تفسير سورة السجدة

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

﴿ الۤـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾؛ أي الم هو تنْزيلُ الكتاب، لا شكَّ فيه أنه تَنَزَّلَ من رب العالمين.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ ﴾؛ معناهُ: يقول أهلُ مكَّة: اخْتَلَقَهُ مُحَمَّد من تلقاءِ نفسه، وليس كما يقولون.
﴿ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً ﴾؛ أي لتخوِّفَ بالقرآن قَوماً؛ ﴿ مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾؛ لم يشاهدوا قبلَكَ في زمانِهم الذي هم فيه رسُولاً مُخَوِّفاً؛ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾؛ أي لكي يهتَدُوا إلى الإيمانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾؛ أي في مقدار ستَّة أيام من أيامِ الدنيا، أوَّلُها يوم الأحدِ.
﴿ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾؛ أي استولَى عليه، وقد تقدَّم في ذلك في سورة الأعرافِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ ﴾؛ أي قريبٍ ينفعُكم.
﴿ وَلاَ شَفِيعٍ ﴾؛ يشفعُ لكم.
﴿ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ ﴾؛ أي أفلاَ تعتَبرون.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ﴾؛ أي يدبرُ اللهُ أمرَ الدنيا مدَّة أيامها، فيُنْزِلُ القضاءَ والقدرَ من السَّماء إلى الأرضِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾؛ قال ابنُ عباس: مَعْنَاهُ يَعُودُ إلَيْهِ الأَمْرُ وَالتَّدْبيرُ حِينَ يَنْقَطِعُ أمْرُ الأُمَرَاءِ وَأحْكَامُ الْحُكَّامِ، وَيَنْفَرِدُ اللهُ تَعَالَى بالأَمْرِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ) يَعْنِي أنَّ يَوْماً مِنْ أيَّامِ الآخِرَةِ مِثْلَ ألْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أيَّامِ الدُّنْيَا، وَأرَادَ بهَذا الْيَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيْلَ: معناهُ: يقطع الملَكُ من المسافةِ نازلاً وصاعداً في يومٍ واحد وهو مسيرةُ ألفِ عام مما يعدُّه أهل الدنيا بمسيرِهم، وذلك أنَّ بين السماءِ والأرض مسيرةَ خمسمائة عامٍ لبني آدمَ، وصعودهُ من الأرضِ إلى السماء كذلكَ؛ والملَكُ يقطعهُ في يومٍ واحد. ولو أرادَ الله من الملَك الصعودَ والنُّزول بدون مقدارهِ (اليومَ) لفعلَهُ الملَك. وأما قولهُ﴿ تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾[المعارج: ٤] فإنْ كان أرادَ مدَّةَ المسافةِ من الأرض إلى سِدْرَةِ المنتهَى التي فيها مقامُ جبريل، فالمعنى يسيرُ جبريلُ والملائكة الذين معه من أهلِ مقامه مسيرةَ خمسين ألفَ سنةٍ في يوم واحدٍ من أيامِ الدنيا، فيكون معنى قوله تعالى: ﴿ إلَيْهِ ﴾ على هذا التأويلِ؛ أي إلى مكان الملَك الذي أمرَهُ الله أن يعرجَ إليه، وكقول إبراهيمَ عليه السلام:﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي ﴾[الصافات: ٩٩] أي حيث أمرَنِي ربي بالذهاب إليه، وهو الشَّام. وكذلك قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾[النساء: ١٠٠] أي إلى المدينةِ. ولم يكن اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بالمدينةِ ولا بالشام. وعن أبي هريرةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" أتَانِي مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ إلَى الأَرْضِ قَبْلَهَا قَطُّ برِسَالَةٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ رَفَعَ رجْلَهُ فَوَضَعَهَا فَوْقَ السَّمَاءِ وَالأُخْرَى فِي الأَرْضِ لَمْ يَرْفَعْهَا ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾؛ أي ذلك الذي صَنَعَ ما ذكرناهُ من خلقِ السماوات والأرض، هو عالِمُ ما غابَ عن الخلقِ وعالِمُ ما خفِيَ، لا يقدرُ عليه سواهُ كما لا يعلم الغيبَ غيرهُ. وقوله تعالى: ﴿ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴾؛ أي القادرُ الذي لا يُقاوَم، المنيعُ في مُلكهِ، المنعِمُ على عبادهِ.
قولهُ تعالى: ﴿ ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾؛ قرأ نافع وأهل الكوفة: (خَلَقَهُ) بفتحِ اللام على الفعل؛ أي أحكمَ كلَّ شيء مما خلَقهُ. وقرأ الباقون: (خَلْقَهُ) بسكون اللام؛ أي أحسنَ خلقَ كلِّ شيء، فيكون نصبُ قوله: (خَلْقَهُ) على البدلِ. وقال مقاتلُ: ((مَعْنَاهُ: الَّذِي عَلِمَ كَيْفَ يَخْلُقُ الأَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ أنْ يُعْلِّمَهُ أحَدٌ)). وقال السديُّ: ((أحْسَنَهُ: لَمْ يُعَلِّمْهُ مِنْ أحَدٍ)). قِيْلَ: إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا طوَّل رجل البهيمةِ والطير، طوَّل عُنقَهُ لئلا يتعذرَ عليه تناولُ قُوتِه من الأرض، ولو لم يطوِّل عنُقه لما نالَ معيشته. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ ﴾؛ يعني آدمَ عليه السلام كان أول طيناً.
﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ﴾؛ أي ذرِّيته.
﴿ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾؛ أي من قليلٍ من الماء ينسَلُّ من صُلب الرجل وترائب المرأة، وهي النطفةُ، ووصفَها بالـ (مُهِينٍ) لأنه لا خطرَ له عند الناسِ. وسُميت سُلالةً لأنَّها تَنْسَلُّ من الإنسانِ؛ أي تخرجُ. والهيِّنُ هو الضعيفُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ﴾؛ رجعَ إلى ذكرِ آدم، يعني سوَّى خلقَهُ ونفخَ فيه من روحهِ؛ ثم عادَ إلى ذُريَّته فقال: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ ﴾؛ بعد أنْ كنتم نُطَفاً. والأفئدةُ هي القلوبُ.
﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾؛ هذه النِّعَمَ فتوحِّدونَهُ. والمعنى: خلقَ لكم السمعَ فاستمِعُوا إلى الحقِّ، والأبصارَ فأبصِرُوا الحقَّ، والأفئدةَ؛ أي القلوبَ؛ فاعقِلُوا الحقَّ. وَقِيْلَ: معنى ﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ ﴾ يعني الماءَ المهينَ جَمَعَهُ وخلقَهُ وصوَّرَهُ ونفخَ فيه من روحهِ؛ أي نفخَ فيه الروحَ الذي يحيا به الناسُ. أضافَ الله ذلك إلى نفسهِ لأنه هو الخالقُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾؛ أي قال الكفارُ: إئذا هلَكنا وانقطعت أوصالُنا وذهبت آثارُنا وصِرنَا تُراباً، فلم يتبيَّن شيءٌ من خلقِنا، أنُبعَثُ بعد ذلك؟! هذا لا يكونُ أبداً. ومعنى الضَّلالة في اللغة: الغيبوبةُ، يقال: ضلَّ متاعُ فلان وضاعَ، بمعنى واحد. وقولهُ تعالى: ﴿ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ﴾؛ أي ليس كما يقولون أنَّهم لا يُبعثون، بل هم بلقاءِ ربهم كافِرُون.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ﴾؛ أي يقبضُ أرواحَكم أجمعين ملكُ الموتِ.
﴿ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾؛ قال مجاهد: ((حُوِيَتْ لَهُ الأَرْضُ فَجُعِلَتْ لَهُ مِثْلَ طِسْتٍ، يَتَنَاوَلُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ)). وقال الكلبيُّ: ((اسْمُ مَلَكِ الْمَوْتِ عِزْرَائِيلُ، وَلَهُ أرْبَعَةُ أجْنِحَةٍ: جَنَاحٌ مِنْهَا بالْمَشْرِقِ، وَجَنَاحٌ بالْمَغْرِب، وَالْخَلْقُ بَيْنَ رجْلَيْهِ وَرَأسِهِ وَجَسَدِهِ، وَجُعِلَتْ لَهُ الدُّنْيَا مِثْلَ رَاحَةِ الْيَدِ لِصَاحِبهَا، يَأْخُذُ مِنْهَا مَا أُمِرَ بقَبْضِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَلاَ عَنَاءٍ، وَلَهُ أعْوَانٌ مِنْ مَلاَئِكَةِ الرَّحْمَةِ وَمِنْ مَلاَئِكَةِ الْعَذَاب)). وعن أنسِ بن مالك قال: [لقِيَ جِبْرِيْلُ مَلَكَ الْمَوْتِ بنَهْرِ فَارسَ، فَقَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ كَيْفَ تَسْتَطِيعُ قَبْضَ الأَنْفُسِ، هَا هُنَا عَشْرَةُ آلاَفٍ، وَهَا هُنَا كَذا وَكَذا؟ قَالَ عِزْرَائِيلُ: تُزْوَى لِيَ الأَرْضُ حَتَّى كَأَنَهَا بَيْنَ فَخِذيَّ فَأَلْتَقِطُهُمْ بيَدَيَّ].
وقالَ صلى الله عليه وسلم:" إذا حَانَ أجَلُ الرَّجُلِ، أتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ: أيُّهَا الْعَبْدُ كَمْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَكَمْ رَسُولٌ بَعْدَ رَسُولٍ؟ أنَا الْخَبيرُ لَيْسَ بَعْدِي خَبيرٌ، وَأنَا الرَّسُولُ لَيْسَ بَعْدِي رَسُولٌ، أجِبْ رَبَّكَ طَائِعاً أوْ مَكْرُوهاً. فَإذا قُبضَتْ رُوحُهُ وَتَصَارَخُوا عَلَيْهِ، قَالَ: عَلَى مَنْ تَصْرِخُونَ وَعَلَى مَنْ تَبْكُونَ؟ وَاللهِ مَا ظَلَمْتُ لَكُمْ أجَلاً وَلاَ أكَلْتُ لَكُمْ رزْقاً، بَلْ دَعَاهُ رَبُّهُ، فَلْيَبْكِ الْبَاكِي عَلَى نَفْسِهِ، فَإنَّ لِي فِيكُمْ عَوْدَاتٍ وَعَوْدَاتٍ حَتَّى لاَ أُبْقِي مِنْكُمْ أحَداً ". وقولهُ تعالى: ﴿ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾؛ أي تصِيرون إليه أحياءً فيجزِيَكم بأعمالِكم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾؛ يعني كفارَ مكَّة ناكِسُوا رؤوسهم حياءً وندماً، والمعنى: ولو تَرَى يا مُحَمَّدُ إذِ المجرمون مُطرِقوا رؤوسهم من الخزْيِ وشدة الندمِ في يومِ القيامة عند علمِهم بأن الحجَّةَ قد قامت عليهم من كلِّ جهةٍ، وأنَّهم لا مهربَ لهم من العذاب، وذلك هو الغايةُ في الوجَلِ والخجلِ، يقولون: ﴿ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا ﴾؛ أي لكَ الحجَّة علينا لأنا أبصَرْنا رسُلكَ وسمعنا كلامَهم.
﴿ فَٱرْجِعْنَا ﴾؛ أي ولكن نسألُكَ أن تُرجِعَنا إلى الدُّنيا حتى.
﴿ نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾؛ بكَ وبكتابك وبرسُلكَ، وهذه الآية محذوفةُ الجواب؛ أي لو رأيتَ يا مُحَمَّد، لرأيتَ غايةَ ما تعتبرُ به.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾؛ قال الحسنُ: ((أرَادَ بهِ مَشِيئَةَ الْقَدَر مِنَ اللهِ تَعَالَى؛ لأَنَّهُ لَمْ يَعْجَزْ عَنْ شَيْءٍ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُجْبرُ الْعِبَادَ عَلَى ذلِكَ لِكَيْ لاَ يُبْطِلَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ)). والمعنَى: ولو شِئنا لآتَينا كلَّ نفسٍ رُشدَها وثباتَها، ومثلُ ذلك﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ﴾[يونس: ٩٩]﴿ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ ﴾[الأنعام: ٣٥].
وقوله تعالى: ﴿ وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي ﴾؛ معناه: ولكن وجب قولي عليهم بالعذاب.
﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾؛ بكفرهم وذنوبهم.
قولهُ تعالى: ﴿ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ ﴾؛ معناهُ: يقال لأهلِ النار إذا دخَلوها: ذُوقوا العذابَ بما نسيتُم لقاءَ يومِكم هذا؛ أي بما ترَكتُم الإيمانَ بيومكم هذا. وقولهُ تعالى: ﴿ إِنَّا نَسِينَاكُمْ ﴾؛ أي ترَكناكم في العذاب وأحلَلناكم محلَّ المنسيِّ.
﴿ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ ﴾؛ أي الذي لا ينقطعُ.
﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾؛ من الكفرِ والتكذيب.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ﴾؛ معناه: إنما يُقِرُّ ويصدِّقُ بدلائلنا.
﴿ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا ﴾؛ أي وُعِظُوا بها.
﴿ خَرُّواْ سُجَّداً ﴾؛ للهِ مُصَلِّين مع الإمامِ.
﴿ وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْْ ﴾؛ أي عظَّمُوا اللهَ ونزَّهوهُ في صلاتِهم حامِدين لربهم.
﴿ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ أي يُعفِّروا وجوهَهم صاغرِين.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ ﴾؛ أي ترفعُ لأجلِ الصلاة، قال مجاهد: ((هُمُ الَّذِينَ لاَ يَنَامُونَ حَتَّى يُصَّلُّوا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ)). والمضاجِعُ: هي الفُرُشُ التي يضطَجِعون عليها للنومِ، واحدُها مَضْجِعٌ. وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: ((نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعَاشِرَ الأَنْصَار، حَتَّى كُنَّا نُصِلِّي الْمَغْرِبَ فَلاَ نَرْجِعُ حَتَّى نُصِلِّي الْعِشَاءَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)). ورُوي: أنَّ امرأةً جاءت إلى أنسِ بن مالك فقالت: إنِّي أنامُ قبلَ العشاءِ، فقال: ((لاَ تَنَامِي؛ فَإنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ لاَ يَنَامُونَ قَبْلَ الْعِشَاءِ، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ)). وقال الحسنُ: ((المُرَادُ بالآيَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ وَالتَّهَجُّدُ))، وكان يقولُ: ((هُمْ قَوْمٌ أخْفُوا للهِ تَعَالَى عَمَلاً، وَأخْفَى لَهُمْ ثَوَاباً)). وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ:" عَلَيْكُمْ بقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإنَّهُ دَأبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إلَى اللهِ تَعَالَى، وَمُنْهَاةٌ عَنِ الإثْمِ، وَتَكْفِيرٌ للِسَّيِّئَاتِ، وَمَطْردَةُ للدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ "وقال الضحَّاك: ((هُوَ أنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ)). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾؛ أي خَوفاً من عذاب الله وطَمعاً في رحمةِ الله. وانتصبَ (خَوْفاً) و(طَمَعاً) لأنه مفعولٌ له. وقولهُ تعالى: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾؛ أي ومما أعطَيناهم من المالِ يتصدَّقون واجباً وتطوُّعاً.
قولهُ تعالى: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾؛ أي لا يعلمُ أحدٌ ما أخفَى اللهُ لهم مما تُقَرُّ به أعينُهم وتطيبُ به أنفسهم.
﴿ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾؛ في الدُّنيا من الأعمالِ الصَّالحة. قال ابنُ مسعود: ((إنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ: لَقَدْ أعَدَّ اللهُ لِلَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَرٍ، وَمَا لَمْ يَحْمِلْهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَإنَّهُ فِي الْقُرْآنِ: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ )). قرأ حمزةُ: (مَا أُخْفِيْ لَهُمْ) بإسكان الياء؛ أي ما أُخفِي لهم أنَا، وحجَّتهُ (قُرَّةَ). وقرأ عبدُالله: (نُخْفِي لَهُمْ) بالنون. وقرأ مُحَمَّد بن كعبٍ: (مَا أخْفَى لَهُمْ) بفتح الألف والفاء، يعني أخفَى اللهُ لهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾؛ قال ابنُ عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ((نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أبي مُعَيْطٍ، جَرَى بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ وَتَسَابٌّ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: اسْكُتْ فَإنَّكَ صَبيٌّ وَأنَا وَاللهِ أحَدُّ مِنْكَ لِسَاناً وَأبْسَطُ مِنْكَ فِي الْقَوْلِ، وَأمْلأُ مِنْكَ فِي الْكَتِيبَةِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أسْكُتْ فَإنَّكَ فَاسِقٌ تَقُولُ الْكَذِبَ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ)). والمرادُ بالمؤمنِ: عليَّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، وبالفاسق: الوليدَ بن عُقبة. وقال الزجاجُ: ((إنَّهُ لَمْ يُرِدْ بالْمُؤْمِنِ مُؤْمِناً، وَلِذلِكَ قَالَ: (لاَ يَسْتَوُونَ) وَلَمْ يَقُلْ: لاَ يَسْتَوِيَانِ)). وقال قتادةُ في معنى الآيةِ: ((وَاللهِ مَا اسْتَوَواْ لاَ فِي الدُّنْيَا وَلاَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلاَ فِي الآخِرَةِ)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ ﴾؛ التي يأوي إليها المؤمنون، وقوله: ﴿ نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾؛ أي مُعدَّة لهم بـأعمالِهم.
قولهُ تعالى: ﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ ﴾؛ أي وأما الذين خرَجُوا من طاعةِ الله بكُفرِهم، فمأواهُم النارُ.
﴿ كُلَّمَآ ﴾؛ رفعَهم لَهبُ النار إلى أعلاها، فظَنُّوا أنَّهم يخرُجون منها فـ.
﴿ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا ﴾، ردَّتْهم ملائكةُ العذاب إلى أسفلِها بمقامعَ من حديدٍ.
﴿ وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾؛ في الدُّنيا.
قوله تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ ﴾؛ قِيْلَ: إن المرادَ بالعذاب الأدنى هو القحطُ والجوع الذي أصابَ أهل مكَّة سبعَ سنين حتى أكَلُوا الجيفَ والعظامَ والكلاب. وَقِيْلَ: هو القتلُ يومَ بدرٍ. وَقِيْلَ: العذابُ الأدنَى هو مصائبُ الدنيا وأسقامها وبلاؤها. وَقِيْلَ: العذابُ الأدنى هو عذابُ القبرِ، والعذابُ الأكبر هو عذابُ يومِ القيامة. وقولهُ تعالى: ﴿ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ ﴾؛ يعني بالعذاب الأكبر عذابَ الآخرة، وقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾؛ أي أخبَرناهم ليرجِعُوا عن الكفرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ ﴾؛ ظاهرُ المعنى. قولهُ: ﴿ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾؛ يعني الذين قُتلوا ببدر، وعجَّلنا أرواحَهم إلى النار. وأرادَ بالْمُجرِمين المشركين. وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ثَلاَثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ أجْرَمَ: مَنْ عَقَدَ لِوَاءً فِي غَيْرِ حَقٍّ، أوْ عَقَّ وَالِدَيْهِ، أوْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ لِيَنْصُرَهْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾ ".
قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ ﴾؛ أعطيناهُ التوراةَ جُملةً واحدةً.
﴿ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ ﴾؛ وعَدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن سيَلقى موسَى قبل أن يموتَ، ثم لَقِيَهُ في السَّماء ليلةَ المعراجِ أو في بيت المقدس حين أُسرِيَ به، والمعنى: فلا تكن في شكٍّ من لقاءِ موسى. قال ابنِ عباس: ((يَعْنِي لَيْلَةَ الإسْرَاءِ)). ويقال: أرادَ به لقاؤهما في الجنَّة. ويقال: أرادَ به لقاءَ الله. ويقال: أرادَ به أن يلقَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم من قومهِ الأذى مثلَ ما لَقِيَ موسى من قومهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾؛ أي جعَلنا التوراةَ هُدًى لبني إسرائيلَ من الضَّلالة.
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً ﴾؛ أي جعَلنا من بني إسرائيل أئمَّة.
﴿ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾؛ يدُلُّون الناسَ على ديننا فيُقتدَى بهم، فهم أنبياؤهُم ومَنِ استقامَ منهم على الدِّين. وقوله تعالى: ﴿ لَمَّا صَبَرُواْ ﴾؛ أي لما صبَرُوا جعلناهم أئمَّة، كأنه قال: إنْ صبَرتُم على طاعتنا وصبرتُم على معصيتنا جعلناكم أئمَّة. قرأ حمزةُ والكسائي: (لِمَا صَبَرُوا) بكسرِ اللام وتخفيف الميم؛ أي لِصَبْرِهِمْ. ومعنى القراءةِ الأُولى: حين صَبَروا. والمعنى: لَمَّا صبَروا على دينهم وعلى البلاءِ من عدوِّهم بمصر.
﴿ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾؛ أي ولكونِهم موقنين بآياتِنا. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ ﴾؛ أي هو الذي يقضِي بين المؤمنين والكفار يومَ القيامة.
﴿ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾؛ من الدِّين. ثم خوَّفَ كفارَ مكة فقال: ﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾؛ أي أوَلَمْ يتبيَّن لهم آثارُ عذاب الاستئصالِ فيمَن أُهلِكَ قبلَهم من الأُمم الماضية المكذَِّبة ما يكون عبرةً لهم، يَمشُونَ في مساكنِ المهلَكين على منازلهم وقُراهم، مثل آثار عادٍ وثَمود وقومِ لوط وغيرهم.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾؛ أي إنَّ في إهلاكِنا إياهم بالتكذيب.
﴿ لآيَاتٍ ﴾؛ لدلالاتٍ واضحة لِمَن بعدَهم.
﴿ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ ﴾؛ سماعَ القبول والطاعةِ. ومن قرأ (أوَلَمْ نَهْدِ) بالنون، فالمعنى بإضافةِ الفعلِ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ ﴾؛ معناه: أوَلَمْ يعلَمُوا أنا نسوقُ المطرَ بالسَّحاب والرياح إلى الأرضِ اليابسة التي لا نباتَ فيها ولا شجرَ.
﴿ فَنُخْرِجُ بِهِ ﴾؛ بذلك المطرِ.
﴿ زَرْعاً ﴾؛ رزْقاً.
﴿ تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ ﴾؛ أي تأكلُ أنعامهم من سَاقِها.
﴿ وَأَنفُسُهُمْ ﴾؛ وهم يأكلون مِن حبها.
﴿ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ ﴾؛ أفلا يعقِلون. والأرض الْجُرُزُ: هي التي تأكلُ نباتَها، يقال: ناقة جَرُوزٌ إذا كانت أكُولاً، وسيفٌ جِرَازٌ إذا كان مُستَأصِلاً، ورجلٌ جُرُزٌ إذا كان أكُولاً. قال ابنُ عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ((هِيَ أرْضٌ بالْيَمَنِ)). وقال مجاهدُ: ((هِيَ أبْيَنُ)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ ﴾؛ وذلك أن كفارَ مكة كانوا يُؤذون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقولون: يوشِكُ أن يكون لنا يومٌ نستريحُ فيه من شِركهم، فكان الكفارُ يهزَءون بهم ويقولون: متى هذا الفتحُ؛ أي الحكمُ الذي بيننا وبينكم.
﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾؛ فيما تقولُون. والمعنى: أنَّ كفارَ مكة يقولون: متى هذا الفتحُ؛ أي القضاءُ وهو يوم البعثِ، يقضي فيه اللهُ بين المؤمنين والكافرين. فقالَ اللهُ تعالى: ﴿ قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ ﴾؛ يعني يومَ القيامة ويومَ القضاءِ والفصل.
﴿ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ ﴾؛ لو آمَنُوا يومئذٍ.
﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾؛ أي ولا هم يُمهَلون، ولا يؤخَّرون لمعذرةٍ أو توبة، ولا تؤخَّرُ عنهم عقوبتُهم. وعن ابنِ عبَّاس في هذه الآيةِ: ((الْمُرَادُ بالْفَتْحِ فَتْحُ مَكَّةَ، وَأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَنِي خُزَيْمَةَ، كَانُوا هُمُ الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بأَصْحَاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ كَانَ أصْحَابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَذَاكَرُونَ وَهُمْ بمَكَّةَ فَتْحَ مَكَّةَ لَهُمْ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ تَكَلَّمَتْ بَنُو خُزَيْمَةَ بكَلِمَةِ الإسْلاَمِ، فَقَتَلَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ إسْلاَمَهُمْ)) وَكَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إنِّي أبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾؛ أي عن جوابهم.
﴿ وَٱنتَظِرْ ﴾، الفريضةَ فيهم.
﴿ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ ﴾؛ الفرصةَ فيك. قال ابنُ عبَّاس: ((قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ نَسَخَتْهُ آيَةُ السَّيْفِ)). وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ ﴾ أيْ مُنْتَظِرُونَ لَكَ حَوَادِثَ الأَزْمَانِ مِنْ مَوْتٍ أوْ قَتْلٍ فَيَسْتَرِيحُونَ مِنْكَ.
Icon