تفسير سورة قريش

إعراب القرآن و بيانه
تفسير سورة سورة قريش من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه .
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(١٠٦) سورة قريش مكيّة وآياتها أربع
[سورة قريش (١٠٦) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)
الإعراب:
(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) اضطربت أقوال المعربين والمفسرين في متعلق هذه اللام التي هي مستهل السورة اضطرابا شديدا لا نملك معه إمكانية البتّ في القول الحاسم ولكننا سنختار ما جنحنا إليه ثم نورد لك بعض أقوال المعربين لأنهم أفرغوا كل طاقاتهم العلمية وملكاتهم الذهنية في توجيه هذا المتعلق، فنقول: لإيلاف متعلق بقوله فيما بعد فليعبدوا كأنه قال: فإن لم يعبدوا الله لسائر نعمه السابغة المترادفة فليعبدوه لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف وهي نعمة سابغة أتاحت لهم الاتجار وضمنت لهم ميسور الرزق. وإيلاف مصدر آلف رباعيا بوزن أكرم يقال آلفته أولفه إيلافا، وكانت لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن وفي
588
الصيف إلى الشام فيمتارون ويتجرون وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وسدنة بيته فيهابهم الناس ولا يتعرض لهم أحد بينما كان المتجرون وأرباب القوافل يستهدفون للمخاطر ويتخطفهم الناس. تقول آلفت المكان أولفه إيلافا إذا ألفته فأنا مولف قال:
شددت إليك الرحيل فوق شملة من المؤلفات الرهو غير الأوارك
والشملال بالتشديد الناقة الخفيفة السريعة السير أي شددت الرحل فوق ناقة سريعة السير ذاهبا إليك وتلك الناقة من النوق المؤلفات المعتادات الرهو أي السير السهل المستقيم، ويروى الزهو بالزاي وهو سيرها بعد ورودها الماء والأوارك جمع آركة وهي المقيمات موضع الأراك ترعاه أو ترعى نبتا آخر يقال له الحمض أي ليست ناقتي كذلك بل هي معلوفة ومعدّة للسفر، وينسب هذا القول الذي اخترناه إلى الخليل بن أحمد وناهيك به، وأورده الزمخشري فيما أورده من أوجه وبدأ به ولكن يرد عليه إشكال وهو دخول الفاء على فليعبدوا قال الزمخشري: «فإن قلت: «فلم دخلت الفاء؟ قلت لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى إما لا فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة». وبدأ الشهاب السمين بقوله: «في متعلق هذه الآية أوجه:
أحدها أنه ما في السورة قبلها من قوله فجعلهم كعصف مأكول قال الزمخشري وهذا بمنزلة التضمين في الشعر وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقا لا يصحّ إلا به وهما في مصحف أبيّ سورة واحدة بلا فصل وعن عمر أنه قرأهما في الركعة الثانية من المغرب وقرأ في الأولى بسورة والتين، وإلى هذا ذهب أبو الحسن الأخفش إلا أن الحوفي قال:
وردّ هذا القول جماعة بأنه لو كان كذلك لكان لإيلاف بعض سورة ألم تر، وفي إجماع الجميع على الفصل بينهما ما يدل على عدم ذلك»
وأقول: لقد اتفق علماء البلاغة ونقّاد الشعر القدامى على أن التضمين
589
من عيوب الشعر فكيف تحمل القراءة عليه وأسلوب القرآن أبلغ من أن يتسامى إليه النقد والتجريح، وقيل هي متعلقة بأعجبوا محذوفا وقد يكون في هذا الرأي مندوحة عن التقدير والتأويل هذا وكما اختلف المعربون في الإعراب اختلف القرّاء في القراءات مما يرجع إليه في المطولات. أما ابن خالويه فقد قال «وهو مصدر آلف يؤلف إيلافا فهو مؤلف مثل آمن يؤمن إيمانا فهو مؤمن ومن قرأ إلفهم جعله مصدرا لألف يألف إلفا فهو آلف مثل علم يعلم علما فهو عالم والأمر من الممدود آلف يا زيد ومن المقصور إيلف يا زيد، واختلف العلماء في لإيلاف فقال قوم هي وألم تر سورة واحدة، منهم الفراء وسفيان بن عيينة قالا:
والتقدير فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش فعلى هذا تكون اللام لام الخفض متصلة ب ألم تر وقال الخليل والبصريون: اللام لام الإضافة متصلة ب فليعبدوا والتقدير: فليعبدوا رب هذا البيت لأن منّ عليهم بإيلاف قريش وصرف عنهم شرّ أصحاب الفيل، وحدّثني ابن مجاهد عن السّمّري عن الفراء قال: يجوز أن تكون اللام لام التعجب كأنه قال: أعجبنا محمد لإيلاف قريش كما قال الشاعر- النابغة الذبياني-:
أتخذل ناصري وتعزّ عبسا أيربوع بن غيظ للمعنّي
معناه أعجبوا للمعنّي»
. وقريش مضاف إليه وهي قبيلة تمتّ إلى النضر بن كنانة سمّوا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ولا تطاق إلا بالنار، وعن معاوية أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما: بم سمّيت قريش قال بدابة البحر تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى وأنشد:
590
وقريش هي التي تسكن البح ر بها سمّيت قريش قريشا
تأكل الغثّ والسمين ولا تت رك يوم لذي جناحين ريشا
ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا
وقال ابن خالويه: وقيل سمّوا قريشا بتقارش الرماح. والتصغير للتعظيم وقيل من القرش وهو الكسب لأنهم كانوا يكتسبون بتجارتهم وضربهم في البلاد، وقد صرفت قريش لأنه أريد بها الحي ولو أريد القبيلة لامتنعت من الصرف، قال سيبويه في معد وثقيف وقريش وكنانة هذه للأحياء أكثر وإن جعلتها أسماء للقبائل فهو جائز وحسن (إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) إيلافهم بدل من لإيلاف بدل مقيد من مطلق أطلق الإيلاف في الأول وقيده في الثاني برحلتي الشتاء والصيف تفخيما لأمر الإيلاف وتعظيما له وتذكيرا بسوابغ النعم والهاء مضاف إليه ورحلة الشتاء والصيف مفعول به لإيلافهم لأنه مصدرَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ)
الفاء الفصيحة لأنها وقعت في جواب شرط مقدّر واللام لام الأمر ويعبدوا فعل مضارع مجزوم باللام والواو فاعل ورب مفعول به وهذا مضاف إليه والبيت بدل من هذا وأعربها ابن خالويه نعتا ولست أحب ذلك وإن قاله النحاة ولكني أرى أن الجامد بعد اسم الإشارة لا يسوغ إعرابه نعتا مطلقا فالأحسن أن يكون المشتق نعتا والجامد بدلا (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) الذي نعت لرب أو بدل منه وجملة أطعمهم صلة لا محل لها ومن جوع متعلق بأطعمهم ومن تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم فلا بدّ من تقدير مضاف أي من أجله، وكذلك آمنهم من خوف.
591
Icon