ﰡ
[المقدمة]
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الذي أظهر شعائر الشرع وأحكامه، فتناولت جوانب الحياة كافة، فجاءت مفصّلة لكلّ شيء وتبيانا، فأرسل رسلا وأنبياء مبيّنين وكاشفين للشريعة الربانية، فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأخلفهم بعلماء في النهج متبعين، يسلكون فيما لم يؤثر عنهم مسلك الاجتهاد، فخصّ أولئك المستنبطين بالتوفيق، فكانت الحوادث والنوازل معهم موضع البحث والتدقيق فأصبحت متشعبة.أمّا بعد
: فإنّ علم التفسير هو الكنز الدفين، وملجأ لكل طالب معرفة في تبيان أحكام الشريعة، وقول فصل في المتنازع فيه، وكاشف حق، ومبيّن حكم، ومظهر للّفظ رونقه وللحكم معناه.
وإنّ فن التفسير هو محض توفيق، وصاحبه ذو ذوق رفيع، إذ أنّه كلما خاض فيه ازداد معرفة وإحاطة به، وأخرج منه لطائفه، فلا يمكن لأحد أن يتناول جوانبه كافة.
ولذا فإنّ المتتبع لفن التفسير يجد بعدا في منهجية المفسرين أو طابعا مختلفا ما بين الواحد والآخر.
ثم إنّ كتب التفسير تبلورت تحت عناوين صنّفت في مناهج عدّة: منها ما هو متصف بالمأثور، ومنه باللغة وآخر بالأحكام، وآخر بالبلاغة وآخر بالتنزيل... أي أنّه لم يحو مفسّر فنون التفسير جملة، فاتّصف المفسّر بهذا المنهج الذي سلكه أو بالمحتوى الذي ارتسم عنده، ولذلك نجد علم التفسير أنواع:
أولا: التفسير بالمأثور فهو مما لا دخل للاستنباط العقلي فيه أو الاجتهاد، ولا يمكن اعتبار التفسير بالمأثور إلا إذا استند على مصادر هي: تفسير القرآن بالقرآن، القرآن بالسنة، القرآن بمأثور الصحابي، أو التابعي، ومن أشهر المفسرين في هذا النهج: ابن جرير الطبري، وأبو الليث السمرقندي، والثعلبي، والنيسابوري، والبغوي، وابن كثير، والسيوطي.
ثانيا: التفسير بالرأي، فهو الذي يبنى على أسس النظر والاستدلال العقلي والاستنباط ومن أشهر هؤلاء في هذا النهج: الفخر الرازي، والبيضاوي، والنسفي، والخازن، والجلالان وأبو السعود والألوسي.
رابعا: التفسير الكلامي فهو الذي يتناول موضوعات علم الكلام في الإلهيات والنبوات ومن أشهر هؤلاء في هذا النهج: القاضي عبد الجبار صاحب كتاب تنزيه القرآن عن المطاعن، والشريف المرتضى صاحب كتاب أمالي الشريف المرتضى، والزمخشري صاحب الكشاف.
خامسا: التفسير الفقهي وهو تفسير شبه متأخر لأنّه يحمل وجهة نظر المذاهب فعلى سبيل المثال:
من الحنفية: ألف أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص كتابه أحكام القرآن.
ومن الشافعية: ما جمعه عن الإمام الشافعي أبو بكر البيهقي وأبو الحسن الطبري المعروف بالكياالهراس (٥٠٤ هـ) وكتابه أحكام القرآن.
ومن المالكية: ألف أبو بكر بن العربي كتابه أحكام القرآن وكذلك الإمام القرطبي صاحب كتاب الجامع لأحكام القرآن.
والكتاب الذي بين أيدينا «كتاب آيات الأحكام للسايس» يعتبر من المراجع المهمة في كتب الأحكام إذ حوى جلّ آيات الأحكام فتناول المؤلف من خلال الآية استعراض الأحكام فيها- هذا باختصار-.
وأمّا بالتفصيل لقد اعتمد منهجية التفسير كافة، فنجده:
- أولا: يسلك المعنى بالمأثور ويعتمد بالدرجة الأولى- وحيد عصره- ابن جرير الطبري صاحب كتاب (جامع البيان في تفسير القرآن) والذي يعتبر من أقوم التفاسير وأشهرها، وكذلك يعتمد على تفسير الإمام السيوطي صاحب كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور.
- ثانيا: يسلك المعنى بالرأي ويعتمد في ذلك على الفخر الرازي صاحب كتاب مفاتيح الغيب، وكذلك على الزمخشري، والذي يغلب عند الأخير المنحى اللغوي والعقدي، وأيضا الإمام أبو السعود صاحب كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، إضافة إلى الألوسي صاحب كتاب روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني.
- ثالثا: من ناحية الأحكام فنجده يعتمد على كتاب الإمام القرطبي وعلى الإمام الجصاص إضافة إلى ابن العربي.
- خامسا: من الناحية العقدية فقد يتطرق للأمر إن وجد حاجة تترتب على هذا الخلاف.
وأخيرا من الناحية اللغوية فكثيرا ما يعنى بهذا الأمر ويستشهد لما يقوله من كلام العرب. وإضافة إلى أوجه القراءة.
فكان كتابا شافيا في حكمه، وعونا لأهل العلم بتنوع الآراء مع الاستدلال، يرجع إليه في موضع الحاجة.
وعملنا في الكتاب
لقد حوى الكتاب كثيرا من الآيات والأحاديث والأقوال من آراء المفسرين والفقهاء واللغويين وأوجه القراءة وسرد الحوادث وذكر الأعلام.
فتناولت فيه تخريج الآيات والأحاديث بالتفصيل، ثمّ تناولت تخريج جلّ الأقوال من المفسّرين والفقهاء وخاصة مذهب الحنفية.
ثم تناولت الحوادث بإثبات المراجع لها.
وكذلك قمت بتراجم الأعلام من فقهاء ومؤلفين وشعراء وأدباء.
ثم إني أرجو الله أن أكون موفقا بعملي هذا، كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى كل من قدّم لي عونا في هذا العمل المتواضع، كما أتوجه بالشكر إلى دار النشر على هذا العمل البناء في خدمة الشريعة في نشر العلم وتقديم العون لطلبة العلم في مواصلة المسير في ركاب المعرفة والثقافة.
والحمد لله في الأول والآخر فإنّه خير مسؤول ومأمول.
وكتبه ناجي سويدان
أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم أعوذ: أستجير.
الشيطان: المتمرّد من الإنس والجنّ والدواب، بدليل قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ... [الأنعام: ١١٢] وقول «١» عمر رضي الله عنه وقد ركب برذونا «٢» فتبختر به: «لقد حملتموني على شيطان، والله لقد أنكرت نفسي». وإنما أطلق الشيطان على المتمرّد لأنه مأخوذ من شطن، وهي بمعنى بعد، يقال: شطنت داري عن دارك أي بعدت، قال الشاعر «٣» :
نأت بسعاد عنك نوى شطون | فبانت والفؤاد بها رهين |
الرجيم: فعيل بمعنى مرجوم. ككحيل بمعنى مكحول، ورهين بمعنى مرهون، وهو من الرجم بمعنى الرمي، سواء أكان بقول أم حصى، والشيطان مرجوم إذ هو مرمي باللعن والسب.
المعنى: أستجير بالله من الشيطان الملعون المذموم أن يغويني ويضلّني.
(٢) البرذون: دابة خاصة من الخيل، الغليظ الأعضاء الجافي الخلقة وهو من الخيل غير العربية انظر تاج العروس للزبيدي (١٨/ ٥٤).
(٣) الأعشى انظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي (١/ ٥٩).