تفسير سورة القدر

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة القدر من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة القدر
أهداف سورة القدر
( سورة القدر مكية، وآياتها ٥ آيات، نزلت بعد سورة عبس )
والحديث في هذه السورة عن تلك الليلة الموعودة المشهودة، التي سجلها الوجود كله، في فرح وغبطة وابتهال، ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى، ليلة بدء نزول القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم. ليلة ذلك الحديث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية، جميعا، العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري.
وهي ليلة نزل فيها القرآن ذو قدر، على نبي ذي قدر، لأمة ذات قدر.
هي ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، قال تعالى : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان... ( البقرة : ١٨٥ ).
وقد وردت في تعيين هذه الليلة آثار كثيرة، منها ما ورد في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إني رأيت ليلة القدر ثم نسّيتها و أنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان )i.
ويتوقع طلبها في أوتار الليالي العشر الأواخر، أي : ٢١، ٢٣، ٢٥، ٢٧، ٢٩، وفي كثير من الروايات أنها ليلة ٢٧ من رمضان.
وعظمة هذه الليلة مستمدة من نزول القرآن الكريم فيها، ذلك الكتاب الخالد الذي وصل الأرض بالسماء، وكان هديه رب العباد للعباد، وكان النور والهدى، والسلامة والسلام للخلق أجمعين.
مع آيتا السورة.
١- إنّا أنزلناه في ليلة القدر. نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل منجما على ثلاث وعشرين سنة، وبدأ الإنزال في ليلة مقدرة لها شرفها عند الله، وزادها شرفا بدء نزول القرآن فيها.
٢- وما أدراك ما ليلة القدر. إن شأنها لعظيم عظمة لا تقدر، ففيها فاض النور على الوجود كله، وأسبغ الله فيها السلام والبشرى على البشرية بما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وتصور، وشريعة وآداب، تشيع السلام في الأرض والضمير.
٣- ليلة القدر خير من ألف شهر. أي هي –بما نزل فيها من ذكر وقرآن وهداية- أفضل من ألف شهر من شهور الجاهلية، أو العبادة والعمل الصالح فيها أفضل من العبادة في ألف شهر.
روي عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله عز وجل : إنّا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر.
٤- تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. تنزل الملائكة وجبريل الأمين في هذه الليلة بالسلام والأمان والرحمة لعباد الله، وتنزل بأمر الله وتقديره، من أجل كل أمر قضاه الله لتلك السنة إلى عام قابل.
٥- سلام هي حتى مطلع الفجر. هي سلام وأمان، وثواب موصول، وعبادة مضاعفة الثواب إلى طلوع الفجر.
وفي الصحيحين :( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ).
فهي ليلة التجرد والإخلاص لله، ليلة نزول القرآن، وعبادة الرحمان، ليلة تغمر الملائكة الأرض بالسلام والأمان من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إنّا أنزلناه في ليلة القدر ١ وما أدراك ما ليلة القدر ٢ ليلة القدر خير من ألف شهر ٣ تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ٤ سلام هي حتى مطلع الفجر ٥ ﴾
المفردات :
ليلة القدر : القدر : الشرف والقيمة والمقام.
التفسير :
١- إنّا أنزلناه في ليلة القدر.
أنزل الله تعالى هذا القرآن الكريم من علياء السماء في ليلة مباركة، هي ليلة القدر.
قال تعالى : إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنا منذرين. ( الدخان : ٣ ).
وقد أضاف الحق سبحانه وتعالى إنزال القرآن الكريم إليه سبحانه تشريفا لهذا الكتاب، وتأكيدا لصدق محمد صلى الله عليه وسلم حين يبلّغ عن ربه، وأنه حقا من عند الله.
قال تعالى : وبالحق أنزلناه وبالحق نزل... ( الإسراء : ١٠٥ ).
وسميت بلية القدر لأن القدر يطلق على الشّرف والرفعة، تقول : فلان ذو قدر، أي : ذو منزلة عالية وقدر عظيم، وأيضا لأنه نزل فيها قرآن ذو قدر، على نبيّ قدر، لأمة ذات قدر.
وللقرآن الكريم ثلاثة تنزّلات :
التنزل الأول : من عند الله تعالى إلى اللوح المحفوظ في السماء السابعة.
قال تعالى : بل هو قرآن مجيد* في لوح محفوظ. ( البروج : ٢١، ٢٢ ).
التنزل الثاني : من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، جملة واحدة في ليلة القدر.
قال تعالى : إنّا أنزلناه في ليلة القدر.
التنزل الثالث : من بيت العزة في السماء الدنيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم منجّما حسب الوقائع والحوادث في خلال ثلاثة وعشرين عاما.
قال تعالى : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزّلناه تنزيلا. ( الإسراء : ١٠٦ ).
وقال تعالى : وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبّت به فؤادك ورتّلناه ترتيلا* ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا. ( الفرقان : ٣٢، ٣٣ ).
والسر في تكرار نزول القرآن الكريم هو تكريم هذا الكتاب، باعتباره آخر الكتب السماوية، فنزل من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، جملة واحدة في ليلة القدر، إحدى ليالي شهر رمضان.
ثم نزل منجما أي سورة أو بعض سورة، أو آية أو آيات، حتى كمل نزوله في ثلاثة وعشرين عاما هي مدة رسالته صلى الله عليه وسلم، منها ثلاثة عشر عاما في مكة وعشرة أعوام في المدينة المنورة، ثم لقى صلى الله عليه وسلم ربه في المدينة وعمره ثلاثة وستون عاما.
المفردات :
وما أدراك : المراد بالاستفهام تقرير عظيم شأنها.
التفسير :
٢- وما أدراك ما ليلة القدر.
أي : ما أعلمك ما شأنها ؟ وما قدرها ؟ وما هو الفضل العظيم لهذه الليلة، والثواب الجزيل الذي يوزّعه الله على العاملين والعابدين فيها ؟
المفردات :
خير من ألف شهر : ثواب العبادة فيها خير من ألف شهر، والعدد لا يفيد التحديد وإنما يفيد التكثير فهي خير من آلاف الشهور في حياة البشر.
التفسير :
٣- ليلة القدر خير من ألف شهر.
لقد الله ثواب العبادة والعمل الصالح في هذه الليلة أكثر من ثواب العبادة في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وتلك منن من الله لا بد أن نحرص على اقتناصها.
وفي الحديث الشريف :( في رمضان ليلة خير من ألف شهر، من حرم ثوابها فقد حرم ).
فهي منحة ربانية، وعطاء إلهي للعالمين والراغبين، حيث يعطي العطاء الجزيل على العمل القليل.
وقد ورد في الصحيح أنها في العشر الأواخر من رمضان، روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إني أريت ليلة القدر ثم نسّيتها أو أنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان )ii.
وقد ورد في الأثر أنها في أوتار العشر الأواخر، أي في إحدى ليالي ٢١، ٢٣، ٢٥، ٢٧، ٢٩، والسر في إخفائها أن يجدّ المؤمن ويحتفي بشهر رمضان لاحتمال أن يصادفها، فقد كثرت الآراء في تحديدها حتى قيل : إنها في أول ليلة من ليالي شهر رمضان، وقيل : ليلة ١٧ من رمضان، والأكثرون على أنها ليلة ٢٧ من رمضان.
المفردات :
الروح : جبريل عليه السلام.
التفسير :
٤- تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر.
أي : تنزل الملائكة وجبريل عليه السلام أمين الوحي من السماء، حيث يستأذنون من ربهم في النزول إلى الأرض إكراما للمؤمنين، فيأذن لهم، ومعهم كل قضاء وأمر قضى الله أن يتم ظهوره وتحققه في هذه السنة، من ليلة القدر إلى ليلة القدر القادمة، وهي أمور غيبية نستفيد منها أن الملائكة تنزل من السماء إلى الأرض، وتنتشر في الأرض، وقيل : تنزل الملائكة ومعها أربعة ألوية، فتضع لواء عند الكعبة، ولواء عند بيت المقدس، ولواء عند مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولاء عند طور سيناء، حيث كلّم الله موسى عليه السلام، وتنتشر الملائكة بنوازع الخير والبر، والبركة والرحمة، والهداية والسلام والأمان لكل مؤمن ومؤمنة، فالموفّقون من تطهّروا وقاموا بإحياء الليل، وتلاوة القرآن، وإخراج الصدقة، والجهاد في سبيل الله، والعمل على إعزاز دين الله، وجمع كل كلمة المسلمين.
المفردات :
سلام هي : خير كلها.
حتى مطلع الفجر : لا تزال الملائكة متنزلة بالرحمة والمغفرة حتى مطلع الفجر.
التفسير :
٥- سلام هي حتى مطلع الفجر.
هي سلام وأمان، وبركة وثواب وخير، من أذان المغرب إلى طلوع الفجر.
قال الضحاك في معنى ذلك :
إنه لا يقدّر الله في تلك الليلة إلا السلامة، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة.
وروي عن الشعبي : تستمر فيها السلامة، وتسلّم الملائكة على المؤمنين القائمين فيها إلى غاية هي وقت طلوع الفجر، أي هي ليلة كلها سلام وأمن وخير وبركة، من مبدئها إلى نهايتها، أو أن تنزل الملائكة فوجا بعد فوج متتابعين إلى طلوع الفجر، والله أعلم.
Icon