قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن محمد المروزي وابن السرح، قالوا: ثنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال قتيبة (فيه) : عن ابن عباس، قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
وهذا لفظ ابن السرح (١). وصححه ابن كثير (٢).
وأخرجه الواحدي، (٣) والحاكم من طريق سفيان بن عيينة به وصححه، وقال الذهبي: أما هذا فثابت (٤).
وأخرجه البزار من طريق سفيان بن عيينة به (٥). قال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح (٦) والإسناد على شرط الشيخين.
تفسيرها
قوله تعالى (باسم الله)
قال التجيبي مختصر تفسير الطبري (بسم الله) بمعنى: بذكر الله وتسميته أبدأُ وأقرأُ (٧).
_________
(١) السنن رقم ٧٨٨ - الصلاة، باب من جهر بها -أي البسملة-.
(٢) التفسير ١/٣٤.
(٣) أسباب النزول ص ١٥.
(٤) المستدرك ١/٢٣١.
(٥) كشف الأستار ٣/٤٠.
(٦) مجمع الزوائد ٢/١٠٩، ٦/٣١٠.
(٧) مختصر تفسير الطبري ص ١.
أخرج الشيخان بإسنادهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش أن رحمتي تغلب غضبي". وفي رواية لمسلم: "إن رحمتي سبقت غضبي" (١). واللفظان لمسلم. وأخرج مسلم أيضاً بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أن لله مائة رحمة، أنزل منها واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحوش على ولدها، وأخَّرَ الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة" (٢). وأخرجه البخاري بنحوه وزيادة قوله: "حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" (٣).
وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد" (٤) وأخرجه البخاري بنحوه وأطول (٥). والرحمن مشتق من الرحمة، وهو قول الجمهور (٦).
والدليل ما أخرجه أحمد قال: ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض فقال له عبد الرحمن: وصلتك رحمٌ إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قال الله عز وجل: أنا الرحمن خلقت الرحم
_________
(١) صحيح البخاري رقم ٧٤٠٤ - التوحيد، باب قوله تعالى (ويحذركم الله نفسه)، وصحيح مسلم
- التوبة - باب في سعة رحمة الله تعالى رقم ٢٧٥١ وما بعده.
(٢) المصدر السابق رقم ١٩.
(٣) الصحيح - الأدب، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء رقم ٦٠٠٠ البسملة.
(٤) الصحيح - التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى رقم ٢٧٥٥.
(٥) الصحيح - الرقاق، باب الرجاء مع الخوف رقم ٦٤٦٩.
(٦) انظر تفسير القرطبي ١/١٠٤، وتفسير ابن كثير ١/٤٢.
وأخرجه أيضاً من حديث أبي هريرة بنحوه (٢). وصححه أحمد شاكر والألباني (٣).
وأخرجه الحاكم من طريق يزيد بن هارون به، وسكت عنه هو والذهبي (٤).
وأخرجه أحمد (٥) وأبو داود (٦) والترمذي (٧) والحاكم (٨) كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ردَّاد الليثي عن عبد الرحمن بن عوف بنحوه.
قال الترمذي: حديث سفيان عن الزهري حديث صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
والرحمن اسم من أسماء الله التي منع التسمي بها العباد.
كما روى الطبري عن الحسن فقال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، عن عوف، عن الحسن، قال: "الرحمن" اسم ممنوع (٩). وعوف هو ابن أبي جميلة الأعرابي ثقة وباقي رجاله ثقات أيضاً فالإِسناد صحيح إلى الحسن البصري.
وانظر الروايات عند قوله تعالى في سورة الفاتحة: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيم).
_________
(١) المسند رقم ١٦٥٩.
(٢) المسند ٢/٤٩٨.
(٣) صحيح الجامع الصغير ٤/١١٥ والمسند رقم ١٦٥٩.
(٤) المستدرك ٤/١٥٧.
(٥) المسند رقم ١٦٨٦.
(٦) السنن - الزكاة - باب في صلة الرحم رقم ١٦٩٤.
(٧) السنن - البر والصلة - باب ما جاء في قطيعة الرحم رقم ١٩٠٧.
(٨) المستدرك ٤/١٥٧، ١٥٨.
(٩) التفسير الصحيح رقم ١٥٠.
فضائلها
أخرج مسلم بسنده عن ابن عباس، قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سمع نقيضا من فوقه. فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم. فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك. فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته (١).
وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد بن المعلى قال مر بي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيت فقال: ما منعك أن تأتي، فقلت: كنت أصلي، فقال: ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُول، ثم قال: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليخرج من المسجد فذكَّرته فقال: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته (٢).
وأخرج البخاري بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: كنا في مسير لنا، فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبِنُهُ برقية، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا فلما رجع قلنا له أكنت تحسن رقية أوكنت ترقي؟ قال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئا حتى نأتي أو نسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم (٣).
_________
(١) الصحيح - صلاة المسافرين، باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة رقم ٨٠٦.
(٢) الصحيح ٨/٣٨١ رقم ٤٧٠٣ - التفسير - سورة الحج، باب فضل ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم، وفي رقم ٥٠٠٦ - ك فضائل القرآن - باب فضل فاتحة الكتاب.
(٣) الصحيح - فصائل القرآن - باب فضل الفاتحة رقم ٥٠٠٧.
فضائلها
روى مسلم في صحيحه بإسناده عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السماوات والأرض... الحديث (١).
قال الترمذي: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، حدثنا موسى بن إبراهيم ابن كثير الأنصاري، قال: سمعت طلحة بن خراش قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله.
ثم قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم وقد روى علي بن المديني وغير واحد عن موسى بن إبراهيم هذا الحديث (٢)، وأخرجه ابن ماجة (٣) وصححه الألباني (٤)، وأخرجه ابن أبي الدنيا (٥) والخرائطي (٦) وابن حبان (٧) كلهم من طريق موسى بن إبراهيم بن كثير به، والحديث السابق الصحيح شاهد له.
قال أبو داود: حدثنا أبو توبة، قال: زعم الوليد، عن الأوزاعي، عن قرة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم".
_________
(١) كتاب الطهارة - باب فضل الوضوء رقم ٣٢٢.
(٢) السنن - الدعاء - باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة رقم ٣٣٨٣.
(٣) السنن - الأدب - باب فضل الحامدين رقم ٣٨٠٠.
(٤) صحيح سنن ابن ماجة ٢/٣١٩ رقم ٣٠٦٥ وسلسلة الأحاديث الصحيحة رقم ١٤٩٧.
(٥) الشكر ص ٢١.
(٦) فضيلة الشكر لله على نعمه ص ٣٥.
(٧) موارد الظمآن رقم ٢٣٢٦.
وأخرجه ابن أبي شيبة (٢)، والنسائي (٣)، وابن ماجة (٤)، وابن حبان (٥)، والدارقطني (٦)، والبيهقي (٧) كلهم من طريق قرة به نحوه.
وقال الدارقطني: تفرد به قرة عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وأرسله غيره عن الزهري عن النبي صلى لله عليه وسلم، وقرة ليس بقوي في الحديث، ورواه صدقة عن محمد بن سعيد عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يصح الحديث، وصدقة ومحمد بن سعيد ضعيفان والمرسل هو الصواب (٨) وكذا ضعفه الألباني (٩). وحسنه النووي ثم قال: وقد روي موصولا كما ذكرنا وروي مرسلا ورواية الموصول جيدة الإسناد وإذا روي الحديث موصولا ومرسلا، فالحكم للاتصال عند جمهور العلماء لأنها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير (١٠). وحسنه ابن الصلاح والعراقي وابن حجر (١١)، والسبكي وذكر تخريج البغوي وابن الصلاح من طريق
_________
(١) السنن - الأدب - باب الهدي في الكلام رقم ٤٨٤٠.
(٢) المصنف - الأدب - باب ما قالوا فيما يستحب أن يبدأ به الكلام ٩/١١٥ رقم ٦٧٣٤.
(٣) عمل اليوم والليلة رقم ٤٩٤.
(٤) السنن - النكاح - باب خطبة النكاح رقم ١٩٨٤.
(٥) الإِحسان بترتيب صحيح ابن حبان ١/١٠٢ وموارد الظمآن رقم ٥٧٨ و١٩٩٣.
(٦) السنن - الصلاة ١/٢٢٩.
(٧) السنن الكبرى ٣/٢٠٩ وشعب الإِيمان كما ذكره الزيلعي في تخريجه لأحاديث الكشاف ل ٢.
(٨) السنن - الصلاة ١/٢٢٩.
(٩) ضعيف الجامع الصغير ٤/١٤٧.
(١٠) الأذكار ص ٩٤.
(١١) انظر الفتوحات الربانية على الأذكار النبوية ٣/٢٨٨، ٦/٦٣.
قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ)
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: لم يذكر لحمده هنا ظرفا مكانيا ولا زمانيا. وذكر في سورة الروم أن من ظروفه المكانية: السماوات والأرض في قوله (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض) الآية (٤) وذكر في سورة القصص أن من ظروفه الزمانية: الدنيا والآخرة في قوله: (َهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَة) الآية (٥). وقال في أول سورة سبأ (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (٦) (٧).
قال الطبري: حدثنا علي بن الحسن الخراز، قال: حدثنا مسلم بن عبد الرحمن الجرمي، قال: حدثنا محمد بن مصعب القرقساني، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأسود بن سريع: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس شيء أحب إليه الحمد، من الله تعالى، ولذلك أثنى على نفسه فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ).
ورجاله ثقات إلا مبارك بن فضالة صدوق، والإسناد حسن. ورواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع قيل إنها منقطعة (٨). ولكن صرح الحسن
_________
(١) طبقات الشافعية الكبرى ١/٦، ٧، ١٢، ١٥.
(٢) الجامع الصغير بشرح الفيض القدير ٥/١٣.
(٣) كشف الخفاء ٢/١١٩.
(٤) الروم ١٨.
(٥) القصص ٧٠.
(٦) سبأ ١.
(٧) أضواء البيان ١/١٠١.
(٨) المراسيل لابن أبي حاتم ص ٩٣.
قال الطبري: حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، قال: أنبأنا ابن وهب، قال حدثني عمر بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال: أخبرني السلولي عن كعب، قال: من قال "الحمد لله" فذلك ثناء على الله (٦).
أخرجه ابن أبي حاتم من طريق وهيب عن سهيل بن أبي صالح به (٧). ورجال إسناد الطبري ثقات إلا سهيل بن أبي صالح.
قال الحافظ ابن حجر: صدوق تغير حفظه بآخره روى له الجماعة، ورواية البخاري له مقرونا وتعليقا (٨). وقد تُكلم في روايته عن أبيه وأجاب عن ذلك محمد بن طاهر المقدسي، بأن سماعه من أبيه صحيح (٩). وعلى هذا فالإسناد حسن إلى كعب. وقد رجح ابن كثير هذا التفسير (١٠).
_________
(١) المختارة ٤/٧٤٢.
(٢) السنن الكبرى ٩/٧٧.
(٣) الإحسان ١/١٧١ ح ٢٣١.
(٤) المستدرك ٣/٤١٦.
(٥) ١/٧٣١.
(٦) التفسير رقم ١٥٣.
(٧) التفسير رقم ١٠.
(٨) التقريب ص ٢٥٩.
(٩) شروط الأئمة الستة ص ١٢.
(١٠) التفسير ١/٣٧.
أي رب السماوات السبع والأرضين ومن فيهن وما بينهن حيث بين الله تعالى ذلك عندما ذكر مناظرة فرعون لموسى فقال تعالى (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) (١).
وأخرج الطبري عن بشر بن معاذ العقدي قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال: كل صنف عالم (٢).
وإسناده حسن.
قوله تعالى (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
قال ابن كثير: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ورحمن أشد مبالغة من رحيم.
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي: "قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي... وإذا قال: الرحمن الرحيم. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي... الحديث (٣).
وقد تقدم في البسملة ذكر بعض الروايات التي تتعلق ببيان قوله تعالى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
وقد بين الله تعالى سعة رحمته فقال: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (٤).
_________
(١) الشعراء آية ٢٣.
(٢) التفسير رقم (١٦٣).
(٣) الصحيح - الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة رقم ٣٩٥. وقد قطعت هذا الحديث حسب موافقته لآيات سورة الفاتحة كصنيع ابن أبي حاتم الرازي في تفسيره.
(٤) الأعراف ١٥٦.
بين الله عز وجل يوم الدين بأنه يوم الحساب كما في قوله تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (١).
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبيه قال: ثنا محمود بن غيلان، ثنا سفيان بن عيينة، عن حميد الأعرج في قول الله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال: يوم الجزاء (٢).
ورجاله ثقات إلا الأعرج: لا بأس به وهو المفسر فإسناده صحيح إليه.
وروى البخاري عند تفسير هذه الآية معلقاً عن مجاهد: بالدين: بالحساب، مدينيين: محاسبين (٣). ووصله عبد بن حميد من طريق أبي نعيم عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى: (بِالدِّينِ) قال: بالحساب.
وقوله محاسبين، وصله أيضاً عبد بن حميد من طريق شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد به (٤). وكلا الإسنادين صحيحان.
أخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي المتقدم وفيه أنه قال. وإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدني عبدي (وقال مرة: فوض إلي عبدي) (٥).
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك" (٦).
_________
(١) الانفطار ١٧ - ١٩.
(٢) التفسير ١/١٥٧ رقم ٢٦.
(٣) التفسير- سورة الفاتحة، الفتح ٨/١٥٦.
(٤) انظر تغليق التعليق ٤/١٧١.
(٥) الصحيح - الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة رقم ٣٩٥.
(٦) فتح الباري - الأدب، باب أبغض إلى الله رقم ٦٢٠٥، وصحيح مسلم - الآداب، باب تحريم التسمي بملك الأملاك رقم ٢١٤٣.
أخرجه ابن أبي داود من طريق أبي المطرف عن الزهري به، دون ذكر ابن المسيب (٤). وذكر والترمذي أن عبد الرزاق رواه عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرفوعا به (٥).
وأخرجه حفص بن عمر الدوري من طريق سليمان التيمي عن الزهري عن سعيد بن المسيب والبراء بن عازب مرفوعا به دون ذكر عثمان (٦).
وهذه القراءة ثابتة قرأ بها عاصم والكسائي (٧). وقد ذكر هذا الحديث ابن كثير من رواية ابن أبي داود ثم قال: مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب (٨).
_________
(١) المسند رقم ٧٣٢٥.
(٢) ١/٥١. سقطت هذه الرواية من طبعة الشعب لتفسير ابن كثير.
(٣) السنن - الحروف والقراءات رقم ٤٠٠٠.
(٤) المصاحف ص ٩٣.
(٥) السنن - القراءات، باب في فاتحة الكتاب ٥/١٨٦.
(٦) جزء من قراءات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقم (١) بتحقيقي.
(٧) انظر التيسير ص ١٨ والإِقناع ص ٥٩٥.
(٨) التفسير ١/٤٠.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أشار في هذه الآية الكريمة إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله لأن معناها مركب من أمرين: نفي وإثبات. فالنفي: خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنه العبادات، والإثبات: إفراد رب السماوات والأرض وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع، وقد أشار إلى النفي من الإله إلا الله بتقديم المعمول الذي هو (إياك)، وقد تقرر في الأصول، في مبحث دليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة، وفي المعاني في مبحث القصر: أن تقديم المعمول من صيغ الحصر، وأشار إلى الإثبات منها بقوله (نعبد) وقد بين معناها المشار إليه هنا مفصلا في آيات أخر كقوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم) الآية (١). فصرح بالإثبات منها بقوله (اعْبُدُوا رَبَّكُم) وصرح بالنفي منها في آخر الآية الكريمة بقوله: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). (٢) وكقوله (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (٣) فصرح بالإثبات بقوله (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) وبالنفي: بقوله (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (٤).
وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيته لابن عباس: "وإذا استعنت فاستعن بالله... ". (٥).
وأخرج مسلم بإسناده عن أبي هريرة مرفوعا في الحديث القدسي المتقدم: فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
_________
(١) البقرة ٢١.
(٢) البقرة ٢٢.
(٣) النحل ٣٦.
(٤) أضواء البيان ١/١٠٣.
(٥) انظر سورة البقرة آية (٤٥).
ورجاله ثقات إلا الحسن وعبد الوهاب فصدوقان وعبد الوهاب هو ابن عطاء الخفاف صدوق ربما أخطأ ومن مدلسي المرتبة الثالثة الذين لا يقبل تدليسهم إلا إذا صرحوا بالسماع ولكن عبد الوهاب معروف بصحبة سعيد بن أبي عروبة وكتب كتبه لأنه كان مستملي سعيد وروايته عن سعيد قديمة قبل الاختلاط (٢). وأما سعيد بن أبي عروبة ثقة ولكنه مدلس إلا أنه من المرتبة الثانية فلا يضر وخصوصا أنه أثبت الناس في قتادة بل قد روى البخاري له في الصحيح في كتاب التفسير عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة (٣). وقد سئل ابن معين: أيما أحب إليك تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ فقال: سعيد (٤). ونقل الذهبي عن أحمد بن حنبل قال: زعموا أن سعيد بن أبي عروبة قال: لم أكتب إلا تفسير قتادة، وذلك أن أبا معشر كتب إليَّ أن اكتبه (٥). فالإسناد حسن إلى قتادة.
وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أي لا نطلب العون إلا منك وحدك، لأن الأمر كله بيدك وحدك لا يملك أحد منه معك مثقال ذرة، وإتيانه بقوله (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بعد قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل إلا على من يستحق العبادة؛ لأن غيره ليس بيده الأمر، وهذا
_________
(١) التفسير ١/١٥٨ رقم ٢٩.
(٢) انظر تهذيب التهذيب ٦/٤٥٠، ٤٥١.
(٣) ٥/١٢٧ باب سورة آل عمران، قوله تعالى (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة)، وانظر عمدة القاري ١٧/١٥٥.
(٤) التاريخ ٢/٢٠٥.
(٥) سير أعلام النبلاء ٦/٤١٧.
قوله تعالى (اهْدِنَا)
أي ارشدنا ووفقنا. قال الأدفوي: (هدى) أرشد كما قال جل ثناؤه: (وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) (٦).
و (هدى) : بيّن. كما قال جل ثناؤه (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ) (٧).
و (هدى) : بمعنى ألهم. كما قال تبارك اسمه (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (٨). أي ألهمه مصلحته وقيل إتيان الأنثى.
و (هدى) : بمعنى دعا. كما قال جل ثناؤه (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٩). وأصل هذا كله: أرشد، ويكون (هدى) : بمعنى وفق ومنه (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠). لا يوفقهم ولا يشرح للحق والإيمان صدورهم (١١).
وقد علمنا الله تعالى كيفية الهداية إلى الصراط المستقيم بقوله تعالى: (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) (١٢).
_________
(١) هود ١٢٣.
(٢) التوبة ١٢٩.
(٣) المزمل ٩.
(٤) الملك ٢٩.
(٥) أضواء البيان ١/١٠٤.
(٦) سورة ص ٢٢.
(٧) سورة فصلت ١٧.
(٨) سورة طه ٥٠.
(٩) سورة الرعد ٧.
(١٠) سورة البقرة ٢٥٨.
(١١) تفسير الأدفوي ص ٥٨٧-٥٩٨.
(١٢) سورة آل عمران ١٠١.
وهو: دين الإسلام. وقد بين الله تعالى ذلك في قوله: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (١). فقد ذكر الله عز وجل أن الصراط المستقيم هو دين إبراهيم كما في الآية الأولى ثم بين أن هذا الدين هو الإسلام كما في الآية الثانية، وقد ثبت هذا التفسير عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الإمام أحمد: ثنا الحسن بن سوار أبو العلاء، ثنا ليث يعني: ابن سعد، عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير حدثه عن أبيه عن النواس ابن سمعان الأنصاري عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فذكر حديثا طويلا والشاهد فيه: والصراط: الإسلام (٢).
وأخرجه الإمام أحمد (٣) أيضاً والترمذي (٤) وحسنه، والنسائي (٥)، كلهم من طريق خالد بن معدان عن جبير بن نفير به مختصرا، وأخرجه الطبري (٦) وابن أبي حاتم (٧) والآجري (٨) من طريق معاوية ابن صالح عن عبد الرحمن بن جبير به باختصار فذكروا الشاهد نفسه.
_________
(١) الأنعام ١٦١-١٦٣.
(٢) المسند ٤/١٨٢.
(٣) المسند ٤/١٨٢.
(٤) سنن الترمذي - أبواب الأمثال، رقم ٣٠١٩.
(٥) تفسير النسائي ص ٨٩.
(٦) التفسير رقم ١٨٧.
(٧) التفسير رقم ٣٣.
(٨) الشريعة ص ١٢.
وإسناده حسن.
قوله تعالى (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)
والذين أنعم الله عليهم هم: الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، قال الله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (٥).
قوله تعالى (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم)
والمغضوب عليهم هم: اليهود. قال الله تعالى فيهم (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) (٦). وقال أيضاً: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (٧).
وثبت ذلك أيضاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الإمام أحمد: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن بديل العقيلي، أخبرني عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بوادي القرى وهو على فرسه فسأله رجل من بني القين فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هؤلاء؟ قال: "هؤلاء المغضوب
_________
(١) ١/٤٣.
(٢) الجامع الصغير بشرح فيض القدير ٤/٢٥٤.
(٣) صحيح الجامع الصغير ٤/٤.
(٤) المصنف ١١/٣٦٧ رقم ٢٠٧٥٨.
(٥) سورة البقرة ٩٠.
(٦) سورة المائدة ٦٠، وانظر تفسير الطبري ١/١٨٥، وأضواء البيان ١/١٠٦.
(٧) التفسير رقم ١٩٨.
قوله تعالى (وَلا الضَّالِّينَ)
والضالون: هم النصارى كما قال تعالى: (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (٩).
_________
(١) المسند ٥/٣٢، ٣٣ و٥/٧٧.
(٢) التفسير رقم ١٩٨.
(٣) التفسير ١/٤٦
(٤) فتح الباري ٨/١٥٩.
(٥) المسند ٤/٣٨٤، ٣٧٩.
(٦) السنن - التفسير - باب ومن سورة الفاتحة ٥/٢٠٢، ٢٠٣.
(٧) التفسير رقم ٤١.
(٨) التفسير رقم ٢٠٧.
(٩) سورة المائدة ٧٧.
_________
(١) التفسير ١/٤٨٧.
(٢) التفسير ٣/١٤٨، ١٤٩.
(٣) سورة المائدة ٧٢.
(٤) سورة المائدة ٧٣.
(٥) التفسير ١/١٦٣.
(٦) بحر العلوم ١/٢٤٢.
أخرج الشيخان بسنديهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه (١).
وأخرج مسلم بسنده عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة، فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أُقرت (٢) الصلاة بالبر والزكاة؟ قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف، فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرمَّ القوم (٣)، ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرمَّ القوم فقال: لعلك ياحطان قلتها قال: ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني (٤)، بها فقال رجل من القوم أنا قلتها، ولم أرد بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين. يجبكم الله.... (٥).
قال الإمام أحمد ثنا علي بن عاصم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمر بن قيس، عن محمد بن الأشعث، عن عائشة قالت: بينا أنا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
_________
(١) صحيح البخاري ٨/١٥٩ رقم ٤٤٧٥ - التفسير، باب غير المغضوب عليهم ولا الضالين وصحيح مسلم رقم ٤١٠ - الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين.
(٢) قوله: أُقرت أي قرنت بها وأقرت معهما.
(٣) قوله فأرمَّ القوم أي سكتوا ولم يجيبوا.
(٤) قوله: ولقد رهبت أن تبكعني بها: أي خفت أن تستقبلني بما أكره. قال ابن الأثير: البكع نحو التقريع، وفسره النووي بالتبكيت والتوبيخ. ا. هـ. وهذه المعاني أفدتها من حاشية صحيح مسلم.
(٥) الصحيح - الصلاة - باب التشهد في الصلاة رقم ٤٠٤.
أخرجه ابن ماجة من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا مقتصرا على الشاهد بلفظ: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين" (٢).
وصحح المنذري (٣) والبوصيري (٤) إسناد ابن ماجة، وذكر المنذري أن الطبراني رواه في المعجم الأوسط بإسناد حسن وصححه مغلطاي (٥)، والألباني (٦).
وكلمة آمين ليست من القرآن الكريم.
_________
(١) المسند ٦/١٣٤، ١٣٥.
(٢) السنن رقم ٨٥٦ - إقامة الصلاة - باب الجهر بآمين.
(٣) الترغيب والترهيب ١/٣٢٨ - الصلاة، باب الترغيب في التأمين خلف الإمام.
(٤) مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة ١/١٠٦.
(٥) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير ٥/٤٤٠-٤٤١.
(٦) صحيح سنن ابن ماجه ح ٦٩٧
فضائلها
أخرج مسلم بسنده عن معاوية (يعني: ابن سلام) عن زيد، أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرأوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيابتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرأوا سورة البقرة. فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة"، وقال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة.
(الصحيح - صلاة المسافرين - رقم ٨٠٤، ب قراءة القرآن وسورة البقرة).
وأخرج أيضاً بإسناده عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر. إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".
(الصحيح - صلاة المسافرين - رقم ٧٨٠، ب استحباب صلاة النافلة).
وأخرج الشيخان بسنديهما عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه فلما اجتَّره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدّث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير، قال فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال وتدري ما ذاك؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك. ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم