تفسير سورة الإخلاص

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة الإخلاص
مكية، وقيل : مدنية، وقيل : نزلت مرتين. وهي أربع آيات.
ومناسبتها : أنه تعالى لما ذم أبا لهب وأوعده بالنار على كفره، علمنا التوحيد المنجي من النار ذات لهب، وقد تراعى المناسبة بمجرد الفاصلة، فلما ختم السورة بقوله :﴿ من مسد ﴾ قرنها ب﴿ قل هو الله أحد ﴾ إلى تمامها، مما فيه الفاصلة بالدال، فقال تعالى :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾*﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾*﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾*﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾.

قلت :﴿ هو ﴾ ضمير الشأن مبتدأ، والجملة بعده خبر، ولا تحتاج إلى رابط ؛ لأنها نفس المبتدأ، فإنها عين الشأن الذي عبّر عنه بالضمير، ورفعه من غير عائد يعود عليه ؛ للإيذان بأنه الشُهرة والنباهة بحيث يستحضره كلُّ أحد، وإليه يُشير كل مُشير، وعليه يعود كل ضمير، كما يُنبئ عنه اسم الشأن، الذي هو القصد. والسر في تصدير الجملة به للتنبيه من أول الأمر على فخامة مضمونها، وجلالة حيزها، مع ما فيه من زيادة تحقيقٍ وتقرير، فإنَّ الضمير لا يُفهم منه من أول الأمر إلاّ شأن مبهم، له خطر جليلٍ، فيبقى الذهن مترقباً لِما أمامه مما يفسره ويزيل إبهامه، فيتمكن عند وروده له فضل تمكُّن. وكل جملة بعد خبره مقرِّره لِما قبلها على ما يأتي.
يقول الحق جلّ جلاله مجيباً للمشركين لَمّا قالوا : صِفْ لنا ربك الذي تدعونا إليه، وانسبه ؟ فسكت عنهم صلى الله عليه وسلم فنزلت١، أو اليهود، لَمّا قالوا : صِفْ لنا ربك وانسبه، فإنه وَصَفَ نفسه في التوراة ونَسَبَها، فارتعد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى خَرّ مغشيًّا عليه، فنزل جبريلُ عليه السلام بالسورة٢. ويمكن أن تنزل مرتين كما تقدّم.
فقال جلّ جلاله :﴿ قل هو اللهُ ﴾ المعبود بالحق، الواجب الوجود، المستحق للكمالات، ﴿ أحَدٌ ﴾ لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لا يتبعّض ولا يتجزّأ، ولا يُحد، ولا يُحصَى، أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية، ظاهر بالتعريف لكل أحد، باطن في ظهوره عن كل أحد.
وأصل ﴿ أحد ﴾ هنا " وَحَد "، فأبدلت الواو همزة، وليست كأحد، الملازم للنفي، فإنَّ همزة أصلية. ووصفه تعالى بالوحدانية له ثلاث معان، الأول : أنه لا ثاني له، فهو نفي للعدد، والآخر : أنه واحد لا نظير له ولا شريك له، كما تقول : فلان واحد عصره، أي : لا نظير له، الثالث : أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعّض. والأظهر أن المراد هنا : نفي الشريك، لقصد الرد على المشركين. انظر ابن جزي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد اشتملت السورةُ على التوحيد الخاص، أعني : توحيد أهل العيان، وعلى التوحيد العام، أعني : توحيد أهل البرهان، فالتوحيد الخاص له مقامان : مقام الأسرار الجبروتية، ومقام الأنوار الملكوتية، فكلمة ( هو ) تُشير إلى مقام الأسرار اللطيفة الأصلية الجبروتية.
و( الله ) يشير إلى مقام الأنوار الكثيفة المتدفقة من بحر الجبروت ؛ لأنّ حقيقة المشاهدة : تكثيف اللطيف، وحقيقة المعاينة : تلطيف الكثيف، فالمعاينة أرقّ، فشهود الكون أنواراً كثيفة فاضت من بحر الجبروت مشاهدة، فإذا لَطَّفها حتى اتصلت بالبحر اللطيف المحيط، وانطبق بحر الأحدية على الكل سُميت معاينةً، ووصفه تعالى بالأحدية والصمدية والتنزيه عن الولد والوالد يحتاج إلى استدلال وبرهان، وهو مقام الإيمان، والأول مقام الإحسان، فالآية من باب التدلي.
قال القشيري : يقال : كاشَفَ تعالى الأسرارَ بقوله ( هو )، والأرواحَ بقوله :( الله )، وكاشف القلوبَ بقوله :( أحد )، وكاشف نفوسَ المؤمنين بباقي السورة. ويُقال : كاشف الوالهين بقوله :( هو )، والموحِّدين بقوله :( الله )، والعارفين بقوله :( أحد )، والعلماء بالباقي، ثم قال : ويُقال : خاطب خاصة الخاص بقوله :( هو ) فاستقلوا، ثم خاطب الخواص بقوله ( الله ) فاشتغلوا، ثم زاد في البيان لمَن نزل عنهم، فقال :( أحد )، ثم نزل عنهم بالصمد، وكذلك لمَن دونهم. هـ. وقال في نوادر الأصول : هو اسم لا ضمير، من الهوية، أي : الحقيقة. انظر بقية كلامه.
قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمان العارف : والحاصل : أنَّ الإشارة بـ " هو " مختصة بأهل الاستغراق والتحقُّق في الهوية الحقيقة، فلانطباق بحر الأحدية عليهم، وانكشاف الوجود الحقيقي لديهم، فقدوا مَن يشار إليه إلاّ هو ؛ لأنّ المُشار إليه لمّا كان واحداً كانت الإشارة مطلقة لا تكون إلاّ إليه، لفقد ما سواه في شعورهم، لفنائهم عن الرسوم البشرية بالكلية، وغيبتهم عن وجودهم، وعن إحساسهم وأوصافهم الكونية، وذلك غاية في التوحيد والإعظام. منحنا اللهُ ذلك على الدوام، وجعلنا من أهله، ببركة نبيه عليه الصلاة والسلام. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.


١ أخرجه الترمذي في تفسير سورة ١١٢، حديث ٣٣٦٤، وأحمد في المسند ٥/١٣٤..
٢ أخرجه الطبري في تفسيره ٣٠/٣٤٣، والسيوطي في الدر المنثور ٦/٧٠٤-٧٠٥..
﴿ اللهُ الصمدُ ﴾ وهو فَعَلٌ بمعنى مفعول، من : صمد إليه : إذا قصده، أي : هو السيّد المصمود إليه في الحوائج، المستغني بذاته عن كل ما سواه، المفتقِر إليه كلُّ ما عداه، افتقاراً ضرورياً في كل لحظة ؛ إذ لا قيام للأشياء إلاّ به. أو الصمد : الدائم الباقي الذي لم يزل، ولا يزال، أو : الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، والذي يُطْعِم ولا يُطْعَم، ولا يأكل ولا يشرب، أو : الذي لا جوف له، وتعريفه لعلمهم بصمديته، بخلاف أحديته.
وتكرير الاسم الجليل، للإشعار بأنَّ مَن لم يتصف بذلك فهو بمعزلٍ عن استحقاق الألوهية، والتلذُّذ بذكره. وتعرية الجملة عن العاطف ؛ لأنها كالنتيجة عن الأولى، بيَّن أولاً ألوهيته عزّ وجل، المستوجبة لجميع نعوت الكمال، ثم أحديته الموجبة لتنزّهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجهٍ من الوجوه، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها، ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتي عما سواه، وافتقار المخلوقات إليه في وجودها وبقائها وسائر أحوالها، تحقيقاً للحق، وإرشاداً إلى التعلُّق بصمديته تعالى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد اشتملت السورةُ على التوحيد الخاص، أعني : توحيد أهل العيان، وعلى التوحيد العام، أعني : توحيد أهل البرهان، فالتوحيد الخاص له مقامان : مقام الأسرار الجبروتية، ومقام الأنوار الملكوتية، فكلمة ( هو ) تُشير إلى مقام الأسرار اللطيفة الأصلية الجبروتية.
و( الله ) يشير إلى مقام الأنوار الكثيفة المتدفقة من بحر الجبروت ؛ لأنّ حقيقة المشاهدة : تكثيف اللطيف، وحقيقة المعاينة : تلطيف الكثيف، فالمعاينة أرقّ، فشهود الكون أنواراً كثيفة فاضت من بحر الجبروت مشاهدة، فإذا لَطَّفها حتى اتصلت بالبحر اللطيف المحيط، وانطبق بحر الأحدية على الكل سُميت معاينةً، ووصفه تعالى بالأحدية والصمدية والتنزيه عن الولد والوالد يحتاج إلى استدلال وبرهان، وهو مقام الإيمان، والأول مقام الإحسان، فالآية من باب التدلي.
قال القشيري : يقال : كاشَفَ تعالى الأسرارَ بقوله ( هو )، والأرواحَ بقوله :( الله )، وكاشف القلوبَ بقوله :( أحد )، وكاشف نفوسَ المؤمنين بباقي السورة. ويُقال : كاشف الوالهين بقوله :( هو )، والموحِّدين بقوله :( الله )، والعارفين بقوله :( أحد )، والعلماء بالباقي، ثم قال : ويُقال : خاطب خاصة الخاص بقوله :( هو ) فاستقلوا، ثم خاطب الخواص بقوله ( الله ) فاشتغلوا، ثم زاد في البيان لمَن نزل عنهم، فقال :( أحد )، ثم نزل عنهم بالصمد، وكذلك لمَن دونهم. هـ. وقال في نوادر الأصول : هو اسم لا ضمير، من الهوية، أي : الحقيقة. انظر بقية كلامه.
قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمان العارف : والحاصل : أنَّ الإشارة بـ " هو " مختصة بأهل الاستغراق والتحقُّق في الهوية الحقيقة، فلانطباق بحر الأحدية عليهم، وانكشاف الوجود الحقيقي لديهم، فقدوا مَن يشار إليه إلاّ هو ؛ لأنّ المُشار إليه لمّا كان واحداً كانت الإشارة مطلقة لا تكون إلاّ إليه، لفقد ما سواه في شعورهم، لفنائهم عن الرسوم البشرية بالكلية، وغيبتهم عن وجودهم، وعن إحساسهم وأوصافهم الكونية، وذلك غاية في التوحيد والإعظام. منحنا اللهُ ذلك على الدوام، وجعلنا من أهله، ببركة نبيه عليه الصلاة والسلام. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.

ثم صرّح ببعض أحكام مندرجة تحت الأحكام السابقة، فقال :﴿ لم يلدْ ﴾ أي : لم يتولد عن شيء، ردًّا على المشركين، وإبطالاً لاعتقادهم في الملائكة والمسيح، ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي، أي : لم يصدر عنه ولد ؛ لأنه لا يُجانسه شيء يمكن أن يكون له من جنسه صاحبة ليتوالدا، كما ينطق به قوله تعالى :﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [ الأنعام : ١٠١ ]، ولا يفتقر إلى ما يُعينه أو يخلفه ؛ لاستحالة الحاجة عليه، لصمدانيته وغناه المطلق.
﴿ ولم يُولدْ ﴾ أي : لم يتولد عن شيءٍ، لاستحالة نسبة العدم إليه سابقاً ولاحقاً. والتصريح به مع كونهم معترفين بمضمونه لتقرير ما قبله وتحقيقه، وللإشارة إلى أنهما متلازمان ؛ إذ المعهود أنَّ ما يلد يولد، وما لا فلا، ومِن قضية الاعتراف بأنه لم يلد : الاعتراف بأنه لم يُولد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد اشتملت السورةُ على التوحيد الخاص، أعني : توحيد أهل العيان، وعلى التوحيد العام، أعني : توحيد أهل البرهان، فالتوحيد الخاص له مقامان : مقام الأسرار الجبروتية، ومقام الأنوار الملكوتية، فكلمة ( هو ) تُشير إلى مقام الأسرار اللطيفة الأصلية الجبروتية.
و( الله ) يشير إلى مقام الأنوار الكثيفة المتدفقة من بحر الجبروت ؛ لأنّ حقيقة المشاهدة : تكثيف اللطيف، وحقيقة المعاينة : تلطيف الكثيف، فالمعاينة أرقّ، فشهود الكون أنواراً كثيفة فاضت من بحر الجبروت مشاهدة، فإذا لَطَّفها حتى اتصلت بالبحر اللطيف المحيط، وانطبق بحر الأحدية على الكل سُميت معاينةً، ووصفه تعالى بالأحدية والصمدية والتنزيه عن الولد والوالد يحتاج إلى استدلال وبرهان، وهو مقام الإيمان، والأول مقام الإحسان، فالآية من باب التدلي.
قال القشيري : يقال : كاشَفَ تعالى الأسرارَ بقوله ( هو )، والأرواحَ بقوله :( الله )، وكاشف القلوبَ بقوله :( أحد )، وكاشف نفوسَ المؤمنين بباقي السورة. ويُقال : كاشف الوالهين بقوله :( هو )، والموحِّدين بقوله :( الله )، والعارفين بقوله :( أحد )، والعلماء بالباقي، ثم قال : ويُقال : خاطب خاصة الخاص بقوله :( هو ) فاستقلوا، ثم خاطب الخواص بقوله ( الله ) فاشتغلوا، ثم زاد في البيان لمَن نزل عنهم، فقال :( أحد )، ثم نزل عنهم بالصمد، وكذلك لمَن دونهم. هـ. وقال في نوادر الأصول : هو اسم لا ضمير، من الهوية، أي : الحقيقة. انظر بقية كلامه.
قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمان العارف : والحاصل : أنَّ الإشارة بـ " هو " مختصة بأهل الاستغراق والتحقُّق في الهوية الحقيقة، فلانطباق بحر الأحدية عليهم، وانكشاف الوجود الحقيقي لديهم، فقدوا مَن يشار إليه إلاّ هو ؛ لأنّ المُشار إليه لمّا كان واحداً كانت الإشارة مطلقة لا تكون إلاّ إليه، لفقد ما سواه في شعورهم، لفنائهم عن الرسوم البشرية بالكلية، وغيبتهم عن وجودهم، وعن إحساسهم وأوصافهم الكونية، وذلك غاية في التوحيد والإعظام. منحنا اللهُ ذلك على الدوام، وجعلنا من أهله، ببركة نبيه عليه الصلاة والسلام. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.

﴿ ولم يكن له كُفُواً أحَدٌ ﴾ أي : ولم يكن أحد مماثلاً له ولا مشاكلاً، مِن صاحبة أو غيرها. و( له ) : متعلق ب " كُفُواً "، قدمت عليه للاهتمام بها ؛ لأنَّ المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى، وأمّا تأخير اسم كان فلمراعاة الفواصل. ووجه الوصل في هذه الجُمل غَنِي عن البيان.
هذا ولانطواء السورة الكريمة، مع تقارب قطريها، على أنواع المعارف الإلهية والأوصاف القدسية، والرد على مَن ألحد فيها، ورد في الحديث النبوي : أنها تعدل ثلث القرآن١، فإنّ مقاصده منحصرة في بيان العقائد والأحكام والقصص، وقد استوفت العقائد لمَن أمعن النظر فيها. عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أُسست السماوات السبع والأرضون السبع على ﴿ قل هو الله أحد ﴾ " ٢ أي : ما خلقت إلاَّ لتكون دلائل توحيده، ومعرفة ذاته، التي نطقت بها هذه السورة الكريمة.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلاً يقرؤها، فقال :" وجبت "، فقيل : وما وجبت ؟ فقال :" الجنة " ٣، وشكى إليه رَجُلٌ الفقرَ وضيق المعاش، فقال له صلى الله عليه وسلم :" إذا دخلت بيتك فسَلِّم، إن كان فيه أحد، وإلا فسَلِّم عليّ، واقرأ :﴿ قل هو الله أحد ﴾ "، ففعل الرجل، فأدرّ اللهُ عليه الرزق، حتى أفاض على جيرانه٤.
وخرّج الترمذي أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :" من قرأ ﴿ قل هو الله أحد ﴾ مائتي مرة في يوم غُفرت له ذنوب خمسين سنة، إلاّ أن يكون عليه دَيْن " ٥.
وفي الجامع الصغير أحاديث في فضل السورة تركناه خوف الإطناب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد اشتملت السورةُ على التوحيد الخاص، أعني : توحيد أهل العيان، وعلى التوحيد العام، أعني : توحيد أهل البرهان، فالتوحيد الخاص له مقامان : مقام الأسرار الجبروتية، ومقام الأنوار الملكوتية، فكلمة ( هو ) تُشير إلى مقام الأسرار اللطيفة الأصلية الجبروتية.
و( الله ) يشير إلى مقام الأنوار الكثيفة المتدفقة من بحر الجبروت ؛ لأنّ حقيقة المشاهدة : تكثيف اللطيف، وحقيقة المعاينة : تلطيف الكثيف، فالمعاينة أرقّ، فشهود الكون أنواراً كثيفة فاضت من بحر الجبروت مشاهدة، فإذا لَطَّفها حتى اتصلت بالبحر اللطيف المحيط، وانطبق بحر الأحدية على الكل سُميت معاينةً، ووصفه تعالى بالأحدية والصمدية والتنزيه عن الولد والوالد يحتاج إلى استدلال وبرهان، وهو مقام الإيمان، والأول مقام الإحسان، فالآية من باب التدلي.
قال القشيري : يقال : كاشَفَ تعالى الأسرارَ بقوله ( هو )، والأرواحَ بقوله :( الله )، وكاشف القلوبَ بقوله :( أحد )، وكاشف نفوسَ المؤمنين بباقي السورة. ويُقال : كاشف الوالهين بقوله :( هو )، والموحِّدين بقوله :( الله )، والعارفين بقوله :( أحد )، والعلماء بالباقي، ثم قال : ويُقال : خاطب خاصة الخاص بقوله :( هو ) فاستقلوا، ثم خاطب الخواص بقوله ( الله ) فاشتغلوا، ثم زاد في البيان لمَن نزل عنهم، فقال :( أحد )، ثم نزل عنهم بالصمد، وكذلك لمَن دونهم. هـ. وقال في نوادر الأصول : هو اسم لا ضمير، من الهوية، أي : الحقيقة. انظر بقية كلامه.
قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمان العارف : والحاصل : أنَّ الإشارة بـ " هو " مختصة بأهل الاستغراق والتحقُّق في الهوية الحقيقة، فلانطباق بحر الأحدية عليهم، وانكشاف الوجود الحقيقي لديهم، فقدوا مَن يشار إليه إلاّ هو ؛ لأنّ المُشار إليه لمّا كان واحداً كانت الإشارة مطلقة لا تكون إلاّ إليه، لفقد ما سواه في شعورهم، لفنائهم عن الرسوم البشرية بالكلية، وغيبتهم عن وجودهم، وعن إحساسهم وأوصافهم الكونية، وذلك غاية في التوحيد والإعظام. منحنا اللهُ ذلك على الدوام، وجعلنا من أهله، ببركة نبيه عليه الصلاة والسلام. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.


١ أخرجه البخاري في فضائل القرآن حديث ٥٠١٣، والأيمان حديث ٦٦٤٣، ومسلم في المسافرين حديث ٢٥٩..
٢ أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ص١٩٠، والمتقي الهندي في كنز العمال ٢٦٦٥..
٣ أخرجه الترمذي في فضائل القرآن حديث ٢٨٩٧..
٤ أخرجه القرطبي في تفسيره ٨/٧٥٣٦..
٥ أخرجه الترمذي في فضائل القرآن حديث ٢٨٩٨..
Icon