تفسير سورة السجدة

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة السجدة مكية
قيل إلا ثلاث آيات من قوله :﴿ أفمن كان مؤمنا ﴾
وهي ثلاثون أو تسع وعشرون آية وثلاث ركوعات
بسم الله الرحمن الرحيم*

﴿ الم تَنزِيلُ الْكِتَابِ ﴾ هو خبر ( الم ) إن كان ( الم ) اسما للسورة، والتنزيل بمعنى : المنزل، وإلا فخبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبره قوله :﴿ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ لأن نافي الريب معه، وهو كونه معجزا، وقوله :﴿ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ خبر ثان أو هو الخبر و( لا ريب فيه ) اعتراض لا محل له وضمير فيه لمضمون الجملة يعني : لا ريب في كونه منزلا من رب العالمين،
﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ : بل أيقولون، ﴿ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾ أثبت أولا أن تنزيله من الله وأن ذلك لا ريب فيه، ثم أضرب عن ذلك بقوله :( أم ) إنكارا لقولهم، وتعجيبا منه لظهور بطلانه ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من الله، ﴿ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ فإنه ما أتاهم رسول منهم مبعوث إليهم ينذرهم، ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ بإنذارك،
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى١ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ قد مر في سورة الأعراف، ﴿ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ﴾، لا ولي ولا شفيع لكم من دون الله، حال مقدم، ﴿ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ بمواعظ الله،
١ وفي كتاب العلو، قال الإمام ابن جرير في تفسير قوله: ﴿ثم استوى على العرش﴾ في كل مواضعه، أي: علا وارتفع، قال البخاري في صحيحه: قال مجاهد: استوى علا على العرش انتهى، وقال أبو عبيدة: أي: صعد، ذكره البغوي، قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة: من لم يقرأ أن الله على عرشه استوى فوق سماواته بائن من خلقه فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقى على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة، نقله في كتاب العرش والعلو وقال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني، في العقيدة الواسطية فصل: وقد دخل فيما ذكرنا من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر به الله في كتابه، وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة من أن الله سبحانه فوق سماواته على عرشه علا خلقه انتهى.
وذكر الشيخ شمس الدين ابن القيم في الإغاثة: أن الأساطين(*) قبل أرسطو كانوا يقولون: بحدوث العالم وإثبات الصانع ومبائنته للعالم وأنه فوق العالم وفوق السماوات بذاته كما حكاه أبو الوليد رشيد في كتاب مناهج الأدلة وهو أعلم الناس في زمانه بمقالاتهم، فقال: فيه القول في الجهة، وما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشاعرة، كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله، إلى أن قال: والشرائع كلها مبينة على أن الله في السماء وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين وأن من السماوات نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم- وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك ثم ذكر تقرير ذلك بالعقول، وبين بطلان الشبهة التي لأجلها نفتها الجهمية ومن وافقهم إلى أن قال: فقد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل، وأن إبطاله إبطال الشرائع انتهى موضع الحاجة منها.
وقال الشيخ عبد القادر في الغنية: وكونه سبحانه وتعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف انتهى.
نقله في كتاب العلو.
والله ما بعد البيان لمنصف إلا العناد ومركب الخذلان.
(*) يعني من الفلاسفة..

﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ﴾ : يدبر أمر الدنيا منزلا من السماء إلى الأرض إلى يوم القيامة، فإن السماء محل حكم الله ومنه ينزل الأمور، ﴿ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ﴾ ذلك الأمر كله، أي : يصير إلى الله لأن يحكم فيه، ﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ١ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ وهو من يوم القيامة الذي كله خمسون ألف سنة، يوم يعرض فيه الأعمال أو معناه نزول الملك بتدبير الدنيا وعروجه في يوم واحد من أيام الدنيا ولو قطعه أحد من بني آدم لما قطعه في ألف سنة لأن المسافة بين السماء والأرض خمسمائة فالنزول والعروج لا يمكن إلا بألف سنة، والملائكة يقطعونها في يوم واحد فعلى هذا ضمير إليه للسماء أو ينزل قضاؤه وقدره من السماء إلى الأرض ثم يرفع الأعمال إلى ديوانها فوق السماء بيوم واحد مع أن المسافة مسافة ألف، قيل : معناه يدبر من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض يبين ما تحت تصرفه وسلطانه، ثم يرفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا، ومسافة ما بين السماء والأرض خمسمائة وسمك السماء خمسمائة أخرى،
١ و عن ابن عباس: أنه سئل عن خمسين ألف سنة ؟ فقال: أيام سماها الله لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم /١٢ كمالين..
﴿ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ ما غاب عنكم وما حضر، ﴿ الْعَزِيزُ الرَّحِيم ﴾
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ١ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَه ﴾ أتقنه وأحكمه وأوفر عليه ما يستعده على وفق الحكمة، وخلقه بدل اشتمال، وفي قراءة فتح اللام فعلية صفة لكل شيء، ﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ ﴾ : آدم، ﴿ مِن طِينٍ ﴾
١ أخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد قال: ﴿أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قد أسبل إزاره فقال: (ارفع إزارك) فقال: يا رسول الله إني أحنف تصطك ركبتاي فقال: (ارفع إزارك كل خلق الله حسن) [صحيح، أخرجه أحمد والطبراني والطحاوي وغيرهم، وانظر صحيح الجامع (٤٥٢٢)، وراجع الصحيحة (١٤٤١)] وزاد في رواية للطبراني: {إن الله لا يحب المسبلين﴾ /١٢ فتح..
﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ﴾ : ذريته، ﴿ مِن سُلَالَةٍ ﴾، سلالة الشيء : ما استل منه، ﴿ مِّن مَّاء مَّهِينٍ ﴾ : حقير مبتذل،
﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ ﴾ : قومه، والضمير لآدم أو لنسله، ﴿ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ﴾ أضافه إلى نفسه تشريفا١، ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ﴾ لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا فتشكروا، ﴿ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ ما زائدة أي : تشكرون شكرا قليلا،
١ نحو بيت الله /١٢..
﴿ وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ ﴾ بأن تمزقت أجسامنا وصرنا ترابا أو غبنا فيها، ﴿ أَئِنَّا ﴾ تكرار الهمزة لتأكيد التعجب والإنكار، ﴿ لَفِي خَلْقٍ جَدِيد ﴾ العامل في إذا نُبْعَثُ الدال عليه أئنا لفي خلق جديد فإن ما بعد إن لا يعمل فيما قلبه، ﴿ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ ﴾ : بالبعث، ﴿ كَافِرُونَ ﴾
﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم ﴾ : يستوفي روحكم ويميتكم، ﴿ مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾ : بقبض روحكم، في الحديث١ ( إن ملك الموت قال : يا محمد ما في الأرض بيت مدر ولا شعر إلا أنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى إني لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم )، ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ : للجزاء.
١ رواه ابن أبي حاتم وغيره هو ضعيف لانقطاعه، وانظر العلل المتناهية لابن الجوزي (٢/٤١٤)]/ ١٢..
﴿ ولو ترى١ إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم ﴾ : مطأطئوها، ﴿ عند ربهم ﴾، حياء وندما، ﴿ ربنا ﴾، أي : قائلين : ربنا، ﴿ أبصرنا ﴾ ما كذبناه، ﴿ وسمعنا ﴾ منك تصديق رسلك، قيل معنى أبصرنا وسمعنا : أيقنا حقيقة الأمر، ﴿ فارجعنا ﴾، إلى الدنيا، ﴿ نعمل صالحا إنا موقنون ﴾ جواب لو محذوف أي : لو ترى لرأيت العجب العجاب، ولو وإذ كلاهما للمضي فإن المترقب من الله بمنزلة الموجود،
١ ولما قص دليل البعث بما لا خفاء فيه شرع يقص بعض أهوالهم عند ذلك فقال: ﴿ولو ترى إذ المجرمون﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ ولو شئنا١ لأتينا كل نفس هداها ﴾ : ما تهتدي به من الإيمان والأعمال الصالحة، ﴿ ولكن حق القول مني ﴾ سبق وعيدي وهو ﴿ لأملأن جهنم من الجنة والناس ﴾ الذين هم في علم الله أشقياء، ﴿ أجمعين فذوقوا ﴾ أي : يقال لهم ذلك على سبيل التقريع، ﴿ بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم ﴾ أي : جازيناكم جزاء نسيناكم فهو على المقابلة أو النسيان بمعنى : الترك، ﴿ وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ﴾ وهذه الآية جواب عن قولهم ﴿ فارجعنا نعمل صالحا ﴾ يعني : لو أردنا لهديناكم في الدنيا لكن ما أردنا، فذوقوا العذاب المقدر بسبب كسبكم العقائد الفاسدة والأعمال القبيحة، وهذا إما مفعول ذوقوا، أو صفة يومكم، وإيم الله إنها لكسرت أنياب المعتزلة لكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور،
١ ولما ذكر ما طلبوا من الرجوع إلى الدنيا لأن يهتدوا فيها أتبعه أن شقاوتهم بإرادة الله ولولاها لهداهم الله في الدنيا فقال: ﴿ولو شئنا﴾ الآية /١٢ وجيز..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ ولو شئنا١ لأتينا كل نفس هداها ﴾ : ما تهتدي به من الإيمان والأعمال الصالحة، ﴿ ولكن حق القول مني ﴾ سبق وعيدي وهو ﴿ لأملأن جهنم من الجنة والناس ﴾ الذين هم في علم الله أشقياء، ﴿ أجمعين فذوقوا ﴾ أي : يقال لهم ذلك على سبيل التقريع، ﴿ بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم ﴾ أي : جازيناكم جزاء نسيناكم فهو على المقابلة أو النسيان بمعنى : الترك، ﴿ وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ﴾ وهذه الآية جواب عن قولهم ﴿ فارجعنا نعمل صالحا ﴾ يعني : لو أردنا لهديناكم في الدنيا لكن ما أردنا، فذوقوا العذاب المقدر بسبب كسبكم العقائد الفاسدة والأعمال القبيحة، وهذا إما مفعول ذوقوا، أو صفة يومكم، وإيم الله إنها لكسرت أنياب المعتزلة لكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور،
١ ولما ذكر ما طلبوا من الرجوع إلى الدنيا لأن يهتدوا فيها أتبعه أن شقاوتهم بإرادة الله ولولاها لهداهم الله في الدنيا فقال: ﴿ولو شئنا﴾ الآية /١٢ وجيز..

﴿ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا ﴾ : وعظوا، ﴿ بها خرّوا سُجّدا ﴾ : سقطوا على وجوههم ساجدين١ خوفا، ﴿ وسبَّحوا ﴾ : سبحوه عما لا يليق بجلاله، ﴿ بحمد ربهم ﴾ : حامدين له شكرا، ﴿ وهم لا يستكبرون ﴾، عن طاعته فيتبعون رسله،
١ كأن الخرور عند الوعظ طبعهم وجبلتهم من غير كلفة واختيار /١٢ وجيز..
﴿ تتجافى ﴾ : ترتفع وتتنحى، ﴿ جنوبهم عن المضاجع ﴾ : عن١ الفرش، ﴿ يدعون ربهم ﴾ : داعين إياه، ﴿ خوفا ﴾ من عقابه، ﴿ وطمعا ﴾ في ثوابه، ﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾ : في مصارف الخير، والمراد التهجد وقيام الليل وفي الأحاديث الصحاح ما يدل عليه، وعن بعض هو صلاة العشاء والصبح في جماعة، وعن بعض هو صلاة الأولين بين العشائين، وعن بعض : هو انتظار صلاة العتمة،
١ وهم المتهجدون في الليل الذين يقومون للصلاة عن الفراش، وبه قال الحسن ومجاهد وعطاء والجمهور، وعن معاذ بن جبل قال: قيام العبد من الليل، وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر حديثا وأرشد فيه إلى أنواع من الطاعات، وقال فيه: (وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ هذه الآية) أخرجه أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه، والحاكم وصححه، والبيهقي وغيرهم /١٢ فتح [صحيح، وانظر صحيح الجامع (٥١٣٦)، وراجع الإرواء]..
﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ﴾ ما موصولة مفعول تعلم بمعنى : تعرف، وفي الحديث١ القدسي ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) ونعم ما قيل : أخفوا أعمالهم فأخفى٢ الله ثوابهم، ﴿ من قرة أعين ﴾ : مما تقر به عيونهم، ﴿ جزاء ﴾ أي : أخفى للجزاء أو جوزوا جزاء، ﴿ بما كانوا يعملون ﴾
١ كما في الصحيحين /١٢ وجيز..
٢ وفيه دليل على أن المراد الصلاة في جوف الليل ليكون الجزاء وفاقا، ثم بين
سبحانه أن ذلك بسبب أعمالهم الصالحة، فقال: ﴿جزاء بما كانوا يعملون﴾ /١٢ فتح..

﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ﴾ : خارجا عن طاعة ربه، ﴿ لا يستوون ﴾ في المثوبة والمنزلة، جمعه للحمل على المعنى، نزلت في علي رضي الله عنه والوليد أخي عثمان من أمه بينهما تنازع فقال لعلي : إنك صبي وأنا والله أبسط لسانا وأحد سنانا وأشجع منك جنانا، فقال له علي : اسكت فإنك فاسق،
﴿ أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى ﴾ هي المأوى الحقيقي لا الدنيا، ﴿ نزلا ﴾ : هو ما يحضر للنازل قبل الضيافة، منصوب على الحال من جنات، ﴿ بما كانوا يعلمون ﴾
﴿ وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا ﴾ : تمنوا، ﴿ أن يخرجوا منها ﴾ : فصعدوا إلى أبواب جهنم، ﴿ أعيدوا فيها ﴾ : إلى أسفل دركاتها، ﴿ وقيل لهم ﴾، إهانة :﴿ ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ﴾
﴿ ولنذيقهم١ من العذاب الأدنى ﴾ : مصائب الدنيا٢، ﴿ دون العذاب الأكبر ﴾ : عذاب الآخرة، ﴿ لعلهم يرجعون ﴾ : يتوبون عن الكفر،
١ ثم يبين أن هذا التعذيب عدل منه لا ظلم فقال: ﴿ولنذيقنهم﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ هكذا فسره جماهير السلف، ونقل عنهم البخاري ومسلم والترمذي والسدي/١٢ منه. ومصائب الدنيا من لقتل والأسر والنهب والقحط وغيرها /١٢..
﴿ ومن أظلم ممن ذُكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها ﴾ يعني : ومن أظلم ممن أذقناه المصائب الدنيوية مدة متطاولة وأريناه فيها الآيات، ثم بعد تلك المدة خاتمة أمره الإعراض، فثم وقع موقعه، لكن في سورة الكهف ذكر بالفاء لأنه ما بين أولا إلا جدالهم مع الرسل واتخاذ الآيات هزوا فما هو إلا أنهم حين رأوا رسلهم وآياتهم أنكروا بادئ الأمر من غير تأمل، ﴿ إنا من المجرمين ﴾ : المشركين ﴿ منتقمون ﴾.
﴿ وَلَقَدْ١ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ كما آتيناك، ﴿ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ ﴾ : شك، ﴿ مِّن لِّقَائِهِ ﴾ أي : من لقاء موسى ربه فاطمع أنت أيضا فيه، فالإضافة إلى المفعول، هكذا فسره النبي عليه السلام، رواه الطبراني٢( * ) أو من٣ لقاءك موسى ليلة المعراج٤ أو من تلقي موسى الكتاب بالرضاء والقبول، قيل : معناه آتينا موسى مثل ما آتيناك فلا تك في شك من أنك وأتيت مثله، فالضمير للكتاب الذي أريد به الجنس، أي : لقائك الكتاب نحو ﴿ وإنك لتلقى القرآن ﴾ [ النمل : ٦ ]، ﴿ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيل ﴾
١ ولما قرر الأصول الثلاثة: التوحيد والمعاد والرسالة، عاد إلى أمر الرسالة الذي السورة له فقال: ﴿ولقد آتينا موسى﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، كما في المجمع (٧/٩٠)..
٣ كما في البخاري /١٢..
٤ كما وصفه صلى الله عليه وسلم (أنه آدم طوال جعد كأنه من رجال شنوءة) /١٢ وجيز..
َ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ ﴾ الناس، ﴿ بِأَمْرِنَا لَمَّا١ صَبَرُوا ﴾ على أوامر الله ومصائبه التي قدرها عليهم، ﴿ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ وكأن هذه الآية وعد وتسلية لنبيه عليه الصلاة والسلام وإرشاد لأصحابه وأمته،
١ علة للجعل قرئ (لما) بكسر اللام وتخفيف الميم /١٢ وجيز..
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ : يقضي فيميز المحق من المبطل، ﴿ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ من أمور دينهم،
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ﴾ عطف على مقدر مثل : ألم ينبههم، ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ ﴾ فاعل ( يهد ) ما يدل عليه ذلك الكلام، كأنه قال : أو لم يهد لهم كثرة إهلاكنا، وكم منصوب بأهلكنا، وله صدر الكلام لا يعمل فيه ما قلبه، ﴿ يَمْشُونَ ﴾ أهل مكة، ﴿ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾ حين يسافرون للتجارة، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ﴾ : سماع اتعاظ،
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا ﴾ أي : ألم يسمعوا ولم يروا ؟، ﴿ أَنَّا١ نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ ﴾ : التي قطع نباتها، ﴿ فَنُخْرِجُ بِهِ ﴾ : بالماء، ﴿ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ ﴾ : من الزرع، ﴿ أَنْعَامُهُمْ٢ من أوراقه، ﴿ وَأَنفُسُهُمْ ﴾ من حبوبه، ﴿ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴾ فيستدلون على كمال القدرة،
١ أولا: أقام الحجة على المشركين بالأمم السالفة، ثم أقامها عليهم بإظهار قدرته الكاملة المنبهة على البعث، والأظهر أن المراد من سوق الماء المطر /١٢ وجيز..
٢ وقدم الأنعام، لتقدم مأكلها من الزرع والإنسان قد يتغذى في غير الزرع، والعرب يقدم أنعامهم على أنفسهم، فيسكن في غير مسكن لرغد دوابهم /١٢ وجيز..
﴿ وَيَقُولُونَ١ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ ﴾ أي : في أي وقت يكون النصر كما تزعم يا محمد ؟ ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾، أن لكم وقتا علينا تنتقمون منا،
١ ليروا تلك الآية البينة فمن رآها، وأصر، ولم يتنبه، فليس له بصر ولا بصيرة، ولما كانت الآية أول دليل على البعث أتبع لجاجهم باستهزائهم تعجيبا من عمههم وعماهم فقال: ﴿ويقولون﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ ﴾ : وهو يوم حلول سخط الله وعقابه، كان في نياتهم أنه لو نزل عليهم من السماء بلاء لآمنوا حين يرونها، ﴿ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ : يمهلون،
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ ولا تبال بكلامهم، ﴿ وَانتَظِرْ ﴾ موعد النصر، ﴿ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ﴾ حوادث الزمان عليك، قيل : انتظروا عذابهم إنهم منتظرون ذلك أيضا، ولذلك لم يؤمنوا، وعن بعض الآية منسوخة وكان عليه السلام١ لا ينام بالليل حتى يقرأ ( تبارك ) و( الم تنزيل ).
والحمد لله وحده
١ رواه الإمام أحمد فيا رب وفقنا لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم [صحيح، أخرجه أحمد والترمذي والدارمي وغيرهم، وراجع الصحيحة] /١٢ وجيز..
Icon