ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ٣ - (الم) مضى تفسيره في مواضع. وقال ابن عباس: ألف الله، واللام [لام] (١) جبريل، والميم محمد -صلى الله عليه وسلم- (٢).قوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ﴾ ذكر أبو إسحاق فيه ثلاثة أوجه أحدها: أنه خبر ابتداء، على إضمار الذي نتلوا (٣) تنزيل الكتاب. قال: ويجوز أن يكون خبر عن آلم أي آلم من تنزيل الكتاب قال: ويجوز أن يكون رفعه على الابتداء، ويكون خبره الابتداء. ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ (٤) قال مقاتل: يعني لا شك فيه أنه تنزيل (٥).
﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ﴾ قال الزجاج: معناه بل أيقولون (٦). وذكرنا تفسير (بل) إذا لم يتقدمه استفهام، عند قوله: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا﴾ [البقرة: ١٠٨] وفي مواضع.
(٢) لم أقف على قوله، وقد سبق معنا في أول سورة لقمان ذكر القول الراجح في تفسير مثل هذه الحروف.
(٣) في (ب): (نتلوه).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٣.
(٥) "تفسير مقاتل" ٨٤ أ.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٣.
وقال مقاتل: افتراه محمد من تلقاء نفسه فكذبهم الله (٢). فقال: ﴿بَلْ هُوَ﴾ أي القرآن.
﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قال الكلبي: يعني العرب (٣). قال قتادة: كانوا أمة أمية (٤)، لم يأتهم نذير قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- (٥).
قال أبو إسحاق: (هذا كقوله: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ أي لم يشاهدوا هم ولا آباؤهم نبيا، قال: والحجة ثابتة عليهم بإنذار من تقدم من الرسل وإن لم يأتهم نذير (٦).
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ قال مقاتل وابن عباس: لكي يرشدوا من الضلالة (٧).
٤ - قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ (٨) مفسر في سورة الأعراف (٩) ويونس (١٠).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٤ أ.
(٣) أورده المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٤٤٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٣٣٣، غير منسوب لأحد.
(٤) في (أ): (آمنة)، وهو خطأ.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ٩٠، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٥٣، "مجمع البيان" ٨/ ٥٠٩.
(٦) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٤.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٤ أ. وقد أورده المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٤٤٩، غير منسوب لأحد.
(٨) قوله: (وما بينهما) ساقط من (أ)، وهو خطأ.
(٩) عند قوله تعالى ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ آية: ٥٤.
(١٠) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ آية: ٣.
٥ - قوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ فيه قولان للمفسرين وأصحاب المعاني: أحدهما: قول ابن عباس في رواية عطاء قال: ينزل القضاء والقدر من السماء إلى الأرض] (٣) ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ يريد يرجع إليه ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ من أيام الدنيا. وهذا القول اختيار صاحب النظم، وقد شرحه وبينه، فقال: قوله ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ يعني به (٤) أمر الدنيا إلى آخره، يدبره الله -عز وجل- مدة أيام الدنيا، ثم يعرج إليه ذلك الأمر والتدبير بعد إنقضاء الدنيا وفنائها، ومعنى يعرج يرتفع، ومعنى يرتفع يصير، كقولك: ارتفع أمرنا إلى الأمير، أي صار إليه (٥).
قوله تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ وهو يوم القيامة، مقداره ألف سنة، هذا كلامه. وأما قوله: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ فسنذكر الكلام فيه إذا انتهينا إليه إن شاء الله. القول الثاني: أن معنى
(٢) "تفسير ابن عباس" ص ٣٤٧ بهامش المصحف، "تفسير مقاتل" ٨٤ أ.
(٣) ما بين المعقوفين مكرر في (أ).
(٤) في (ب): زيادة (إلا)، وهو خطأ.
(٥) في كلام المؤلف -رحمه الله- هنا نظر، فإنه يؤول صفة العلو والفوقية التي يؤولها الأشاعرة، وأهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفة ويقولون: إن الله سبحانه عال بذاته فوق خلوقاته بائن منهم، وهو معهم بعلمه. انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ٢/ ٣٨١، "شرح حديث النزول" ص ٣٨٨.
وذكره مقاتل فقال: يقضي الأمر في السماء وينزله مع الملائكة إلى الأرض، فيوقفه ثم يصعد إلى السماء، فيكون نزولها به ورجوعها في يوم واحد مقداره ألف سنة مما تعدون، يريد مقدار المسير فيه على قدر مسيرنا وعددنا ألف سنة؛ لأن بعد ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم، إذا (٢) قطعته الملائكة بادية وعائدة في يوم واحد فقد قطعت مسيرة ألف سنة في يوم.
فعلى القول الأول (يعرج) خبر (الأمر)، والهاء في إليه كناية عن الله، والمراد باليوم يوم القيامة.
وعلى القول الثاني (يعرج) خبر عن الملك ولم يجر له ذكر، والهاء في (إليه) كناية عن السماء على لغة من يذكِّرُه.
وقوله: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ﴾ أي مقدار المسير فيه، يعني مسير الملك، والأول أليق بظاهر اللفظ، وهذه الآية مما ترك ابن عباس الكلام فيه، فقد روي أن عبد الله بن فيروز سأله عن هذه الآية وقوله: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قال ابن عباس: أيامًا سماها الله، وما أدر ما هي،
(٢) في (ب): (إذ)، وهو خطأ.
٦ - وقوله: ﴿ذَلِكَ﴾ قال مقاتل: يعني الذي صنع ما ذكر من هذه إلاَّشياء (٣). ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ وقال ابن عباس: عالم ما غاب عن خلقي، وعالم ما حصره خلقي (٤). ﴿الْعَزِيزُ﴾: المنيع في ملكه ﴿الرَّحِيمُ﴾: باوليائه وأهل طاعته.
٧ - قوله تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ وقرئ (خَلَقه) بفتح اللام على الفعل، فمن قرأ (خَلْقه) بسكون اللام، ففيه وجهان: أحدهما (٥): أن التقدير الذي أحسن خلق كل شيء. وهو قول قتادة (٦)،
(٢) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ١٠٨، "المستدرك" للحاكم ٤/ ٦١٠، وقال: حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، إلا أن الحاكم لم يذكر آخر الحديث وهو سؤال ابن المسيب. وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٣٧، وعزاه لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في "المصاحف" والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة.
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٤ أ.
(٤) ذكره المؤلف في "الوسيط" ٣/ ٤٥٠، والطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٥١٢، وأبو حيان في "البحر" ٨/ ٤٣٢، غير منسوب لأحد، ولم أقف على من نسبه لابن عباس.
(٥) في (أ): (أحدها).
(٦) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ١٠٩، "زاد المسير" ٦/ ٣٣٤. وذكره الماوردي ٤/ ٣٥٥، الطبرسى ٨/ ٥١٢ عن ابن عباس.
قال الأخفش في قوله: (خَلْقَه) على البدل، يعني أنه أبدل خلقه من كل شيء (٣).
وقال صاحب النظم: من سكن اللام فيه تقديم وتأخير على تأويل: أحسن خلق كل شيء، إلا أنه -عز وجل- لما قدم كل شيء، والمراد خلق كل شيء، أبدل منه دلالة عليه بالكناية عنه. وقال أبو علي: فجعل (خلقه) بدلاً من (كل)، فيصير التقدير الذي أحسن خلق كل شيء (٤).
وأما معنى ﴿أَحْسَنَ﴾ فقال (٥) ابن عباس في رواية عطاء: أتقن ما خلق. وهو لفظ مجاهد (٦). ومعنى الإحسان هاهنا الإتقان والإحكام. وروي عكرمة عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: أما أن است القرد ليست بحسنة ولكن أحكم خلقه (٧).
وقال مقاتل: علم كيف يخلق الأشياء من غير أن يعلمه أحد (٨). قال السدي: أحسنه لم يتعلمه من أحد (٩). ومعنى الإحسان على هذا القول
(٢) انظر: "معاني القرآن واعرابه" ٤/ ٢٠٤، "الحجة" ٥/ ٤٦٠ - ٤٦١.
(٣) لم أقف على قول الأخفش.
(٤) انظر: "الحجة" ٥/ ٤٦١.
(٥) في (ب): (وقال).
(٦) انظر: "تفسير مجاهد" ص ٣٥، "تفسير الطبري" ٢١/ ٩٣، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٥٥، "مجمع البيان" ٨/ ٥١٢.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ٩٣، "القرطبي" ١٤/ ٩٠، "البحر المحيط" ٨/ ٤٣٣.
(٨) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٤ ب.
(٩) انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٥٥، "مجمع البيان" ٨/ ٥١٢، "زاد المسير" ٦/ ٣٣٤.
وقال صاحب "النظم": معنى الخلق التقدير، ومعنى ذلك أنه -عز وجل- لما طول رجل البهيمة، والطائر طول عنقه؛ لئلا يتعذر عليه ما لا بد به من قوته، [ولو] (١) تفاوت ذلك لم يكن له معاش، وكذلك كل شيء من أعضاء الحيوان مقدر لما يصلح له معاشه. وقال أبو إسحاق: تأويل الإحسان في هذا أنه خلقه على إرادته، فخلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق القرد على ما أحب، وخلقه إياه على ذلك من أبلغ الحكمة (٢).
الوجه الثاني في هذه القراءة: أن قوله: ﴿خَلَقَهُ﴾ وإنتصب على المصدر الذي دل عليه أحسن، والمعنى الذي خلق كل خلقه. قاله الزجاج (٣).
وشرحه أبو علي فقال: خلقه ينتصب على أنه مصدر دل عليه ما تقدم من قوله: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾؛ لأن قوله أحسن كل شيء [يدل على خلقه كل شيء] (٤) (٥). والضمير في خلقه كناية عن اسم الله تعالى، والذي يدل على ذلك أنه مصدر لم يسند الفعل المنتصب عنه إلى فاعل ظاهر، وما كان من هذا النحو أضيف المصدر فيه إلى الفاعل نحو: صنع الله. ووعد الله، وكتاب الله، فكما أضيف هذه المصادر إلى الفاعل كذلك يكون خلقه
(٢) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٤.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٤. قال الزجاج: (الذي خلق كل شيء خلقه)، فكلمة شيء ساقطة.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) "الحجة" ٥/ ٤٦١.
أحدهما: إن جعلتها صفة لكل كانت في موضع نصب، وإن جعلتهما وصفًا لشيء كانت في موضع جر، ومثل وصف النكرة بالجملة قوله: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام: ٩٢]، فقوله: ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ وصف لكتاب، وموضع الجمل رفع، والدليل على ذلك رفع مبارك بعده فتعلم بارتفاع المفرد أن الجملة قبله في موضع رفع (٢). ومعنى الإحسان على هذه القراءة يحتمل العلم ويحتمل الأحكام. قال الكلبي: أحكم كل شيء عمله، فلم يعنه عليه أحد (٣).
قوله تعالى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ قال مقاتل: يعني آدم، كان أوله طينًا فلما نفخ فيه الروح صار لحمًا (٤).
٨ - وقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: ولده وذريته (٥). ﴿مِنْ سُلَالَةٍ﴾ تقدم تفسيرها (٦). ﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ قال ابن عباس
(٢) انظر: الكلام بنصه في: "الحجة" ٥/ ٤٦٢.
(٣) ذكر نحوه "الماوردي" ٤/ ٣٥٥، ولم ينسبه.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٤ ب.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ٩٥، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٥٦، "البحر المحيط" ٨/ ٤٣٣، "مجمع البيان" ٨/ ٥١٢.
(٦) عند قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون: ١٢]، قال: السلالة: فعالة من السل، وهو استخراج الشيء من الشيء، يقال: سللت الشعر من العجين فانسل، وسللت السيف من غمده فانسل، ومن هذا يقال للنطفة: سلالة، وللولد: سليل وسلالة.
قال الزجاج: هو فعيل من المهانة، وهي القلة (٢). وذكر ذلك في قوله: ﴿كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم: ١٠].
وقال الليث: رجل مهين حقير، وقد مهن مهانة (٣).
قال أبو زيد: رجل مهين للضعيف من قوم مهناء (٤).
٩ - قال مقاتل: ثم رجع إلى آدم فقال: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ يعني: سوى خلقه ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾، ثم رجع إلى ذرية آدم فقال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ﴾ يعني بعد أن كنتم [نطفًا] (٥) السمع والأبصار والأفئدة (٦). وهذه نعم فلم يشكروا ربهم، فذلك قوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ يعني بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعمة في حسن خلقه فتوحدونه (٧) هذا كلامه (٨). وبعض المفسرين يجعل (٩) قوله: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ من صفة قوله: ﴿جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ (١٠).
(٢) انظر: قول الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٠٥.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" ٦/ ٣٣٠ (مهن). وانظر: "اللسان" ٣/ ٣٢٤، "الصحاح" ٦/ ٢٢٠٩.
(٤) "تهذيب اللغة" ٦/ ٣٣٥، (مهن). وانظر: "اللسان" ١٣/ ٣٢٤، "الصحاح" ٦/ ٢٢٠٩.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٤ ب.
(٧) في (ب): (فيوحدونه).
(٨) "تفسير مقاتل" ٨٤ ب.
(٩) في (ب): (يجعل هذا)، وهو خطأ.
(١٠) انظر:"مشكل إعراب القرآن" للقيسي ٢/ ١٨٦، "البيان في غريب إعراب القرآن" =
١٠ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: يريد أئذا صرنا (١) ترابًا ورفاتًا (٢).
وقال مجاهد ومقاتل: (هلكنا في الأرض وصرنا ترابًا) (٣).
وقال السدي: بليت أجسادنا في التراب (٤). وقال أبو عبيدة: (همدنا) (٥) في الأرض (٦).
وقال أبو إسحاق: صرنا ترابًا (٧) فلم يبين شيئًا من خلقنا (٨).
وقال ابن قتيبة: (بطلنا) (٩) [الأرض] (١٠). وأصل هذا من الضلال بمعنى الغيبوبة، يقال: ضل اللبن في الماء إذا غاب، وأضل الميت في القبر إذا غيبته في التراب (١١).
(١) في (أ): (وصرنا).
(٢) لم أقف على من نسبه لابن عباس. وقد ذكره الطبري ٩٧/ ٢١، النحاس في "معاني القرآن" ٥/ ٣٠٢، "الماوردي" ٤/ ٣٥٦ عن مجاهد وقتادة.
(٣) انظر: المصادر السابقة، "تفسير مجاهد" ٥١٠، "تفسير مقاتل" ٨٤ ب.
(٤) لم أقف على من نسبه للسدي، وقد ذكره الفراء في "معاني القرآن" ٢/ ٣٣١.
(٥) انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ١٣١.
(٦) في (ب): (همدنا في التراب الأرض)، وهو خطأ.
(٧) في (ب): (التراب).
(٨) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٥.
(٩) انظر: " تفسير غريب القرآن" ص ٣٤٦،"تأويل مشكل القرآن" ص ٤٥٧.
(١٠) هذه الكلمة في جميع النسخ، والذي يظهر أنها خطأ، إذ لا معنى لها هنا حسب فهمي، والله أعلم.
(١١) انظر: "تهذيب اللغة" ١١/ ٤٦٢ وما بعدها: (ضل)، "اللسان" ١١/ ٣٩٠ (ضلل)، "الاعتماد في نظائر الظاء والضاد" ص ٢٥.
أضلت بنو قيس (٢) بن سعد عميدها | وفارسها في الدهر قيس بن عاصم (٣) |
وقال النابغة:
فتاه مضلوه بعين جليةٍ (٤)
يريد مضليه: دافنيه.
وقوله تعالى: ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ استفهام بمعنى الإنكار، أنكروا أن يعاد خلقهم جديدًا بعد الموت. قال ابن عباس: أنكروا قدرة سيدهم جل جلاله (٥).
انظر: "طبقات فحول الشعراء" ١/ ١٤٣، "شرح اختيار المفضل" ١/ ٥٣٣، "معجم الشعراء" ص ١٧٧.
(٢) في (ب): (بنو).
(٣) البيت من الطويل للمخبل في "ديوانه" ص ٣١٨، "تهذيب اللغة" ١١/ ٤٦٥، "اللسان" ١١/ ٣٩٥.
(٤) صدر بيت من الطويل، وعجزه:
وغودر بالجولان حزم ونائل
وهو في الديوان وفي المصادر التي ورد فيها: فآب، وفي نسخ المخطوط: فتاه. انظر: "ديوانه" ص ١٢١، "تهذيب اللغة" ١١/ ٤٦٥، "اللسان" ١١/ ٣٩٥، "الدر المصون" ٥/ ٣٩٦. يريد بقوله: بعين جلية، أي بخبر صادق أنه مات، انظر: "اللسان" ١١/ ٣٩٥.
(٥) لم أقف عليه منسوبًا لابن عباس. وقد ذكر نحوه الطبري ٢١/ ٩٧ عن قتادة، =
قال الله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ يعني بالبعث [كافرون] (٣) لا يؤمنون به. قاله ابن عباس ومقاتل (٤).
١١ - وقوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ قال أبو إسحاق: تأويله أنه يقبض أرواحكم أجمعين، فلا ينقص واحد منكم، كما تقول: قد استوفى فلان، وتوفيت مالي عنده، تأويله أنه لم يبق لي عليه شيء (٥).
قوله: ﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ﴾ قال ابن عباس: يريد وكل بقبض أرواحكم (٦). ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾. قال مقاتل: يريد بعد الموت تصيرون إليه أحياء، فيجزيكم بأعمالكم (٧).
١٢ - قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ﴾ إذ تكون للماضي، وهذا إخبار عما هو آت بعد، وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى
(١) ما بين المعقوفين طمس في (ب).
(٢) انظر: "الحجة" ٥/ ٤٦٢، والكلام فيها: موضع إذا نصب بما دل عليه قوله: ؟ أئنا لفي خلق جديد؟ وكأن هذا الكلام يدل على: تعاد، والتقدير: تعاد إذا ضللنا..
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) لم أقف عليه منسوبًا لابن عباس. وانظر: "تفسير مقاتل" ٨٤ ب.
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٥.
(٦) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٥٠، "مجمع البيان" ٨/ ٥١٤.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٤ ب.
قوله: ﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ أي مطأطئوها. وقال [ابن عباس] (٢): من الندامة (٣). وذلك أن النادم من شأنه أن يطأطئ رأسه متفكرًا متحيرًا، فالإضافة في قوله: ﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ في تقدير الانفصال؛ لأنه لم يأت بعد لا (٤) للماضي، وقد مضى مثل هذا كثير كقوله: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ [الحج: ٩] ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥]. وذكرنا استقصاء هذه الآية عند قوله: ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ في سورة النساء [: ٩٧].
وقوله: ﴿رَبَّنَا﴾ أي: يقولون ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ ما كنا نجهل، وسمعنا ما كنا ننكر ﴿فَارْجِعْنَا﴾ إلى الدنيا ﴿نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ نقول: لا إله إلا الله. ﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ يريد: أيقنوا ذلك اليوم ما كانوا ينكروا (٥). قاله ابن عباس (٦).
قال أبو إسحاق: وهذا متروك الجواب، والجواب: لرأيت ما يعتبر به غاية الاعتبار (٧).
١٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ (٨) قال ابن
(٢) مكرر في (أ).
(٣) لم أقف عليه عن ابن عباس، وقد ذكره الطبري ٢١/ ٩٨ عن ابن زيد، والماوردي ٤/ ٣٥٩ عن يحيى بن سلام، والقرطبي ١٤/ ٩٥ بدون نسبة.
(٤) الكلام هنا غير واضح، ويظهر -والله أعلم- أن قوله: (بعد لا) زيادة لا معنى لها.
(٥) هكذا في النسخ! والصواب: ينكرون.
(٦) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٥١. وذكره الماوردي ٤/ ٣٥٩ عن يحيى بن سلام، وأبو حيان في "البحر" ٨/ ٤٣٥ عن النقاش.
(٧) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٦.
(٨) في النسخ: (ولقد آتينا)، وهو خطأ.
وقال مقاتل: يعني من كفار الإنس والجن جميعًا (٣). والقول الذي وجب من الله، قوله لإبليس يوم عصاه: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٥] والآية صريح (٤) في تكذيب القدرية (٥)؛ لأن الله تعالى قد أخبر بهذه الآية أن من لم يؤمن فإنما ذلك لأنه لم يشأ أن يؤتيه هداه.
١٤ - وقوله: ﴿فَذُوقُوا﴾ قال مقاتل: إذا دخلوا النار، قالت لهم الخزنة: فذوقوا العذاب (٦). ويجوز أن يكون المعنى: ويقال لهم: فذوقوا، فيكون القائل هو الله تعالى.
قال أبو علي: المعنى فذوقوا العذاب بما نسيتم، فحذف واستغني
(٢) "الوسيط" ٣/ ٤٥١.
(٣) "تفسير مقاتل" ٨٤ ب.
(٤) هكذا في النسخ، وهو خطأ. والصواب: صريحة.
(٥) القدرية: فرقة سموا بذلك لقولهم في القدر، فهم يزعمون أن العبد يخلق أفعال نفسه استقلالاً، فأثبتوا -بسبب قولهم- خالقًا مع الله، ولذا فهم مجوس هذه الأمة كما سماهم بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لأن لمجوس يثبتون خالقين: خالقًا للنور وخالقًا للظلمة، وهم ينفون العلم السابق والمشيئة السابقة.
انظر "الملل والنحل" للشهرستاني بهامش "الفصل في الملل والأهواء والنحل" ١/ ٦٥.
(٦) "تفسير مقاتل" ٨٤ ب.
كأنَّ لها في الأرض نسيًا تقصه | على أمها وإن تحدثك تبلت (٣) |
قوله تعالى: ﴿بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد تركتم لقاء يومكم، يريد حيث لم تعملوا لله بما يحب [ويرضى] (٥) (٦). وقال مقاتل: بما تركتم الإيمان بيومكم هذا (٧).
وقال السدي: بما تركتم أن تعملوا للقاء يومكم هذا (٨).
﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ تركناكم في العذاب ومن الرحمة. قاله مقاتل والسدي (٩). وتأويل النسيان هاهنا الترك في قول المفسرين وأهل
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) البيت من الطويل، وهو للشنفرى في "ديوانه" ص ٣٣، "تهذيب اللغة" ١٣/ ٨١، ١٤/ ٢٩٣ - ٢٩٤، "الخصائص" ١/ ٢٨، "اللسان" ٢/ ١١، ١٥/ ٣٢٤، وفي "شرح المفضليات" ص٢٠١، يقول: كأنها من شدة حيائها إذا مشت تطلب شيئًا ضاع منها، فالنسي: هو الفقد، وأمها: قصدها، تبلت: تنقطع في كلامها لا تطيله.
(٤) "الحجة" ١/ ٣٥ - ٣٦.
(٥) ما بين المعقوفين طمس في (ب).
(٦) لم أقف عليه.
(٧) "تفسير مقاتل" ٨٥ أ.
(٨) "الوسيط" ٣/ ٤٥٢، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٠.
(٩) "تفسير مقاتل" ٨٥ أ. وذكره الماوردي ٤/ ٣٦٠، ونسبه لمجاهد، ولم أقف عليه عن السدي.
﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ قال مقاتل: الذي لا ينقطع (٢).
﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والتكذيب.
ثم ذكر المؤمنين فقال:
١٥ - قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا﴾ قال ابن عباس ومقاتل: وعظوا بآيات القرآن (٣) ﴿خَرُّوا سُجَّدًا﴾ سقطوا على وجوههم ساجدين. ﴿وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ قالوا: سبحان الله وبحمده، وسبحان ربي الأعلى. وذكرنا هذا عند قوله: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ [البقرة: ٣٠] ﴿وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عن السجود كفعل كفار مكة.
١٦ - قوله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾ قال الليث: يقال: جفا الشيء يجفو جفاء ممدودًا، إذا سأل السرج (٤)، يجفو عن الظهر إذا لم يلزمه وكالجنب يجفوا عن الفراش وأنشد:
إن جنبي عن الفراش لنائي (٥) | كتجافي الأسر فوق الظراب (٦) (٧) |
(٢) "تفسير مقاتل" ٨٥ أ.
(٣) "تفسير مقاتل" ٨٥ أ، ولم أقف عليه عن ابن عباس.
(٤) هكذا في النسخ! وهو خطأ والصواب كما في "تهذيب اللغة": كالسراج.
(٥) هكذا في نسخة (أ)، وفي (ب): (نائي)، وهو في "تهذيب اللغة": لناب.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ١١/ ٢٠٦، (جفا).
(٧) البيت من الخفيف، وهو لمعد يكرب في "اللسان" ١/ ٥٦٩، ٤/ ٣٦٠، "التنبه والإيضاح" ١/ ١١٢، ٢/ ١٣٢، "كتاب العين" ٦/ ١٩٠، ٧/ ١٨٨. ولعمرو بن الحارث أخي معد يكرب في: "معجم الشعراء" ص ٤٦٧. والسرر: داء يأخذ البعير =
جفت عيني عن التغميض حتى | كأن جفونها عنها قصار (١) |
وقال الفراء: تقلق (٣).
وقوله: ﴿عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ المضجع: الموضع الذي يضطجع عليه، وجمعه المضاجع، وقيل ما يستعمل ضجع يضجع من باب الثلاثي، إنما يشعمل مضجع واضطجع.
قال ابن عباس في تفسير المضاجع: هي الأوطية (٤).
واختلفوا في الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من هم؟
فقال الحسن ومجاهد وأبو العالية: هم المجتهدون بالليل (٥). وهو بمعنى قول ابن عباس في رواية عطاء.
(١) البيت من الوافر، وهو لبشار بن برد في "ديوانه" ٣/ ٢٤٩، "الكامل للمبرد" ٢/ ٧٦٠، "لسان العرب" ١٥/ ٣٢٠.
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ١٣٢، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٧، "تفسير غريب القرآن" ص ٣٤٦.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٣١.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) انظر: "الطبري" ٢١/ ١٠١، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٠٤، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٣.
وقال آخرون: هم الذين كانوا لا ينامون حتى يصلون العشاء الآخرة، وهو قول أنس بن مالك ومجاهد وعطاء (٢).
قال أنس: نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة.
وقال مجاهد: نزلت في ناس من الأنصار، كانوا لا ينامون حتى يصلون العشاء الآخرة.
وقال عطاء: هي العتمة، يعني يصلونها ولا ينامون عنها (٣).
وقال آخرون: هم الذين يصلون بين صلاة المغرب إلى صلاة العشاء (٤) الآخرة، فأنزل الله هذه الآية (٥). روى قتادة عنه قال: نزلت فينا معاشر الأنصار، كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي -صلى الله عليه وسلم- (٦).
قوله تعالى: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ قال ابن عباس: خوفًا من
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١٠١، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٠٤، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٣.
(٣) انظر أقوال الثلاثة في: المصادر السابقة.
(٤) في (أ): (عشاء).
(٥) قال بهذا القول أنس وقتادة وعكرمة. انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١٠١، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٣.
(٦) أورده "السيوطي في الدر" ٦/ ٥٤٦ وعزاه لابن مردويه عن أنس، وأورده الطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٥١٨.
وقال مقاتل: خوفًا من عذابه، ورجاء في جنته (٢).
قال أبو إسحاق: (وانتصاب (٣) خوفًا وطمعًا؛ لأنه مفعول له، وحقيقته أنه في موضع مصدر؛ لأن ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ في هذا الموضع يدل على أنهم يخافون ويرجون، فهو في تأويل: يخافون خوفًا ويطمعون طمعًا (٤).
قوله تعالى: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ قال الكلبي: في الواجب عليهم والتطوع (٥).
١٧ - وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [أو] (٦) لا يعلم أحد ما خبئ لهؤلاء الذين ذكرهم مما تقر به أعينهم، وتفسير هذه الآية ما رواه الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول الله -عز وجل-: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بله ما أطلعتكم عليه، اقرأوا إن شئتم: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ (٧) ".
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٥ أ.
(٣) في (ب): (وانتصب).
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٧.
(٥) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٥٣. وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٣٣٩، ولم ينسبه لأحد.
(٦) (أو) يظهر أنها زائدة، وقد تكون خطأ من النساخ؛ لأنها لا تفيد شيئًا.
(٧) أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ =
وقال أبو إسحاق: هذه الآية دليل على أنه يجازي عليه أخفي لهم (٢). وهذا الذي ذكره أبو إسحاق جيد موافق لما ذكره القرطبي (٣) في هذه، قالوا: إنهم [أخفي] (٤) أخفوا لله عملًا فأخفى لهم ثوابًا، فقدموا على الله فقرت تلك الأعين.
وقال الحسن: أخفوا أعمالاً في الدنيا فأثابهم الله بعملهم (٥).
وروى ابن عباس في هذه الآية أنه دخل على بعضهم وذكر له هذه الآية فقال: العبد يعمل سرًا أسره إلى الله لم يعلم به الناس، فأسر الله له يوم القيامة قرة أعين (٦).
وقرأ العامة: أخفى، على الفعل الماضي فعل ذلك، اختاره أبو عبيدة قال: لأن الله تعالى قد فرغ منه هو كائن. وقرأ حمزة: أخفى بإسكان الياء، أي ما أخفى لهم أنار حجته، قراءة عبد الله: نخفي بالنون (٧).
قوله تعالى: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قال أبو إسحاق: انتصب جزاء،
(١) انظر: "الوسيط" ٣/ ٤٥٣، "مجمع البيان" ٨/ ٥١٨، "تفسير القرطبي" ١٤/ ١٠٤.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٧، وكلام أبي إسحاق هكذا: نجعل لفظ ما يجازي به (أخفي).
(٣) لم أقف على قول القرظي.
(٤) ما بين المعقوفين زيادة من (ب)، ولا معنى لها.
(٥) انظر: "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٤، "زاد المسير" ٦/ ٣٣٩، "القرطبي" ١٤/ ١٠٤.
(٦) لم أقف عليه.
(٧) انظر: "القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٥٣٠، "الحجة" ٥/ ٤٦٣.
١٨ - قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا﴾ قال السدي: نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة (٢) بن أبي معيط، وذلك أنه جرى بينهما تنازع وسباب، فقال له الوليد: اسكت فإنك صبي، وأنا والله أبسط منك لسانًا (٣). فقال له علي: اسكت، فإنك فاسق تقول الكذب فأنزل الله هذه الآية تصديقًا لما قاله علي (٤). وقال ابن عباس في رواية عطاء: الفاسق عقبة بن أبي معيط.
واختار الزجاج هذا (٥). والباقون قالوا: هو الوليد بن عقبة (٦).
قوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوُونَ﴾ قال الفراء: (ولم يقل: يستويان؛ لأن
(٢) هو: الوليد بن عقبة بن أبي معيط القرشي الأموي، أمه أروى بنت كريز أم عثمان ابن عفان -رضي الله عنه-، فهو أخو عثمان لأمه كنيتة أبو وهب، أسلم يوم الفتح، ولاه عثمان الكوفة ثم عزله، وكان شاعرًا كريمًا -رضي الله عنه-، توفي في خلافة معاوية.
انظر: "الإصابة" ٦/ ٣٢١، أسد الغابة ٥/ ٩٠، "سير أعلام النبلاء" ٣/ ٤١٢.
(٣) في (ب): (لسانك)، وهو خطأ.
(٤) أورده المؤلف في "أسباب النزول" له ص ٢٠٠ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، والسيوطي في "لباب النقول في أسباب النزول" ص ١٧٠، وعزاه للواحدي وابن عساكر من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس. وأخرجه "الطبري " ٢١/ ١٠٧ عن عطاء بن يسار. قال السيوطي في "لباب النقول": وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار مثله، وأخرج بن عدي والخطيب في "تاريخه" من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله.
(٥) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٨.
(٦) وبه قال: عطاء أيضًا وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومقاتل. انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١٠٧، "زاد المسير" ٦/ ٣٤٠.
١٩ - ثم أخبر عن منازل الفريقين فقال: ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا﴾ أي: الموضع الذي يأوي إليه المؤمنون، وأضاف الجنات إليه؛ لأن ذلك الموضع الذي يأوي إليه المؤمنون يتضمن جنات وبساتين.
قال أبو إسحاق: فشهد الله -عز وجل- لعلي بالإيمان، وأنه في الجنة بهذه الآية (٥). وقوله: ﴿نُزُلًا﴾ النزاع: ما تهيأ ويقام للنازل والضيف (٦). وقد مر تفسيره (٧). وانتصب نزلًا على الحال من الجنات كأنه قيل: لهم الجنات معدة، ويجوز أن يكون مفعولًا له.
٢٠ - ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ الآية، مفسرة في سورة الحج.
(٢) أي: غير مقصودين، تقول: صمده وصمد إليه أي: قصده. انظر: "اللسان" ٣/ ٢٥٨.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٣٢.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٨.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٨.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" ١٣/ ٢١١، (نزل).
(٧) عند قوله تعالى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٨]
قال (١): هو الجوع الذي ابتلوا به بمكة سبع سنين حتى أكلوا الجيف. وهو قول ابن عباس في رواية عطاء، وابن مسعود في رواية أبي عبيد، ومجاهد في رواية ابن أبي نجيح (٢).
وقال أبي بن كعب: هو مصائب الدنيا. وهو قول إبراهيم، قال: أشياء يصابون بها في الدنيا ويبتلون في أموالهم لعلهم يقبلون إلى الله. وهو قول الحسن، ورواية الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس (٣).
القول [الثالث] (٤) في العذاب الأدنى: أن القتل يوم بدر. وهو قول عبد الله في رواية مسروق عنه، وقول قتادة والسدي، قال: العذاب الأدنى: يوم بدر [بالسيف] (٥)، لم يبق بيت من بيوت قريش إلا دخله غرم أو قتل (٦). وقال عبد الله بن الحارث بن نوفل: كل شيء وعد الله هذه الأمة من العذاب الأدنى إنما هو السيف (٧).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٥/ ب، "تفسير الطبري" ٢١/ ١١٠، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٠٩، "تفسير مجاهد" ص ٥١١، "زاد المسير" ٦/ ٣٤١.
(٣) انظر: "المصادر السابقة" والماوردي ٤/ ٣٦٥.
(٤) و (٥) ما بين المعقوفين طمس في (ب).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١٠٩، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣٠٨، "مجمع البيان" ٨/ ٥٢٠، "زاد المسير" ٦/ ٣٤١.
(٧) لم أقف عليه منسوبًا لابن عباس، وقد ذكره الماوردي ٤/ ٣٦٥ عن ابن مسعود.
وقوله: ﴿لَ١ (٣).
٢٢ - قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا﴾ [الكهف: ٥٧] مفسر في سورة الكهف.
وقوله: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ قال مقاتل: نزلت في المطعنين (٤) والمستهزئين من قريش، انتقم الله منهم بالقتل ببدر، وتعجيل أرواحهم إلى النار (٥).
٢٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ يعني: التوراة. ﴿فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾ قال مجاهد: من أن تلقى موسى (٦). وقال الكلبي: من لقاء موسى، فلقيه حين أسري به من بيت المقدس. ونحو هذا قال
(٢) لم أقف عليه.
(٣) وبه قال أيضًا أبو العالية وقتادة وإبراهيم. انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١١١، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٥.
(٤) هكذا في النسخ! وفي "تفسير مقاتل" ٨٥ ب: المطعمين.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٥ ب.
(٦) "تفسير مجاهد" ص ٥١١، "زاد المسير" ٦/ ٣٤٣.
﴿فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾ (٤) من لقاء ربك. وعلى هذا القول قال صاحب النظم: هو كلام اعترض من بين قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ (٥) وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى﴾. والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمراد به غيره ممن ينكر البعث، وهم الذين ذكروا في قوله: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾. والمعنى: فلا تكن في مرية من البعث.
في الآية قولان آخران أشبه بالنفس وأليق بظاهر الآية. قال ابن عباس في رواية عطاء: فلا تكن في مرية في شك من لقائه، يريد الكتاب، يريد تصديق التوراة (٦).
وقال مقاتل: فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب، فإن الله ألقى الكتاب إليه. وذكر أبو إسحاق أيضًا هذا القول (٧). وشرحه أبو علي فقال: هو على إضافة المصدر إلى المفعول، مثل: ﴿بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ﴾ [ص: ٢٤]،
(٢) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: ورواه.
(٣) انظر: "مجمع البيان" ٨/ ٥٢٠، ونسبه للسدي مباشرة.
(٤) قوله. (من لقائه) ساقط من (أ).
(٥) قوله: (ولقد) ساقط من (أ).
(٦) أورد الطبرسي في "مجمع البيان" ٨/ ٥٢٠ عن الزجاج، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٦/ ٣٤٣ عن السدي والزجاج. ولم أقف عليه منسوبًا لابن عباس.
(٧) انظر: "تفسير مقاتل" ٨٥ ب، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٩.
القول الثاني: قال أبو إسحاق: ويجوز أن تكون الهاء لموسى والكاف محذوف؛ لأن ذكر الكتاب قد جرى (٢) كما جرى ذكر موسى (٣).
قال أبو علي: يجوز أن يكون الضمير لموسى والمفعول به محذوف، كقوله: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] فالدعاء مضاف إلى الفاعل والمفعولون محذوفون، ومثل ذلك في إضافة المصدر إلى الفاعل وحذف المفعول به، قوله: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [غافر: ١٠] فلم يذكر مفعول مقت الله (٤).
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الضمير للكتاب في قول الجميع، قالوا: جعلنا التوراة هدى لبني إسرائيل من الضلالة. قال قتادة: وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل، أي هاديًا، وجعلنا من بني إسرائيل أئمة قادة في الخير (٥). ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ يدعون الناس إلى طاعة الله بأمر الله،
(٢) في (ب): (جر).
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢٠٩.
(٤) انظر: "الحجة" ٢/ ٢٩.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١١٢ - ١١٣، "تفسير الماوردي" ٤/ ٣٦٦، "زاد المسير" ٤/ ٣٤٤.
وقال قتادة: هم سوى الأنبياء (١).
٢٤ - ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾، وتقرأ: (لِمَا صبروا) أي لصبرهم. ومن قرأ: لما صبروا، فالمعنى معنى حكايته المجازاة، أي لما صبروا جعلناهم أئمة. قال أبو علي: من قرأ لِما، جعله كالمجازاة، إلا أن الفعل المتقدم أغنى عن الجواب، كما أنك إذا قلت: أجيك إن جئت، تقديره: إن جئت أجئك، فاستغنيت عن الجواب بالفعل المتقدم. ومن قال: لِما، علق الجار جعلنا، التقدير: جعلنا منهم أئمة لصبرهم (٢).
قال ابن عباس: لما صبروا على دينهم (٣).
قال مقاتل: لما صبروا على البلاء حين كانوا بمصر ما لا يطيقون (٤).
وقال ابن المبارك: لما صبروا على الدنيا (٥).
قوله تعالى: ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد ماتوا على يقين من أمرنا (٦).
وقال مقاتل: يعني الآيات التسع أنها من الله (٧).
٢٥ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ﴾ أي يقضي ويحكم. ﴿بَيْنَهُمْ﴾
(٢) في "الحجة" ٥/ ٤٦٤، وانظر: "علل القراءات" ٢/ ٥٣١.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) "تفسير مقاتل" ٨٥ ب.
(٥) أورده الطبري ٢١/ ١١٣ عن أبي، والماوردي ٤/ ٣٦٦ عن سفيان. ولم أقف عليه عن ابن المبارك.
(٦) لم أقف عليه.
(٧) "تفسير مقاتل" ٨٥ ب.
ثم خوف كفار مكة فقال:
٢٦ - ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: أو لم نبين لهم (٢).
﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ وقال الفراء: (كم) في موضع رفع بـ ﴿يَهْدِ﴾، كأنك قلت: أو لم تهدهم القرون الهالكة (٣).
قال أبو إسحاق: (وهذا لا يجوز عند البصريين (٤)؛ لأن لم لا تعمل ما قبل كم في كم لا يجزئ في قولك: كم رجل جاءني أن تقول: جائني كم رجل؛ لأن كم لا تزال عن الابتداء، وحقيقة هذا أن كم في موضع نصب بأهلكنا (٥). وفيه تأويل الرفع كما تقول: قد تبين لي أقام زيد أم عمرو فتكون (٦) الجملة مرفوعة في المعنى، كأنك قلت: تبين لي ذلك (٧). وهذا القول قال في مثل هذه الآية في آخر سورة طه [آية: ١٢٨]. وقد ذكرنا تفسير الآية هناك.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٢١/ ١١٣، "معاني القرآن" للنحاس ٥/ ٣١٢، "تفسير كتاب الله" لهود بن محكم ٣/ ٣٤٩، "مجمع البيان" ٨/ ٥٢٢.
(٣) "معاني القرآن" ٢/ ٣٣٣.
(٤) في (أ): (المصريين)، وهو خطأ.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢١٠.
(٦) في (أ): (فيكون).
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٣٣.
٢٧ - قال مقاتل: ثم وعظهم ليحذروا (٢). فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ﴾ قال ابن عباس: يريد السيل (٣).
﴿إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ قال الفراء والزجاج: هي التي لا تنبت، وفيه أربع لغات: جرز وجرز وجرز وجُرُز، ومثله الشغل والبخل، يأتي فيه اللغات الأربع (٤).
وذكرنا تفسير الجرز واشتقاقه في سورة الكهف (٥). قال ابن عباس: يريد أرضًا باليمن ليس فيها بحار ولا أنهار، يأتيها السيل من حيث لا يعلمون، فيزرعون عليه كلما أحبوا من الحبوب (٦).
وقال مجاهد: هي أرض (٧) التي لا تنبت بالمطر إلا بما يأتيها من السيل (٨).
(٢) "تفسير مقاتل" ٨٥ ب.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) انظر: "معاني القرآن" ٢/ ٣٣٣، "معاني القرآن وإعرابه" ٤/ ٢١١.
(٥) عند قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ آية: ٨ قال هناك: وأما المجرز فقال الفراء: الأرض لا نبات فيها، يقال: جرزت الأرض فهي مجروزة، وجرزها الجراد ما عليها.
(٦) ذكره نحوه: الطبري ٢١/ ١١٥، الماوردي ٤/ ٣٦٧، "مجمع البيان" ٨/ ٥٢٣.
(٧) هكذا في النسخ! والصواب: الأرض.
(٨) "تفسير مجاهد" ص ٥١١.
قال المبرد (٢): على هذا القول إنها أرض بعينها، يساق إليها الماء من غير مطر يصيبها، فيأتيها السيل من نواحي فسمى جرزًا بأن المطر لا يقع فيها. قال: وهذا القول بعيد في العربية؛ لأن حق مثل هذا لا يدخل عليه الألف واللام؛ لأنه معرفة كمكة ودمشق، وجوازه إن سميت باسم مشترك كقولك: المدينة والبصرة والكوفة فمجازها مجاز نظيرها من الأسماء، كالفعل والعباس والحارث، وسبب دخول اللام على هذه الأسماء مع كونها معارف أنها أوصاف نقلت فصارت أعلامًا، وأضمرت فيها لام التعريف على ضرب من توهم روائح الصفة فيها.
وقال السدي في هذه الآية: هي الأرض الميتة التي لا نبات لها، حتى إذا جاء الماء أنبتت ما يأكل الناس والدواب. ونحو هذا قال مقاتل (٣). وهذا القول كان أجود؛ لأنه أشبه بنظائر هذه الآية من الاحتجاج على منكري البعث بإحياء الأرض الميتة، ولم يأت شيء منها في أرض بعينها.
(٢) انظر: قول المبرد في: "القرطبي" ١٤/ ١١٠.
(٣) أورده الطبري ٢١/ ١١٥ عن ابن زيد، ولم أقف عليه عن السدي، وانظر: "تفسير مقاتل" ٨٥ ب.
٢٨ - قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ يعني القضي، وهو يوم البعث، يقضي الله فيه بين المؤمنين والكافرين. وقول قول قتادة ومجاهد ومقاتل، قالوا: إن المؤمنين قالوا للكافرين: إن لنا يومًا ننعم فيه ونستريح، فقالوا: متي هذا (١)؟ وقال السدي: هو يوم بدر، وذلك أن المسلمين قالوا لهم: لنا يوم يفتح فيه بيننا وبينكم، ينصرنا الله ويظهرنا عليكم، فقالوا: متى هذا (٢)؟
وقال الكلبي: يعني فتح مكة (٣).
٢٩ - قال الله لنبيه -عليه السلام-: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ﴾ أي الإيمان لا ينفع يوم القضاء بين الخلق. ومن قال: إنه يوم بدر، أراد لا ينفعهم الإيمان إذا جاءهم العذاب وقتلوا. ومن قال: إنه فتح مكة، قال: هذا لمن قبله (٤) خالد بن الوليد من بني كنانة، وهو قول الكلبي. وأضعف الأقوال هذا القول. قوله: ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ أي لا يؤخر العذاب عنهم.
(٢) انظر: "مجمع البيان" ٨/ ٥٢٣. وذكره ابن الجوزي ٦/ ٣٤٥ عن السدي، قال: إنه اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب في الدنيا.
(٣) انظر: "زاد المسير" ٦/ ٣٤٥. وذكره الماوردي ٤/ ٣٦٨ عن الفراء.
(٤) هكذا في النسخ! ولعل الصواب: من قابله.
تم بحمد الله [وعونه] (٤).
(٢) "تفسير مقاتل" ٨٦ أ.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).