تفسير سورة الإخلاص

جهود الإمام الغزالي في التفسير
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير .
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ
١٢٩٤- قال صلى الله عليه وسلم :﴿ قل هو الله أحد ﴾ تعدل ثلث القرآن١، فما أراك أن تفهم وجه ذلك، فتارة تقول : هذا ذكره للترغيب في التلاوة، وليس المعنى به التقدير، وحاشا منصب النبوة عن ذلك، وتارة تقول : هذا بعيد عن الفهم والتأويل، وأن آيات القرآن تزيد على ست آلاف آية، فهذا القدر كيف يكون ثلثها ؟
وهذا لقلة معرفتك بحقائق القرآن، ونظرك إلى ظاهر ألفاظه، فتظن أنها تكثر وتعظم بطول الألفاظ وتقصر بقصرها، وذلك كظن من يؤثر الدراهم الكثيرة على الجوهر الواحد، نظرا على كثرتها.
فاعلم أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن قطعا، وارجع إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرناها في مهمات القرآن ؛ إذ هي معرفة الله تعالى، ومعرفة الآخرة، ومعرفة الصراط المستقيم، فهذه المعارف الثلاثة هي المهمة، والباقي توابع، وسورة " الإخلاص " تشتمل على واحد من الثلاث، وهو معرفة الله وتوحيده وتقديسه عن مشارك في الجنس والنوع، وهو المراد بنفي الأصل والفرع والكفؤ، ووصفه بالصمد يشعر بأنه الصمد الذي لا مقصد في الوجود للحوائج سواه، نعم ليس فيها حديث الآخرة، ومعرفة الصراط المستقيم، فلذلك تعدل ثلث القرآن، أي ثلث الأصول من القرآن، كما قال عليه السلام :( الحج عرفة )٢ أي هو الأصل، والباقي توابع. ( جواهر القرآن : ٤٨ )
١٢٩٥- لما قال بعض الأعراب لرسول الله : ما نسبة الله ؟ نزل في جوابه :﴿ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ﴾ معناه : التقديس عن النسبة. ( مشكاة الأنوار ضمن المجموعة رقم ٤ ص : ٢٨ )
١ - رواه الترمذي في سننه: ن أبوبا فضائل القرآن ٤/٢٤٠ حديث رقم ٣٠٥٩..
٢ - روى أبو داود في سننه [[.. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فنادى: الحج الحج يوم عرفة]] ن. كتاب المناسك حديث رقم ١٩٤٩..

﴿ قل هو الله أحد ﴾( ١ )
١٢٩٦- يعني : إلى الناس دون الجن. ( المنخول : ١٦٦ )
١٢٩٧- الأحد : هو المسلوب عن النظير والقسمة. ( روضة الطالبين وعمدة السالكين ضمن المجموعة رقم ٢ ص : ٦٥ )
١٢٩٨- فرق بين الواحد والأحد، قال الله تعالى :﴿ وإلهكم إله واحد ﴾١ فيقال : الإنسان شخص واحد وصنف واحد، والمراد به أنه جملة هي جملة واحدة، ويقال : ألف واحدة، فالواحد المشار إليه من طريق العقل والحس هو الذي يمتنع مفهومه عن وقوع الشركة فيه، والأحد هو الذي لا تركيب فيه، ولا جزء له بوجه من الوجوه، فالواحد نفي الشريك والمثل، والأحد نفي الكثرة في ذاته. ( المضنون به على غير أهله ضمن المجموعة رقم ٤ ص : ١٢٩-١٣٠ )
١ - البقرة: ١٦٢..
﴿ الله الصمد ﴾( ٢ )
١٢٩٩- الصمد : الغني المحتاج إليه غيره، وهذا دليل على أن الله تعالى [ أحدي ]١ الذات وواحد ؛ لأنه لو كان له شريك في ملكه لما كان صمدا غنيا يحتاج إليه غيره ؛ بل كان هو أيضا يحتاج إلى شريكه في المشاركة والتثنية، ولو كان له أجزاء تركيب واحد لما كان صمدا يحتاج إليه غيره ؛ بل هو محتاج في قوامه ووجوده إلى أجزاء تركيبه وحده، فالصمد دليل على الواحدية والأحدية.
١ - في الأصل المطبوع: إحدى والصواب ما أثبته..
﴿ لم يلد ولم يولد ﴾( ٣ )
و﴿ لم يلد ﴾ دليل على أن وجوده المستمر، ليس مثل وجود الإنسان الذي يبقى نوعه بالتوالد والتناسل ؛ بل هو وجود مستمر ألالي وأبدي.
﴿ ولم يولد ﴾ دليل على أن وجوده ليس مثل وجود الإنسان الذي يحصل بعد العدم، ويبقى دائما إما في جنة عالية لا تفنى، وإما في هاوية لا تنقطع.
﴿ ولم يكن له كفؤا أحد ﴾( ٤ )
﴿ أحد ﴾ دليل على أن الوجود الحقيقي الذي له تبارك وتعالى، وهو الوجود الذي يفيد وجود غيره، ولا يستفيد الوجود من غيره، ليس إلا له تبارك وتعالى.
﴿ قل هو الله أحد ﴾ دليل على إثبات ذاته المنزه المقدس، والصمدية نفي وإضافة : نفي الحاجة عنه، واحتياج غيره إليه، والأحدية ﴿ لم يلد ﴾ على آخر السورة سلب ما يوصف به غيره تعالى عنه. فلا طريق في معرفة ذات الله تعالى أبين وأوضح من سلب صفات المخلوقات عنه. ( نفسه : رقم٤ ص ١٣٠ )
Icon