ﰡ
[ و ] قال ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ﴾ ف " الشَنَآنُ " متحرك مثل " الدَرَجان " و " المَيَلان "، وهو من " شَنِئْتُه " ف " أنا أشنَؤه " " شَنَآناً ". وقال ﴿ لاَ يَجْر ِمَنَّكُمْ ﴾ أي : لا يُحِقَّنَّ لَكُمْ. لأَنَّ قَوْلَهُ ﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ ﴾ إنما هو حَقٌّ أَنَّ لَهُمْ النّارَ. قال الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد الثمانون بعد المئة ] :
وَلَقَدْ طَعَنْتُ أَبّا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ***جَرَمَتْ فَزارَةُ بَعْدَها أَنْ يَغْضَبُوا
أي : حُقَّ لَهٌا.
وقوله ﴿ أَن صَدُّوكُمْ ﴾ يقول : " لأَِن صَدُّوكُم " وقد قُرئت ﴿ إِنْ صَدُّوكُم ﴾ [ ١٠١ء ] على معنى " إنْ هُمْ صَدُّوكُم " أي : " إنْ هُمْ فَعَلُوا " أي : إنْ هَمُّوا* ولم يكونوا فعلوا. وقد تقول ذلك أيضاً وقد فعلوا كأنك تحكي ما لم يكن ؛ كقول الله تعالى ﴿ قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ﴾ وقد كان عندهم قد وقعت السرقة.
وقال ﴿ أَن تَعْتَدُواْ ﴾ ( ٢ ) أي : لا يُحِقَنَّ لَكُمْ شَنَآنُ قَوْم أَنْ تَعْتَدُوا. أي : لا يَحْمِلَنَّكُم ذلك َ علَى العُدْوانِ. ثم قال ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ ( ٢ ).
﴿ وَالنَّطِيحَةُ ﴾ ( ٣ ) فيها الهاء لأنها جعلت كالاسم مثل " أَكِيلَةِ الأَسَدِ ". وإنما تقول : " هِيَ أَكِيلٌ " و " هِيَ نَطِيحٌ " " لأَنَّ كل ما فيه " مَفْعُولَة " ف " الفَعِيل " فيه بغير الهاء نحو " القَتيِل " و " الصَريع " إذا عنيت المرأة و " هِيَ جَريحٌ " لأَنَكَ تقول " مَجْرُوحَةٌ ".
وقال ﴿ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ ﴾ ( ٣ ) ولغة يخففون " السَبْع ".
﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾ ( ٣ ) وجميعه : " الأنْصاب ".
﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ﴾ ( ٣ ) يقول : " وَحُرِّمَ ذلك " وواحدها " زُلَم " و " زَلَمَ ".
وقال ﴿ مَخْمَصَةٍ ﴾ ( ٣ ) تقول : " خَمَصَهُ الجُوع " نحو " المَغْضَبَة " لأنَّه أَرادَ المصدر.
[ وقال ] ﴿ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ ( ٣ ) مهموزة الياء الثانية وهي من " فَعِل " " يَفْعِل " وكسر الياء الأولى لغة نحو " لِعْبَ " ومنهم من يكسِر اللام والعين ويسكنون العين ويفتحون [ ١٠١ ب ] اللام أيضاً ويكسرونها وكذلك " يئس ". وذلك أنَّ " فعل " إذا كان ثانيه احد الحروف الستة كسروا أوله وتركوه على الكسر، كما يقولون ذلك في " فعيل " نحو " شِعير " و " صِهيل ". ومنهم من يسكن ويكسر الأولى نحو " رِحْمَهُ اللهُ " فلذلك تقول : " يِئْسَ " تكسر الياء وتسكن الهمزة. وقد قرئت هذه الآية ﴿ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ على تلك اللغة التي يقولون فيها " لِعِبَ ". وأُناس يقولون " نَعِمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ " فقد يجوز كسر هذه النون التي في " نَعِمَ " لأن التي بعدها من الحروف الستة كما كسر " لِعِب ". وقولهم : " أن العين ساكنة من " نِعِمّا " إذا أدغمت خطأ لأنه لا يجتمع ساكنان. ولكن إذا شئت أخفيته فجعلته بين الإدغام والإظهار فيكون في زنة متحرك كما قرئت ﴿ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي ﴾ يشمون النون الأولى الرفع.
وقال ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ ( ٣ ) لأَّنَّ الإسلام كان فيه بعض الفرائض فلما فرغ الله مما أراد منه قال ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ ( ٣ ) لا على غير هذه الصفة.
وقال ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ كأنه قال : " فإِنَّ اللهُ لَهُ غَفُورٌ رَحِيم ". كما تقول : " عبدُ اللهِ ضَرَبْتُ " تريد : ضربته. قال الشاعر :[ من الوافر وهو الشاهد الحادي والثمانون بعد المئة ] :
[ ١٠٢ ء ] ثَلاثٌ كُلُّهُنَّ قتلتُ عَمْداً | فَأَخْزَى اللهُ رابعَةً تَعُود |
قدْ أَصْبَحَتْ أُمُ الخِيارِ تَدَّعي | عَلَيَّ ذَنْباً كُلَّهُ لَمْ أَصْنعِ |
يا خُزْرَ تَغْلِبَ ماذا بالُ نِسْوَتِكُم | لا يَسْتَفِقنَ إلى الدَيْرَيْنَ تَحْنانا |
[ و ] قال ﴿ الْجَوَارِحِ ﴾ ( ٤ ) وهي الكَواسِبُ كما تقول : " فُلانٌ جارِحَةُ أَهْلِهِ " و " مالَهُمْ جارِحَةٌ " أي : مالَهُم مَمَالِيكُ " ولا حافِرَةْ ".
[ و ] قال ﴿ كُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ ( ٤ ) [ ف ] أدخل ﴿ مِنْ ﴾ كما أدخله في قوله : " كانَ مِنْ حَديث " و " قَدْ كانَ مِنْ مَطَرٍ ". وقوله ﴿ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ و ﴿ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾. وهو فيما فسر " يُنَزِّلُ منَ السَّماءِ جِبالاً فيها بَرَدٌ ". وقال بَعْضُهُم ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾ أي : في السَّماءِ جبالٌ مِنْ بَرَد. أي : يَجْعَلْ الجِبالَ مِنْ بَرَدٍ في السَّماء، ويجعل الإِنزال منها.
وقال ﴿ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ ( ٥ ) ( وَ ) أُحِلَّ ﴿ لَكُمْ المُحْصنات ﴾ من النساء ﴿ مُحْصِنِينَ [ ١٠٢ ب ] غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ أي : أُحِلَّ لَكُمْ في هذِهِ الحالِ.
يا لَيْتَ زَوجَكِ قَدْ غَدا | مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً |
وقال ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ﴾ ( ٦ ) أي : ما يُريدُ اللهُ لِيجْعَلَ عَلَيْكُمْ حَرَجا.
وقال ﴿ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ ﴾ ( ٣٢ ) يقول : " أَوْ بِغَيْرِ فَسادٍ في الأَرْض ".
وقال ﴿ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ ( ٤١ ) أي : " مِنْ هؤُلاءِ ومِنْ هؤلاء " ثم قال مستأنفاً ﴿ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ﴾ ( ٤١ ) أي : هم سماعون. وان شئت جعلته على ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ ﴾ ( ٤١ ) ﴿ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ﴾ ثم تقطعه من الكلام الأول. ثم قال ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ ( ٤١ ) على ذلك الرفع للأول وأما قوله ﴿ لَمْ يَأْتُوكَ ﴾ ( ٤١ ) فها هنا انقطع الكلام والمعنى " وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ يَسْمَعُونَ كَلامَ النَبِيّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [ ١٠٤ ء ] لَيَكْذِبُوا عَلَيْهِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرينَ لَمْ يأتُوكَ بَعْد " يقول : " يَسْمَعُونَ لَهُم فَيُخْبِرونَهُمْ وَهُمْ لَمْ يَأْتُوكَ ".
وقال ﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾ ( ٤٨ ) ف " الشِّرْعَةُ " : الدينِ، من " شَرَعَ " " يَشْرَعُ "، و " المِنْهاجُ " : الطَريقُ من " نَهَجَ " " يَنْهَجُ ".
....................... | مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً |
وقال ﴿ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ﴾ ( ٦٠ ) أي :﴿ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ ﴾ ( ٦٠ ) ﴿ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ﴾.
وتقول : " هذا حَبُّ رُمّانِي " فتضيف " الرُّمَانَ " إلَيكَ وإِنَّما لَكَ " الحَبُّ " وليس لك " الرُّمَانُ ". فقد يجوز أشباه هذا والمعنى على خلافه.
ولكِنْ دِيافِيٌّ أَبُوهُ وأُمُّهُ | بِحَوْراَنَ يَعْصُرْنَ السَّلِيطُ أَقارِبُه |
وَلكِنْ لا أَخُونُ الجارَ حَتّىَ | يُزيلُ اللهُ ثالِثَةَ الأَثافِي |
[ و ] قال ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً ﴾ ( ٩٥ ) انتصب على الحال، ﴿ بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ ( ٩٥ ) من صفته، وليس قولك [ ١٠٦ ء ] ﴿ بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ بمعرفة، لأن فيه معنى التنوين، لأنه إذا قال " هذا ضاربُ زَيْدٍ " في لغة من حذف النون ولم يفعل بعد، فهو نكرة. ومثل ذلك ﴿ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ﴾ ففيه بعض التنوين غير أنه لا يوصل إليه من أجل الاسم المضمر.
ثم قال ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ﴾ ( ٩٥ ) أيْ : أوْ عليه كفارةٌ. رفعٌ منون، ثم فسر فقال " هِيَ طعامُ مساكين " ، وقال بعضهم ﴿ كَفّارَةُ طَعَامِ مَساكِينَ ﴾ بإضافة الكفارة إليه.
[ و ] قال ﴿ أَو عَدْلُ ذلك صِيَاماً ﴾ ( ٩٥ ) يريد : أَوْ عَلَيْهِ مثلُ ذلك َ من الصيام. كما تقول : " عَليْها مثلُها زُبْداً ". وقال بعضهم ﴿ أَوْ عِدلُ ذلك صياما ﴾، فكسر، وهو الوجه، لأن " العِدْلَ " : المِثْل. وأَمَّا " العَدْل " فهو المصدر، تقول : " عَدَلْتُ هذا بهذا عَدْلاً حَسَنا "، و " العَدْل " أَيْضاَ : المِثْلُ. وقال ﴿ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ أي : مِثْلٌ، ففرقوا بين ذا وبين " عدل المتاع " ، كما تقول : " امرأَةٌ رَزانٌ " و " حَجَرٌ رَزِينٌ ".
عَلَيَّ يومَ تَملكُ الأُمُورَا | صَوْمُ شُهورٍ وَجَبَتْ نُذُورا |
وَبَدَناً مُقَلَّداً مَنْحُورا | ........ |
و " المائِدَةُ " الطعام. و " فَعَلْتُ " منها : " مِدْتُ " " أَمِيدُ ". قال الشاعر :[ من الرجز وهو الشاهد الثامن والثمانون بعد المئة ] :
نُهْدِى رُؤوسَ المُجْرِمينَ الأَندادْ | إلى أمِيرِ المؤمِنِينَ المُمْتاد |
[ و ] قال ﴿ وَآيَةً مِّنْكَ ﴾ ( ١١٤ ) عطف على " العيد " ، كأنه قال : " يكونُ عِيداً وآيَةً " وذكر أن قراءة ابن مسعود ﴿ تَكُنْ لَنَا عِيداً ﴾.