تفسير سورة الكوثر

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه ابن العربي . المتوفي سنة 543 هـ
سورة الكوثر
فيها آيتان

الْآيَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ :
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ :﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ آيَةً من الْفَاتِحَةِ، وَلَا من سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا هِيَ آية وَاحِدَةٌ من الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ، قَوْلُهُ :﴿ إنَّهُ من سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَائْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَاسْتَوْفَيْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ من التَّلْخِيصِ وَالْإِنْصَافِ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ ﴾
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَصَلِّ ﴾ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلِ : اُعْبُدْ.
الثَّانِي : صَلِّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ.
الثَّالِثِ : صَلِّ يَوْمَ الْعِيدِ.
الرَّابِعِ : صَلِّ الصُّبْحَ بِجَمْعٍ.
المسألة الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ :﴿ وَانْحَرْ ﴾ فِيهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : اجْعَلْ يَدَك عَلَى نَحْرِك إذَا صَلَّيْت.
الثَّانِي : انْحَرْ الْبُدْنَ وَالضَّحَايَا.
المسألة الثَّالِثَةُ : فِي تَحْقِيقِ الْمُرَادِ من هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِهَذِهِ الْآيَةِ :
أَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا الْعِبَادَةُ فَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا أَصْلُ الصَّلَاةِ لُغَةً وَحَقِيقَةً عَلَى كُلِّ مَعْنَى، وَبِكُلِّ اشْتِقَاقٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَاعْبُدْ رَبَّك وَلَا تَعْبُدْ غَيْرَهُ، وَانْحَرْ لَهُ وَلَا تَنْحَرْ لِسِوَاهُ من الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَالْأَنْصَابِ حَسْبَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْعَرَبُ وَقُرَيْشٌ فِي جَاهِلِيَّتِهَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَلِأَنَّهَا رُكْنُ الْعِبَادَاتِ، وَقَاعِدَةُ الْإِسْلَامِ، وَأَعْظَمُ دَعَائِمِ الدِّينِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَلِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالنَّحْرِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا صَلَاةَ فِيهِ قَبْلَ النَّحْرِ غَيْرهَا، فَخَصَّصَهَا من جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ لِاقْتِرَانِهَا بِالنَّحْرِ، فَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ : مَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا. وَاَلَّذِي يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالنَّحْرُ بَعْدَهَا.
قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَدْ سَمِعْنَا فِيهِ أَشْيَاءَ، وَرَوَيْنَا مَحَاسِنَ :
قَالَ عَلِيٌّ : قَوْلُهُ :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ ﴾. قَالَ : ضَعْ يَدَك الْيُمْنَى عَلَى سَاعِدِك [ الْيُسْرَى ] ثُمَّ ضَعْهُمَا عَلَى نَحْرِك. قَالَهُ [ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ ] أَبُو الْجَوْزَاءِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : قَوْلُهُ :﴿ وَانْحَرْ ﴾ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَقَالَ الْحَكَمُ : قَوْلُهُ :﴿ لِرَبِّك وَانْحَرْ ﴾ : صَلَاةُ الْفَجْرِ وَالنَّحْرِ.
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الصَّلَاة الصَّلَاة، النَّحْر النَّحْر. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : الصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى ثُمَّ اذْبَحْ.
وَقَالَ عَطَاءٌ : مَوْقِفُهُمْ بِجَمْعِ صَلَاتِهِمْ، وَالنَّحْر النَّحْر.
قَالَ مُجَاهِدٌ : النَّحْرُ لَنَا، وَالذَّبْحُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ : إنْ شَاءَ ذَبَحَ، وَإِنْ شَاءَ نَحَرَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ أَيْضًا : فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ : إذَا صَلَّيْت الصُّبْحَ فَانْحَرْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ : إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ فَلَا تَكُنْ صَلَاتُك وَلَا نَحْرُك إلَّا لِلَّهِ. وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْآيَةِ «يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ ؛ أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ : انْحَرْ وَارْجِعْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَطَبَ خُطْبَةَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا ؛ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ ﴾.
قَالَ قَتَادَةُ : صَلَاةُ الْأَضْحَى، وَالنَّحْرُ نَحْرُ الْبُدْنِ.
فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَقْرَانِ مَالِكٍ وَمُتَقَدِّمِيهِ فِيهَا كَثِيرٌ. وَقَدْ تَرَكْنَا أَمْثَالَهَا.
وَاَلَّذِي أَرَادَ مَالِكٌ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِن الْإقْرَانِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالنَّحْرِ، وَلَا يَقْرُنَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْقُرْآنِ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ مَا لَمْ يَعْتَضِدْ بِدَلِيلٍ من غَيْرِهِ.
وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ أَرَادَ : اعْبُدْ رَبَّك وَانْحَرْ لَهُ، وَلَا يَكُنْ عَمَلُك إلَّا لِمَنْ خَصَّك بِالْكَوْثَرِ، وَبِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ يُوَازِي هَذِهِ الْخَصِيصَةَ من الْكَوْثَرِ، وَهُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ إيَّاهُ، أَوْ النَّهْرُ الَّذِي طِينَتُهُ مِسْكٌ، وَعَدَدُ آنِيَتِهِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، أَمَّا أَنْ يُوَازِيَ هَذَا صَلَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ وَذَبْحَ كَبْشٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَذَلِكَ بَعِيدٌ فِي التَّقْدِيرِ وَالتَّدْبِيرِ وَمُوَازَنَةِ الثَّوَابِ لِلْعِبَادِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ نَفْرُغَ عَلَى قَالَبِ الْقَوْلَيْنِ وَنَنْسِجَ عَلَى مِنْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ، فَنَقُولَ : أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّحْرُ يَوْمَ الضُّحَى فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَسَبَبُهُ فِي سُورَةِ " وَالصَّافَّاتِ " وَغَيْرِهَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ فِي وَلَدِهِ إسْمَاعِيلَ، وَمَا بَيَّنَّهُ اللَّهُ فِيهِ لِلْأُمَّةِ، وَجَعَلَهُ لَهُمْ قُدْوَةً، وَشَرَعَ تِلْكَ الْمِلَّةَ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :
الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : إنَّهَا وَاجِبَةٌ ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ حَبِيبٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إنْ اشْتَرَاهَا وَجَبَتْ، وَهُوَ الثَّانِي.
الثَّالِثِ : إنَّهَا سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ ؛ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ.
الرَّابِعِ : إنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَهُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا.
وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةٌ هِيَ ؟ فَقَالَ : ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَحَّى الْمُسْلِمُونَ، كَمَا قَالَ : أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ.
وَتَعَلَّقَ مَنْ أَوْجَبَهَا بِقَوْلِهِ :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ ﴾، وَبِقَوْلِهِ :﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ ﴾.
وَقَدْ تَقَرَّبَ بِدَمٍ وَاجِبٍ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، فَلْيَتَقَرَّبْ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّتِهِ بِدَمٍ وَاجِبٍ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ أُلْزِمَ الْمِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ :«عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ ». وَالْعَتِيرَةُ هِيَ الرَّجَبِيَّةُ.
«وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ حِينَ ذَبَحَ الْجَذَعَةَ فِي الْأُضْحِيَّةِ : تَجْزِيَك، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك ». وَلَا يُقَالُ تَجْزِي إلَّا فِي الْوَاجِبِ.
قُلْنَا : أَمَّا قَوْلُهُ :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ ﴾ فَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ النَّاسِ فِيهِ، وَمَا اخْتَرْنَاهُ من ذَلِكَ فَلِاحْتِمَالِهِ تَسْقُطُ الْحُجَّةُ مِنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ ﴾ فَمِلَّةُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ تَشْتَمِلُ عَلَى فَرَائِضَ وَفَضَائِلَ وَسُنَنٍ، وَلَا بُدَّ فِي تَعْيِينِ كُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا من دَلِيلٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :«تَجْزِيك وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك »، فَكَذَلِكَ يُقَالُ تَجْزِيَك فِي السُّنَّةِ كَمَا يُقَالُ فِي الْفَرْضِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ شَرْعُهُ، وَفِيهِ شَرْطُهُ، وَمِنْهُ إجْزَاؤُهُ أَوْ رَدُّهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ :«عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ » فَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ مَالِكٍ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ :«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَحْلِقَنَّ شَعْرًا، وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفْرًا حَتَّى يَنْحَرَ ضَحِيَّتَهُ ». فَعَلَّقَ الْأُضْحِيَّةَ بِالْإِرَادَةِ، وَالْوَاجِبُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ؛ بَلْ هُوَ فَرْضٌ أَرَادَ الْمُكَلَّفُ أَوْ لَمْ يُرِدْ.
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :«أُمِرْت بِيَوْمِ الْأَضْحَى، عِيدٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. قَالَ رَجُلٌ : أَرَأَيْت إنْ لَمْ أَجِدْ إلَّا مَنِيحَةَ أَهْلِي أُضَحِّي بِهَا ؟ قَالَ : لَا، وَلَكِنْ تَأْخُذُ من شَعْرِك وَأَظفارِك، وَتَقُصُّ شَارِبَك، وَتَحْلِقُ عَانَتَك ؛ فَذَلِكَ تَمَامُ أُضْحِيَّتِك ».
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَرَبِيُّ : أَنْبَأَنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدَ، قَالَ : لَقَدْ رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُمَا يُضَحِّيَانِ عَنْ أَهْلِهِمَا خَشْيَةَ أَنْ يُسْتَنَّ بِهِمَا. قَالَ : فَلَمَّا جِئْت بِلَادَكُمْ هَذِهِ حَمَلَنِي أَهْلِي عَلَى الْجَفَاءِ بَعْدَ مَا عَلِمْت السُّنَّةَ "، فَقَدْ تَعَارَضَتْ الْأَدِلَّةُ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَهَذَا مُحَقَّقٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي من الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
المسألة الرَّابِعَةُ : من عَجِيبِ الْأَمْرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ : إنَّ مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ :﴿ فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ ﴾ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ النَّحْرِ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ :«أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ ؛ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ نُسُكَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ من النُّسُكِ فِي شَيْءٍ ». وَأَصْحَابُهُ يُنْكِرُونَهُ، وَحَبَّ
Icon