ﰡ
قال عطاء مكية، إلا (يا أيها الذين آمنوا.. ) إلى آخر الثلث. وهي ثماني عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ... (١) تقدم الكلام في مثله. (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) قدم الظرفان؛ لتأكيد الاختصاص وإزاحة الشبهة رأساً. فإن قلت: إذا اختصت المحامد به فما معنى قوله - ﷺ - " من لم شكر الناس لم يشكر اللَّه ". قلت: الكلام في حقيقة الحمد، وأما حمد غيره فلجريان نعمة اللَّه على يده، فهو حمد اللَّه حقيقة. (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) كامل القدرة لا يقاومها قدرة، ولا يشاركها في التأثير، دليل على الاختصاصين.(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ... (٢) باختياركم لا جبر. فمن رأي خيراً فليحمد اللَّه، ومن رأي شراً فليستغفر اللَّه. (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) مشاهد، فيجازي عليه.
(يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤) بمضمراتها فضلاً عن السر والعلن، فاستعملوا في عبادتكم ظواهركم، وطهروا سرائركم، وأخلصوا ضمائركم لتحمدوا عواقبكم.
(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ... (٥) قبلكم. أي: كفار مكة. بل قد أتاكم. (فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ) ووخامة كفرهم في الدنيا بالاستئصال، (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.
(ذَلِكَ... (٦) المذكور من عذاب الدارين (بِأَنَّهُ) بأن الشأن (كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا) ينكرون كون البشر رسولاً مثلكم. يطلق على الواحد والجمع. (فَكَفَرُوا) بالرسل (وَتَوَلَّوْا) أعرضوا (وَاسْتَغْنَى اللَّهُ) بليغ الغنى عن كل شيء، فضلاً عن طاعتهم. (وَاللَّهُ غَنِيٌّ) في ذاته، وصفاته، وأفعاله. (حَمِيدٌ) ذاتاً، وصفة، وفعلاً، دلت على ذلك ذرات الكون.
(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ... (٨) إليكم. (وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) القرآن (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) لا يخفى عليه منه شيء.
(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ... (٩) متعلق بـ (خَبِير)، أو بـ (لَتُنَبَّؤُنَّ... وَذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِير) وقوله: (فَآمِنُوا) اعتراض. الأول يؤكد القدرة، والثاني ما سيق له الكلام من الحث على الإيمان به وبالقرآن وبمن جاء به (بِمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ) من تتمة الثاني، أو نصب بـ " اذكر ". (لِيَوْمِ الْجَمْعِ) ليوم خاص بالجمع، يجمعكم فيه والأولين. اللام للتعليل، كقوله: أعددتك لهذا اليوم. (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) هو أن يغبن التاجر شاريه وبالعكس. استعارة لنيل السعداء، وويل الأشقياء. وكأن لا تغابن إلا ذلك؛ فلذلك عرف وأطلق لكونه علماً له. (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). قرأ نافع وابن عامر الفعلين بالنون التفاتاً، وهو أبلغ في الترغيب.
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ... (١١) بتقديره. كقوله (إِلَّا فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا) ويدخل فيها كفر الكافر أَولاً، إذ لا مصيبة أعظم منها. (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) يثبته، إن ابتلاه صبر، وإن أعطاه شكر، وإن ظلمه أحد غفر. أو من كان قابلاً مستعداً للإيمان يوفقه له ويؤيده. (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم من هو أهل للهداية.
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ... (١٢) لأن عصيانهما أعظم المصائب. (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أعرضتم (فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) الواضح، وقد وفى به اللَّه.
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣)؛ لعلمهم أن لا مؤثر في الكون غيره. وفيه حث لرسول اللَّه والمؤمنين على الصبر لما يصيبهم من أذى الكفار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ... (١٤)؛ لأنه يتلهى به عن أمر الدين. كقوله: (لَا تلْهِكمْ أَمْوَالُكمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ) وفي الحديث: " الولد مجبنة مبخلة ". (فَاحْذَرُوهُمْ) خذوا حذركم، ولا تغفلوا عن العدو. عن ابن عباس - رضي الله عنهما -
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ... (١٦) ما بلغه جهدكم، إذ لا تكليف فوق ذلك. فسرت قوله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (وَاسْمَعُوا) لأولي الأمر. (وَأَطِيعُوا) أوامرهم مالم يكن معصية إذ " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ". (وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ) نصب خيراً بـ (يكن) أي: إن تنفقوا يكن خيراً لكم. أو صفة مصدر. أو بفعل مقدر أي: ايتوا، والقرينة كون السوابق كلها من إتيان الخبر. (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون.
(إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا... (١٧) عن طيب نفس خالصاً لوجه اللَّه، والتعبير عن الصدقة بلفظ القرض تلطف في الطلب (يُضَاعِفْهُ لَكُمْ) بالواحد عشرة إلى سبعمائة، إلى
(عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَهَادَةِ... (١٨) على سواء، حث على الإخلاص. (وهو الْعَزِيزُ) الغالب، لا مانع لعطائه. (الْحَكِيمُ) في كل ما دبر.
* * *
تمت، والحمد لمن أعطى وشكر، والصَّلاة على المبعوث من مضر، وآله وصحبه ذوي العليا والخطر.
* * *