تفسير سورة الفلق

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الفلق مختلف فيها
وهي خمس آيات.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ قل١ أعوذ برب الفلق٢ هو الصبح، أو الخلق كله ؛ لأنه ما من شيء إلا ويفلق ويفرق ظلمة العدم عنه، أو هو بيت، أو جب في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره، وذكر الرب ؛ لأن الإعاذة من المضار تربية.
١ أخرج أحمد، والبزار، والطبراني وابن مردويه، من طرق صحيحة عن ابن مسعود رضي الله عنه إنه كان يحك المعوذين من المصحف، ويقول: لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، إنهما ليستا من كتاب الله، إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود رضي الله عنه لا يقرأ بهما، قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتا في المصحف/١٢ در منثور. [قال ابن كثير (٤/٥٧١): وهذا هو المشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن معود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه فلعله لم يسمعها من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتواتر عنده ثم لعله رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة فإن الصحابة رضي الله عنهم أثبتوها في المصاحف الأئمة ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك].
٢ اعلم أن المستعاذ به هو الله وحده رب الفلق رب الناس، لا ينبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه، وقد أخبر تعالى في كتابه أن من استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته رهقا، وهو الطغيان، واحتج أهل السنة على المعتزلة في أن كلام الله غير مخلوق، إن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بقوله:"قل أعوذ برب الفلق" و"أعوذ بكلمات الله التامات"، وهو لا يستعيذ بمخلوق أبدا، والمستعيذ هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل من أتباعه إلى يوم القيامة، كذا قال شيخ الإسلام أحمد ابن عبد الحليم بن عبد السلام في تفسير المعوذتين/١٢..
﴿ من شر ما خلق ومن شر غاسق ﴾ : الليل ﴿ إذا وقب ﴾ : دخل ظلامه، ولا شك أن المضار في الليل أكثر وأشد، أو هو القمر إذا١ وقب، ودخل في الكسوف، والاسوداد، وعن بعض : هو الثريا إذا سقطت، ويقال : إن الأسقام تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها.
١ رواه الإمام أحمد، والترمذي، وغيرهما عن عائشة قالت: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني القمر حين طلع، وقال:"تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا الغاسق إذا وقب"، وقال أصحاب القول: بأنه الليل إذا ولج، هذا لا ينافي قولنا، لأن القمر آية الليل، ولا يوجد له سلطان إلا فيه، وكذلك النجوم فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم/١٢ منه. [وصححه الشيخ الألباني في " الصحيحة" (٢٦٨١)].
﴿ ومن شر النفاثات١ في العقد ﴾ أي : النساء، والجماعات السواحر، اللواتي يعقدن عقدا، وينفثن عليها، والنفث : النفخ مع ريق.
١ أنث النفاثات، لأن هذه الصناعات إنما تعرف بالنساء، لأنهن يعقدون(*) وينفثن، وذلك لأن الأصل الأعظم فيه ربط القلب بذلك الأمر، وإحكام الهمة والوهم فيه، وذلك إنما يتأتى من النساء لقلة علمهن، وشدة شهوتهن، فلا جرم كان هذا العمل منهن أقوى/١٢ كبير.
(*) كذا بالأصل والصواب: يعقدن..

﴿ ومن شر حاسد إذا حسد ﴾ : إذا أظهر حسده، وعمل بمقتضاه، فإنه إذا لم يظهر أثر ما أضمر، فلا ضرر منه إلا على نفسه، لاغتمامه وهمه، وقد صح أن يهوديا سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة، ودسه في بئر، فاشتكى، ومرض عليه السلام لذلك أياما، وقد روي ستة أشهر، فجاءه جبريل، وأخبره بالسحر، والساحر، وموضعه، ونزلت المعوذتان إحدى عشرة آية، فبعث عليه السلام فاستخرجها، فجاء بها، فكان كلما قرأ آية، انحلت عقدة، فحين انحلت العقدة الأخيرة قام عليه السلام، كأنما نشط من عقال١.
١ أخرجاه في الصحيحين..
Icon