سورة الفلق
عن عقبة بن عامر قال: بينما أنا أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين الجحفة والأبواء، إذ غشيتنا ريح شديدة مظلمة فجعل رسول الله يتعوذ بأعوذ برب الفلق، وأعوذ برب الناس ويقول: «يا عقبة، تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما»«١».
و (النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ)، الآية/ ٤: السواحر ينفثن على العليل، ويرقونه بكلام هو كفر وتعظيم للكوكب، ويطعمن العليل الأدوية الحارة الضارة والسموم القاتلة، ويحتلن في التوصل إلى ذلك، ويزعمن أن ذلك من رقاهن، ومن أردن نفعه نفثن عليه، وأوهمن أنهن نفعنه بذلك، وربما أضفن إلى ذلك بعض الأدوية النافعة.
وروت عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين، فإذا استعنتم فاغتسلوا»«٢».
(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور، وأبن كثير في تفسيره.
(٢) أخرجه أبن حميد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير والامام أحمد في مسنده
433
وقال قوم من الفلاسفة: إن ضرر العين، إنما هو من جهة شيء ينفصل من العين ويتصل بالمعاين.
والحق في ذلك إذا اتفق ضرر فهو من فعل الله تعالى، وإنما يفعل ذلك عند إعجاب الإنسان بما يراه، تذكيرا له لأن لا يركن إلى الدنيا ولا يعجب بشيء منها.
وعن أنس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «من رأى شيئا يعجبه فقال: بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره شيء»«١».
تم الكتاب بحمد الله ومنه، وقد أتينا على جمل ما يحتاج إليه من أحكام الفقه اشتمل القرآن عليها، وأوضحنا قدر مقصودنا من اختلاف العلماء، وبيان أقرب الأقوال إلى معاني القرآن، ولم نغادر جهدا في تلخيص ما أردناه وحذف الحشو المستغنى عنه.
ونسأل الله تعالى أن يجعل سعينا مصروفا إلى ابتغاء مرضاته، وابتغاء الزلفى لديه، فإنه رؤوف رحيم بعباده، وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وسلّم تسليما «٢».
(١) أخرجه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب، والدر المنثور للسيوطي والبيهقي في الشعب.
(٢) تمت النسخة وبها تم كتاب أحكام القرآن ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملنا فيه خالصا لوجهه وأن يجزي مؤلفه عنا وعن المسلمين والفقهاء خير الجزاء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التفسير الفقهي
في القرآن الكريم آيات تتضمن الأحكام الفقهية ميزها الفقهاء وفسروها في مصنفات خاصة تعرف ب (أحكام القرآن) وهذه المصنفات متأخرة بالنسبة لتدوين المذاهب الفقهية المتّبعة. وأول كتاب عرف في هذا الشأن هو (أحكام القرآن) للشيخ أبي الحسين علي بن حجر السعدي المتوفى سنة ٢٤٤ هـ. ثم توالت التآليف يعرض من خلالها رأي المذهب في استنباط الأحكام من تلك الآيات، بل ونهج هؤلاء المفسرون وهم من فقهاء المذاهب.. منهج الفقهاء في كتبهم من التعصب المذهبي الذي يلوح من خلال التفسير.. ومن يطالع كتاب (أحكام القرآن) للجصاص...
يقف على اختيار الأحناف من آراء السلف.. وكذلك من يطالع (أحكام القرآن) لابن العربي يتعرف على مذهب الامام مالك
ومثله هذا الكتاب للهراسي حيث قدم ما اختاره فقهاء الشافعية من آراء فقهية مستنبطة من كتاب الله تعالى.
1
ويعتبر هذا النموذج من كتب التفسير الموضوعي للقرآن الكريم عدّة الباحثين والفقهاء حيث يسهل مهمة الوقوف على الأحكام الشرعية وهو ما يعرف بفقه الكتاب.
وقد مهّد السلف لهذا المنهج حيث تركوا بين أيدي الخلف وفرة وافرة من حصيلة جهدهم في التفكير وما تفهموه عن رسول الله ﷺ ويعتبر هذا محورا يرتكز عليه البحث وينطلق منه ولا يمكن إغفاله البتة أو تجاوزه كليا.
المصنفات في هذا العلم:
أشهر المصنفات في هذا الفن يمكن سردها على الوجه التالي:
١- (أحكام القرآن) للإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي المتوفى بمصر سنة ٢٠٤ هـ. وهو أول من صنف فيه. جمعه من كلامه البيهقي صاحب السنن، وهو مطبوع.
٢- (أحكام القرآن) للشيخ أبي الحسن علي بن حجر السعدي المتوفى سنة ٢٤٤ هـ.
٣- (أحكام القرآن) للقاضي الامام أبي اسحق إسماعيل بن اسحق الأزدي البصري المتوفى سنة ٢٨٢ هـ. أظنه غير موجود.
٤- (أحكام القرآن) للشيخ أبي الحسن علي بن موسى بن يزداد القمي الحنفي المتوفى سنة ٣٠٥ هـ، وهو على مذهب أهل العراق.
٥- (أحكام القرآن) للشيخ الامام أبي جعفر أحمد بن علي المعروف بالجصاص الرازي الحنفي المتوفى سنة ٣٧٠ هـ، وهو مطبوع ومتداول.
2
٦- (أحكام القرآن) للشيخ الامام أبي الحسن علي بن محمد المعروف ب (الكيا الهراسي) الشافعي البغدادي المتوفى سنة ٥٠٤ هـ. وهو الذي نقدم له.
٧- (أحكام القرآن) للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله المعروف: بابن العربي الحافظ المالكي المتوفى سنة ٥٤٣ هـ. مطبوع ومتداول «١».
(١) كشف الظنون ج ١/ ٢٢٠.
3
المؤلف الكيا الهراسي ٤٥٠- ٥٠٤ هـ
مؤلف هذا التفسير هو: عماد الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بالكيا الهراسي «١» شيخ الشافعية في بغداد، ولد في ذي القعدة سنة ٤٥٠.
- أصله من خراسان، فيها ولد ونشأ وتلقى علومه الأولى.
شيوخه: تفقه على امام الحرمين الجويني مدّة حتى برع وهو أجل تلاميذه بعد الغزالي.
كما حدث عن أبي علي الحسن بن محمد الصفّار وغيرهم.
تلاميذه: تفقه عليه السلفي، وسعد الخير بن محمد الأنصاري وآخرون رحلاته: قدم نيسابور ودرس بها مدّة، ثم خرج منها إلى بيهق ودرّس بها أيضا، وبعد ذلك قصد العراق حيث تولى التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد إلى أن توفي سنة ٥٠٤ هـ.
(١) الكيا، بكسر الكاف وفتح الياء المخففة معناه في لغة العجم: الكبير القدر بين لناس، ١ هـ. وفيات الأعيان (١/ ٥٩٠).
5
رتبته العلمية: كان من رؤوس معيدي إمام الحرمين في الدرس ووصف بأنه ثاني الغزالي بل أملح وأطيب في النظر والصوت، وأبين في العبارة والتقرير منه، وإن كان الغزالي أحد وأصوب خاطرا وأسرع بيانا وعبارة منه. وقد اتصل بخدمة محمد الملك بركياروق بن ملكشاه السلجوقي وحظي عنده بالمال والجاه، وارتفع شأنه، وتولى القضاء بتلك الدولة، وكان محدثا يستعمل الأحاديث في مناظراته ومجالسته.
تعصّبه: ان تفقه الهراسي على امام الحرمين قد أثر ذلك في فكره وظهر ذلك جليا من خلال أسلوبهما المشترك. فامام الحرمين عرف بتعصبه للشافعية وحمله على مذهب الامام أبي حنيفة وكذلك فعل الهراسي.. وهذا ما يبدو واضحا من مقدمة تفسيره هذا حيث يقول:
(ان مذهب الشافعي رضي الله عنه أسدّ المذاهب وأقومها. وأرشدها وأحكمها، وان نظر الشافعي في أكثر آرائه ومعظم أبحاثه، يترقى عن حدّ الظن والتخمين إلى درجة الحق واليقين. والسبب في ذلك أنه- يعني الشافعي- بنى مذهبه على كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأنه أتيح له درك غوامض معانيه، والغوص على تيار بحره لاستخراج ما فيه، وأن الله تعالى فتح له من أبوابه، ويسّر عليه من أسبابه، ورفع له من حجابه ما لم يسهل لمن سواه... ) «١».
وانطلاقا من هذا المبدأ كان نهجه في تفسيره حيث التزم الدفاع عن مذهب الامام الشافعي أصولا وفروعا وتخريجا.. وربما أداه ذلك إلى التعسف في التأويل شأن المتعصبين أنى توجهوا.
وان التعصب المذهبي سلاح ذو حدين.. فقد حمل هؤلاء على خدمة
(١) انظر ج ١/ ٢.
6
المذهب وفي نفس الوقت خدمة الفقه الاسلامي.. ولكن في بعض الوجوه نرى محاولة ليّ النص وقسره في حمله على معنى معين تأييدا لتصور ذهني مسبق. وعلى أي حال فالرابح من كل هذا هو الفقه الإسلامي.
وفاته: توفي رحمه الله يوم الخميس وقت العصر مستهل المحرّم سنة ٥٠٤ هـ ببغداد، ودفن بتربة الشيخ أبي اسحق الشيرازي وحضر دفنه الشريف أبو طالب الزيني، وقاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني وكانا مقدمي الطائفة الحنفية، وكان بينه وبينهما في حال الحياة منافسة «١».
(١) الشذرات ٤/ ٨ و ٩.
7
الكتاب أحكام القرآن
التعريف بالكتاب وطريقة المؤلف:
يعتبر هذا الكتاب من أهم المؤلفات في التفسير الفقهي عند الشافعية، وأول ما وصل إلينا مطبوعا في مذهبهم. مع العلم بأن كتاب (أحكام القرآن) المنسوب للشافعي إنما هو من جمع البيهقي ولا يستوعب آيات الأحكام بكاملها، بينما هذا الكتاب أحاط بها جميعا، وفق أسلوب الباحثين في هذا الفن.
والمؤلف يعرف بمنهجه قائلا: ولما رأيت الأمر كذلك. يريد رجحان مذهب الشافعي على غيره- أردت أن أصنف كتابا في (أحكام القرآن) أشرح ما ابتدعه الشافعي رضي الله عنه. من أخذ الدلائل في غوامض المسائل، وضممت إليه ما نسجته على منواله، واحتذيت فيه على مثاله، على قدر طاقتي وجهدي ومبلغ وسعي وجدي.
من يعرف قدر هذا الكتاب؟
يقول المؤلف: ولا يعرف قدر هذا الكتاب، وما فيه من العجب العجاب، ولب الألباب، إلا من وفر حظه من علوم المعقول والمنقول،
9
وتبحر في الفروع، ثم انكب على مطالعة هذه الفصول، بمسكة صحيحة، وقريحة همة غير قريحة «١».
هذا وقد عمدت (دار الكتب العلمية) في بيروت لإعادة طباعة هذا الكتاب بأسلوب متميز عن الطبعة الأولى.. حيث عهدت إلى لجنة علمية متخصصة.. فأمعنت النظر في التعليقات الواردة.. فأبقت على ما يخدم النص.. وحذفت ما لا نفع فيه.. خاصة وان مراجع الكتاب مطبوعة ومتداولة.. فلا داعي لنقل الفصول بطولها وهي متيسرة بين أيدي الباحثين.
راجين المولى سبحانه أن يحسن إلى كل من سعى في خدمة هذا الكتاب والذي يعتبر خدمة مباشرة (للقرآن الكريم) كتاب الله تعالى المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
نفع الله به آمين.
الناشر
(١) انظر ج ١/.
10
الجزء الأول
مقدمة المؤلف
(بسم الله الرّحمن الرّحيم) استعنت بالله قال الشيخ الإمام الأجلّ السيد علم الهدى، شمس الإسلام، عماد الدين، إمام الأئمة، نور الشريعة، قدوة الفريقين: «١» أبو الحسن علي ابن محمد الطبري، رحمه الله ورضي عنه:
الحمد لله الذي أكرمنا بتنزيله، وشرفنا بمعرفة تأويله، وشفى صدورنا بواضح بيانه، وهدانا من ظلم الضلالة، وعماية الجهالة به، وجعله ميزان قسط لا يحيف عن الحق غرب لسانه، وضوء هدى لا يجتنى من الشهاب نور برهانه، وعلم نجاة لا يضل من أم قصد سنته، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته..
نحمده على فنون بلائه، وضروب آلائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من يعتصم بحبله، ويأوي في الشبهات إلى حرز عدله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه ونبيه، أرسله ببيان أوضحه، ولسان أفصحه، وشرع شرحه، ودين فسحه، فلم يدع صلوات الله عليه فسادا إلا أصلحه، ولا عنادا إلا زحزحه، صلوات الله عليه ما هلل ملك وسبحه، وعلى من نصره وصحبه.. وبعد:
(١) يقصد اهل الظاهر واهل الباطل.
1
فإني لما تأملت مذاهب القدماء المعتبرين، والعلماء المتقدمين والمتأخرين واختبرت مذاهبهم وآراءهم، ولحظت مطالبهم وأبحاثهم، رأيت مذهب الشافعي رضي الله عنه وأرضاه أسدها وأقومها، وأرشدها وأحكمها، حتى كان نظره في كبر آرائه، ومعظم أبحاثه، يترقى عن حد الظن والتخمين، إلى درجة الحق واليقين.
ولم أجد لذلك سببا أقوى، وأوضح وأوفى، من تطبيقه مذهبه على كتاب الله تعالى، الذي:
(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) «١»..
وأنه أتيح له درك غوامض معانيه، والغوص على تيار بحره لاستخراج ما فيه، وأن الله فتح عليه من أبوابه، ويسر عليه من أسبابه، ورفع له من حجابه، ما لم يسهل لمن سواه، ولم يتأت لمن عداه، فكان على ما أخبر الله تعالى عن ذي القرنين في قوله:
(وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً، فَأَتْبَعَ سَبَباً) «٢».
ولما رأيت الأمر كذلك، أردت أن أصنف في أحكام القرآن كتابا أشرح فيه ما انتزعه الشافعي رضي الله عنه، من أخذ الدلائل في غوامض المسائل، وضممت إليه ما نسجته على منواله، واحتذيت فيه على مثاله، على قدر طاقتي وجهدي، ومبلغ وسعي وجدي، ورأيت بعض من عجز عن إدراك مستلكاته «٣» فهمه، ولم يصل إلى أغراض معانيه سهمه، جعل عجزه عن فهم معانيه، سببا للقدح في معاليه. ولم يعلم أن الدر
(١) سورة فصلت آية ٤٢.
(٢) سورة الكهف آية ٨٤- ٨٥.
(٣) طريق الاستدلال ووسائل الاستنباط التي يسلكها.
2
در برغم من جهله، وأن آفته من قصور فهمه، وقلة علمه، وما يضر الشمس قصور الأعمى عن إدراكها، والحقائق عجز البليد عن لحاقها..
ولن يعرف قدر هذا الكتاب، وما فيه من العجب العجاب، إلا من وفر حظه من علوم المعقول والمنقول، وتبحر في الفروع والأصول، ثم أكب على مطالعة هذه الفصول بمسكة صحيحة، وقريحة نقية غير قريحة.
وأعوذ بالله من الإعجاب بالإبداع، والميل بالهوى إلى بعض الآراء في مظان النزاع، وأسأله أن يجعل مجامع مساعينا، وجل متاعبنا في طلب مرضاته، إنه ولي قدير، وبالإجابة جدير، فأقول:
لما رأيت أقاويل المفسرين في أحكام القرآن متجاوزة حد البيان، آخذة بطرفي الزيادة والنقصان، جررت في سرحها هذه الفصول، المتضمنة من اللفظ والمعنى شفاء كل عليل، مع انتخابي فيها قصد السبيل، وتوقي التعليل والتطويل...
فالأول في (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وما فيه من معنى الضمير، فإن فيه ضمير فعل لا يستغني الكلام عنه، لأن الباء من سائر حروف الجر لا بد أن يتصل بفعل، إما مظهر مذكور، وإما مضمر محذوف.
والمضمر في هذا الموضع إما أن يكون خبرا أو أمرا.
فإذا كان خبرا فمعناه: ابدأ بسم الله، ودل الكلام على هذا الضمير لأن القارئ مبتدئ، والحال المشاهدة منبئة عنه، ومغنية عن ذكره..
ومعنى الأمر: ابدءوا بسم الله.
ودل على الأمر قوله تعالى في موضع آخر (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) «١»
(١) سورة العلق آية ١.
3
ويحتمل أن يكون أرادهما بالضمير، لأن الضمير يحتملهما، ولو صرح بأحدهما امتنعت إرادة الآخر.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان»«١»، فإن الحكم لما تعلق بضمير يحتمل رفع الحكم رأسا «٢»، ويحتمل المأثم فلا تبعد إرادتهما، ولو صرح بأحدهما ولم يجز إرادة الثاني..
وقد يجيء من الضمير المحتمل للأمرين، ما لا يصح إرادتهما جميعا معا، فيلحق ذلك بقسم المجمل، كقوله: «الأعمال بالنيات»«٣»، وحكمه. متعلق بضمير يحتمل جواز العمل، ويحتمل فضيلته، وإرادة الجواز تنفي إرادة الفضيلة، وإرادة الفضيلة تقتضي إثبات حكم شيء منه لا محالة، مع إلحاق النقصان فيه ونفي الفضيلة عنه، ويستحيل إرادة نفي الفضيلة والأصل جميعا في حالة واحدة، وليس احتمال الضمير للأمرين موجبا عموما من حيث الصيغة، ولكنه يحتمل إرادتهما، فإن معنى العموم: اشتمال اللفظ على معنيين من جهة واحدة، وليس مجملا أيضا فإن إرادة الكل جائزة.
والفوائد التي ينتظمها قوله: «بسم الله»..
الأمر باستفتاح الأمور بها تبركا بذلك.
وذكرها على الذبيحة «٤».
(١) رواه الطبراني عن ثوبان وصححه السيوطي.
(٢) أي دفع المأثم الناجم عنهما عند الله.
(٣) رواه الشيخان وغيرهما.
(٤) قال تعالى في سورة الأنعام الآية ١٢١: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وقال في سورة الحج الآية ٣٦: (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ..) أي عند نحرها. [.....]
4
وشعار من شعائر الدين.
وطرد الشيطان، كما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سمى العبد الله تعالى على طعامه لم ينل منه الشيطان، فإذا لم يسمه نال منه معه»«١»..
وفيه إظهار مخالفة المشركين الذين يفتتحون أمورهم بذكر الأصنام أو غيرها من المخلوقين...
وهو مفزع الخائف.
ودلالة من قائله على انقطاعه إلى الله.
وأنس للسامع.
وإقرار بالألوهية.
واعتراف بالنعمة.
واستغاثه «٢» بالله.
وعبادة له «٣».
وفيه اسمان من أسماء الله تعالى لا يسمى بهما غيره: وهو الله والرحمن، وهو «٤» أشهر أسماء الله تعالى، الذي ينسب إليه كل اسم، فيقال:
الرؤوف والكريم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الكريم.
(١) رواه مسلم بمعناه.
(٢) في الجصاص وفي نسخة أخرى: واستعانة بالله، واللفظان صالحان.
(٣) في الجصاص: وعياذة به.
(٤) أي اسم «الله» جل شأنه.
5
سورة الفلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات
سورة (الفَلَق) من السُّوَر المكية، يطلق عليها وعلى سورة (الناس): (المُعوِّذتانِ)، ومحورها تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليحميَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخَلْق، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كلِّ صلاة، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهل بيته قرأ عليه (المُعوِّذتين).
ترتيبها المصحفي
113
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
20
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5
* سورة (الفَلَقِ):
سُمِّيت سورة (الفَلَقِ) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}[الفلق: 1].
* سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}:
سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ثبَت هذا الاسمُ في كثير من الأحاديث؛ منها:
ما جاء عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «اتَّبَعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو راكبٌ، فوضَعْتُ يدي على قَدَمِه، فقلتُ: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ سورةَ هودٍ، وسورةَ يوسُفَ، فقال: «لن تَقرأَ شيئًا أبلَغَ عند اللهِ مِن {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}»». أخرجه النسائي (953).
* وتُسمَّى مع سورة (الناس) بـ (المُعوِّذتَينِ):
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).
* أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرأَ بالمُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).
* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):
عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).
* وصَفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهنَّ:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).
قرَأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:
* في صلاة الفجر:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).
* في الوتر:
عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).
* قبل النوم:
عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ
{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).
* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:
عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).
* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة المُعوِّذتَينِ بعد كل صلاة:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).
الاستعاذةُ بالله من شرِّ الخَلْقِ الظاهر (١-٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /468).
تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلماتٍ للالتجاءِ إليه، والتعوُّذِ به من شرِّ ما يُتَّقى شرُّه من شرِّ المخلوقات الشريرة.