تفسير سورة سورة المائدة من كتاب تفسير الشعراوي
المعروف بـتفسير الشعراوي
.
لمؤلفه
الشعراوي
.
المتوفي سنة 1418 هـ
ﰡ
البداية - إذن - عن ضرورة الوفاء بالعقود وتحليل تناول بهيمة الأنعام كطعام. وسورة المائدة - كما نعلم - جاءت في الترتيب المصحفي بعد سورة النساء التي تتضمن الكثير من العقود الإيمانية؛ فقد تضمنت سورة النساء عقود الإنكاح والصداق والوصية والدَّين والميراث، وكلها أحكام لعقود، فكأن الحق سبحانه وتعالى من بعد سورة النساء يقول لنا: لقد عرفتم ما في سورة النساء من عقود، فحافظوا عليها وأوفوا بها.
ونلحظ أن سورة البقرة جاءت بعدها سورة آل عمران، وفي كلتيهما حديث عن الماديين من اليهود، وسورة النساء والمائدة تواجه أيضاً المجتمع المدني بالمدينة بعد أن كان القرآن بمكة يواجه مسألة تربية وغرس العقيدة الإلهية الواحدة والنبوات. وقد خدمت سورة البقرة وسورة آل عمران مسألة العقيدة المنهجية والأنبياء، وسورة النساء تتضمن حسم العقيدة الحكمية.
وها نحن أولاء أمام سورة المائدة التي يقول فيها الحق: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ
ونلحظ أن سورة البقرة جاءت بعدها سورة آل عمران، وفي كلتيهما حديث عن الماديين من اليهود، وسورة النساء والمائدة تواجه أيضاً المجتمع المدني بالمدينة بعد أن كان القرآن بمكة يواجه مسألة تربية وغرس العقيدة الإلهية الواحدة والنبوات. وقد خدمت سورة البقرة وسورة آل عمران مسألة العقيدة المنهجية والأنبياء، وسورة النساء تتضمن حسم العقيدة الحكمية.
وها نحن أولاء أمام سورة المائدة التي يقول فيها الحق: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ
2887
بالعقود} والحق يخاطب المؤمنين بالاسم الموصول، ولم يقل: يا أيها المؤمنون «، وهذا يدل على أن الإيمان ليس أمراً عابراً يمر بالإنسان فترة من الزمن؛ ولكن الإيمان يتجدد بتجدد الفعل حتى ينفذ المؤمن الأحكام التي جاء بها العقد الإيماني. وحين يتوجه الحق بخطابه للذين آمنوا، إنما يؤكد لنا أنه لا يقتحم على أحد حياته ليكلفه، وإن كان سبحانه كرب للعالمين قد خلق الخلق وأوجد الوجود وسخّره للخلق.
الله - سبحانه وتعالى - لم يستخدم هذا الحق ليأمر البشر بالإيمان، بل دعا الناس جميعاً أولاً إلى الإيمان، فمن آمن ينزل إليه التشريف بالتكليف ويكون القول الحق: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ أي يا من آمنتم بالله إلهاً. والإله لابد له من صفات تناسب الألوهية، كطلاقة القدرة والجاه والحكمة والقهر. وسبحانه لا يكلف مَن لم يؤمن به، بل يدعو من لم يؤمن إلى الإيمان، ولذلك نجد أن كل آيات الأحكام تبدأ بالقول الحق: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ ؛ لأن لكل إيمان تبعة.
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ ونعرف أن اللغة بها أسرة ألفاظ؛ ف» أوفوا «على سبيل المثال فيها» وفى «. والمصارع هو» يفي «، وفي أفعالها» أوفى «و» وَفَّى «، حسب المراحل المختلفة قوة وضعفاً وكثرة وقلة، مثال ذلك قوله الحق: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى﴾ [النجم: ٣٧]
وقد قام سيدنا إبراهيم عليه السلام بالكثير من الإنجاز: ﴿وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: ١٢٤]
ولا بد أن يكون قوله الحق: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى﴾ شرحاً لما قام به إبراهيم من مواجهة الابتلاء، فالتوفية هي الإتمام. والحق يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ أي عليكم يا من آمنتم بالله أن تتموا العقود.
والتمام إما أن ينطلق إلى الأفراد ويشملها فلا ينقص فرد، وإما أن يلتفت إلى الكيفيات فلا تختل كيفية، هذا هو التمام. وقد يأتي إنسان بكل فصول الكتاب ويقرأها، فيكون قد وفى قراءة كل الأجزاء، ولكن الحق يريد أن يتقن الإنسان تنفيذ كل جزئية في كتاب التكليف.
الله - سبحانه وتعالى - لم يستخدم هذا الحق ليأمر البشر بالإيمان، بل دعا الناس جميعاً أولاً إلى الإيمان، فمن آمن ينزل إليه التشريف بالتكليف ويكون القول الحق: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ أي يا من آمنتم بالله إلهاً. والإله لابد له من صفات تناسب الألوهية، كطلاقة القدرة والجاه والحكمة والقهر. وسبحانه لا يكلف مَن لم يؤمن به، بل يدعو من لم يؤمن إلى الإيمان، ولذلك نجد أن كل آيات الأحكام تبدأ بالقول الحق: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ ؛ لأن لكل إيمان تبعة.
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ ونعرف أن اللغة بها أسرة ألفاظ؛ ف» أوفوا «على سبيل المثال فيها» وفى «. والمصارع هو» يفي «، وفي أفعالها» أوفى «و» وَفَّى «، حسب المراحل المختلفة قوة وضعفاً وكثرة وقلة، مثال ذلك قوله الحق: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى﴾ [النجم: ٣٧]
وقد قام سيدنا إبراهيم عليه السلام بالكثير من الإنجاز: ﴿وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: ١٢٤]
ولا بد أن يكون قوله الحق: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى﴾ شرحاً لما قام به إبراهيم من مواجهة الابتلاء، فالتوفية هي الإتمام. والحق يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ أي عليكم يا من آمنتم بالله أن تتموا العقود.
والتمام إما أن ينطلق إلى الأفراد ويشملها فلا ينقص فرد، وإما أن يلتفت إلى الكيفيات فلا تختل كيفية، هذا هو التمام. وقد يأتي إنسان بكل فصول الكتاب ويقرأها، فيكون قد وفى قراءة كل الأجزاء، ولكن الحق يريد أن يتقن الإنسان تنفيذ كل جزئية في كتاب التكليف.
2888
وسبحانه طلب منا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن نقيم الصلاة وأن نؤتي الزكاة وأن نصوم رمضان وأن نحج البيت إن استطعنا إلى ذلك سبيلا، وقد يؤدي شخص كل هذه الأعمال وبذلك يكون قد قام بآداء التكليف، لكن هناك إنسان آخر يؤدي كل جزئية بتمامها فلا يختصر شيئاً منها بل إنّه يوفيها بلا تدليس.
والحق هنا يخاطب المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ أي أننا أمام «إيمان» و «عقد». وشرحنا معنى الإيمان، أما العقد فهو العلاقة الموثقة بين طرفين، وعلى كل طرف أن يلتزم بما عليه وأن يأخذ ما له. وسمي العقد عقداً؛ لأن العقد هو الربط، أي شيء لا ينحل من بعد ذلك. ولذلك نسمي ما يستقر في مواجيد الناس ونفوسهم «عقيدة». لأنها الأمر المعقود، وليس الأمر الطارئ الذي يأتي اليوم وينتهي غداً. والشيء المعقود في نظر الفقه هو الأمر الذي لا يطفو إلى العقل ليُبحث من جديد، بل إنه مستقر وثابت في القلب. ويأمر سبحانه بالوفاء بالعقود. والعقود - كما نعلم - هي جمع ل «عقد» وبالإسلام عقود كثيرة، تبدأ بالعقد الأول وهو عقد الذر: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى﴾ [الأعراف: ١٧٢]
ويريد سبحانه الوفاء بهذا العهد الأول فلا يأتي الإنسان ساعة التطبيق ويفر منها، ثم نأتي إلى عهد الاستخلاف في الأرض وبه استخلف فيها آدم وذريته من بعده، وإياك أن تظن أنك الأصيل في الكون حين تدوم لك الأسباب وتدين لك بعض الوقت. لا تظن أن الأشياء قد دانت لك بمهارتك أنت فقط، وحين تبذر البذور في الأرض وتروي الأرض فاعلم أن الزرع ينبت بتسخير الله أَرْضَه لك.
وإياك من الظن لحظة تركب المهر أنك الخيال الفارس الذي روّض المهر، لا، إنه تسخير الحق للفرس. ونجد الفرس في بعض الأحايين يجمح ليقع الفارس من فوق ظهره، لعلنا ننتبه إلى الجزئية التي لا يصح أن تغيب عنا، فلو لم يذلل الله الخيل لنا لما استطعنا أن نركبها.
والحق هنا يخاطب المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ أي أننا أمام «إيمان» و «عقد». وشرحنا معنى الإيمان، أما العقد فهو العلاقة الموثقة بين طرفين، وعلى كل طرف أن يلتزم بما عليه وأن يأخذ ما له. وسمي العقد عقداً؛ لأن العقد هو الربط، أي شيء لا ينحل من بعد ذلك. ولذلك نسمي ما يستقر في مواجيد الناس ونفوسهم «عقيدة». لأنها الأمر المعقود، وليس الأمر الطارئ الذي يأتي اليوم وينتهي غداً. والشيء المعقود في نظر الفقه هو الأمر الذي لا يطفو إلى العقل ليُبحث من جديد، بل إنه مستقر وثابت في القلب. ويأمر سبحانه بالوفاء بالعقود. والعقود - كما نعلم - هي جمع ل «عقد» وبالإسلام عقود كثيرة، تبدأ بالعقد الأول وهو عقد الذر: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى﴾ [الأعراف: ١٧٢]
ويريد سبحانه الوفاء بهذا العهد الأول فلا يأتي الإنسان ساعة التطبيق ويفر منها، ثم نأتي إلى عهد الاستخلاف في الأرض وبه استخلف فيها آدم وذريته من بعده، وإياك أن تظن أنك الأصيل في الكون حين تدوم لك الأسباب وتدين لك بعض الوقت. لا تظن أن الأشياء قد دانت لك بمهارتك أنت فقط، وحين تبذر البذور في الأرض وتروي الأرض فاعلم أن الزرع ينبت بتسخير الله أَرْضَه لك.
وإياك من الظن لحظة تركب المهر أنك الخيال الفارس الذي روّض المهر، لا، إنه تسخير الحق للفرس. ونجد الفرس في بعض الأحايين يجمح ليقع الفارس من فوق ظهره، لعلنا ننتبه إلى الجزئية التي لا يصح أن تغيب عنا، فلو لم يذلل الله الخيل لنا لما استطعنا أن نركبها.
2889
﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧١ - ٧٢]
وعلى المؤمن أن يتذكر أيضاً أن الحق سبحانه ذلل الجمل لصاحبه، وجعل الطفل الصغير يأمر الجمل فيرقد على الأرض؛ ليضع عليه الأحمال الثقيلة، ويأمره فيقوم.
أما إن واجه الثعبان أو الحية فهو لا يجرؤ على تذليلهما، وهذا لفت من الحق للخلق لقدرته المطلقة؛ فقد ذلل لهم الكبير، وأفزعهم أضعاف ذلك من الثعبان ذي الجسم الصغير. ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧٢]
ومن التذليل يأتي رضوخ بقية الكائنات للإنسان؛ فالحمار عند الفلاح يحمل السماد للأرض من بقايا فضلات الإنسان والحيوان، ولا ينطق الحمار معترضاً، ويأتي الفلاح ليرتقي في حياته ويصير شيخاً للخفر، فيأمر أن يستحم الحمار، ويشتري له السرج ليركبه وهو ذاهب للقاء المأمور في المركز، ولم يعص الحمار في الحالتين. إنه التذليل.
إياك أن تظن أن مهارتك وحدها أيها الإنسان هي التي ذللت لك الكائنات، فلو اعتمد الأمر على المهارة وحدها، لذلل الإنسان البرغوث الصغير الذي يهاجمه في أي وقت، وقد يفزعك ذلك البرغوث الصغير طوال الليل. وقد تسهر أسرة بأكملها من أجل قتل برغوث واحد. ﴿ضَعُفَ الطالب والمطلوب﴾ [الحج: ٧٣]
ولذلك أمرنا الحق أن نقول قبل البدء في أي عمل «بسم الله الرحمن الرحيم». وإياك أن تقبل على العمل بقوتك وحدها. فالعمل إنما ينفعل لك لأنه سبحانه قد أخضعه لك. وأنت تبدأ العمل باسم الله لأنه سبحانه الذي استخلفك وأخضع لك الكائنات المذللة.
وعلى المؤمن أن يتذكر أيضاً أن الحق سبحانه ذلل الجمل لصاحبه، وجعل الطفل الصغير يأمر الجمل فيرقد على الأرض؛ ليضع عليه الأحمال الثقيلة، ويأمره فيقوم.
أما إن واجه الثعبان أو الحية فهو لا يجرؤ على تذليلهما، وهذا لفت من الحق للخلق لقدرته المطلقة؛ فقد ذلل لهم الكبير، وأفزعهم أضعاف ذلك من الثعبان ذي الجسم الصغير. ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧٢]
ومن التذليل يأتي رضوخ بقية الكائنات للإنسان؛ فالحمار عند الفلاح يحمل السماد للأرض من بقايا فضلات الإنسان والحيوان، ولا ينطق الحمار معترضاً، ويأتي الفلاح ليرتقي في حياته ويصير شيخاً للخفر، فيأمر أن يستحم الحمار، ويشتري له السرج ليركبه وهو ذاهب للقاء المأمور في المركز، ولم يعص الحمار في الحالتين. إنه التذليل.
إياك أن تظن أن مهارتك وحدها أيها الإنسان هي التي ذللت لك الكائنات، فلو اعتمد الأمر على المهارة وحدها، لذلل الإنسان البرغوث الصغير الذي يهاجمه في أي وقت، وقد يفزعك ذلك البرغوث الصغير طوال الليل. وقد تسهر أسرة بأكملها من أجل قتل برغوث واحد. ﴿ضَعُفَ الطالب والمطلوب﴾ [الحج: ٧٣]
ولذلك أمرنا الحق أن نقول قبل البدء في أي عمل «بسم الله الرحمن الرحيم». وإياك أن تقبل على العمل بقوتك وحدها. فالعمل إنما ينفعل لك لأنه سبحانه قد أخضعه لك. وأنت تبدأ العمل باسم الله لأنه سبحانه الذي استخلفك وأخضع لك الكائنات المذللة.
2890
ثم هناك ذلك العهد الذي قال فيه الحق لآدم: ﴿فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى﴾ [طه: ١٢٣]
والعهد الذي قال فيه الحق: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٣٨]
وهذا عهد لكل البشر، والمسلمون عاهدوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في العقبة بأن ينصروه ويمنعوا عنه ما يمنعون عن أنفسهم. وعاهدوا الرسول في الحديبية.
إن الحق سبحانه يأمر بالوفاء بكل العقود، وكل ما نتج عن قمة العقائد وهو الإيمان بالله؛ فما جاء من الله الذي آمنت به يُعتبر عقداً أنت شريك فيه، لأن العقد يكون دائماً بين طرفين، ولم يرغم الله أحداً على الإيمان به، ولكن الإنسان يؤمن بالله اختياراً. ومادام المؤمن قد آمن بالله من طوع اختياره، فلا بد أن يتبع منهجه.
ومن آمن هو الذي يذهب إلى الحق قائلاً: يارب إن ما تأمر به سأفعله. وهذا اعتراف بالعقد. وكتابة أي عقد إيماني هو تنفيذ لهذا العقد والتوقيع مع الله، وبذلك يشترك العبد مع الله في هذا التعاقد؛ لأن إيمان العبد بالله يجعله طرفاً في العقد. والإله يشرع له، وينفذ العبد التشريع ليلتقي الجزاء الأوفى.
العقد إذن قد يكون بين العبد وربِّه، أو بين العبد وخلق الله المساوين له، أو بين العبد ونفسه، لكنهم أطلقوا على العقد الذي بين الإنسان ونفسه اسماً هو «العهد» وهو النذر، كأن ينذر العبد الصيام أو الصلاة، ويجب على العبد تنفيذ ما نذر به مادام عاهد الله على ذلك.
والعقد الذي بين العبد وغيره من البشر وكذلك العقد بينه وبين نفسه إنما ينبعان من العقد الأساسي وهو العقد الأول.. إنّه الإيمان بالله.
إذن فقول الحق: ﴿أَوْفُواْ بالعقود﴾ أي نفذوا ما أمر الله به حلالاً، وامتنعوا عن
والعهد الذي قال فيه الحق: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٣٨]
وهذا عهد لكل البشر، والمسلمون عاهدوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في العقبة بأن ينصروه ويمنعوا عنه ما يمنعون عن أنفسهم. وعاهدوا الرسول في الحديبية.
إن الحق سبحانه يأمر بالوفاء بكل العقود، وكل ما نتج عن قمة العقائد وهو الإيمان بالله؛ فما جاء من الله الذي آمنت به يُعتبر عقداً أنت شريك فيه، لأن العقد يكون دائماً بين طرفين، ولم يرغم الله أحداً على الإيمان به، ولكن الإنسان يؤمن بالله اختياراً. ومادام المؤمن قد آمن بالله من طوع اختياره، فلا بد أن يتبع منهجه.
ومن آمن هو الذي يذهب إلى الحق قائلاً: يارب إن ما تأمر به سأفعله. وهذا اعتراف بالعقد. وكتابة أي عقد إيماني هو تنفيذ لهذا العقد والتوقيع مع الله، وبذلك يشترك العبد مع الله في هذا التعاقد؛ لأن إيمان العبد بالله يجعله طرفاً في العقد. والإله يشرع له، وينفذ العبد التشريع ليلتقي الجزاء الأوفى.
العقد إذن قد يكون بين العبد وربِّه، أو بين العبد وخلق الله المساوين له، أو بين العبد ونفسه، لكنهم أطلقوا على العقد الذي بين الإنسان ونفسه اسماً هو «العهد» وهو النذر، كأن ينذر العبد الصيام أو الصلاة، ويجب على العبد تنفيذ ما نذر به مادام عاهد الله على ذلك.
والعقد الذي بين العبد وغيره من البشر وكذلك العقد بينه وبين نفسه إنما ينبعان من العقد الأساسي وهو العقد الأول.. إنّه الإيمان بالله.
إذن فقول الحق: ﴿أَوْفُواْ بالعقود﴾ أي نفذوا ما أمر الله به حلالاً، وامتنعوا عن
2891
الشيء الذي جعله الحق حراماً. ولا داعي - إذن - للاختلاف في معنى «العقود» والتساؤل: هل هي العقود التي بين العبد وربه، أو بين العبد والناس، أو بين العبد ونفسه، فكل ما نبع من العقد القمة هو عقد على المؤمن وإلزام عليه أن يوفي به.
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾ سبحانه يستهل السورة بالوفاء بالعقود، ثم إعلان تحليل بهيمة الأنعام. ونعرف أن الإنسان قد طرأ على الكون، وأنه سبحانه قد خلق الكون أولاً. ثم خلق الإنسان فيه، وهذا من رحمة الله بالإنسان فلم يخلق الإنسان أولاً، بل خلق له الشمس وأعد الكون قبل أن يخلق الإنسان، وحين طرأ الإنسان على الكون وجد فيه قوام الحياة من الجماد ومن النبات ومن الحيوان.
وقمة المسخرات للإنسان هي الحيوان؛ لأن الجماد والنبات يخدمان الحيوان، ويشترك الحيوان مع الإنسان في أنّ له حياة ودماء وجوارح. وجاء الحق عنا بالإعلان عن أعلى المنزلة في خدمة الإنسان وهو بهيمة الأنعام ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾ ويأمرنا بأن نوفي بالعقود، وله سبحانه وتعالى كل الحق فقد قدم لنا الثمن بخلق الكون مسخراً لنا وقمة المخلوقات المسخرة هي الأنعام. كأن ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾ حيثية مقدمة من الحق. ونلحظ أنه جاء هنا بصيغة المبنى للمجهول في «أحلت» ؛ لأن الإيمان جعلنا طرفاً في أن تكون بهيمة الأنعام حِلاً لنا.
ووقف العلماء عند «بهيمة الأنعام». وفي اللغة العربية نجد صيغة «فعيل» التي تأتي بمعنى «فاعل» وتأتي بمعنى «مفعول»، مثلما نقول «الله رحيم» أي أنه راحم؛ هو «فاعل»، ونقول «فلان قتيل» أي مقتول أي مفعول به. و «بهيمة الأنعام» هنا تأتي بأي معنى، أهي بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول؟، و «بهيمة» إن نظرنا إلى أنّها مبهمة؛ لأن أمورها مجهولة يصعب إدراكها علينا ولا نعرف حركتها أو إشارتها أو لغاتها التي تتفاهم بها فتكون فعيلة بمعنى مفعولة. وتصلح أن تكون فعيلة بمعنى فاعل؛ لأنها لا تفهم، ونحن المبهمون عليها. ونقول: هي محكومة بالتسخير.
ولم يصنف الإنسان طعامها وهو العلف إلا بعد أن رآها وهي سائبة حرة تتجه إلى العلف لتأكله، إذن فهي التي علمت الإنسان صنف علومها. فلا يقولن إنسان:
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾ سبحانه يستهل السورة بالوفاء بالعقود، ثم إعلان تحليل بهيمة الأنعام. ونعرف أن الإنسان قد طرأ على الكون، وأنه سبحانه قد خلق الكون أولاً. ثم خلق الإنسان فيه، وهذا من رحمة الله بالإنسان فلم يخلق الإنسان أولاً، بل خلق له الشمس وأعد الكون قبل أن يخلق الإنسان، وحين طرأ الإنسان على الكون وجد فيه قوام الحياة من الجماد ومن النبات ومن الحيوان.
وقمة المسخرات للإنسان هي الحيوان؛ لأن الجماد والنبات يخدمان الحيوان، ويشترك الحيوان مع الإنسان في أنّ له حياة ودماء وجوارح. وجاء الحق عنا بالإعلان عن أعلى المنزلة في خدمة الإنسان وهو بهيمة الأنعام ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾ ويأمرنا بأن نوفي بالعقود، وله سبحانه وتعالى كل الحق فقد قدم لنا الثمن بخلق الكون مسخراً لنا وقمة المخلوقات المسخرة هي الأنعام. كأن ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾ حيثية مقدمة من الحق. ونلحظ أنه جاء هنا بصيغة المبنى للمجهول في «أحلت» ؛ لأن الإيمان جعلنا طرفاً في أن تكون بهيمة الأنعام حِلاً لنا.
ووقف العلماء عند «بهيمة الأنعام». وفي اللغة العربية نجد صيغة «فعيل» التي تأتي بمعنى «فاعل» وتأتي بمعنى «مفعول»، مثلما نقول «الله رحيم» أي أنه راحم؛ هو «فاعل»، ونقول «فلان قتيل» أي مقتول أي مفعول به. و «بهيمة الأنعام» هنا تأتي بأي معنى، أهي بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول؟، و «بهيمة» إن نظرنا إلى أنّها مبهمة؛ لأن أمورها مجهولة يصعب إدراكها علينا ولا نعرف حركتها أو إشارتها أو لغاتها التي تتفاهم بها فتكون فعيلة بمعنى مفعولة. وتصلح أن تكون فعيلة بمعنى فاعل؛ لأنها لا تفهم، ونحن المبهمون عليها. ونقول: هي محكومة بالتسخير.
ولم يصنف الإنسان طعامها وهو العلف إلا بعد أن رآها وهي سائبة حرة تتجه إلى العلف لتأكله، إذن فهي التي علمت الإنسان صنف علومها. فلا يقولن إنسان:
2892
إنها بهيمة لا تفهم، وليعرف أنها لم تخلق لتفهم مسائل الإنسان، لأنها مسخرة له وقد يتعلم هو منها.
ودليلنا أن الله امتن على بعض المصطفين من خلقه بأن علمهم منطق الطير، فقد حزّ في نفس الهدهد أن رأى ملكة سبأ وقومها يسجدون للشمس من دون الله، وهو الطائر فقد فهم أن السجود لا يكون إلاّ لله الواحد القهار لا للشمس، وهكذا نرى الإنسان يتعلم الكثير من أخلاق الحيوانات وعاداتها؛ ولذلك نجد هواة تربية الحيوانات يتعرفون على طعام هذه الحيوانات بعد أن يتتبعوها ويعرفوا ماذا تأكل، وعن أي شي تبتعد، والفلاح يقدم البرسيم للجاموس ولا يقدم له النعناع؛ لأنه رأى الجاموس وهو حرّ لا يأكل النعناع بل يأكل البرسيم، وقال الحق على لسان النمل: ﴿ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ [النمل: ١٨]
نحن إذن الذين لا نفهم لغة النمل، ونجد البهيمة محكومة بالغريزة، لكن الإنسان يملك العقل، لكنه يغطي عقله بالهوى.
وقول الله: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ﴾ دليل على أن الذي أحلها، جعل التحليل لها في التسخير بدليل أن الحبل إن التف حول رقبة جاموسة أو رقبة خروف وقبل أن يختنق نجد الحيوان يمد رقبته، فيقول الناس: لقد طلب الحلال، فنادوا الجزار. وكأنه - وهو الحيوان - يطلب الذبح لينتفع الناس به، وكأنه يحس بالخسارة إن ضاع لحمه بلا فائدة، وهذا دليل على أنه مذلل، أما الحيوان غير المحلل فمن العجيب أنه لو حدث معه ذلك لما مد رقبته.
والأنعام هي المذكورة في قوله الحق: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين﴾ [الأنعام: ١٤٣]
ودليلنا أن الله امتن على بعض المصطفين من خلقه بأن علمهم منطق الطير، فقد حزّ في نفس الهدهد أن رأى ملكة سبأ وقومها يسجدون للشمس من دون الله، وهو الطائر فقد فهم أن السجود لا يكون إلاّ لله الواحد القهار لا للشمس، وهكذا نرى الإنسان يتعلم الكثير من أخلاق الحيوانات وعاداتها؛ ولذلك نجد هواة تربية الحيوانات يتعرفون على طعام هذه الحيوانات بعد أن يتتبعوها ويعرفوا ماذا تأكل، وعن أي شي تبتعد، والفلاح يقدم البرسيم للجاموس ولا يقدم له النعناع؛ لأنه رأى الجاموس وهو حرّ لا يأكل النعناع بل يأكل البرسيم، وقال الحق على لسان النمل: ﴿ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ [النمل: ١٨]
نحن إذن الذين لا نفهم لغة النمل، ونجد البهيمة محكومة بالغريزة، لكن الإنسان يملك العقل، لكنه يغطي عقله بالهوى.
وقول الله: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ﴾ دليل على أن الذي أحلها، جعل التحليل لها في التسخير بدليل أن الحبل إن التف حول رقبة جاموسة أو رقبة خروف وقبل أن يختنق نجد الحيوان يمد رقبته، فيقول الناس: لقد طلب الحلال، فنادوا الجزار. وكأنه - وهو الحيوان - يطلب الذبح لينتفع الناس به، وكأنه يحس بالخسارة إن ضاع لحمه بلا فائدة، وهذا دليل على أنه مذلل، أما الحيوان غير المحلل فمن العجيب أنه لو حدث معه ذلك لما مد رقبته.
والأنعام هي المذكورة في قوله الحق: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين﴾ [الأنعام: ١٤٣]
2893
وكذلك قول الرحمن: ﴿وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين﴾ [الأنعام: ١٤٤]
إنها ثمانية أزواج؛ ثم ألحق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الظباء وحمر الوحش، ولم يحرم إلا كل ذي ذنب كالسباع وكل ذي مخلب من الطير، ولو لم يقيد الله هذا التحليل لانصرف بدون قيد، ولأسأنا إلى أنفسنا بأكل الميتة والموقوذة والمتردية، ولكن الحق أنقذنا من ذلك وحرم علينا تلك الأشياء الضارة.
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ إذن فمن حق الله عليكم أيها المؤمنون أن توفوا بالعقود؛ لأنه قدم لكم الكون بكل أجناسه وكل عناصره لخدمتكم. وأحلّ أقرب الأجناس إلى الإنسان لما فيه من حياة وحس وحركة، فيقول: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ ولو لم يضع الحق ذلك التشريع لأكَل الإنسان - وهو مُحْرِمٌ - بهيمة الأنعام، وقد حرم سبحانه الصيد في اثناء الإحرام، وكذلك في حمى الحرم. والحَرَم - كما نعلم - مركزه الكعبة، وحول الكعبة المسجد.
وتختلف مناطق الإحرام وتسمى الميقات المكاني، فالميقات المكاني للحج والعمرة لمن كان خارج الحرم (ذو الحليفة) وذلك للمتوجه من المدينة وهي (آبار علي)، والجحفة وهي الآن (رابغ) للمتوجه من مصر والشام المغرب، و (يَلَمْلَم) للمتوجه من تهامة، و (قَرْن المنازل) للمتوجه من نجد اليمن ونجد الحجاز، و (ذات عرق) للمتوجه من المشرق والعراق وغيره.
أما الميقات المكاني للحج لمن بمكة فهو مكة نفسها، أما ميقات العمرة المكاني لمن بالحرم فهو الخروج لأدنى الحل وهي الجعرانة ثم التنعيم (مسجد عائشة) ثم الحديبية.
والميقات الزماني للحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، أما ميقات العمرة الزماني فهو جميع السنة إلاّ إذا كان محرما بحج أو بعمرة أخرى أو كان ذلك قبل النفر لانشغاله بالرمي والمبيت فيمتنع الإحرام بها. والتنعيم والجعرانة والحديبية، تلك هي حدود الحرم. والصيد في حدود الحرم حرم، وفي كل زمان وعلى كل إنسان، أما في غير الحرم، فالصيد حرام لمن كان محرماً فقط، وغير المحرم من حقه الصيد.
إنها ثمانية أزواج؛ ثم ألحق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الظباء وحمر الوحش، ولم يحرم إلا كل ذي ذنب كالسباع وكل ذي مخلب من الطير، ولو لم يقيد الله هذا التحليل لانصرف بدون قيد، ولأسأنا إلى أنفسنا بأكل الميتة والموقوذة والمتردية، ولكن الحق أنقذنا من ذلك وحرم علينا تلك الأشياء الضارة.
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ إذن فمن حق الله عليكم أيها المؤمنون أن توفوا بالعقود؛ لأنه قدم لكم الكون بكل أجناسه وكل عناصره لخدمتكم. وأحلّ أقرب الأجناس إلى الإنسان لما فيه من حياة وحس وحركة، فيقول: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ ولو لم يضع الحق ذلك التشريع لأكَل الإنسان - وهو مُحْرِمٌ - بهيمة الأنعام، وقد حرم سبحانه الصيد في اثناء الإحرام، وكذلك في حمى الحرم. والحَرَم - كما نعلم - مركزه الكعبة، وحول الكعبة المسجد.
وتختلف مناطق الإحرام وتسمى الميقات المكاني، فالميقات المكاني للحج والعمرة لمن كان خارج الحرم (ذو الحليفة) وذلك للمتوجه من المدينة وهي (آبار علي)، والجحفة وهي الآن (رابغ) للمتوجه من مصر والشام المغرب، و (يَلَمْلَم) للمتوجه من تهامة، و (قَرْن المنازل) للمتوجه من نجد اليمن ونجد الحجاز، و (ذات عرق) للمتوجه من المشرق والعراق وغيره.
أما الميقات المكاني للحج لمن بمكة فهو مكة نفسها، أما ميقات العمرة المكاني لمن بالحرم فهو الخروج لأدنى الحل وهي الجعرانة ثم التنعيم (مسجد عائشة) ثم الحديبية.
والميقات الزماني للحج شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، أما ميقات العمرة الزماني فهو جميع السنة إلاّ إذا كان محرما بحج أو بعمرة أخرى أو كان ذلك قبل النفر لانشغاله بالرمي والمبيت فيمتنع الإحرام بها. والتنعيم والجعرانة والحديبية، تلك هي حدود الحرم. والصيد في حدود الحرم حرم، وفي كل زمان وعلى كل إنسان، أما في غير الحرم، فالصيد حرام لمن كان محرماً فقط، وغير المحرم من حقه الصيد.
2894
وبذلك يؤدب الحق سبحانه وتعالى خلقه ويجعلهم على ذكر دائم للمنهج فيأتي لهم في مكان ويقول لهم: الصيد محرم في هذا المكان، والطعام والشراب محرم في هذا الزمان؛ كصوم رمضان. وعدة الشهور عندنا كمسلمين اثنا عشر شهرا. أربعة منها حُرُم. ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.
وفي الميقات يحرم الصيد على الحاج فقط، وهذا انضباط إيماني. وعندما يأتي الإنسان إلى الميقات فهو يحرم، أي يغير وضعه ويلبس لباساً خاصا بالحج، يلبسه كل الناس ليكون الكل سواسية؛ لأن الناس إنما يميزون بهندامهم وهيئاتهم، فيأمر سبحانه أن يطرح الإنسان هذا التمايز من فور الإحرام. وما كان من الحلال أن يفعله المسلم قبل الميقات وقد منعه الإسلام منه لا يجرؤ على أن يفعله بعد الميقات والإحرام.
ويستطيع المسلم قبل الميقات أن يحلق ويتطيب ويصطاد ويقطع من النبات؛ لكنه ما إن يبدأ الإحرام يمتنع عن ذلك حتى يستعد لما يشحن أعماقه بالوجود مع المنعم لا مع النعمة، هذا هو التهيؤ للدخول إلى بيت المنعم، ولذلك يضع المسلم النعمة على جانب ليبقى مع المنعم. ويمنع الإنسان أن يصيد في الحرم محرماً كان أو غير محرم ليشعر الكل أن الحرم لله فقط. وتستعد كل النفوس للقاء المهابة. ويمتنع الإنسان من أول الميقات عن أشياء كثيرة بداية من الصيد والاستمتاع بالحقوق الزوجية؛ ثم يدخل منطقة يحرم فيها الصيد على كل الناس كرمز للمهابة.
ويحج المسلم في حياته مرة واحدة كأداء الفريضة؛ وفي كل مرة تحج وتقصد بيت ربّك يوضح الله لك فيها: لا تنشغل بالنعم لأنك ذاهب إلى المنعم، ويمحو سبحانه بالحج كل الذنوب. ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ فإن أردناها محرمين فهي صحيحة، وإن أردناها للحرم فهي صحيحة؛ لأن الصيد محرم في منطقة الحرم للحاج أو لغيره.
ويذيل الحق الآية: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ وسبحانه بدأ الاية بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ هكذا نرى أن التذييل منطقي يتفق فيه آخر الآية مع صدرها؛ لأن الله حين يخاطب المؤمنين الذين آمنوا به، فمن لوازم الإيمان أن ينفذوا حكم الله الذي
وفي الميقات يحرم الصيد على الحاج فقط، وهذا انضباط إيماني. وعندما يأتي الإنسان إلى الميقات فهو يحرم، أي يغير وضعه ويلبس لباساً خاصا بالحج، يلبسه كل الناس ليكون الكل سواسية؛ لأن الناس إنما يميزون بهندامهم وهيئاتهم، فيأمر سبحانه أن يطرح الإنسان هذا التمايز من فور الإحرام. وما كان من الحلال أن يفعله المسلم قبل الميقات وقد منعه الإسلام منه لا يجرؤ على أن يفعله بعد الميقات والإحرام.
ويستطيع المسلم قبل الميقات أن يحلق ويتطيب ويصطاد ويقطع من النبات؛ لكنه ما إن يبدأ الإحرام يمتنع عن ذلك حتى يستعد لما يشحن أعماقه بالوجود مع المنعم لا مع النعمة، هذا هو التهيؤ للدخول إلى بيت المنعم، ولذلك يضع المسلم النعمة على جانب ليبقى مع المنعم. ويمنع الإنسان أن يصيد في الحرم محرماً كان أو غير محرم ليشعر الكل أن الحرم لله فقط. وتستعد كل النفوس للقاء المهابة. ويمتنع الإنسان من أول الميقات عن أشياء كثيرة بداية من الصيد والاستمتاع بالحقوق الزوجية؛ ثم يدخل منطقة يحرم فيها الصيد على كل الناس كرمز للمهابة.
ويحج المسلم في حياته مرة واحدة كأداء الفريضة؛ وفي كل مرة تحج وتقصد بيت ربّك يوضح الله لك فيها: لا تنشغل بالنعم لأنك ذاهب إلى المنعم، ويمحو سبحانه بالحج كل الذنوب. ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ فإن أردناها محرمين فهي صحيحة، وإن أردناها للحرم فهي صحيحة؛ لأن الصيد محرم في منطقة الحرم للحاج أو لغيره.
ويذيل الحق الآية: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ وسبحانه بدأ الاية بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ هكذا نرى أن التذييل منطقي يتفق فيه آخر الآية مع صدرها؛ لأن الله حين يخاطب المؤمنين الذين آمنوا به، فمن لوازم الإيمان أن ينفذوا حكم الله الذي
2895
آمنوا به ومادام المؤمن قد آمن بالله إلهاً فليتجه إلى ما يريده الله من أحكام ليفعلها لكن عمومية الآية قد تجعل واحداً يعزل الآية عن صدرها، رغبة في التشكيك في الإسلام، فيقول: إن الله يقول إنه يحكم ما يريد، وقد أراد من الناس من يؤمن ومن لا يؤمن، فكيف يقول: ﴿يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾، بينما لا يؤمن الكل؟.
ونقول: لا تعزل الآية عن صدرها؛ لأن الله إنما يخاطب في هذه الآية من آمن به رباً، ومن آمن بالإله يعمد ويقصد ويتجه إلى ما يريده الله من حكم ليطبقه. ولا يعتقدَنَّ أحد أنّ الكافرين خارجون عن إرادته سبحانه في قوله: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ فالذي تمرد على حكم الله يقتضيه المنطق أن يظل متمرداً على حكم الإله.
لكن المتمرد على حكم الله التكليفي الشرعي لا يجرؤ ولا يملك أن يكون منطقياً مع نفسه، فإن حكم الله عليه بالضعف. فليقل للضعف: لا، أنا لن أضعف وأنا قوي. لا أحد يملك من مثل هذا الأمر شيئاً. المتمرد يأخذه ملك الموت وهو غير مريض، فماذا إذن يصنع تمرد المتمرد إزاء الموت؟
إذن هناك أمور يخضع فيها الإنسان - كل إنسان - لحكم الله. وخضوع الإنسان لحكم الله في بعض الأمور أقوى من خضوع المؤمن لها؛ لأن المؤمن حين آمن بالله يستقبل الموت - على سبيل المثال - كحكم من الله، أما المتمرد الذي لا يصلي ولا يؤدي أي أمر تكليفي، ويتعرض للأغيار بما فيها الموت، فهو يعاني من كل ذلك مشقَّة وَحِدّة تفوق حدة استقبال المؤمن للأغيار أو الموت.
إذن فقوله الحق: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ هو قضية عامة؛ لأن الذي تمرد على حكمه سبحانه فيما له فيه اختيار، كان من الواجب أن يكون منطقياً مع نفسه، فيتمرد على حكم يجريه الله عليه، وذلك بعكس كثير من الاحكام الوضعية فإنها لا تقوى على هذا التمرد، ويكون هنا حكم الله أقوى؛ لأن المتمرد لن يجرؤ على الرد على أمر الله. فلا يظنن ظان أن الله جعل للاختيار في العبد طلاقة، لكنه جعل للاختيار في العبد تقييداً، وللقدرة القادرة طلاقة، فإن تمرد متمرد على الإيمان؛ فلن يجرؤ على التمرد في أشياء أخرى. إذن فالله يحكم ما يريد.
ونقول: لا تعزل الآية عن صدرها؛ لأن الله إنما يخاطب في هذه الآية من آمن به رباً، ومن آمن بالإله يعمد ويقصد ويتجه إلى ما يريده الله من حكم ليطبقه. ولا يعتقدَنَّ أحد أنّ الكافرين خارجون عن إرادته سبحانه في قوله: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ فالذي تمرد على حكم الله يقتضيه المنطق أن يظل متمرداً على حكم الإله.
لكن المتمرد على حكم الله التكليفي الشرعي لا يجرؤ ولا يملك أن يكون منطقياً مع نفسه، فإن حكم الله عليه بالضعف. فليقل للضعف: لا، أنا لن أضعف وأنا قوي. لا أحد يملك من مثل هذا الأمر شيئاً. المتمرد يأخذه ملك الموت وهو غير مريض، فماذا إذن يصنع تمرد المتمرد إزاء الموت؟
إذن هناك أمور يخضع فيها الإنسان - كل إنسان - لحكم الله. وخضوع الإنسان لحكم الله في بعض الأمور أقوى من خضوع المؤمن لها؛ لأن المؤمن حين آمن بالله يستقبل الموت - على سبيل المثال - كحكم من الله، أما المتمرد الذي لا يصلي ولا يؤدي أي أمر تكليفي، ويتعرض للأغيار بما فيها الموت، فهو يعاني من كل ذلك مشقَّة وَحِدّة تفوق حدة استقبال المؤمن للأغيار أو الموت.
إذن فقوله الحق: ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ هو قضية عامة؛ لأن الذي تمرد على حكمه سبحانه فيما له فيه اختيار، كان من الواجب أن يكون منطقياً مع نفسه، فيتمرد على حكم يجريه الله عليه، وذلك بعكس كثير من الاحكام الوضعية فإنها لا تقوى على هذا التمرد، ويكون هنا حكم الله أقوى؛ لأن المتمرد لن يجرؤ على الرد على أمر الله. فلا يظنن ظان أن الله جعل للاختيار في العبد طلاقة، لكنه جعل للاختيار في العبد تقييداً، وللقدرة القادرة طلاقة، فإن تمرد متمرد على الإيمان؛ فلن يجرؤ على التمرد في أشياء أخرى. إذن فالله يحكم ما يريد.
2896
ومن بعد ذلك يقول الحق: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ... ﴾
2897
بداية هذه الآية تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله﴾ وهي تأتي بعد آية اَحَلّت أشياءَ، كأن الحق يقول للعبد: مادمت قد أعطيت فأنا أمنع عنك؛ أعطيتك أشياء وأمنعك أشياء. وسبحانه حين يخطر على الإنسان شيئاً ويمنعه منه؛ فهو يعطي هذا الشيء لأخ مؤمن، ومادام الأمر كذلك فلا يستطيع ولا يصح أن تنظر إلى الشيء المسلوب منك فقط بل انظر إلى المسلوب من غيرك بالنسبة لك.
وعلى سبيل المثال حين يأمرك الحق: «لا تسرق»، فأنت شخص واحد، ويقيد سبحانه حريتك بهذا الأمر، وقيد في الوقت نفسه حرية كل الناس بالنسبة إليك. وعندما تقارن الأمر بالنسبة لنفسك تجد أنك المستفيد أساساً؛ لأن كل الناس ستطبق حكم الله بألا يسرقوا منك شيئاً، وفي هذا خدمة لكل عبد. وهب أن واحداً سرق، إنه لن يستطيع أن يسرق من كل الناس. ولو سرق ألف من الناس شخصاً واحداً فما الذي يبقى له؟!
وحين يأمر الحق العبد ألا ينظر إلى محارم غيره، فظاهر الأمر أنّه تقييد لحركة
وعلى سبيل المثال حين يأمرك الحق: «لا تسرق»، فأنت شخص واحد، ويقيد سبحانه حريتك بهذا الأمر، وقيد في الوقت نفسه حرية كل الناس بالنسبة إليك. وعندما تقارن الأمر بالنسبة لنفسك تجد أنك المستفيد أساساً؛ لأن كل الناس ستطبق حكم الله بألا يسرقوا منك شيئاً، وفي هذا خدمة لكل عبد. وهب أن واحداً سرق، إنه لن يستطيع أن يسرق من كل الناس. ولو سرق ألف من الناس شخصاً واحداً فما الذي يبقى له؟!
وحين يأمر الحق العبد ألا ينظر إلى محارم غيره، فظاهر الأمر أنّه تقييد لحركة
2897
العبد، لكن الواقع أنه سبحانه قيد حركة الناس كلها من أجل هذا العبد، وأمرهم ألا ينظروا إلى محارم غيرهم.
إذن ساعة ترى أيها المسلم نهياً أمر به الله، فلا تصب النهي عليك. ولكن صب النهي أيضا على كل الناس بالنسبة لك. وساعة يقول الحق: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله﴾ أي لا تجعلوا شعائر الله حلالاً. والشعائر هي معالم الدين كلها. ونقول «هذه الدولة شعارها النسر» معنى ذلك أننا إذا رأينا الشعار نعرف البلد. وكذلك أعلام الدول، فهذا علم لمصر، وذاك علم لانجلترا، وثالث علم لفرنسا، وكل محافظة في مصر - على سبيل المثال - تضع لنفسها شعاراً وعلماً، إذن فالشعار هو المَعْلَم الذي يدل على الشيء. وشعائر الله هي معالم دين الله المتركزة في «افعل» و «لا تفعل» زماناً ومكاناً، عقائد وأحكاماً.
لكن الشعائر غلبت على ما نسميه مناسك الحج، وأول عملية في مناسك الحج هي الإحرام، أي لا نهمل الإحرام. ومن شعائر الحج الطواف، فلا تحل شعائر الله، ووجب عليك أن تطوف حول البيت، وكذلك السعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفات، ورمي الجمار، كل هذه شعائر الله التي أمر ألا يحلها المؤمنون، أي أمر - سبحانه - ألا يتهاونوا فيها؛ لأن هذه الشعائر هي الضابط الإيماني. وأن ننظر إلى أن أمر الله لكل حاج أو معتمر بالإحرام هو أمر بالعزلة لبعض الوقت عن النعمة؛ لأن الإنسان يذهب للحج في رحلة إلى المنعم. وأن الإنسان يغير ملابسه بملابس موحدة ولا يتفاضل فيها أحد على أحد؛ لأن الناس في الحياة اليومية تتفاضل بهندامهم، وتدل الملابس على مواقعهم الاجتماعية.
وعندما يخلعون جميعاً ملابسهم ويرتدون لباساً جديداً موحداً، تكون السمة المميزة هي إعلان الولاء لله.
وكذلك عندما يأتي الأمر بألا يقص الإنسان شعرة منه سواء أكان عظيماً في مجتمعه أم فقيراً ويتراءى الناس جميعاً وينظر بعضهم إلى بعض فيجدون أنهم على سواء على الرغم من اختلاف منازلهم وأقدارهم وتكون ذلة الكبير مساوية لذلة الصغير. وذلك انضباط إيماني لا بين الإنسان والمساوي له، ولكنه الانضباط مع الكون كله، بكل أجناسه. فالشجرة بجانب الحرم محرم على كل إنسان أن يقطعها أو يقطع جزءا منها. وبذلك يأمن النبات في الحرم، وكذلك الحمام والحيوانات وأيضاً يأمن
إذن ساعة ترى أيها المسلم نهياً أمر به الله، فلا تصب النهي عليك. ولكن صب النهي أيضا على كل الناس بالنسبة لك. وساعة يقول الحق: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله﴾ أي لا تجعلوا شعائر الله حلالاً. والشعائر هي معالم الدين كلها. ونقول «هذه الدولة شعارها النسر» معنى ذلك أننا إذا رأينا الشعار نعرف البلد. وكذلك أعلام الدول، فهذا علم لمصر، وذاك علم لانجلترا، وثالث علم لفرنسا، وكل محافظة في مصر - على سبيل المثال - تضع لنفسها شعاراً وعلماً، إذن فالشعار هو المَعْلَم الذي يدل على الشيء. وشعائر الله هي معالم دين الله المتركزة في «افعل» و «لا تفعل» زماناً ومكاناً، عقائد وأحكاماً.
لكن الشعائر غلبت على ما نسميه مناسك الحج، وأول عملية في مناسك الحج هي الإحرام، أي لا نهمل الإحرام. ومن شعائر الحج الطواف، فلا تحل شعائر الله، ووجب عليك أن تطوف حول البيت، وكذلك السعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفات، ورمي الجمار، كل هذه شعائر الله التي أمر ألا يحلها المؤمنون، أي أمر - سبحانه - ألا يتهاونوا فيها؛ لأن هذه الشعائر هي الضابط الإيماني. وأن ننظر إلى أن أمر الله لكل حاج أو معتمر بالإحرام هو أمر بالعزلة لبعض الوقت عن النعمة؛ لأن الإنسان يذهب للحج في رحلة إلى المنعم. وأن الإنسان يغير ملابسه بملابس موحدة ولا يتفاضل فيها أحد على أحد؛ لأن الناس في الحياة اليومية تتفاضل بهندامهم، وتدل الملابس على مواقعهم الاجتماعية.
وعندما يخلعون جميعاً ملابسهم ويرتدون لباساً جديداً موحداً، تكون السمة المميزة هي إعلان الولاء لله.
وكذلك عندما يأتي الأمر بألا يقص الإنسان شعرة منه سواء أكان عظيماً في مجتمعه أم فقيراً ويتراءى الناس جميعاً وينظر بعضهم إلى بعض فيجدون أنهم على سواء على الرغم من اختلاف منازلهم وأقدارهم وتكون ذلة الكبير مساوية لذلة الصغير. وذلك انضباط إيماني لا بين الإنسان والمساوي له، ولكنه الانضباط مع الكون كله، بكل أجناسه. فالشجرة بجانب الحرم محرم على كل إنسان أن يقطعها أو يقطع جزءا منها. وبذلك يأمن النبات في الحرم، وكذلك الحمام والحيوانات وأيضاً يأمن
2898
لإنسان؛ لأن الجميع في حَرمِ رب الجميع، وتلك مسألة تصنع رعشة ورهبة إيمانية في النفس البشرية. وتكون فترة الحج هي فترة الانضباط الإيماني. وتتوافق فيها كل أجناس الوجود. فالإنسان يتساوى مع الإنسان ولا يلمس الحيوانَ كذلك النباتَ، ويبقى الجماد وهو خادم الجميع من أجناس الكون؛ لأن الحيوان يخدم الإنسان، والنبات يخدم الحيوان، والجماد يخدم الكل، وهو خادم غير مخدوم. ويصنع الحق حماية للجماد في الكعبة نفسها، فيأمر الناس باستلام الحجر الأسود أو بتقبيله إذا تيسر ذلك أو بالإشارة إليه.
فهذا السيد العالي - الإنسان - على النبات والحيوان يأتي إلى جماد فيعظمه ويوقره، فالذي لا يستطيع تقبيل الحجر الأسود عليه تحيته بأن يشير إليه بيده، حتى يكون الحج مقبولاً منه؛ لذلك يتزاحم الناس للذهاب إلى الحجر الأسود، وهكذا يكون الجماد مصوناً في بيت الله الحرام. ويعوضه الله بأن جعله منسكاً، وجعله شعيرة وجعل الناس تزدحم عليه وتقبله بينما لا يقبل الإنسان الحيوان أو النبات، لكنه يقبّل الجماد أدنى الأجناس. وهذه قمة التوازن الوجودي. فالإنسان المختار المتعالي على الأجناس يذهب صاغراً لتقبيل أو استلام الحجر الأسود بأمر الله.
ويرجم الإنسان حجراً آخر هو رمز إبليس، وذلك حتى يعرف الإنسان أن الحجرية ليست قيمة في حد ذاتها، ولكنها أوامر الآمر الأعلى، حتى لا يستقر في ذهن الإنسان تعظيم الحجر، فالحاج يقبل حجراً ويرجم ويرمي حجراً آخر.
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله﴾ ؛ لأن الله جعل الشعائر لتحقق الانضباط الإيماني، وبقاء ذكر الاستخلاف لله فلا يدعي أحد أنه أصيل في الكون، بل الكل عبيد لله. والوجود كله هو سلسلة من الخدمة؛ فالإنسان يخدم الإنسان، والحيوان يخدم الإنسان، والنبات يخدم الإنسان والحيوان، والجماد يخدم الكل؛ لكن لا أحد أفضل من أحد، بل الجماد نفسه مسبح بحمد الله، وقد لا يسبح الإنسان. ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [الأحزاب: ٧٢]
فهذا السيد العالي - الإنسان - على النبات والحيوان يأتي إلى جماد فيعظمه ويوقره، فالذي لا يستطيع تقبيل الحجر الأسود عليه تحيته بأن يشير إليه بيده، حتى يكون الحج مقبولاً منه؛ لذلك يتزاحم الناس للذهاب إلى الحجر الأسود، وهكذا يكون الجماد مصوناً في بيت الله الحرام. ويعوضه الله بأن جعله منسكاً، وجعله شعيرة وجعل الناس تزدحم عليه وتقبله بينما لا يقبل الإنسان الحيوان أو النبات، لكنه يقبّل الجماد أدنى الأجناس. وهذه قمة التوازن الوجودي. فالإنسان المختار المتعالي على الأجناس يذهب صاغراً لتقبيل أو استلام الحجر الأسود بأمر الله.
ويرجم الإنسان حجراً آخر هو رمز إبليس، وذلك حتى يعرف الإنسان أن الحجرية ليست قيمة في حد ذاتها، ولكنها أوامر الآمر الأعلى، حتى لا يستقر في ذهن الإنسان تعظيم الحجر، فالحاج يقبل حجراً ويرجم ويرمي حجراً آخر.
﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله﴾ ؛ لأن الله جعل الشعائر لتحقق الانضباط الإيماني، وبقاء ذكر الاستخلاف لله فلا يدعي أحد أنه أصيل في الكون، بل الكل عبيد لله. والوجود كله هو سلسلة من الخدمة؛ فالإنسان يخدم الإنسان، والحيوان يخدم الإنسان، والنبات يخدم الإنسان والحيوان، والجماد يخدم الكل؛ لكن لا أحد أفضل من أحد، بل الجماد نفسه مسبح بحمد الله، وقد لا يسبح الإنسان. ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [الأحزاب: ٧٢]
2899
وهذا الأمر بعدم الحل لشعائر الله جعل كل عشيرة تأخذ حقا من التقدير والاحترام، ولا يظنن ظان أن شعيرة من الشعائر ستأخذ لذاتها تقديساً ذاتياً، بل كله تقديس موهوب من الله ويسلبه الله.
﴿لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله وَلاَ الشهر الحرام﴾ أي لا تحلوا الشهر الحرام، أي عليكم أن تحرموا هذا الشهر الحرام، فقد جعله الله شهراً حراماً لمصلحة الإنسان، ويحمي به سبحانه عزة وذلة الإنسان أمام عدوه، يحمي انكسار نفس الضعيف أمام القوي. فالقويّ القادر على القتال قد تهفو نفسه إلى أن يتوقف عن الحرب فترة يلتقط فيها الأنفاس، ولو فعل ذلك لكان إعلاناً للتخاذل أمام الخصم، ولذلك يأتي الحق بزمان يقول فيه: أنا حرمت الحرب في الأشهر الحرم. هنا يقول المقاتل: لقد حرم الله القتال في الأشهر الحرم، وتلك حماية للإنسان، وليذوق لذة الأمن والسلام والطمأنينة؛ فقد يعشق الإنسان القوي السلامَ من بعد ذلك.
لماذا إذن جاء الحق هنا بالشهر الحرام بينما نحن نعرف أن الأشهر الحرم أربعة؟ إن نظرنا إلى الأشهر الحرم كجنس فهي تطلق على كل شهر من الشهور الأربعة، وإذا اعتبرنا الشهر الحرام أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، فالمعنى صحيح ونعرف أن الأشهر الحرم أربعة، ثلاثة متصلة، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد منفصل هو رجب، وسبحانه وتعالى يعلم أن كل فعل من الأفعال لابد له من زمان ولابد له من مكان. فحبن لا يوجد حدث، لا يوجد زمان ولامكان، ولم يأت الزمان والمكان إلا بعد أن أحدث الله في كونه شيئاً. ولا يقولن واحد: متى كان الله ولا أين كان الله؛ لأن «متى» و «أين» من مخلوقات الله. وجعل سبحانه لكل حدث زماناً ومكاناً. ولذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى ليحمي عزة الناس وليجعل لهم من تشريعه الرحيم ستاراً يستتر فيه ضعيفهم، ويراجع فيه قويُّهم لعله يرعوي ويرجع عن غيّه وظلمه فأوجد أماكن محرمة، وأزمنة محرمة، والأماكن المحرمة هي التي عند الحرم: ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ [آل عمران: ٩٧]
حيث يُؤَمَّن الإنسان أخاه الإنسان إذا ما دخل الحرم. وكذلك في الزمان جعل سبحانه الأشهر الحرم.
﴿لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله وَلاَ الشهر الحرام﴾ أي لا تحلوا الشهر الحرام، أي عليكم أن تحرموا هذا الشهر الحرام، فقد جعله الله شهراً حراماً لمصلحة الإنسان، ويحمي به سبحانه عزة وذلة الإنسان أمام عدوه، يحمي انكسار نفس الضعيف أمام القوي. فالقويّ القادر على القتال قد تهفو نفسه إلى أن يتوقف عن الحرب فترة يلتقط فيها الأنفاس، ولو فعل ذلك لكان إعلاناً للتخاذل أمام الخصم، ولذلك يأتي الحق بزمان يقول فيه: أنا حرمت الحرب في الأشهر الحرم. هنا يقول المقاتل: لقد حرم الله القتال في الأشهر الحرم، وتلك حماية للإنسان، وليذوق لذة الأمن والسلام والطمأنينة؛ فقد يعشق الإنسان القوي السلامَ من بعد ذلك.
لماذا إذن جاء الحق هنا بالشهر الحرام بينما نحن نعرف أن الأشهر الحرم أربعة؟ إن نظرنا إلى الأشهر الحرم كجنس فهي تطلق على كل شهر من الشهور الأربعة، وإذا اعتبرنا الشهر الحرام أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، فالمعنى صحيح ونعرف أن الأشهر الحرم أربعة، ثلاثة متصلة، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد منفصل هو رجب، وسبحانه وتعالى يعلم أن كل فعل من الأفعال لابد له من زمان ولابد له من مكان. فحبن لا يوجد حدث، لا يوجد زمان ولامكان، ولم يأت الزمان والمكان إلا بعد أن أحدث الله في كونه شيئاً. ولا يقولن واحد: متى كان الله ولا أين كان الله؛ لأن «متى» و «أين» من مخلوقات الله. وجعل سبحانه لكل حدث زماناً ومكاناً. ولذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى ليحمي عزة الناس وليجعل لهم من تشريعه الرحيم ستاراً يستتر فيه ضعيفهم، ويراجع فيه قويُّهم لعله يرعوي ويرجع عن غيّه وظلمه فأوجد أماكن محرمة، وأزمنة محرمة، والأماكن المحرمة هي التي عند الحرم: ﴿وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ [آل عمران: ٩٧]
حيث يُؤَمَّن الإنسان أخاه الإنسان إذا ما دخل الحرم. وكذلك في الزمان جعل سبحانه الأشهر الحرم.
2900
لقد أخذ الحق الحدث للزمان والمكان. وكان القوي قديماً يحارب ويقترب من النصر. وعندما يهل الشهر الحرام يستمر في الحرب، ثم يعلن أن الشهر الحرام هو الذي سيأتي بعد الحرب، ولذلك يأمر سبحانه بعدم تغيير زمان الشهر الحرام؛ لأن الله يريد بالشهر الحرام أن ينهي سعار الحرب.
وبعد ذلك يقول الحق: ﴿وَلاَ الهدي﴾ والهدي هو ما يهدي إلى الحرم؛ وهو جمع هدية، وهناك من يقدم للكعبة هدية، ومجموع الهدايا تسمى هدياً. وهدي الحرم إنما جعله الله للحرم؛ فالحرم قديماً كان بوادٍ غير ذي زرع، ولم تكن به حيوانات كثيرة.
وكانوا يأتون بالهدي معهم عندما يحجون، لذلك حرم الله الاقتراب من الهدي لأنها هدايا إلى الحرم. والحجيج أفواج كثيرة، وعندما يأتي أناس كثيرون في واد غير ذي زرع يحتاجون إلى الطعام، ولا يصح أن يجعل المؤمن الهدي لغير ما أهدي إليه، فقد يشتاق إنسان صحب معه الهدي إلى أكل اللحم وهو في الطريق إلى الكعبة فيذبحه ليأكل منه؛ وهذا الفعل حرام؛ لأن الهدي إنما جاء إلى الحرم ويجب أن يُهدى ويقدم إلى الحرم. وعلى الإنسان أن يصون هدي غيره أيضاً.
﴿وَلاَ القلائد﴾ وهي جمع «قلادة» والقلادة هي ما تعلق بالرقبة. وقديماً كان الذاهب إلى الحج يخاف على الهدي أن يشرد منه؛ لذلك كانوا يضعون حول عنق الهدي قلادة حتى يعرف من يراه أنه «هدي» ذاهب إلى الحرم. والهدي الأول هو الهدي العام الذي لا قلائد حول عنقه، والقلائد تعبر عن الهدي الذي توجد حول رقابه قلائد وتدل عليه وتكون علامة على أنه مهدي إلى الحرم، وقد يكون النهي هنا حتى عن استحلال القلادة التي حول رقبة الهدي حتى لا تضيع الحكمة. والحق سبحانه وتعالى حين يعبر بعبارة ما فهو يعبر بعبارة تؤدي المعنى ببلاغة.
وكانوا قديماً عندما لا يجدون قلادة يأخذون لحاء الشجر وقشره ويقطعون منه قطعة ويربطونها حول رقبة الهدي، وذلك حتى يعرف الناس أن هذا هدي ذاهب إلى الحرم. ويضمن سبحانه اقتيات الوافد إليه. لا من القوت العادي ولكن يطعمه من اللحم أيضاً، ويجعل ذلك من ضمن المناسك. أليس هو من دعا هؤلاء الناس إلى الحج؟ أليس هؤلاء هم ضيوف الرحمن؟!
إن الإنسان منا يقوم بذبح الذبائح لضيوفه، فما بالنا بالحق الأعلى سبحانه
وبعد ذلك يقول الحق: ﴿وَلاَ الهدي﴾ والهدي هو ما يهدي إلى الحرم؛ وهو جمع هدية، وهناك من يقدم للكعبة هدية، ومجموع الهدايا تسمى هدياً. وهدي الحرم إنما جعله الله للحرم؛ فالحرم قديماً كان بوادٍ غير ذي زرع، ولم تكن به حيوانات كثيرة.
وكانوا يأتون بالهدي معهم عندما يحجون، لذلك حرم الله الاقتراب من الهدي لأنها هدايا إلى الحرم. والحجيج أفواج كثيرة، وعندما يأتي أناس كثيرون في واد غير ذي زرع يحتاجون إلى الطعام، ولا يصح أن يجعل المؤمن الهدي لغير ما أهدي إليه، فقد يشتاق إنسان صحب معه الهدي إلى أكل اللحم وهو في الطريق إلى الكعبة فيذبحه ليأكل منه؛ وهذا الفعل حرام؛ لأن الهدي إنما جاء إلى الحرم ويجب أن يُهدى ويقدم إلى الحرم. وعلى الإنسان أن يصون هدي غيره أيضاً.
﴿وَلاَ القلائد﴾ وهي جمع «قلادة» والقلادة هي ما تعلق بالرقبة. وقديماً كان الذاهب إلى الحج يخاف على الهدي أن يشرد منه؛ لذلك كانوا يضعون حول عنق الهدي قلادة حتى يعرف من يراه أنه «هدي» ذاهب إلى الحرم. والهدي الأول هو الهدي العام الذي لا قلائد حول عنقه، والقلائد تعبر عن الهدي الذي توجد حول رقابه قلائد وتدل عليه وتكون علامة على أنه مهدي إلى الحرم، وقد يكون النهي هنا حتى عن استحلال القلادة التي حول رقبة الهدي حتى لا تضيع الحكمة. والحق سبحانه وتعالى حين يعبر بعبارة ما فهو يعبر بعبارة تؤدي المعنى ببلاغة.
وكانوا قديماً عندما لا يجدون قلادة يأخذون لحاء الشجر وقشره ويقطعون منه قطعة ويربطونها حول رقبة الهدي، وذلك حتى يعرف الناس أن هذا هدي ذاهب إلى الحرم. ويضمن سبحانه اقتيات الوافد إليه. لا من القوت العادي ولكن يطعمه من اللحم أيضاً، ويجعل ذلك من ضمن المناسك. أليس هو من دعا هؤلاء الناس إلى الحج؟ أليس هؤلاء هم ضيوف الرحمن؟!
إن الإنسان منا يقوم بذبح الذبائح لضيوفه، فما بالنا بالحق الأعلى سبحانه
2901
وتعالى؟ لذلك جعل الهدي طعاماً لضيوفه. وتزدحم الناس في منى وعرفات بكثرة لا حدود لها، ولابد أن يكرمهم الله بألذ وأطيب الطعام، والفقير يذهب إلى المذبح ويأخذ من اللحم أطيبه ويقوم بتجفيفه في الهواء والشمس ويخزنه ليطعم منه طويلا وهو ما يعرف ويسمى بالقديد. والحق سبحانه وتعالى يأتي بالحكم بطريقة لها منتهى البلاغة، فهو يحرم حتى قلادة الهدي أن يلمسها أحد.
ويقول سبحانه: ﴿وَلاَ الشهر الحرام وَلاَ الهدي وَلاَ القلائد ولا آمِّينَ البيت الحرام يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً﴾ أي لا تمنعوا أناساً ذاهبين إلى بيت الله الحرام ولا تصدوهم عن السبيل، فهم وفد الله. وقد جاء هذا القول قبل أن يُنَزَّل الحق قوله: ﴿إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨]
وكان غير المسلمين يحجون بيت الله الحرام من قبل نزول هذه الآية، فلم يكن الحكم قد صدر. ونتساءل: هل الكافرون بالله يبتغون فضلاً من الله؟. نعم ففضل الله يغمر الجميع حتى الكافر، لكن رضوان الله لا يكون على الكافر.
والفضل من التجارة التي كانوا يتاجرون بها، وفضل الله موجود حتى في أيامنا هذه على الكفار أيضاً.
لكن كيف يتأتى رضوان الله على الكافر؟. إنه رضوان الله المتوهم في معتقدهم. فهم يعتقدون أنهم يفعلون ذلك إرضاءً لله. وتتجلى دقة القرآن حين يقول: ﴿فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً﴾، فلم يقل: فضلاً من الله ورضواناً؛ لأن العبد المؤمن هو من يختص بتنفيذ التكاليف الإيمانية.
ولله عطاءان: عطاء الربوبية، فهو المربي الذي استدعى إلى الكون المؤمن والكافر - وسبحانه - سخر الأسباب للكل؛ هذا هو عطاء الربوبية، فالشمس تشرق على المؤمن والكافر، والأسباب قد تعطي المؤمن والكافر، أما عطاء الألوهية فيتمثل في «افعل» و «لا تفعل». ويقول الحق هنا: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ﴾. إذن فجناحا المنهج الإيماني - افعل ولا تفعل - ليست في بالهم. ومن بعد ذلك يقول الحق: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا﴾ أي إذا انتهى الإحرام، وبعد أن يخرج الحاج من الحرم ويتحلل من إحرامه فمن حقه أن يصطاد.
ويقول سبحانه: ﴿وَلاَ الشهر الحرام وَلاَ الهدي وَلاَ القلائد ولا آمِّينَ البيت الحرام يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً﴾ أي لا تمنعوا أناساً ذاهبين إلى بيت الله الحرام ولا تصدوهم عن السبيل، فهم وفد الله. وقد جاء هذا القول قبل أن يُنَزَّل الحق قوله: ﴿إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨]
وكان غير المسلمين يحجون بيت الله الحرام من قبل نزول هذه الآية، فلم يكن الحكم قد صدر. ونتساءل: هل الكافرون بالله يبتغون فضلاً من الله؟. نعم ففضل الله يغمر الجميع حتى الكافر، لكن رضوان الله لا يكون على الكافر.
والفضل من التجارة التي كانوا يتاجرون بها، وفضل الله موجود حتى في أيامنا هذه على الكفار أيضاً.
لكن كيف يتأتى رضوان الله على الكافر؟. إنه رضوان الله المتوهم في معتقدهم. فهم يعتقدون أنهم يفعلون ذلك إرضاءً لله. وتتجلى دقة القرآن حين يقول: ﴿فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً﴾، فلم يقل: فضلاً من الله ورضواناً؛ لأن العبد المؤمن هو من يختص بتنفيذ التكاليف الإيمانية.
ولله عطاءان: عطاء الربوبية، فهو المربي الذي استدعى إلى الكون المؤمن والكافر - وسبحانه - سخر الأسباب للكل؛ هذا هو عطاء الربوبية، فالشمس تشرق على المؤمن والكافر، والأسباب قد تعطي المؤمن والكافر، أما عطاء الألوهية فيتمثل في «افعل» و «لا تفعل». ويقول الحق هنا: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ﴾. إذن فجناحا المنهج الإيماني - افعل ولا تفعل - ليست في بالهم. ومن بعد ذلك يقول الحق: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا﴾ أي إذا انتهى الإحرام، وبعد أن يخرج الحاج من الحرم ويتحلل من إحرامه فمن حقه أن يصطاد.
2902
﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام﴾ وقبل أن ينزل تحريم زيارة المشركين للبيت الحرام كان من حسن المعاملة ألا يأخذ المؤمنون الكفار الذين يزورون البيت الحرام فيعتدوا عليهم انتقاماً لما فعله الكفار من قبل؛ لذلك أمر الحق المؤمنين ألا يقولوا: ها هم أولاء قد جاءوا لنا فلنرد لهم الصاع صاعين مثلما فعلوا معنا في صلح الحديبية عندما منعونا من البيت الحرام. لأنكم أيها المؤمنون قد أخذتم من الله القوامة على منهجه في الأرض، والقائم على منهج الله في الأرض يجب ألا تكون له ذاتية ولا عصبية أسرية، ولا عصبية قبلية؛ لأنه جاء ليهيمن على الدنيا كلها، ومن الصَّغار أن ينتقم المؤمن من الكافر عندما يأتي إلى بيت الله. ولا يليق ذلك بمهمة القوامة على منهج الله.
ولذلك قال الحق لرسوله: ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾ [النساء: ١٠٥]
وحينما أمر الحق رسوله أن يحكم بين الناس فذلك الحكم يقتضي عدم تمييز المؤمن على الكافر؛ لأن المسلمين هم القُوَّام، وهم خير أمة أخرجها الله للناس كافة. ولو فهم الناس أن خير الأمة الإسلامية عائد عليهم لما حاربوها.
فنحن - المسلمين - لسنا خيراً لأنفسنا فقط، ولكننا أمة لخير الناس جميعاً. ولذلك قال الحق: ﴿لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ﴾ أي لا يصح أن يحملكم الغضب على قوم أن تعتدوا عليهم لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام عام الحديبية. وعندما يسمع الكافر أن الله سبحانه وتعالى يوصي من آمن به على من كفر به ماذا يكون موقفه؟ إنّه يلمس رحمة الرب. وفي ذلك لذع للكافر لأنه لم يؤمن، لكن لو اعتدى المؤمن على الكافر رداً على العدوان السابق، لقال الكافر لنفسه: لقد رد العدوان.
أما حين يرى الكافر أن المؤمن لم يعتد امتثالاً لأمر الله بذلك، عندئذ يرى أن الإسلام أعاد صياغة أهله بما يحقق لهم السمو النفسي الذي يتعالى عن الضغن والحقد والعصبية، ويعبر الأداء القرآني عن ذلك بدقة، فلم يأت الدين ليكبت عواطف أو
ولذلك قال الحق لرسوله: ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾ [النساء: ١٠٥]
وحينما أمر الحق رسوله أن يحكم بين الناس فذلك الحكم يقتضي عدم تمييز المؤمن على الكافر؛ لأن المسلمين هم القُوَّام، وهم خير أمة أخرجها الله للناس كافة. ولو فهم الناس أن خير الأمة الإسلامية عائد عليهم لما حاربوها.
فنحن - المسلمين - لسنا خيراً لأنفسنا فقط، ولكننا أمة لخير الناس جميعاً. ولذلك قال الحق: ﴿لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ﴾ أي لا يصح أن يحملكم الغضب على قوم أن تعتدوا عليهم لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام عام الحديبية. وعندما يسمع الكافر أن الله سبحانه وتعالى يوصي من آمن به على من كفر به ماذا يكون موقفه؟ إنّه يلمس رحمة الرب. وفي ذلك لذع للكافر لأنه لم يؤمن، لكن لو اعتدى المؤمن على الكافر رداً على العدوان السابق، لقال الكافر لنفسه: لقد رد العدوان.
أما حين يرى الكافر أن المؤمن لم يعتد امتثالاً لأمر الله بذلك، عندئذ يرى أن الإسلام أعاد صياغة أهله بما يحقق لهم السمو النفسي الذي يتعالى عن الضغن والحقد والعصبية، ويعبر الأداء القرآني عن ذلك بدقة، فلم يأت الدين ليكبت عواطف أو
2903
غرائز ولا يجعل الإنسان أفلاطونياً كما يدعون. ولم يقل: اكتموا بغضكم، ولكنه أوضح لنا أي: لا يحملكم كرههم وبغضهم على أن تعتدوا عليهم. فسبحانه لا يمنع الشنآن، وهو البغض، لأنه مسألة عاطفية.
فسبحانه يعلم أن منع ذلك إنما يكبت المؤمنين وكأنه يطلب منهم الأمر المحال. لذلك فالبغض من حرية الإنسان. ولكن إياك أن يحملك البغض أو الكره على أن تعتدي عليهم.
ونرى سيدنا عمر يمر عليه قاتل أخيه زيد بن الخطاب، يقول له أحدهم: هذا قاتل زيد، فيقول عمر: وماذا أصنع به وقد هداه الله إلى الإسلام، فإذا كان الإسلام جبّ الكفر ألا يجب دم أخٍ لعمر؟ ولكن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - يقول لقاتل أخيه:
عندما تراني نحّ وجهك عني. قال ذلك لأنه يعرف دور العاطفة ويعرف أنه لا يحب قاتل أخيه، فقال قاتل أخي عمر: وهل عدم حبك لي يمنعني حقاً من حقوقي؟ فقال غمر: لا. بل تأخذ حقوقك كلها. فقال قاتل أخي عمر: لا ضير؛ إنما يبكي على الحب النساء. فالإيمان هو الذي منع عمر من أن ينتقم من قاتل أخيه.
﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ﴾ اي أنه سبحانه لا يمنع مواجيد المؤمنين ووجدانهم وضمائرهم وقلوبهم التي تنفعل بالبغض والكره؛ لأنه يعلم أن ذلك لا يطيقه الإنسان؛ لأنها أمور عاطفية. والعواطف لا يقنن لها بتشريع. ولكن اعلموا أن هذه العواطف لا تبيح لكم الاعتداء.
وهكذا يتدخل الإسلام في الحركة الإنسانية ليفعل الإنسان أمراً أو يتجنب فعل أمر ما؛ فالإسلام لا يتدخل إلا في النزوع وهي تعبير عن مرحلة لاحقة للإدراك الذي يسبب للإنسان العاطفة محبة أو كراهية، ثم يعبر الإنسان عن هذه العاطفة بالنزوع؛ لأن مظاهر الشعور ثلاثة: إدراك، ووجدان، ونزوع، فحين يمشي إنسان في بستان فيه أزهار ويرى الوردة فهذا إدراك، ولا يمنع الإسلام هذا
فسبحانه يعلم أن منع ذلك إنما يكبت المؤمنين وكأنه يطلب منهم الأمر المحال. لذلك فالبغض من حرية الإنسان. ولكن إياك أن يحملك البغض أو الكره على أن تعتدي عليهم.
ونرى سيدنا عمر يمر عليه قاتل أخيه زيد بن الخطاب، يقول له أحدهم: هذا قاتل زيد، فيقول عمر: وماذا أصنع به وقد هداه الله إلى الإسلام، فإذا كان الإسلام جبّ الكفر ألا يجب دم أخٍ لعمر؟ ولكن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - يقول لقاتل أخيه:
عندما تراني نحّ وجهك عني. قال ذلك لأنه يعرف دور العاطفة ويعرف أنه لا يحب قاتل أخيه، فقال قاتل أخي عمر: وهل عدم حبك لي يمنعني حقاً من حقوقي؟ فقال غمر: لا. بل تأخذ حقوقك كلها. فقال قاتل أخي عمر: لا ضير؛ إنما يبكي على الحب النساء. فالإيمان هو الذي منع عمر من أن ينتقم من قاتل أخيه.
﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ﴾ اي أنه سبحانه لا يمنع مواجيد المؤمنين ووجدانهم وضمائرهم وقلوبهم التي تنفعل بالبغض والكره؛ لأنه يعلم أن ذلك لا يطيقه الإنسان؛ لأنها أمور عاطفية. والعواطف لا يقنن لها بتشريع. ولكن اعلموا أن هذه العواطف لا تبيح لكم الاعتداء.
وهكذا يتدخل الإسلام في الحركة الإنسانية ليفعل الإنسان أمراً أو يتجنب فعل أمر ما؛ فالإسلام لا يتدخل إلا في النزوع وهي تعبير عن مرحلة لاحقة للإدراك الذي يسبب للإنسان العاطفة محبة أو كراهية، ثم يعبر الإنسان عن هذه العاطفة بالنزوع؛ لأن مظاهر الشعور ثلاثة: إدراك، ووجدان، ونزوع، فحين يمشي إنسان في بستان فيه أزهار ويرى الوردة فهذا إدراك، ولا يمنع الإسلام هذا
2904
الإدراك. وعندما يعجب الإنسان بالوردة ويحبها فهذه حرية، لكن أن تمتد اليد لتقطف الوردة فهذا ممنوع.
إن التشريع لا يتدخل في العملية النزوعية فقط إلا في مجال واحد وهو ما يتعلق بالمرأة. إن الإسلام يتدخل من أولى المراحل من مرحلة الإدراك. فالرجل حين يرى امرأة جميلة فهذا إدراك، وعندما ينشغل قلبه بحبها فهذا وجدان، لكن أن يقترب منها الإنسان فهذا نزوع.
لقد رأف الحق بالرجل ان أمره أن يغض البصر من البداية؛ لأن الإنسان لن يستطيع مطلقاً أن يفصل بين الإدراك والوجدان والنزوع.
فكل من الإدراك والوجدان يصنعان تفاعلاً في التركيب الكيماوي للرجل. فإما أن يعف الإنسان نفسه ويكبت أحاسيسه، وإما ألا يعف فيلغ في أعراض الناس؛ لذلك يخدم الشرع الإنسان من أول الأمر حين يأمره بغض البصر: ﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلك أزكى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: ٣٠ - ٣١]
هنا يتدخل الشرع من أول مرحلة الإدراك، فبعدها لا يمكن فصل النزوع عن المواجيد؛ لأن رؤية المرأة تحدث تفاعلاً كيماوياً في نفس الرجل، وكذلك الرجل يحدث تفاعلاً كيماوياً في نفس المرأة. أما الوردة فلا تحدث مثل هذا التفاعل. ويستطيع الإنسان اقتناء زهرية للورود.
إذن فالمراد أن الحق سبحانه وتعالى لم يمنع المؤمن أن تجيش عواطفه البشرية بالبغض وبالكره؛ لأن ذلك انفعال مطلوب للإيمان. وبعض من أعداء الإسلام يقول: آيات القرآن تتعارض؛ لأنه يقول: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانوا
إن التشريع لا يتدخل في العملية النزوعية فقط إلا في مجال واحد وهو ما يتعلق بالمرأة. إن الإسلام يتدخل من أولى المراحل من مرحلة الإدراك. فالرجل حين يرى امرأة جميلة فهذا إدراك، وعندما ينشغل قلبه بحبها فهذا وجدان، لكن أن يقترب منها الإنسان فهذا نزوع.
لقد رأف الحق بالرجل ان أمره أن يغض البصر من البداية؛ لأن الإنسان لن يستطيع مطلقاً أن يفصل بين الإدراك والوجدان والنزوع.
فكل من الإدراك والوجدان يصنعان تفاعلاً في التركيب الكيماوي للرجل. فإما أن يعف الإنسان نفسه ويكبت أحاسيسه، وإما ألا يعف فيلغ في أعراض الناس؛ لذلك يخدم الشرع الإنسان من أول الأمر حين يأمره بغض البصر: ﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلك أزكى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: ٣٠ - ٣١]
هنا يتدخل الشرع من أول مرحلة الإدراك، فبعدها لا يمكن فصل النزوع عن المواجيد؛ لأن رؤية المرأة تحدث تفاعلاً كيماوياً في نفس الرجل، وكذلك الرجل يحدث تفاعلاً كيماوياً في نفس المرأة. أما الوردة فلا تحدث مثل هذا التفاعل. ويستطيع الإنسان اقتناء زهرية للورود.
إذن فالمراد أن الحق سبحانه وتعالى لم يمنع المؤمن أن تجيش عواطفه البشرية بالبغض وبالكره؛ لأن ذلك انفعال مطلوب للإيمان. وبعض من أعداء الإسلام يقول: آيات القرآن تتعارض؛ لأنه يقول: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانوا
2905
آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ} [المجادلة: ٢٢]
والنسب الإيماني يمنع ذلك.
ويقول القرآن في موضع آخر ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً﴾ [لقمان: ١٥]
والذي يتعمق جيداً يعرف أن المعروف يصنعه الإنسان مع من يحب ومن لا يحب. أما الودّ فهو عمل القلب، وهذا ما نهى عنه الله بالنسبة للمشركين به، أما المعروف فالمسلم مطالب أن يفعله حتى بالنسبة لمن يكرهه.
﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام﴾ إذن فالحق لم يمنع البغض. ولكنه منع النزوع المترتب على الشنآن ولو وُجد سبب من الأسباب كما حدث في صلح الحديبية. وبعد ذلك يأمر: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى﴾.
وهذه الآية هي التي تجعل مسألة الإيمان قضية عالمية، وكلمة «تعاون» على وزن «تفاعل»، والتفاعل يأتي من اثنين؛ مثلما نقول «تشارك» ؛ فهي تقتضي اثنين؛ كأن نقول: تشارك زيد وعمرو أو: شارك زيد عمراً أو شارك عمرو زيداً. وكلاهما متساو.. اللهم إلا تغليب واحد بأن يأتي فاعلا مرة ومفعولا مرة ثانية، والفاعل في هذه الحالة فاعل ومفعول في آن واحد، والمفعول أيضاً فاعل في الوقت نفسه.
ومثال ذلك قولنا «قاتل فلان فلاناً» أي أن الاثنين اشتبكا في قتال أي مفاعلة. وساعة يأتي اثنان في فعل واحد، فهناك فاعل ومفعول. وهناك فرق بين أن تقول: أعن فلاناً، فالمطلوب هنا أمر لواحد بالمعاونة لآخر.
والنسب الإيماني يمنع ذلك.
ويقول القرآن في موضع آخر ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً﴾ [لقمان: ١٥]
والذي يتعمق جيداً يعرف أن المعروف يصنعه الإنسان مع من يحب ومن لا يحب. أما الودّ فهو عمل القلب، وهذا ما نهى عنه الله بالنسبة للمشركين به، أما المعروف فالمسلم مطالب أن يفعله حتى بالنسبة لمن يكرهه.
﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام﴾ إذن فالحق لم يمنع البغض. ولكنه منع النزوع المترتب على الشنآن ولو وُجد سبب من الأسباب كما حدث في صلح الحديبية. وبعد ذلك يأمر: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى﴾.
وهذه الآية هي التي تجعل مسألة الإيمان قضية عالمية، وكلمة «تعاون» على وزن «تفاعل»، والتفاعل يأتي من اثنين؛ مثلما نقول «تشارك» ؛ فهي تقتضي اثنين؛ كأن نقول: تشارك زيد وعمرو أو: شارك زيد عمراً أو شارك عمرو زيداً. وكلاهما متساو.. اللهم إلا تغليب واحد بأن يأتي فاعلا مرة ومفعولا مرة ثانية، والفاعل في هذه الحالة فاعل ومفعول في آن واحد، والمفعول أيضاً فاعل في الوقت نفسه.
ومثال ذلك قولنا «قاتل فلان فلاناً» أي أن الاثنين اشتبكا في قتال أي مفاعلة. وساعة يأتي اثنان في فعل واحد، فهناك فاعل ومفعول. وهناك فرق بين أن تقول: أعن فلاناً، فالمطلوب هنا أمر لواحد بالمعاونة لآخر.
2906
وهذا يختلف عن القول: تعاون مع فلان، أي أن تتشاركا معاً في المعاونة. ومسائل الحياة أكثر من أن تستوعبها موهبة واحدة. فأنت حين تبني بيتاً تحتاج إلى من يحفر الأساس ويبني الجدران.
ومن يصنع الطوب ومن يصنع الأسمنت ومن يصنع الحديد، ولا يستطيع إنسان واحد أن يتعلم كل هذه الحرف ليبني بيتاً. لكن التعاون خصص لكل إنسان عملا يقوم به، فهناك متخصص في كل جزئية يحتاج إليها الإنسان في حياكة الملابس، والطب، والصيدلة وغيرها من أوجه احتياجات الحياة، والحق يأمر: «وتعاونوا» ليسير دولاب الحياة ويستفيد الإنسان من كل المواهب لقاء إخلاصه في أداء عمله، و «تعاونوا» هي أن تأتي بشيء فيه تفاعل ما، ومعنى الشيء الذي فيه تفاعل أنه يوجد «مُعين» و «مُعان».
ولكن المعين لا يظل دائماً معينا، بل سينقلب في يوم ما إلى أن يكون مُعانا، والمعان لا يظل مُعانا، بل سيأتي وقت يصير فيه مُعينا، وهذا هو التفاعل الذي تحتاج إليه أقضية الحياة التي شاءها الله للإنسان الخليفة في الأرض والمطالب أن يعبد الله الذي لا شريك له، وأن يعمر هذه الأرض. ولا تتأتى عمارة الأرض إلا بالحركة فيها، والحركة في الأرض أوسع من أن تتحملها الطاقة النفسية لفرد واحد، بل لا بد أن تتكاتف الطاقات كلها لإنشاء هذه العمارة.
إننا حين نبني عمارة واحدة نستخدم أجهزة كثيرة لطاقات كثيرة بداية من المهندس الذي يرفع مساحة القطعة من الأرض ويرسمها، وإن شاء الترقي في صنعته يصنع نموذجا مجسدا لما يرغب في بنائه، وبعد ذلك يأتي الحافر ليحفر في الأرض ثم من يضع الأساس، ومن يضع الحديد. ومن يصنع «الخرسانة» المسلحة.
ثم يأتي من يرفع البناء، ومن يقوم بالأعمال الصحية من توصيلات للمياه والمجاري، ثم يأتي من يصمم التوصيلات الكهربائية، وهكذا تتعاون طاقات كثيرة لبناء واحد، ولا تتحمله طاقة إنسان واحد.
إذن فالتعاون أمر ضروري للاستخلاف في الحياة. ومادام الإستخلاف في الحياة بقتضي من الإنسان عمارة هذه الحياة، وعمارة الحياة تقتضي ألا نفسد الشيء الصالح بل نزيده صلاحا، وحين يقول الحق: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى
ومن يصنع الطوب ومن يصنع الأسمنت ومن يصنع الحديد، ولا يستطيع إنسان واحد أن يتعلم كل هذه الحرف ليبني بيتاً. لكن التعاون خصص لكل إنسان عملا يقوم به، فهناك متخصص في كل جزئية يحتاج إليها الإنسان في حياكة الملابس، والطب، والصيدلة وغيرها من أوجه احتياجات الحياة، والحق يأمر: «وتعاونوا» ليسير دولاب الحياة ويستفيد الإنسان من كل المواهب لقاء إخلاصه في أداء عمله، و «تعاونوا» هي أن تأتي بشيء فيه تفاعل ما، ومعنى الشيء الذي فيه تفاعل أنه يوجد «مُعين» و «مُعان».
ولكن المعين لا يظل دائماً معينا، بل سينقلب في يوم ما إلى أن يكون مُعانا، والمعان لا يظل مُعانا، بل سيأتي وقت يصير فيه مُعينا، وهذا هو التفاعل الذي تحتاج إليه أقضية الحياة التي شاءها الله للإنسان الخليفة في الأرض والمطالب أن يعبد الله الذي لا شريك له، وأن يعمر هذه الأرض. ولا تتأتى عمارة الأرض إلا بالحركة فيها، والحركة في الأرض أوسع من أن تتحملها الطاقة النفسية لفرد واحد، بل لا بد أن تتكاتف الطاقات كلها لإنشاء هذه العمارة.
إننا حين نبني عمارة واحدة نستخدم أجهزة كثيرة لطاقات كثيرة بداية من المهندس الذي يرفع مساحة القطعة من الأرض ويرسمها، وإن شاء الترقي في صنعته يصنع نموذجا مجسدا لما يرغب في بنائه، وبعد ذلك يأتي الحافر ليحفر في الأرض ثم من يضع الأساس، ومن يضع الحديد. ومن يصنع «الخرسانة» المسلحة.
ثم يأتي من يرفع البناء، ومن يقوم بالأعمال الصحية من توصيلات للمياه والمجاري، ثم يأتي من يصمم التوصيلات الكهربائية، وهكذا تتعاون طاقات كثيرة لبناء واحد، ولا تتحمله طاقة إنسان واحد.
إذن فالتعاون أمر ضروري للاستخلاف في الحياة. ومادام الإستخلاف في الحياة بقتضي من الإنسان عمارة هذه الحياة، وعمارة الحياة تقتضي ألا نفسد الشيء الصالح بل نزيده صلاحا، وحين يقول الحق: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى
2907
الإثم والعدوان} أي انه يريد كوناً عامراً لا كوناً خرباً. والشيء الصالح في ذاته يبقيه على صلاحه. إذن فعمارة الحياة تتطلب منا أن نتعاون على الخير لا على الإثم.
والبر، ما هو؟ البر هو ما اطمأنت إليه نفسك؛ والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه أحد، فساعة يأتي إليك أمر تريد أن تفعله وتخاف أن يراك غيرك وأنت ترتكبه فهذا هو الإثم؛ لأنه لو لم يكن إثما لأحببت أن يراك الناس وأنت تفعل ذلك. إذن قوله الحق: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾ هو أمر لكل جماعة أن تتعاون على الخير، وهذه مناسبة لأقول لكل جماعة:
تعاونوا معاً بشرط ألا تجعلوا لجمعياتكم نشاطاً يُنسب إلى غير دينكم.
مثال ذلك الجمعيات المسماة ب «الروتاري» أو «الماسونية» ويقال: إن نشاطها خيري. ونقول: كل جمعية خيرية على العين والرأس ولكن لماذا تكونونها وأنتم تقلدون فيها الغرب؟ لماذا لا تصنعون الخير باسم دينكم فيعرف العالم أن هذا خير قادم من بلاد مسلمة. والخير كل الخير ألا نأخذ هذه الأسماء الأجنبية ونطلقها على جمعياتنا حتى لا يظنن ظان أن الخير يصنعه غيرنا. وإن كان للواحد منا طاقة على العمل الخيري؛ فليعمل من خلال الدين الإسلامي. وليعلم كل إنسان أن الدين طلب منا أن تكون كل حياتنا للخير. وهذا ما يجب أن يستقر في الأذهان حتى لا يأخذ الظن الخاطئ كل من يصيبه خير من هذه الجمعيات بأن الخير قادم من غير دين الإسلام.
إننا مكلفون بنسبة الخير الذي يقوم به إلى ديننا؛ لأن ديننا أمرنا به وحثنا عليه، وليعلم كل مسلم أنه ليس فقيراً إلى القيم حتى يتسولها من الخارج، بل في دين الإسلام ما يغنينا جميعاً عن كل هؤلاء. وإذا كنا نفعل الخير ونقدم الخدمة الاجتماعية للناس فلماذا نسميها هذا الاسم وننسبها إلى قوم آخرين، ولنقرأ جميعاً قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المسلمين﴾ [فصلت: ٣٣]
فعلى الإنسان منا أن يعمل الخير وهو يعلن أن الإسلام يأمره بذلك، ولا ينسب
والبر، ما هو؟ البر هو ما اطمأنت إليه نفسك؛ والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه أحد، فساعة يأتي إليك أمر تريد أن تفعله وتخاف أن يراك غيرك وأنت ترتكبه فهذا هو الإثم؛ لأنه لو لم يكن إثما لأحببت أن يراك الناس وأنت تفعل ذلك. إذن قوله الحق: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾ هو أمر لكل جماعة أن تتعاون على الخير، وهذه مناسبة لأقول لكل جماعة:
تعاونوا معاً بشرط ألا تجعلوا لجمعياتكم نشاطاً يُنسب إلى غير دينكم.
مثال ذلك الجمعيات المسماة ب «الروتاري» أو «الماسونية» ويقال: إن نشاطها خيري. ونقول: كل جمعية خيرية على العين والرأس ولكن لماذا تكونونها وأنتم تقلدون فيها الغرب؟ لماذا لا تصنعون الخير باسم دينكم فيعرف العالم أن هذا خير قادم من بلاد مسلمة. والخير كل الخير ألا نأخذ هذه الأسماء الأجنبية ونطلقها على جمعياتنا حتى لا يظنن ظان أن الخير يصنعه غيرنا. وإن كان للواحد منا طاقة على العمل الخيري؛ فليعمل من خلال الدين الإسلامي. وليعلم كل إنسان أن الدين طلب منا أن تكون كل حياتنا للخير. وهذا ما يجب أن يستقر في الأذهان حتى لا يأخذ الظن الخاطئ كل من يصيبه خير من هذه الجمعيات بأن الخير قادم من غير دين الإسلام.
إننا مكلفون بنسبة الخير الذي يقوم به إلى ديننا؛ لأن ديننا أمرنا به وحثنا عليه، وليعلم كل مسلم أنه ليس فقيراً إلى القيم حتى يتسولها من الخارج، بل في دين الإسلام ما يغنينا جميعاً عن كل هؤلاء. وإذا كنا نفعل الخير ونقدم الخدمة الاجتماعية للناس فلماذا نسميها هذا الاسم وننسبها إلى قوم آخرين، ولنقرأ جميعاً قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المسلمين﴾ [فصلت: ٣٣]
فعلى الإنسان منا أن يعمل الخير وهو يعلن أن الإسلام يأمره بذلك، ولا ينسب
2908
عمل الخير إلى «الروتاري» أو غير ذلك من الجمعيات. فنسبة الخير من المسلم إلى جمعيات خارجة عن الإسلام حرام على المسلم؛ لأنه تعاون ليس لله، والحق يقول: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾ هو يريد منا أن نبني الخير وأن نمنع الهدم، وعلى كل منا أن يعرف أنه لا يستطيع وحده أن يقيم كل أبنية الخير.
وقد نسأل الفقير صاحب الثوب الواحد من أين أتى برغيف الخبز، فيشير إلى بقال أعطاه هذا الرغيف. ونلتفت إلى أن الله قد سخر هذا البقال أن يأتي بالخبز ليشتري منه كل الناس، ويتصدق ببعضه على الفقير. وهذا تيسير أراده الله. وعندما نذهب إلى المخبز، نجد أن الدقيق جاء إلى المخبز من المطحن، وفي المطحن نجد عشرات العمال والمهندسين يعملون من أجل طحن الدقيق الذاهب للمخبز ليعجنه واحد، ويخبزه آخر، ويبيعه ثالث.
ويجب أن نلتفت هنا إلى قدرة الله الذي سخر بعضا من الممولين الذين فكروا في خير أنفسهم واشتروا هذه الآلات الضخمة للطحين وإنضاج الخبز، وهي آلات لا يستطيع الفرد أن يشتريها بمفرده، لارتفاع ثمنها وتأتي من الدول الأجنبية، وتلك الدول فيها من المعامل والعلماء الذين يدرسون الحركة والطاقة من أجل تصميم هذه الأجهزة، ليأكل الإنسان رغيفاً واحداً.
هذه هي مشيئة الحق من أجل أن تنتظم كل حركة الحياة؛ فالرغيف يعرضه البقال، وعمل فيه الخباز ومن قبله الطحان، والعجان ومن استورد الآلة؛ ومن صممها، وشاركت فيه المدرسة التي علمت المهندس الذي صمم الآلة؛ كل ذلك عمل فيه تعاون من أجل خدمة رغيف الخبز، على الرغم من أن الإنسان منا لا يفكر في رغيف الخبز إلا ساعة أن يجوع.
إذن فحركة الحياة كلها تم بناؤها على التعاون. لكن ماذا إن تعاون الناس على الإثم؟ إنهم إن فعلوا ذلك يهدمون الخير؛ لأن التعاون على الإثم إنما يبدأ من كل من يعين على أمر يخالف أمر الله، وأوامر الله تنحصر في «افعل» و «لا تفعل»، ما ليس فيه «افعل» و «لا تفعل» فهو مباح، إن شئت فعلته وإن شئت لا تفعله.
وقد نسأل الفقير صاحب الثوب الواحد من أين أتى برغيف الخبز، فيشير إلى بقال أعطاه هذا الرغيف. ونلتفت إلى أن الله قد سخر هذا البقال أن يأتي بالخبز ليشتري منه كل الناس، ويتصدق ببعضه على الفقير. وهذا تيسير أراده الله. وعندما نذهب إلى المخبز، نجد أن الدقيق جاء إلى المخبز من المطحن، وفي المطحن نجد عشرات العمال والمهندسين يعملون من أجل طحن الدقيق الذاهب للمخبز ليعجنه واحد، ويخبزه آخر، ويبيعه ثالث.
ويجب أن نلتفت هنا إلى قدرة الله الذي سخر بعضا من الممولين الذين فكروا في خير أنفسهم واشتروا هذه الآلات الضخمة للطحين وإنضاج الخبز، وهي آلات لا يستطيع الفرد أن يشتريها بمفرده، لارتفاع ثمنها وتأتي من الدول الأجنبية، وتلك الدول فيها من المعامل والعلماء الذين يدرسون الحركة والطاقة من أجل تصميم هذه الأجهزة، ليأكل الإنسان رغيفاً واحداً.
هذه هي مشيئة الحق من أجل أن تنتظم كل حركة الحياة؛ فالرغيف يعرضه البقال، وعمل فيه الخباز ومن قبله الطحان، والعجان ومن استورد الآلة؛ ومن صممها، وشاركت فيه المدرسة التي علمت المهندس الذي صمم الآلة؛ كل ذلك عمل فيه تعاون من أجل خدمة رغيف الخبز، على الرغم من أن الإنسان منا لا يفكر في رغيف الخبز إلا ساعة أن يجوع.
إذن فحركة الحياة كلها تم بناؤها على التعاون. لكن ماذا إن تعاون الناس على الإثم؟ إنهم إن فعلوا ذلك يهدمون الخير؛ لأن التعاون على الإثم إنما يبدأ من كل من يعين على أمر يخالف أمر الله، وأوامر الله تنحصر في «افعل» و «لا تفعل»، ما ليس فيه «افعل» و «لا تفعل» فهو مباح، إن شئت فعلته وإن شئت لا تفعله.
2909
والذي يأمر بتطبيق «افعل» ويحزم الأمر مع «لا تفعل» وينهى عنه ويجرِّم من يفعله هو متعاون على البر والتقوى.
ومن يعمل ضد ذلك؛ يتعاون على الإثم والعدوان؛ لأنه ينقل الأفعال من دائرة «افعل» إلى دائرة «لا تفعل». وينقل النواهي من «لا تفعل» إلى دائرة «افعل» ؛ هذا هو التعاون على الإثم.
وقوله الحق: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾ ضَمِن عمارة الكون وضَمِن منع الفساد في الكون. فالذي يرتشي والذي يسهل عملية الرشوة، وهو الوسيط والسفير بين الراشي والمرتشي ويُسمَّى الرائش والذي يحمل الخمر والذي يدلس، كل هؤلاء متعاونون على الإثم والعدوان، حتى البواب الذي يجلس على باب عمارة ويعلم أن بها شقة تدار لأعمال مشبوهة ويأخذ ثمن ذلك هو متعاون على الإثم.
نقول لكل هؤلاء: إياكم أن تفتنوا بما يدره عليكم فعل الإثم؛ لكن لننظر مصير كل منكم فلن يترك الله أمثالكم دون أن ينهي الواحد منكم حياته بمأساة، حتى المرأة التي استنزفت الناس بجمالها، تنتهي حياتها بالضنك من العيش ثم لا تجد مأوى إلا القلوب الرحيمة التي لم تفتتن بهذا الجمال ولم تتمتع به في الحرام؛ لأن الرجل إن نظر إلى امرأة أعانته على أفثم سيتذكر كل المصائب التي جاءته منها فيكرهها.
لقد أراد الحق بهذا عدالة في الكون ليستقيم، وكل من يأخذ شيئا من إثم يكتوي بنار هذا الإثم في الحياة، وكل فرد فيكم مطالب بعمل حصر وإحصاء للمال الذي جاءه من عرقه وحلاله ويكتبه، والقرش الذي جاءه من حرام. وبعد ذلك يقوم بعمل حصر وإحصاء للكوارث التي أصابته. وكم كلفته من مصاريف.
إنه لو فعل ذلك لوجد أن الكوارث تأخذ كل الحرام وتجوز على المال الذي كسبه من حلال. ولا تختلف هذه المسألة أبداً ولا يتركها الله للآخرة؛ فسبحانه يريد أن يعدل نظام الكون، وإلا كيف يشهد من لا يؤمن بيوم الحساب قدرة الله على إجراء التوازن في كونه؟ إن الحق أراد الحساب في الدنيا حتى لا يعربد من لا يؤمن بيوم الحساب في كون الله.
ومن يعمل ضد ذلك؛ يتعاون على الإثم والعدوان؛ لأنه ينقل الأفعال من دائرة «افعل» إلى دائرة «لا تفعل». وينقل النواهي من «لا تفعل» إلى دائرة «افعل» ؛ هذا هو التعاون على الإثم.
وقوله الحق: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾ ضَمِن عمارة الكون وضَمِن منع الفساد في الكون. فالذي يرتشي والذي يسهل عملية الرشوة، وهو الوسيط والسفير بين الراشي والمرتشي ويُسمَّى الرائش والذي يحمل الخمر والذي يدلس، كل هؤلاء متعاونون على الإثم والعدوان، حتى البواب الذي يجلس على باب عمارة ويعلم أن بها شقة تدار لأعمال مشبوهة ويأخذ ثمن ذلك هو متعاون على الإثم.
نقول لكل هؤلاء: إياكم أن تفتنوا بما يدره عليكم فعل الإثم؛ لكن لننظر مصير كل منكم فلن يترك الله أمثالكم دون أن ينهي الواحد منكم حياته بمأساة، حتى المرأة التي استنزفت الناس بجمالها، تنتهي حياتها بالضنك من العيش ثم لا تجد مأوى إلا القلوب الرحيمة التي لم تفتتن بهذا الجمال ولم تتمتع به في الحرام؛ لأن الرجل إن نظر إلى امرأة أعانته على أفثم سيتذكر كل المصائب التي جاءته منها فيكرهها.
لقد أراد الحق بهذا عدالة في الكون ليستقيم، وكل من يأخذ شيئا من إثم يكتوي بنار هذا الإثم في الحياة، وكل فرد فيكم مطالب بعمل حصر وإحصاء للمال الذي جاءه من عرقه وحلاله ويكتبه، والقرش الذي جاءه من حرام. وبعد ذلك يقوم بعمل حصر وإحصاء للكوارث التي أصابته. وكم كلفته من مصاريف.
إنه لو فعل ذلك لوجد أن الكوارث تأخذ كل الحرام وتجوز على المال الذي كسبه من حلال. ولا تختلف هذه المسألة أبداً ولا يتركها الله للآخرة؛ فسبحانه يريد أن يعدل نظام الكون، وإلا كيف يشهد من لا يؤمن بيوم الحساب قدرة الله على إجراء التوازن في كونه؟ إن الحق أراد الحساب في الدنيا حتى لا يعربد من لا يؤمن بيوم الحساب في كون الله.
2910
إن كل معربد سوف يرى مصير معربد سبقه. كذلك الذين يتمتعون بثمرات الإثم في هذه الدنيا يجب أن يفطنوا إلى نفوسهم قبل أن يفوتهم الأوان، المعذور فقط هم الأطفال الذين لا نضج لهم ولا دراية؛ لأنهم يعيشون من أموال الإثم. لكن ما إن يبلغ الولد الرشد وكذلك البنت ثم ترى مالا يتدفق عليها من مصادر غير حل، عليها أن تستحي من شراء «فستان» من هذا المال أو أن تأكل منه لقمة خبز، وليفطن الإنسان أن الله قد أباح للإنسان أن يسأل عن مصدر المال حتى لا يأخذ لنفسه من المال الموبوء الخبيث. وأن يسأل الإنسان الصدقة خير من أن يصرف على نفسه مالاً موبوءا. ولن يترك الحق مثل هذا الإنسان سائلا أبداً.
وليكتب كل واحد منكم هذا القول الكريم أمامه: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾. وليجعلها ميزاناً يزن بها صور الذين يراهم في الكون؛ حتى ولو كانت صورة سائق التاكسي الذي يدلس على رجل وامرأة في طريق مظلم ويأخذ أجراً على هذا، ليحسب هذا الرجل النقود التي ستأتي من هذا الباب، وليحسب النقود التي ستخرج على ألم فيه، أو ألم فيمن يرعى من ولد أو بنت.
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾ وصور العدوان شتى يعاني منها المجتمع وتهزه بعنف، عدوان على الوقت لأن الإنسان يأخذ أجراً على العمل ولا يقوم به، وعدوان يضرُّ به إنسانا بأن يأخذ حقه أو أن يرتشي، كل ذلك عدوان. وحتى يصير المجتمع مجتمعا إيمانيا سليما لا بد أن يحافظ على قضية الاستخلاف في الأرض، وأن يعلم أن هذا يقتضي عمارة الكون وعدم الإفساد فيه.
﴿وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾ فكأن هذه المخالفات السابقة التي تحدث هي نتيجة عدم التعاون على البر، ونتيجة التعاون على الإثم والعدوان، ولهذه المخالفة عقاب شديد، أما التقوى فمعناها أن نفعل ما أمر به الله أن نفعله، وأن ننتهي عما نهى الله عنه، فلا ننقل فعلاً من دائرة «لا تفعل» إلى دائرة «افعل» وكذلك العكس. وبذلك نجعل بيننا وبين الجبار وقاية.
وبعض السطحيين قد ينظر إلى بعض من آيات القرآن ويقول: إن بها تناقضاً؛ فيقولون: بعض من آيات القرآن تقول: ﴿اتقوا النار﴾، وبعض الآيات تقول:
وليكتب كل واحد منكم هذا القول الكريم أمامه: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾. وليجعلها ميزاناً يزن بها صور الذين يراهم في الكون؛ حتى ولو كانت صورة سائق التاكسي الذي يدلس على رجل وامرأة في طريق مظلم ويأخذ أجراً على هذا، ليحسب هذا الرجل النقود التي ستأتي من هذا الباب، وليحسب النقود التي ستخرج على ألم فيه، أو ألم فيمن يرعى من ولد أو بنت.
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر والتقوى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان﴾ وصور العدوان شتى يعاني منها المجتمع وتهزه بعنف، عدوان على الوقت لأن الإنسان يأخذ أجراً على العمل ولا يقوم به، وعدوان يضرُّ به إنسانا بأن يأخذ حقه أو أن يرتشي، كل ذلك عدوان. وحتى يصير المجتمع مجتمعا إيمانيا سليما لا بد أن يحافظ على قضية الاستخلاف في الأرض، وأن يعلم أن هذا يقتضي عمارة الكون وعدم الإفساد فيه.
﴿وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثم والعدوان واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾ فكأن هذه المخالفات السابقة التي تحدث هي نتيجة عدم التعاون على البر، ونتيجة التعاون على الإثم والعدوان، ولهذه المخالفة عقاب شديد، أما التقوى فمعناها أن نفعل ما أمر به الله أن نفعله، وأن ننتهي عما نهى الله عنه، فلا ننقل فعلاً من دائرة «لا تفعل» إلى دائرة «افعل» وكذلك العكس. وبذلك نجعل بيننا وبين الجبار وقاية.
وبعض السطحيين قد ينظر إلى بعض من آيات القرآن ويقول: إن بها تناقضاً؛ فيقولون: بعض من آيات القرآن تقول: ﴿اتقوا النار﴾، وبعض الآيات تقول:
2911
﴿اتقوا الله﴾ فهل للنار وقاية؟ وهل لله وقاية؟ وهؤلاء لا يفهمون أن «اتقوا» تعني: اجعل وقاية بينك وبين ما يؤذيك ويتعبك، ف ﴿اتقوا الله﴾ تعني اجعل بينك وبين عقاب الله وقاية وهي الدرع التي يقيمها الإنسان بتنفيذ أوامر الله ب «افعل» والامتثال لنواهي الله ب «لا تفعل».
وعندما تجعل بينك وبين الله وقاية، فأنت تجعل بينك وبين غضب الله وقاية، وهكذا تتساوى «تقوى الله» مع «اتقاء النار».
ويذيل الحق الآية ﴿إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾. إنّ ما يجعل الناس تتهاون في التعاون على البر ويجترئون على الإثم أنهم لا يجدون من مجتمعاتهم رادعاً، ولو وجدوا الردع من المجتمع لحمى المجتمع أفراده من الإثم. وإن صار للمجتمع وعي إيماني لقاطع المخالفين وأشعرهم بأنهم منبوذون، وساعة يرى أمثال هؤلاء الناس أنهم منبوذون من المجتمع الإيماني فهم يرجعون إلى المنهج الحق.
فما يغري الناس على الجرائم الكبيرة إلاّ تهاون المجتمع في الجرائم الصغيرة. ولذلك يلفتنا الحق أنه لن يترك الأمر كما تركه بعض من خلقه؛ لأن الخلق قد يجاملون وقد لا يقفون أمام ما يفعله بعضهم من آثام، لكن الله شديد العقاب، سيأتي العقاب في وقت ليس للفرد فيه جاه من مال أو حسب أو نسب يحميه من الله، فإن أطمعك ضعف المجتمع في أن تتعاون على الإثم فعليك أن تخاف الله؛ لأن عقابه شديد.
وكيف يأتي العقاب إلى المذنب؟ لا نعرف؛ لأننا لسنا آلهة، ونجد العقاب يتسلل إلى المذنب في نفسه كمرض مؤلم لا يصرف المذنب فيه ما عنده من مال فقط، لكنه قد يسأل الناس ليعالج نفسه، أو يعالج من يحب. وجنود عقاب الله قد لا تتأخر للآخرة بل تتسلل إلى حياة المذنب دون أن يعرفها وهذه هي شدة العقاب.
وبعد ذلك يأتي الحق بأمر تحريم أشياء بعد أن حلل الله أشياء في قوله: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾. لقد أراد الحق سبحانه وتعالى أن يبين تخصيصا لما أحل من الأنعام.. فقد حلل الله من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر
وعندما تجعل بينك وبين الله وقاية، فأنت تجعل بينك وبين غضب الله وقاية، وهكذا تتساوى «تقوى الله» مع «اتقاء النار».
ويذيل الحق الآية ﴿إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾. إنّ ما يجعل الناس تتهاون في التعاون على البر ويجترئون على الإثم أنهم لا يجدون من مجتمعاتهم رادعاً، ولو وجدوا الردع من المجتمع لحمى المجتمع أفراده من الإثم. وإن صار للمجتمع وعي إيماني لقاطع المخالفين وأشعرهم بأنهم منبوذون، وساعة يرى أمثال هؤلاء الناس أنهم منبوذون من المجتمع الإيماني فهم يرجعون إلى المنهج الحق.
فما يغري الناس على الجرائم الكبيرة إلاّ تهاون المجتمع في الجرائم الصغيرة. ولذلك يلفتنا الحق أنه لن يترك الأمر كما تركه بعض من خلقه؛ لأن الخلق قد يجاملون وقد لا يقفون أمام ما يفعله بعضهم من آثام، لكن الله شديد العقاب، سيأتي العقاب في وقت ليس للفرد فيه جاه من مال أو حسب أو نسب يحميه من الله، فإن أطمعك ضعف المجتمع في أن تتعاون على الإثم فعليك أن تخاف الله؛ لأن عقابه شديد.
وكيف يأتي العقاب إلى المذنب؟ لا نعرف؛ لأننا لسنا آلهة، ونجد العقاب يتسلل إلى المذنب في نفسه كمرض مؤلم لا يصرف المذنب فيه ما عنده من مال فقط، لكنه قد يسأل الناس ليعالج نفسه، أو يعالج من يحب. وجنود عقاب الله قد لا تتأخر للآخرة بل تتسلل إلى حياة المذنب دون أن يعرفها وهذه هي شدة العقاب.
وبعد ذلك يأتي الحق بأمر تحريم أشياء بعد أن حلل الله أشياء في قوله: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام﴾. لقد أراد الحق سبحانه وتعالى أن يبين تخصيصا لما أحل من الأنعام.. فقد حلل الله من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر
2912
اثنين. وألحق الرسول بها الظباء وبقر الوحش، وكل ذات أربع من حيوان البحر، وكان قول الله: ﴿إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ﴾ مؤذنا بأن هناك تحريماً قادماً سيأتي، ويبين الحق بالقرآن ما يحرمه الله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة... ﴾
2913
الآية تبدأ بقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة﴾ ونلحظ أن البداية فعل مبني للمجهول. على الرغم من أن الفاعل في التحريم واضح وهو الله. ولم يقتحم سبحانه على أحد، فالإنسان نفسه اشترك في العقد الإيماني مع ربِّه فألزمه - سبحانه - والعبد من جانبه التزم؛ لذلك يقول الحق: «حرمت»، حرمها سبحانه كإله وشاركه في ذلك العبد الذي آمن بالله إلها.
والميتة هي التي ذهبت منها الحياة أو خرجت منها الروح بدون نقض للبنية، أي ماتت حتف أنفها، فذهاب الحياة له طريقان: طريق هو الموت أي بدون نقض بنية، وطريق بنقض البنية؛ فعندما يخنق الإنسان كائنا آخر يمنع عنه النفس وفي هذا إزهاق للروح بنقض شيء في البنية؛ لأن التنفس أمر ضروري، وقد يزهق الإنسان
والميتة هي التي ذهبت منها الحياة أو خرجت منها الروح بدون نقض للبنية، أي ماتت حتف أنفها، فذهاب الحياة له طريقان: طريق هو الموت أي بدون نقض بنية، وطريق بنقض البنية؛ فعندما يخنق الإنسان كائنا آخر يمنع عنه النفس وفي هذا إزهاق للروح بنقض شيء في البنية؛ لأن التنفس أمر ضروري، وقد يزهق الإنسان
2913
روحا آخر يضربه بالرصاص؛ لأن الروح لا تحل إلا في جسد له مواصفات خاصة.
لكَن هناك جوارح يمكن أن تبقى الروح في الجسم دونها، والمثال على ذلك اليد إن قطعت، أما إن توقف قلب الإنسان فقد يشقون صدره ويدلكون هذا القلب فينبض مرة أخرى بشرط أن يكون المخ مازال حيا، وأقصى مدة لحياة المخ دون هواء سبع دقائق في حالات نادرة. فما أن يصاب المخ بالعطب حتى يحدث الموت. ولذلك عرف الأطباء الموت الإكلينيكي بأنه توقف المخ. إذن فهناك موت، وهناك قتل، وفي كليهما ذهاب للروح.
وفي الموت تذهب الروح أولاً، وفي القتل تذهب الروح بسبب نقض البنية. والميتة هي التي ذهبت منها الحياة بدون نقض البنية، ومن رحمة الله أن حرم الميتة؛ لأنها ماتت بسبب لا نراه في عضو من أعضائها، حتى لا نأكلها بدائها.
وكذلك حرم الدم، وهو السائل الذي يجري في الأوردة والشرايين ويعطي الجسم الدفء والحرارة وينقل الغذاء، وللدم مجالان في الجريان؛ فهو يحمل الفضلات من الكلى والرئة، وهناك دم نقي يحمل الغذاء، والأوعية الدموية بها لونان من الدم: دم فاسد ودم صالح. وعندما نأخذ هذا الدم قد يكون فيه النوع الصالح ويكون فيه أيضاً النوع الذي لم تخرج منه الشوائب التي في الكلى والرئة، ولذلك يسمونه الدم المسفوح، أي الجاري؛ وكانوا يأخذونه قديما ويملأون به أمعاء الذبائح ويقومون بشيه ويأكلونه.
وهناك دم غير فاسد، مثال ذلك الكبد، فهو قطعة متوحدة، وكذلك الطحال، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:
«أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالسمك والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال»
إذن فالكبد والطحال مستثنيان من الدم، لكن إذا جئنا للدم المسفوح فهو حرام. والحكمة في تحليل السمك والجراد هي عدم وجود نفس سائلة بهما،
لكَن هناك جوارح يمكن أن تبقى الروح في الجسم دونها، والمثال على ذلك اليد إن قطعت، أما إن توقف قلب الإنسان فقد يشقون صدره ويدلكون هذا القلب فينبض مرة أخرى بشرط أن يكون المخ مازال حيا، وأقصى مدة لحياة المخ دون هواء سبع دقائق في حالات نادرة. فما أن يصاب المخ بالعطب حتى يحدث الموت. ولذلك عرف الأطباء الموت الإكلينيكي بأنه توقف المخ. إذن فهناك موت، وهناك قتل، وفي كليهما ذهاب للروح.
وفي الموت تذهب الروح أولاً، وفي القتل تذهب الروح بسبب نقض البنية. والميتة هي التي ذهبت منها الحياة بدون نقض البنية، ومن رحمة الله أن حرم الميتة؛ لأنها ماتت بسبب لا نراه في عضو من أعضائها، حتى لا نأكلها بدائها.
وكذلك حرم الدم، وهو السائل الذي يجري في الأوردة والشرايين ويعطي الجسم الدفء والحرارة وينقل الغذاء، وللدم مجالان في الجريان؛ فهو يحمل الفضلات من الكلى والرئة، وهناك دم نقي يحمل الغذاء، والأوعية الدموية بها لونان من الدم: دم فاسد ودم صالح. وعندما نأخذ هذا الدم قد يكون فيه النوع الصالح ويكون فيه أيضاً النوع الذي لم تخرج منه الشوائب التي في الكلى والرئة، ولذلك يسمونه الدم المسفوح، أي الجاري؛ وكانوا يأخذونه قديما ويملأون به أمعاء الذبائح ويقومون بشيه ويأكلونه.
وهناك دم غير فاسد، مثال ذلك الكبد، فهو قطعة متوحدة، وكذلك الطحال، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال:
«أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالسمك والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال»
إذن فالكبد والطحال مستثنيان من الدم، لكن إذا جئنا للدم المسفوح فهو حرام. والحكمة في تحليل السمك والجراد هي عدم وجود نفس سائلة بهما،
2914
فليس في لحمها دم سائل، وعندما نقطع سمكة كبيرة لا ينزل منها دم.
بل يوجد فقط عند الأغشية التي في الرأس ولا يوجد في شعيراته. وعندما يموت السمك ويؤكل فلا خطر منه، وكذلك الجراد.
ويأتي بعد ذلك في سلسلة المحرمات ﴿وَلَحْمُ الخنزير﴾. ولا يقولن مؤمن: لماذا حرم الله لحم الخنزير؟ لقد ذهب العلم إلى كل مبحث ليعرف لماذا حرم الله الميتة وكذلك الدم حتى عرف العلماء أن الله لا يريد أن ينقل داء من حيوان ميت إلى الإنسان، وكذلك حرم الله الدم لأن به فضلات سامة «كالبولينا» وغيرها.
ولكل تحريم حكمة قد تكون ظاهرة، وقد تكون خافية. والقرآن قد نزل على رسول أمي في أمة أمية لا تعرف المسائل العلمية الشديدة التعقيد، وطبق المؤمنون الأوائل تعاليم القرآن لأن الله الذي آمنا به إلها حكيما هو قائلها، وهو يريد صيانة صنعته؛ وكل صانع من البشر يضع قواعد صيانة ما صنع. ولم نجد صانع أثاث - مثلا - يحطم دولاب ملابس، بل نجده باذلا الجهد ليجمل الصنعة، ومادام الله هو الذي خلقنا وآمنا به إلها؛ فلا بد لنا أن ننفذ ما يأمرنا به، وأن نتجنب ما نهانا عنه، ولا يمنع ذلك أن نتلمس أسباب العلم، رغبة في ازدياد أسباب الإيمان بالله ومن أجل أن نرد على أي فضولي مجادل، على الرغم من أنه ليس من حق أحد أن يجادل في دين الله؛ لأن الذي يرغب في الجدال فليجادل في القمة أولاً؛ وهي وجود الله، وفي البلاغ عن الله بواسطة الرسول؛ فإن اقتنع، فعليه أن يطبق ما قاله الله. فالدين لا يمكن أن نبحثه من أذنابه، ولكن يبحث الدين من قمته. ونحن ننفذ أوامر الله. ولذلك نجد أول حكم يأتي لم يقل الحق فيه: يا أيها الناس كتب عليكم كذا، ولكن سبحانه يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ أي يا من آمنت بي خذ الحكم مني.
وأكرر المثل الذي ضربته سابقاً: أثمن ما عند الإنسان صحته، فإذا تعرضت صحته للاختلال فهو يدرس الأسباب؛ إن كان يرهقه الطعام يختار طبيبا على درجة علم عالية في الجهاز الهضمي، ويكتب الطبيب الدواء، ولا يقول المريض للطبيب: أنا لن أتناول هذا الدواء إلا إذا قلت لي لماذا وماذا سيفعل هذا الدواء.
بل يوجد فقط عند الأغشية التي في الرأس ولا يوجد في شعيراته. وعندما يموت السمك ويؤكل فلا خطر منه، وكذلك الجراد.
ويأتي بعد ذلك في سلسلة المحرمات ﴿وَلَحْمُ الخنزير﴾. ولا يقولن مؤمن: لماذا حرم الله لحم الخنزير؟ لقد ذهب العلم إلى كل مبحث ليعرف لماذا حرم الله الميتة وكذلك الدم حتى عرف العلماء أن الله لا يريد أن ينقل داء من حيوان ميت إلى الإنسان، وكذلك حرم الله الدم لأن به فضلات سامة «كالبولينا» وغيرها.
ولكل تحريم حكمة قد تكون ظاهرة، وقد تكون خافية. والقرآن قد نزل على رسول أمي في أمة أمية لا تعرف المسائل العلمية الشديدة التعقيد، وطبق المؤمنون الأوائل تعاليم القرآن لأن الله الذي آمنا به إلها حكيما هو قائلها، وهو يريد صيانة صنعته؛ وكل صانع من البشر يضع قواعد صيانة ما صنع. ولم نجد صانع أثاث - مثلا - يحطم دولاب ملابس، بل نجده باذلا الجهد ليجمل الصنعة، ومادام الله هو الذي خلقنا وآمنا به إلها؛ فلا بد لنا أن ننفذ ما يأمرنا به، وأن نتجنب ما نهانا عنه، ولا يمنع ذلك أن نتلمس أسباب العلم، رغبة في ازدياد أسباب الإيمان بالله ومن أجل أن نرد على أي فضولي مجادل، على الرغم من أنه ليس من حق أحد أن يجادل في دين الله؛ لأن الذي يرغب في الجدال فليجادل في القمة أولاً؛ وهي وجود الله، وفي البلاغ عن الله بواسطة الرسول؛ فإن اقتنع، فعليه أن يطبق ما قاله الله. فالدين لا يمكن أن نبحثه من أذنابه، ولكن يبحث الدين من قمته. ونحن ننفذ أوامر الله. ولذلك نجد أول حكم يأتي لم يقل الحق فيه: يا أيها الناس كتب عليكم كذا، ولكن سبحانه يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ﴾ أي يا من آمنت بي خذ الحكم مني.
وأكرر المثل الذي ضربته سابقاً: أثمن ما عند الإنسان صحته، فإذا تعرضت صحته للاختلال فهو يدرس الأسباب؛ إن كان يرهقه الطعام يختار طبيبا على درجة علم عالية في الجهاز الهضمي، ويكتب الطبيب الدواء، ولا يقول المريض للطبيب: أنا لن أتناول هذا الدواء إلا إذا قلت لي لماذا وماذا سيفعل هذا الدواء.
2915
إذن فالعقل مهمته أن ينتهي إلى الطبيب الذي اقتنع به، وما كتبه الطبيب من تعاليم فعليك تنفيذها، وكذلك الإيمان بالله، فمادام الإنسان قد آمن بالله إلها فعليه أن ينفذ الأوامر في حركة الحياة ب «افعل» و «لا تفعل»، والمريض لا يناقش طبيبا، فكيف يناقش أي إنسان ربه: «لم كتبت علي هذا» ؟
والطبيب من البشر قد يخطئ؛ وقد يتسبب في موت مريض، وعندما نشك في قدرة طبيب ما نستدعي عدداً من الأطباء لاستشارة كبيرة.
وننفذ أوامر الأطباء، ولا يجرؤ أحد أن يناقش الله سبحانه وتعالى بل نقول: كل أوامرك مطاعة.
إننا ننفذ أوامر الأطباء فكيف لا ننفذ أوامر الله؟ إن الإنسان يضع ثثقته في البشر الخطائين، ولا يمكن - إذن - أن تعلو على الثقة في رب السماء؛ لذلك فالعاقلون هم الذين أخذوا أوامر الله وطبقوها جون من مناقشة؛ لأن العقل كالمطية يوصل الإنسان إلى عتبة السلطان، ولكن لا يدخل معك عليه، وحين تسمع من الله فأنت تنفذ ما أمر به.
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير﴾ وقد أثبتت التحليلات أن بلحم الخنزير دودة شريطية ودودة حلزونية وعددا آخر من الديدان التي لا يقهرها علاج.
والمحرمات من بعد ذلك ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾ أي رفع الصوت به لغير الله كقولهم: باسم اللات والعزى عند ذبحه، ولا يقال عند ذبحه: «الله أكبر بسم الله» ؛ لأن الإنسان منتفع في الكون الذي يعيش فيه بالأجناس التي طرأ عليها، لقد وجد الإنسان هذه الأجناس في انتظاره لتخدمه لأنه خليفة الله في الأرض، والحيوان له روح ولكنه يقل عن الإنسان بالتفكير، والنبات تحت الحيوان، والجماد أقل من النبات. وساعة يأخذ الإنسان خدمة هذه المسخرات، فعليه أن يذكر الخالق المنعم، وعندما يذبح الإنسان حيوانا، فهو يذبحه بإذن الأكبر من الإنسان والحيوان والكون كله، يذبحه باسم الخالق.
إن هناك من ينظر إلى اللحم قائلاً: أنا لا آكل لحم الحيوانات لأني لا أحب الذبح للحيوان شفقة ورحمة، لكن آكل النبات. ونقول: لو أدركت ما في النبات من حياة أكنت تمتنع عن أكله؟ لقد ثبت في عصرنا أن للنبات حياة، بل وللجماد حياة أيضاً؛ لأنك عندما تفتت حصوة من الصوان أو أي نوع من الأحجار، فأنت تعاند بدقات
والطبيب من البشر قد يخطئ؛ وقد يتسبب في موت مريض، وعندما نشك في قدرة طبيب ما نستدعي عدداً من الأطباء لاستشارة كبيرة.
وننفذ أوامر الأطباء، ولا يجرؤ أحد أن يناقش الله سبحانه وتعالى بل نقول: كل أوامرك مطاعة.
إننا ننفذ أوامر الأطباء فكيف لا ننفذ أوامر الله؟ إن الإنسان يضع ثثقته في البشر الخطائين، ولا يمكن - إذن - أن تعلو على الثقة في رب السماء؛ لذلك فالعاقلون هم الذين أخذوا أوامر الله وطبقوها جون من مناقشة؛ لأن العقل كالمطية يوصل الإنسان إلى عتبة السلطان، ولكن لا يدخل معك عليه، وحين تسمع من الله فأنت تنفذ ما أمر به.
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير﴾ وقد أثبتت التحليلات أن بلحم الخنزير دودة شريطية ودودة حلزونية وعددا آخر من الديدان التي لا يقهرها علاج.
والمحرمات من بعد ذلك ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾ أي رفع الصوت به لغير الله كقولهم: باسم اللات والعزى عند ذبحه، ولا يقال عند ذبحه: «الله أكبر بسم الله» ؛ لأن الإنسان منتفع في الكون الذي يعيش فيه بالأجناس التي طرأ عليها، لقد وجد الإنسان هذه الأجناس في انتظاره لتخدمه لأنه خليفة الله في الأرض، والحيوان له روح ولكنه يقل عن الإنسان بالتفكير، والنبات تحت الحيوان، والجماد أقل من النبات. وساعة يأخذ الإنسان خدمة هذه المسخرات، فعليه أن يذكر الخالق المنعم، وعندما يذبح الإنسان حيوانا، فهو يذبحه بإذن الأكبر من الإنسان والحيوان والكون كله، يذبحه باسم الخالق.
إن هناك من ينظر إلى اللحم قائلاً: أنا لا آكل لحم الحيوانات لأني لا أحب الذبح للحيوان شفقة ورحمة، لكن آكل النبات. ونقول: لو أدركت ما في النبات من حياة أكنت تمتنع عن أكله؟ لقد ثبت في عصرنا أن للنبات حياة، بل وللجماد حياة أيضاً؛ لأنك عندما تفتت حصوة من الصوان أو أي نوع من الأحجار، فأنت تعاند بدقات
2916
المطرقة ما في تلك الحصوة من تعانق الجزيئات المتماسكة، وقد تفعل ذلك وأنت لا تدري أن فيها حياة. ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤]
والصالحون من عباد الله يعرفون ذلك ويديرون لأعمالهم وتعاملهم مع ما سواهم من المخلوقات جميعا - حيوان أو جماد - على أنها مسبّحة لذلك لا يمتهنون الأشياء ولا يحتقرونها مهما دقت وحقرت وإنما يتلطفون معها حتى لو ذبحوا حيوانا فإنهم يرحمون ذلك الحيوان فلا يشحذون ولا يسنون السكين أمامه ولا يذبحون حيوانا أمام حيوان آخر فضلا على أنهم يطعمون ويسقون ما يرديون ذبحه لأنهم يعلمون أنه مسبح ولكنهم فعلوا فيه ما فعلوا لأن الله أباح لهم ذلك ليستديموا حياتهم بأكله فهم أهل تكليف من الله، أما ما عداهم فهم أهل تسخير.
﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾ تشرح لنا أن الحق هو الذي حلل لنا أن نأكل من الذي له حس وحركة، كالحيوان الذي يتطامن للإنسان فيذبحه، ولا بد للإنسان أن يعرف الشكر لواهب النعمة، ف «بسم الله الله أكبر» تؤكد أنك لم تذبحه إلا باسم من أحله لك.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧١ - ٧٢]
إذن فالأكل من ضمن التذليل، وعندما تذبح الحيوان لا بد أن تذكر من ذلل لك ذلك. ويحرم الحق أكل المنخنقة، أي الحيوان الذي مات خنقاً؛ لأن قوام الحياة ثلاثة؛ طعام، شراب، هواء، وهذا من حكمة الخالق الذي خلق الصنعة ورتب الأمر حسب الأهم والمهم، فالإنسان قد يصبر على الجوع إلى ثلاثين يوماً؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى قدر لك - أيها الإنسان - ظروف الأغيار، فجعل في جسمك مخزونا لزمن قد تجوع فيه، وجعل للإنسان شهوة إلى الطعام، وغالبا لا يأكل الإنسان ليسد الرمق فقط، ولكن بشهوة في الأكل.
إن ربنا يوضح لنا: أنا أحترم شهوتك للطعام، ولتأخذ حركتُك الضروريَّ لها
والصالحون من عباد الله يعرفون ذلك ويديرون لأعمالهم وتعاملهم مع ما سواهم من المخلوقات جميعا - حيوان أو جماد - على أنها مسبّحة لذلك لا يمتهنون الأشياء ولا يحتقرونها مهما دقت وحقرت وإنما يتلطفون معها حتى لو ذبحوا حيوانا فإنهم يرحمون ذلك الحيوان فلا يشحذون ولا يسنون السكين أمامه ولا يذبحون حيوانا أمام حيوان آخر فضلا على أنهم يطعمون ويسقون ما يرديون ذبحه لأنهم يعلمون أنه مسبح ولكنهم فعلوا فيه ما فعلوا لأن الله أباح لهم ذلك ليستديموا حياتهم بأكله فهم أهل تكليف من الله، أما ما عداهم فهم أهل تسخير.
﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾ تشرح لنا أن الحق هو الذي حلل لنا أن نأكل من الذي له حس وحركة، كالحيوان الذي يتطامن للإنسان فيذبحه، ولا بد للإنسان أن يعرف الشكر لواهب النعمة، ف «بسم الله الله أكبر» تؤكد أنك لم تذبحه إلا باسم من أحله لك.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧١ - ٧٢]
إذن فالأكل من ضمن التذليل، وعندما تذبح الحيوان لا بد أن تذكر من ذلل لك ذلك. ويحرم الحق أكل المنخنقة، أي الحيوان الذي مات خنقاً؛ لأن قوام الحياة ثلاثة؛ طعام، شراب، هواء، وهذا من حكمة الخالق الذي خلق الصنعة ورتب الأمر حسب الأهم والمهم، فالإنسان قد يصبر على الجوع إلى ثلاثين يوماً؛ لأن ربنا سبحانه وتعالى قدر لك - أيها الإنسان - ظروف الأغيار، فجعل في جسمك مخزونا لزمن قد تجوع فيه، وجعل للإنسان شهوة إلى الطعام، وغالبا لا يأكل الإنسان ليسد الرمق فقط، ولكن بشهوة في الأكل.
إن ربنا يوضح لنا: أنا أحترم شهوتك للطعام، ولتأخذ حركتُك الضروريَّ لها
2917
من الطاقة، والزائد سيُخزن في الجسم كدهون ولحم، فإن جاء يوم لا تجد فيه طعاماً أخذت من الدهون المخزونة طاقة لك. وهذه من دقة الصنعة، وإن قارنتها بسيارة صنعها الإنسان إذا ما فرغ منها الوقود فإنها تقف ولا تسير، أما صنعة الخالق فهي لا تقف إن توقف الطعام بل تستمر إلى ثلاثين يوماً، وربما حن على الإنسان قلب إنسان آخر فأحضر له الطعام، وربما احتال الإنسان ليخرج من مأزق عدم وجود الطعام.
إن المرأة العربية وصفت الشدة والعوز فقالت: «سنة أذابت الشحم، وسنة أذهبت اللحم، وسنة محت العظم» أي أن الأمر درجات، فالإنسان يتغذى من دهنه ثم من لحمه ثم من عظامه، ويصبر الإنسان على الماء مدة تترواح ما بين ثلاثة، وعشرة أيام، حسب كمية المياه المخزونة في الجسم. أما الهواء فلا يصبر عنه الإنسان إلا بمقدار الشهيق والزفير، فإن حُبس الهواء عن الإنسان مات. فالنَفَس هو أهم ضرورة للحياة، ولذلك نجد من حكمة الحق سبحانه أنه لم يملّك الهواء لأحد؛ لأن أحداً لو امتلك الهواء بالنسبة لإنسان آخر فقد يمنع عنه الهواء لحظة غضب فتنتهي منه الحياة.
واللغة العربية فيها من السعة ومن دقة الأداء ما يدل على أن هناك أسرارا للمعاني، تلتقي عند شيء ما، فمثلاً إذا قلت: نَفْس، أو نفيس، أو نفَس، نجد أنها ثلاث كلمات مكونة من مادة واحدة هي «النون والفاء والسين»، النفْس هي اتصال الروح بالمادة فتنشأ الحياة بها، ويلهم ربنا النفس فجورها وتقواها، والنَّفَس: وهو الريح تدخل وتخرج من فم وأنف الحي ذي الرئة حال التنفس ولا تدوم الحياة إلا به، ومادام أساس الحياة هو النفَس فيجب ألا تكون حياتك إلا من أجل نفيس، ويجب أن تحترم خلق الله لك وألا يكون سعيك في الدنيا إلا من أجل نفيس، ولا نفيس إلا الإيمان.
وفي اللغة العربية أمثلة كثيرة لما يسمى بالجناس، فنحن نسمي الأكل في الميعاد «وجبة»، ونسمي المسئولية «واجبا» ونسمي دقة القلب «الوجيب». ولذلك عندما أراد الشعراء أن يتفننوا جاء واحد منهم بلفظين متماثلين ولكل منهما معنى مختلف فقال:
إن المرأة العربية وصفت الشدة والعوز فقالت: «سنة أذابت الشحم، وسنة أذهبت اللحم، وسنة محت العظم» أي أن الأمر درجات، فالإنسان يتغذى من دهنه ثم من لحمه ثم من عظامه، ويصبر الإنسان على الماء مدة تترواح ما بين ثلاثة، وعشرة أيام، حسب كمية المياه المخزونة في الجسم. أما الهواء فلا يصبر عنه الإنسان إلا بمقدار الشهيق والزفير، فإن حُبس الهواء عن الإنسان مات. فالنَفَس هو أهم ضرورة للحياة، ولذلك نجد من حكمة الحق سبحانه أنه لم يملّك الهواء لأحد؛ لأن أحداً لو امتلك الهواء بالنسبة لإنسان آخر فقد يمنع عنه الهواء لحظة غضب فتنتهي منه الحياة.
واللغة العربية فيها من السعة ومن دقة الأداء ما يدل على أن هناك أسرارا للمعاني، تلتقي عند شيء ما، فمثلاً إذا قلت: نَفْس، أو نفيس، أو نفَس، نجد أنها ثلاث كلمات مكونة من مادة واحدة هي «النون والفاء والسين»، النفْس هي اتصال الروح بالمادة فتنشأ الحياة بها، ويلهم ربنا النفس فجورها وتقواها، والنَّفَس: وهو الريح تدخل وتخرج من فم وأنف الحي ذي الرئة حال التنفس ولا تدوم الحياة إلا به، ومادام أساس الحياة هو النفَس فيجب ألا تكون حياتك إلا من أجل نفيس، ويجب أن تحترم خلق الله لك وألا يكون سعيك في الدنيا إلا من أجل نفيس، ولا نفيس إلا الإيمان.
وفي اللغة العربية أمثلة كثيرة لما يسمى بالجناس، فنحن نسمي الأكل في الميعاد «وجبة»، ونسمي المسئولية «واجبا» ونسمي دقة القلب «الوجيب». ولذلك عندما أراد الشعراء أن يتفننوا جاء واحد منهم بلفظين متماثلين ولكل منهما معنى مختلف فقال:
2918
رحلت عن الديار لكم أسير | وقلبي في محبتكم أسير |
فالمنخنقة إذن هي التي منع عنها النفس، ومادام مَنْع النفس أوصلها إلى الخنق فهي إلى الموت، فلماذا جاء ذكرها مرة أخرى بعد الميتة؟ لقد جاء ذكر المنخنقة لأن الإنسان قد يلحقها بالذبح، فإن سال منها دم، وطرفت فيها عين أو تحرك الذيل فهي حلال. أما إن لم يلحقها الإنسان وذبحها ولم يسل منها دم فهي حرام، ويحرم الحق الموقوذة، وهي البهيمة التي يتم ضربها بأي شيء إلى أن تصل للموت، فهي قد ماتت، بنقض بنية وكذلك المتردية التي وقعت من ارتفاع حتى ماتت، وكذلك ﴿والنطيحة﴾ أي التي نطحها حيوان آخر إلى أن ماتت. ﴿وَمَآ أَكَلَ السبع﴾ وهو ما يبقى من أكل السبع من لحم ما افترسه من حيوان مأكول، ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، والذكاة هي الذبح الذي يسيل منه الدم وتأتي بعده حركة من المذبوح. والمقصود بقوله ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ هو المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، فإن أدركها الإنسان وذبحها وسال منها دم وصدرت منها حركة فهي حلال.
هذا هو رأي علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وهو مفتي الإيمان. وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - وهو حَبْر الأمة قال - أيضا - في قوله الحق: ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ هو استثناء لغير الميتة والدم ولحم الخنزير ومقصود به المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة. وهذا يوضح لنا أن هناك حيوانات شرسة قد لا يقوى الإنسان عليها. وأحياناً قد يقدر الإنسان عليها فيقوم بتكتيفها بالحبال، وأحيانا يضربها بآلة لتختل وتضعف قليلا ويتملكها الجزار ليذبحها.
ونلاحظ أن الحق لم يحدد الحيز من الجسم الذي أصيبت فيه الموقوذة سواء أكان البطن أم الرأس أم الظهر، فالحيوان المضروب رميا بالحجارة قد تأتي الأحجار في الرأس أو البطن أو الظهر، فمن الجائز أن يضرب الإنسان الحيوان الشرس ليستطيع أن يذبحه.
والحجة عندنا في التحليل أو التحريم هي: أيسيل منها الدم ساعة الذبح أم لا؟
2919
وهل يصدر عن جسمها حركة ولو طرفة عين؟ فإن توافر ذلك في الذبيحة فهي حلال، وهكذا نعرف أن قوله الحق: ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ هو استثناء لغير الثلاثة الأول وهي: الميتة والدم ولحم الخنزير ومعها ما أهل لغير الله به لأنه محرم بطبيعة الإيمان العقدي.
﴿وَمَآ أَكَلَ السبع إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب﴾ ويحرم الحق ما أكله السبع إلا إذا كان الحيوان الذي أكله السبع لم يمت واستطاع واحد أن يذبحه الذبح الشرعي. وسبحانه يحريم ما لم يذبح بالأسلوب الشرعي، فلا يحل ذَبْح بعظم أو بِسِنّ والذي ذبح على النصب، أي المذبوح على الأحجار المنصوبة كالأصنام فهو حرام، والكلام هنا عقدي، والتحريم هنا بعارض عقدي.
و «النُّصُب» من الألفاظ التي وردت مفرداً ووردت جمعاً. ف «نصُب» هي جمع، مثلما نجمع كلمة «حمار» ونقول «حُمُر»، وفي هذه الحالة يكون مفردها «نِصاب»، ومرة تكون «نصب» مفرداً، مثلها مثل «طُنُب» وهو الحبل وجمعها «أطناب» أي حبال، وفي هذه الحالة يكون جمع «نُصُب» هو «أنْصَاب».
والنُّصُب هي حجارة كانت منصوبة حول الكعبة يذبح عليها المشركون الذبائح تقرباً للآلهة. والتحريم هنا بسبب عقدي مثله مثل تحريم ما أهل لغير الله به، فما أهل لغير الله فيه شرك بالله فافتقد ذكر الله الذي ذلل للإنسان هذا الحيوان القريب من الإنسان في الحس والحركة وغير ذلك. وكذلك أيضاً ما ذبح على النصب محرم؛ لأن النصب غير واهب ولا معط، والواجب أن نتقرب إلى الواجد الواهب.
﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام﴾ واستسقم أي طلب القسمة، وكانت القسمة في بعض الأحيان عملية محرجة فيريدون إلصاقها بعيرهم، وهنا يقال: «إن الأزلام هي التي أمرتني». والأزلام هي قداح من الخشب مكتوب على بعضها: «أمرني ربي» ومكتوب على البعض الآخر: «نهاني ربي» وبعض من هذه القداح غفل بغير كتابة. وكان المشرك إذا أراد السفر فهو يذهب إلى سادن الكعبة أو الكاهن، ويخرج السادن أو الكاهن الأزلام من الكيس، ويحرك القداح ويختار المشرك قِدْحاً، فإن قرأ عليه «أمرني ربي» يسافر إلى المهمة التي يريدها، وإن لم يقرأ عليه ووجده غفلا فهو يعيد الكَرَّةَ؛ فإن وجد «نهاني ربي» لا يسافر.
﴿وَمَآ أَكَلَ السبع إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب﴾ ويحرم الحق ما أكله السبع إلا إذا كان الحيوان الذي أكله السبع لم يمت واستطاع واحد أن يذبحه الذبح الشرعي. وسبحانه يحريم ما لم يذبح بالأسلوب الشرعي، فلا يحل ذَبْح بعظم أو بِسِنّ والذي ذبح على النصب، أي المذبوح على الأحجار المنصوبة كالأصنام فهو حرام، والكلام هنا عقدي، والتحريم هنا بعارض عقدي.
و «النُّصُب» من الألفاظ التي وردت مفرداً ووردت جمعاً. ف «نصُب» هي جمع، مثلما نجمع كلمة «حمار» ونقول «حُمُر»، وفي هذه الحالة يكون مفردها «نِصاب»، ومرة تكون «نصب» مفرداً، مثلها مثل «طُنُب» وهو الحبل وجمعها «أطناب» أي حبال، وفي هذه الحالة يكون جمع «نُصُب» هو «أنْصَاب».
والنُّصُب هي حجارة كانت منصوبة حول الكعبة يذبح عليها المشركون الذبائح تقرباً للآلهة. والتحريم هنا بسبب عقدي مثله مثل تحريم ما أهل لغير الله به، فما أهل لغير الله فيه شرك بالله فافتقد ذكر الله الذي ذلل للإنسان هذا الحيوان القريب من الإنسان في الحس والحركة وغير ذلك. وكذلك أيضاً ما ذبح على النصب محرم؛ لأن النصب غير واهب ولا معط، والواجب أن نتقرب إلى الواجد الواهب.
﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام﴾ واستسقم أي طلب القسمة، وكانت القسمة في بعض الأحيان عملية محرجة فيريدون إلصاقها بعيرهم، وهنا يقال: «إن الأزلام هي التي أمرتني». والأزلام هي قداح من الخشب مكتوب على بعضها: «أمرني ربي» ومكتوب على البعض الآخر: «نهاني ربي» وبعض من هذه القداح غفل بغير كتابة. وكان المشرك إذا أراد السفر فهو يذهب إلى سادن الكعبة أو الكاهن، ويخرج السادن أو الكاهن الأزلام من الكيس، ويحرك القداح ويختار المشرك قِدْحاً، فإن قرأ عليه «أمرني ربي» يسافر إلى المهمة التي يريدها، وإن لم يقرأ عليه ووجده غفلا فهو يعيد الكَرَّةَ؛ فإن وجد «نهاني ربي» لا يسافر.
2920
ونسأل: من هو الرب الذي أمر؟ هل هو الرب الأعلى، أو الرب الذي كانوا يعبدونه؟ أي إله كانوا يقصدون؟ إن كان المقصود به الإله الأعلى، فمن أدراهم أن الله أمر بهذا السفر أو نهى عن ذلك السفر؟ إن ذلك كذب على الله. وإن كان الذي أمر هو الرب الذي يعبدونه، فهذا أمر باطل من أساسه، إذن ف «استقسم» أي أنّه طلب حظه وقسمته بواسطة القداح. وكان الاستقسام يتم في مسائل الزواج أو عدم الزواج، والكلام هنا في هذه الآية عن الأكل؛ فالسياق عن تحليل ألوان الطعام فلماذا هذا الاستقسام؟
من هذا نعرف أنهم كانوا في الجاهلية يخضعون للون من الاستقسام بالأزلام، كانت عندهم عشرة قداح وكان مكتوبا عليها أسماء، فواحد على سبيل المثال مكتوب عليه «الفذ» وعليه علامة واحدة.
أي أن الذي يسحب هذا القدح يأخذ نصيبا واحداً؛ أما المكتوب عليه «التوأم» فيأخذ نصيبين، والمكتوب عليه «الرقيب» يأخذ ثلاثة أنصباء، والمكتوب عليه «الحِلس» يأخذ أربعة أنصباء، والمكتوب عليه «النافر» يأخذ خمسة أنصباء؛ والمكتوب عليه «المُسْبل» يأخذ ستة أنصبة، ووالمكتوب عليه «المُعلّي» يأخذ سبعة أنصبة، والباقي ثلاثة أنواع مكتوب على كل واحد منها إما «المنيح» وإمّا «السفيح» وإمّا «الوغد».
وعندما يقومون بذبح الجمل كانوا يقسمونه إلى ثمانية وعشرين نصيباً بعدد الأنصبة التي ينالها الأشخاص السبعة الأوائل، أما من خرج لهم «المنيح» أو «السفيح» أو «الوغد» فلا نصيب لهم ويدفعون ثمن الذبيحة.
إذن فقوله الحق: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام﴾ أي أن مسألة طلب القسمة بواسطة الأزلام هو أسلوب مجحف وحرام، وهو لون من الميسر، والاستقسام بالأزلام خلاف القرعة، فالقرعة تكون بين اثنين متساويين ولا يريد أحدهما أن يظلم الآخر، فيخرجا الهوى من الاختيار.
مثال ذلك: اثنان من البشر يملكان بيتاً، وتحري كل منهما العدل في القسمة ويلجآن إلى القرعة بأن يكتب كل منهما اسمه في ورقة ثم يضعا الورقتين في إناء ضيق ويحضر طفل صغير لا يعرف المسألة ويغمض عينيه ويشد ورقة من الاثنتين، فيأخذ كل واحد النصيب الذي حددته القرعة.
من هذا نعرف أنهم كانوا في الجاهلية يخضعون للون من الاستقسام بالأزلام، كانت عندهم عشرة قداح وكان مكتوبا عليها أسماء، فواحد على سبيل المثال مكتوب عليه «الفذ» وعليه علامة واحدة.
أي أن الذي يسحب هذا القدح يأخذ نصيبا واحداً؛ أما المكتوب عليه «التوأم» فيأخذ نصيبين، والمكتوب عليه «الرقيب» يأخذ ثلاثة أنصباء، والمكتوب عليه «الحِلس» يأخذ أربعة أنصباء، والمكتوب عليه «النافر» يأخذ خمسة أنصباء؛ والمكتوب عليه «المُسْبل» يأخذ ستة أنصبة، ووالمكتوب عليه «المُعلّي» يأخذ سبعة أنصبة، والباقي ثلاثة أنواع مكتوب على كل واحد منها إما «المنيح» وإمّا «السفيح» وإمّا «الوغد».
وعندما يقومون بذبح الجمل كانوا يقسمونه إلى ثمانية وعشرين نصيباً بعدد الأنصبة التي ينالها الأشخاص السبعة الأوائل، أما من خرج لهم «المنيح» أو «السفيح» أو «الوغد» فلا نصيب لهم ويدفعون ثمن الذبيحة.
إذن فقوله الحق: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام﴾ أي أن مسألة طلب القسمة بواسطة الأزلام هو أسلوب مجحف وحرام، وهو لون من الميسر، والاستقسام بالأزلام خلاف القرعة، فالقرعة تكون بين اثنين متساويين ولا يريد أحدهما أن يظلم الآخر، فيخرجا الهوى من الاختيار.
مثال ذلك: اثنان من البشر يملكان بيتاً، وتحري كل منهما العدل في القسمة ويلجآن إلى القرعة بأن يكتب كل منهما اسمه في ورقة ثم يضعا الورقتين في إناء ضيق ويحضر طفل صغير لا يعرف المسألة ويغمض عينيه ويشد ورقة من الاثنتين، فيأخذ كل واحد النصيب الذي حددته القرعة.
2921
ومثال آخر: الرجل المتزوج بأكثر من واحدة، عليه أن يقرع بين النساء إن أراد صحبة إحداهن في سفر، والقرعة هنا حتى لا تغضب واحدة من الزوجات، وحتى لا يكون الهوى هو الحكم، وبذلك يخرج من دائرة لوم مَن لا تخرج قرعتها.
ولنا في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الأسوة الحسنة، فعندما أراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ألا يكسر خاطر أي واحد من الأنصار عندما هاجر إلى المدينة، وتطلع كل واحد من الأنصار إلى أن ينزل رسول الله في بيته، وحاول كل واحد أن يمسك بزمام الناقة وأن يجعلها تقف أمام بيته، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«خلوا سبيلها فإنها مأمورة»
فعندما تميل الناقة وتقف عند أي بيت لن يقول أحد: إن النبي آثر فلاناً على فلان. جعلها الرسول في يد من لا يقدر أحد على ان يخالفه عليه، وكذلك فالاستخارة غير الاستقسام. إذن فالاستقسام بالأزلام هو المحرم شرعاً؛ لأنها عملية غير مناسبة وهي ظالمة، ووردت هنا في سياق ألوان الطعام.
ويقول سبحانه عن كل تلك الألوان من المحرمات؛ إنَّ ارتكابها فسق. ﴿ذلكم فِسْقٌ﴾ والفسق هو الخروج عن الطاعة. والمعاني - كما علمنا من قبل - مأخوذة من المحسّات؛ لأن إلف الإنسان في أول إدراكاته بالمحسات، فهو يرى ويسمع ويشم، وبعد ذلك تأتي الأمور العقلية.
وأصل الفسق هو خروج الرطبة عن قشرتها؛ فالبلحة عندما تترطب تنكمش الثمرة داخل القشرة وتخرج منها عندئذ يقال: «فسقت الرطبة» أي خرجت من قشرتها، وكذلك من يخرج عن منهج الله يسمونه فاسقاً؛ تماماً مثل الرطبة، وفي هذا رمزية تدل على أن شرع الله سياج يحيط بالإنسان؛ فالذي يخرج عن منهج الله يكون فاسقاً. وإياك أيها المسلم أن تخرج عن شرع الله؛ لأن الرطبة عندما تخرج عن القشرة فالذباب يحوم حولها ويصيبها التراب وتعافها النفس، فَكَان دين الله كإطار يحمي الإنسان بالإيمان.
ولنا في رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الأسوة الحسنة، فعندما أراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ألا يكسر خاطر أي واحد من الأنصار عندما هاجر إلى المدينة، وتطلع كل واحد من الأنصار إلى أن ينزل رسول الله في بيته، وحاول كل واحد أن يمسك بزمام الناقة وأن يجعلها تقف أمام بيته، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«خلوا سبيلها فإنها مأمورة»
فعندما تميل الناقة وتقف عند أي بيت لن يقول أحد: إن النبي آثر فلاناً على فلان. جعلها الرسول في يد من لا يقدر أحد على ان يخالفه عليه، وكذلك فالاستخارة غير الاستقسام. إذن فالاستقسام بالأزلام هو المحرم شرعاً؛ لأنها عملية غير مناسبة وهي ظالمة، ووردت هنا في سياق ألوان الطعام.
ويقول سبحانه عن كل تلك الألوان من المحرمات؛ إنَّ ارتكابها فسق. ﴿ذلكم فِسْقٌ﴾ والفسق هو الخروج عن الطاعة. والمعاني - كما علمنا من قبل - مأخوذة من المحسّات؛ لأن إلف الإنسان في أول إدراكاته بالمحسات، فهو يرى ويسمع ويشم، وبعد ذلك تأتي الأمور العقلية.
وأصل الفسق هو خروج الرطبة عن قشرتها؛ فالبلحة عندما تترطب تنكمش الثمرة داخل القشرة وتخرج منها عندئذ يقال: «فسقت الرطبة» أي خرجت من قشرتها، وكذلك من يخرج عن منهج الله يسمونه فاسقاً؛ تماماً مثل الرطبة، وفي هذا رمزية تدل على أن شرع الله سياج يحيط بالإنسان؛ فالذي يخرج عن منهج الله يكون فاسقاً. وإياك أيها المسلم أن تخرج عن شرع الله؛ لأن الرطبة عندما تخرج عن القشرة فالذباب يحوم حولها ويصيبها التراب وتعافها النفس، فَكَان دين الله كإطار يحمي الإنسان بالإيمان.
2922
وهذه الأحكام كلها تبني قضية الدين، قضية عقدية في الألوهية، قضية البلاغ عن الألوهية بواسطة الرسالة. وأحكام تنظم حركة المجتمع بالعقود والأمانات والأنكحة وغيرها، كل هذه الأحكام تصنع هيكل الدين العام. وقد مر هيكل الدين العام بمرحلتين: المرحلة المكية وكان كل هدفها التركيز على العقيدة والإيمان بوحدانية الله والنبوات والبلاغ عن الله، وبعد ذلك في المرحلة المدنية جاءت سورة النساء وسورة المائدة لتتكلما عن الأحكام.
وبالعقيدة وبالبلاغ عن الله وبالأحكام يكتمل الدين؛ لذلك يقول الحق: ﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾ كأن الكافرين كان لهم أمل في أن يحبطوا هذا الدين وأن يبطلوه وأن ينقضوه، وكذلك المؤمنون بأديان سابقة أو بكتب سابقة كانوا يحبون أن يطرأ على القرآن الأفعال التي مارسوها مع كتابهم من النسيان والترك والتحريف، وسبحانه هو القائل عن أصحاب الكتب السابقة: ﴿وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ﴾ [المائدة: ١٣]
إذن فقد أرادوا أن ينسى المسلمون - أيضاً - حظاً من القرآن، لكن الحق يخبر بأنهم يئسوا أن ينسى المسلمون حظا مما ذكروا به؛ لأن الصحابة حفظوا القرآن في الصدور وكتبوه في السطور ومن لسان الرسول مباشرة. ولم يحدث مثلما حدث مع الرسل السابقين. فقد تم تسجيل هذه الكتب المنزلة عليهم بعد ثلاثة أو أربعة قرون، بل أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بكتابة القرآن من فور نزول كل نجم من الآيات، وكان يأمر بوضع الآيات بترتيب معين.
إن على الذين كفروا أن ييأسوا من أن ينسى المسلمون حظاً مما ذكروا به. وهؤلاء القوم من أهل الكتاب لم ينسوا حظاً مما ذكروا به فقط، لا أيضاً حرفوا الكتاب عن مواضعه وكتموا ما أنزل الله: ﴿إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أولئك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النار﴾ [البقرة: ١٧٤]
وبالعقيدة وبالبلاغ عن الله وبالأحكام يكتمل الدين؛ لذلك يقول الحق: ﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾ كأن الكافرين كان لهم أمل في أن يحبطوا هذا الدين وأن يبطلوه وأن ينقضوه، وكذلك المؤمنون بأديان سابقة أو بكتب سابقة كانوا يحبون أن يطرأ على القرآن الأفعال التي مارسوها مع كتابهم من النسيان والترك والتحريف، وسبحانه هو القائل عن أصحاب الكتب السابقة: ﴿وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ﴾ [المائدة: ١٣]
إذن فقد أرادوا أن ينسى المسلمون - أيضاً - حظاً من القرآن، لكن الحق يخبر بأنهم يئسوا أن ينسى المسلمون حظا مما ذكروا به؛ لأن الصحابة حفظوا القرآن في الصدور وكتبوه في السطور ومن لسان الرسول مباشرة. ولم يحدث مثلما حدث مع الرسل السابقين. فقد تم تسجيل هذه الكتب المنزلة عليهم بعد ثلاثة أو أربعة قرون، بل أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بكتابة القرآن من فور نزول كل نجم من الآيات، وكان يأمر بوضع الآيات بترتيب معين.
إن على الذين كفروا أن ييأسوا من أن ينسى المسلمون حظاً مما ذكروا به. وهؤلاء القوم من أهل الكتاب لم ينسوا حظاً مما ذكروا به فقط، لا أيضاً حرفوا الكتاب عن مواضعه وكتموا ما أنزل الله: ﴿إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أولئك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النار﴾ [البقرة: ١٧٤]
2923
وهم يئسوا من أن يكتم المسلمون ما أنزل الله، بدليل أن رسول الله صلى اله عليه وسلم كان يأتي بحكم في شيء، ثم يغير الله ذلك الحكم، فلا يستحي رسول الله أن يبلغ: أن الحكم الذي قلته لكم قد غيره الله لي.
وهل يستنكف أن يعدل الله له؟ وهذا دليل على أمانة البلاغ عن الله؛ لذلك يئس الكافرون بألوانهم المختلفة من أن ينسى المؤمنون حظا مما ذكروا به؛ لأن تسجيل القرآن كان أمينا بصورة لا نهاية لها، وظل القرآن مكتوباً في السطور ومحفوظاً في الصدور.
والحق يعلن عن يأس الكفار من مشركين وأهل كتاب بقوله: ﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾ يئسوا لأن المراحل التي مرت بالكتب السابقة لن تمر بهذا الدين. وقد توهم أهل الكتاب أن الإسلام سيمر بما طرأ عليهم، وظن بعضهم أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار إليه أهل الكتاب من ترك لدينهم وإهدار له. وكذلك ظن بعض كفار قريش أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار إليه أهل الكتاب، فقد كانت عندهم التوراة وهم مع ذلك لا يتبعون كتابهم، فيرد الحق على كل هؤلاء: ﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾.
وقوله: «اليوم» يعني الزمان الذي مضى والزمان المستبقل، فقد أتم الله دين الإسلام ورضيه لنا وفتحت مكة للمسلمين ودخل الناس في دين الله أفواجا. وصار القرآن مكتوباً ومحفوظاً. وبذلك تأكد يأس الكافرين والمشركين أن يُنسى القرآن أو أن يُكتم القرآن؛ لأن من أنزل عليه الكتاب، كان إذا جاء أمر يتعلق به فهو يقوله. وعندما مال قلب المسلمين ذات مرة إلى تبرئة المسلم الذي سرق وأن تلصق التهمة باليهودي البريء، هنا نزل من القرآن قوله: ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾ [النساء: ١٠٥]
لقد أمر الحق أن يكون النبي هو الحكم العدل حتى ولو كان حكماً ضد مسلم ويأمر الحق رسوله أن يستغفر الله إن كان قد ألم به خاطر أن ينصر المسلم الخائن على اليهودي الذي لم يسرق، إنها سماحة دين الإسلام.
وهل يستنكف أن يعدل الله له؟ وهذا دليل على أمانة البلاغ عن الله؛ لذلك يئس الكافرون بألوانهم المختلفة من أن ينسى المؤمنون حظا مما ذكروا به؛ لأن تسجيل القرآن كان أمينا بصورة لا نهاية لها، وظل القرآن مكتوباً في السطور ومحفوظاً في الصدور.
والحق يعلن عن يأس الكفار من مشركين وأهل كتاب بقوله: ﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾ يئسوا لأن المراحل التي مرت بالكتب السابقة لن تمر بهذا الدين. وقد توهم أهل الكتاب أن الإسلام سيمر بما طرأ عليهم، وظن بعضهم أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار إليه أهل الكتاب من ترك لدينهم وإهدار له. وكذلك ظن بعض كفار قريش أن المسلمين سيصيرون إلى ما صار إليه أهل الكتاب، فقد كانت عندهم التوراة وهم مع ذلك لا يتبعون كتابهم، فيرد الحق على كل هؤلاء: ﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾.
وقوله: «اليوم» يعني الزمان الذي مضى والزمان المستبقل، فقد أتم الله دين الإسلام ورضيه لنا وفتحت مكة للمسلمين ودخل الناس في دين الله أفواجا. وصار القرآن مكتوباً ومحفوظاً. وبذلك تأكد يأس الكافرين والمشركين أن يُنسى القرآن أو أن يُكتم القرآن؛ لأن من أنزل عليه الكتاب، كان إذا جاء أمر يتعلق به فهو يقوله. وعندما مال قلب المسلمين ذات مرة إلى تبرئة المسلم الذي سرق وأن تلصق التهمة باليهودي البريء، هنا نزل من القرآن قوله: ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾ [النساء: ١٠٥]
لقد أمر الحق أن يكون النبي هو الحكم العدل حتى ولو كان حكماً ضد مسلم ويأمر الحق رسوله أن يستغفر الله إن كان قد ألم به خاطر أن ينصر المسلم الخائن على اليهودي الذي لم يسرق، إنها سماحة دين الإسلام.
2924
﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾. ولقد تم دين الله. ودخل الناس إلى الإسلام أفواجا. ولن يُنسى القرآن. ولن يكتم القرآن أحد. ولن يحرف القرآن أحد. ولن يحدث للقرآن ما حدث للكتب السابقة من نسيان وكتمان وتحريف، أو الإتيان بأشياء أخرى والقول والزعم بأنها من عند الله، وهي ليست من عند الله. إذن فقد يئس الذين كفروا من أن يتزيد المسلمون في دينهم. ولن توجد بين المسلمين تلك المثالب والعيوب التي ظهرت في الأقوام السابقة.
﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْْ﴾ لقد يئسوا من أن يُغلب الإسلام، بل إن الإسلام سَيَغْلب. وأرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ﴾ وقد حكم سبحانه ألا يأتي أمر يحقق لأعداء الإسلام الشماتة به، أو أن تتحقق لهم الفرصة في انكسار الإسلام، فلا تخشوهم أيها المسلمون لأنكم منصورون عليهم، ولن تدخلوا في أسباب الخيبة التي دخلوا فيها. وعليكم أيها المؤمنون بخشية الله.
ولو أراد أحد تغيير شيء من منهجه سبحانه سيلقى العقاب، وسبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فكتاب الله معكم وترك فيكم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ منهجه، فإن خالفتم المنهج فستتلقون العقاب، كما هزم الله المسلمين في أحُد أمام المشركين لأنهم خالفوا المنهج. فما نفعهم أنهم كانوا مسلمين منسوبين للإسلام بينما هم يخالفون عن أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. إذن فلا خشية من المسلمين لأعدائهم. ولكن الخشية تكون لله، فإن خفتم فخافوا الله وحافظوا على تنفيذ منهج الله. ومادام سبحانه هو الآمر: لا تخش أعداء الله لأنه زرع في قلوبهم اليأس من أن ينسى المسلمون المنهج، او أن يتزايدوا في الدين، أو يكتموا الدين، فهم لا يحرفونه ولا يزيدون فيه. إذن فالعيب كل العيب ألا تطبقوا منهج الله.
﴿اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ والإكمال هو أن يأتي الشيء على كماله، وكمال الشيء باستيفاء أجزائه، واستيفاء كل جزء للمراد منه. وقد أتم الله استمرار النعمة بتمام المنهج.
﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْْ﴾ لقد يئسوا من أن يُغلب الإسلام، بل إن الإسلام سَيَغْلب. وأرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ﴾ وقد حكم سبحانه ألا يأتي أمر يحقق لأعداء الإسلام الشماتة به، أو أن تتحقق لهم الفرصة في انكسار الإسلام، فلا تخشوهم أيها المسلمون لأنكم منصورون عليهم، ولن تدخلوا في أسباب الخيبة التي دخلوا فيها. وعليكم أيها المؤمنون بخشية الله.
ولو أراد أحد تغيير شيء من منهجه سبحانه سيلقى العقاب، وسبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فكتاب الله معكم وترك فيكم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ منهجه، فإن خالفتم المنهج فستتلقون العقاب، كما هزم الله المسلمين في أحُد أمام المشركين لأنهم خالفوا المنهج. فما نفعهم أنهم كانوا مسلمين منسوبين للإسلام بينما هم يخالفون عن أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. إذن فلا خشية من المسلمين لأعدائهم. ولكن الخشية تكون لله، فإن خفتم فخافوا الله وحافظوا على تنفيذ منهج الله. ومادام سبحانه هو الآمر: لا تخش أعداء الله لأنه زرع في قلوبهم اليأس من أن ينسى المسلمون المنهج، او أن يتزايدوا في الدين، أو يكتموا الدين، فهم لا يحرفونه ولا يزيدون فيه. إذن فالعيب كل العيب ألا تطبقوا منهج الله.
﴿اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ والإكمال هو أن يأتي الشيء على كماله، وكمال الشيء باستيفاء أجزائه، واستيفاء كل جزء للمراد منه. وقد أتم الله استمرار النعمة بتمام المنهج.
2925
لقد رضي الحق الإسلام ديناً للمسلمين. ومادام رضي سبحانه الإسلام منهجاً، فإياكم أن يرتفع رأس ليقول: لنستدرك على الله؛ لأن الله قال: «أكملت» فلا نقص. وقال: «أتممت» فلا زيادة. وعندما يأتي من يقول: إن التشريع الإسلامي لا يناسب العصر. نرد: إن الإسلام يناسب كل عصر، وإياك أن تستدرك على الله؛ لأنك بمثل هذا القول تريد أن تقول: إن الله قد غفل عن كذا وأريد أو أصوب لله، وسبحانه قال: «أكملت» فلا تزيد، وقال: «أتممت» فلا استدراك، وقال: «ورضيت» فمن خالف ذلك فقد غَلَّب رضاه على رضا ربه.
إن الخالق سبحانه هو أعلم بخلقه تمام العلم، ويعلم جل وعلا أن الخلق ذو أغيار، وقد تطرأ عليهم ظروف تجعل تطبيق المنهج بحذافيره عسيراً عليهم أو معتذراً فلا يترك لهم أن يترخصوا هم، بل هو الذي يرخص، فلا يقولن أحد: إن هذه مسألة ليست في طاقتنا. فساعة علم الحق أن هناك أمراً ليس في طاقة المسلم فقد خففه من البداية. وما دمنا ذوي أغيار، وصاحب الأغيار ينتقل مرة من قوة إلى ضعف، ومن وجود إلى عدم، ومن عزة إلى ذلة؛ لذلك قدر سبحانه أن يكون من المؤمنين بهذا المنهج الكامل من لا يستطيع القيام لمرض أو مخمصة، فرخص لنا سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
إذن فالحق قد ذكر أن شيئاً من الأغيار قد يطرأ على النفس البشرية، وما دام استبقاء الحياة يتطلب القوت، والإنسان قد يمر بمخمصة وهي المجاعة التي تسبب الضمور في البطن، هنا يرخص الحق للجائع في مخمصة أن يأكل الميتة أو ما في حكمها بشرط الاضطرار لاستبقاء الحياة، فلا يقول واحد على سبيل المثال:
أنا مضطر أن أتعامل مع البنك بالربا لأني أريد أن أتاجر في مائة ألف جنيه وليس معي إلا ألف جنيه. وهذا ما هو حادث في كل الناس. هنا أقول: لا. عليك بالتجارة في الألف التي تملكها ولا تقل أنا مضطر للتعامل في الربا. فالمضطر هو الذي يعيش في مجاعة وإن لم يفعل ذلك يموت أو يموت من يعول. وقد رخص الشرع للإنسان الذي لا يملك مالاً أن يقترض من المرابي إن لم يجد من يقرضه ليشتري دواء أو طعاماً أو شيئا يضطر إليه لنفسه أو لمن يعول. والإثم هنا يكون على المرابي، لا على المقترض لأنه مضطر.
إن الخالق سبحانه هو أعلم بخلقه تمام العلم، ويعلم جل وعلا أن الخلق ذو أغيار، وقد تطرأ عليهم ظروف تجعل تطبيق المنهج بحذافيره عسيراً عليهم أو معتذراً فلا يترك لهم أن يترخصوا هم، بل هو الذي يرخص، فلا يقولن أحد: إن هذه مسألة ليست في طاقتنا. فساعة علم الحق أن هناك أمراً ليس في طاقة المسلم فقد خففه من البداية. وما دمنا ذوي أغيار، وصاحب الأغيار ينتقل مرة من قوة إلى ضعف، ومن وجود إلى عدم، ومن عزة إلى ذلة؛ لذلك قدر سبحانه أن يكون من المؤمنين بهذا المنهج الكامل من لا يستطيع القيام لمرض أو مخمصة، فرخص لنا سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
إذن فالحق قد ذكر أن شيئاً من الأغيار قد يطرأ على النفس البشرية، وما دام استبقاء الحياة يتطلب القوت، والإنسان قد يمر بمخمصة وهي المجاعة التي تسبب الضمور في البطن، هنا يرخص الحق للجائع في مخمصة أن يأكل الميتة أو ما في حكمها بشرط الاضطرار لاستبقاء الحياة، فلا يقول واحد على سبيل المثال:
أنا مضطر أن أتعامل مع البنك بالربا لأني أريد أن أتاجر في مائة ألف جنيه وليس معي إلا ألف جنيه. وهذا ما هو حادث في كل الناس. هنا أقول: لا. عليك بالتجارة في الألف التي تملكها ولا تقل أنا مضطر للتعامل في الربا. فالمضطر هو الذي يعيش في مجاعة وإن لم يفعل ذلك يموت أو يموت من يعول. وقد رخص الشرع للإنسان الذي لا يملك مالاً أن يقترض من المرابي إن لم يجد من يقرضه ليشتري دواء أو طعاماً أو شيئا يضطر إليه لنفسه أو لمن يعول. والإثم هنا يكون على المرابي، لا على المقترض لأنه مضطر.
2926
ولذلك قال الحق: ﴿فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ﴾، أي أنه كاره للإثم وإن ذهب إليه. ولذلك يباح للمضطر على قدر الضرورة. لدرجة أن رجال الشريعة قالوا: إن على الإنسان المضطر ألا يأكل من الميتة أو ما في حكمها بالقدر الذي يشبع، بل يأخذ أقل الطعام الذي يمسك عليه رمقه ويبقى حياته فقط. فإذا كان يسير في الصحراء فعليه ألا يأخذ من الميتة أو ما في حكمها إلاَّ قدراً يسيراً لأنه لا يجد شيئاً يتقوت به.
إذن فمعنى اضطر في مخمصة شرط أن يكون غير متجانف لإثم، أي لا يكون مائلاً إلى الإثم فرحا به، فعليه ألا يأخذ إلا على قدر الضرورة. ومادام على قدر الضرورة فهو لن يحمل معه من هذه الأشياء المحرمة إلا ما يقيم أوده ويمسك روحه. والمضطر هو من فقد الأسباب البشرية. وسبحانه وتعالى قد بسط أسبابه في الكون ومد بها يديه إلى خلقه، وأمر الأسباب: استجيبي لهم مؤمنين كانوا أو كافرين، فالذي يزرع ويحسن الزراعة والري والبذر والحرث فالله يعطيه، والذي يتقن عمله كتاجر تتسع تجارته وتزيد أرباحه. ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [الشورى: ٢٠]
إن عطاء الأسباب هو عطاء الربوبية. والمضطر هو من فقد أسبابه. ولذلك فالحق يجيب المضطر إذا دعاه. وقد يقول قائل: إنني أدعو الله ولا يجيبني. ونقول: إنك غير مضطر لأنك تدعو - على سبيل المثال - بأن تسكن في قصر بدلاً من الشقة التي تسكنها، وأنت تدعو بأن يعطيك الله سيارة فارهة وأنت تملك وسيلة مواصلات عادية.
فالمضطر - إذن - هو الذي فقد الأسباب ومقومات الحياة. ﴿أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السواء﴾ [النمل: ٦٢]
وقد ضربنا من قبل المثل - ولله المثل الأعلى - بتاجر يستورد بضائع تصله من الخارج في صناديق ثقيلة. تحملها السيارات الضخمة، ويقوم أحد العمال أمامه بحمل صندوق ضخم، فغلب الصندوقُ العامل. وهنا يقفز التاجر ليسند العامل.
إذن فمعنى اضطر في مخمصة شرط أن يكون غير متجانف لإثم، أي لا يكون مائلاً إلى الإثم فرحا به، فعليه ألا يأخذ إلا على قدر الضرورة. ومادام على قدر الضرورة فهو لن يحمل معه من هذه الأشياء المحرمة إلا ما يقيم أوده ويمسك روحه. والمضطر هو من فقد الأسباب البشرية. وسبحانه وتعالى قد بسط أسبابه في الكون ومد بها يديه إلى خلقه، وأمر الأسباب: استجيبي لهم مؤمنين كانوا أو كافرين، فالذي يزرع ويحسن الزراعة والري والبذر والحرث فالله يعطيه، والذي يتقن عمله كتاجر تتسع تجارته وتزيد أرباحه. ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [الشورى: ٢٠]
إن عطاء الأسباب هو عطاء الربوبية. والمضطر هو من فقد أسبابه. ولذلك فالحق يجيب المضطر إذا دعاه. وقد يقول قائل: إنني أدعو الله ولا يجيبني. ونقول: إنك غير مضطر لأنك تدعو - على سبيل المثال - بأن تسكن في قصر بدلاً من الشقة التي تسكنها، وأنت تدعو بأن يعطيك الله سيارة فارهة وأنت تملك وسيلة مواصلات عادية.
فالمضطر - إذن - هو الذي فقد الأسباب ومقومات الحياة. ﴿أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السواء﴾ [النمل: ٦٢]
وقد ضربنا من قبل المثل - ولله المثل الأعلى - بتاجر يستورد بضائع تصله من الخارج في صناديق ثقيلة. تحملها السيارات الضخمة، ويقوم أحد العمال أمامه بحمل صندوق ضخم، فغلب الصندوقُ العامل. وهنا يقفز التاجر ليسند العامل.
2927
وهذه هي المساندة في المجال البشري، إذن فلا يَردّ واحد أسبابَ الله من يده ويقول من بعد ذلك: يارب أعني؛ لأن الله في تلك اللحظة يوضح للعبد: إنّ عندك أسبابي ومادامت أسبابي موجودة، فلا تطلب من ذاتي إلا بعد أن تنفذ أسبابي من عندك؛ لذلك يباح للمضطر أن يأخذ القدر الذي يردّ به السوء عن نفسه.
﴿فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ومادام سبحانه قد رخص لنا ذلك، فما الداعي أن يذيل الآية بمغفرته ورحمته؟ ولنفهم أن الإنسان يأخذ الغفر مرة على أنه ستر العقاب عنه، وقد يكون الغفر سترَ الذنب عن العبد لأن الله رحيم. وهذا ما يشرح لنا ما قاله الحق لرسوله: ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ﴾ [الفتح: ٢]
فسبحانه يغفر بستر العقاب، ويقدم الغفر لستر الذنب فلا يفارقه الإنسان ويقول الحق بعد ذلك: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ... ﴾
﴿فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ومادام سبحانه قد رخص لنا ذلك، فما الداعي أن يذيل الآية بمغفرته ورحمته؟ ولنفهم أن الإنسان يأخذ الغفر مرة على أنه ستر العقاب عنه، وقد يكون الغفر سترَ الذنب عن العبد لأن الله رحيم. وهذا ما يشرح لنا ما قاله الحق لرسوله: ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ﴾ [الفتح: ٢]
فسبحانه يغفر بستر العقاب، ويقدم الغفر لستر الذنب فلا يفارقه الإنسان ويقول الحق بعد ذلك: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ... ﴾
2928
فبعد أن بين الحق ما حرم وما أحل، نجد أن المحَلَّلَ غير محصور، بل المحصور هو المحرم؛ لأن الحق حرم عشرة أشياء، فإن هذه الأشياء العشرة ليست هي كل الموجودات في الكون، فالموجودات في الكون كثيرة. وسبحانه وتعالى حين خلق آدم وجعله يتناسل ويتكاثر للخلافة في الأرض؛ قدر في هذه الأرض مقومات استبقاء الحياة لذلك النوع.
2928
والاستبقاء نوعان: استبقاء حياة الذات للإنسان، واستبقاء حياة نوع الإنسان، واستبقاء حياة الذات تكون بالتنَفس والشراب والطعام، واستبقاء حياة النوع تكون بالإنكاح والتناسل.
إذن يوجد بقاءان لاستمرار الخلافة: البقاء الأول: أن تبقى الحياة وذلك بمقوماتها، والبقاء الثاني: أن يبقى نوع الحي وذلك بالتكاثر. وحتى تبقى الحياة ويتكاثر الإنسان لا بد من وجود أشياء وأجناس تخدم الإنسان وتعطيه الطاقة.
وطمأننا سبحانه وتعالى على الرزق حينما قال: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾ [فصلت: ٩ - ١١]
وهو بذلك يخبرنا بأنه قدر في الأرض أقواتها، وقدر هذه الأقوات للإنسان الخليفة في الأرض، لتقيت الإنسان لهذه الحياة، ويُبقي الإنسان نوعه بالإنكاح. وحين يعد العبد النعم التي وفرها له الحق يجدها لا تحصى. ولم يحاول الإنسان على طول تاريخه أن يحسب ويحصي نعم الله في الأرض؛ لأن الإقبال على الإحصاء يكون نتيجة المظنة بالقدرة على الإحاطة بالنعم. وقد عرف الإنسان بداية أنه لا يقدر على الإحاطة بنعم الله؛ فلم يجرؤ أحد على أن يعدها. ولذلك قال الحق سبحانه: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: ٣٤]
وقد استخدم «إن» وهي للأمر المشكوك فيه. إذن فهي نعم كثيرة لا نقدر على إحصائها. ونسأل: أيقول الحق لنا النعم المحللة أو الأشياء المحرمة؟ وبما أن المحلل كثير لا نهاية له، وبما أن المحرم محصور؛ لذلك يورد لنا الأشياء المحرمة. وقد بين لنا الحق عشرة أشياء محرمة من النعم. ونلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى
إذن يوجد بقاءان لاستمرار الخلافة: البقاء الأول: أن تبقى الحياة وذلك بمقوماتها، والبقاء الثاني: أن يبقى نوع الحي وذلك بالتكاثر. وحتى تبقى الحياة ويتكاثر الإنسان لا بد من وجود أشياء وأجناس تخدم الإنسان وتعطيه الطاقة.
وطمأننا سبحانه وتعالى على الرزق حينما قال: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾ [فصلت: ٩ - ١١]
وهو بذلك يخبرنا بأنه قدر في الأرض أقواتها، وقدر هذه الأقوات للإنسان الخليفة في الأرض، لتقيت الإنسان لهذه الحياة، ويُبقي الإنسان نوعه بالإنكاح. وحين يعد العبد النعم التي وفرها له الحق يجدها لا تحصى. ولم يحاول الإنسان على طول تاريخه أن يحسب ويحصي نعم الله في الأرض؛ لأن الإقبال على الإحصاء يكون نتيجة المظنة بالقدرة على الإحاطة بالنعم. وقد عرف الإنسان بداية أنه لا يقدر على الإحاطة بنعم الله؛ فلم يجرؤ أحد على أن يعدها. ولذلك قال الحق سبحانه: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: ٣٤]
وقد استخدم «إن» وهي للأمر المشكوك فيه. إذن فهي نعم كثيرة لا نقدر على إحصائها. ونسأل: أيقول الحق لنا النعم المحللة أو الأشياء المحرمة؟ وبما أن المحلل كثير لا نهاية له، وبما أن المحرم محصور؛ لذلك يورد لنا الأشياء المحرمة. وقد بين لنا الحق عشرة أشياء محرمة من النعم. ونلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى
2929
حينما تكلم عن عدم قدرة الإنسان على إحصاء نعمه سبحانه وتعالى قال في آية: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤]
وقال في آية أخرى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨]
وظاهر كلام الناس يقول: إنها عبارات تقال وتتكرر، ولكننا نقول: يجب أن ننتبه إلى أن النعمة تحتاج إلى من يعطيها وهو المُنعِم، ومن تعطى له وهو المنعم عليه. إذن فنحن أمام ثلاثة عناصر: نعمة، ومُنعِم، ومُنْعَمِ عليه.
أما من جهة النعمة وأفرادها فلن يقدر البشر على إحصائها لأنها فوق الحصر. ومن جهة المنعم فهو غفور رحيم. ومن جهة المنعم عليه فهو ظلوم كفار. لماذا يأتي الله لنا بمثل هذه الحقائق؟
إنه سبحانه لو عاملنا بكفرنا وجحودنا وظلمنا لمنع النعمة، ولكن استدامة نعمة الله علينا فضل منه ورحمة لأنها تشملنا حتى ولو كنا ظالمين وكنا كفارا؛ لذلك كان من اللازم أن يأتي بهاتين الآيتين، فمن ناحية النعمة لن نقدر على حصرها. ومن ناحية المنعم فهو غفور رحيم. ومن ناحية المنعم عليه فهو ظلوم كفار. ولذلك فعندما يرتكب الإنسان ذنبا فإن أهل الإيمان يقولون له: لا تيأس؛ فربك هو، هو، إنه غفور رحيم. ولذلك لا تستحي أيها العبد أن تطلب من ربك شيئا على الرغم من معصيتك، فالله غفور رحيم. وعندما ننظر إلى مقومات الأشياء، فإننا نعرف المقوم الأساسي.
لكن هناك مقومات تخدم المقوم الأساسي. ومثال ذلك نحن نأخذ القمح وندرسه، ونصنع من حبوب القمح دقيقا لنصنع منه خبزاً. ويحتاج القمح إلى مقومات كثيرة حتى يخرج من الأرض - وهو مقوم أساسي - إن القمح يحتاج إلى ري منتظم وحرث وخلاف ذلك، إذن فالذي خلقنا قدر لنا هذه الأشياء، ومادام قد قدر لنا كل هذه الأشياء، فعلينا أن نسمع تعاليمه. وهو قد أوضح: إياك أن تظن أن كل ما خلقت من خلق فأنا مُحِلّه لك؛ لأني قد أخلق خلقاً ليس من طبيعته أن
وقال في آية أخرى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل: ١٨]
وظاهر كلام الناس يقول: إنها عبارات تقال وتتكرر، ولكننا نقول: يجب أن ننتبه إلى أن النعمة تحتاج إلى من يعطيها وهو المُنعِم، ومن تعطى له وهو المنعم عليه. إذن فنحن أمام ثلاثة عناصر: نعمة، ومُنعِم، ومُنْعَمِ عليه.
أما من جهة النعمة وأفرادها فلن يقدر البشر على إحصائها لأنها فوق الحصر. ومن جهة المنعم فهو غفور رحيم. ومن جهة المنعم عليه فهو ظلوم كفار. لماذا يأتي الله لنا بمثل هذه الحقائق؟
إنه سبحانه لو عاملنا بكفرنا وجحودنا وظلمنا لمنع النعمة، ولكن استدامة نعمة الله علينا فضل منه ورحمة لأنها تشملنا حتى ولو كنا ظالمين وكنا كفارا؛ لذلك كان من اللازم أن يأتي بهاتين الآيتين، فمن ناحية النعمة لن نقدر على حصرها. ومن ناحية المنعم فهو غفور رحيم. ومن ناحية المنعم عليه فهو ظلوم كفار. ولذلك فعندما يرتكب الإنسان ذنبا فإن أهل الإيمان يقولون له: لا تيأس؛ فربك هو، هو، إنه غفور رحيم. ولذلك لا تستحي أيها العبد أن تطلب من ربك شيئا على الرغم من معصيتك، فالله غفور رحيم. وعندما ننظر إلى مقومات الأشياء، فإننا نعرف المقوم الأساسي.
لكن هناك مقومات تخدم المقوم الأساسي. ومثال ذلك نحن نأخذ القمح وندرسه، ونصنع من حبوب القمح دقيقا لنصنع منه خبزاً. ويحتاج القمح إلى مقومات كثيرة حتى يخرج من الأرض - وهو مقوم أساسي - إن القمح يحتاج إلى ري منتظم وحرث وخلاف ذلك، إذن فالذي خلقنا قدر لنا هذه الأشياء، ومادام قد قدر لنا كل هذه الأشياء، فعلينا أن نسمع تعاليمه. وهو قد أوضح: إياك أن تظن أن كل ما خلقت من خلق فأنا مُحِلّه لك؛ لأني قد أخلق خلقاً ليس من طبيعته أن
2930
تتناوله، وليس من طبيعتك أن تتناوله، ولكن لهذا المخلوق عمل فيما تتناوله كالحرث والري والتسميد للقمح، إنها وسائل وأسباب للحصول عليه. فإذا ما قال قائل: مادام هو سبحانه قد خلق هذه المحركات فلماذا حرمها؟
ونقول: هذه الأشياء ليس لها عمل مباشر فيك ولكن لها عمل آخر في الكون. وإذا كنا نحن البشر نصنع آلة ما، ويقول المخترع لنا: قد صممت هذه الآلة - على سبيل المثال - لتدار بالديزل، وآلة أخرى تدار البنزين، والبنزين أنواع، ولو جئنا للآلة التي تدار ببنزين ووضعنا لها سولارا، ما الذي يحدث لها؟ إنها تفسد، هذا في المجال البشري فما بالنا بخالق البشر؟
لقد صنع الحق صنعته وهي الإنسان ووضع المواصفات التي تسير هذه الآلة، وعلينا أن نخضع لتعاليمه حتى لا تفسد حياتنا فلا نخرج عن تلك التعاليم؛ لأنك عندما تخالف وتخرج عما وصفته لصنعتك من نظام، فالآلة التي من صناعتك تفسد.
وفي حياتنا آلاف الأمثلة.. فالذي صنع الكهرباء ووضع العلامات للأسلاك السالبة والأسلاك الموجبة، لنأخذ الضوء أو الحركة. وإذا ما حدث خطأ في هذه التوصيلات الكهربية؛ نفاجأ بحدوث قطع في الكهرباء، وقد تحدث حرائق نتيجة شرارة من الاتصال الخاطئ.
إذن فكل تكاثر وإنجاب من كل سالب وموجب أي ذكر وأنثى لا بد أن يكون على مواصفات من صنعه وإلا يحدث قطع ودمار، فإن تزوجنا بشرع الله ورسوله، استقامت الحياة، وإن حدث شيء على غير شرع الله، تشتعل الحرائق في الكون.
ولذلك تجد العجب أمامك عندما تشهد عقد قران، تجد ولي الزوجة وهو مبتسم منشرح يوجه الدعوات للناس لأن شابا جاء يتزوج ابنته ويقدم الحلوى، لكن لو كانت هذه العروس تجلس في المنزل وحاول شاب أن يتلصص لرؤيتها، فما الذي يحدث في قلب والدها؟ إنه يغلي من الضيق والغضب والتوتر ومن الذي يتلصص لأنه ذهب إلى الفتاة بغير ما أحل الخالق. لكن عندما يدق الباب ويخطبها من أبيها؛
ونقول: هذه الأشياء ليس لها عمل مباشر فيك ولكن لها عمل آخر في الكون. وإذا كنا نحن البشر نصنع آلة ما، ويقول المخترع لنا: قد صممت هذه الآلة - على سبيل المثال - لتدار بالديزل، وآلة أخرى تدار البنزين، والبنزين أنواع، ولو جئنا للآلة التي تدار ببنزين ووضعنا لها سولارا، ما الذي يحدث لها؟ إنها تفسد، هذا في المجال البشري فما بالنا بخالق البشر؟
لقد صنع الحق صنعته وهي الإنسان ووضع المواصفات التي تسير هذه الآلة، وعلينا أن نخضع لتعاليمه حتى لا تفسد حياتنا فلا نخرج عن تلك التعاليم؛ لأنك عندما تخالف وتخرج عما وصفته لصنعتك من نظام، فالآلة التي من صناعتك تفسد.
وفي حياتنا آلاف الأمثلة.. فالذي صنع الكهرباء ووضع العلامات للأسلاك السالبة والأسلاك الموجبة، لنأخذ الضوء أو الحركة. وإذا ما حدث خطأ في هذه التوصيلات الكهربية؛ نفاجأ بحدوث قطع في الكهرباء، وقد تحدث حرائق نتيجة شرارة من الاتصال الخاطئ.
إذن فكل تكاثر وإنجاب من كل سالب وموجب أي ذكر وأنثى لا بد أن يكون على مواصفات من صنعه وإلا يحدث قطع ودمار، فإن تزوجنا بشرع الله ورسوله، استقامت الحياة، وإن حدث شيء على غير شرع الله، تشتعل الحرائق في الكون.
ولذلك تجد العجب أمامك عندما تشهد عقد قران، تجد ولي الزوجة وهو مبتسم منشرح يوجه الدعوات للناس لأن شابا جاء يتزوج ابنته ويقدم الحلوى، لكن لو كانت هذه العروس تجلس في المنزل وحاول شاب أن يتلصص لرؤيتها، فما الذي يحدث في قلب والدها؟ إنه يغلي من الضيق والغضب والتوتر ومن الذي يتلصص لأنه ذهب إلى الفتاة بغير ما أحل الخالق. لكن عندما يدق الباب ويخطبها من أبيها؛
2931
فالأب يفرح، فقد جاء في الأثر: (جدع الحلال أنف الغيرة).
ونجد الأب ينتقل من موقف الغيرة إلى موقف الفرح يوم زفاف ابنته، وتذهب الأم صباح اليوم التالي للزفاف لترى حالة ابنتها ولتطمئن، هل الابنة سعيدة أو لا؟ إذن. فلا يقولن أحد: إن الله خلق أشياء فلماذا حرمها؟، لأن الله خلق تلك الأشياء ولها عمل فيما أحل، ومادام سبحانه قد جعل لهذه الأشياء عملاً فيما أحل. فليس لك دخل إلا بالحلال.
ولذلك يقول الحق رداً على تساؤل المؤمنين: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات﴾ أي أن كل طيب قد حلله الله، وكل خبيث حرمه الله، فلا تقولن: هذا طيب فيجب أن يكون حلالاً، وهذا خبيث فيجب أن يكون حراما، ولكن قل: هذا خلال فيجب أن يكون طيبا، وهذا حرام فيجب أن يكون خبيثا. وإياك أن تحكم أولا بأن هذا طيب وهذا خبيث ثم تبنى على ذلك التحريم والتحليل، فأنت لا تعرف مثلما يعرف خالقك عن كيفية وجدوى ترتيب الأشياء بالنسبة لك، حتى لا تقع في دائرة الذين يستطيبون المسائل الضارة؛ كهؤلاء الذين يتناولون المخدرات والسموم والخمور، بل يجب أن تحرص على فهم ما أحل الله فستراه طيبا، وترفض ما حرم الله لأنه خبيث، فلا تظن أبداً أن كل طيب ظاهريا محلل لك؛ لأن هذا الشيء الطيب في ظاهره قد يكون خبيثا.
وعليك أن تترك تحديد الطيب والخبيث لخالقك، فهو أدرى بك وبالمناسب لك. امّا أنت فتعرف الشيء الطيب من تحليل الله له. وتعرف الخبيث من تحريم الله له. والحكم هنا يكون للتكليف، فالله هو الذي خلق، والله هو الذي يعلم الصالح للإنسان. فالمسألة إذن ليست العناصر؛ ولكنها إرادة الخالق لتلك العناصر، فهو الذي قدر فهدى.
الخلاصة إذن في هذا الموضوع هي: أن الحق أحل للمؤمنين الطيبات وكل شيء أحله الله يكون طيباً، وكل شيء حرمه الله يكون خبيثاً، فلا تنظر أنت إلى الآراء البشرية التي يقول بعضها على شيء إنه طيب فيكون حلالاً، وإن ذلك الشيء خبيث فيكون حراماً، فأنت وغيرك من البشر لا يعرفون ترتيب الأشياء ولا فائدتها
ونجد الأب ينتقل من موقف الغيرة إلى موقف الفرح يوم زفاف ابنته، وتذهب الأم صباح اليوم التالي للزفاف لترى حالة ابنتها ولتطمئن، هل الابنة سعيدة أو لا؟ إذن. فلا يقولن أحد: إن الله خلق أشياء فلماذا حرمها؟، لأن الله خلق تلك الأشياء ولها عمل فيما أحل، ومادام سبحانه قد جعل لهذه الأشياء عملاً فيما أحل. فليس لك دخل إلا بالحلال.
ولذلك يقول الحق رداً على تساؤل المؤمنين: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات﴾ أي أن كل طيب قد حلله الله، وكل خبيث حرمه الله، فلا تقولن: هذا طيب فيجب أن يكون حلالاً، وهذا خبيث فيجب أن يكون حراما، ولكن قل: هذا خلال فيجب أن يكون طيبا، وهذا حرام فيجب أن يكون خبيثا. وإياك أن تحكم أولا بأن هذا طيب وهذا خبيث ثم تبنى على ذلك التحريم والتحليل، فأنت لا تعرف مثلما يعرف خالقك عن كيفية وجدوى ترتيب الأشياء بالنسبة لك، حتى لا تقع في دائرة الذين يستطيبون المسائل الضارة؛ كهؤلاء الذين يتناولون المخدرات والسموم والخمور، بل يجب أن تحرص على فهم ما أحل الله فستراه طيبا، وترفض ما حرم الله لأنه خبيث، فلا تظن أبداً أن كل طيب ظاهريا محلل لك؛ لأن هذا الشيء الطيب في ظاهره قد يكون خبيثا.
وعليك أن تترك تحديد الطيب والخبيث لخالقك، فهو أدرى بك وبالمناسب لك. امّا أنت فتعرف الشيء الطيب من تحليل الله له. وتعرف الخبيث من تحريم الله له. والحكم هنا يكون للتكليف، فالله هو الذي خلق، والله هو الذي يعلم الصالح للإنسان. فالمسألة إذن ليست العناصر؛ ولكنها إرادة الخالق لتلك العناصر، فهو الذي قدر فهدى.
الخلاصة إذن في هذا الموضوع هي: أن الحق أحل للمؤمنين الطيبات وكل شيء أحله الله يكون طيباً، وكل شيء حرمه الله يكون خبيثاً، فلا تنظر أنت إلى الآراء البشرية التي يقول بعضها على شيء إنه طيب فيكون حلالاً، وإن ذلك الشيء خبيث فيكون حراماً، فأنت وغيرك من البشر لا يعرفون ترتيب الأشياء ولا فائدتها
2932
ولا مضرتها بالنسبة لك.
والدليل: أن البشر يتدخلون في بعض الأحيان في تحريم أشياء بالنسبة لبعضهم البعض، فنجد الطبيب يقول للمريض: أنت مريض بالسكر فلا يصح أن تتناول النشويات والسكريات.
فإذا كنا نسمع كلام الطبيب وهو من البشر، أفلا يجدر بنا أن نستحي ونستمع لأمر الخالق؟! بل نتجاسر ونسأل: لماذا حرمت علينا يا رب الشيء الفلاني؟ وقد يخطئ الطبيب لكن الله لا يمكن أن يخطئ. فهو ربنا المأمون علينا، فما أحله الله يكون الطيب وما حرمه يكون الخبيث، وهذه قضية يتعرض لها أناس كثيرون، فعلى سبيل المثال نسمع من يستشهد الاستشهاد الخاطئ وفي غير موضوعه بقول الحق: ﴿لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]
ويقول: إن عملي يأخذ كل وقتي. ولا فسحة عندي لإقامة الصلاة، والله لم يكلفنا إلا ما في الوسع. ونقول: وهل أنت تقدر الوسع وتبني التكليف عليه؟ لا. عليك أن تسأل نفسك: أكلفك الله بالصلاة أم لا؟. فإذا كان الحق قد كلفك بالصلاة، وغيرها من أركان الإسلام فهو الذي علم وسع الإنسان في العمل. ويجب أن تقدم التكليف أولاً لتعرف طاقة الوسع من بعد ذلك. وكذلك أسأل نفسك عما حلله الله واعرف أنه طيب وما حرمه الله فهو خبيث.
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات﴾ وإذا سألنا ما تلك الطيبات؟ عرفنا أنها غير ما حرم الله، فكل غير محرم طيب، أو أنهم سألوا عن أشياء سيكون الجواب السابق هو الإجابة الطبيعية لها، وقدم الله الإجمال الذي سبق أن شرحناه. وبعد ذلك يكون المسئول عنه في مسألة الصيد بالكلاب، فجاء لهم بالبيان في مسألة الصيد بالكلاب، وكانت تلك مسألة مشهورة عند العرب بالجاهلية، وكذلك صيد الطيور. فقال: ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح﴾ فقد وضع الحق القضية العامة أولاً، ثم خصص بعد ذلك.
لقد كانت مسألة صيد الجوارح موضوع سؤال من عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عن الصيد بالكلاب وبالطيور. وعلينا أن نحسن الفهم عن القرآن بحسن
والدليل: أن البشر يتدخلون في بعض الأحيان في تحريم أشياء بالنسبة لبعضهم البعض، فنجد الطبيب يقول للمريض: أنت مريض بالسكر فلا يصح أن تتناول النشويات والسكريات.
فإذا كنا نسمع كلام الطبيب وهو من البشر، أفلا يجدر بنا أن نستحي ونستمع لأمر الخالق؟! بل نتجاسر ونسأل: لماذا حرمت علينا يا رب الشيء الفلاني؟ وقد يخطئ الطبيب لكن الله لا يمكن أن يخطئ. فهو ربنا المأمون علينا، فما أحله الله يكون الطيب وما حرمه يكون الخبيث، وهذه قضية يتعرض لها أناس كثيرون، فعلى سبيل المثال نسمع من يستشهد الاستشهاد الخاطئ وفي غير موضوعه بقول الحق: ﴿لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]
ويقول: إن عملي يأخذ كل وقتي. ولا فسحة عندي لإقامة الصلاة، والله لم يكلفنا إلا ما في الوسع. ونقول: وهل أنت تقدر الوسع وتبني التكليف عليه؟ لا. عليك أن تسأل نفسك: أكلفك الله بالصلاة أم لا؟. فإذا كان الحق قد كلفك بالصلاة، وغيرها من أركان الإسلام فهو الذي علم وسع الإنسان في العمل. ويجب أن تقدم التكليف أولاً لتعرف طاقة الوسع من بعد ذلك. وكذلك أسأل نفسك عما حلله الله واعرف أنه طيب وما حرمه الله فهو خبيث.
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات﴾ وإذا سألنا ما تلك الطيبات؟ عرفنا أنها غير ما حرم الله، فكل غير محرم طيب، أو أنهم سألوا عن أشياء سيكون الجواب السابق هو الإجابة الطبيعية لها، وقدم الله الإجمال الذي سبق أن شرحناه. وبعد ذلك يكون المسئول عنه في مسألة الصيد بالكلاب، فجاء لهم بالبيان في مسألة الصيد بالكلاب، وكانت تلك مسألة مشهورة عند العرب بالجاهلية، وكذلك صيد الطيور. فقال: ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح﴾ فقد وضع الحق القضية العامة أولاً، ثم خصص بعد ذلك.
لقد كانت مسألة صيد الجوارح موضوع سؤال من عدي بن حاتم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عن الصيد بالكلاب وبالطيور. وعلينا أن نحسن الفهم عن القرآن بحسن
2933
الفهم عن النص، فالحق يقول هنا: ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح﴾ فهل الكلاب والفهود والنمور التي تصطاد بواسطتها هي المحللة لنا لأننا علمناها الصيد؟ لا. ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات﴾ هي قضية منتهية. وبعد ذلك فهنا كلام جديد هو: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾.
إذن فالذي أُحل هو ما أمسكت ما علمت من الجوارح، وليست الجوارح التي يعلمها الإنسان، اي أن الحق أحل لنا الطيبات وأكل ما أمسكت علينا الكلاب التي علمناها الصيد. و «الجوارح» مفردها «جارح» ومعناها «كاسب»، ولذلك تسمى أيدينا جوارح، وعيوننا جوارح، وآذاننا جوارح؛ لأننا نكسب بها المدركات.
فالعين جارحة تكسب المرئي، والأذن جارحة تكسب المسموع. والأنف جارحة تكسب المشموم. واللمس جارحة لأننا نكسب بها الملموس. ويقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار﴾ [الأنعام: ٦٠]
و «ما جرحتم» أي ما كسبتم، إذن فالجارحة هي الكاسبة. وقوله الحق: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح﴾ مقصود به الحيوانات التي نعلمها كيف تصطاد لنا، وسميت جوارح، لأنها كاسبة لأصحابها الصيد، فالإنسان يطلقها لتكسب له الصيد، أو أنها في الغالب تجرح ما اصطادته. وكلا المعنيين يصح ويعبِّر.
والأصل في ما عَلّم الإنسان من الجوارح هو الكلاب، وألحق بالكلاب غيرها مثل الفهود والنمور والصقور. والحق قال: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله﴾ أي ما بذلتم من جهد في تدريب هذه الجوارح للصيد، فالإنسان لا يطلق الكلب أو الصقر ليصطاد، لكنه يقوم - أولاً - بتدريب الحيوان على ذلك.
ومثال ذلك: عندما يقوم مدرب القرود بتدريب كل قرد عل الألعاب المختلفة، وكذلك مدرب «السيرك» الذي يقوم بتدريب الأسود والفيلة، فهذا الفيل الضخم يقف بأربعة أرجل على اسطوانة قطرها متر واحد، وذلك كله ممكن بالتدريب بما علمكم الله وألهمكم أيها البشر وبما أعطاكم من طول البال وسعة الحيلة.
إذن فالذي أُحل هو ما أمسكت ما علمت من الجوارح، وليست الجوارح التي يعلمها الإنسان، اي أن الحق أحل لنا الطيبات وأكل ما أمسكت علينا الكلاب التي علمناها الصيد. و «الجوارح» مفردها «جارح» ومعناها «كاسب»، ولذلك تسمى أيدينا جوارح، وعيوننا جوارح، وآذاننا جوارح؛ لأننا نكسب بها المدركات.
فالعين جارحة تكسب المرئي، والأذن جارحة تكسب المسموع. والأنف جارحة تكسب المشموم. واللمس جارحة لأننا نكسب بها الملموس. ويقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار﴾ [الأنعام: ٦٠]
و «ما جرحتم» أي ما كسبتم، إذن فالجارحة هي الكاسبة. وقوله الحق: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح﴾ مقصود به الحيوانات التي نعلمها كيف تصطاد لنا، وسميت جوارح، لأنها كاسبة لأصحابها الصيد، فالإنسان يطلقها لتكسب له الصيد، أو أنها في الغالب تجرح ما اصطادته. وكلا المعنيين يصح ويعبِّر.
والأصل في ما عَلّم الإنسان من الجوارح هو الكلاب، وألحق بالكلاب غيرها مثل الفهود والنمور والصقور. والحق قال: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الجوارح مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله﴾ أي ما بذلتم من جهد في تدريب هذه الجوارح للصيد، فالإنسان لا يطلق الكلب أو الصقر ليصطاد، لكنه يقوم - أولاً - بتدريب الحيوان على ذلك.
ومثال ذلك: عندما يقوم مدرب القرود بتدريب كل قرد عل الألعاب المختلفة، وكذلك مدرب «السيرك» الذي يقوم بتدريب الأسود والفيلة، فهذا الفيل الضخم يقف بأربعة أرجل على اسطوانة قطرها متر واحد، وذلك كله ممكن بالتدريب بما علمكم الله وألهمكم أيها البشر وبما أعطاكم من طول البال وسعة الحيلة.
2934
وننتبه هنا إلى نقطة هامة: إن الإنسان يقوم بتدريب الحيوان على ألعاب ومهام مختلفة ولكن الفيل - على سبيل المثال - لا يقدر على تدريب ابنه الفيل الصغير على الألعاب نفسها. وهذا هو الفارق بين الإنسان والفيل، فابن الإنسان يتعلم من والده وقد يتفوق عليه، لكن تدريب الحيوان مقصور على الحيوان نفسه ولا يتعداه إلى غيره من الحيوانات من الجنس نفسه أو الذرية فلا يستطيع الحيوان الذي درّبته ورَّوضته وعلمته أن ينقل ذلك إلى ذريته ونسله فلا يستطيع أن يعلم ابنه.
وكلمة «مكلب» تعني الإنسان الذي يعلم الكلاب ويدربها على عملية الصيد. وقال البعض: إن «مكلب» أي الرجل الذي يقتني الكلاب؛ لكنا نقول: إن الإنسان قد يقتني الكلاب لكنه لا يقوم بتدريبها، إذن المكلب هو الذي يحترف تدريب الكلاب، ومثله مثل سائس الخيل الذي يدرب الخيل؛ فالحصان يحتاج إلى تدريب قبل أن يمتطيه الإنسان أو قبل أن يستخدمه في جر العربات.
ولماذا ذكر الله «المكلبين» ولم يذكر مدربي الفهود؟. لأن الغالب أن الكلب شبه مستأنس، أما استئناس الفهد فأمر صعب بعض الشيء. و «مكلبين» تعني المنقطعين لتعليم الكلاب عملية الصيد. ويعرف معلم الكلاب أن الكلب قد تعلم الصيد بأنه إذا ما أغراه بالصيد فإن الكلب يذهب إليه. وإذا ما زجره المدرب فهو يرجع من الطريق. وإذا ما ذهب الكلب إلى الصيد بعد تعليمه وتدريبه وأمره المدرب أن يحمل الصيد ويأتي؛ فالكلب يطيع الأمر.
ويأتي بالصيد سليماً ولا يأكل منه. فهذه أمارة وعلامة على أن الكلب تعلم الصيد ويمكن تلخيصها في هذه الخطوات: إذا أرسلته للصيد ذهب، وإذا زجرته انزجر، وإذا استدعيته جاء ويأتي بالصيد سليماً لا يأكل منه. فإن أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم؛ لأنه أمسك الصيد على نفسه، ولم يمسكه على صاحبه. ولذلك حدد الحق عملية الصيد بقوله عن الحيوانات التي تؤدي هذه المهمة: ﴿مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾.
ومن ضمن عملية التدريب هناك إطار إيماني، فالتدريب العضلي هو عملية يعلمها المكلِّب للكلب أما الإطار الإيماني فهو ذكر اسم الله على الصيد: ﴿واذكروا اسم الله عَلَيْهِ﴾ وذلك حتى يكون الصيد حلالاً، ولا يقع في دائرة ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾. وإذا ما هجم الكلب على الصيد وقتله، يكون الصيد حلالاً، إن كان صاحب
وكلمة «مكلب» تعني الإنسان الذي يعلم الكلاب ويدربها على عملية الصيد. وقال البعض: إن «مكلب» أي الرجل الذي يقتني الكلاب؛ لكنا نقول: إن الإنسان قد يقتني الكلاب لكنه لا يقوم بتدريبها، إذن المكلب هو الذي يحترف تدريب الكلاب، ومثله مثل سائس الخيل الذي يدرب الخيل؛ فالحصان يحتاج إلى تدريب قبل أن يمتطيه الإنسان أو قبل أن يستخدمه في جر العربات.
ولماذا ذكر الله «المكلبين» ولم يذكر مدربي الفهود؟. لأن الغالب أن الكلب شبه مستأنس، أما استئناس الفهد فأمر صعب بعض الشيء. و «مكلبين» تعني المنقطعين لتعليم الكلاب عملية الصيد. ويعرف معلم الكلاب أن الكلب قد تعلم الصيد بأنه إذا ما أغراه بالصيد فإن الكلب يذهب إليه. وإذا ما زجره المدرب فهو يرجع من الطريق. وإذا ما ذهب الكلب إلى الصيد بعد تعليمه وتدريبه وأمره المدرب أن يحمل الصيد ويأتي؛ فالكلب يطيع الأمر.
ويأتي بالصيد سليماً ولا يأكل منه. فهذه أمارة وعلامة على أن الكلب تعلم الصيد ويمكن تلخيصها في هذه الخطوات: إذا أرسلته للصيد ذهب، وإذا زجرته انزجر، وإذا استدعيته جاء ويأتي بالصيد سليماً لا يأكل منه. فإن أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم؛ لأنه أمسك الصيد على نفسه، ولم يمسكه على صاحبه. ولذلك حدد الحق عملية الصيد بقوله عن الحيوانات التي تؤدي هذه المهمة: ﴿مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾.
ومن ضمن عملية التدريب هناك إطار إيماني، فالتدريب العضلي هو عملية يعلمها المكلِّب للكلب أما الإطار الإيماني فهو ذكر اسم الله على الصيد: ﴿واذكروا اسم الله عَلَيْهِ﴾ وذلك حتى يكون الصيد حلالاً، ولا يقع في دائرة ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾. وإذا ما هجم الكلب على الصيد وقتله، يكون الصيد حلالاً، إن كان صاحب
2935
الكلب قد قال: «بسم الله والله أكبر» قبل أن يرسل الكلب إلى الصيد. وإن لم يذكر اسم الله فعليه أن ينتظر إلى أن يعود الكلب بالصيد، فإن كان في الصيد الحياة فليذكِّه أي يذبحه، ويذكر اسم الله، وإن مات الصيد قبل ذلك فلا يأكل منه. وكذلك إذا اصطاد الإنسان بالبندقية.. إن ذكر اسم الله أولاً وقبل أن يطلق الرصاصة فليأكل من الصيد.
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات﴾ هذه هي القضية العامة، ومن بعد ذلك يحدد لنا الحق ألا نأكل الكلاب، ولكن هذه الكلاب التي نعلمها الصيد وتصطاد لنا ما نأكله بشرط أن تذكر اسم الله على الصيد قبل إطلاق الكلب للصيد، أو بعد أن تذبح الصيد الذي اصطاده الكلب، فذكر اسم الله مسألة أساسية في تناول النعم، لأننا نذكر المذلل والمسخر، ولا يصح أن نأخذ النعمة من وراء صاحبها دون أن نتذكره بكلمة.
ويذيل الحق الآية بقوله: ﴿واتقوا الله إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ وتقوى الله في هذا المجال تعني ألا يؤدي الإنسان هذه الأمور شكلياً، وعلى المؤمن أن يتقي الله في تنفيذ أوامره بنية خالصة ودقة سلوك؛ لأنه سبحانه سريع الحساب بأكثر من معنى، فمهما طالت دنياك فهي منتهية. ومادام الموت هو نهاية الحياة فالحياة قصيرة بالنسبة للفرد. وإياك أن تستطيل عمر الدنيا؛ لأن عمر الدنيا لك ولغيرك فلا تحسب الأمر بالنسبة إليك على أساس عمر غيرك الذي قد يطول عن عمرك. إذن مدة الحياة محدودة، ومادام الموت قد جاء، فعلى المؤمن أن يتذكر قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته».
والإنسان منا يعرف من خبر القرآن أن الموت مثل النوم. لا يعرف الإنسان منا كم ساعة قد نامها، ونعرف من خبر أهل الكهف أنهم تساءلوا فيما بينهم:
{وكذلك بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات﴾ هذه هي القضية العامة، ومن بعد ذلك يحدد لنا الحق ألا نأكل الكلاب، ولكن هذه الكلاب التي نعلمها الصيد وتصطاد لنا ما نأكله بشرط أن تذكر اسم الله على الصيد قبل إطلاق الكلب للصيد، أو بعد أن تذبح الصيد الذي اصطاده الكلب، فذكر اسم الله مسألة أساسية في تناول النعم، لأننا نذكر المذلل والمسخر، ولا يصح أن نأخذ النعمة من وراء صاحبها دون أن نتذكره بكلمة.
ويذيل الحق الآية بقوله: ﴿واتقوا الله إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ وتقوى الله في هذا المجال تعني ألا يؤدي الإنسان هذه الأمور شكلياً، وعلى المؤمن أن يتقي الله في تنفيذ أوامره بنية خالصة ودقة سلوك؛ لأنه سبحانه سريع الحساب بأكثر من معنى، فمهما طالت دنياك فهي منتهية. ومادام الموت هو نهاية الحياة فالحياة قصيرة بالنسبة للفرد. وإياك أن تستطيل عمر الدنيا؛ لأن عمر الدنيا لك ولغيرك فلا تحسب الأمر بالنسبة إليك على أساس عمر غيرك الذي قد يطول عن عمرك. إذن مدة الحياة محدودة، ومادام الموت قد جاء، فعلى المؤمن أن يتذكر قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته».
والإنسان منا يعرف من خبر القرآن أن الموت مثل النوم. لا يعرف الإنسان منا كم ساعة قد نامها، ونعرف من خبر أهل الكهف أنهم تساءلوا فيما بينهم:
{وكذلك بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ
2936
يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف: ١٩]
إذن هم لم يتبينوا أنهم ناموا ثلاثمائة عام وتسعة أعوام إلا بعد أن سألوا، وكذلك من يموت فهو لن يدري كم مات إلا يوم البعث. أو أنه سبحانه سريع الحساب أي أن له حساباً قبل حساب الآخرة، وهو حساب الدنيا. فعندما يرتكب العبد المخالفات التي نهى عنها الله، ويأكل غير ما حلل الله، فهو سبحانه قادر على أن يجازي العبد في الدنيا في نفسه بالأمراض أو التعب أو المرض النفسي، ويقف الأطباء أمام حالته حائرين. وقوله الحق: ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ يصح ان تكون السرعة في الحساب في الدنيا ويصح أن تكون في الآخرة.
أو أنه سبحانه سريع الحساب بمعنى أنه يحاسب الجميع في أقل من لمح البصر، فالبعض يظن ظناً خاطئاً أنهم سيقفون يوم القيامة في طابور طويل ليتلقى كل واحد حسابه. لا، هو سبحانه يحاسب الجميع بسرعة تناسب طلاقة قدرته. ولذلك عندما سئل الإمام علي - كرم الله وجهه -: كيف سيحاسب الله كل الناس في وقت واحد ويقال إن مقداره كنصف يوم من أيام البشر؟. فقال الإمام علي: فكما يرزقهم جميعاً في وقت واحد هو قادر على حسابهم في وقت واحد.
فسبحانه لم يجعل البشر تقف طابورا في الرزق، بل كل واحد يتنفس وكل واحد يأكل، وكل إنسان يسعى في أرض الله لينال من فضله. ولا أحد بقادر على أن يحسب الزمن على الله؛ لأن الزمن إنما يُحسب على الذي يحدث الحدث وقدرته عاجزة، لذلك يحتاج إلى زمن.
إننا عندما ننقل حجراً متوسط الحجم من مكانه فإن ذلك لا يكلف الرجل القوي إلا بعضاً من قُوَّته، لكن هذا العمل بالنسبة لطفل صغير يحتاج إلى وقت طويل، فما بالنا بخالق الإنسان والكون؟ وما بالنا بالفاعل الذي هو قوة القوى؟ هو لا يحتاج إلى زمن، وهو سريع الحساب بكل المعاني.
ومن بعد ذلك يقول الحق:
إذن هم لم يتبينوا أنهم ناموا ثلاثمائة عام وتسعة أعوام إلا بعد أن سألوا، وكذلك من يموت فهو لن يدري كم مات إلا يوم البعث. أو أنه سبحانه سريع الحساب أي أن له حساباً قبل حساب الآخرة، وهو حساب الدنيا. فعندما يرتكب العبد المخالفات التي نهى عنها الله، ويأكل غير ما حلل الله، فهو سبحانه قادر على أن يجازي العبد في الدنيا في نفسه بالأمراض أو التعب أو المرض النفسي، ويقف الأطباء أمام حالته حائرين. وقوله الحق: ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ يصح ان تكون السرعة في الحساب في الدنيا ويصح أن تكون في الآخرة.
أو أنه سبحانه سريع الحساب بمعنى أنه يحاسب الجميع في أقل من لمح البصر، فالبعض يظن ظناً خاطئاً أنهم سيقفون يوم القيامة في طابور طويل ليتلقى كل واحد حسابه. لا، هو سبحانه يحاسب الجميع بسرعة تناسب طلاقة قدرته. ولذلك عندما سئل الإمام علي - كرم الله وجهه -: كيف سيحاسب الله كل الناس في وقت واحد ويقال إن مقداره كنصف يوم من أيام البشر؟. فقال الإمام علي: فكما يرزقهم جميعاً في وقت واحد هو قادر على حسابهم في وقت واحد.
فسبحانه لم يجعل البشر تقف طابورا في الرزق، بل كل واحد يتنفس وكل واحد يأكل، وكل إنسان يسعى في أرض الله لينال من فضله. ولا أحد بقادر على أن يحسب الزمن على الله؛ لأن الزمن إنما يُحسب على الذي يحدث الحدث وقدرته عاجزة، لذلك يحتاج إلى زمن.
إننا عندما ننقل حجراً متوسط الحجم من مكانه فإن ذلك لا يكلف الرجل القوي إلا بعضاً من قُوَّته، لكن هذا العمل بالنسبة لطفل صغير يحتاج إلى وقت طويل، فما بالنا بخالق الإنسان والكون؟ وما بالنا بالفاعل الذي هو قوة القوى؟ هو لا يحتاج إلى زمن، وهو سريع الحساب بكل المعاني.
ومن بعد ذلك يقول الحق:
2937
﴿اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات... ﴾
2938
سبحانه يبدأ الآية بتكرار الأمر السابق: ﴿اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات﴾. وأعادها حتى يؤكد على أن الإنسان لا يصح أن ينظر إلى الأمر الطيب إلا من زاوية أنه محلل من الله.
وبعد أن تكلم الحق سبحانه عن كيفية تناول المحللات، وأسلوب التعامل مع الصيد. نأتي هنا لوقفة، فسبحانه يقول: ﴿وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ﴾ فهل كل طعام أهل الكتاب حل لنا؟ إن بعضهم يأكل الخنزير. لا، بل الحلال من طعام أهل الكتاب هو الطعام الذي يكون من جنس ما حلل الله لكم، ولا يستقيم أن يستنكف الإنسان من أنه طعام أهل كتاب؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يجعل من الإنسان الذي ارتبط بالسماء ارتباطا حقيقيا كالمسلمين، ومن ارتبطوا بالسماء وإن اختلف تصورهم لله، يريد سبحانه أن يكون بينهم نوع من الاتصال لأنهم ارتبطوا جميعا بالسماء، ويجب أن يعاملوا على قدر ما دخلهم من إيمان باتصال الأرض بالسماء.
إياك أن تقول بمقاطعة أهل الكتاب لا، ولكن انظر إلى طعامهم فإن كان من جنس الطعام المحلل في الإسلام فهو حلال. ولا يصح أن تمنع واحداً من أهل الكتاب من طعامك؛ لأن الله يريد أن ينشئ شيئا من الألفة يتناسب مع الناس الذين سبق أن السماء لها تشريع فيهم ويعترفون بالإله وإن اختلفوا في تصوره.
وبعد أن تكلم الحق سبحانه عن كيفية تناول المحللات، وأسلوب التعامل مع الصيد. نأتي هنا لوقفة، فسبحانه يقول: ﴿وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ﴾ فهل كل طعام أهل الكتاب حل لنا؟ إن بعضهم يأكل الخنزير. لا، بل الحلال من طعام أهل الكتاب هو الطعام الذي يكون من جنس ما حلل الله لكم، ولا يستقيم أن يستنكف الإنسان من أنه طعام أهل كتاب؛ لأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يجعل من الإنسان الذي ارتبط بالسماء ارتباطا حقيقيا كالمسلمين، ومن ارتبطوا بالسماء وإن اختلف تصورهم لله، يريد سبحانه أن يكون بينهم نوع من الاتصال لأنهم ارتبطوا جميعا بالسماء، ويجب أن يعاملوا على قدر ما دخلهم من إيمان باتصال الأرض بالسماء.
إياك أن تقول بمقاطعة أهل الكتاب لا، ولكن انظر إلى طعامهم فإن كان من جنس الطعام المحلل في الإسلام فهو حلال. ولا يصح أن تمنع واحداً من أهل الكتاب من طعامك؛ لأن الله يريد أن ينشئ شيئا من الألفة يتناسب مع الناس الذين سبق أن السماء لها تشريع فيهم ويعترفون بالإله وإن اختلفوا في تصوره.
2938
وضرب لنا - سبحانه - المثل مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ففي أول مجيء الدعوة الإسلامية، واجهت معسكرا ملحدا يعبد النار، ولا يؤمن بالإله وهو معسكر فارس؛ ومعسكراً يؤمن بالإله وهو معسكر الروم؛ كانت هناك قوتان في العالم: قوة شرقية وقوة غربية. وعندما يأتي رسول ليأخذ الناس إلى طريق الله، فلا بد أن يكون قلبه وقلوب المؤمنين معه مع الذين آمنوا بإله وبنمهج ورسالة، ولا يكون قلبه مع الملاحدة الذين يعبدون غير الله.
ولنر العظمة الإيمانية في الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ. نجد الذين يؤمنون بالله ويكفرون به كرسول أولى عنده ممن يكفرون بالله. ولذلك عندما قامت الحرب بين فارس والروم كانت الغلبة أولا لفارس. وكانت عواطف الرسول والذين آمنوا معه مع الروم؛ لأنهم أقرب إلى معسكر الإيمان الوليد وإن كانوا يكفرون بمحمد فقد كانوا يؤمنون بالله، وأن هناك منهجا وهناك يوم بعث، ولذلك يضربها الحق مثلا في القرآن ليعطينا عدة لقطات، وأولى هذه اللقطات هي أن المسلمين في جانب من عنده رائحة الإيمان، فيقول سبحانه: ﴿الم غُلِبَتِ الروم في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ العزيز الرحيم﴾
[الروم: ١ - ٥]
وتبدأ هذه الآيات بخبر عن هزيمة الروم، ثم نبوءة من الحق بأنهم سيغلبون في بضع سنين. ويوم نصرهم سيفرح المؤمنون بنصر الله. وتنظر القوة الإسلامية التي جاءت لتؤسس دينا واسعا جامعا مانعا إلى معركة بين دولتين عظيمتين كلتيهما على أقصى ما يكون من الرقي الحضاري، هذه القوة الإسلامية تتعاطف مع الروم وتحزن - القوة الإسلامية - لأن الفرس قد غَلَبت. فيأتي الحق بالخبر اليقين وهو سَتَغْلِبُ الروم.
وبالله من الذي يستطيع أن يحكم في نهاية معركة بين قوتين عظيمتين؟ إنه حكم لا يستغرق يوما، حتى ولو كان قائله عرف أن هناك مددا قادما للقوة التي ستنتصر،
ولنر العظمة الإيمانية في الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ. نجد الذين يؤمنون بالله ويكفرون به كرسول أولى عنده ممن يكفرون بالله. ولذلك عندما قامت الحرب بين فارس والروم كانت الغلبة أولا لفارس. وكانت عواطف الرسول والذين آمنوا معه مع الروم؛ لأنهم أقرب إلى معسكر الإيمان الوليد وإن كانوا يكفرون بمحمد فقد كانوا يؤمنون بالله، وأن هناك منهجا وهناك يوم بعث، ولذلك يضربها الحق مثلا في القرآن ليعطينا عدة لقطات، وأولى هذه اللقطات هي أن المسلمين في جانب من عنده رائحة الإيمان، فيقول سبحانه: ﴿الم غُلِبَتِ الروم في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ العزيز الرحيم﴾
[الروم: ١ - ٥]
وتبدأ هذه الآيات بخبر عن هزيمة الروم، ثم نبوءة من الحق بأنهم سيغلبون في بضع سنين. ويوم نصرهم سيفرح المؤمنون بنصر الله. وتنظر القوة الإسلامية التي جاءت لتؤسس دينا واسعا جامعا مانعا إلى معركة بين دولتين عظيمتين كلتيهما على أقصى ما يكون من الرقي الحضاري، هذه القوة الإسلامية تتعاطف مع الروم وتحزن - القوة الإسلامية - لأن الفرس قد غَلَبت. فيأتي الحق بالخبر اليقين وهو سَتَغْلِبُ الروم.
وبالله من الذي يستطيع أن يحكم في نهاية معركة بين قوتين عظيمتين؟ إنه حكم لا يستغرق يوما، حتى ولو كان قائله عرف أن هناك مددا قادما للقوة التي ستنتصر،
2939
إنه حكم يستغرق بضع سنين. فمن الذي يستطيع أن يتحكم في معركة ستحدث بعد بضع سنين؟ لا يستطيع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يجازف بهذا الحكم، وهو لا يعرف استعدادات كل قوة وحجم قواتها وأسلحتها، لكن الأمر يأتي كخبر موثق من الله: ﴿وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٣ - ٤]
وهذا كلام موثق، لأنه قرآن مسطور يقرأه المؤمنون تعبداً. وعندما سمع أبو بكر الصديق هذه الآية، قال لقد أقمت رهاناً بأن الروم ستنتصر بعد ثلاث سنين، وطالبه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يمد مدة الرهان لأن الله قال: ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ والبضع ما بين الثلاث إلى التسع، ولذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لسيدنا أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فزايده في الخطر ومادّه في الأجل فجعلت مائة قلوص (ناقة) إلى تسع سنين. كأن هذا الأمر قد لقي الوثوق الكامل من المؤمنين؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أخبر بالنصر.
لقد أوردنا ذلك هنا حتى نفهم أن عواطف الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كانت مع الذين يؤمنون بكتاب وبرسول. ونحن هنا نجد الحق يحلل لنا مطاعمة أهل الكتاب حتى تكون هناك صلة بيننا وبين من يؤمن بإله وبمنهج السماء: ﴿وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ﴾.
وأوضح الحق سبحانه ذلك في آيات أخرى حينما قال: ﴿لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتقسطوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين قَاتَلُوكُمْ فِي الدين وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ على إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فأولئك هُمُ الظالمون﴾ [الممتحنة: ٨ - ٩]
وهذا كلام موثق، لأنه قرآن مسطور يقرأه المؤمنون تعبداً. وعندما سمع أبو بكر الصديق هذه الآية، قال لقد أقمت رهاناً بأن الروم ستنتصر بعد ثلاث سنين، وطالبه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يمد مدة الرهان لأن الله قال: ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ والبضع ما بين الثلاث إلى التسع، ولذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لسيدنا أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - فزايده في الخطر ومادّه في الأجل فجعلت مائة قلوص (ناقة) إلى تسع سنين. كأن هذا الأمر قد لقي الوثوق الكامل من المؤمنين؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أخبر بالنصر.
لقد أوردنا ذلك هنا حتى نفهم أن عواطف الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كانت مع الذين يؤمنون بكتاب وبرسول. ونحن هنا نجد الحق يحلل لنا مطاعمة أهل الكتاب حتى تكون هناك صلة بيننا وبين من يؤمن بإله وبمنهج السماء: ﴿وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ﴾.
وأوضح الحق سبحانه ذلك في آيات أخرى حينما قال: ﴿لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتقسطوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين قَاتَلُوكُمْ فِي الدين وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ على إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فأولئك هُمُ الظالمون﴾ [الممتحنة: ٨ - ٩]
2940
فسبحانه يريد أن نوازن في أسلوب تعاملنا فلا نساوي بين ملحد مشرك ومؤمن بصلة السماء بالأرض وإن كفر برسول الله. وأن يكون هناك قدر محدود من التواصل الإنساني. فالذي يحل للمؤمنين من طعام أهل الكتاب هو الذي يكون حلالا في منهج الإسلام. ويجب أن ينتبه المسلم إلى أن بعض أطعمة أهل الكتاب تدخلها الخمور وعليه الامتناع عن كل ما هو محرم في ديننا ولياكل من طعامهم ما هو حلال لدينا.
فلا يشرب المسلم خمراً، ولا يأكل المؤمن لحم الخنزير.
والطعام كما نعلم وسيلة لاستبقاء الحياة. وها هوذا ينتقل إلى استبقاء النوع وهو التناسل؛ فقد أحل الله لنا أن نتزوج من بناتهم ﴿والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ﴾.
والمحصنة لها معنيان: وهي إما أن تكون الحرة في مقابل الأمة، وإما أن تكون المتزوجة؛ لأن الإحصان يعني الوقاية من أن تختلط اختلاطا غير شريف. وكانت الحرة قديما لا تفعل الفعل القبيح. وكان البغاء مقصورا على الإماء؛ لأن الأمة لا أب لها ولا أخ ولا عائل، وهي مُهْدَرة الكرامة. ولذلك نجد أن هنداً زوجة أبي سفيان عندما سمعت عن الزنا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تساءلت: يا رسول الله أَوَ تزني الحرة؟! كأن الحرة لم تكن لتزني في الجاهلية؛ لأن الحرة تستطيع أن تمتنع عكس غيرها.
والمحصنة أيضاً هي المتزوجة. ويساوي الحق بين المحصنة من المؤمنات والمحصنة من أهل الكتاب، والمراد هنا الحرة العفيفة ويشترط وضع المهر لكل واحدة منهن. وبعض العلماء يقول: عندما تتزوج مسلمة يكفي أن تسمي لها المهر، لأن الدين الواحد يعطي الأمان العهدي، أما الزواج من كتابية فيجب أن يحدد الإنسان المهر وأن يقرره وأن يوفي بذلك. فالإيتاء هو أن يسمي الإنسان المهر ويقرره ويشهد عليه الشهود. ويستطيع أن يجعل الإنسان المهر كله مؤخراً. والشرط أن يكون الرجل محصناً أي متعففاً.
ويحدد الحق: ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ﴾ أي صدائق لهم دون زواج،
فلا يشرب المسلم خمراً، ولا يأكل المؤمن لحم الخنزير.
والطعام كما نعلم وسيلة لاستبقاء الحياة. وها هوذا ينتقل إلى استبقاء النوع وهو التناسل؛ فقد أحل الله لنا أن نتزوج من بناتهم ﴿والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ﴾.
والمحصنة لها معنيان: وهي إما أن تكون الحرة في مقابل الأمة، وإما أن تكون المتزوجة؛ لأن الإحصان يعني الوقاية من أن تختلط اختلاطا غير شريف. وكانت الحرة قديما لا تفعل الفعل القبيح. وكان البغاء مقصورا على الإماء؛ لأن الأمة لا أب لها ولا أخ ولا عائل، وهي مُهْدَرة الكرامة. ولذلك نجد أن هنداً زوجة أبي سفيان عندما سمعت عن الزنا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تساءلت: يا رسول الله أَوَ تزني الحرة؟! كأن الحرة لم تكن لتزني في الجاهلية؛ لأن الحرة تستطيع أن تمتنع عكس غيرها.
والمحصنة أيضاً هي المتزوجة. ويساوي الحق بين المحصنة من المؤمنات والمحصنة من أهل الكتاب، والمراد هنا الحرة العفيفة ويشترط وضع المهر لكل واحدة منهن. وبعض العلماء يقول: عندما تتزوج مسلمة يكفي أن تسمي لها المهر، لأن الدين الواحد يعطي الأمان العهدي، أما الزواج من كتابية فيجب أن يحدد الإنسان المهر وأن يقرره وأن يوفي بذلك. فالإيتاء هو أن يسمي الإنسان المهر ويقرره ويشهد عليه الشهود. ويستطيع أن يجعل الإنسان المهر كله مؤخراً. والشرط أن يكون الرجل محصناً أي متعففاً.
ويحدد الحق: ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ﴾ أي صدائق لهم دون زواج،
2941
والسفح هو الصب. والمرأة البغي هي من يسفح معها أي رجل، والخدن هي الخليلة أو العشيقة دون زواج، والخدن كذلك يطلق على الذكر كما يطلق على الأنثى. وإياك أن تفكر في أمر إقامة علاقة زواج متعة، بل لا بد أن يكون الإقبال على الزواج بنية الزواج التأبيدي لا الزواج الاستمتاعي.
ويقول الحق من بعد ذلك: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين﴾ ؛ لأن فائدة الإيمان أن يستقبل المؤمن الأحكام ممن آمن به إلها وينفذها. فإن سترت شيئا من أحكام الله التي آمنت بها فقد كفرت بالإيمان. والحق لا يضره أن يكفر الناس جميعاً؛ لأنه هو الذي خلق الخلق بداية وهو متصف بكل صفات القدرة والكمال.
إذن فالعالم كله لا يضيف إلى الله شيئا، فقبل أن يخلق الله الإنسان كانت كل صفات الكمال موجودة لله. وكل ثمار الطاعة والعبادة والإيمان إنما تعود على الإنسان. فإن جاء الإنسان إلى الأحكام التي شرعها الله له، وستر حكما منها فكأنه كفر بقضية الإيمان. وإن أنكر جزئية من جزئيات الإيمان، فهذا لون من الكفر، ويا ليت من يفعل ذلك أن يقول: «إن هذه الجزئية صحيحة ولكن لا أقدر على نفسي».
ففي هذه الحالة يكون الإنسان مؤمنا عاصيا يستغفر الله أو يتوب، أما الكفر فلا: والكفر بالإيمان يؤدي إلى حبط العمل. وهذا دليل على أن الحق يخاطب إنسانا يلتزم في بعض الأشياء ولا يلتزم في البعض الآخر. وهنا يوضح الحق للإنسان: إن ما أديت من خير في أعمالك سيذهب بثوابه ويحبط جزاءه ما منعت تنفيذه من أحكام الله، وجاء الحق بكلمة «حبط» التي تدل على أن العمل بطل وذهب ذهابا لا يعود. فالماشية حين تأكل طعاما لم ينضج بعد وإن كان من جنس ما تطعم مثل البرسيم في بدايته ويسمى «الرِّبة»، هذا اللون من الطعام عندما ترعى فيه البهائم يحدث لها انتفاخ في البطن وتموت.
والعرب تسمي هذا الداء الحُباط. فالحَبَط إذن هو انتفاخ البطن في الماشية التي تأكل أكلا غير مناسب لها. ويظن صاحبها أنها قد سمنت بينما هي تموت في الواقع.
ويقول الحق من بعد ذلك: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين﴾ ؛ لأن فائدة الإيمان أن يستقبل المؤمن الأحكام ممن آمن به إلها وينفذها. فإن سترت شيئا من أحكام الله التي آمنت بها فقد كفرت بالإيمان. والحق لا يضره أن يكفر الناس جميعاً؛ لأنه هو الذي خلق الخلق بداية وهو متصف بكل صفات القدرة والكمال.
إذن فالعالم كله لا يضيف إلى الله شيئا، فقبل أن يخلق الله الإنسان كانت كل صفات الكمال موجودة لله. وكل ثمار الطاعة والعبادة والإيمان إنما تعود على الإنسان. فإن جاء الإنسان إلى الأحكام التي شرعها الله له، وستر حكما منها فكأنه كفر بقضية الإيمان. وإن أنكر جزئية من جزئيات الإيمان، فهذا لون من الكفر، ويا ليت من يفعل ذلك أن يقول: «إن هذه الجزئية صحيحة ولكن لا أقدر على نفسي».
ففي هذه الحالة يكون الإنسان مؤمنا عاصيا يستغفر الله أو يتوب، أما الكفر فلا: والكفر بالإيمان يؤدي إلى حبط العمل. وهذا دليل على أن الحق يخاطب إنسانا يلتزم في بعض الأشياء ولا يلتزم في البعض الآخر. وهنا يوضح الحق للإنسان: إن ما أديت من خير في أعمالك سيذهب بثوابه ويحبط جزاءه ما منعت تنفيذه من أحكام الله، وجاء الحق بكلمة «حبط» التي تدل على أن العمل بطل وذهب ذهابا لا يعود. فالماشية حين تأكل طعاما لم ينضج بعد وإن كان من جنس ما تطعم مثل البرسيم في بدايته ويسمى «الرِّبة»، هذا اللون من الطعام عندما ترعى فيه البهائم يحدث لها انتفاخ في البطن وتموت.
والعرب تسمي هذا الداء الحُباط. فالحَبَط إذن هو انتفاخ البطن في الماشية التي تأكل أكلا غير مناسب لها. ويظن صاحبها أنها قد سمنت بينما هي تموت في الواقع.
2942
وكذلك يكون العمل على غير ما شرع الله. والحق بدأ قضايا الإيمان في هذه السورة بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود﴾ [المائدة: ١]
فكل عقد إيماني يتعلق بالوحدانية لله وبالبلاغ عن الله، وكل عقد عُقد بين المؤمنين بعضهم بعضا، وكل عقد عقده الإنسان بينه وبين نفسه؛ هذه العقود مطلوب الوفاء بها، ومن يكفر بهذه الأشياء فقد حبط عمله. وحبط العمل يأتي نتيجة أن الإنسان أنهى عمله وختمه بهذا اللون من الكفر وظن أنه عمل عملا صالحا. لكن العمل يحبط تماما كما تذهب البهيمة لترعى شيئا لا يتناسب معها فينتفخ بطنها. فيخيل للرائي أن ذلك شبع وأن ذلك عافية، ثم لا تلبث أن تنفق وتموت. كذلك عمل الذي يكفر بالإيمان، يظن أنه عمل شيئا ولكن ذلك الشيء متلف له. والآيات القرآنية تكلمت عن هذا المعنى كثيرا؛ فالحق يقول عن الكافرين بالله: ﴿أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾ [النور: ٣٩]
ونعلم أن السراب هو شيء من انعكاسات الضوء يخدع الرائي السائر في الصحراء فيظن أنه ماء، ويسير إليه الإنسان فلا يجده ماء، هكذا يكون عمل الذي يكفر بآيات الله. إنها أعمال تبدو متوهمة النفع. وقول الحق سبحانه: ﴿وَوَجَدَ الله عِندَهُ﴾ أي أن مثل هذا الإنسان يفاجأ بوجود الله، كأن مسألة وجود الإله لم تكن بخياله من قبل، والإنسان لا يأخذ أجره إلا لمن عمل به. فهل عمل الواحد من هؤلاء لله حتى يأخذ منه أجراً؟. لا. لم يعمل لله، ولذلك نجد أن بعض السطحيين في الفهم يقولون: كيف لا يجزي الله الجزاء الحسن هؤلاء العلماء الذين اخترعوا العلاجات للأمراض، والعلماء الذين ابتكروا الأشياء التي تنفع الناس؟ كيف لا يحسن الله جزاءهم في الآخرة؟
ونقول: لقد فعلوا ذلك ولم يكن الله في بالهم، كان في بالهم الإنسانية، وقد أعطتهم الخلود في الذكرى وأقامت لهم التماثيل ومنحتهم أوسمة ووضعت فيهم
فكل عقد إيماني يتعلق بالوحدانية لله وبالبلاغ عن الله، وكل عقد عُقد بين المؤمنين بعضهم بعضا، وكل عقد عقده الإنسان بينه وبين نفسه؛ هذه العقود مطلوب الوفاء بها، ومن يكفر بهذه الأشياء فقد حبط عمله. وحبط العمل يأتي نتيجة أن الإنسان أنهى عمله وختمه بهذا اللون من الكفر وظن أنه عمل عملا صالحا. لكن العمل يحبط تماما كما تذهب البهيمة لترعى شيئا لا يتناسب معها فينتفخ بطنها. فيخيل للرائي أن ذلك شبع وأن ذلك عافية، ثم لا تلبث أن تنفق وتموت. كذلك عمل الذي يكفر بالإيمان، يظن أنه عمل شيئا ولكن ذلك الشيء متلف له. والآيات القرآنية تكلمت عن هذا المعنى كثيرا؛ فالحق يقول عن الكافرين بالله: ﴿أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾ [النور: ٣٩]
ونعلم أن السراب هو شيء من انعكاسات الضوء يخدع الرائي السائر في الصحراء فيظن أنه ماء، ويسير إليه الإنسان فلا يجده ماء، هكذا يكون عمل الذي يكفر بآيات الله. إنها أعمال تبدو متوهمة النفع. وقول الحق سبحانه: ﴿وَوَجَدَ الله عِندَهُ﴾ أي أن مثل هذا الإنسان يفاجأ بوجود الله، كأن مسألة وجود الإله لم تكن بخياله من قبل، والإنسان لا يأخذ أجره إلا لمن عمل به. فهل عمل الواحد من هؤلاء لله حتى يأخذ منه أجراً؟. لا. لم يعمل لله، ولذلك نجد أن بعض السطحيين في الفهم يقولون: كيف لا يجزي الله الجزاء الحسن هؤلاء العلماء الذين اخترعوا العلاجات للأمراض، والعلماء الذين ابتكروا الأشياء التي تنفع الناس؟ كيف لا يحسن الله جزاءهم في الآخرة؟
ونقول: لقد فعلوا ذلك ولم يكن الله في بالهم، كان في بالهم الإنسانية، وقد أعطتهم الخلود في الذكرى وأقامت لهم التماثيل ومنحتهم أوسمة ووضعت فيهم
2943
المؤلفات لتمدحهم.
هم قد عملوا للناس فأعطاهم الناس. وهؤلاء الكافرون بتقدمهم في العلوم؛ مسخرون للإنسان المؤمن؛ فالمؤمن يستفيد من الكهرباء، وينتفع بها المسلمون ليقرأوا القرآن والعلم والذكر. ويستفيد المسلم من الطائرات فيذهب بها إلى الحج وزيارة المدينة المنورة، وينتفع بها كذلك في شئون دنياه، وعلى المؤمنين أن يأخذوا بالأسباب حتى لا يكونوا أذلة وعالة على غيرهم. والحق يسخر علم الكفار للمؤمنين، ولا يثاب الكفار على هذا العمل من الله. ولذلك يقول الحق عن أعمالهم مرة: ﴿والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب﴾ [النور: ٣٩]
ومرة أخرى يقول الحق: ﴿مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ ذلك هُوَ الضلال البعيد﴾ [إبراهيم: ١٨]
وها هوذا سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أولئك الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً﴾ [الكهف: ١٠٣ - ١٠٥]
إذن فالإنسان الذي يستر الإيمان بعضه أو كله، هو إنسان حابط العمل، وهو في الآخرة من الخاسرين؛ لأن النجاح في الآخرة نتيجة لعمل الدنيا. ومادام قد عمل لغير الله في الدنيا فلا بد أن يكون من الخاسرين في الآخرة.
وقوله الحق: ﴿وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين﴾ يوضح لنا ضرورة ألا نخدع ويغرر
هم قد عملوا للناس فأعطاهم الناس. وهؤلاء الكافرون بتقدمهم في العلوم؛ مسخرون للإنسان المؤمن؛ فالمؤمن يستفيد من الكهرباء، وينتفع بها المسلمون ليقرأوا القرآن والعلم والذكر. ويستفيد المسلم من الطائرات فيذهب بها إلى الحج وزيارة المدينة المنورة، وينتفع بها كذلك في شئون دنياه، وعلى المؤمنين أن يأخذوا بالأسباب حتى لا يكونوا أذلة وعالة على غيرهم. والحق يسخر علم الكفار للمؤمنين، ولا يثاب الكفار على هذا العمل من الله. ولذلك يقول الحق عن أعمالهم مرة: ﴿والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب﴾ [النور: ٣٩]
ومرة أخرى يقول الحق: ﴿مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ على شَيْءٍ ذلك هُوَ الضلال البعيد﴾ [إبراهيم: ١٨]
وها هوذا سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أولئك الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً﴾ [الكهف: ١٠٣ - ١٠٥]
إذن فالإنسان الذي يستر الإيمان بعضه أو كله، هو إنسان حابط العمل، وهو في الآخرة من الخاسرين؛ لأن النجاح في الآخرة نتيجة لعمل الدنيا. ومادام قد عمل لغير الله في الدنيا فلا بد أن يكون من الخاسرين في الآخرة.
وقوله الحق: ﴿وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين﴾ يوضح لنا ضرورة ألا نخدع ويغرر
2944
بنا لأن بعضاً من الكافرين يكسب بعضاً من الشهرة والجاه والثروة نتيجة اختراعاتهم؛ فكل ذلك أمور فانية، وهم مستسلمون لسنة الله، فإما أن يفوتهم النعيم وإما أن يفوتوا النعيم. والحساب الختامي يكون في الآخرة، فالكافر وإن أخذ شيئاً من الكسب في ظاهر هذه الحياة الدنيا فهو خاسر في الآخرة.
وبعد ذلك ينتقل الحق ليربط لنا كل قضايا الدنيا رباطاً وافياً. فبعد أن يتكلم عن مقومات الحياة وعن مقومات النوع بالإنكاح وغيره، يوضح: كل هذه نعم أعطيتها لكم وأريد أن آخذ بأيديكم بعد أن بينت لكم فضل هذه النعم عليكم؛ لتلتقوا بصاحب كل هذه النعم. هو سبحانه يريد أن يأخذنا من مشاغل الدنيا لنلقى المنعم. وحتى تلقى أيها المسلم الإله المنعم - سبحانه - فلا بد أن تعد نفسك لهذا اللقاء؛ لأنها ليست مسألة طارئة؛ فلا بد من الإعداد الروحي والإعداد البدني والإعداد المكاني والإعداد الزماني.
إن الإعداد البدني يكون بالطهارة. والإعداد الزماني هو مواقيت الصلاة. والإعداد المكاني هو وجود مكان طاهر لإقامة الصلاة وإعداد اتجاهي بتحديد وجهة الصلاة إلى القبلة.
وهذه كلها مواصفات تهيئ النفس البشرية للوقوف بين يدي من أنعم على الإنسان بكل النعم. ولذلك نقول: إن الصلاة إعلان استدامة الولاء الإيماني للخالق الممد المنعم؛ فهو الذي خلق من عدم وأمد من عدم. وقد فرض الحق سبحانه وتعالى الصلاة خمس مرات في اليوم؛ ليقطع على الإنسان سبيل الغفلة عنه. وإذا ما أراد الإنسان أن يلقى الله في الأوقات التي بين الصلوات؛ وأراد أن يعلن استدامة الإيمان وهو يقوم بأي عمل غير الصلاة فليذكر الله؛ لأننا نعرف القاعدة الشرعية القائلة:
[ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب].
مثال ذلك أن الإنسان حين يصلي فهو يحتاج إلى قوة. والقوة تتولد في الجسم نتيجة تناول الطعام. إذن عملية صناعة الطعام أمر واجب وكل ما يترتب على ذلك عملية واجبة. ولذلك عندما يأتي واحد ويقول: أريد أن أنقطع للعبادة وأعتزل حركة الحياة. لنقل له: افعل ذلك بشرط واحد هو ألا تنتفع بحركة متحرك واحد في
وبعد ذلك ينتقل الحق ليربط لنا كل قضايا الدنيا رباطاً وافياً. فبعد أن يتكلم عن مقومات الحياة وعن مقومات النوع بالإنكاح وغيره، يوضح: كل هذه نعم أعطيتها لكم وأريد أن آخذ بأيديكم بعد أن بينت لكم فضل هذه النعم عليكم؛ لتلتقوا بصاحب كل هذه النعم. هو سبحانه يريد أن يأخذنا من مشاغل الدنيا لنلقى المنعم. وحتى تلقى أيها المسلم الإله المنعم - سبحانه - فلا بد أن تعد نفسك لهذا اللقاء؛ لأنها ليست مسألة طارئة؛ فلا بد من الإعداد الروحي والإعداد البدني والإعداد المكاني والإعداد الزماني.
إن الإعداد البدني يكون بالطهارة. والإعداد الزماني هو مواقيت الصلاة. والإعداد المكاني هو وجود مكان طاهر لإقامة الصلاة وإعداد اتجاهي بتحديد وجهة الصلاة إلى القبلة.
وهذه كلها مواصفات تهيئ النفس البشرية للوقوف بين يدي من أنعم على الإنسان بكل النعم. ولذلك نقول: إن الصلاة إعلان استدامة الولاء الإيماني للخالق الممد المنعم؛ فهو الذي خلق من عدم وأمد من عدم. وقد فرض الحق سبحانه وتعالى الصلاة خمس مرات في اليوم؛ ليقطع على الإنسان سبيل الغفلة عنه. وإذا ما أراد الإنسان أن يلقى الله في الأوقات التي بين الصلوات؛ وأراد أن يعلن استدامة الإيمان وهو يقوم بأي عمل غير الصلاة فليذكر الله؛ لأننا نعرف القاعدة الشرعية القائلة:
[ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب].
مثال ذلك أن الإنسان حين يصلي فهو يحتاج إلى قوة. والقوة تتولد في الجسم نتيجة تناول الطعام. إذن عملية صناعة الطعام أمر واجب وكل ما يترتب على ذلك عملية واجبة. ولذلك عندما يأتي واحد ويقول: أريد أن أنقطع للعبادة وأعتزل حركة الحياة. لنقل له: افعل ذلك بشرط واحد هو ألا تنتفع بحركة متحرك واحد في
2945
الحياة، ولا تتناول أي طعام، ذلك أن الرغيف الذي يقدمه لك إنسان هو من عمل بشر كثيرين لم ينقطعوا عن الحياة. ولنقل أيضاً: لماذا ترتدي هذا الجلباب؟. إنه نتيجة حركة حياة بشر آخرين، فهناك من زرع القطن وآخر حلج هذا القطن وثالث حوله إلى غزل ورابع نسجه وخامس قام بتفصيل هذا الجلباب. ولتنظر إلى ما خَلْف كل واحد من آلات. وإياك أن تنتفع بحركة واحد مشغول بالأسباب مادمت قد قررت الانقطاع عن حركة الحياة.
إن الشغل بالأسباب عبادة؛ لأن العبادة لا تتم إلا به. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ولذلك فَتَعَلُّم المهارات المفيدة للحياة هو فرض كفاية؛ والفرض الواجب على الإنسان: احد اثنين: إما فرض عين وهو الأمر المكلف به الفرد ولابد أن يؤديه ولا يجوز أن يؤديه أحدٌ نيابة عنه؛ كالصلاة، وإنا فرض كفاية: وهو ما لا يتم الواجب إلا به لذلك كان واجباً، فكل منا يريد الطعام.
لذلك لا بد من تقسيم العمل، فهذا يزرع وهذا يصنع، فلا بد من زراعة القمح ولا بد من إقامة المطاحن ولا بد من إقامة الأفران. ولا بد من مهندسين يصممون هذه الآلات. وكل ذلك أمور تسهل للإنسان أن يمتلك القوة لأداء الصلاة؛ وأن يقف بين يدي الحق ليؤدي الصلاة. إذن فكل ذلك أمر واجب، وهو فرض كفاية. أي أنه فرض إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن لم يقم به بعضنا يكون الإثم على الجميع.
ومثال آخر هو الصلاة على الميت هي فرض كفاية، فمن يصلي على الميت فهو يؤدي عنا، وإن لم يصل أحد على الميت يكون الإثم على كل مسلم، هكذا تتسع رقعة الإثم.
وكل الأعمال التي لا يتم الواجب إلا لها فهي واجب، ولذلك فهي فرض كفاية، إن قام به البعض سقط الطلب عن الباقين، وإن لم يقم به البعض فالإثم على الجميع.
وما موقف ولي الأمر في هذا؟. على ولي الأمر أن يفرض القيام بفرض الكفاية على أحد الناس، وإلا تعطلت الواجبات التي نقول عنها: إنها واجبات دينية. فحين يذهب المسلم إلى السوق فلا يجد خبزاً؛ يضعف ولا يملك الفكاك من
إن الشغل بالأسباب عبادة؛ لأن العبادة لا تتم إلا به. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ولذلك فَتَعَلُّم المهارات المفيدة للحياة هو فرض كفاية؛ والفرض الواجب على الإنسان: احد اثنين: إما فرض عين وهو الأمر المكلف به الفرد ولابد أن يؤديه ولا يجوز أن يؤديه أحدٌ نيابة عنه؛ كالصلاة، وإنا فرض كفاية: وهو ما لا يتم الواجب إلا به لذلك كان واجباً، فكل منا يريد الطعام.
لذلك لا بد من تقسيم العمل، فهذا يزرع وهذا يصنع، فلا بد من زراعة القمح ولا بد من إقامة المطاحن ولا بد من إقامة الأفران. ولا بد من مهندسين يصممون هذه الآلات. وكل ذلك أمور تسهل للإنسان أن يمتلك القوة لأداء الصلاة؛ وأن يقف بين يدي الحق ليؤدي الصلاة. إذن فكل ذلك أمر واجب، وهو فرض كفاية. أي أنه فرض إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن لم يقم به بعضنا يكون الإثم على الجميع.
ومثال آخر هو الصلاة على الميت هي فرض كفاية، فمن يصلي على الميت فهو يؤدي عنا، وإن لم يصل أحد على الميت يكون الإثم على كل مسلم، هكذا تتسع رقعة الإثم.
وكل الأعمال التي لا يتم الواجب إلا لها فهي واجب، ولذلك فهي فرض كفاية، إن قام به البعض سقط الطلب عن الباقين، وإن لم يقم به البعض فالإثم على الجميع.
وما موقف ولي الأمر في هذا؟. على ولي الأمر أن يفرض القيام بفرض الكفاية على أحد الناس، وإلا تعطلت الواجبات التي نقول عنها: إنها واجبات دينية. فحين يذهب المسلم إلى السوق فلا يجد خبزاً؛ يضعف ولا يملك الفكاك من
2946
المجاعة؛ ولن يقدر على الصلاة أو العمل لينتج أو يجد ادخاراً يكفيه أن يحج إذن: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ لذلك نجد الحق سبحانه وتعالى حينما حثنا على أداء الصلاة في يوم الجمعة يقول: ﴿ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: ٩]
هو سبحانه يخرجنا من العمل إلى الصلاة، ولم يخرجنا إلى الصلاة من فراغ، لنلتفت إلى دقة الأداء القرآني حين يقول الحق: ﴿وَذَرُواْ البيع﴾ وحين يذر الإنسان البيع، فهو يذر الشراء من باب أولى؛ لأن البيع والشراء وجهان لعملية واحدة. والخلاف فقط أن المشتري قد يشتري السلعة وهو كاره لأن يشتري؛ لأنه يستهلك نقوده فيما يشتريه، أما البائع فيريد أن يحصل على ثمن البيع فوراً، وغالبا ما يحصل على ربح من وراء ذلك، وتلك هي قمة الكسب. فكسب الزارع - على سبيل المثال - يأتيه بعد شهور من الزراعة. وكسب الموظف يأتيه أول الشهر. لكن البائع يحصل على الكسسب فوراً. ولذلك يأمرنا الحق أن نذر البيع إذا سمعنا نداء الصلاة يوم الجمعة، وماذا بعد انتهاء الصلاة؟.
ها هوذا الحق يقول: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠]
إذن فلا يقولن أحد أنا منقطع طوال حياتي للصلاة. فلن يستطيع أحد أن يذهب إلى الصلاة ما لم يكن يملك مقومات حياته. ومقومات الحياة تقتضي أن يضرب الإنسان في الأرض. ولا بد أن يبتغي الإنسان من فضل الله. إذن، فالسعي في الأرض هو عبادة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ويريد الحق سبحانه وتعالى ألا يعزل قضية تتعلق بمقومات الحياة طعاماً وإنكاحاً عن الصلاة. فيأتي الحق سبحانه وتعالى بشروط الوضوء استعداداً للصلاة بعد أن يتحدث عن
هو سبحانه يخرجنا من العمل إلى الصلاة، ولم يخرجنا إلى الصلاة من فراغ، لنلتفت إلى دقة الأداء القرآني حين يقول الحق: ﴿وَذَرُواْ البيع﴾ وحين يذر الإنسان البيع، فهو يذر الشراء من باب أولى؛ لأن البيع والشراء وجهان لعملية واحدة. والخلاف فقط أن المشتري قد يشتري السلعة وهو كاره لأن يشتري؛ لأنه يستهلك نقوده فيما يشتريه، أما البائع فيريد أن يحصل على ثمن البيع فوراً، وغالبا ما يحصل على ربح من وراء ذلك، وتلك هي قمة الكسب. فكسب الزارع - على سبيل المثال - يأتيه بعد شهور من الزراعة. وكسب الموظف يأتيه أول الشهر. لكن البائع يحصل على الكسسب فوراً. ولذلك يأمرنا الحق أن نذر البيع إذا سمعنا نداء الصلاة يوم الجمعة، وماذا بعد انتهاء الصلاة؟.
ها هوذا الحق يقول: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠]
إذن فلا يقولن أحد أنا منقطع طوال حياتي للصلاة. فلن يستطيع أحد أن يذهب إلى الصلاة ما لم يكن يملك مقومات حياته. ومقومات الحياة تقتضي أن يضرب الإنسان في الأرض. ولا بد أن يبتغي الإنسان من فضل الله. إذن، فالسعي في الأرض هو عبادة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ويريد الحق سبحانه وتعالى ألا يعزل قضية تتعلق بمقومات الحياة طعاماً وإنكاحاً عن الصلاة. فيأتي الحق سبحانه وتعالى بشروط الوضوء استعداداً للصلاة بعد أن يتحدث عن
2947
أحكام تحليل الأطعمة وتحريم بعضها، وبعض من أحكام النكاح، وذلك لنعرف أن مسئوليات الإيمان كلها مترابطة، فلا يصح أن نعزل عملاً ونقول: هذا عمل تعبدي وذاك عمل غير تعبدي.
والمؤلفون عندما يضعون الكتب في الفقه ويخصصون أقساماً في هذه الكتب للعبادات وأقساماً للمعاملات، فهذا التقسيم تقسيم تصنيفي تأليفي، لكن كل ما يطلبه الكون لينصلح فهو عبادة لخالق هذا الكون، بدليل أنه قال: ﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع﴾ وهذا أمر.
ويتلوه أمر آخر: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض﴾.
إن الإنسان لا ينفذ أمراً ويهمل أمراً آخر، ولكن عليه بمقتضى الإيمان أن ينفذ الأمرين معاً، فإن تأخر الإنسان في أي من الأمرين فهو مذنب؛ لذلك يخبرنا سبحانه - من بعد الحديث عن النعم التي أنعم بها علينا - بما أحل لنا من بهيمة الأنعام، وبما قص علينا من الزواج من المحصنات؛ ها هوذا يدخلنا إلى رحابه بالاستعداد للصلاة لأنه واهب كل النعم. ويأمرنا بالاستعداد للصلاة وأن يعد كل واحد منا نفسه لها.
وهذا الإعداد يؤهل المسلم ليلقى الحق فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ... ﴾
والمؤلفون عندما يضعون الكتب في الفقه ويخصصون أقساماً في هذه الكتب للعبادات وأقساماً للمعاملات، فهذا التقسيم تقسيم تصنيفي تأليفي، لكن كل ما يطلبه الكون لينصلح فهو عبادة لخالق هذا الكون، بدليل أنه قال: ﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع﴾ وهذا أمر.
ويتلوه أمر آخر: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض﴾.
إن الإنسان لا ينفذ أمراً ويهمل أمراً آخر، ولكن عليه بمقتضى الإيمان أن ينفذ الأمرين معاً، فإن تأخر الإنسان في أي من الأمرين فهو مذنب؛ لذلك يخبرنا سبحانه - من بعد الحديث عن النعم التي أنعم بها علينا - بما أحل لنا من بهيمة الأنعام، وبما قص علينا من الزواج من المحصنات؛ ها هوذا يدخلنا إلى رحابه بالاستعداد للصلاة لأنه واهب كل النعم. ويأمرنا بالاستعداد للصلاة وأن يعد كل واحد منا نفسه لها.
وهذا الإعداد يؤهل المسلم ليلقى الحق فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ... ﴾
2948
سبحانه يأمرنا بوضوح محدد: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فلا بد لكم من تنفيذ عملية الوضوء.
وتتعرض الآية إلى الأركان الأساسية في الوضوء. وقد يلتبس الأمر على بعض الناس ولا يستطيع أن يميز بين سنن الوضوء وأركان الوضوء؛ لأن السنن تقتضي أن يغسل الإنسان يديه ثم يتمضمض، ثم يستنشق الماء وهكذا. هذه هي السنن التي تمتزج بالأركان الأساسية للوضوء.
ويبدأ الحق أركان الوضوء الأساسية بقوله: ﴿فاغسلوا وُجُوهَكُمْ﴾ والغسل يتطلب إسالة الماء على العضو وأن يقطر منه الماء بعد ذلك. والمسح هو اللمس بالماء ليصيب العضو ولا يتقطر منه الماء؛ إنه مجرد بلولة بالماء. والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم في هذه الآية عن الوضوء، تكلم عن أشياء تُغسل وعن شيء يُمسح. فالأمر بالغسل يشمل الوجه واليدين إلى المرافق والرجلين إلى الكعبين. والأمر بالمسح يشمل بعض الرأس. والغسل قد يكفي مرة أو اثنتين أو ثلاثا ليتأكد الإنسان تماما من الغسل، ولكن إذا كانت المياه قليلة فيكفي أن يغسل الأجزاء المطلوبة مرة وأن يتأكد أنه قد غسل المساحات المطلوبة.
إن الزيادة على المرة الواحدة إلا ثلاث مرات أمر مسنون لا واجب وغسل الوجه معروف تماما للجميع، فالوجه هو ما به المواجهة. والمواجهة تكون من منبت الشعر إلى الذقن، وتحت منتهى لحييه وهما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى، هذا في الطول، وفي العرض يشمل الوجه ما بين شحمتي الأذنين. ولا أحد يختلف في
وتتعرض الآية إلى الأركان الأساسية في الوضوء. وقد يلتبس الأمر على بعض الناس ولا يستطيع أن يميز بين سنن الوضوء وأركان الوضوء؛ لأن السنن تقتضي أن يغسل الإنسان يديه ثم يتمضمض، ثم يستنشق الماء وهكذا. هذه هي السنن التي تمتزج بالأركان الأساسية للوضوء.
ويبدأ الحق أركان الوضوء الأساسية بقوله: ﴿فاغسلوا وُجُوهَكُمْ﴾ والغسل يتطلب إسالة الماء على العضو وأن يقطر منه الماء بعد ذلك. والمسح هو اللمس بالماء ليصيب العضو ولا يتقطر منه الماء؛ إنه مجرد بلولة بالماء. والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم في هذه الآية عن الوضوء، تكلم عن أشياء تُغسل وعن شيء يُمسح. فالأمر بالغسل يشمل الوجه واليدين إلى المرافق والرجلين إلى الكعبين. والأمر بالمسح يشمل بعض الرأس. والغسل قد يكفي مرة أو اثنتين أو ثلاثا ليتأكد الإنسان تماما من الغسل، ولكن إذا كانت المياه قليلة فيكفي أن يغسل الأجزاء المطلوبة مرة وأن يتأكد أنه قد غسل المساحات المطلوبة.
إن الزيادة على المرة الواحدة إلا ثلاث مرات أمر مسنون لا واجب وغسل الوجه معروف تماما للجميع، فالوجه هو ما به المواجهة. والمواجهة تكون من منبت الشعر إلى الذقن، وتحت منتهى لحييه وهما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى، هذا في الطول، وفي العرض يشمل الوجه ما بين شحمتي الأذنين. ولا أحد يختلف في
2949
تحديد الوجه، ولذلك أطلق الحق الوجه ولم يعينه بغاية، فلم يقل: اغسل وجهك من كذا إلى كذا؛ ولكنه أمر بغسل الوجه، فلا اختلاف في مدلول الوجه لدى الجميع. والكل متفق عليه، هذا إذا ما بدأنا بالفروض الأساسية. لكن إذا ما بدأنا بالسنن فنحن نغسل الكفين إلى الرسغين أولا ثم نتمضمض ونستنشق.
وبعض العارفين بالله يقول عن هذه المقدمات التي هي من السنن: إنها لم تأت اعتباطا؛ لأن تعريف الماء هو: السائل الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وإن تغير أي وصف من هذه الأوصاف يكون السائل قد خرج عن المائية. فساعة تأخذ الماء بيديك ستطمئن على لون الماء، وتعرف أنه لا لون له، وعندما تتمضمض فأنت تطمئن إلى أنه لا طعم له؛ وعندما تستنشق فأنت تطمئن على أن الماء لا رائحة له، وبذلك تطمئن إلى أن الماء الذي تستعمله في الوضوء يكون قد استوفى الأوصاف قبل أن تبدأ في عمل المطلوب من أركان الوضوء التي يطلبها الله، والسنة تقدمت هنا على الأركان لحكمة هي أن توفر للإنسان الثقة في الماء الذي يتوضأ منه. وبعد ذلك يغسل الإنسان الوجه من منابت شعر الرأس وتحت منتهى لحييه وذلك طولا وما بين شحمتي الأذنين عرضًا.
وبعد غسل الوجه قال الحق: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق﴾ وميز الحق هنا الأيدي بتحديد المساحة المطلوب غسلها بأنها إلى المرافق، أي أنه زاد غاية لم توجد في الوجه، ولكن جاء الأمر بغسل اليدين إلى المرافق؛ لأن اليد تطلق في اللغة ويراد بها الكف، مثال ذلك في حكم الحق على السارق والسارقة: ﴿فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]
وتطلق اليد أيضا ويراد بها الكف والساعد إلى المرفق. وتطلق اليد أيضا ويراد بها إلى الكتف. فلليد ثلاث إطلاقات. ولو أن الحق قد أمر بغسل اليد ولم يحدد الغسل ب «إلى المرافق» لغسل البعض كفيه فقط، وغسل البعض يديه إلى المرافق، ولغسل البعض يديه إلى الكتفين؛ ولأن الحق يريد غسل اليد على وجه واحد محدد؛ لذلك قال: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق﴾.
إذن فساعة يريد الحق شيئا محددا، فهو يأتي بالأسلوب الذي يحدده تحديدا يقطع
وبعض العارفين بالله يقول عن هذه المقدمات التي هي من السنن: إنها لم تأت اعتباطا؛ لأن تعريف الماء هو: السائل الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة، وإن تغير أي وصف من هذه الأوصاف يكون السائل قد خرج عن المائية. فساعة تأخذ الماء بيديك ستطمئن على لون الماء، وتعرف أنه لا لون له، وعندما تتمضمض فأنت تطمئن إلى أنه لا طعم له؛ وعندما تستنشق فأنت تطمئن على أن الماء لا رائحة له، وبذلك تطمئن إلى أن الماء الذي تستعمله في الوضوء يكون قد استوفى الأوصاف قبل أن تبدأ في عمل المطلوب من أركان الوضوء التي يطلبها الله، والسنة تقدمت هنا على الأركان لحكمة هي أن توفر للإنسان الثقة في الماء الذي يتوضأ منه. وبعد ذلك يغسل الإنسان الوجه من منابت شعر الرأس وتحت منتهى لحييه وذلك طولا وما بين شحمتي الأذنين عرضًا.
وبعد غسل الوجه قال الحق: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق﴾ وميز الحق هنا الأيدي بتحديد المساحة المطلوب غسلها بأنها إلى المرافق، أي أنه زاد غاية لم توجد في الوجه، ولكن جاء الأمر بغسل اليدين إلى المرافق؛ لأن اليد تطلق في اللغة ويراد بها الكف، مثال ذلك في حكم الحق على السارق والسارقة: ﴿فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]
وتطلق اليد أيضا ويراد بها الكف والساعد إلى المرفق. وتطلق اليد أيضا ويراد بها إلى الكتف. فلليد ثلاث إطلاقات. ولو أن الحق قد أمر بغسل اليد ولم يحدد الغسل ب «إلى المرافق» لغسل البعض كفيه فقط، وغسل البعض يديه إلى المرافق، ولغسل البعض يديه إلى الكتفين؛ ولأن الحق يريد غسل اليد على وجه واحد محدد؛ لذلك قال: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق﴾.
إذن فساعة يريد الحق شيئا محددا، فهو يأتي بالأسلوب الذي يحدده تحديدا يقطع
2950
الاجتهاد في هذا الشيء. وكلمة «إلى» تحدد لنا الغاية، كما أن «مِن» تحدد الابتداء، ولكن هل تدخل الغاية هنا أم لا؟ هل تدخل المرافق في الغسل أم لا؟ إن «إلى» قد تدخل الغاية ومرة أخرى لا تدخل الغاية.
فمثال إدخالها الغاية قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: ١]
هل أسرى الحق برسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المسجد الأقصى ولم يدخله؟ لا أحد يعقل ذلك. إن «إلى» هنا تقتضي أن تدخل الغاية؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان قد ذهب إلى المسجد الأقصى بمراد الإسراء إليه والدخول والصلاة فيه. ويقول سبحانه: ﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل﴾ [البقرة: ١٨٧]
فهل يدخل الليل في الصيام؟ لا، لأننا لو أدخلنا الليل في الصوم لصار في الصيام وصالٌ أي نصل الليل بالنهار صائمين. إذن فمع «إلى» تجد الغاية تدخل مرة، وتجدها لا تدخل مرة أخرى. واختلف بعض العلماء حول المرفق هل يدخل في الغسل أو لا؟ وصار في عموم الاتفاق أن يدخل المرفق في الغسل احتياطيا؛ لأن أحداً لا يستطيع تحديد المرفق من أين وإلى أين. ونعرف أن هناك احتياطات للتعقل، فمرة نحتاط بالاتساع ومرة نحتاط بالتضييق.
مثال ذلك عندما نصلي في البيت الحرام. ونحن نعرف أن الكعبة بناء واضح الجدران، وبجانب جدار من جدران الكعبة يوجد الحطيم وهو حجر إسماعيل وهو جزء من الكعبة يحيطه قوس. وعندما يصلي إنسان حول الكعبة، هل يتجه إلى الحطيم أم إلى بناء الكعبة؛ لأنه مقطوع بكعبيته، والاحتياط هنا احتياط بالنقص، فنتوجه إلى الكعبة وهي البناء العالي فقط، ولكن عند الطواف. فإننا نطوف حول
فمثال إدخالها الغاية قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: ١]
هل أسرى الحق برسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المسجد الأقصى ولم يدخله؟ لا أحد يعقل ذلك. إن «إلى» هنا تقتضي أن تدخل الغاية؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان قد ذهب إلى المسجد الأقصى بمراد الإسراء إليه والدخول والصلاة فيه. ويقول سبحانه: ﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل﴾ [البقرة: ١٨٧]
فهل يدخل الليل في الصيام؟ لا، لأننا لو أدخلنا الليل في الصوم لصار في الصيام وصالٌ أي نصل الليل بالنهار صائمين. إذن فمع «إلى» تجد الغاية تدخل مرة، وتجدها لا تدخل مرة أخرى. واختلف بعض العلماء حول المرفق هل يدخل في الغسل أو لا؟ وصار في عموم الاتفاق أن يدخل المرفق في الغسل احتياطيا؛ لأن أحداً لا يستطيع تحديد المرفق من أين وإلى أين. ونعرف أن هناك احتياطات للتعقل، فمرة نحتاط بالاتساع ومرة نحتاط بالتضييق.
مثال ذلك عندما نصلي في البيت الحرام. ونحن نعرف أن الكعبة بناء واضح الجدران، وبجانب جدار من جدران الكعبة يوجد الحطيم وهو حجر إسماعيل وهو جزء من الكعبة يحيطه قوس. وعندما يصلي إنسان حول الكعبة، هل يتجه إلى الحطيم أم إلى بناء الكعبة؛ لأنه مقطوع بكعبيته، والاحتياط هنا احتياط بالنقص، فنتوجه إلى الكعبة وهي البناء العالي فقط، ولكن عند الطواف. فإننا نطوف حول
2951
الكعبة والحطيم، أي أن الاحتياط هنا يكون بالزيادة؛ لأننا إذا ما طفنا حتى من وراء المسجد فهو طواف حول البيت الحرام.
إذن فالاحتياط يكون مرة بالنقص ومرة يكون بالزيادة. وفي مجال الوضوء يكون غسل المرافق هو احتياط بالزيادة؛ ذلك أن «إلى» تكون الغاية بها مرة داخلة، ومرة تكون الغاية بها غير داخلة.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى من بعد ذلك: ﴿وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ الأسلوب هنا يختلف؛ فالمطلوب هو المسح. كان المطلوب أولاً هو الغسل للوجه على اطلاقه؛ لأنه لا خلاف على الوجه، ثم غسل اليدين إلى المرافق، وتم تحديد الغاية لأن الحق يريد الغسل لليدين على لون يقطع الجدل والاجتهاد فيه. ولو قال الحق: «امسحوا رءوسكم» مثلما قال: «اغسلوا وجوهكم» لما كان هناك خلاف. لكن لو قال: «امسحوا بعض رؤوسكم» فهل يوجد خلاف؟ نعم فذلك البعض لم يحدد. ولو قال: «امسحوا ربع رءوسكم» فهل يوجد خلاف؟ نعم قد يوجد خلاف لأن تحديد الربع عسير وشاق.
لماذا إذن اختار الحق هنا هذا الأسلوب ﴿امسحوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ مع أن في الآية أساليب كثيرة، منها أسلوب مجرد عن الغاية، وأسلوب موجود به الغاية، وهذا الأسلوب لا هو مجرد ولا هو موجود به الغاية؟ وقال الحق: ﴿امسحوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ ولنا أن نبحث عن كيفية استعمال حرف (الباء) التي تسبق «رءوسكم».
إن «الباء» في اللغة تأتي بمعان كثيرة. قال ابن مالك في الألفية:
ومقصود بها أن تعطي الحرية للمشرع؛ لأن الباء تأتي لمعان كثيرة، للاستعانة مثل: كتبت بالقلم، ولتعدية الفعل اللازم نحو: ذهبت بالمريض إلى الطبيب، وللتعويض مثل: اشتريت القلم بعشرين جنيها، والالتصاق نحو: مررت بخالد، وتأتي بمعنى «مع» مثل: بعتك البيت بأثاثه أي مع أثاثه، وبمعنى «من» مثل: شرب بماء النيل أي من ماء النيل، وبمعنى «عن» مثل قوله تعالى ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾، وتأتي أيضا للظرفية نحو: ذهبت إلى
إذن فالاحتياط يكون مرة بالنقص ومرة يكون بالزيادة. وفي مجال الوضوء يكون غسل المرافق هو احتياط بالزيادة؛ ذلك أن «إلى» تكون الغاية بها مرة داخلة، ومرة تكون الغاية بها غير داخلة.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى من بعد ذلك: ﴿وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ الأسلوب هنا يختلف؛ فالمطلوب هو المسح. كان المطلوب أولاً هو الغسل للوجه على اطلاقه؛ لأنه لا خلاف على الوجه، ثم غسل اليدين إلى المرافق، وتم تحديد الغاية لأن الحق يريد الغسل لليدين على لون يقطع الجدل والاجتهاد فيه. ولو قال الحق: «امسحوا رءوسكم» مثلما قال: «اغسلوا وجوهكم» لما كان هناك خلاف. لكن لو قال: «امسحوا بعض رؤوسكم» فهل يوجد خلاف؟ نعم فذلك البعض لم يحدد. ولو قال: «امسحوا ربع رءوسكم» فهل يوجد خلاف؟ نعم قد يوجد خلاف لأن تحديد الربع عسير وشاق.
لماذا إذن اختار الحق هنا هذا الأسلوب ﴿امسحوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ مع أن في الآية أساليب كثيرة، منها أسلوب مجرد عن الغاية، وأسلوب موجود به الغاية، وهذا الأسلوب لا هو مجرد ولا هو موجود به الغاية؟ وقال الحق: ﴿امسحوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ ولنا أن نبحث عن كيفية استعمال حرف (الباء) التي تسبق «رءوسكم».
إن «الباء» في اللغة تأتي بمعان كثيرة. قال ابن مالك في الألفية:
بالباء استعن وعد عوض الصق | ومثل «مع» و «من» و «عن» بها انطق |
2952
فلان بالليل أي في الليل، وتكون السببية نحو: باجتهاد محمد منح الجائزة أي بسبب اجتهاده، إلى غير ذلك من المصاحبة نحو: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أي سبح مصاحبا حمد ربك.
إن الذي يقول: امسحوا بعض رءوسكم ولو شعرة، فهذا أمر يصلح ويكفي وتسعفه الباء لغة، والمسح يقتضي الإلصاق، والآلة الماسحة هي اليد. وهناك من يقول: نأخذ على قدر الأداة الماسحة وهي اليد أي مسح مقدار ربع الرأس.
إذن كل حكم من هذه الأحكام يصلح لتمام تنفيذ حكم مسح الرأس، ولو أن الله يريدها على لون واحد لأوضح ما أراد، فإن أراد كل الرأس لقال: «امسحوا رءوسكم» كما قال: ﴿فاغسلوا وُجُوهَكُمْ﴾، وإن كان يريد غاية محددة، لحدد كما حدد غسل اليدين إلى المرفقين.
ومادام سبحانه قد جاء بالباء، والباء في اللغة تحتمل معاني كثيرة؛ لذلك فمن ذهب إلى واحدة منها تكفي، لأن أي غاية محتملة بالباء أمر صحيح.
والأمر هنا أن يتفهم كل منفذ لحكم محتمل ألا يُخَطِّئَ الحكم الآخر. بل عليه أن يقول: هذا هو مقدار فهمي لحكم الله. والله ترك لنا أن نفهم بمدلول الباء كما أرادها في اللغة. وقد خلقك الحق أيها الإنسان مقهورا لأشياء لا قدرة لك فيها؛ كحركة الجوارح، وكالأشياء التي تصيب الإنسان كالموت.
إن هناك أشياء أنت مخير فيها، ولذلك كان تكليف الحق لك مبنيا على هذا؛ ففي أشياء يقول لك: «افعل كذا» أو «لا تفعل كذا» وفي أشياء أخرى يترك لك حرية التصرف في أدائها. وذلك حتى يتسق التكليف مع طبيعة التكوين الإنساني. فلم يَصُب الله الإنسان في قالب حديدي. ولنا في سلوك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ القدوة الحسنة؛ هذا الرسول الذي أوكل إليه الحق إيضاح كل ما غمض من أمور الدين؛ فقال له الحق: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]
وحينما كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مع المؤمنين في غزوة الأحزاب التي قال عنها الحق:
إن الذي يقول: امسحوا بعض رءوسكم ولو شعرة، فهذا أمر يصلح ويكفي وتسعفه الباء لغة، والمسح يقتضي الإلصاق، والآلة الماسحة هي اليد. وهناك من يقول: نأخذ على قدر الأداة الماسحة وهي اليد أي مسح مقدار ربع الرأس.
إذن كل حكم من هذه الأحكام يصلح لتمام تنفيذ حكم مسح الرأس، ولو أن الله يريدها على لون واحد لأوضح ما أراد، فإن أراد كل الرأس لقال: «امسحوا رءوسكم» كما قال: ﴿فاغسلوا وُجُوهَكُمْ﴾، وإن كان يريد غاية محددة، لحدد كما حدد غسل اليدين إلى المرفقين.
ومادام سبحانه قد جاء بالباء، والباء في اللغة تحتمل معاني كثيرة؛ لذلك فمن ذهب إلى واحدة منها تكفي، لأن أي غاية محتملة بالباء أمر صحيح.
والأمر هنا أن يتفهم كل منفذ لحكم محتمل ألا يُخَطِّئَ الحكم الآخر. بل عليه أن يقول: هذا هو مقدار فهمي لحكم الله. والله ترك لنا أن نفهم بمدلول الباء كما أرادها في اللغة. وقد خلقك الحق أيها الإنسان مقهورا لأشياء لا قدرة لك فيها؛ كحركة الجوارح، وكالأشياء التي تصيب الإنسان كالموت.
إن هناك أشياء أنت مخير فيها، ولذلك كان تكليف الحق لك مبنيا على هذا؛ ففي أشياء يقول لك: «افعل كذا» أو «لا تفعل كذا» وفي أشياء أخرى يترك لك حرية التصرف في أدائها. وذلك حتى يتسق التكليف مع طبيعة التكوين الإنساني. فلم يَصُب الله الإنسان في قالب حديدي. ولنا في سلوك الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ القدوة الحسنة؛ هذا الرسول الذي أوكل إليه الحق إيضاح كل ما غمض من أمور الدين؛ فقال له الحق: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]
وحينما كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مع المؤمنين في غزوة الأحزاب التي قال عنها الحق:
2953
﴿هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ [الأحزاب: ١١]
هذه المعركة كانت قاسية، حرك الحق فيها الريح وتفرق فيها أعداء الإسلام، وصرف الحق الأحزاب ورجع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المدينة. وكان من المفروض أن يرتاح المؤمنون المقاتلون. لكن قبل أن يخلعوا ملابس الحرب جاء جبريل إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال: أَوَ قد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم: فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله عَزَّ وَجَلَّ يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم. ف (أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مؤذنا فأذن في الناس: «لا يصلين أحدٌ العصرَ إلا في بني قُريظة فأدرك بَعْضِهُّم العصرُ في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي العصرَ حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يُردْ منا ذلك فذُكر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلم يُعَنِّف أحدًا منهم».
هي مسألة كبرى إذن. والتزاما بأمر النبوة خرج الصحابة إلى مواقع بني قريظة. وكادت الشمس تغرب وهم في الطريق؛ وانقسموا إلى قسمين؛ قسم قال: ستغيب الشمس ولم نصل العصر فلنصله قبل أن تغيب الشمس. وقال القسم الثاني: لقد أمرنا النبي ألا نصلي العصر إلا في بني قريظة، ولن نصليه إلا هناك وإن غابت الشمس. وصلى القسم الأول ولم يصل القسم الثاني.
وعندما ذهبوا إلى المشرع وهو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وذكروا له الأمر لم يعب على أي جانب منهم شيئا، وأقر هذا وأقر ذاك. وتلك فطنة النبوة، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعلم أن كل حدث من الأحداث يتطلب زمانا ويتطلب مكانا، والذين صلوا نظروا إلى عنصرية الزمن، وخافوا أن تغيب الشمس قبل ذلك. والذين لم يصلوا نظروا إلى عنصرية المكان فلم يصلوا العصر إلا في مواقع بني قريظة. وأقر رسول الله الأمرين معا.
إن هذا يدلنا على أن هناك أشياء يتركها الحق قصدا دون تحديد قاطع لأنه يحبها على أي لون، مثال ذلك أن فعل من يمسح ربع رأسه في الوضوء جائز، وفعل من يمسح رأسه كلها جائز، وجاء الحق بالباء الصالحة لأي وجه من وجوه مسح الرأس،
هذه المعركة كانت قاسية، حرك الحق فيها الريح وتفرق فيها أعداء الإسلام، وصرف الحق الأحزاب ورجع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى المدينة. وكان من المفروض أن يرتاح المؤمنون المقاتلون. لكن قبل أن يخلعوا ملابس الحرب جاء جبريل إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال: أَوَ قد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم: فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله عَزَّ وَجَلَّ يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم. ف (أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مؤذنا فأذن في الناس: «لا يصلين أحدٌ العصرَ إلا في بني قُريظة فأدرك بَعْضِهُّم العصرُ في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي العصرَ حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يُردْ منا ذلك فذُكر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلم يُعَنِّف أحدًا منهم».
هي مسألة كبرى إذن. والتزاما بأمر النبوة خرج الصحابة إلى مواقع بني قريظة. وكادت الشمس تغرب وهم في الطريق؛ وانقسموا إلى قسمين؛ قسم قال: ستغيب الشمس ولم نصل العصر فلنصله قبل أن تغيب الشمس. وقال القسم الثاني: لقد أمرنا النبي ألا نصلي العصر إلا في بني قريظة، ولن نصليه إلا هناك وإن غابت الشمس. وصلى القسم الأول ولم يصل القسم الثاني.
وعندما ذهبوا إلى المشرع وهو رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وذكروا له الأمر لم يعب على أي جانب منهم شيئا، وأقر هذا وأقر ذاك. وتلك فطنة النبوة، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعلم أن كل حدث من الأحداث يتطلب زمانا ويتطلب مكانا، والذين صلوا نظروا إلى عنصرية الزمن، وخافوا أن تغيب الشمس قبل ذلك. والذين لم يصلوا نظروا إلى عنصرية المكان فلم يصلوا العصر إلا في مواقع بني قريظة. وأقر رسول الله الأمرين معا.
إن هذا يدلنا على أن هناك أشياء يتركها الحق قصدا دون تحديد قاطع لأنه يحبها على أي لون، مثال ذلك أن فعل من يمسح ربع رأسه في الوضوء جائز، وفعل من يمسح رأسه كلها جائز، وجاء الحق بالباء الصالحة لأي وجه من وجوه مسح الرأس،
2954
وكذلك شأن الخلافات في الأمور الاجتهادية. وإذا كانت القاعدة الشرعية تقول: «لا اجتهاد مع النص» فهذا لا يكون إلا مع النص الذي لا يحتمل الاجتهاد.
وليس كل التشريع هكذا؛ لأنه سبحانه أوضح ما لا يحتمل الاجتهاد، وأوضح ما يحتمل الاجتهاد؛ وحينما كلف الله عبده الإنسان بتكليفات، إنما كلفه بما يتناسب وتكوينه، وكما أن تكوين الإنسان فيه أشياء هو مقهور عليها. فهناك الأحكام التي لا اختيار له فيها، وهناك أمور اختيارية، وما وصل إليه المجتهد هو حق وصواب يحتمل الخطأ، وما وصل إليه غيره خطأ يحتمل الحق والصواب. وكل ما وصل إليه طرف من الاجتهاد حق لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صوّب من صلى العصر قبل أن يصل إلى أرض بني قريظة، وصوب كذلك من صلى العصر بعد أن وصل إلى مواقع بني قريظة. فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعتبر فعل كل فريق منهما صوابا.
ويقول الحق من بعد الأمر بمسح الرأس: «وأرجلكم». وكان سياق النص يقتضي كسر اللام في «أرجلكم» ولكن الحق جاء بالأرجل معطوفة على غسل الوجه واليدين. وغير معطوفة على «برءوسكم» وهذا يعني أن الرجلين لا تدخلان في حيز المسح؛ إنما تدخلان في حيز الغسل.
ونبه الحق بالحركة الإعرابية على أنها ليست معطوفة على الجزء المصرح بمسحه، ولكنَّها معطوفة على الأعضاء المطلوب غسلها. ولم يأت الحق بالممسوح في جانب والمغسول في جانب ليدل على أن الترتيب في هذه الأركان أمر تعبدي وإلا لجاء بالمغسول معا والممسوح معا، ويحدد الحق أيضا غسل الرجلين إلى الكعبين: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين﴾. والرجل تطلق على القدم، وتطلق على القدم والساق إلى أصل الفخذ. ويريد سبحانه غسل الرجلين محدودا إلى الكعبين.
وحتى نعلم أن هذه مسائل تعبدية؛ عرفنا أن اليد تطلق على الكف، ومن أطراف الأصابع إلى الكتف يطلق عليه «يد» أيضا، والمرفق في اليد هو الحد الوسط، و «الكعبين» هو الحد الأول في الساق؛ لأن الوسط بعد الساق هو الركبة.
إذن. ترتيب المسألة في اليدين كف وساعد وعضد؛ والمرفق في وسط اليد، وفي الرجلين يقف الأمر عند الحد الأول وهو الكعبان. هي - إذن - مسألة تعبدية وليست مسألة قياسية.
وليس كل التشريع هكذا؛ لأنه سبحانه أوضح ما لا يحتمل الاجتهاد، وأوضح ما يحتمل الاجتهاد؛ وحينما كلف الله عبده الإنسان بتكليفات، إنما كلفه بما يتناسب وتكوينه، وكما أن تكوين الإنسان فيه أشياء هو مقهور عليها. فهناك الأحكام التي لا اختيار له فيها، وهناك أمور اختيارية، وما وصل إليه المجتهد هو حق وصواب يحتمل الخطأ، وما وصل إليه غيره خطأ يحتمل الحق والصواب. وكل ما وصل إليه طرف من الاجتهاد حق لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صوّب من صلى العصر قبل أن يصل إلى أرض بني قريظة، وصوب كذلك من صلى العصر بعد أن وصل إلى مواقع بني قريظة. فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعتبر فعل كل فريق منهما صوابا.
ويقول الحق من بعد الأمر بمسح الرأس: «وأرجلكم». وكان سياق النص يقتضي كسر اللام في «أرجلكم» ولكن الحق جاء بالأرجل معطوفة على غسل الوجه واليدين. وغير معطوفة على «برءوسكم» وهذا يعني أن الرجلين لا تدخلان في حيز المسح؛ إنما تدخلان في حيز الغسل.
ونبه الحق بالحركة الإعرابية على أنها ليست معطوفة على الجزء المصرح بمسحه، ولكنَّها معطوفة على الأعضاء المطلوب غسلها. ولم يأت الحق بالممسوح في جانب والمغسول في جانب ليدل على أن الترتيب في هذه الأركان أمر تعبدي وإلا لجاء بالمغسول معا والممسوح معا، ويحدد الحق أيضا غسل الرجلين إلى الكعبين: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين﴾. والرجل تطلق على القدم، وتطلق على القدم والساق إلى أصل الفخذ. ويريد سبحانه غسل الرجلين محدودا إلى الكعبين.
وحتى نعلم أن هذه مسائل تعبدية؛ عرفنا أن اليد تطلق على الكف، ومن أطراف الأصابع إلى الكتف يطلق عليه «يد» أيضا، والمرفق في اليد هو الحد الوسط، و «الكعبين» هو الحد الأول في الساق؛ لأن الوسط بعد الساق هو الركبة.
إذن. ترتيب المسألة في اليدين كف وساعد وعضد؛ والمرفق في وسط اليد، وفي الرجلين يقف الأمر عند الحد الأول وهو الكعبان. هي - إذن - مسألة تعبدية وليست مسألة قياسية.
2955
ويبين الحق لنا أنه إذا أراد أمراً بدقة فهو يحدده بلا تدخل أو خلاف. أما إذا جاء بأمر غير واضح فهو إِذْنٌ منه سبحانه أن نجتهد فيه لنشعر أن لنا بعض الاختيار في بعض ما تعبدنا الله به، وكله داخل في مرادات الله؛ لأن إيراد النص - شاملا - لكل المفهومات هو إِذْنٌ بهذا المفهوم وإِذْنٌ بذلك المفهوم.
﴿فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا﴾. إنّ الوضوء شرع لغير الجنب. أي أنه لمن يُحْدِثُ حدثا أصغر. وهناك فرق بين إخراج ما ينقض الوضوء وهو ما يؤذي، وبين إخراج ما يُمتع، فإنزال المني أو حدوث الجماع يقتضي الطهارة بالاغتسال. ونعلم أن الإنسان حين يستمتع بطعام؛ أو يستمتع برائحة، أو بأي شيء هو محدود بوسيلة الاستمتاع به، أما الاستمتاع بالجماع فلا يعرف أحد بأي عضو أدرك لذته. وهي مسألة معقدة إلى الآن. ولا يعرف أحد كيف تحدث، مما يدل على أن جميع ذرات التكوين الإنساني مشتركة فيها. ومادام الأمر كذلك فالطهور يقتضي أن يغسل الإنسان كل جسمه:
﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا وَإِن كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الغائط أَوْ لاَمَسْتُمُ النسآء فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾.
وقد يقول قائل: أليست «لامستم النساء» كالجنابة؟
ونقول: إن الذي يجيء هنا هو حكم ثان يوضح لنا ما ينوب عن المياه، لأن الحق يرتب لِعبادة لا تسقط عن المكلف أبداً؛ لذلك لن يكلفه بشيء قد لا يجده، فقد لا يجد الإنسان المياه، وعليه إذن بالتيمم؛ لأن الصلاة عبادة لا تسقط أبدا عن المكلف حتى في حالة مرضه الذي لا يستطيع أن يحرك معه أي عضو من جسمه، هنا يسمح سبحانه للمريض أن يصلي جالسا، أو مستلقيا أو يصلي بالإيماء برأسه، أو يصلِّي بأهداب عينيه، وحتى مريض الشلل عليه إجراء خواطر الصلاة وأركانها على قلبه؛ لأن فرض الصلاة عبادة لا تسقط أبدا عن الإنسان مادام فيه عقل.
إننا نعرف أن الصلاة هي الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي يتطلب الاستدامة، فيكفي المرء أن يقول الشهادة مرة واحدة في العمر، ويسقط الصوم عن
﴿فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا﴾. إنّ الوضوء شرع لغير الجنب. أي أنه لمن يُحْدِثُ حدثا أصغر. وهناك فرق بين إخراج ما ينقض الوضوء وهو ما يؤذي، وبين إخراج ما يُمتع، فإنزال المني أو حدوث الجماع يقتضي الطهارة بالاغتسال. ونعلم أن الإنسان حين يستمتع بطعام؛ أو يستمتع برائحة، أو بأي شيء هو محدود بوسيلة الاستمتاع به، أما الاستمتاع بالجماع فلا يعرف أحد بأي عضو أدرك لذته. وهي مسألة معقدة إلى الآن. ولا يعرف أحد كيف تحدث، مما يدل على أن جميع ذرات التكوين الإنساني مشتركة فيها. ومادام الأمر كذلك فالطهور يقتضي أن يغسل الإنسان كل جسمه:
﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا وَإِن كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الغائط أَوْ لاَمَسْتُمُ النسآء فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾.
وقد يقول قائل: أليست «لامستم النساء» كالجنابة؟
ونقول: إن الذي يجيء هنا هو حكم ثان يوضح لنا ما ينوب عن المياه، لأن الحق يرتب لِعبادة لا تسقط عن المكلف أبداً؛ لذلك لن يكلفه بشيء قد لا يجده، فقد لا يجد الإنسان المياه، وعليه إذن بالتيمم؛ لأن الصلاة عبادة لا تسقط أبدا عن المكلف حتى في حالة مرضه الذي لا يستطيع أن يحرك معه أي عضو من جسمه، هنا يسمح سبحانه للمريض أن يصلي جالسا، أو مستلقيا أو يصلي بالإيماء برأسه، أو يصلِّي بأهداب عينيه، وحتى مريض الشلل عليه إجراء خواطر الصلاة وأركانها على قلبه؛ لأن فرض الصلاة عبادة لا تسقط أبدا عن الإنسان مادام فيه عقل.
إننا نعرف أن الصلاة هي الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي يتطلب الاستدامة، فيكفي المرء أن يقول الشهادة مرة واحدة في العمر، ويسقط الصوم عن
2956
الإنسان إن كان مريضا، ويطعم غيره، أو يؤديه في أوقات أخرى إن كان مريضا مرضا مؤقتا أو على سفر. وقد لا يؤدي الإنسان الزكاة لأنه فقير، وكذلك الحج لا يجب على من لم يملك الاستطاعة من مال أو عافية، ولا تبقى من أركان الإسلام غير الصلاة فإنها لا تسقط أبداً.
إن عظمة الصلاة توضحها كيفية تشريعها؛ لأن تشريعات أركان الإسلام كانت بالوحي، أما تشريع الصلاة فقد جاء وحده بالمباشرة ولم يقل الله لجبريل: «قل للنبي التكليف بالصلاة». بل استدعى الله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إليه وكلفه بالصلاة.
وقلنا من قبل - ولله المثل الأعلى - حين يريد الإنسان أن يقدم أمراً لمرءوسيه، فالموضوع قد يأخذ دوره في الأوراق اليومية التي تنزل منه إليهم. أما إذا كان الموضوع مُهمَّا فهو يتصل بالقائد التنفيذي للمرءوسين ويوضح مدى أهمية الموضوع، أما إذا كان الموضوع غاية في الأهمية فالرئيس يستدعي القائد التنفيذي للمرءوسين ويبلغه أهمية الموضوع. إذن فكيفية إنزال التكليف تكون على قدر أهمية الموضوعات فما بالنا - إذن - بركن استدعى الله فيه محمداً إلى السماء ليكلفه به؟
وقد رأينا أن بعض التكليفات تجيء إلى رسول الله بالإلهام أن يفعله، وبعضها جاء بالوحي من جبريل أن يفعله، أما الصلاة فقد فرضها الله عندما استدعى محمداً إلى السماء إلى الرفيق الأعلى وفرض الله عليه الصلاة بالمباشرة، وعلى أمة محمد أن تؤدي هذا الفرض خمس مرات في اليوم، ولا تسقط أبداً. ولذلك جعلها الحق فارقة بين المسلم والكافر، إن المسلم ساعة أذان الصلاة يقوم إلى الصلاة، وهي استدعاء من الخالق لمن خلقه ليحضر في حضرته كل يوم خمس مرات. وأنت حر بعد ذلك ألا تبرح لقاء ربك؛ ولا يمل الله حتى يمل العبد.
وإياكم أن تجعلوا للزمان مع الله تخطيطاً؛ فتقولوا: هذا للعمل والضرب في الأرض، وذلك لذكر الله؛ فمع ضربكم في الأرض لتبتغوا من فضل الله، إياكم أن تنسوا الله؛ لأن ذكر الله أمر دائم في كل حركة يقصدها الإنسان لعمارة هذا الوجود، وقد أراد الحق منا بوجودنا أن نعبده وحده لا شريك له:
إن عظمة الصلاة توضحها كيفية تشريعها؛ لأن تشريعات أركان الإسلام كانت بالوحي، أما تشريع الصلاة فقد جاء وحده بالمباشرة ولم يقل الله لجبريل: «قل للنبي التكليف بالصلاة». بل استدعى الله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إليه وكلفه بالصلاة.
وقلنا من قبل - ولله المثل الأعلى - حين يريد الإنسان أن يقدم أمراً لمرءوسيه، فالموضوع قد يأخذ دوره في الأوراق اليومية التي تنزل منه إليهم. أما إذا كان الموضوع مُهمَّا فهو يتصل بالقائد التنفيذي للمرءوسين ويوضح مدى أهمية الموضوع، أما إذا كان الموضوع غاية في الأهمية فالرئيس يستدعي القائد التنفيذي للمرءوسين ويبلغه أهمية الموضوع. إذن فكيفية إنزال التكليف تكون على قدر أهمية الموضوعات فما بالنا - إذن - بركن استدعى الله فيه محمداً إلى السماء ليكلفه به؟
وقد رأينا أن بعض التكليفات تجيء إلى رسول الله بالإلهام أن يفعله، وبعضها جاء بالوحي من جبريل أن يفعله، أما الصلاة فقد فرضها الله عندما استدعى محمداً إلى السماء إلى الرفيق الأعلى وفرض الله عليه الصلاة بالمباشرة، وعلى أمة محمد أن تؤدي هذا الفرض خمس مرات في اليوم، ولا تسقط أبداً. ولذلك جعلها الحق فارقة بين المسلم والكافر، إن المسلم ساعة أذان الصلاة يقوم إلى الصلاة، وهي استدعاء من الخالق لمن خلقه ليحضر في حضرته كل يوم خمس مرات. وأنت حر بعد ذلك ألا تبرح لقاء ربك؛ ولا يمل الله حتى يمل العبد.
وإياكم أن تجعلوا للزمان مع الله تخطيطاً؛ فتقولوا: هذا للعمل والضرب في الأرض، وذلك لذكر الله؛ فمع ضربكم في الأرض لتبتغوا من فضل الله، إياكم أن تنسوا الله؛ لأن ذكر الله أمر دائم في كل حركة يقصدها الإنسان لعمارة هذا الوجود، وقد أراد الحق منا بوجودنا أن نعبده وحده لا شريك له:
2957
﴿وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا فاستغفروه ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ [هود: ٦١]
إذن فكل ما يؤدي إلى عمارة الكون والارتقاء به هو أمر عبادي، والحق سبحانه وتعالى يربط «العبادة» الاصطلاحية في الفقه بحركة الحياة كلها. ونجد مثالا لذلك حيما تكلمنا في سورة البقرة عن الأسرة كما جاء في قوله تعالى: ﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النسآء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ مَتَاعاً بالمعروف حَقّاً عَلَى المحسنين وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
[البقرة: ٢٣٦ - ٢٣٧]
ذلك أمر الدنيا ومصالح الأسرة، وهو كلام في شئون تنظيم الأسرة، ثم ينقلنا من بعد الكلام في تنظيم الأسرة إلى أمر نقول عنه إنه العبادة وهو قوله الحق: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٨ - ٢٣٩]
ثم يعود بعد ذلك إلى شئون تنظيم الأسرة فيقول سبحانه: ﴿والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الحول غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]
إذن فكل ما يؤدي إلى عمارة الكون والارتقاء به هو أمر عبادي، والحق سبحانه وتعالى يربط «العبادة» الاصطلاحية في الفقه بحركة الحياة كلها. ونجد مثالا لذلك حيما تكلمنا في سورة البقرة عن الأسرة كما جاء في قوله تعالى: ﴿لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النسآء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الموسع قَدَرُهُ وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ مَتَاعاً بالمعروف حَقّاً عَلَى المحسنين وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
[البقرة: ٢٣٦ - ٢٣٧]
ذلك أمر الدنيا ومصالح الأسرة، وهو كلام في شئون تنظيم الأسرة، ثم ينقلنا من بعد الكلام في تنظيم الأسرة إلى أمر نقول عنه إنه العبادة وهو قوله الحق: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فاذكروا الله كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٨ - ٢٣٩]
ثم يعود بعد ذلك إلى شئون تنظيم الأسرة فيقول سبحانه: ﴿والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الحول غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]
2958
إذن فقد أخرجنا من كلام في نظام الأسرة إلى الصلاة، ثم عاد بنا مرة أخرى إلى نظام الأسرة حتى تتداخل كل الأمور لتكون عبادة متماسكة متحدة فلا تقول: «هذه عبادة وتلك ليست عبادة»، وأيضا؛ لأن الكلام في الصلاة وسط كلامه عن أمور الأسرة ينبهنا: إذا ذهبت إلى الصلاة فربما هدَّأت الصلاة من شِرة غضبك وحماسك ونزلت عليك سكينة تعينك ألا تنسى الفضل بينك وبين زوجك.
في هذه السورة - سورة المائدة - صنع الحق معنا مثلما صنع في سورة البقرة؛ فبعد أن تكلم في أشياء وقص علينا أمر النعمة، ها هوذا يدخل بنا إلى رحاب المنعم، إلا إنه سبحانه لم يدخلنا على المنعم إلا بتهيئة طهورية. طهارة أبعاض؛ كالوضوء بأن نغسل الوجه ونغسل اليدين إلى المرفقين ونمسح على الرأس ونغسل الرجلين إلى الكعبين. وأحكم في أشياء وترك للاجتهاد مدخلا في أشياء، أحكمها في ثلاثة؛ غسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، وغسل الرجلين إلى الكعبين، لكنه حينما تكلم عن الرءوس لم يقل: «امسحوا رءوسكم» ولا: «امسحوا ربع رءوسكم»، ولا «امسحوا بعض رءوسكم» مما يدل على أن للمجتهد أن يفهم في «الباء» ما تُتيحهُ اللغة من «الباء». إذن أعطانا الحق أشياء محكمة وأشياء للاجتهاد. وبعد طهارة الأبعاض يذكرنا بطهارة البدن من الجنابة.
ونلتفت إلى الكلام الذي تقدم حيث أورد الحق فيه ما أحل لنا من بهيمة الأنعام من طعام وشراب، ثم تكلم في النكاح حتى أنه وسع لنا دائرة الاستمتاع ودائرة الإنسال بأن أباح لنا أن نتزوج الكتابيات، وفي هذا توسيع لرقعة الزواج فلم يقصر الزواج على المسلمات.
ولما كان الطعام الذي أحله الله ينشأ عنه ما يخرج منا من بول وغائط، والنكاح الذي أحله الله يغير كيماوية الجسد؛ لذلك جعل الله الوضوء لشيء، والجنابة لها شيء آخر؛ فعن الطعام ينشأ الأخبثان، وعن الجماع أو خروج المني ينشأ الحدث الأكبر؛ فكان ولا بد بعد أن يتكلم عن طهارة الأبعاض في الحدث الأصغر أن يتكلم عن التطهير الكلي في الحدث الأكبر؛ فقال: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا﴾.
الله سبحانه وتعالى يريد لنا أن نستديم اتصالاتنا به ولم يشأ أن يجعل الوسيلة للصلاة بأمر الماء فقط؛ لأننا قد نفقد الماء وقد يوجد الماء ولا نقدر على استعماله؛
في هذه السورة - سورة المائدة - صنع الحق معنا مثلما صنع في سورة البقرة؛ فبعد أن تكلم في أشياء وقص علينا أمر النعمة، ها هوذا يدخل بنا إلى رحاب المنعم، إلا إنه سبحانه لم يدخلنا على المنعم إلا بتهيئة طهورية. طهارة أبعاض؛ كالوضوء بأن نغسل الوجه ونغسل اليدين إلى المرفقين ونمسح على الرأس ونغسل الرجلين إلى الكعبين. وأحكم في أشياء وترك للاجتهاد مدخلا في أشياء، أحكمها في ثلاثة؛ غسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، وغسل الرجلين إلى الكعبين، لكنه حينما تكلم عن الرءوس لم يقل: «امسحوا رءوسكم» ولا: «امسحوا ربع رءوسكم»، ولا «امسحوا بعض رءوسكم» مما يدل على أن للمجتهد أن يفهم في «الباء» ما تُتيحهُ اللغة من «الباء». إذن أعطانا الحق أشياء محكمة وأشياء للاجتهاد. وبعد طهارة الأبعاض يذكرنا بطهارة البدن من الجنابة.
ونلتفت إلى الكلام الذي تقدم حيث أورد الحق فيه ما أحل لنا من بهيمة الأنعام من طعام وشراب، ثم تكلم في النكاح حتى أنه وسع لنا دائرة الاستمتاع ودائرة الإنسال بأن أباح لنا أن نتزوج الكتابيات، وفي هذا توسيع لرقعة الزواج فلم يقصر الزواج على المسلمات.
ولما كان الطعام الذي أحله الله ينشأ عنه ما يخرج منا من بول وغائط، والنكاح الذي أحله الله يغير كيماوية الجسد؛ لذلك جعل الله الوضوء لشيء، والجنابة لها شيء آخر؛ فعن الطعام ينشأ الأخبثان، وعن الجماع أو خروج المني ينشأ الحدث الأكبر؛ فكان ولا بد بعد أن يتكلم عن طهارة الأبعاض في الحدث الأصغر أن يتكلم عن التطهير الكلي في الحدث الأكبر؛ فقال: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا﴾.
الله سبحانه وتعالى يريد لنا أن نستديم اتصالاتنا به ولم يشأ أن يجعل الوسيلة للصلاة بأمر الماء فقط؛ لأننا قد نفقد الماء وقد يوجد الماء ولا نقدر على استعماله؛
2959
فلم يشأ الحق أن يقطع الصلة بأن يجعل الوسيلة الوحيدة للتطهر هي الماء، فأوجد وسيلة أخرى. فإن فقدت الماء أيها الإنسان فلا بد ان تدخل إلى لقاء الله بينة تطهير آخر وهو التيمم. هذا أمر لا يفقده من عاش على الأرض. إذن فعندنا تَطَهُّر بالماء وعندنا تَطَهُّر بالتراب. لذلك يقول سبحانه:
﴿وَإِن كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الغائط أَوْ لاَمَسْتُمُ النسآء فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً﴾ فإن كان الإنسان مريضاً لا يقدر على استعمال الماء، أو كان على سفر ولا يجد الماء؛ أو جاء أحد من الغائط، أي من قضاء الحاجة في مكان غويط وهو الوطئ المنخفض من الأرض، وكانت العرب قديماً تفعل ذلك حتى لا يراهم أحد ويكونوا في ستر، رجالاً أو نساءً، وحتى بعد ملامسة النساء. إن لم يجد الإنسان بعدها ماء فالتيمم هو البديل، وإياكم أن تقولوا إن الماء هو الوسيلة الوحيدة للتطهر، فقد جعل للماء أيضاً خليفة وهو التراب. والتراب أوسع دائرة من الماء. فكأنه سبحانه وتعالى يريد أن يديم علينا نعمة البقاء به. ولكي يديم علينا نعمة اللقاء به جعل للماء - الذي يكون محصوراً - خليفة وهو التراب وهو غير محصور.
ولا نريد أن ندخل في متاهات الخلاف عن الطهارة من ملامسة النساء، بين اللمس والملامسة؛ فاللمس لا يقتضي المفاعلة، أما الملامسة فتقتضي المفاعلة. واقتضاء المفاعلة ينقل المسألة من مجرد اللمس إلى معنى آخر هو الجماع.
وفي حالة الجنابة وعدم وجود الماء فالتيمم هو البديل ﴿فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً﴾ و «الصعيد» هو ما صعد على وجه الأرض من جنس الأرض بحيث لا تدخله صناعة الإنسان كالتراب والحجر، لكن الطوب الأحمر (الآجُرّ) الذي نصنعه نحن فليس من الصعيد الصالح للتيمم؛ لأن صنعة الإنسان قد دخلته.
والأركان المفروضة في طهارة الأبعاض أربعة، أما طهارة الجسم فهي طهارة واحدة تشمل كل الجسم. وفي حالة التيمم جعل الحق الطهارة استعداداً للصلاة عوضاً عن الوضوء بمسح الوجه واليدين، وكذلك في الطهارة من الجنابة. ونلحظ أنه سبحانه جاء بالمسح في الوضوء على بعض من الرأس كإيناس متقدم، وذلك حتى يكون لنا إلف بالمسح حينما نتيمم.
﴿وَإِن كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الغائط أَوْ لاَمَسْتُمُ النسآء فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً﴾ فإن كان الإنسان مريضاً لا يقدر على استعمال الماء، أو كان على سفر ولا يجد الماء؛ أو جاء أحد من الغائط، أي من قضاء الحاجة في مكان غويط وهو الوطئ المنخفض من الأرض، وكانت العرب قديماً تفعل ذلك حتى لا يراهم أحد ويكونوا في ستر، رجالاً أو نساءً، وحتى بعد ملامسة النساء. إن لم يجد الإنسان بعدها ماء فالتيمم هو البديل، وإياكم أن تقولوا إن الماء هو الوسيلة الوحيدة للتطهر، فقد جعل للماء أيضاً خليفة وهو التراب. والتراب أوسع دائرة من الماء. فكأنه سبحانه وتعالى يريد أن يديم علينا نعمة البقاء به. ولكي يديم علينا نعمة اللقاء به جعل للماء - الذي يكون محصوراً - خليفة وهو التراب وهو غير محصور.
ولا نريد أن ندخل في متاهات الخلاف عن الطهارة من ملامسة النساء، بين اللمس والملامسة؛ فاللمس لا يقتضي المفاعلة، أما الملامسة فتقتضي المفاعلة. واقتضاء المفاعلة ينقل المسألة من مجرد اللمس إلى معنى آخر هو الجماع.
وفي حالة الجنابة وعدم وجود الماء فالتيمم هو البديل ﴿فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً﴾ و «الصعيد» هو ما صعد على وجه الأرض من جنس الأرض بحيث لا تدخله صناعة الإنسان كالتراب والحجر، لكن الطوب الأحمر (الآجُرّ) الذي نصنعه نحن فليس من الصعيد الصالح للتيمم؛ لأن صنعة الإنسان قد دخلته.
والأركان المفروضة في طهارة الأبعاض أربعة، أما طهارة الجسم فهي طهارة واحدة تشمل كل الجسم. وفي حالة التيمم جعل الحق الطهارة استعداداً للصلاة عوضاً عن الوضوء بمسح الوجه واليدين، وكذلك في الطهارة من الجنابة. ونلحظ أنه سبحانه جاء بالمسح في الوضوء على بعض من الرأس كإيناس متقدم، وذلك حتى يكون لنا إلف بالمسح حينما نتيمم.
2960
﴿فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ وجعل الحق الطهارة بالماء أو التراب إزالة للحرج؛ فالإنسان الذي لن يجد ماء سيقع في الحرج بالتأكيد؛ لأنه يريد أن يصلي ولا يجد وسيلة للطهارة. وإذا كان عنده القليل من الماء ليشرب فهل يتوضأ أو يستديم الحياة ويُبقي على نفسه بشرب الماء؟.
ولا يريد الله أن يُعْنت خلقه ولا أن يوقعهم في الحرج، بل خفف عليهم وجعل عنصر التراب يكفي كبديل للماء. ﴿ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾.
وإياك أن تفهم أن الطهارة هي للتنظيف؛ لأن معنى الطهارة لو اقتصر على التنظيف لكانت الطهارة بالماء فقط، فلماذا إذن نمسح وجوهنا بالتراب؟ إن هذا يوضح أن الطهارة غير النظافة، فلو قال قائل: سأنظف نفسي ب «الكولونيا». نقول له: لا. ليس هذا هو المطلوب. والله لا يطلب نظافة بهذا المعنى، ولكن يطلب التطهير. والتطهير يكون بشرط من تدخل عليه - وهو الله سبحانه - وقد وضع الحق لذلك أمرين: إما بالماء وإما بالتيمم بالتراب. فالطهارة تجعل المرء صالحاً ليستقبل ربه على ضوء ما شرع به. والذي يضع الشرط لذلك هو الله وليس أنت أيها العبد. وسبحانه قد أوضح أو العبد يكون طاهراً بالماء أو بالتراب، وبهذه الطهارة يكون صالحاً لاستقبال الله له. وأعاد الله الإنسان في قربه منه إلى أصل إيجاده وهو الماء والتراب.
﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ والإنسان مغمور بنعم كثيرة. فهب أن إنساناً غاب عنه أبوه لكن خير الأب يصله كل يوم من مال وطعام وشراب ووسائل ترفيه، وبذلك يأخذ الإنسان نعمة الغاية من وجود أب له. ومع ذلك يشتاق هذا الإنسان المستمتع بنعمة والده الغائب إلى أن يكون مع والده، هذا هو تمام النعمة بين الأب والابن وكلاهما مخلوق لله، فما بالنا بتمام النعمة من الخالق لعباده؟
إن العبد الصالح يتمنى أن يرى مَن أنعم عليه؛ لذلك وضع الحق شرط الطهارة للقائه. وعندما يحضر الإنسان لحضرة ربه بالصلاة ويكبر: «الله أكبر» فهو منذ تلك اللحظة يوجد في حضرة الله. وإذا كانت الفيوضات تتجلى على الإنسان من نعمة مخلوق مثله سواء أكان أخاً أم أباً أم قريباً وهي نعمة مادية يراها الإنسان سواء أكانت طعاماً أم شراباً أم لباساً. فما بالنا بفيوضات المنعم الخالق الذي أنعم على
ولا يريد الله أن يُعْنت خلقه ولا أن يوقعهم في الحرج، بل خفف عليهم وجعل عنصر التراب يكفي كبديل للماء. ﴿ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾.
وإياك أن تفهم أن الطهارة هي للتنظيف؛ لأن معنى الطهارة لو اقتصر على التنظيف لكانت الطهارة بالماء فقط، فلماذا إذن نمسح وجوهنا بالتراب؟ إن هذا يوضح أن الطهارة غير النظافة، فلو قال قائل: سأنظف نفسي ب «الكولونيا». نقول له: لا. ليس هذا هو المطلوب. والله لا يطلب نظافة بهذا المعنى، ولكن يطلب التطهير. والتطهير يكون بشرط من تدخل عليه - وهو الله سبحانه - وقد وضع الحق لذلك أمرين: إما بالماء وإما بالتيمم بالتراب. فالطهارة تجعل المرء صالحاً ليستقبل ربه على ضوء ما شرع به. والذي يضع الشرط لذلك هو الله وليس أنت أيها العبد. وسبحانه قد أوضح أو العبد يكون طاهراً بالماء أو بالتراب، وبهذه الطهارة يكون صالحاً لاستقبال الله له. وأعاد الله الإنسان في قربه منه إلى أصل إيجاده وهو الماء والتراب.
﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ والإنسان مغمور بنعم كثيرة. فهب أن إنساناً غاب عنه أبوه لكن خير الأب يصله كل يوم من مال وطعام وشراب ووسائل ترفيه، وبذلك يأخذ الإنسان نعمة الغاية من وجود أب له. ومع ذلك يشتاق هذا الإنسان المستمتع بنعمة والده الغائب إلى أن يكون مع والده، هذا هو تمام النعمة بين الأب والابن وكلاهما مخلوق لله، فما بالنا بتمام النعمة من الخالق لعباده؟
إن العبد الصالح يتمنى أن يرى مَن أنعم عليه؛ لذلك وضع الحق شرط الطهارة للقائه. وعندما يحضر الإنسان لحضرة ربه بالصلاة ويكبر: «الله أكبر» فهو منذ تلك اللحظة يوجد في حضرة الله. وإذا كانت الفيوضات تتجلى على الإنسان من نعمة مخلوق مثله سواء أكان أخاً أم أباً أم قريباً وهي نعمة مادية يراها الإنسان سواء أكانت طعاماً أم شراباً أم لباساً. فما بالنا بفيوضات المنعم الخالق الذي أنعم على
2961
الإنسان، إنها فيوضات من غيب؛ فكرمه لك غيب كالاعتدال في المزاج والعافية ورضا النفس وسمو الفكر.
إذن فقوله الحق: ﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي أنكم عشتم قبل ذلك مع نعمة المنعم، وسبحانه يدعوكم إلى لقاء المنعم، ذلك تمام النعمة. وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - إننا نجد الابن ينظر إلى هدايا الأب الغائب ويقول: أنا لا أريد هذه الأشياء ولكني أريد أبي.
إن تمام النعمة - في المستوى البشري - أن يرى الإنسانُ المنعِمَ عليه وهو إنسان مثله، أما تمام النعمة على المخلوق من الخالق فيستدعي أن يتطهر الإنسان بما حدده له الله وأن يصلي فيلقى الله.
﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ساعة نسمع: أنا فعلت ذلك وذلك لعلك تشكر، فهذا يعني أنك إن فعلت ما آمرك به فستجد أمراً عظيماً.
والأمر الطبيعي يقتضي أن تَشْكُر عليه كأن ما فعله الله للإنسان يوجب عند الإنسان نعمة أخرى لا يمكن أن يستقبلها إلا بالشكر، مثلما قال الله: ﴿والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ٧٨]
إنّ السمع والأبصار والأفئدة هي منافذ الإدراك. ومادام الحق قد خلقنا ولا نعلم شيئاً، وجعل لنا أدوات الإدراك. وأوضح: أنا خلقت لك هذه الأدوات للإدراك لعلك تشكر، أي تلمح آثارها في نفسك مما يربي عندك ملكة الإدراك للمدركات.
ويقول الحق بعد ذلك: ﴿واذكروا نِعْمَةَ... ﴾
إذن فقوله الحق: ﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي أنكم عشتم قبل ذلك مع نعمة المنعم، وسبحانه يدعوكم إلى لقاء المنعم، ذلك تمام النعمة. وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - إننا نجد الابن ينظر إلى هدايا الأب الغائب ويقول: أنا لا أريد هذه الأشياء ولكني أريد أبي.
إن تمام النعمة - في المستوى البشري - أن يرى الإنسانُ المنعِمَ عليه وهو إنسان مثله، أما تمام النعمة على المخلوق من الخالق فيستدعي أن يتطهر الإنسان بما حدده له الله وأن يصلي فيلقى الله.
﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ساعة نسمع: أنا فعلت ذلك وذلك لعلك تشكر، فهذا يعني أنك إن فعلت ما آمرك به فستجد أمراً عظيماً.
والأمر الطبيعي يقتضي أن تَشْكُر عليه كأن ما فعله الله للإنسان يوجب عند الإنسان نعمة أخرى لا يمكن أن يستقبلها إلا بالشكر، مثلما قال الله: ﴿والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ٧٨]
إنّ السمع والأبصار والأفئدة هي منافذ الإدراك. ومادام الحق قد خلقنا ولا نعلم شيئاً، وجعل لنا أدوات الإدراك. وأوضح: أنا خلقت لك هذه الأدوات للإدراك لعلك تشكر، أي تلمح آثارها في نفسك مما يربي عندك ملكة الإدراك للمدركات.
ويقول الحق بعد ذلك: ﴿واذكروا نِعْمَةَ... ﴾
2962
وللإنسان أن يسأل: وما هو الذكر؟. الذكر هو حفظ الشيء أو استحضاره، فإذا كان حفظ الشيء فهو حفظ لذاته، لكن الاستحضار يكون لمعنى الشيء. إذن فهناك فرق بين حفظ الشيء واستحضار الشيء، هذا هو معنى الذكر. وقد يكون الذكر بمعنى القول؛ لأنك لا تقول الشيء إلا بعد أن تستحضره. ولذلك نجد في تكوين الجهاز العصبي الأعلى ذاكرة، وحافظة، ومخيلة.
ومن عجيب أمر التكوين الخلقي أن تمر أحداث على الإنسان في زمن مضى ولا يذكرها الإنسان لمدة طويلة تصل إلى سنوات، ثم يأتي للإننسان ظرف من تداعي المعاني فيذكر الإنسان هذا الشيء الذي حدث منذ عشرين عاماً.
إذن فالشيء الذي أدركه الإنسان منذ عشرين سنة على سبيل المثال لم يذهب، ولو ذهب ما ذكره الإنسان، لكنه غاب فقط عن الذهن عشرين عاماً أو أكثر؛ فلما تداعت المعاني تذكره الإنسان. ومعنى ذلك أن هذا الشيء كان محفوظاً عند الإنسان وإن توارى عنه مدة طويلة.
فالذاكرة - إذن - معناها أن يستدعي الإنسان المحفوظ ليصير في بؤرة شعوره. مثال ذلك: حادث وقع بين إنسان وآخر منذ أكثر من عشرين عاماً. ونسي الإنسان هذا الحادث. فلما التقى بصديقه، وجلسا يتذاكران الماضي تذكر الصديق الحادث الذي حدث له منذ أكثر من عشرين عاماً.
إذن فالحادثة لم تذهب من الذاكرة، ولكنها محفوظة موجودة في حواشي الشعور البعيدة، وكلما بعد الإنسان في الزمن يبدو وكأنه نسي الحادثة، لكن عندما يأتي تداعي المعاني فالحادثة تأتي في بؤرة الشعور. فإذا ما جاءت في بؤرة الشعور من حواشي الشعور حيث مخزن الحافظة، يتذكرها الإنسان. وهذه هي قوة الخالق جل وعلا.
ومن عجيب أمر التكوين الخلقي أن تمر أحداث على الإنسان في زمن مضى ولا يذكرها الإنسان لمدة طويلة تصل إلى سنوات، ثم يأتي للإننسان ظرف من تداعي المعاني فيذكر الإنسان هذا الشيء الذي حدث منذ عشرين عاماً.
إذن فالشيء الذي أدركه الإنسان منذ عشرين سنة على سبيل المثال لم يذهب، ولو ذهب ما ذكره الإنسان، لكنه غاب فقط عن الذهن عشرين عاماً أو أكثر؛ فلما تداعت المعاني تذكره الإنسان. ومعنى ذلك أن هذا الشيء كان محفوظاً عند الإنسان وإن توارى عنه مدة طويلة.
فالذاكرة - إذن - معناها أن يستدعي الإنسان المحفوظ ليصير في بؤرة شعوره. مثال ذلك: حادث وقع بين إنسان وآخر منذ أكثر من عشرين عاماً. ونسي الإنسان هذا الحادث. فلما التقى بصديقه، وجلسا يتذاكران الماضي تذكر الصديق الحادث الذي حدث له منذ أكثر من عشرين عاماً.
إذن فالحادثة لم تذهب من الذاكرة، ولكنها محفوظة موجودة في حواشي الشعور البعيدة، وكلما بعد الإنسان في الزمن يبدو وكأنه نسي الحادثة، لكن عندما يأتي تداعي المعاني فالحادثة تأتي في بؤرة الشعور. فإذا ما جاءت في بؤرة الشعور من حواشي الشعور حيث مخزن الحافظة، يتذكرها الإنسان. وهذه هي قوة الخالق جل وعلا.
2963
وقد يسجل أحدنا على شريط تسجيل بعضاً من الكلام. ومن بعد ذلك يجب أن يسجل كلاماً آخر على الشريط نفسه فيمسح الكلام الذي سجله أولاً، ولكن ذاكرة الإنسان تختلف، فساعة تأتي المسائل في بؤرة شعوره فالإنسان يتذكرها. وإذا ما جاءت مسألة أخرى بعدها فلا بد أن تتزحزح المسألة الأولى من بؤرة الشعور إلى حاشية الشعور؛ لأن بؤرة الشعور لا تستقبل إلا خاطراً واحداً، فإن شغلت بؤرة الشعور بخاطر آخر فهي تحفظ الخاطر الأول في حواشي الحافظة. ولا يمسح خاطر خاطراً آخر. فإن أراد الإنسان أن يستدعي الخاطر القديم، كان ذلك في مقدوره، وهذا هو الفارق بين تسجيل الخالق وتسجيل المخلوق.
وبعد ذلك نجد ان التذكر يكون للمعاني، فالذي يخزن في ذاكرة الإنسان ليس أَجْرَاماً، فلو كانت أجراماً لما وسعها المخ. ولهذا فالمعاني لا تتزاحم فيه، بل تتراكم بحيث إذا ما جاء تداعي المعاني فالإنسان يتذكر ما يريد أن يذكره، وذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان المخ من صنع الخالق الأعلى.
ومادامت المعاني ليس لها حيز فالإنسان يقدر على حفظها في الذاكرة.
الإنسان قد يجلس ليتذكر أسماء الجبال في العالم فيقول: من جبال العالم قمة «إفريست»، وجبال «الهمالايا»، وجبل «أحد» وجبل «ثور». وساعة يتذكر هذه الأسماء فهو يتصور معانيها، فالموجود في ذهن الإنسان معاني هذا الكلمات وليس أجرام هذه الكائنات؛ لذلك فلا تزاحم أبداً في المعاني بل تظل موجودة ومختزنة في الذاكرة وحاشية الشعور.
وإياكم أن تفهموا أن إنساناً يملك من الذكاء ما يحفظ به الشيء من مرة واحدة: وآخرَ أقل ذكاء يحفظ بعد قراءة الشيء مرتين، وثالثاً يحفظ عن ثلاث مرات لا، لأن الإنسان يملك ذهناً كآلة التصوير يلتقط من مرة واحدة، لكن لو أخذ الإنسان صورة لمكان وجاء شيء يضبب عدسة الصورة فهو يعيد التصوير، وكذلك الذهن إن أراد الإنسان أن يأخذ لقطة لشيء ما لتستقر في بؤرة الشعور وفي بؤرة الشعر شيء آخر، فالشيء لا يستقر في الذهن، بل لا بد من قراءة مضمون اللقطة مرة ثانية ليؤكد الإنسان المعلومات لتنطبع في بؤرة الشعور.
ومثال ذلك الطالب الذي يدخل ساحة المدرسة التي يُعقد بها الامتحان. وقبل أن
وبعد ذلك نجد ان التذكر يكون للمعاني، فالذي يخزن في ذاكرة الإنسان ليس أَجْرَاماً، فلو كانت أجراماً لما وسعها المخ. ولهذا فالمعاني لا تتزاحم فيه، بل تتراكم بحيث إذا ما جاء تداعي المعاني فالإنسان يتذكر ما يريد أن يذكره، وذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان المخ من صنع الخالق الأعلى.
ومادامت المعاني ليس لها حيز فالإنسان يقدر على حفظها في الذاكرة.
الإنسان قد يجلس ليتذكر أسماء الجبال في العالم فيقول: من جبال العالم قمة «إفريست»، وجبال «الهمالايا»، وجبل «أحد» وجبل «ثور». وساعة يتذكر هذه الأسماء فهو يتصور معانيها، فالموجود في ذهن الإنسان معاني هذا الكلمات وليس أجرام هذه الكائنات؛ لذلك فلا تزاحم أبداً في المعاني بل تظل موجودة ومختزنة في الذاكرة وحاشية الشعور.
وإياكم أن تفهموا أن إنساناً يملك من الذكاء ما يحفظ به الشيء من مرة واحدة: وآخرَ أقل ذكاء يحفظ بعد قراءة الشيء مرتين، وثالثاً يحفظ عن ثلاث مرات لا، لأن الإنسان يملك ذهناً كآلة التصوير يلتقط من مرة واحدة، لكن لو أخذ الإنسان صورة لمكان وجاء شيء يضبب عدسة الصورة فهو يعيد التصوير، وكذلك الذهن إن أراد الإنسان أن يأخذ لقطة لشيء ما لتستقر في بؤرة الشعور وفي بؤرة الشعر شيء آخر، فالشيء لا يستقر في الذهن، بل لا بد من قراءة مضمون اللقطة مرة ثانية ليؤكد الإنسان المعلومات لتنطبع في بؤرة الشعور.
ومثال ذلك الطالب الذي يدخل ساحة المدرسة التي يُعقد بها الامتحان. وقبل أن
2964
يدق جرس الامتحان بخمس دقائق يأتي له واحد من زملائه ويقول له: ها ذاكرت الموضوع الفلاني. فيقول الطالب: لا لم استذكره. فيقول الصاحب: هذا الموضوع سيأتي منه سؤال في الامتحان. فيخطف الطالب كتابا ويقرأ فيه هذا الموضوع لمرة واحدة. هذا الطالب في هذه اللحظة لا يتذكر ماذا سيأكل على الغداء هذا اليوم، أو من سيقابل. بل يعرف أنه بصدد أمر فرصته ضيقة، ويركز كل ذهنه ليستقبل ما يقرأه. وفي لحظة واحدة يحفظ هذا الموضوع. وإذا جاء الامتحان ووجد السؤال فهو يجيب عليه بأدق التفاصيل. وقد نجد طالبا آخر جلس لأيام يحاول استذكار هذا الدرس بلا طائل.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة، شريطة ألا يستقبل الإنسان ما يقرأه أو يسمعه من معلومات والذهن مشغول بأشياء أخرى. والدليل على ذلك: أن الإنسان قد يسمع القصيدة مرة واحدة أو يسمع الخطبة مرة واحدة فيحفظ من القصيدة أكثر من بيت، أو يحفظ من الخطبة أكثر من مقطع؛ لأن ذهن الإنسان في تلك اللحظة كان خياليا فالتقط الأبيات التي حفظها، وكذلك الخطبة، أما بقية أجزاء القصيدة أو الخطبة فقد يكون الذهن شرد إلى أشياء أخرى. ولذلك يحاول الإنسان أن يكرر الاستماع والإصغاء والقراءة أكثر من مرة ليهيئ ويعد بؤرة الشعور، فيحفظ الإنسان ما يريد.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة، أما الذاكرة فهي تتذكر أي تستحضر المعاني التي قد تختفي في الحافظة، ولا شيء يضيع في الحافظة أبدا، بحيث إذا جاء الاستدعاء طفت المعاني على السطح.
كأن انطباعات الإنسان في نعم الله لا تُنسى أبدا. وهي موجودة عند الإنسان، ولكنها تريد من الإنسان أن يستدعيها من الحافظة ويطلبها.
ولنر دقة الأداء القرآني: ﴿واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ سبحانه يقول هنا «نعمة» مع ان نعم الله كثيرة، ولكن الله قد آثر أن يأتي بالمفرد ولم يأت بالجمع. وذلك ليبين للإنسان أن أية نعمة في أية زاوية من حياة الإنسان تستحق أن يذكرها الإنسان؛ فنعم الله كثيرة، ولكن ليتذكر الإنسان ولو نعمة واحدة هي نعمة الإيجاد من عدم، أو نعمة البصر، أو السمع. وكل نعمة من هذه النعم تستحق من الإنسان أن يتذكرها دائما، ولا تطرد نعمة نعمة أخرى، فما بالنا إذا كانت النعم كثيرة؟
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة، شريطة ألا يستقبل الإنسان ما يقرأه أو يسمعه من معلومات والذهن مشغول بأشياء أخرى. والدليل على ذلك: أن الإنسان قد يسمع القصيدة مرة واحدة أو يسمع الخطبة مرة واحدة فيحفظ من القصيدة أكثر من بيت، أو يحفظ من الخطبة أكثر من مقطع؛ لأن ذهن الإنسان في تلك اللحظة كان خياليا فالتقط الأبيات التي حفظها، وكذلك الخطبة، أما بقية أجزاء القصيدة أو الخطبة فقد يكون الذهن شرد إلى أشياء أخرى. ولذلك يحاول الإنسان أن يكرر الاستماع والإصغاء والقراءة أكثر من مرة ليهيئ ويعد بؤرة الشعور، فيحفظ الإنسان ما يريد.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة، أما الذاكرة فهي تتذكر أي تستحضر المعاني التي قد تختفي في الحافظة، ولا شيء يضيع في الحافظة أبدا، بحيث إذا جاء الاستدعاء طفت المعاني على السطح.
كأن انطباعات الإنسان في نعم الله لا تُنسى أبدا. وهي موجودة عند الإنسان، ولكنها تريد من الإنسان أن يستدعيها من الحافظة ويطلبها.
ولنر دقة الأداء القرآني: ﴿واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ سبحانه يقول هنا «نعمة» مع ان نعم الله كثيرة، ولكن الله قد آثر أن يأتي بالمفرد ولم يأت بالجمع. وذلك ليبين للإنسان أن أية نعمة في أية زاوية من حياة الإنسان تستحق أن يذكرها الإنسان؛ فنعم الله كثيرة، ولكن ليتذكر الإنسان ولو نعمة واحدة هي نعمة الإيجاد من عدم، أو نعمة البصر، أو السمع. وكل نعمة من هذه النعم تستحق من الإنسان أن يتذكرها دائما، ولا تطرد نعمة نعمة أخرى، فما بالنا إذا كانت النعم كثيرة؟
2965
ولو تمعن الإنسان في كل نعمة لاحتاجت إلى أن يتذكرها دائما، أو أن النعمة اسم للجنس كله؛ لأن المفرد يطلق على كل الجنس، مثل الإنسان فإنها تطلق على كل فرد من أفراده مثل محمد وعلي وخالد.
وكلمة «النعمة» قد تُنسب إلى سببها كنعمة سببها مروءة واحد من البشر، وهي محدودة بمقدار الأثر الذي أحدثته. لكن نحن هنا أمام نعمة المسبب وهو الله، ولا بد أن تناسب نعمة الله جلال وجمال عظمته وعطائه.
﴿واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ﴾ و «واثق» تقتضي امرين: فالإنسان طرف الاحتياج والفقر والأخذ، والرب صاحب الفضل والعطاء والغنى، إنه هو الربوبية وأنت العبودية، وهو الحق القائل: ﴿وَأَوْفُواْ بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠]
إذن ف «واثقكم» تعني التأكيد من طرفين؛ لأن «واثق» على وزن «فاعَلَ»، ولا بد في «فاعَلَ» أن تكون من اثنين. ومثال ذلك «شارك» تقولها لاثنين أو أكثر؛ فنقول: «شارك زيد عمراً» ؛ وكذلك «قاتل زيد عمراً». وحين يقول الحق: إنه «واثق عباده» أي أنه شاركهم في هذا الميثاق وقبله منهم. لكن أي ميثاق هذا؟
ونحن نعرف الميثاق الأول الذي هو ميثاق الذر: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢]
وهو ميثاق الفطرة قبل أن توجد النفس وشهواتها. وبعد ذلك هناك ميثاق العقل الذي نظر به الإنسان إلى الوجود واستطاع أن يخرج من تلك الرؤية بأن الوجود محكم ومنظم وواسع، ولا بد لهذا الوجود من واجد وهو الله. وبعد ذلك ميثاق الإيمان بالله، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حينما عرض منهج الإسلام آمن به بعض
وكلمة «النعمة» قد تُنسب إلى سببها كنعمة سببها مروءة واحد من البشر، وهي محدودة بمقدار الأثر الذي أحدثته. لكن نحن هنا أمام نعمة المسبب وهو الله، ولا بد أن تناسب نعمة الله جلال وجمال عظمته وعطائه.
﴿واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ﴾ و «واثق» تقتضي امرين: فالإنسان طرف الاحتياج والفقر والأخذ، والرب صاحب الفضل والعطاء والغنى، إنه هو الربوبية وأنت العبودية، وهو الحق القائل: ﴿وَأَوْفُواْ بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠]
إذن ف «واثقكم» تعني التأكيد من طرفين؛ لأن «واثق» على وزن «فاعَلَ»، ولا بد في «فاعَلَ» أن تكون من اثنين. ومثال ذلك «شارك» تقولها لاثنين أو أكثر؛ فنقول: «شارك زيد عمراً» ؛ وكذلك «قاتل زيد عمراً». وحين يقول الحق: إنه «واثق عباده» أي أنه شاركهم في هذا الميثاق وقبله منهم. لكن أي ميثاق هذا؟
ونحن نعرف الميثاق الأول الذي هو ميثاق الذر: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢]
وهو ميثاق الفطرة قبل أن توجد النفس وشهواتها. وبعد ذلك هناك ميثاق العقل الذي نظر به الإنسان إلى الوجود واستطاع أن يخرج من تلك الرؤية بأن الوجود محكم ومنظم وواسع، ولا بد لهذا الوجود من واجد وهو الله. وبعد ذلك ميثاق الإيمان بالله، فالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حينما عرض منهج الإسلام آمن به بعض
2966
الناس، أي أخذ منهم عهداً على أن ينفذوا مطلوبات الله، ألم يأخذ الرسول عهداً في العقبة حين قالوا له:
خذ لنفسك ولربّك ما أحببت.
فتكلم - رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام ثم قال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أُزُرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن أبناء الحرب وأهل الحلقة (السلاح) ورثناها كابرا عن كابر.
وحدث هذا - أيضا - عند بيعة الرضوان تخت الشجرة. إذن فمعنى «واثقكم به» إما أن يكون العهد العام الإيماني في عالم الذر، وإما أن يكون العهد الإيماني الذي جاء بواسطة الرسل.
﴿وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ وحين يؤمن الإنسان يقول: سمعت وأطعت، وهكذا تنتهي مسألة التعاقد. ويتبع الحق ذلك بقوله: ﴿واتقوا الله إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾. واتقوا أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال من الله وقاية، فالمطلوب منا أن نلتحم بمنهج الله إلتحاما كاملا، وعلينا كذلك أن نجعل بيننا وبين صفات غضب الله وقاية. وعرفنا أن قوله الحق: «اتقوا الله» متساوٍ مع قوله: «اتقوا النار»، وقد يقول قائل: وهل للنار أوامر ونواه؟
ونقول: أحسن الفهم عن ربك واجعل بينك وبين غضب الله وقاية، فالنار جند من جنود الله. وسبحانه يوضح: اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال وقاية؛ لأن الحق له صفات جلال هي الجبروت والانتقام والقهر، وللحق صفات جمال فهو الغفور الرحيم المغني، الحكيم إلى غير ذلك من صفات الجمال، إذن فلنجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية تقينا من جنود صفات الجلال ومنها النار.
وقلنا من قبل: إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أبلغنا أنه في الليلة الأخيرة من رمضان يتجلى الجبار بالمغفرة. والنظرة السطحية تتساءل: ولماذا لم يقل: يتجلى الغفار
خذ لنفسك ولربّك ما أحببت.
فتكلم - رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام ثم قال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أُزُرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن أبناء الحرب وأهل الحلقة (السلاح) ورثناها كابرا عن كابر.
وحدث هذا - أيضا - عند بيعة الرضوان تخت الشجرة. إذن فمعنى «واثقكم به» إما أن يكون العهد العام الإيماني في عالم الذر، وإما أن يكون العهد الإيماني الذي جاء بواسطة الرسل.
﴿وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ وحين يؤمن الإنسان يقول: سمعت وأطعت، وهكذا تنتهي مسألة التعاقد. ويتبع الحق ذلك بقوله: ﴿واتقوا الله إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾. واتقوا أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال من الله وقاية، فالمطلوب منا أن نلتحم بمنهج الله إلتحاما كاملا، وعلينا كذلك أن نجعل بيننا وبين صفات غضب الله وقاية. وعرفنا أن قوله الحق: «اتقوا الله» متساوٍ مع قوله: «اتقوا النار»، وقد يقول قائل: وهل للنار أوامر ونواه؟
ونقول: أحسن الفهم عن ربك واجعل بينك وبين غضب الله وقاية، فالنار جند من جنود الله. وسبحانه يوضح: اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال وقاية؛ لأن الحق له صفات جلال هي الجبروت والانتقام والقهر، وللحق صفات جمال فهو الغفور الرحيم المغني، الحكيم إلى غير ذلك من صفات الجمال، إذن فلنجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية تقينا من جنود صفات الجلال ومنها النار.
وقلنا من قبل: إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أبلغنا أنه في الليلة الأخيرة من رمضان يتجلى الجبار بالمغفرة. والنظرة السطحية تتساءل: ولماذا لم يقل: يتجلى الغفار
2967
بالمغفرة؟ ذلك أن (الجبار) صفة من صفات الجلال التي تقتضي معاقبة المذنب، والذنب متعلق بصفات الجلال لا بصفات الجمال، إذن فالمنطق يقتضي أن يقف المذنب أمام شديد الانتقام؛ لأن المقام يناسب صفات الجلال، ولكن علينا أن نتذكر جيدا أن الله يرخي العِنان للمذنب لعله يتوب، وأن الله يفرح بتوبة عبده وأن رحمته تَغْلب غضبه.
ويذيل الحق الآية: ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ والتقوى - كما نعلم - لا تنشأ من الأفعال المحسة المدركة فقط، بل تنشأ أيضا في الأحوال الدخيلة المضمرة. ومثال ذلك نية سيئة ونية حسنة. فالحقد، الحسد، التبييت، المكر، كل ذلك صفات سيئة؛ فإياكم أن تقولوا إن التقوى للمدركات فقط؛ بل للمحسات أيضا. وعمل القلوب له دخل في تقوى الله. ومن بعد ذلك يقول الحق: ﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ... ﴾
ويذيل الحق الآية: ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ والتقوى - كما نعلم - لا تنشأ من الأفعال المحسة المدركة فقط، بل تنشأ أيضا في الأحوال الدخيلة المضمرة. ومثال ذلك نية سيئة ونية حسنة. فالحقد، الحسد، التبييت، المكر، كل ذلك صفات سيئة؛ فإياكم أن تقولوا إن التقوى للمدركات فقط؛ بل للمحسات أيضا. وعمل القلوب له دخل في تقوى الله. ومن بعد ذلك يقول الحق: ﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ... ﴾
2968
إنّ الحق - كما علمنا - حين ينادي المؤمنين بقوله: ﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ﴾ إنه سبحانه لم يقتحم على الناس تصرفاتهم الاختيارية لمنهجه، بل يلزم ويأمر من آمن به ويوجب عليه؛ فيوضح: يا من آمنت بي إلها حكيما قادرا خذ منهجي. ولكن الحق يقول: ﴿يا أيها الناس﴾ حين يريد أن يلفت كل الخلق إلى الاعتقاد بوجوده، أما من يؤمن به فهو يدخل في دائرة قوله الحق: ﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ﴾ وهذا النداء يقتضي بأن يسمع المؤمن التكليف ممن آمن بوجوده.
2968
ونعلم أننا جميعا عبيد الله، لكن لسنا جميعا عباد الله. وهناك فرق بين «عبيد» و «عباد». فالعبيد هم المرغمون على القهر في أي لون من ألوان حياتهم، ولا يستطيعون أن يدخلوا اختيارهم فيه. قد نجد متمرداً يقول: «أنا لا أؤمن بإله» ولكن هل يستطيع أن يتمرد على ما يقضيه الله فيما يجريه الله عليه قهرا؟ فإذا مرض وادعى أنه غير مريض فما الذي يحدث له؟ أيجرؤ واحد من هؤلاء المتمردين على ألا يموت؟!! لا أحد يقدر على ذلك.
إذن فكل عبد مقهور لله، وكلنا عبيد الله يستدعينا وقتما يريد ويجري علينا ما يريد بما فوق الاختيارات. أما «العباد» فهم الذين يأتون إلى ما فيه اختيار لهم ويقولون لله: لقد نزعنا من أنفسنا صفة الاختيار هذه ورضينا بما تقوله لنا «افعل كذا» و «لا تفعل كذا». إذن فالعبيد مقهورون بما يجريه عليهم الحق بما يريد، والعباد هم الذين يرضون ويكون اختيارهم وفق ما يحبه الله ويرضاه؛ إنهم أسلموا الوجه لله. فهم مقهورون بالاختيار، أمّا العبيد فمقهورون بالإجبار.
﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ﴾. و «قوام» صفة مبالغة والأصل فيها قائم، فإن أكثر القيام نطلق عليه «قوام». ومثال ذلك رجل لا يحترف النجارة وجاء بقطعة من الخشب وأراد أن يسد بها ثقبا في باب بيته؛ هذا الرجل يقال له: «ناجر» ولا يقال له: «نجار»، ذلك أن تخصصه في الحياة ليس في النجارة. وكذلك الهاوي الذي يخرج بالسنارة إلى البحر؛ واصطاد سمكتين؛ يقال له: «صائد» لكنه ليس صياداً؛ لأن الصيد ليس حرفته.
إن الحق يطلب من كل مؤمن ألا يكون قائما لله فقط، ولكن يطلب من كل مؤمن أن يكون قواما؛ أي مبالغ في القيام بأمر الله. والقيام يقابله القعود. وبعد القعود الاضطجاع وهو وضع الجنب على الأرض ثم الاستلقاء، وبعد ذلك ينام الإنسان. ونحن أمام أكثر من مرحلة: قائم وقاعد ومستلق، ونائم.
والنائم ليس عليه تكليف. والمستلقي هو المستريح على ظهره والحق يقول: ﴿فاذكروا الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: ١٠٣]
إذن فكل عبد مقهور لله، وكلنا عبيد الله يستدعينا وقتما يريد ويجري علينا ما يريد بما فوق الاختيارات. أما «العباد» فهم الذين يأتون إلى ما فيه اختيار لهم ويقولون لله: لقد نزعنا من أنفسنا صفة الاختيار هذه ورضينا بما تقوله لنا «افعل كذا» و «لا تفعل كذا». إذن فالعبيد مقهورون بما يجريه عليهم الحق بما يريد، والعباد هم الذين يرضون ويكون اختيارهم وفق ما يحبه الله ويرضاه؛ إنهم أسلموا الوجه لله. فهم مقهورون بالاختيار، أمّا العبيد فمقهورون بالإجبار.
﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ﴾. و «قوام» صفة مبالغة والأصل فيها قائم، فإن أكثر القيام نطلق عليه «قوام». ومثال ذلك رجل لا يحترف النجارة وجاء بقطعة من الخشب وأراد أن يسد بها ثقبا في باب بيته؛ هذا الرجل يقال له: «ناجر» ولا يقال له: «نجار»، ذلك أن تخصصه في الحياة ليس في النجارة. وكذلك الهاوي الذي يخرج بالسنارة إلى البحر؛ واصطاد سمكتين؛ يقال له: «صائد» لكنه ليس صياداً؛ لأن الصيد ليس حرفته.
إن الحق يطلب من كل مؤمن ألا يكون قائما لله فقط، ولكن يطلب من كل مؤمن أن يكون قواما؛ أي مبالغ في القيام بأمر الله. والقيام يقابله القعود. وبعد القعود الاضطجاع وهو وضع الجنب على الأرض ثم الاستلقاء، وبعد ذلك ينام الإنسان. ونحن أمام أكثر من مرحلة: قائم وقاعد ومستلق، ونائم.
والنائم ليس عليه تكليف. والمستلقي هو المستريح على ظهره والحق يقول: ﴿فاذكروا الله قِيَاماً وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: ١٠٣]
2969
أي اجعلوا الله دائما على بالكم؛ فالإنسان يملك في حالته الطبيعية نشاطا يمكنه أن يقوم ويقعد؛ فإن قيل: «قال فلان بأمر القوم» أي أنه بذل كل جهد لإدارة أمور الناس، والقيام في حركات الناس أصعب شيء. وسبحانه لا يريد منا أن نكون قائمين فقط؛ بل يريد أن نكون قوامين. ومادمنا قوامين فلن تخلو لحظة من قيامنا أن نكون لله؛ لله توجها. لا نفعا؛ لأن أية حركة من أي عبد لا تفيد الله في شيء؛ فالله خلق خلقه بمجموع صفات الكمال فيه، ولم ينشئ خلقه له صفة جمال أو كمال جديدة. وعندما يؤدي الإنسان أي عمل لله فهو يؤديه طاعة وتقربا لله. وإذا أراد الله من المؤمنين أن يكونوا قوامين لله، عندئذ تكون كل حركات المجتمع الإيماني حركات ربانية متساندة متصاعدة. وإذا كانت حركات المجموع الإيماني متساندة فسوف تكون النتيجة لهذه الحركة سعادة البشرية؛ فالإنسان إذا ما كان قواما فهو قوام لنفسه وللآخرين.
والمراد أن نكون مداومين على قيامنا في كل أمر لله. ولا تعتقد أيها المؤمن أنك تعامل خلق الله، إنما تعامل الله الذي شرع لك ليضمن لك ويضمن منك، فأنت إن طولبت بالأمانة، فقد طولب كل الناس بالأمانة فيما هو خاص بك لا بغيرك، وحين ينهاك الله عن الخيانة فقد أمر الحق الناس جميعاً بالانتهاء عن الخيانة لك.
إذن إن نظرت إلى تكليفات الله لوجدتها لصالحك أنت فلا يظنن ظان أن الدين إنما جاء ليقف أمام نفسه هو، فالدين وقف أمام النفس لدى الناس جميعاً، فحين يأمرك: ألاّ تمد يدك إلى مال غيرك فأنت واحد من الناس، وفي هذا القول أمر موجه لكل الناس: لا تمدوا أيديكم إلى مال فلان لتسرقوه. فانظر إلى أن الحق حين شرع عليك شرع لك. ولذلك يجب أن يكون كل قيامك لله سبحانه. ولذلك يظهر الحق سبحانه وتعالى في بعض خلقه أشياء وأحداثاً تُفهم الناس أن الذي يعمل لخلق الله مسلوب النعيم، والذي يعمل لله يكون موصول النعيم؛ فنجد الواحد من الناس يقول: «لقد صنعت لفلان كذا وكذا وكذا وأنكرني». نقول له: أنت تستحق لأنك صنعت له، ولكنك لو صنعت لله لكفاك الله كل أمر. ولذلك يقول الحق عن هؤلاء الذين صنعوا لله: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً﴾ [آل عمران: ٣٠]
والمراد أن نكون مداومين على قيامنا في كل أمر لله. ولا تعتقد أيها المؤمن أنك تعامل خلق الله، إنما تعامل الله الذي شرع لك ليضمن لك ويضمن منك، فأنت إن طولبت بالأمانة، فقد طولب كل الناس بالأمانة فيما هو خاص بك لا بغيرك، وحين ينهاك الله عن الخيانة فقد أمر الحق الناس جميعاً بالانتهاء عن الخيانة لك.
إذن إن نظرت إلى تكليفات الله لوجدتها لصالحك أنت فلا يظنن ظان أن الدين إنما جاء ليقف أمام نفسه هو، فالدين وقف أمام النفس لدى الناس جميعاً، فحين يأمرك: ألاّ تمد يدك إلى مال غيرك فأنت واحد من الناس، وفي هذا القول أمر موجه لكل الناس: لا تمدوا أيديكم إلى مال فلان لتسرقوه. فانظر إلى أن الحق حين شرع عليك شرع لك. ولذلك يجب أن يكون كل قيامك لله سبحانه. ولذلك يظهر الحق سبحانه وتعالى في بعض خلقه أشياء وأحداثاً تُفهم الناس أن الذي يعمل لخلق الله مسلوب النعيم، والذي يعمل لله يكون موصول النعيم؛ فنجد الواحد من الناس يقول: «لقد صنعت لفلان كذا وكذا وكذا وأنكرني». نقول له: أنت تستحق لأنك صنعت له، ولكنك لو صنعت لله لكفاك الله كل أمر. ولذلك يقول الحق عن هؤلاء الذين صنعوا لله: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً﴾ [آل عمران: ٣٠]
2970
إذن فالمؤمن يجب أن يوضح حركة قيامه وينميها، بمعنى أن يجعل كل حركته لله؛ فإن كانت كل حركته لله، فالله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا. والخاسرون هم الذين يعملون للناس؛ لأن الناس لا يملكون لهم نفعاً وربما تخلوا عنهم وربما أضمرت وحملت قلوبهم الضغن والحقد لمن أحسن إليهم، وربما تحولوا إلى أعداء لهم، فالمصنوع له الجميل قد يعطيه الله بعضاً من الجاه، وحين يلقى صانع الجميل بعد ذلك قد تتخاذل نفسه وتذل، ونرى في بعض الأحيان واحداً يجلس بين الناس وقد أخذته العزة، ثم يدخل عليه إنسان كان له فضل عليه، وساعة يراه يكره وجوده في مجلسه، ويتمنى ألا يحدث هذا اللقاء؛ وإذا ما لقيه بعد ذلك في طريق فهو يشيح بوجهه؛ لأن الذي صنع الجميل يسبب حرجاً له، ويجعل نفسه تتضعضع، وهو يريد أن يستكبر على الناس.
إذن فالله يوضح: اعملوا لله؛ لإنه لا يضيع عنده شيء. واعلموا أن الله رقيب عليكم ولن يضيع عملٌ عنده.
وعندما سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
أتستطيع أنت أيها الإنسان أن تصنع في إنسان آخر ما يسوؤه أمامه؟. أنت تسيء إلى ألاخر من وراء ظهره. فلماذا إذن يُسيء الواحد منكم إلى الله بالعصيان، وهو الناظر إليكم جميعاً؟
إذن حين يريد الحق سبحانه وتعالى أن تحسن معاملة نفسك وغيرك فعليك أن تحتسب كل عمل لك عند الله. فقد سخر لنا الحق كل الوجود وأعطانا كل مقومات الحياة ويوضح لكل واحد منا: يا عبدي اجعل كل قيامك لله؛ ولا تكن قائماً فقط ولكن كن قوّاماً.. بمعنى أنه مادامت فيك بقية من العافية للعمل فاعمل، ولا تعمل على قدر حاجتك فقط، ولكن اعمل على قدر طاقتك؛ لأنك لو عملت على قدر حاجتك فإن الذي لا يقدر على العمل لن يجد ما يعيش به.
إذن فاعمل على قدر طاقتك لتتسع حركتك للناس جميعاً. ويكون الفائض من
إذن فالله يوضح: اعملوا لله؛ لإنه لا يضيع عنده شيء. واعلموا أن الله رقيب عليكم ولن يضيع عملٌ عنده.
وعندما سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
أتستطيع أنت أيها الإنسان أن تصنع في إنسان آخر ما يسوؤه أمامه؟. أنت تسيء إلى ألاخر من وراء ظهره. فلماذا إذن يُسيء الواحد منكم إلى الله بالعصيان، وهو الناظر إليكم جميعاً؟
إذن حين يريد الحق سبحانه وتعالى أن تحسن معاملة نفسك وغيرك فعليك أن تحتسب كل عمل لك عند الله. فقد سخر لنا الحق كل الوجود وأعطانا كل مقومات الحياة ويوضح لكل واحد منا: يا عبدي اجعل كل قيامك لله؛ ولا تكن قائماً فقط ولكن كن قوّاماً.. بمعنى أنه مادامت فيك بقية من العافية للعمل فاعمل، ولا تعمل على قدر حاجتك فقط، ولكن اعمل على قدر طاقتك؛ لأنك لو عملت على قدر حاجتك فإن الذي لا يقدر على العمل لن يجد ما يعيش به.
إذن فاعمل على قدر طاقتك لتتسع حركتك للناس جميعاً. ويكون الفائض من
2971
عملك لغيرك. وحين يقول سبحانه: ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بالقسط﴾ يعلمنا ألا نضيع مجهودنا هباء، بل نوجه المجهود للعمل ونقوم به لوجه الله، لأنه سبحانه لا ينسى أبداً جزاء عبده، وهو الذي يرد كل جميل. إنه - سبحانه - يقول: ﴿هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان﴾.
ويقول أيضا: ﴿إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ [التوبة: ١٢٠]
وحين يكون الواحد منا قوّاماً لله يكون قد استغل حركة وجوده لخير خلق الله، وهذا العمل مطلوب منك. ولا يكفي أن تكون حركتك محصورة في ذلك، بل يجب أن تمتد أيضاً حركة حياتك لتكون شاهداً بالعدل. وكذلك توجه للعدل من تحدثه نفسه أن ينحرف. وحين تكون قوّاماً لله فهذا أمر حسن، وعليك أن تحاول إقناع غيرك بأن يكون قيامه لله بأن تكون شاهداً بالقسط والعدل. وحين تكون شاهداً بالقسط والعدل لا يتمادى ظالم في ظلمه. فالذي يجعل الظالم يشتد ويستشري ظلمه ويتفاقم شره هو أنه يجد من يدلسون على العدالة ويسترون ويخفون العيوب ويخادعون الناس.
لكن لو وُجِد الإنسان الذي ينير الطريق أمام العدالة لما وجد ظلم. لكن الظالم يحب من يدلس عليه؛ فيقول لنفسه: إن فلاناً ارتكب جريمة مثل جريمتي ونال البراءة. وتدليس الشهادة يقود إلى خراب المجتمعات. ولو أن المجتمع حينما يرى أن شهادة أفراده هي شهادة بالقسط وشهادة بالعدل، فإن كل فرد في المجتمع إذا هَمَّ بظلم يرتدع قبل أن يفعل الظلم، ولكان الظالم ينال عقابه ويصير مثالاً لارتداع غيره. والمؤمن مطالب بالقيام لله بإصلاح ذاته، ومطالب ثانياً أن يشهد بالقسط والعدل لإصلاح غيره.
وكلمة «القسط» تأتي منها اشتقاقات كثيرة، وهي من الألفاظ التي قد تدل على العدل وقد تدل على الجور، وهي من الألفاظ التي تستعمل في المر وفي نقيضه. وهذا من محاسن اللغة. ويتطلب ذلك أن يمحص السامع الكلمة ويتعرف على معناها بما يتطلبه السياق.
ويقول أيضا: ﴿إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ [التوبة: ١٢٠]
وحين يكون الواحد منا قوّاماً لله يكون قد استغل حركة وجوده لخير خلق الله، وهذا العمل مطلوب منك. ولا يكفي أن تكون حركتك محصورة في ذلك، بل يجب أن تمتد أيضاً حركة حياتك لتكون شاهداً بالعدل. وكذلك توجه للعدل من تحدثه نفسه أن ينحرف. وحين تكون قوّاماً لله فهذا أمر حسن، وعليك أن تحاول إقناع غيرك بأن يكون قيامه لله بأن تكون شاهداً بالقسط والعدل. وحين تكون شاهداً بالقسط والعدل لا يتمادى ظالم في ظلمه. فالذي يجعل الظالم يشتد ويستشري ظلمه ويتفاقم شره هو أنه يجد من يدلسون على العدالة ويسترون ويخفون العيوب ويخادعون الناس.
لكن لو وُجِد الإنسان الذي ينير الطريق أمام العدالة لما وجد ظلم. لكن الظالم يحب من يدلس عليه؛ فيقول لنفسه: إن فلاناً ارتكب جريمة مثل جريمتي ونال البراءة. وتدليس الشهادة يقود إلى خراب المجتمعات. ولو أن المجتمع حينما يرى أن شهادة أفراده هي شهادة بالقسط وشهادة بالعدل، فإن كل فرد في المجتمع إذا هَمَّ بظلم يرتدع قبل أن يفعل الظلم، ولكان الظالم ينال عقابه ويصير مثالاً لارتداع غيره. والمؤمن مطالب بالقيام لله بإصلاح ذاته، ومطالب ثانياً أن يشهد بالقسط والعدل لإصلاح غيره.
وكلمة «القسط» تأتي منها اشتقاقات كثيرة، وهي من الألفاظ التي قد تدل على العدل وقد تدل على الجور، وهي من الألفاظ التي تستعمل في المر وفي نقيضه. وهذا من محاسن اللغة. ويتطلب ذلك أن يمحص السامع الكلمة ويتعرف على معناها بما يتطلبه السياق.
2972
«وقَسَطَ» معناها «عدل». والفعل المضارع لها هو يقسط. والمصدر «قِسطا»، ومرة يكون المصدر «قُسوطا». والمصدر هو الذي قد يحول المعنى من العدل إلى الجور. فالقِِسط بمعنى العدل. وقَسَطَ يَقْسِطُ قُسُوطاً. أي جار وظلم. هنا نجد الفعل يأتي بالمعنى وضده؛ حتى يمتلك السامع اليقظة والفطنة التي تجعله يعرف التمييز بين معنى العدل ومعنى الجور.
وحين نقول «أقسط» فإنها بمعنى عدل، وهنا ننتبه إلى ما يلي: أن هناك فرقاً بين عَدْلٍ يأتي من أول الأمر وذلك هو القِسط، وهناك حكم ظالم يحتاج إلى حكمٍ آخر يزيل الظلم. وذلك الذي نستعمل له «أقسط» أي أزال الظلم. فكأن جوراً كان موجوداً وأزاله الحكم. فالقِسط - إذن - هو العدل الابتدائي. ولذلك نسمع قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ [الجن: ١٥]
والقاسطون هنا هم الظالمون، فالقسط هنا من قسط يقسط قُسوطا.
وفي الاية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق: ﴿شُهَدَآءَ بالقسط﴾ أي شهداء بالعدل. واللباقة في السامع هي التي توجه اللفظ إلى معناه المراد من خلال السياق، فالسامع للقرآن يُفْترض فيه الأريحية اللغوية بحيث يستطيع أن يفرق بين الشيء والمشابه له من شيء آخر. إذن فهناك قسط وأقسط، قسط بمعنى عدل، وأقسط بمعنى أقام القسط بإزالة الجور. والقسوط معناه الجور.
والحق يقول: ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾ و «المقسطين» هي جمع «مُقسط» ؛ من: أقسط أي أزال الظلم والجور إذن فالذي يرجح المعنى هنا سياق الكلمة ومصدرها. وقد يراد بالكلمة المعنى المصدري. والمعنى المصدري لا يختلف باختلاف منطوقه، فيقال: «رجل عدل» ويقال: «امرأة عدل». ويقال: «رجلان عدل»، ويقال: «امرأتان عدل»، و «رجال عدل»، و «نساء عدل».
إذن فإن أردنا بالكلمة المصدر فهي لا تتغير في المفرد والمثنى وجمع المذكر وجمع المؤنث. والقرآن الكريم يقول:
وحين نقول «أقسط» فإنها بمعنى عدل، وهنا ننتبه إلى ما يلي: أن هناك فرقاً بين عَدْلٍ يأتي من أول الأمر وذلك هو القِسط، وهناك حكم ظالم يحتاج إلى حكمٍ آخر يزيل الظلم. وذلك الذي نستعمل له «أقسط» أي أزال الظلم. فكأن جوراً كان موجوداً وأزاله الحكم. فالقِسط - إذن - هو العدل الابتدائي. ولذلك نسمع قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ [الجن: ١٥]
والقاسطون هنا هم الظالمون، فالقسط هنا من قسط يقسط قُسوطا.
وفي الاية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق: ﴿شُهَدَآءَ بالقسط﴾ أي شهداء بالعدل. واللباقة في السامع هي التي توجه اللفظ إلى معناه المراد من خلال السياق، فالسامع للقرآن يُفْترض فيه الأريحية اللغوية بحيث يستطيع أن يفرق بين الشيء والمشابه له من شيء آخر. إذن فهناك قسط وأقسط، قسط بمعنى عدل، وأقسط بمعنى أقام القسط بإزالة الجور. والقسوط معناه الجور.
والحق يقول: ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾ و «المقسطين» هي جمع «مُقسط» ؛ من: أقسط أي أزال الظلم والجور إذن فالذي يرجح المعنى هنا سياق الكلمة ومصدرها. وقد يراد بالكلمة المعنى المصدري. والمعنى المصدري لا يختلف باختلاف منطوقه، فيقال: «رجل عدل» ويقال: «امرأة عدل». ويقال: «رجلان عدل»، ويقال: «امرأتان عدل»، و «رجال عدل»، و «نساء عدل».
إذن فإن أردنا بالكلمة المصدر فهي لا تتغير في المفرد والمثنى وجمع المذكر وجمع المؤنث. والقرآن الكريم يقول:
2973
﴿وَنَضَعُ الموازين القسط﴾ [الأنبياء: ٤٧]
وهنا قول آخر: ﴿وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم﴾ [الشعراء: ١٨٢]
وفي الريف المصري نجد أن التاجر يصنع لنفسه الموازين من الأحجار، فيعاير قطعة من الحجر بوزن الكيلو جرام، ويعاير قطعاً أخرى لأجزاء الكيلو جرام؛ ومن كثرة الاستعمال وملامسة الحجر يعرف التاجر أن الحجر يتآكل، لذلك يعيد وزن الأحجار التي يستعملها في الميزان كل فترة متقاربة من الزمن. ويقال: إنه يعاير الأوزان. وسمي القسطاس؛ فالقسطاس هو الذي تعاير به الموازين، فإذا صنع الإنسان شيئاً للميزان مما يتآكل أو يتأثر باللمس فيجب عليه أن يعايره كل فترة حتى لا يظلم أحداً ولو بمقدار اللمسة الواحدة. ولذلك يقول الحق: ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله﴾ «أقسط» هنا معناها «أعدل». فموازين الله غير موازين البشر، فموازين البشر قد يحدث فيها اختلاف. ونرى بعض التجار ينقضون الميزان بأن يضعوا شيئاً تحت كفة الميزان أو غير ذلك من الخدع، لكن الحق هو العادل الحق. وهو صاحب الميزان الأعدل وهو القائل: ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله﴾.
جاءت هذه الآية لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أصدر حكماً؛ وهو حكم صحيح وعادل بقواعد البشر، فأوضح الحق له الحكم الأقسط، صحيح أن عدلك يا رسول الله لا يدخله هوى ولا يميل به غرض أو شهوة. ولكن العدل عند الله أكثر دقة وله مطلق الدقة. وقد قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هذا الحكم بمنطق القسط البشري في أمر زيد بن حارثة وكان مولى لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، كان عبداً لخديجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - وهبته لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وبعد فترة علم أهل زيد بخبر اختطافه وبيعه كعبد وكيف آل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فجاء أهل زيد إلى رسول الله وطالبوا بابنهم. ورفض زيد أن يعود معهم وأراد أن يبقى مع رسول الله، وأراد رسول الله أن يكرم زيداً الذي فضله على أبيه وأهله مصداقاً لقول الله:
وهنا قول آخر: ﴿وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم﴾ [الشعراء: ١٨٢]
وفي الريف المصري نجد أن التاجر يصنع لنفسه الموازين من الأحجار، فيعاير قطعة من الحجر بوزن الكيلو جرام، ويعاير قطعاً أخرى لأجزاء الكيلو جرام؛ ومن كثرة الاستعمال وملامسة الحجر يعرف التاجر أن الحجر يتآكل، لذلك يعيد وزن الأحجار التي يستعملها في الميزان كل فترة متقاربة من الزمن. ويقال: إنه يعاير الأوزان. وسمي القسطاس؛ فالقسطاس هو الذي تعاير به الموازين، فإذا صنع الإنسان شيئاً للميزان مما يتآكل أو يتأثر باللمس فيجب عليه أن يعايره كل فترة حتى لا يظلم أحداً ولو بمقدار اللمسة الواحدة. ولذلك يقول الحق: ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله﴾ «أقسط» هنا معناها «أعدل». فموازين الله غير موازين البشر، فموازين البشر قد يحدث فيها اختلاف. ونرى بعض التجار ينقضون الميزان بأن يضعوا شيئاً تحت كفة الميزان أو غير ذلك من الخدع، لكن الحق هو العادل الحق. وهو صاحب الميزان الأعدل وهو القائل: ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله﴾.
جاءت هذه الآية لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أصدر حكماً؛ وهو حكم صحيح وعادل بقواعد البشر، فأوضح الحق له الحكم الأقسط، صحيح أن عدلك يا رسول الله لا يدخله هوى ولا يميل به غرض أو شهوة. ولكن العدل عند الله أكثر دقة وله مطلق الدقة. وقد قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هذا الحكم بمنطق القسط البشري في أمر زيد بن حارثة وكان مولى لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، كان عبداً لخديجة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - وهبته لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وبعد فترة علم أهل زيد بخبر اختطافه وبيعه كعبد وكيف آل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فجاء أهل زيد إلى رسول الله وطالبوا بابنهم. ورفض زيد أن يعود معهم وأراد أن يبقى مع رسول الله، وأراد رسول الله أن يكرم زيداً الذي فضله على أبيه وأهله مصداقاً لقول الله:
2974
﴿النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٦]
لذلك كان لا بد للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يقدر زيد بن حارثة؛ فأعتقه ودعاه «زيد بن محمد» تكريماً له، على عادة العرب في تلك الأيام. لكن الله يريد أن يلغي مسألة التبنّي: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤]
وأجرى الله الأحداث ليصحح مسألة التبني لكل العرب، وكان بداية تطبيق ذلك على سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وينزل القول الحق: ﴿ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله﴾
[الأحزاب: ٥]
لم ينف الله القسط عن محمد، ولكن الأقسط يأتي من عند الله. ويطيب الله خاطر زيد بعد أن عاد إليه اسمه الفعلي منسوباً لأبيه لا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ويكافئ الله زيداً بأن يجعل اسمه هو الاسم الوحيد في الإسلام الذي يذكر في القرآن ويتعبد المؤمنون بتلاوته إلى أن تقوم الساعة: ﴿فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً﴾ [الأحزاب: ٣٧]
لقد صار اسمه في القرآن يتلوه المسلمون إلى قيام الساعة. وفي ذلك كل السلوى. إذن ف « ﴿أَقْسَطُ عِندَ الله﴾ جاءت في محلها، وإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد طلب منا أن يكون قيامنا مبالغاً فيه؛ أي ألا نترك فرصة لعمل الخير وأن نبالغ في الدقة في أداء العمل، وأن نَعْدل في المجتمع بأن نكون شهداء بالقسط. وبذلك يأخذ كل إنسان حقه فلا يقدر قوي أن يظلم ضعيفاً؛ لأن الضعيف سيجد أناساً يشهدون معه بالحق.
وإياكم أن تأخذوا الهوى في مقاييس العدل. وهب أن المسألة تتعلق بعدوكم أو بخصومكم فالعدل هنا أكثر أهمية وأكثر وجوبا.
لذلك كان لا بد للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يقدر زيد بن حارثة؛ فأعتقه ودعاه «زيد بن محمد» تكريماً له، على عادة العرب في تلك الأيام. لكن الله يريد أن يلغي مسألة التبنّي: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤]
وأجرى الله الأحداث ليصحح مسألة التبني لكل العرب، وكان بداية تطبيق ذلك على سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وينزل القول الحق: ﴿ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله﴾
[الأحزاب: ٥]
لم ينف الله القسط عن محمد، ولكن الأقسط يأتي من عند الله. ويطيب الله خاطر زيد بعد أن عاد إليه اسمه الفعلي منسوباً لأبيه لا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ويكافئ الله زيداً بأن يجعل اسمه هو الاسم الوحيد في الإسلام الذي يذكر في القرآن ويتعبد المؤمنون بتلاوته إلى أن تقوم الساعة: ﴿فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً﴾ [الأحزاب: ٣٧]
لقد صار اسمه في القرآن يتلوه المسلمون إلى قيام الساعة. وفي ذلك كل السلوى. إذن ف « ﴿أَقْسَطُ عِندَ الله﴾ جاءت في محلها، وإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد طلب منا أن يكون قيامنا مبالغاً فيه؛ أي ألا نترك فرصة لعمل الخير وأن نبالغ في الدقة في أداء العمل، وأن نَعْدل في المجتمع بأن نكون شهداء بالقسط. وبذلك يأخذ كل إنسان حقه فلا يقدر قوي أن يظلم ضعيفاً؛ لأن الضعيف سيجد أناساً يشهدون معه بالحق.
وإياكم أن تأخذوا الهوى في مقاييس العدل. وهب أن المسألة تتعلق بعدوكم أو بخصومكم فالعدل هنا أكثر أهمية وأكثر وجوبا.
2975
﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾. أي لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا فتعتدوا عليهم، فمن له حق يجب أن يأخذه. ونعرف القصة التي حدثت، عندما سرق مسلم درع مسلم آخر وأراد السارق وأهله أن يلصقوا التهمة بيهودي وأن يبرئ نفسه، ولكن الله أنزل قرآناً: ﴿إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾ [النساء: ١٠٥]
أي لا تكن يا محمد لصالح الخائنين مخاصما للبرآء. وقوله الحق هنا: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾ أي لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا، وإلا سيكون البغض لصالح عدوكم، وبغض المؤمن إذا حمله على اتباع هواه سيكون لصالح العدو؛ لأن الله سيعاقب المؤمن لو أدخل الهوى والبغض في إقامة الميزان العادل. فتحكيم البغض والعِداء والهوى يكون لصالح الخصوم؛ لذلك لا يحملنكم أيها المؤمنون شنآن - أي بغض - قوم على ألا تعدلوا.
ويضيف الحق: ﴿اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى﴾ والعدالة حين تُطلب مع الخصم هي تقريع لذلك الخصم لأنه خالف الإيمان. ومن المؤكد أن الخصم يقول لنفسه: إن عدالة هذا المسلم لم تمنعه من أن يقول الحق ولا بد أن عقيدته تجعل منه إنساناً قوياً، وأن دينه الذي أمره بذلك هو نعم الدين.
إذن ساعة تحكم أيها المؤمن بالعدل لخصمك فأنت تقرعه لأنه ليس مؤمنا، لكن لو رأى خصمك أنك قد جُرت ولم تذهب إلى الحق، فأنت بذلك تشجعه على أن يبقى كافراً؛ لأنه سيعرف أنك تتبع الهوى. أما إذا رآك وأنت تقف موقفاً يرضي الله مع أنه خصم لك، فهو يستدل من ذلك على أن العقيدة التي آمنت بها هي الحق، وأنك تقيم الحق حتى في أعدائك.
وهكذا يقرع الخصمُ العقدي نفسَه، وقد يلفته ذلك إلى الإيمان.
﴿اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى﴾ أقرب إلى أي تقوى؟ أأقرب إلى تقوى المؤمن؟ أم أن الخصم يكون أقرب إلى التقوى حين يرى المؤمن مقيماً للعدل والحق، فلعله
أي لا تكن يا محمد لصالح الخائنين مخاصما للبرآء. وقوله الحق هنا: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ على أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾ أي لا يحملنكم بغض قوم على ألا تعدلوا، وإلا سيكون البغض لصالح عدوكم، وبغض المؤمن إذا حمله على اتباع هواه سيكون لصالح العدو؛ لأن الله سيعاقب المؤمن لو أدخل الهوى والبغض في إقامة الميزان العادل. فتحكيم البغض والعِداء والهوى يكون لصالح الخصوم؛ لذلك لا يحملنكم أيها المؤمنون شنآن - أي بغض - قوم على ألا تعدلوا.
ويضيف الحق: ﴿اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى﴾ والعدالة حين تُطلب مع الخصم هي تقريع لذلك الخصم لأنه خالف الإيمان. ومن المؤكد أن الخصم يقول لنفسه: إن عدالة هذا المسلم لم تمنعه من أن يقول الحق ولا بد أن عقيدته تجعل منه إنساناً قوياً، وأن دينه الذي أمره بذلك هو نعم الدين.
إذن ساعة تحكم أيها المؤمن بالعدل لخصمك فأنت تقرعه لأنه ليس مؤمنا، لكن لو رأى خصمك أنك قد جُرت ولم تذهب إلى الحق، فأنت بذلك تشجعه على أن يبقى كافراً؛ لأنه سيعرف أنك تتبع الهوى. أما إذا رآك وأنت تقف موقفاً يرضي الله مع أنه خصم لك، فهو يستدل من ذلك على أن العقيدة التي آمنت بها هي الحق، وأنك تقيم الحق حتى في أعدائك.
وهكذا يقرع الخصمُ العقدي نفسَه، وقد يلفته ذلك إلى الإيمان.
﴿اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى﴾ أقرب إلى أي تقوى؟ أأقرب إلى تقوى المؤمن؟ أم أن الخصم يكون أقرب إلى التقوى حين يرى المؤمن مقيماً للعدل والحق، فلعله
2976
يرتدع ويعاود نفسه ويقول: إن الإيمان قد جعل هذا المسلم يتغلب على البغض وحكم بالحق على الرغم من أنه يعلم أنني عدو له.
ولنا في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام الأسوة الحسنة، فقد جاءه رجل غريب يسأله طعاماً أو مبيتاً، فسأله إبراهيم عن دينه. فوجده كافراً، فلم يجب مسألته. وسار الرجل بعيداً، فأنزل الله سبحانه على إبراهيم وحياً: أنا قبلته كافراً بي ومع ذلك ما قبضت نعمتي عنه. وسألك الرجل لقمة أو مبيتَ ليلةٍ فلم تجبه. وجرى سيدنا إبراهيم خلف الرجل واستوقفه، فسأل الرجل سيدنا إبراهيم؛ ما الذي حدث لتغير موقفك، فقال سيدنا إبراهيم: إن ربي عاتبني في ذلك. فقال الرجل: نعم الرب إله يعاتب أحبابه في أعدائه، وآمن الرجل.
وهذا يوضح لنا معنى ﴿أَقْرَبُ للتقوى﴾ فقد صار الرجل الكافر أقرب للتقوى. إذن: فالمعنى النفسي الذي يصيب خصمك أو من يغضبك أو من بينك وبينه شنآن، حين يراك آثرت الحق على بغضك له، يجعله يلتفت إلى الإيمان الذي جعل الحق يعلو الهوى ويغلبه ويقهره، ويصير أقرب للتقوى. وأيضاًَ من يشهد بالقسط هو أقرب للتقوى.
ويذيل الحق الآية بقوله: ﴿واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فهو - سبحانه - الخبير بما نعمل. وإياك أيها المؤمن أن تصنع ذلك لشهرة أن يُقال عنك إنك رجل حكمت على نفسك. ولكن اعمل من أجل الله حتى وإن كان الموقف يستحق منك الفخر.
إن كثيرا من الناس يحكمون بالظلم ليشتهروا بين الناس بالعدل، كيف؟ لنفرض أنه قد عُرضت عليك قضية هي خصومة بين ابنك وابن جارك؛ الشجاعة الأولى تفرض أن تحكم لابن جارك وهو غير محق على ابنك، لكن الشجاعة الأقوى أن يكون الحق لابنك وتحكم له، أما إن حكمت لابن جارك - وهو غير محق - في هذه الحالة تكون قد حكمت بالظلم لتشتهر بين الناس بالعدل!
يجب أن يكون الحق أعز عليك من ابنك وابن جارك، وإياكم أن تعملوا أعمالاً
ولنا في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام الأسوة الحسنة، فقد جاءه رجل غريب يسأله طعاماً أو مبيتاً، فسأله إبراهيم عن دينه. فوجده كافراً، فلم يجب مسألته. وسار الرجل بعيداً، فأنزل الله سبحانه على إبراهيم وحياً: أنا قبلته كافراً بي ومع ذلك ما قبضت نعمتي عنه. وسألك الرجل لقمة أو مبيتَ ليلةٍ فلم تجبه. وجرى سيدنا إبراهيم خلف الرجل واستوقفه، فسأل الرجل سيدنا إبراهيم؛ ما الذي حدث لتغير موقفك، فقال سيدنا إبراهيم: إن ربي عاتبني في ذلك. فقال الرجل: نعم الرب إله يعاتب أحبابه في أعدائه، وآمن الرجل.
وهذا يوضح لنا معنى ﴿أَقْرَبُ للتقوى﴾ فقد صار الرجل الكافر أقرب للتقوى. إذن: فالمعنى النفسي الذي يصيب خصمك أو من يغضبك أو من بينك وبينه شنآن، حين يراك آثرت الحق على بغضك له، يجعله يلتفت إلى الإيمان الذي جعل الحق يعلو الهوى ويغلبه ويقهره، ويصير أقرب للتقوى. وأيضاًَ من يشهد بالقسط هو أقرب للتقوى.
ويذيل الحق الآية بقوله: ﴿واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فهو - سبحانه - الخبير بما نعمل. وإياك أيها المؤمن أن تصنع ذلك لشهرة أن يُقال عنك إنك رجل حكمت على نفسك. ولكن اعمل من أجل الله حتى وإن كان الموقف يستحق منك الفخر.
إن كثيرا من الناس يحكمون بالظلم ليشتهروا بين الناس بالعدل، كيف؟ لنفرض أنه قد عُرضت عليك قضية هي خصومة بين ابنك وابن جارك؛ الشجاعة الأولى تفرض أن تحكم لابن جارك وهو غير محق على ابنك، لكن الشجاعة الأقوى أن يكون الحق لابنك وتحكم له، أما إن حكمت لابن جارك - وهو غير محق - في هذه الحالة تكون قد حكمت بالظلم لتشتهر بين الناس بالعدل!
يجب أن يكون الحق أعز عليك من ابنك وابن جارك، وإياكم أن تعملوا أعمالاً
2977
ظاهرها عدل وباطنها رياء؛ لأننا نعلم أن لكل جارحة من الجوارح مجالاً تؤدي فيه وظيفتها؛ فاللسان أداؤه ووظيفته القول، والأذن فعلها أن تسمع، والأنف أداؤه أن يشم، ويجمع الجميع العمل. فالعمل إما أن يكون قولاً وإما أن يكون فعلا.
قال تعالى: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢ - ٣]
إذن فالقول محله اللسان، والفعل محله بقية الجوارح، والاثنان يجمعهما العمل.
ومن بعد ذلك يقول الحق: ﴿وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ... ﴾
قال تعالى: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٢ - ٣]
إذن فالقول محله اللسان، والفعل محله بقية الجوارح، والاثنان يجمعهما العمل.
ومن بعد ذلك يقول الحق: ﴿وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ... ﴾
2978
وعندما نتأمل كلمة «وعد» نجدها تأتي، وتأتي أيضاً كلمة «أوعد» و «وعد» وكذلك أوعد إذا لم تقترن بالموعود به، تكون وَعَد للخير، و «أَوْعَد» للشر. ولكن لو حدث غير ذلك وجئت بالموعود به، فالاثنان متساويان، فيصح أن تقول «وعدته بالخير» ويصح أيضاً أن تقول: «وعدته بالشر». لكن إن لم تذكر المتعلق، فإن «وعد» تستعمل في الخير. و «أوعد» تستعمل في الشر. والشاعر يقول:
وحين يقول: «وعد الله» فهذا وعد مطلق لا إخلال به؛ لأن الذي يخل بالوعد هو الإنسان الذي تعتريه الأغيار؛ فقد يأتي ميعاد الوفاء بالوعد ويجد الإنسان نفسه في
وإنِّي إنْ أوعدته أو وعدته | لُمخْلِفُ إِبعادي ومُنْجِزُ موعدي |
2978
موقف العاجر أو موقف المتغير قلبياً، لكن ساعة يكون الله هو الذي وعد فسبحانه الذي لا تداخله الأغيار، بل هو الذي يُجري الأغيار، لذلك يكون وعده هو الوعد الخالص الذي لا توجد قوة أخرى تحول دون أن ينفذ الله وعده. أما وعد البشر فقد تأتي قوة أخرى تعطل الوعد.
﴿وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ سبحانه وتعالى يوضح أن مغفرته لكل عباده ولا يختص فقط الصالحين الورعين بل إنه يوجد حديثه إلى هؤلاء الذين ارتكبوا المعاصي فإن تابوا، فلهم مغفرة؛ لأن ردء المفسدة مقدم على جلب المصلحة؛ فأنت قد تكون جالسا ويأتي واحد جهة اليمين ليقدم لك تفاحة، وفي اللحظة نفسها التي تمتد يدك لتأخذ التفاحة تلتفت لتجد إنساناً آخر يريد أن يصفعك، أي اتجاهات سلوكك تغلب؟. لا بد أنك سترد على من يضربك أولا. والحق يزيل الذنوب أولاً بالمغفرة. ونجده سبحانه وتعالى يأتي بأشياء تلفت القلب فهو يقول: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: ١٨٥]
فالخطوة الأولى للفوز هي الزحزحة عن النار، والخطوة التالية بعد ذلك هي دخول الجنة. فسبحانه يمنع المفسدة ويقدم دفعها ودرأها على جلب المنفعة؛ لذلك يقول الحق بداية: ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾. والإنسان منا ساعة تأتي له الخواطر يفكر في أشياء يطمح إليها، وهناك أشياء يخاف منها. وينشغل الذهن أولاً بما يخاف منه، يخاف من المفسدة، يخاف من عدم تحقيق الآمال. إذن فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾. وكل أجر على عمل يأخذ عمره بقدر حيزه الزمني، فأجر الإنسان على عمله في الدنيا يذهب ويزول؛ لأن الإنسان نفسه يذهب إلى الموت، أما أجر الآخرة فهو الباقي أبداً، وهو أجر لا يفوت الإنسان ولا يفوته الإنسان، ذلك هو الأجر العظيم.
وحين يتكلم الحق عن معنى من المعاني يتعلق بالإيمان والعمل الصالح تكون
﴿وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ سبحانه وتعالى يوضح أن مغفرته لكل عباده ولا يختص فقط الصالحين الورعين بل إنه يوجد حديثه إلى هؤلاء الذين ارتكبوا المعاصي فإن تابوا، فلهم مغفرة؛ لأن ردء المفسدة مقدم على جلب المصلحة؛ فأنت قد تكون جالسا ويأتي واحد جهة اليمين ليقدم لك تفاحة، وفي اللحظة نفسها التي تمتد يدك لتأخذ التفاحة تلتفت لتجد إنساناً آخر يريد أن يصفعك، أي اتجاهات سلوكك تغلب؟. لا بد أنك سترد على من يضربك أولا. والحق يزيل الذنوب أولاً بالمغفرة. ونجده سبحانه وتعالى يأتي بأشياء تلفت القلب فهو يقول: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: ١٨٥]
فالخطوة الأولى للفوز هي الزحزحة عن النار، والخطوة التالية بعد ذلك هي دخول الجنة. فسبحانه يمنع المفسدة ويقدم دفعها ودرأها على جلب المنفعة؛ لذلك يقول الحق بداية: ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾. والإنسان منا ساعة تأتي له الخواطر يفكر في أشياء يطمح إليها، وهناك أشياء يخاف منها. وينشغل الذهن أولاً بما يخاف منه، يخاف من المفسدة، يخاف من عدم تحقيق الآمال. إذن فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾. وكل أجر على عمل يأخذ عمره بقدر حيزه الزمني، فأجر الإنسان على عمله في الدنيا يذهب ويزول؛ لأن الإنسان نفسه يذهب إلى الموت، أما أجر الآخرة فهو الباقي أبداً، وهو أجر لا يفوت الإنسان ولا يفوته الإنسان، ذلك هو الأجر العظيم.
وحين يتكلم الحق عن معنى من المعاني يتعلق بالإيمان والعمل الصالح تكون
2979
النفس مستعدة؛ لأن هناك تأميلا في الخير وترهيباً من الشر؛ لذلك يتبع الحق هذه الآية بآية أخرى فيقول: ﴿والذين كَفَرُواْ... ﴾
2980
وحين نسمع قوله: ﴿أَصْحَابُ الجحيم﴾ تتزلزل النفوس رهبة من تلك الصحبة التي نبرأ منها، فالصحبة تدل على التلازم وتعني الارتباط معاً، وألا يترك أحدهما الآخر؛ كأن الجحيم لا تتركهم، وهم لا يتركون الجحيم، بل تكون الجحيم نفسها في اشتياق لهم. وللجحيم يوم القيامة عملان؛ العمل الأول: الصحبة التي لا يقدر الكافر على الفكاك منها، والثاني: لا تترك الجحيم فرصة للكافر ليفك منها. ويقول الحق عن النار: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠]
ويقول الحق بعد ذلك: ﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ....﴾
ويقول الحق بعد ذلك: ﴿يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ....﴾
والذكر - كما عرفنا - يعني استحضار الشيء إلى الذهن؛ لأن الغفلة تطرأ على
2980
الإنسان وعليه الا يستمر فيها. وبعض أهل الإشراق والشطح يتلاعبون بالمواجيد النفسية فيقول واحد منهم: يعلم الله أني لست أذكره. وحين يسمع الإنسان مثل هذا القول قد يوجه لصاحبه التأنيب والنقد العنيف، لكن القائل يحلل الأمر التحليل العرفاني فيكمل بيت الشعر بالشطر الثاني:
«إذْ كيف أذكره إذْ لست أنساه».... وهنا ترتاح النفس، ويقول الحق هنا أيضاً: ﴿نِعْمَتَ الله﴾ ولم يقل: «نعم» ؛ لأن كل نعمة على انفراد تستحق أن نشكر الله عليها؛ فكل نعمة مفردة في عظم وضخامة تستحق الشكر عليها، أو أن نعمة الله هي كل فيضه على خلقه، فأفضل النعمة أنه ربنا، وسبحانه يقول: ﴿اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ﴾. ومادام قد جاء ب «إذ» فالمراد نعمة بخصوصها؛ لأن «إذ» تعني «حين» فالحق يوضح: اذكروا نعمة الله عليكم في ذلك الوقت الذي حدثت فيه هذه المسألة؛ لأنه جاء بزمن ويطلب أن نذكر نعمته في هذا الموقف، إنه يذكرنا بالنعمة التي حدثت عندما همّ قوم ببسط أيديهم إليكم.
وهناك «قبض» لليد و «بسط» لليد. والبسط المنظور أن ترى النعمة. وفي الآية تكون النعمة هي كف أيدي الكافرين، ذلك أن أيديهم كانت ممدودة بالسوء والشر. ولو وقفنا عند بسط اليد؛ لظننا أنه سبحانه قد جعل من أسباب خلقه معبراً للنعم علينا أي أن نعم الله تعبر وتصل إلينا عن طريقهم وبأيديهم، لكن هذا ليس مراد من النص الكريم؛ لأننا حين نتابع قراءة الآية، نعرف أن كف أيديهم هو النعمة، فهؤلاء القوم أرادوا أن يبسطوا أيديهم بالإيذاء. ويقولون عن بذاءة اللسان: «بسط لسانه» ويقولون أيضاً: «بسط يده بالإيذاء».
ونعرف أن الحق جاء ب «إليكم» أو «عنكم» وكلاهما فيه ضمير يعود على المؤمنين مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فالمؤمنون ملتحمون بمنهج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فإذا همّ قوم أن يبسطوا أيديهم إلى رسول الله، ففي ذلك إساءة للمؤمنين برسول الله؛ لأن كل شيء يصيب رسول الله، يصيب المؤمنين أيضاً. وكانت هناك واقعة حال في زمن مقطوع وسابق، فهل يعني الحق سبحانه وتعالى بحادثة بني
«إذْ كيف أذكره إذْ لست أنساه».... وهنا ترتاح النفس، ويقول الحق هنا أيضاً: ﴿نِعْمَتَ الله﴾ ولم يقل: «نعم» ؛ لأن كل نعمة على انفراد تستحق أن نشكر الله عليها؛ فكل نعمة مفردة في عظم وضخامة تستحق الشكر عليها، أو أن نعمة الله هي كل فيضه على خلقه، فأفضل النعمة أنه ربنا، وسبحانه يقول: ﴿اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ﴾. ومادام قد جاء ب «إذ» فالمراد نعمة بخصوصها؛ لأن «إذ» تعني «حين» فالحق يوضح: اذكروا نعمة الله عليكم في ذلك الوقت الذي حدثت فيه هذه المسألة؛ لأنه جاء بزمن ويطلب أن نذكر نعمته في هذا الموقف، إنه يذكرنا بالنعمة التي حدثت عندما همّ قوم ببسط أيديهم إليكم.
وهناك «قبض» لليد و «بسط» لليد. والبسط المنظور أن ترى النعمة. وفي الآية تكون النعمة هي كف أيدي الكافرين، ذلك أن أيديهم كانت ممدودة بالسوء والشر. ولو وقفنا عند بسط اليد؛ لظننا أنه سبحانه قد جعل من أسباب خلقه معبراً للنعم علينا أي أن نعم الله تعبر وتصل إلينا عن طريقهم وبأيديهم، لكن هذا ليس مراد من النص الكريم؛ لأننا حين نتابع قراءة الآية، نعرف أن كف أيديهم هو النعمة، فهؤلاء القوم أرادوا أن يبسطوا أيديهم بالإيذاء. ويقولون عن بذاءة اللسان: «بسط لسانه» ويقولون أيضاً: «بسط يده بالإيذاء».
ونعرف أن الحق جاء ب «إليكم» أو «عنكم» وكلاهما فيه ضمير يعود على المؤمنين مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فالمؤمنون ملتحمون بمنهج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فإذا همّ قوم أن يبسطوا أيديهم إلى رسول الله، ففي ذلك إساءة للمؤمنين برسول الله؛ لأن كل شيء يصيب رسول الله، يصيب المؤمنين أيضاً. وكانت هناك واقعة حال في زمن مقطوع وسابق، فهل يعني الحق سبحانه وتعالى بحادثة بني
2981
النضير، وكان بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وبني النضير معاهدة ألا يعينوا عليه خصوم الإسلام وإذا حدث قتل من جهة المسلمين فعلى بني النضير المعاونة في الدية، وكان النبي قد أرسل مسلماً في سرية فقتل اثنين من المعاهدين خطأ، فطالبوا بدية للقتيلين.
ولم يكن عند النبي؛ مالٌ فذهب إلى بني النضير كي يساعدوه بدية القتيلين، فقالوا له: «مرحبا» نطعمك ونسقيك وبعد ذلك نعطيك ما تريد، ثم سلطوا واحداً ليرمي الرسول بحجر. فصعد الرجل ليلقي على الرسول صخرة ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قاعد إلى جانب جدار من بيوتهم فأخبر الحق رسوله فقام خارجاً، ولم ينتظر شيئا.
﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ﴾ لقد أخبر الحق نبيه بما يبيتون قبل أن يتمكنوا من الفعل. و «الهمّ» هو حديث النفس، فإذا ما خرج إلى أول خطا النزوع فذلك هو القصد، و «الهم» هو الشيء الذي يغلب على فكر الإنسان في نفسه ويكون مصحوباً بغم.
وفي اللغة الدارجة نسمع من يقول: «أنا في هم وغم» ؛ لأن «الهم» هو الأمر الذي لا يبارح النفس حديثاً ويسبب الغم. فالهم هو العدو الذي لا يقدر أن يقهره أحد؛ لأنه يتسرب إلى القلب، أما أي عدو آخر فالإنسان قد يدفعه، ونعرف عن سيدنا الإمام علي - رضوان الله عليه وكرم الله وجهه - أنه كان مشهوراً بأنه المفتي؛ فهو يُستفتى في الشيء فيجيب عليه، لدرجة أن سيدنا عمر نفسه يقول: «قضية ولا أبا حسن لها» أي أنها تكون قضية معضلة إذ لم يوجد أبو حسن لها فيحلها، وكان سيدنا عمر يستعيذ من أن يوجد في مكان لا يوجد به سيدنا علي. وعندما عرف الناس عنه ذلك تساءلوا: من أين يأتي بهذا الكلام؟. فجاءوا بلغز وانتظروا كيف يخرج منه. فقالوا: إن الكون متسع وفيه أشياء أقوى من كل الأشياء، وقوى تتسلط على قوى، وحاولوا الاتفاق على شيء اقوى من كل الأشياء؛ فقال واحد: الجبل هو أقوى الأشياء. وقال الآخر: لكنا نقطع منه الأحجار بالحديد. وبينما هم يسلسلون هذه السلسلة جاء سيدنا علي فقالوا له: يا أبا الحسن ما أشد جنود الله؟.
فأجاب سيدنا علي - كرم الله وجهه - كأنه يقرأ من كتاب بدليل أنه عرف جنود الله وعرف الأقوى وحصر عددهم، وقال سيدنا علي: أشد جنود الله عشرة.
ولم يكن عند النبي؛ مالٌ فذهب إلى بني النضير كي يساعدوه بدية القتيلين، فقالوا له: «مرحبا» نطعمك ونسقيك وبعد ذلك نعطيك ما تريد، ثم سلطوا واحداً ليرمي الرسول بحجر. فصعد الرجل ليلقي على الرسول صخرة ورسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قاعد إلى جانب جدار من بيوتهم فأخبر الحق رسوله فقام خارجاً، ولم ينتظر شيئا.
﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ﴾ لقد أخبر الحق نبيه بما يبيتون قبل أن يتمكنوا من الفعل. و «الهمّ» هو حديث النفس، فإذا ما خرج إلى أول خطا النزوع فذلك هو القصد، و «الهم» هو الشيء الذي يغلب على فكر الإنسان في نفسه ويكون مصحوباً بغم.
وفي اللغة الدارجة نسمع من يقول: «أنا في هم وغم» ؛ لأن «الهم» هو الأمر الذي لا يبارح النفس حديثاً ويسبب الغم. فالهم هو العدو الذي لا يقدر أن يقهره أحد؛ لأنه يتسرب إلى القلب، أما أي عدو آخر فالإنسان قد يدفعه، ونعرف عن سيدنا الإمام علي - رضوان الله عليه وكرم الله وجهه - أنه كان مشهوراً بأنه المفتي؛ فهو يُستفتى في الشيء فيجيب عليه، لدرجة أن سيدنا عمر نفسه يقول: «قضية ولا أبا حسن لها» أي أنها تكون قضية معضلة إذ لم يوجد أبو حسن لها فيحلها، وكان سيدنا عمر يستعيذ من أن يوجد في مكان لا يوجد به سيدنا علي. وعندما عرف الناس عنه ذلك تساءلوا: من أين يأتي بهذا الكلام؟. فجاءوا بلغز وانتظروا كيف يخرج منه. فقالوا: إن الكون متسع وفيه أشياء أقوى من كل الأشياء، وقوى تتسلط على قوى، وحاولوا الاتفاق على شيء اقوى من كل الأشياء؛ فقال واحد: الجبل هو أقوى الأشياء. وقال الآخر: لكنا نقطع منه الأحجار بالحديد. وبينما هم يسلسلون هذه السلسلة جاء سيدنا علي فقالوا له: يا أبا الحسن ما أشد جنود الله؟.
فأجاب سيدنا علي - كرم الله وجهه - كأنه يقرأ من كتاب بدليل أنه عرف جنود الله وعرف الأقوى وحصر عددهم، وقال سيدنا علي: أشد جنود الله عشرة.
2982
وكأنه انشغل بهذه المسألة من قبل، ودرسها.
قال: الجبال الرواسي والحديد يقطع الجبال، والنار تذيب الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء، والريح يقطع السحاب، وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب أو الشيء ويمضي لحاجته؛ والسُّكْر يغلب ابن آدم، والنوم يغلب السكر، والهم يغلب النوم، فأشد جنود الله الهم. ولا يمكننا أن نمر على كلمة «الهم» في القرآن إلا أن نستعرض مواقعها في كتاب الله.
وأهم موقع من مواقعها تتعرض له من أسئلة الكثيرين في رسائلهم وفي لقاءاتنا معهم هو مسألة يوسف عليه السلام حينما قال الحق سبحانه وتعالى بخصوص مراودة امرأة العزيز له: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٢٤]
ولنحقق هذه المسألة، فالذين يستبعدون على سيدنا يوسف عليه السلام هذا الأمر، يستبعدون على صاحب العصمة أن يُفكر في نفسه، وإن كان التفكير في النفس لم يبلغ العمل النزوعي فهو محتمل. بل قد يكون التفكير في الشيء ثم عدول النفس عنه أقوى من عدم التفكير فيه؛ لأن شغل النفس بهذا الأمر ثم الكف يعني مقاومة النفس مقاومة شديدة. ولكنهم يُجِلّون ويعظمون - أيضاً - سيدنا يوسف عن أن يكون قد مر بخاطره هذا الأمر فضلاً على أن يوسف - عليه السلام - لم يكن قد أرسل إليه، أي أنه لم يكن رسولا آنذاك.
الآية تقول: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ [يوسف: ٢٤]
أي أن امرأة العزيز هي التي بدأت المراودة ليوسف عليه السلام فهل تم نزوع إلى العمل؟. لا، لأن النزوع إلى العمل يقتضي أن يشارك فيه سيدنا يوسف. إذن ف «همت به» أي صارت تحب أن تصنع العملية النزوعية وجاء المانع من سيدنا يوسف. وبالنسبة للمُرَاوَدِ وهو سيدنا يوسف، قال الحق:
قال: الجبال الرواسي والحديد يقطع الجبال، والنار تذيب الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء، والريح يقطع السحاب، وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب أو الشيء ويمضي لحاجته؛ والسُّكْر يغلب ابن آدم، والنوم يغلب السكر، والهم يغلب النوم، فأشد جنود الله الهم. ولا يمكننا أن نمر على كلمة «الهم» في القرآن إلا أن نستعرض مواقعها في كتاب الله.
وأهم موقع من مواقعها تتعرض له من أسئلة الكثيرين في رسائلهم وفي لقاءاتنا معهم هو مسألة يوسف عليه السلام حينما قال الحق سبحانه وتعالى بخصوص مراودة امرأة العزيز له: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٢٤]
ولنحقق هذه المسألة، فالذين يستبعدون على سيدنا يوسف عليه السلام هذا الأمر، يستبعدون على صاحب العصمة أن يُفكر في نفسه، وإن كان التفكير في النفس لم يبلغ العمل النزوعي فهو محتمل. بل قد يكون التفكير في الشيء ثم عدول النفس عنه أقوى من عدم التفكير فيه؛ لأن شغل النفس بهذا الأمر ثم الكف يعني مقاومة النفس مقاومة شديدة. ولكنهم يُجِلّون ويعظمون - أيضاً - سيدنا يوسف عن أن يكون قد مر بخاطره هذا الأمر فضلاً على أن يوسف - عليه السلام - لم يكن قد أرسل إليه، أي أنه لم يكن رسولا آنذاك.
الآية تقول: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ [يوسف: ٢٤]
أي أن امرأة العزيز هي التي بدأت المراودة ليوسف عليه السلام فهل تم نزوع إلى العمل؟. لا، لأن النزوع إلى العمل يقتضي أن يشارك فيه سيدنا يوسف. إذن ف «همت به» أي صارت تحب أن تصنع العملية النزوعية وجاء المانع من سيدنا يوسف. وبالنسبة للمُرَاوَدِ وهو سيدنا يوسف، قال الحق:
2983
﴿وَهَمَّ بِهَا لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [يوسف: ٢٤]
ونصرب لذلك مثلاً حتى نفهم هذا؛ إذ قال لك قائل: أزورك لولا وجود فلان عندك، هذا يعني أن القائل لم يزرك، وبالقياس نجد أن يوسف عليه السلام رأى البرهان فلم يهم. فمن أراد أن ينزه يوسف حتى عن حديث نفسه نقول: الأمر بالنسبة لها أنها همت به، وحتى يتحقق الفعل كان لا بد من قبول لهذا الأمر، وصار الامتناع لكنّه ليس من جهتها بل جاء الامتناع من جهته. وهو قد همّ بها لولا أن رأى برهان ربه.
لماذا جاء الحق: بأنه همَّ بها لو أن رأى برهان ربه؟ جاء الحق بتلك الحكاية ليدلنا على احكمة في امتناع يوسف عن موافقته على المراودة، فلم يكن ذلك عن وجود نقص طبعي جسدي فيه، ولولا برهان ربه لكان من الممكن أن يحدث بينهما كل شيء. وأراد الحق أن يخبرنا أن رجولته كاملة وفحولته غير ناقصة واستعداده الجنسي موجود تماماً، والذي منعه من الإتيان لها هو برهان ربه، إنه امتناع ديني. لا امتناع طبيعي. وبذلك يكون إشكال الفهم لمسألة الهم عند امرأة العزيز ويوسف قد وضح تماماً.
ونعود إلى الآية التي نحن بصددها: ﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ﴾ وكلمة «قوم» إذا سمعتها ففيها معنى القيام، والقيام هو أنشط حالات الإنسان. وكما أوضحنا من قبل نجد أن الإنسان إما أن يكون قائما وإما أن يكون قاعدا وإما مضطجعا وإما مستلقيا وإما نائما.
ونجد أن الراحات على مقدار هذه المسألة، فالقائم هو الذي يتعب أكثر من الآخرين؛ لأن ثقل جسمه كله على قدميه الصغيرتين، وعندما يقعد فإن الثقل يتوزع على المقعدة. وإذا اضطجع فرقعة الاحتمال تتسع. ولذلك يطلقونها على الرجال فقط؛ لأن من طبيعة الرجل أن يكون قواماً، ومن طبيعة المرأة أن تكون هادئة وديعة ساكنة مكنونة. فالقوم هم الرجال. ومقابل القوم هنا «النساء». إذن فالنساء ليس من طبيعتهن القيام.
والشاعر يقول:
ونصرب لذلك مثلاً حتى نفهم هذا؛ إذ قال لك قائل: أزورك لولا وجود فلان عندك، هذا يعني أن القائل لم يزرك، وبالقياس نجد أن يوسف عليه السلام رأى البرهان فلم يهم. فمن أراد أن ينزه يوسف حتى عن حديث نفسه نقول: الأمر بالنسبة لها أنها همت به، وحتى يتحقق الفعل كان لا بد من قبول لهذا الأمر، وصار الامتناع لكنّه ليس من جهتها بل جاء الامتناع من جهته. وهو قد همّ بها لولا أن رأى برهان ربه.
لماذا جاء الحق: بأنه همَّ بها لو أن رأى برهان ربه؟ جاء الحق بتلك الحكاية ليدلنا على احكمة في امتناع يوسف عن موافقته على المراودة، فلم يكن ذلك عن وجود نقص طبعي جسدي فيه، ولولا برهان ربه لكان من الممكن أن يحدث بينهما كل شيء. وأراد الحق أن يخبرنا أن رجولته كاملة وفحولته غير ناقصة واستعداده الجنسي موجود تماماً، والذي منعه من الإتيان لها هو برهان ربه، إنه امتناع ديني. لا امتناع طبيعي. وبذلك يكون إشكال الفهم لمسألة الهم عند امرأة العزيز ويوسف قد وضح تماماً.
ونعود إلى الآية التي نحن بصددها: ﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ﴾ وكلمة «قوم» إذا سمعتها ففيها معنى القيام، والقيام هو أنشط حالات الإنسان. وكما أوضحنا من قبل نجد أن الإنسان إما أن يكون قائما وإما أن يكون قاعدا وإما مضطجعا وإما مستلقيا وإما نائما.
ونجد أن الراحات على مقدار هذه المسألة، فالقائم هو الذي يتعب أكثر من الآخرين؛ لأن ثقل جسمه كله على قدميه الصغيرتين، وعندما يقعد فإن الثقل يتوزع على المقعدة. وإذا اضطجع فرقعة الاحتمال تتسع. ولذلك يطلقونها على الرجال فقط؛ لأن من طبيعة الرجل أن يكون قواماً، ومن طبيعة المرأة أن تكون هادئة وديعة ساكنة مكنونة. فالقوم هم الرجال. ومقابل القوم هنا «النساء». إذن فالنساء ليس من طبيعتهن القيام.
والشاعر يقول: