورِ الْغَيْب ; فَإِنَّهُ لَا تَدْرِي نَفْس مَاذَا يُصِيبهَا غَدًا، فَلَيْسَ لِلْأَزْلَامِ فِي تَعْرِيف الْمُغَيَّبَات أَثَر ; فَاسْتَنْبَطَ بَعْض الْجَاهِلِينَ مِنْ هَذَا الرَّدّ عَلَى الشَّافِعِيّ فِي الْإِقْرَاع بَيْن الْمَمَالِيك فِي الْعِتْق، وَلَمْ يَعْلَم هَذَا الْجَاهِل أَنَّ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيّ بُنِيَ عَلَى الْأَخْبَار الصَّحِيحَة، وَلَيْسَ مِمَّا يُعْتَرَض عَلَيْهِ بِالنَّهْيِ عَنْ الِاسْتِقْسَام بِالْأَزْلَامِ ; فَإِنَّ الْعِتْق حُكْم شَرْعِيّ، يَجُوز أَنْ يَجْعَل الشَّرْع خُرُوج الْقُرْعَة عَلَمًا عَلَى إِثْبَات حُكْم الْعِتْق قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا، وَلَا يُسَاوِي ذَلِكَ قَوْل الْقَائِل : إِذَا فَعَلْت كَذَا أَوْ قُلْت كَذَا فَذَلِكَ يَدُلّك فِي الْمُسْتَقْبَل عَلَى أَمْر مِنْ الْأُمُور، فَلَا يَجُوز أَنْ يُجْعَل خُرُوج الْقِدَاح عَلَمًا عَلَى شَيْء يَتَجَدَّد فِي الْمُسْتَقْبَل، وَيَجُوز أَنْ يُجْعَل خُرُوج الْقُرْعَة عَلَمًا عَلَى الْعِتْق قَطْعًا ; فَظَهَرَ اِفْتِرَاق الْبَابَيْنِ.
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَاب طَلَب الْفَأْل، وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يُعْجِبهُ أَنْ يَسْمَع يَا رَاشِد يَا نَجِيح ; أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حَدِيث صَحِيح غَرِيب ; وَإِنَّمَا كَانَ يُعْجِبهُ الْفَأْل لِأَنَّهُ تَنْشَرِح لَهُ النَّفْس وَتَسْتَبْشِر بِقَضَاءِ الْحَاجَة وَبُلُوغ الْأَمَل ; فَيَحْسُن الظَّنّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ قَالَ :( أَنَا عِنْد ظَنّ عَبْدِي بِي )، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَكْرَه الطِّيَرَة ; لِأَنَّهَا مِنْ أَعْمَال أَهْل الشِّرْك ; وَلِأَنَّهَا تَجْلِب ظَنّ السُّوء بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الْخَطَّابِيّ : الْفَرْق بَيْن الْفَأْل وَالطِّيَرَة أَنَّ الْفَأْل إِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيق حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ، وَالطِّيَرَة إِنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيق الِاتِّكَال عَلَى شَيْء سِوَاهُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : سَأَلْت اِبْن عَوْن عَنْ الْفَأْل فَقَالَ : هُوَ أَنْ يَكُون مَرِيضًا فَيَسْمَع يَا سَالِم، أَوْ يَكُون بَاغِيًا فَيَسْمَع يَا وَاجِد ; وَهَذَا مَعْنَى حَدِيث التِّرْمِذِيّ، وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول :( لَا طِيَرَة وَخَيْرهَا الْفَأْل )، قِيلَ : يَا رَسُول اللَّه وَمَا الْفَأْل ؟ قَالَ :( الْكَلِمَة الصَّالِحَة يَسْمَعهَا أَحَدكُمْ )، وَسَيَأْتِي لِمَعْنَى الطِّيَرَة مَزِيد بَيَان إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا الْعِلْم بِالتَّعَلُّمِ وَالْحِلْم بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْر يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرّ يُوقَهُ، وَثَلَاثَة لَا يَنَالُونَ الدَّرَجَات الْعُلَا ; مَنْ تَكَهَّنَ أَوْ اِسْتَقْسَمَ أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَر مِنْ طِيَرَة.
رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا الْعِلْم بِالتَّعَلُّمِ وَالْحِلْم بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْر يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرّ يُوقَهُ، وَثَلَاثَة لَا يَنَالُونَ الدَّرَجَات الْعُلَا ; مَنْ تَكَهَّنَ أَوْ اِسْتَقْسَمَ أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَر مِنْ طِيَرَة.
ذَلِكُمْ فِسْقٌ
إِشَارَة إِلَى الِاسْتِقْسَام بِالْأَزْلَامِ، وَالْفِسْق الْخُرُوج، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقِيلَ يَرْجِع إِلَى جَمِيع مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِحْلَال لِجَمِيعِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات، وَكُلّ شَيْء مِنْهَا فِسْق وَخُرُوج مِنْ الْحَلَال إِلَى الْحَرَام، وَالِانْكِفَاف عَنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات مِنْ الْوَفَاء بِالْعُقُودِ، إِذْ قَالَ :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " [ الْمَائِدَة : ١ ].
إِشَارَة إِلَى الِاسْتِقْسَام بِالْأَزْلَامِ، وَالْفِسْق الْخُرُوج، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقِيلَ يَرْجِع إِلَى جَمِيع مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِحْلَال لِجَمِيعِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات، وَكُلّ شَيْء مِنْهَا فِسْق وَخُرُوج مِنْ الْحَلَال إِلَى الْحَرَام، وَالِانْكِفَاف عَنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَات مِنْ الْوَفَاء بِالْعُقُودِ، إِذْ قَالَ :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ " [ الْمَائِدَة : ١ ].
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ
يَعْنِي أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينهمْ كُفَّارًا.
قَالَ الضَّحَّاك : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة حِين فَتْح مَكَّة ; وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّة لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَان سَنَة تِسْع، وَيُقَال : سَنَة ثَمَان، وَدَخَلَهَا وَنَادَى مُنَادِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَهُوَ آمِن، وَمَنْ وَضَعَ السِّلَاح فَهُوَ آمِن، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابه فَهُوَ آمِن "، وَفِي " يَئِسَ " لُغَتَانِ، يَئِسَ يَيْأَس يَأْسًا، وَأَيِسَ يَأْيَس إِيَاسًا وَإِيَاسَة ; قَالَهُ النَّضْر بْن شُمَيْل.
يَعْنِي أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينهمْ كُفَّارًا.
قَالَ الضَّحَّاك : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة حِين فَتْح مَكَّة ; وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّة لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَان سَنَة تِسْع، وَيُقَال : سَنَة ثَمَان، وَدَخَلَهَا وَنَادَى مُنَادِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَهُوَ آمِن، وَمَنْ وَضَعَ السِّلَاح فَهُوَ آمِن، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابه فَهُوَ آمِن "، وَفِي " يَئِسَ " لُغَتَانِ، يَئِسَ يَيْأَس يَأْسًا، وَأَيِسَ يَأْيَس إِيَاسًا وَإِيَاسَة ; قَالَهُ النَّضْر بْن شُمَيْل.
فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
أَيْ لَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي فَإِنِّي أَنَا الْقَادِر عَلَى نَصْركُمْ.
أَيْ لَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي فَإِنِّي أَنَا الْقَادِر عَلَى نَصْركُمْ.
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا
وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين كَانَ بِمَكَّة لَمْ تَكُنْ إِلَّا فَرِيضَة الصَّلَاة وَحْدهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة أَنْزَلَ اللَّه الْحَلَال وَالْحَرَام إِلَى أَنْ حَجَّ ; فَلَمَّا حَجَّ وَكَمُلَ الدِّين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " الْآيَة ; عَلَى مَا نُبَيِّنهُ.
رَوَى الْأَئِمَّة عَنْ طَارِق بْن شِهَاب قَالَ : جَاءَ رَجُل مِنْ الْيَهُود إِلَى عُمَر فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ آيَة فِي كِتَابكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا أُنْزِلَتْ مَعْشَر الْيَهُود لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا ; قَالَ : وَأَيّ آيَة ؟ قَالَ :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا " فَقَالَ عُمَر : إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْم الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ وَالْمَكَان الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ ; نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة.
لَفْظ مُسْلِم، وَعِنْد النَّسَائِيّ لَيْلَة جُمُعَة.
وَرُوِيَ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ فِي يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر وَقَرَأَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى عُمَر ; فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا يُبْكِيك ) ؟ فَقَالَ : أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَة مِنْ دِيننَا فَأَمَّا إِذْ كَمُلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُل شَيْء إِلَّا نَقَصَ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( صَدَقْت )، وَرَوَى مُجَاهِد أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ يَوْم فَتْح مَكَّة.
قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ، أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْم جُمُعَة وَكَانَ يَوْم عَرَفَة بَعْد الْعَصْر فِي حَجَّة الْوَدَاع سَنَة عَشْر وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِف بِعَرَفَة عَلَى نَاقَته الْعَضْبَاء، فَكَادَ عَضُد النَّاقَة يَنْقَدّ مِنْ ثِقَلهَا فَبَرَكَتْ.
و " الْيَوْم " قَدْ يُعَبَّر بِجُزْءٍ مِنْهُ عَنْ جَمِيعه، وَكَذَلِكَ عَنْ الشَّهْر بِبَعْضِهِ ; تَقُول : فَعَلْنَا فِي شَهْر كَذَا وَكَذَا وَفِي سَنَة كَذَا كَذَا، وَمَعْلُوم أَنَّك لَمْ تَسْتَوْعِب الشَّهْر وَلَا السَّنَة ; وَذَلِكَ مُسْتَعْمَل فِي لِسَان الْعَرَب وَالْعَجَم، وَالدِّين عِبَارَة عَنْ الشَّرَائِع الَّتِي شَرَعَ وَفَتَحَ لَنَا ; فَإِنَّهَا نَزَلَتْ نُجُومًا وَآخِر مَا نَزَلَ مِنْهَا هَذِهِ الْآيَة، وَلَمْ يَنْزِل بَعْدهَا حُكْم، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ، وَقَالَ الْجُمْهُور : الْمُرَاد مُعْظَم الْفَرَائِض وَالتَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم، قَالُوا : وَقَدْ نَزَلَ بَعْد ذَلِكَ قُرْآن كَثِير، وَنَزَلَتْ آيَة الرِّبَا، وَنَزَلَتْ آيَة الْكَلَالَة إِلَى غَيْر ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَمُلَ مُعْظَم الدِّين وَأَمْر الْحَجّ، إِذْ لَمْ يَطُفْ مَعَهُمْ فِي هَذِهِ السَّنَة مُشْرِك، وَلَا طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَوَقَفَ النَّاس كُلّهمْ بِعَرَفَة، وَقِيلَ :" أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " بِأَنْ أَهْلَكْت لَكُمْ عَدُوّكُمْ وَأَظْهَرْت دِينكُمْ عَلَى الدِّين كُلّه كَمَا تَقُول : قَدْ تَمَّ لَنَا مَا نُرِيد إِذَا كُفِيت عَدُوّك.
وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين كَانَ بِمَكَّة لَمْ تَكُنْ إِلَّا فَرِيضَة الصَّلَاة وَحْدهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة أَنْزَلَ اللَّه الْحَلَال وَالْحَرَام إِلَى أَنْ حَجَّ ; فَلَمَّا حَجَّ وَكَمُلَ الدِّين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " الْآيَة ; عَلَى مَا نُبَيِّنهُ.
رَوَى الْأَئِمَّة عَنْ طَارِق بْن شِهَاب قَالَ : جَاءَ رَجُل مِنْ الْيَهُود إِلَى عُمَر فَقَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ آيَة فِي كِتَابكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا أُنْزِلَتْ مَعْشَر الْيَهُود لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا ; قَالَ : وَأَيّ آيَة ؟ قَالَ :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا " فَقَالَ عُمَر : إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْم الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ وَالْمَكَان الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ ; نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة.
لَفْظ مُسْلِم، وَعِنْد النَّسَائِيّ لَيْلَة جُمُعَة.
وَرُوِيَ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ فِي يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر وَقَرَأَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى عُمَر ; فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَا يُبْكِيك ) ؟ فَقَالَ : أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَة مِنْ دِيننَا فَأَمَّا إِذْ كَمُلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُل شَيْء إِلَّا نَقَصَ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( صَدَقْت )، وَرَوَى مُجَاهِد أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ يَوْم فَتْح مَكَّة.
قُلْت : الْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ، أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْم جُمُعَة وَكَانَ يَوْم عَرَفَة بَعْد الْعَصْر فِي حَجَّة الْوَدَاع سَنَة عَشْر وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِف بِعَرَفَة عَلَى نَاقَته الْعَضْبَاء، فَكَادَ عَضُد النَّاقَة يَنْقَدّ مِنْ ثِقَلهَا فَبَرَكَتْ.
و " الْيَوْم " قَدْ يُعَبَّر بِجُزْءٍ مِنْهُ عَنْ جَمِيعه، وَكَذَلِكَ عَنْ الشَّهْر بِبَعْضِهِ ; تَقُول : فَعَلْنَا فِي شَهْر كَذَا وَكَذَا وَفِي سَنَة كَذَا كَذَا، وَمَعْلُوم أَنَّك لَمْ تَسْتَوْعِب الشَّهْر وَلَا السَّنَة ; وَذَلِكَ مُسْتَعْمَل فِي لِسَان الْعَرَب وَالْعَجَم، وَالدِّين عِبَارَة عَنْ الشَّرَائِع الَّتِي شَرَعَ وَفَتَحَ لَنَا ; فَإِنَّهَا نَزَلَتْ نُجُومًا وَآخِر مَا نَزَلَ مِنْهَا هَذِهِ الْآيَة، وَلَمْ يَنْزِل بَعْدهَا حُكْم، قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ، وَقَالَ الْجُمْهُور : الْمُرَاد مُعْظَم الْفَرَائِض وَالتَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم، قَالُوا : وَقَدْ نَزَلَ بَعْد ذَلِكَ قُرْآن كَثِير، وَنَزَلَتْ آيَة الرِّبَا، وَنَزَلَتْ آيَة الْكَلَالَة إِلَى غَيْر ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَمُلَ مُعْظَم الدِّين وَأَمْر الْحَجّ، إِذْ لَمْ يَطُفْ مَعَهُمْ فِي هَذِهِ السَّنَة مُشْرِك، وَلَا طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَوَقَفَ النَّاس كُلّهمْ بِعَرَفَة، وَقِيلَ :" أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " بِأَنْ أَهْلَكْت لَكُمْ عَدُوّكُمْ وَأَظْهَرْت دِينكُمْ عَلَى الدِّين كُلّه كَمَا تَقُول : قَدْ تَمَّ لَنَا مَا نُرِيد إِذَا كُفِيت عَدُوّك.
" وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " أَيْ بِإِكْمَالِ الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام وَإِظْهَار دِين الْإِسْلَام كَمَا وَعَدْتُكُمْ، إِذْ قُلْت :" وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ " [ الْبَقَرَة : ١٥٠ ] وَهِيَ دُخُول مَكَّة.
آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا اِنْتَظَمَتْهُ هَذِهِ الْمِلَّة الْحَنِيفِيَّة إِلَى دُخُول الْجَنَّة فِي رَحْمَة اللَّه تَعَالَى.
لَعَلَّ قَائِلًا يَقُول : قَوْله تَعَالَى :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " يَدُلّ عَلَى أَنَّ الدِّين كَانَ غَيْر كَامِل فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات، وَذَلِكَ يُوجِب أَنْ يَكُون جَمِيع مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَاَلَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة وَبَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَتَيْنِ جَمِيعًا، وَبَذَلُوا أَنْفُسهمْ لِلَّهِ مَعَ عَظِيم مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ أَنْوَاع الْمِحَن مَاتُوا عَلَى دِين نَاقِص، وَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ كَانَ يَدْعُو النَّاس إِلَى دِين نَاقِص، وَمَعْلُوم أَنَّ النَّقْص عَيْب، وَدِين اللَّه تَعَالَى قِيَم، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" دِينًا قِيَمًا " [ الْأَنْعَام : ١٦١ ] فَالْجَوَاب أَنْ يُقَال لَهُ : لِمَ قُلْت إِنَّ كُلّ نَقْص فَهُوَ عَيْب وَمَا دَلِيلك عَلَيْهِ ؟ ثُمَّ يُقَال لَهُ : أَرَأَيْت نُقْصَان الشَّهْر هَلْ يَكُون عَيْبًا، وَنُقْصَان صَلَاة الْمُسَافِر أَهُوَ عَيْب لَهَا، وَنُقْصَان الْعُمْر الَّذِي أَرَادَهُ اللَّه بِقَوْلِهِ :" وَمَا يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّر وَلَا يُنْقَص مِنْ عُمُره " [ فَاطِر : ١١ ] أَهُوَ عَيْب لَهُ، وَنُقْصَان أَيَّام الْحَيْض عَنْ الْمَعْهُود، وَنُقْصَان أَيَّام الْحَمْل، وَنُقْصَان الْمَال بِسَرِقَةٍ أَوْ حَرِيق أَوْ غَرَق إِذَا لَمْ يَفْتَقِر صَاحِبه، فَمَا أَنْكَرْت أَنَّ نُقْصَان أَجْزَاء الدِّين فِي الشَّرْع قَبْل أَنْ تَلْحَق بِهِ الْأَجْزَاء الْبَاقِيَة فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى هَذِهِ لَيْسَتْ بِشَيْنٍ وَلَا عَيْب، وَمَا أَنْكَرْت أَنَّ مَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " يُخَرَّج عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون الْمُرَاد بَلَّغْته أَقْصَى الْحَدّ الَّذِي كَانَ لَهُ عِنْدِي فِيمَا قَضَيْته وَقَدَّرْته، وَذَلِكَ لَا يُوجِب أَنْ يَكُون مَا قَبْل ذَلِكَ نَاقِصًا نُقْصَان عَيْب، لَكِنَّهُ يُوصَف بِنُقْصَانٍ مُقَيَّد فَيُقَال لَهُ : إِنَّهُ كَانَ نَاقِصًا عَمَّا كَانَ عِنْد اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ مُلْحِقه بِهِ وَضَامّه إِلَيْهِ ; كَالرَّجُلِ يُبَلِّغهُ اللَّه مِائَة سَنَة فَيُقَال : أَكْمَلَ اللَّه عُمُره ; وَلَا يَجِب عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُون عُمُره حِين كَانَ اِبْن سِتِّينَ كَانَ نَاقِصًا نَقْص قُصُور وَخَلَل ; فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول :( مَنْ عَمَّرَهُ اللَّه سِتِّينَ سَنَة فَقَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِي الْعُمُر ).
وَلَكِنَّهُ يَجُوز أَنْ يُوصَف بِنُقْصَانٍ مُقَيَّد فَيُقَال : كَانَ نَاقِصًا عَمَّا كَانَ عِنْد اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ مُبَلِّغه إِيَّاهُ وَمُعَمِّره إِلَيْهِ.
آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا اِنْتَظَمَتْهُ هَذِهِ الْمِلَّة الْحَنِيفِيَّة إِلَى دُخُول الْجَنَّة فِي رَحْمَة اللَّه تَعَالَى.
لَعَلَّ قَائِلًا يَقُول : قَوْله تَعَالَى :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " يَدُلّ عَلَى أَنَّ الدِّين كَانَ غَيْر كَامِل فِي وَقْت مِنْ الْأَوْقَات، وَذَلِكَ يُوجِب أَنْ يَكُون جَمِيع مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار وَاَلَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة وَبَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْعَتَيْنِ جَمِيعًا، وَبَذَلُوا أَنْفُسهمْ لِلَّهِ مَعَ عَظِيم مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ أَنْوَاع الْمِحَن مَاتُوا عَلَى دِين نَاقِص، وَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ كَانَ يَدْعُو النَّاس إِلَى دِين نَاقِص، وَمَعْلُوم أَنَّ النَّقْص عَيْب، وَدِين اللَّه تَعَالَى قِيَم، كَمَا قَالَ تَعَالَى :" دِينًا قِيَمًا " [ الْأَنْعَام : ١٦١ ] فَالْجَوَاب أَنْ يُقَال لَهُ : لِمَ قُلْت إِنَّ كُلّ نَقْص فَهُوَ عَيْب وَمَا دَلِيلك عَلَيْهِ ؟ ثُمَّ يُقَال لَهُ : أَرَأَيْت نُقْصَان الشَّهْر هَلْ يَكُون عَيْبًا، وَنُقْصَان صَلَاة الْمُسَافِر أَهُوَ عَيْب لَهَا، وَنُقْصَان الْعُمْر الَّذِي أَرَادَهُ اللَّه بِقَوْلِهِ :" وَمَا يُعَمَّر مِنْ مُعَمَّر وَلَا يُنْقَص مِنْ عُمُره " [ فَاطِر : ١١ ] أَهُوَ عَيْب لَهُ، وَنُقْصَان أَيَّام الْحَيْض عَنْ الْمَعْهُود، وَنُقْصَان أَيَّام الْحَمْل، وَنُقْصَان الْمَال بِسَرِقَةٍ أَوْ حَرِيق أَوْ غَرَق إِذَا لَمْ يَفْتَقِر صَاحِبه، فَمَا أَنْكَرْت أَنَّ نُقْصَان أَجْزَاء الدِّين فِي الشَّرْع قَبْل أَنْ تَلْحَق بِهِ الْأَجْزَاء الْبَاقِيَة فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى هَذِهِ لَيْسَتْ بِشَيْنٍ وَلَا عَيْب، وَمَا أَنْكَرْت أَنَّ مَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " يُخَرَّج عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون الْمُرَاد بَلَّغْته أَقْصَى الْحَدّ الَّذِي كَانَ لَهُ عِنْدِي فِيمَا قَضَيْته وَقَدَّرْته، وَذَلِكَ لَا يُوجِب أَنْ يَكُون مَا قَبْل ذَلِكَ نَاقِصًا نُقْصَان عَيْب، لَكِنَّهُ يُوصَف بِنُقْصَانٍ مُقَيَّد فَيُقَال لَهُ : إِنَّهُ كَانَ نَاقِصًا عَمَّا كَانَ عِنْد اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ مُلْحِقه بِهِ وَضَامّه إِلَيْهِ ; كَالرَّجُلِ يُبَلِّغهُ اللَّه مِائَة سَنَة فَيُقَال : أَكْمَلَ اللَّه عُمُره ; وَلَا يَجِب عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُون عُمُره حِين كَانَ اِبْن سِتِّينَ كَانَ نَاقِصًا نَقْص قُصُور وَخَلَل ; فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول :( مَنْ عَمَّرَهُ اللَّه سِتِّينَ سَنَة فَقَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِي الْعُمُر ).
وَلَكِنَّهُ يَجُوز أَنْ يُوصَف بِنُقْصَانٍ مُقَيَّد فَيُقَال : كَانَ نَاقِصًا عَمَّا كَانَ عِنْد اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ مُبَلِّغه إِيَّاهُ وَمُعَمِّره إِلَيْهِ.
وَقَدْ بَلَغَ اللَّه بِالظُّهْرِ وَالْعَصْر وَالْعِشَاء أَرْبَع رَكَعَات ; فَلَوْ قِيلَ عِنْد ذَلِكَ أَكْمَلَهَا لَكَانَ الْكَلَام صَحِيحًا، وَلَا يَجِب عَنْ ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ حِين كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ نَاقِصَة نَقْص قُصُور وَخَلَل ; وَلَوْ قِيلَ : كَانَتْ نَاقِصَة عَمَّا عِنْد اللَّه أَنَّهُ ضَامّه إِلَيْهَا وَزَائِده عَلَيْهَا لَكَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فَهَكَذَا، هَذَا فِي شَرَائِع الْإِسْلَام وَمَا كَانَ شُرِعَ مِنْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ أَنْهَى اللَّه الدِّين مُنْتَهَاهُ الَّذِي كَانَ لَهُ عِنْده، وَاللَّه أَعْلَمُ، وَالْوَجْه الْآخَر : أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ :" الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ " أَنَّهُ وَفَّقَهُمْ لِلْحَجِّ الَّذِي لَمْ يَكُنْ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَرْكَان الدِّين غَيْره، فَحَجُّوا ; فَاسْتَجْمَعَ لَهُمْ الدِّين أَدَاء لِأَرْكَانِهِ وَقِيَامًا بِفَرَائِضِهِ ; فَإِنَّهُ يَقُول عَلَيْهِ السَّلَام :( بُنِيَ الْإِسْلَام عَلَى خَمْس ) الْحَدِيث، وَقَدْ كَانُوا تَشَهَّدُوا وَصَلَّوْا وَزَكَّوْا وَصَامُوا وَجَاهَدُوا وَاعْتَمَرُوا وَلَمْ يَكُونُوا حَجُّوا ; فَلَمَّا حَجُّوا ذَلِكَ الْيَوْم مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى وَهُمْ بِالْمَوْقِفِ عَشِيَّة عَرَفَة " الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي " فَإِنَّمَا أَرَادَ أَكْمَلَ وَضْعه لَهُمْ ; وَفِي ذَلِكَ دَلَالَة عَلَى أَنَّ الطَّاعَات كُلّهَا دِين وَإِيمَان وَإِسْلَام.
قَوْله تَعَالَى :" وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا " أَيْ أَعْلَمْتُكُمْ بِرِضَايَ بِهِ لَكُمْ دِينًا ; فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ رَاضِيًا بِالْإِسْلَامِ لَنَا دِينًا ; فَلَا يَكُون لِاخْتِصَاصِ الرِّضَا بِذَلِكَ الْيَوْم فَائِدَةٌ إِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى ظَاهِره.
و " دِينًا " نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيز، وَإِنْ شِئْت عَلَى مَفْعُول ثَانٍ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَرَضِيت عَنْكُمْ إِذَا اِنْقَدْتُمْ لِي بِالدِّينِ الَّذِي شَرَعْته لَكُمْ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد " رَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا " أَيْ وَرَضِيت إِسْلَامكُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ الْيَوْم دِينًا بَاقِيًا بِكَمَالِهِ إِلَى آخِر الْآيَة لَا أَنْسَخ مِنْهُ شَيْئًا، وَاللَّه أَعْلَمُ.
و " الْإِسْلَام " فِي هَذِهِ الْآيَة هُوَ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام " [ آل عِمْرَان : ١٩ ] وَهُوَ الَّذِي يُفَسَّر فِي سُؤَال جِبْرِيل لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ الْإِيمَان وَالْأَعْمَال وَالشُّعَب.
قَوْله تَعَالَى :" وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا " أَيْ أَعْلَمْتُكُمْ بِرِضَايَ بِهِ لَكُمْ دِينًا ; فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ رَاضِيًا بِالْإِسْلَامِ لَنَا دِينًا ; فَلَا يَكُون لِاخْتِصَاصِ الرِّضَا بِذَلِكَ الْيَوْم فَائِدَةٌ إِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى ظَاهِره.
و " دِينًا " نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيز، وَإِنْ شِئْت عَلَى مَفْعُول ثَانٍ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَرَضِيت عَنْكُمْ إِذَا اِنْقَدْتُمْ لِي بِالدِّينِ الَّذِي شَرَعْته لَكُمْ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد " رَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا " أَيْ وَرَضِيت إِسْلَامكُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ الْيَوْم دِينًا بَاقِيًا بِكَمَالِهِ إِلَى آخِر الْآيَة لَا أَنْسَخ مِنْهُ شَيْئًا، وَاللَّه أَعْلَمُ.
و " الْإِسْلَام " فِي هَذِهِ الْآيَة هُوَ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى :" إِنَّ الدِّين عِنْد اللَّه الْإِسْلَام " [ آل عِمْرَان : ١٩ ] وَهُوَ الَّذِي يُفَسَّر فِي سُؤَال جِبْرِيل لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ الْإِيمَان وَالْأَعْمَال وَالشُّعَب.
فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ
يَعْنِي مَنْ دَعَتْهُ ضَرُورَة إِلَى أَكْل الْمَيْتَة وَسَائِر الْمُحَرَّمَات فِي هَذِهِ الْآيَة.
وَالْمَخْمَصَة الْجُوع وَخَلَاء الْبَطْن مِنْ الطَّعَام.
وَالْخَمَص ضُمُور الْبَطْن، وَرَجُل خَمِيص وَخُمْصَان وَامْرَأَة خَمِيصَة وَخُمْصَانَة ; وَمِنْهُ أَخْمَص الْقَدَم، وَيُسْتَعْمَل كَثِيرًا فِي الْجُوع وَالْغَرَث ; قَالَ الْأَعْشَى :
أَيْ مُنْطَوِيَات عَلَى الْجُوع قَدْ أَضْمَرَ بُطُونهنَّ.
وَقَالَ النَّابِغَة فِي خَمَص الْبَطْن مِنْ جِهَة ضُمْره :
وَفِي الْحَدِيث :( خِمَاص الْبُطُون خِفَاف الظُّهُور ).
الْخِمَاص جَمْع الْخَمِيص الْبَطْن، وَهُوَ الضَّامِر.
أَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَعِفَّاء عَنْ أَمْوَال النَّاس ; وَمِنْهُ الْحَدِيث :( إِنَّ الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوح بِطَانًا )، وَالْخَمِيصَة أَيْضًا ثَوْب ; قَالَ الْأَصْمَعِيّ : الْخَمَائِص ثِيَاب خَزّ أَوْ صُوف مُعْلَمَة، وَهِيَ سَوْدَاء، كَانَتْ مِنْ لِبَاس النَّاس، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الِاضْطِرَار وَحُكْمه فِي الْبَقَرَة.
يَعْنِي مَنْ دَعَتْهُ ضَرُورَة إِلَى أَكْل الْمَيْتَة وَسَائِر الْمُحَرَّمَات فِي هَذِهِ الْآيَة.
وَالْمَخْمَصَة الْجُوع وَخَلَاء الْبَطْن مِنْ الطَّعَام.
وَالْخَمَص ضُمُور الْبَطْن، وَرَجُل خَمِيص وَخُمْصَان وَامْرَأَة خَمِيصَة وَخُمْصَانَة ; وَمِنْهُ أَخْمَص الْقَدَم، وَيُسْتَعْمَل كَثِيرًا فِي الْجُوع وَالْغَرَث ; قَالَ الْأَعْشَى :
تَبِيتُونَ فِي الْمَشْتَى مِلَاءً بُطُونكُمْ | وَجَارَاتكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا |
وَقَالَ النَّابِغَة فِي خَمَص الْبَطْن مِنْ جِهَة ضُمْره :
وَالْبَطْن ذُو عُكَن خَمِيص لَيِّن | وَالنَّحْر تَنْفُجُهُ بِثَدْيٍ مُقْعَد |
الْخِمَاص جَمْع الْخَمِيص الْبَطْن، وَهُوَ الضَّامِر.
أَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَعِفَّاء عَنْ أَمْوَال النَّاس ; وَمِنْهُ الْحَدِيث :( إِنَّ الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوح بِطَانًا )، وَالْخَمِيصَة أَيْضًا ثَوْب ; قَالَ الْأَصْمَعِيّ : الْخَمَائِص ثِيَاب خَزّ أَوْ صُوف مُعْلَمَة، وَهِيَ سَوْدَاء، كَانَتْ مِنْ لِبَاس النَّاس، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الِاضْطِرَار وَحُكْمه فِي الْبَقَرَة.
غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ
أَيْ غَيْر مَائِل لِحَرَامٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى " غَيْر بَاغٍ وَلَا عَاد " [ الْبَقَرَة : ١٧٣ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْجَنَف الْمَيْل، وَالْإِثْم الْحَرَام ; وَمِنْهُ قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا تَجَانَفْنَا فِيهِ لِإِثْمٍ ; أَيْ مَا مِلْنَا وَلَا تَعَمَّدْنَا وَنَحْنُ نَعْلَمهُ : وَكُلّ مَائِل فَهُوَ مُتَجَانِف وَجَنِف.
وَقَرَأَ النَّخَعِيّ وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالسُّلَمِيّ " مُتَجَنِّف " دُون أَلِف، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ شَدَّ الْعَيْن يَقْتَضِي مُبَالَغَة وَتَوَغُّلًا فِي الْمَعْنَى وَثُبُوتًا لِحُكْمِهِ ; وَتَفَاعُل إِنَّمَا هُوَ مُحَاكَاة الشَّيْء وَالتَّقَرُّب مِنْهُ ; أَلَا تُرَاك أَنَّك إِذَا قُلْت : تَمَايَلَ الْغُصْن فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَأَوُّدًا وَمُقَارَبَة مَيْل، وَإِذَا قُلْت : تَمَيَّلَ فَقَدْ ثَبَتَ حُكْم الْمَيْل، وَكَذَلِكَ تَصَاوَنَ الرَّجُل وَتَصَوَّنَ، وَتَعَاقَلَ وَتَعَقَّلَ ; فَالْمَعْنَى غَيْر مُتَعَمِّد لِمَعْصِيَةٍ فِي مَقْصِده ; قَالَهُ قَتَادَة وَالشَّافِعِيّ.
أَيْ غَيْر مَائِل لِحَرَامٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى " غَيْر بَاغٍ وَلَا عَاد " [ الْبَقَرَة : ١٧٣ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَالْجَنَف الْمَيْل، وَالْإِثْم الْحَرَام ; وَمِنْهُ قَوْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : مَا تَجَانَفْنَا فِيهِ لِإِثْمٍ ; أَيْ مَا مِلْنَا وَلَا تَعَمَّدْنَا وَنَحْنُ نَعْلَمهُ : وَكُلّ مَائِل فَهُوَ مُتَجَانِف وَجَنِف.
وَقَرَأَ النَّخَعِيّ وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالسُّلَمِيّ " مُتَجَنِّف " دُون أَلِف، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ شَدَّ الْعَيْن يَقْتَضِي مُبَالَغَة وَتَوَغُّلًا فِي الْمَعْنَى وَثُبُوتًا لِحُكْمِهِ ; وَتَفَاعُل إِنَّمَا هُوَ مُحَاكَاة الشَّيْء وَالتَّقَرُّب مِنْهُ ; أَلَا تُرَاك أَنَّك إِذَا قُلْت : تَمَايَلَ الْغُصْن فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَأَوُّدًا وَمُقَارَبَة مَيْل، وَإِذَا قُلْت : تَمَيَّلَ فَقَدْ ثَبَتَ حُكْم الْمَيْل، وَكَذَلِكَ تَصَاوَنَ الرَّجُل وَتَصَوَّنَ، وَتَعَاقَلَ وَتَعَقَّلَ ; فَالْمَعْنَى غَيْر مُتَعَمِّد لِمَعْصِيَةٍ فِي مَقْصِده ; قَالَهُ قَتَادَة وَالشَّافِعِيّ.
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
أَيْ فَإِنَّ اللَّه لَهُ غَفُور رَحِيم فَحَذَفَ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
أَرَادَ لَمْ أَصْنَعهُ فَحَذَفَ، وَاللَّه أَعْلَمُ.
أَيْ فَإِنَّ اللَّه لَهُ غَفُور رَحِيم فَحَذَفَ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
قَدْ أَصْبَحَتْ أُمّ الْخِيَار تَدَّعِي | عَلَيَّ ذَنْبًا كُلّه لَمْ أَصْنَعِ |
يَسْأَلُونَكَ
الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ عَدِيّ بْن حَاتِم وَزَيْد بْن مُهَلْهَل وَهُوَ زَيْد الْخَيْل الَّذِي سَمَّاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْد الْخَيْر ; قَالَا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا قَوْم نَصِيد بِالْكِلَابِ وَالْبُزَاة، وَإِنَّ الْكِلَاب تَأْخُذ الْبَقَر وَالْحُمُر وَالظِّبَاء فَمِنْهُ مَا نُدْرِك ذَكَاته، وَمِنْهُ مَا تَقْتُلهُ فَلَا نُدْرِك ذَكَاته، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّه الْمَيْتَة فَمَاذَا يَحِلّ لَنَا ؟ فَنَزَلَتْ الْآيَة.
الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ عَدِيّ بْن حَاتِم وَزَيْد بْن مُهَلْهَل وَهُوَ زَيْد الْخَيْل الَّذِي سَمَّاهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْد الْخَيْر ; قَالَا : يَا رَسُول اللَّه إِنَّا قَوْم نَصِيد بِالْكِلَابِ وَالْبُزَاة، وَإِنَّ الْكِلَاب تَأْخُذ الْبَقَر وَالْحُمُر وَالظِّبَاء فَمِنْهُ مَا نُدْرِك ذَكَاته، وَمِنْهُ مَا تَقْتُلهُ فَلَا نُدْرِك ذَكَاته، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّه الْمَيْتَة فَمَاذَا يَحِلّ لَنَا ؟ فَنَزَلَتْ الْآيَة.
مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ
" مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر " أُحِلَّ لَهُمْ " و " ذَا " زَائِدَة، وَإِنْ شِئْت كَانَتْ بِمَعْنَى الَّذِي، وَيَكُون الْخَبَر " قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات " وَهُوَ الْحَلَال، وَكُلّ حَرَام فَلَيْسَ بِطَيِّبٍ.
وَقِيلَ : مَا الْتَذَّهُ آكِله وَشَارِبه وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَر فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة.
وَقِيلَ : الطَّيِّبَات الذَّبَائِح، لِأَنَّهَا طَابَتْ بِالتَّذْكِيَةِ.
" مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَر " أُحِلَّ لَهُمْ " و " ذَا " زَائِدَة، وَإِنْ شِئْت كَانَتْ بِمَعْنَى الَّذِي، وَيَكُون الْخَبَر " قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات " وَهُوَ الْحَلَال، وَكُلّ حَرَام فَلَيْسَ بِطَيِّبٍ.
وَقِيلَ : مَا الْتَذَّهُ آكِله وَشَارِبه وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَر فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة.
وَقِيلَ : الطَّيِّبَات الذَّبَائِح، لِأَنَّهَا طَابَتْ بِالتَّذْكِيَةِ.
وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ
أَيْ وَصَيْد مَا عَلَّمْتُمْ ; فَفِي الْكَلَام إِضْمَار لَا بُدّ مِنْهُ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَ الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُون الْحِلّ الْمَسْئُول عَنْهُ مُتَنَاوِلًا لِلْمُعَلَّمِ مِنْ الْجَوَارِح الْمِكَلِّبِينَ، وَذَلِكَ لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ ; فَإِنَّ الَّذِي يُبِيح لَحْم الْكَلْب فَلَا يُخَصِّص الْإِبَاحَة بِالْمُعَلَّمِ ; وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي أَكْل الْكَلْب فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض مَنْ صَنَّفَ فِي أَحْكَام الْقُرْآن أَنَّ الْآيَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَة تَتَنَاوَل مَا عَلَّمْنَاهُ مِنْ الْجَوَارِح، وَهُوَ يَنْتَظِم الْكَلْب وَسَائِر جَوَارِح الطَّيْر، وَذَلِكَ يُوجِب إِبَاحَة سَائِر وُجُوه الِانْتِفَاع، فَدَلَّ عَلَى جَوَاز بَيْع الْكَلْب وَالْجَوَارِح وَالِانْتِفَاع بِهَا بِسَائِرِ وُجُوه الْمَنَافِع إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيل، وَهُوَ الْأَكْل مِنْ الْجَوَارِح أَيْ الْكَوَاسِب مِنْ الْكِلَاب وَسِبَاع الطَّيْر ; وَكَانَ لِعَدِيٍّ كِلَاب خَمْسَة قَدْ سَمَّاهَا بِأَسْمَاءِ أَعْلَام، وَكَانَ أَسْمَاء أَكْلُبه سَلْهَب وَغَلَّاب وَالْمُخْتَلِس وَالْمُتَنَاعِس، قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَخَامِس أَشُكّ، قَالَ فِيهِ أَخْطَب، أَوْ قَالَ فِيهِ وَثَّاب.
الرَّابِعَة : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الْكَلْب إِذَا لَمْ يَكُنْ أَسْوَد وَعَلَّمَهُ مُسْلِم فَيَنْشَلِي إِذَا أُشْلِيَ وَيُجِيب إِذَا دُعِيَ، وَيَنْزَجِر بَعْد ظَفَره بِالصَّيْدِ إِذَا زُجِرَ، وَأَنْ يَكُون لَا يَأْكُل مِنْ صَيْده الَّذِي صَادَهُ، وَأَثَّرَ فِيهِ بِجُرْحٍ أَوْ تَنْيِيب، وَصَادَ بِهِ مُسْلِم وَذَكَرَ اِسْم اللَّه عِنْد إِرْسَاله أَنَّ صَيْده صَحِيح يُؤْكَل بِلَا خِلَاف ; فَإِنْ اِنْخَرَمَ شَرْط مِنْ هَذِهِ الشُّرُوط دَخَلَ الْخِلَاف.
فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُصَاد بِهِ غَيْر كَلْب كَالْفَهْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَكَالْبَازِي وَالصَّقْر وَنَحْوهمَا مِنْ الطَّيْر فَجُمْهُور الْأُمَّة عَلَى أَنَّ كُلّ مَا صَادَ بَعْد التَّعْلِيم فَهُوَ جَارِح كَاسِب.
يُقَال : جَرَحَ فُلَان وَاجْتَرَحَ إِذَا اِكْتَسَبَ ; وَمِنْهُ الْجَارِحَة لِأَنَّهَا يُكْتَسَب بِهَا، وَمِنْهُ اِجْتِرَاح السَّيِّئَات، وَقَالَ الْأَعْشَى :
وَفِي التَّنْزِيل " وَيَعْلَم مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ " [ الْأَنْعَام : ٦٠ ] وَقَالَ :" أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اِجْتَرَحُوا السَّيِّئَات " [ الْجَاثِيَة : ٢١ ].
أَيْ وَصَيْد مَا عَلَّمْتُمْ ; فَفِي الْكَلَام إِضْمَار لَا بُدّ مِنْهُ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَ الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُون الْحِلّ الْمَسْئُول عَنْهُ مُتَنَاوِلًا لِلْمُعَلَّمِ مِنْ الْجَوَارِح الْمِكَلِّبِينَ، وَذَلِكَ لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ ; فَإِنَّ الَّذِي يُبِيح لَحْم الْكَلْب فَلَا يُخَصِّص الْإِبَاحَة بِالْمُعَلَّمِ ; وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي أَكْل الْكَلْب فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض مَنْ صَنَّفَ فِي أَحْكَام الْقُرْآن أَنَّ الْآيَة تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَة تَتَنَاوَل مَا عَلَّمْنَاهُ مِنْ الْجَوَارِح، وَهُوَ يَنْتَظِم الْكَلْب وَسَائِر جَوَارِح الطَّيْر، وَذَلِكَ يُوجِب إِبَاحَة سَائِر وُجُوه الِانْتِفَاع، فَدَلَّ عَلَى جَوَاز بَيْع الْكَلْب وَالْجَوَارِح وَالِانْتِفَاع بِهَا بِسَائِرِ وُجُوه الْمَنَافِع إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيل، وَهُوَ الْأَكْل مِنْ الْجَوَارِح أَيْ الْكَوَاسِب مِنْ الْكِلَاب وَسِبَاع الطَّيْر ; وَكَانَ لِعَدِيٍّ كِلَاب خَمْسَة قَدْ سَمَّاهَا بِأَسْمَاءِ أَعْلَام، وَكَانَ أَسْمَاء أَكْلُبه سَلْهَب وَغَلَّاب وَالْمُخْتَلِس وَالْمُتَنَاعِس، قَالَ السُّهَيْلِيّ : وَخَامِس أَشُكّ، قَالَ فِيهِ أَخْطَب، أَوْ قَالَ فِيهِ وَثَّاب.
الرَّابِعَة : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّ الْكَلْب إِذَا لَمْ يَكُنْ أَسْوَد وَعَلَّمَهُ مُسْلِم فَيَنْشَلِي إِذَا أُشْلِيَ وَيُجِيب إِذَا دُعِيَ، وَيَنْزَجِر بَعْد ظَفَره بِالصَّيْدِ إِذَا زُجِرَ، وَأَنْ يَكُون لَا يَأْكُل مِنْ صَيْده الَّذِي صَادَهُ، وَأَثَّرَ فِيهِ بِجُرْحٍ أَوْ تَنْيِيب، وَصَادَ بِهِ مُسْلِم وَذَكَرَ اِسْم اللَّه عِنْد إِرْسَاله أَنَّ صَيْده صَحِيح يُؤْكَل بِلَا خِلَاف ; فَإِنْ اِنْخَرَمَ شَرْط مِنْ هَذِهِ الشُّرُوط دَخَلَ الْخِلَاف.
فَإِنْ كَانَ الَّذِي يُصَاد بِهِ غَيْر كَلْب كَالْفَهْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَكَالْبَازِي وَالصَّقْر وَنَحْوهمَا مِنْ الطَّيْر فَجُمْهُور الْأُمَّة عَلَى أَنَّ كُلّ مَا صَادَ بَعْد التَّعْلِيم فَهُوَ جَارِح كَاسِب.
يُقَال : جَرَحَ فُلَان وَاجْتَرَحَ إِذَا اِكْتَسَبَ ; وَمِنْهُ الْجَارِحَة لِأَنَّهَا يُكْتَسَب بِهَا، وَمِنْهُ اِجْتِرَاح السَّيِّئَات، وَقَالَ الْأَعْشَى :
ذَا جُبَار مُنْضِجًا مِيسَمُهْ | يُذْكِر الْجَارِح مَا كَانَ اجْتَرَحْ |
مُكَلِّبِينَ
مَعْنَى " مُكَلِّبِينَ " أَصْحَاب الْكِلَاب وَهُوَ كَالْمُؤَدِّبِ صَاحِب التَّأْدِيب، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مُضْرِينَ عَلَى الصَّيْد كَمَا تُضْرَى الْكِلَاب ; قَالَ الرُّمَّانِيّ : وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُحْتَمَل.
وَلَيْسَ فِي " مُكَلِّبِينَ " دَلِيل عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ صَيْد الْكِلَاب خَاصَّة ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْله :" مُؤْمِنِينَ " وَإِنْ كَانَ قَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَصَرَ الْإِبَاحَة عَلَى الْكِلَاب خَاصَّة.
رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر فِيمَا حَكَى اِبْن الْمُنْذِر عَنْهُ قَالَ : وَأَمَّا مَا يُصَاد بِهِ مِنْ الْبُزَاة وَغَيْرهَا مِنْ الطَّيْر فَمَا أَدْرَكْت ذَكَاته فَذَكِّهِ فَهُوَ لَك حَلَال، وَإِلَّا فَلَا تَطْعَمْهُ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَر عَنْ الْبَازِي يَحِلّ صَيْده قَالَ : لَا ; إِلَّا أَنْ تُدْرِك ذَكَاته، وَقَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ :" وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ " هِيَ الْكِلَاب خَاصَّة ; فَإِنْ كَانَ الْكَلْب أَسْوَد بَهِيمًا فَكَرِهَ صَيْده الْحَسَن وَقَتَادَة وَالنَّخَعِيّ، وَقَالَ أَحْمَد : مَا أَعْرِف أَحَدًا يُرَخِّص فِيهِ إِذَا كَانَ بَهِيمًا ; وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ ; فَأَمَّا عَوَامّ أَهْل الْعِلْم بِالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَة فَيَرَوْنَ جَوَاز صَيْد كُلّ كَلْب مُعَلَّم، أَمَّا مَنْ مَنَعَ صَيْد الْكَلْب الْأَسْوَد فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْكَلْب الْأَسْوَد شَيْطَان )، أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
اِحْتَجَّ الْجُمْهُور بِعُمُومِ الْآيَة، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا فِي جَوَاز صَيْد الْبَازِي بِمَا ذُكِرَ مِنْ سَبَب النُّزُول، وَبِمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْد الْبَازِي فَقَالَ :( مَا أَمْسَكَ عَلَيْك فَكُلْ ).
فِي إِسْنَاده مُجَالِد وَلَا يُعْرَف إِلَّا مِنْ جِهَته وَهُوَ ضَعِيف، وَبِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ كُلّ مَا يَتَأَتَّى مِنْ الْكَلْب يَتَأَتَّى مِنْ الْفَهْد مَثَلًا فَلَا فَارِق إِلَّا فِيمَا لَا مَدْخَل لَهُ فِي التَّأْثِير ; وَهَذَا هُوَ الْقِيَاس فِي مَعْنَى الْأَصْل، كَقِيَاسِ السَّيْف عَلَى الْمُدْيَة وَالْأَمَة عَلَى الْعَبْد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
مَعْنَى " مُكَلِّبِينَ " أَصْحَاب الْكِلَاب وَهُوَ كَالْمُؤَدِّبِ صَاحِب التَّأْدِيب، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ مُضْرِينَ عَلَى الصَّيْد كَمَا تُضْرَى الْكِلَاب ; قَالَ الرُّمَّانِيّ : وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُحْتَمَل.
وَلَيْسَ فِي " مُكَلِّبِينَ " دَلِيل عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ صَيْد الْكِلَاب خَاصَّة ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْله :" مُؤْمِنِينَ " وَإِنْ كَانَ قَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَصَرَ الْإِبَاحَة عَلَى الْكِلَاب خَاصَّة.
رُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر فِيمَا حَكَى اِبْن الْمُنْذِر عَنْهُ قَالَ : وَأَمَّا مَا يُصَاد بِهِ مِنْ الْبُزَاة وَغَيْرهَا مِنْ الطَّيْر فَمَا أَدْرَكْت ذَكَاته فَذَكِّهِ فَهُوَ لَك حَلَال، وَإِلَّا فَلَا تَطْعَمْهُ.
قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَر عَنْ الْبَازِي يَحِلّ صَيْده قَالَ : لَا ; إِلَّا أَنْ تُدْرِك ذَكَاته، وَقَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ :" وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِح مُكَلِّبِينَ " هِيَ الْكِلَاب خَاصَّة ; فَإِنْ كَانَ الْكَلْب أَسْوَد بَهِيمًا فَكَرِهَ صَيْده الْحَسَن وَقَتَادَة وَالنَّخَعِيّ، وَقَالَ أَحْمَد : مَا أَعْرِف أَحَدًا يُرَخِّص فِيهِ إِذَا كَانَ بَهِيمًا ; وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ ; فَأَمَّا عَوَامّ أَهْل الْعِلْم بِالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَة فَيَرَوْنَ جَوَاز صَيْد كُلّ كَلْب مُعَلَّم، أَمَّا مَنْ مَنَعَ صَيْد الْكَلْب الْأَسْوَد فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْكَلْب الْأَسْوَد شَيْطَان )، أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
اِحْتَجَّ الْجُمْهُور بِعُمُومِ الْآيَة، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا فِي جَوَاز صَيْد الْبَازِي بِمَا ذُكِرَ مِنْ سَبَب النُّزُول، وَبِمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْد الْبَازِي فَقَالَ :( مَا أَمْسَكَ عَلَيْك فَكُلْ ).
فِي إِسْنَاده مُجَالِد وَلَا يُعْرَف إِلَّا مِنْ جِهَته وَهُوَ ضَعِيف، وَبِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ كُلّ مَا يَتَأَتَّى مِنْ الْكَلْب يَتَأَتَّى مِنْ الْفَهْد مَثَلًا فَلَا فَارِق إِلَّا فِيمَا لَا مَدْخَل لَهُ فِي التَّأْثِير ; وَهَذَا هُوَ الْقِيَاس فِي مَعْنَى الْأَصْل، كَقِيَاسِ السَّيْف عَلَى الْمُدْيَة وَالْأَمَة عَلَى الْعَبْد، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَم أَنَّهُ لَا بُدّ لِلصَّائِدِ أَنْ يَقْصِد عِنْد الْإِرْسَال التَّذْكِيَة وَالْإِبَاحَة، وَهَذَا لَا يُخْتَلَف فِيهِ ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك وَذَكَرْت اِسْم اللَّه عَلَيْهِ فَكُلْ ) وَهَذَا يَقْتَضِي النِّيَّة وَالتَّسْمِيَة ; فَلَوْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ اللَّهْوَ فَكَرِهَهُ مَالِك وَأَجَازَهُ اِبْن عَبْد الْحَكَم، وَهُوَ ظَاهِر قَوْل اللَّيْث : مَا رَأَيْت حَقًّا أَشْبَه بِبَاطِلٍ مِنْهُ، يَعْنِي الصَّيْد ; فَأَمَّا لَوْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ نِيَّة التَّذْكِيَة فَهُوَ حَرَام ; لِأَنَّهُ مِنْ بَاب الْفَسَاد وَإِتْلَاف حَيَوَان لِغَيْرِ مَنْفَعَة، وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْل الْحَيَوَان إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ التَّسْمِيَة لَا بُدّ مِنْهَا بِالْقَوْلِ عِنْد الْإِرْسَال ; لِقَوْلِهِ :( وَذَكَرْت اِسْم اللَّه ) فَلَوْ لَمْ تُوجَد عَلَى أَيّ وَجْه كَانَ لَمْ يُؤْكَل الصَّيْد ; وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الظَّاهِر وَجَمَاعَة أَهْل الْحَدِيث، وَذَهَبَتْ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوز أَكْل مَا صَادَهُ الْمُسْلِم وَذَبَحَهُ وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَة عَمْدًا ; وَحَمَلُوا الْأَمْر بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى النَّدْب، وَذَهَبَ مَالِك فِي الْمَشْهُور إِلَى الْفَرْق بَيْن تَرْك التَّسْمِيَة عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فَقَالَ : لَا تُؤْكَل مَعَ الْعَمْد وَتُؤْكَل مَعَ السَّهْو ; وَهُوَ قَوْل فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَأَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
ثُمَّ لَا بُدّ أَنْ يَكُون اِنْبِعَاث الْكَلْب بِإِرْسَالٍ مِنْ يَد الصَّائِد بِحَيْثُ يَكُون زِمَامه بِيَدِهِ.
فَيُخَلِّي عَنْهُ وَيُغْرِيه عَلَيْهِ فَيَنْبَعِث، أَوْ يَكُون الْجَارِح سَاكِنًا مَعَ رُؤْيَته الصَّيْد فَلَا يَتَحَرَّك لَهُ إِلَّا بِالْإِغْرَاءِ مِنْ الصَّائِد، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا زِمَامه بِيَدِهِ فَأَطْلَقَهُ مُغْرِيًا لَهُ عَلَى أَحَد الْقَوْلَيْنِ ; فَأَمَّا لَوْ اِنْبَعَثَ الْجَارِح مِنْ تِلْقَاء نَفْسه مِنْ غَيْر إِرْسَال وَلَا إِغْرَاء فَلَا يَجُوز صَيْده وَلَا يَحِلّ أَكْله عِنْد الْجُمْهُور وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَادَ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْر إِرْسَال وَأَمْسَكَ عَلَيْهَا، وَلَا صُنْع لِلصَّائِدِ فِيهِ، فَلَا يُنْسَب إِرْسَالُهُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَصْدُق عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم )، وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالْأَوْزَاعِيّ : يُؤْكَل صَيْده إِذَا كَانَ أَخْرَجَهُ لِلصَّيْدِ.
قَرَأَ الْجُمْهُور " عَلَّمْتُمْ " بِفَتْحِ الْعَيْن وَاللَّام، وَابْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة بِضَمِّ الْعَيْن وَكَسْر اللَّام، أَيْ مِنْ أَمْر الْجَوَارِح وَالصَّيْد بِهَا.
وَالْجَوَارِح الْكَوَاسِب، وَسُمِّيَتْ أَعْضَاء الْإِنْسَان جَوَارِح لِأَنَّهَا تَكْسِب وَتَتَصَرَّف.
وَقِيلَ : سُمِّيَتْ جَوَارِح لِأَنَّهَا تَجْرَح وَتُسِيل الدَّم، فَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْجِرَاح، وَهَذَا ضَعِيف، وَأَهْل اللُّغَة عَلَى خِلَافه، وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ قَوْم.
ثُمَّ لَا بُدّ أَنْ يَكُون اِنْبِعَاث الْكَلْب بِإِرْسَالٍ مِنْ يَد الصَّائِد بِحَيْثُ يَكُون زِمَامه بِيَدِهِ.
فَيُخَلِّي عَنْهُ وَيُغْرِيه عَلَيْهِ فَيَنْبَعِث، أَوْ يَكُون الْجَارِح سَاكِنًا مَعَ رُؤْيَته الصَّيْد فَلَا يَتَحَرَّك لَهُ إِلَّا بِالْإِغْرَاءِ مِنْ الصَّائِد، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا زِمَامه بِيَدِهِ فَأَطْلَقَهُ مُغْرِيًا لَهُ عَلَى أَحَد الْقَوْلَيْنِ ; فَأَمَّا لَوْ اِنْبَعَثَ الْجَارِح مِنْ تِلْقَاء نَفْسه مِنْ غَيْر إِرْسَال وَلَا إِغْرَاء فَلَا يَجُوز صَيْده وَلَا يَحِلّ أَكْله عِنْد الْجُمْهُور وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَادَ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْر إِرْسَال وَأَمْسَكَ عَلَيْهَا، وَلَا صُنْع لِلصَّائِدِ فِيهِ، فَلَا يُنْسَب إِرْسَالُهُ إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَصْدُق عَلَيْهِ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :( إِذَا أَرْسَلْت كَلْبك الْمُعَلَّم )، وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالْأَوْزَاعِيّ : يُؤْكَل صَيْده إِذَا كَانَ أَخْرَجَهُ لِلصَّيْدِ.
قَرَأَ الْجُمْهُور " عَلَّمْتُمْ " بِفَتْحِ الْعَيْن وَاللَّام، وَابْن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة بِضَمِّ الْعَيْن وَكَسْر اللَّام، أَيْ مِنْ أَمْر الْجَوَارِح وَالصَّيْد بِهَا.
وَالْجَوَارِح الْكَوَاسِب، وَسُمِّيَتْ أَعْضَاء الْإِنْسَان جَوَارِح لِأَنَّهَا تَكْسِب وَتَتَصَرَّف.
وَقِيلَ : سُمِّيَتْ جَوَارِح لِأَنَّهَا تَجْرَح وَتُسِيل الدَّم، فَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْجِرَاح، وَهَذَا ضَعِيف، وَأَهْل اللُّغَة عَلَى خِلَافه، وَحَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ قَوْم.
و " مُكَلِّبِينَ " قِرَاءَة الْجُمْهُور بِفَتْحِ الْكَاف وَشَدّ اللَّام، وَالْمُكَلِّب مُعَلِّم الْكِلَاب وَمُضْرِيهَا، وَيُقَال لِمَنْ يُعَلِّم غَيْر الْكَلْب : مُكَلِّب ; لِأَنَّهُ يَرُدّ ذَلِكَ الْحَيَوَان كَالْكَلْبِ ; حَكَاهُ بَعْضهمْ، وَيُقَال لِلصَّائِدِ : مُكَلِّب فَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ صَائِدِينَ، وَقِيلَ : الْمُكَلِّب صَاحِب الْكِلَاب، يُقَال : كَلَّبَ فَهُوَ مُكَلِّب وَكَلَّاب، وَقَرَأَ الْحَسَن " مُكْلِبِينَ " بِسُكُونِ الْكَاف وَتَخْفِيف اللَّام، وَمَعْنَاهُ أَصْحَاب كِلَاب، يُقَال : أَمْشَى الرَّجُل كَثُرَتْ مَاشِيَته، وَأَكْلَبَ كَثُرَتْ كِلَابه، وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيّ :