ﰡ
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وجعه كنت أقرأ عليه بالمعوذات وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ عَلَيْهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا «١»، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَعْنٍ وَبِشْرِ بْنِ عُمَرَ ثَمَانِيَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ ن مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أعين الجان وأعين الْإِنْسَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا «٢»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الفلق (١١٣) : الآيات ١ الى ٥]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ الْفَلَقُ الصُّبْحُ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفَلَقِ الصُّبْحُ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ وَالْحُسْنِ وَقَتَادَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ وَمَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِثْلَ هَذَا، قَالَ الْقُرَظِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ «٣» : وَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فالِقُ الْإِصْباحِ [الْأَنْعَامِ: ٩٦] وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْفَلَقِ الْخَلْقِ، وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنَ الْخَلْقِ كُلِّهِ، وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ الْفَلَقِ بَيْتٌ فِي جَهَنَّمَ، إِذَا فُتِحَ صَاحَ جَمِيعُ أَهْلِ النَّارِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ آبَائِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا الْفَلَقِ جُبٌّ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، فَإِذَا كُشِفَ عَنْهُ، خَرَجَتْ مِنْهُ نار تضج مِنْهُ جَهَنَّمُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ مَا يَخْرُجُ منه، وكذا روي عن عمرو بن عنبسة وابن
١٩، وابن ماجة في الطب باب ٣٨، ومالك في العين حديث ١٠.
(٢) أخرجه الترمذي في الطب باب ١٦، والنسائي في الاستعاذة باب ٣٧، وابن ماجة في الطب باب ٣٣.
(٣) تفسير الطبري ١٢/ ٧٤٨. [.....]
وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ مُنْكَرٌ، فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مَسْعُودُ بْنُ مُوسَى بن مشكان الواسطي، حدثنا نصر بن خزيمة الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْفَلَقُ جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ مُغَطَّى» إِسْنَادُهُ غَرِيبٌ وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ الْفَلَقِ من أسماء جهنم، وقال ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ فَلَقُ الصُّبْحِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيُّ «٢» في صحيحه رحمه الله تعالى.
وقوله تعالى: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ أَيْ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: جَهَنَّمُ وَإِبْلِيسُ وَذُرِّيَّتُهُ مِمَّا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ قَالَ مُجَاهِدٌ:
غَاسِقُ اللَّيْلِ إِذَا وَقَبَ غُرُوبُ الشَّمْسِ، حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ، وكذا رواه ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَخُصَيْفٌ والحسن وقتادة: إذا وقب إِنَّهُ اللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ، وَعَنْ عَطِيَّةَ وَقَتَادَةَ: إِذَا وَقَبَ اللَّيْلُ إِذَا ذَهَبَ، وَقَالَ أَبُو الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هريرة وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ الكوكب، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ الْغَاسِقُ سقوط الثريا، وكانت الْأَسْقَامُ وَالطَّوَاعِينُ تَكْثُرُ عِنْدَ وُقُوعِهَا، وَتَرْتَفِعُ عِنْدَ طلوعها «٣».
قال ابن جرير «٤» : ولهؤلاء من الآثار مَا حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ.
أَخِي هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ- النَّجْمُ الْغَاسِقُ» (قُلْتُ) وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْقَمَرُ.
(قُلْتُ) وَعُمْدَةُ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٥» : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ عَنِ ابن أبي ذئب عن الحارث بن أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي فأراني القمر حين طلع وَقَالَ: «تَعَوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الْغَاسِقِ إِذَا وَقَبَ» «٦» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابَيِ التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ذئب عن خاله
(٢) تفسير سورة ١١٣، في الترجمة.
(٣) انظر تفسير الطبري ١٢/ ٧٤٩.
(٤) تفسير الطبري ١٢/ ٧٤٩.
(٥) المسند ٦/ ٦١، ٢٠٦، ٢١٥، ٢٣٧، ٢٥٢.
(٦) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ١١٣، ١١٤، باب ١.
وقوله تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحُسْنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي السَّوَاحِرَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا رَقَيْنَ وَنَفَثْنَ فِي الْعُقْدِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ أَقْرَبُ إلى الشِّرْكِ مِنْ رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْمَجَانِينِ، وَفِي الْحَدِيثِ الآخر أن جبريل جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
اشْتَكَيْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ «نَعَمْ» فَقَالَ: باسم اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ «٢»، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ مِنْ شَكْوَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ سُحِرَ، ثُمَّ عَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَفَاهُ وَرَدَّ كيد السحرة الحساد من اليهود في رؤوسهم، وَجَعَلَ تَدْمِيرَهُمْ فِي تَدْبِيرِهِمْ وَفَضَحَهُمْ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَمْ يُعَاتِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، بَلْ كَفَى اللَّهُ وَشَفَى وَعَافَى.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حبان عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مَنْ الْيَهُودِ فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا. قَالَ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا وَكَذَا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهَا مَنْ يَجِيءُ بِهَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه فاستخرجها فجاءه بِهَا فَحَلَّلَهَا، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِيِّ، وَلَا رَآهُ فِي وجهه حَتَّى مَاتَ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ «٤» عَنْ هَنَّادٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدِ بْنِ حَازِمٍ الضَّرِيرِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الطِّبِّ مِنْ صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي آلُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ، فَسَأَلْتُ هِشَامًا عَنْهُ، فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ، قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَعْلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيِّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ «٥»، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ، قال
(٢) أخرجه الترمذي في الجنائز باب ٤، وابن ماجة في الطب باب ٣٦، وأحمد في المسند ٣/ ٢٨، ٥٦.
(٣) المسند ٤/ ٣٦٧.
(٤) كتاب التحريم باب ٢٠.
(٥) المطبوب: المسحور والعرب تكنى بالطب عن السحر. تفاؤلا بالبراء، كما كنوا بالسليم عن اللديغ.
فأتى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ: «هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نقاعة «٣» الحناء وكأن نخلها رؤوس الشياطين» قال: فاستخرج فقلت: أفلا تَنَشَّرْتَ؟ «٤» فَقَالَ: «أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا» «٥».
وَأَسْنَدَهُ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَأَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَبِي أُسَامَةُ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ وَفِيهِ قَالَتْ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَعِنْدَهُ فَأَمَرَ بِالْبِئْرِ فَدُفِنَتْ، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ أَيْضًا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٦» أَيْضًا عَنْ إبراهيم بن خالد عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لبث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي وَلَا يَأْتِي، فَأَتَاهُ مَلَكَانِ فَجَلَسَ أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا بَالُهُ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْمُفَسِّرُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ غُلَامٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَبَّتْ إِلَيْهِ الْيَهُودُ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِدَّةَ من أسنان مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهَا الْيَهُودَ فَسَحَرُوهُ فِيهَا.
وَكَانَ الَّذِي تولى ذلك رجل منهم يقال له ابن أَعْصَمَ، ثُمَّ دَسَّهَا فِي بِئْرٍ لِبَنِي زُرَيْقٍ يقال له ذَرْوَانُ، فَمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَثَرَ شَعْرُ رَأْسِهِ وَلَبِثَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ، وَجَعَلَ يَذُوبُ وَلَا يَدْرِي مَا عَرَاهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ نائم إذ أتاه مَلَكَانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخِرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ:
طُبَّ، قَالَ: وَمَا طُبَّ؟ قَالَ: سُحِرَ؟ قَالَ: وَمَنْ سَحَرَهُ؟ قال: لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيُّ.
قَالَ: وَبِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بِمُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذكر تحت رعوفة في بئر ذروان. والجف قشر الطلع، والرعوفة حَجَرٌ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ نَاتِئٌ يَقُومُ عَلَيْهِ الماتح «٧»،
(٢) رعوفة البئر: صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت، تكون ناتئة هناك، فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقي عليها، وبئر ذروان: بئر لبني زريق بالمدينة.
(٣) النقاعة: ما أنقع فيه الشيء، وهو هنا الماء الذي أنقع فيه الحناء. [.....]
(٤) النشرة: نوع من الرقية والعلاج. أي هلا طلبت العلاج.
(٥) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ١١، والطب باب ٤٧، ٤٩، والأدب باب ٥٦، والدعوات باب ٥٧، ومسلم في السّلام حديث ٤٣، وابن ماجة في الطب باب ٤٥، وأحمد في المسند ٦/ ٩٦.
(٦) المسند ٦/ ٦٣.
(٧) الماتح: هو المستسقي من البئر بالدلو.