تفسير سورة الفلق

مختصر تفسير ابن كثير
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب مختصر تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

- ١ - قُلْ أَعُوَذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ
- ٢ - مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ
- ٣ - وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ
- ٤ - وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ
- ٥ - وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إذا حسد
قال ابن عباس ﴿الفلق﴾: الصبح، وقال ابن جرير: وهي كقوله تعالى: ﴿فَالِقُ الإصباح﴾، وقال
694
ابن عباس: ﴿الفلق﴾ الخلق، أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنَ الْخَلْقِ كُلِّهِ، وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: ﴿الْفَلَقُ﴾ بَيْتٌ فِي جَهَنَّمَ، إِذَا فُتِحَ صَاحَ جَمِيعُ أَهْلِ النَّارِ من شدة حره، قال ابن جرير: والصواب القول، أَنَّهُ فَلَقُ الصُّبْحِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ اختيار البخاري رحمة الله تعالى، ﴿مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ أَيْ مِنْ شَرِّ جميع المخلوقات، وقال الحسن الْبَصْرِيُّ: جَهَنَّمُ وَإِبْلِيسُ وَذُرِّيَّتُهُ مِمَّا خَلَقَ، ﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ ﴿غَاسِقٍ﴾ اللَّيْلِ ﴿إِذَا وَقَبَ﴾ غُرُوبُ الشَّمْسِ (حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عنه وهو قول ابن عباس والضحّاك)، وقال الحسن وَقَتَادَةُ: إِنَّهُ اللَّيْلُ إِذَا أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ، وَقَالَ الزهري: الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ، وَعَنْ عَطِيَّةَ وَقَتَادَةَ: ﴿إِذَا وَقَبَ﴾ الليل إذا ذهب، وقال أبو هريرة ﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ الكوكب، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْقَمَرُ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَأَرَانِي القمر حين طلع، وَقَالَ: «تَعَوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الْغَاسِقِ إذا وقب» (أخرجه أحمد والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح)، وَلَفَظُ النَّسَائِيِّ: «تَعَوَّذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، هذا الغاسق إذا وقب»، قال الأولون: هَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَنَا، لِأَنَّ الْقَمَرَ آيَةُ اللَّيْلِ، وَلَا يُوجَدُ لَهُ سُلْطَانٌ إِلَّا فِيهِ، وكذلك النجوم لا تضيء إلاّ بالليل، فَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وقوله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وعكرمة: يَعْنِي السَّوَاحِرَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا رَقَيْنَ وَنَفَثْنَ في العقد، وفي الحديث: أن جبريل جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اشْتَكَيْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: باسم اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ كل شر حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ. وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ من شكواه ﷺ حِينَ سُحِرَ، ثُمَّ عَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَفَاهُ، وَرَدَّ كَيْدَ السَّحَرَةِ الْحُسَّادِ مِنَ الْيَهُودِ فِي رؤوسهم وجعل تدميرهم في تدبيرهم.
روى البخاري في كتاب الطب من صحيحه، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ، وَلَا يَأْتِيهِنَّ. قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَعْلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالْآخَرُ عِنْدَ رجليَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلْآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ (لَبِيَدُ بْنُ أَعْصَمَ) رَجُلٌ مِنْ بَنِي زريق حليف اليهود كان منافقاً، فقال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاطة، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، تحت راعوفة في بئر ذروان، قالت: فأتى البئر حتى استخرجه، فقال: «هذه بئر الَّتِي أُريتها وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نخلها رؤوس الشياطين»، قال: فاستخرج، فقلت: أفلا تنشَّرت؟ فقال: «أمَّا الله فقد أشفاني، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شراً» (أخرجه البخاري ورواه مسلم وأحمد بمثله). وروى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ غُلَامٌ مِنَ الْيَهُودِ يَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَبَّتْ إِلَيْهِ الْيَهُودُ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وعدة من أسنان مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهَا الْيَهُودَ فَسَحَرُوهُ فِيهَا، وَكَانَ الَّذِي تولى ذلك رجل منهم يقال له (ابن أعصم) ثم دسها في بئر لنبي زريق، يقال له ذوران، فَمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْتَثَرَ شَعْرُ رَأْسِهِ وَلَبِثَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ، وَجَعَلَ يَذُوبُ، وَلَا يَدْرِي مَا عَرَاهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ إذ أتاه مَلَكَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْآخِرُ عِنْدَ
695
رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: طبَّ، قَالَ: وَمَا طُبَّ؟ قَالَ: سُحِرَ، قَالَ: وَمَنْ سَحَرَهُ، قال: لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيُّ، قَالَ: وَبِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بِمُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، وَالْجُفُّ قِشْرُ الطَّلْعِ، وَالرَّاعُوفَةُ حَجَرٌ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ نَاتِئٌ يَقُومُ عَلَيْهِ الْمَاتِحُ، فَانْتَبَهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَذْعُورًا، وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بِدَائِي»، ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَنَزَحُوا مَاءَ الْبِئْرِ، كَأَنَّهُ نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، ثُمَّ رَفَعُوا الصَّخْرَةَ، وَأَخْرَجُوا الْجُفَّ، فَإِذَا فِيهِ مُشَاطَةُ رَأْسِهِ وَأَسْنَانٌ مِنْ مُشْطِهِ، وَإِذَا فِيهِ وَتَرٌ مَعْقُودٌ فِيهِ اثنا عشر عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بِالْإِبَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى السُّورَتَيْنِ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً حِينَ انْحَلَّتِ الْعُقْدَةُ الْأَخِيرَةُ، فَقَامَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ، وَجَعَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَأْخُذُ الْخَبِيثَ نَقْتُلُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما أَنَا فَقَدَ شَفَانِي اللَّهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ يُثِيرَ على الناس شراً» (قال ابن كثير: هكذا أورده الثعلبي بدون إِسْنَادٍ وَفِيهِ غَرَابَةٌ، وَفِي بَعْضِهِ نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ، ولبعضه شواهد مما تقدم).
696
- ١١٤ - سورة الناس.
696
Icon