هي مكية، نزلت بعد سورة الناس.
أسباب نزولها :
روى الضحاك أن المشركين أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر بن الطفيل فقال له عنهم : شققت عصانا ( فرقت كلمتنا )، وسببت آلهتنا، وخالفت دين آبائك، فإن كنت فقيرا أغنيناك، وإن كنت مجنونا داويناك، وإن كنت قد هويت امرأة زوجناكها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لست بفقير، ولا مجنون، ولا هويت امرأة، أنا رسول الله، أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته ". فأرسلوه ثانية، وقالوا : قل له : بين لنا جنس معبودك، أم من ذهب أم من فضة ؟ فأنزل الله هذه السورة.
بسم الله الرحمن الرحيم
ﰡ
المعنى الجملي : هذه السورة تضمنت أهم الأركان التي قامت عليها رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي توحيد الله وتنزيهه، وتقرير الحدود العامة للأعمال، ببيان الصالحات وما يقابلها، وأحوال النفس بعد الموت من البعث وملاقاة الجزاء من ثواب وعقاب، وقد ورد في الخبر :" إنها تعدل ثلث القرآن " ؛ لأن من عرف معناها، وتدبر ما جاء فيها حق التدبر، علم أن ما جاء في الدين من التوحيد والتنزيه تفصيل لما أجمل فيها.
الإيضاح :﴿ قل هو الله أحد ﴾ أي قل لمن سألك عن صفة ربك : الله هو الواحد المنزه عن التركيب والتعدد ؛ لأن التعدد في الذات مستلزم لافتقار المجموع إلى تلك الأجزاء، والله لا يفتقر إلى شيء.
شرح المفردات : الصمد : الذي يقصد في الحاجات كما قال :
لقد بكر الناعي بخير بني أسد | بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد |
﴿ لم يلد ﴾ أي تنزه ربنا عن أن يكون له ولد، وفي هذا رد لمزاعم مشركي العرب الذين زعموا أن الملائكة بنات الله، ولمزاعم النصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله، اقرأ إن شئت قوله تعالى :﴿ فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ( ١٤٩ ) أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ( ١٥٠ ) ألا إنهم من إفكهم ليقولون ( ١٥١ ) ولد الله وإنهم لكاذبون ﴾[ الصافات : ١٤٩-١٥٢ ].
﴿ ولم يولد ﴾ لأن ذلك يقتضي مجانسته لسواه، وسبق العدم قبل الوجود تنزه ربنا عن ذلك.
وأثر عن ابن عباس أنه قال : لم يلد كما ولدت مريم، ولم يولد كما ولد عيسى وعزير، وهو رد على النصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله، وعلى اليهود الذين قالوا : عزير ابن الله.
شرح المفردات : الكفء والمكافئ : النظير في العمل والقدرة.
﴿ ولم يكن له كفؤا أحد ﴾ أي ليس له ندّ ولا مماثل، وفي هذا نفي لما يعتقده بعض المبطلين من أن لله ندا في أفعاله كما ذهب إلى ذلك مشركو العرب حيث جعلوا الملائكة شركاء لله.