ﰡ
وتسمّى سورة النّساء القصرى، وهي مدنيّة كلّها بإجماعهم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الطلاق (٦٥) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١)قوله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ قال الزّجّاج: هذا خطاب للنبيّ عليه السلام.
والمؤمنون داخلون معه فيه. ومعناه: إذا أردتم طلاق النّساء، كقوله عزّ وجلّ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ «١». وفي سبب نزول هذه الآية قولان:
(١٤٥٧) أحدهما: أنها نزلت حين طلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلم حفصة، وقيل له: راجعها، فإنّها صوّامة
وللحديث شواهد دون ذكر نزول الآية منها:
١- مرسل قيس بن زيد، أخرجه ابن سعد ٨/ ٦٧ ورجاله ثقات.
٢- مرسل مخرمة بن بكير عن أبيه، أخرجه ابن سعد ٨/ ٦٧ وفيه الواقدي واه.
٣- مرسل ابن سيرين، أخرجه ابن سعد ٨/ ٦٨ وفيه الواقدي.
٤- حديث أنس ولفظه «أن النبي صلّى الله عليه وسلم لما طلق حفصة أمر أن يراجعها»، أخرجه ابن سعد ٨/ ٦٧ وإسناده على شرط الشيخين.
٥- حديث ابن عباس عن عمر ولفظه «أن النبي صلّى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها».
أخرجه ابن سعد ٨/ ٦٧ وأبو داود ٢٢٨٣ والنسائي ٦/ ٣١٣ وإسناده حسن.
الخلاصة: كونه صلّى الله عليه وسلم طلق حفصة صحيح، وأما نزول الآية في ذلك، فضعيف، وأما عجزه، فهو حسن صحيح. والله تعالى أعلم. وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي ٢١٣٨ و «فتح القدير» للشوكاني ٢٥٣٢.
__________
(١) المائدة: ٦.
(١٤٥٨) والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن عمر، وذلك أنه طلّق امرأته حائضا، فأمره النبيّ صلّى الله عليه وسلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، قاله السّدّيّ.
قوله عزّ وجلّ: لِعِدَّتِهِنَّ أي: لزمان عِدَّتهن، وهو الطهر. وهذا للمدخول بها، لأن غير المدخول بها لا عدَّة عليها. والطلاق على ضربين «١» : سُنِّيٌّ، وبِدْعيٌّ.
فالسُّنِّيُّ: أن يطلِّقها في طهر لم يجامعها فيه، فذلك هو الطلاق لِلْعِدَّة، لأنها تعتدُّ بذلك الطهر من عدّتها، وتقع في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها زمان العدة.
والطلاق البدعي: أن يقع في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، فهو واقع، وصاحبه آثم.
وحديث ابن عمر دون ذكر نزول الآية صحيح. أخرجه البخاري ٤٩٠٨ و ٥٢٥١ و ٥٢٥٢ و ٥٣٣٣ و ٧١٦٠ ومسلم ١٤٧١ وأبو داود ٢١٧٩ و ٢١٨١ والترمذي ١١٧٦ والنسائي ٦/ ٢١٢- ٢١٣ ومالك ٢/ ٥٧٦ والشافعي ٢/ ٣٢- ٣٣ والطيالسي ١٨٥٣ وابن أبي شيبة ٥/ ٢- ٣ وأحمد ٢/ ٦٣ وابن حبان ٤٢٦٣ وابن الجارود ٧٣٤ والدارقطني ٤/ ٧ والبغوي ٢٢٢٠ والبيهقي ٧/ ٤٢٤ من طرق من حديث ابن عمر.
وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي ٢١٣٩ بتخريجنا ولله الحمد والمنة.
__________
(١) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٨/ ١٣٥: من طلق في طهر لم يجامع فيه نفذ طلاقه وأصاب السنة، وإن طلقها حائضا نفذ طلاقه وأخطأ السنة، وقال سعيد بن المسيب في أخرى: لا يقع الطلاق في الحيض لأنه خلاف السنة. وإليه ذهبت الشيعة وفي «الصحيحين» حديث ابن عمر المتقدم: وكان ابن عمر طلقها تطليقة فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله بن عمر كما أمره رسول الله صلّى الله عليه وسلم في رواية عن ابن عمر أن الرسول صلّى الله عليه وسلم قال: «هي واحدة». وهذا نص. وهو يرد على الشيعة قال علماؤنا: طلاق السنة ما جمع شروطا سبعة: وهو أن يطلقها واحدة، وهي ممن تحيض، طاهرا لم يمسها في ذلك الظهر، ولا تقدمه طلاق في حيض، ولا تبعه طلاق في طهر يتلوه، وخلا عن العوض. وهذه الشروط السبعة من حديث ابن عمر المتقدم. وقال الشافعي:
طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر خاصة، ولو طلقها ثلاثا لم يكن بدعة. وقال أبو حنيفة: طلاق السنة أن يطلقها في كل طهر طلقة، قال الشعبي: يجوز أن يطلقها في طهر جامعها فيه. فعلماؤنا قالوا: يطلقها واحدة في طهر لم يمس فيه، ولا تبعه طلاق في عدة، ولا يكون الطهر تاليا لحيض وقع فيه الطلاق. للحديث المتقدم. وتمسك الإمام الشافعي بظاهر قوله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وهذا عام في كل طلاق كان واحدة أو اثنتين أو أكثر. وإنما راعى الله سبحانه الزمان في هذه الآية ولم يعتبر العدد. وكذلك حديث ابن عمر لأن النبي صلّى الله عليه وسلم علّمه الوقت لا العدد. قال ابن العربي: «وهذه غفلة عن الحديث الصحيح»، فإنه قال: «مره فليراجعها» وهذا يدفع الثلاث. وفي الحديث أنه قال: أرأيت لو طلقها ثلاثا؟ قال: حرمت عليك وبانت منك بمعصية. وقال أبو حنيفة: ظاهر الآية يدل على أن الطلاق الثلاث والواحدة سواء. وهو مذهب الشافعي لولا قوله بعد ذلك: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً. وهذا يبطل دخول الثلاث تحت الآية. وكذلك قال أكثر العلماء، وهو بديع لهم. وأما مالك فلم يخف عليه إطلاق الآية كما قالوا، ولكن الحديث فسرها كما قلنا. وأما قول الشعبي: إنه يجوز طلاق في طهر جامعها فيه، فيرده حديث ابن عمر بنصه ومعناه. فلأنه إذا منع من طلاق الحائض لعدم الاعتداد به مخافة شغل الرحم وبالحيض التالي له.
قلت: وقد احتج الشافعي في طلاق الثلاث بكلمة واحدة بما رواه الدارقطني أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ الكلبية ثلاث تطليقات في كلمة واحدة، فلم يبلغنا أن أحدا من أصحابه عاب عليه ذلك. [.....]
قوله تعالى: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ أي: زمان العدّة. وفي إحصائه فوائد. منها: مراعاة زمان الرجعة، وأوان النفقة، والسّكنى، وتوزيع الطّلاق على الإقراء إذا أراد أن يطلِّق ثلاثاً، ولِيَعْلَمَ أنها قد بانت، فيتزوّج بأختها، وأربع سواها.
قوله عزّ وجلّ: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ أي: فلا تعصوه فيما أمركم به. لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فيه دليل على وجوب السكنى. ونسب البيوت إليهن، لسكناهن قبل الطلاق فيهن، ولا يجوز لها أن تخرج في عدتها إلا لضرورة ظاهرة. فإن خرجت أثِمتْ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ وفيها أربعة أقوال «١» :
أحدها: أنّ المعنى: إلا أن يخرجن قبل انقضاء المدة، فخروجهن هو الفاحشة المبّينة، وهذا قول عبد الله بن عمر، والسدي، وابن السائب. والثاني: أن الفاحشة: الزنا، رواه مجاهد، عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وعكرمة، والضحاك. فعلى هذا يكون المعنى: إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحدّ عليهنّ. والثالث: أنّ الفاحشة: أن تبدو على أهله، فيحلُّ لهم إخراجها، رواه محمد بن إبراهيم عن ابن عباس. والرابع: أنها إصابة حدٍّ، فتخرج لإقامة الحدّ عليها، قاله سعيد بن المسيّب.
قوله عزّ وجلّ: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يعني: ما ذكر من الأحكام وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ التي بيَّنها، وأمر بها فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي: أثم فيما بينه وبين الله تعالى لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً أي: يُوقع في قلب الزوج المحبَّة لرجعتها بعد الطَّلْقة والطلقتين. وهذا يدل على أن المستحب في الطلاق تفريقه، وأن لا يجمع الثلاث.
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٢ الى ٣]
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)
قوله عزّ وجلّ: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أي: قاربن انقضاء العدة فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وهذا مبيَّن في البقرة «٢» وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ قال المفسرون: أشهدوا على الطلاق، أو المراجعة. واختلف العلماء: هل الإشهاد على المراجعة واجب، أم مستحب؟ وفيه عن أحمد روايتان، وعن الشافعي قولان، ثم قال للشهداء: وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ أي: اشهدوا بالحق، وأدّوها على الصحة، طلبا لمرضاة الله تعالى، وقياماً بوصيَّته. وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.
وتشمل ما إذا نشزت المرأة، أو بذؤت على أهل الرجل، وآذتهم في الكلام والفعال، كما قاله أبيّ بن كعب وابن عباس وغيرهم.
(٢) البقرة: ٢٣٢.
وفي معناها للمفسرين خمسة أقوال: أحدها: ومن يتق الله يُنجِه من كل كرب في الدنيا والآخرة، قاله ابن عباس. والثاني: أنّ مَخْرَجَه: علمُه بأن ما أصابه من عطَاءٍ أو مَنْع، من قِبَل الله، وهو معنى قول ابن مسعود. والثالث: ومن يتق الله، فيطلق للسُّنَّةِ، ويراجع للسُّنَّةِ، يَجْعَلْ له مخرجاً، قاله السدي.
والرابع: ومن يتَّق الله بالصبر عند المصيبة، يجعل له مخرجاً من النار إلى الجنة، قاله ابن السائب.
والخامس: يجعل له مخرجاً من الحرام إلى الحلال، قاله الزجاج. والصحيح أن هذا عام، فإن الله تعالى يجعل للتقي مخرجاً من كل ما يضيق عليه. ومن لا يتقي، يقع في كل شدة. قال الربيع بن خُثَيْم:
يجعل له مخرجاً من كل ما يضيق على الناس وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أي: من حيث لا يأمل، ولا يرجو. قال الزجاج: ويجوز أن يكون: إذا اتقى الله في طلاقه، وجرى في ذلك على السُّنَّة، رزقه الله أهلا بدل أهله. قوله: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ أي: مَنْ وَثِقَ به فيما نابه، كفاه الله ما أهمّه إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ وروى حفص، والمفضل عن عاصم «بالغُ أمرِه» مضاف. والمعنى: يقضي ما يريد، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً أي: أجلاً ومنتهىً ينتهي إليه، قدَّر الله ذلك كلَّه، فلا يقدَّم ولا يؤخر.
قال مقاتل: قد جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء قدراً، فقدَّر متى يكون هذا الغني فقيراً، وهذا الفقير غنيا.
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٤ الى ٥]
وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤) ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥)
قوله عزّ وجلّ: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ في سبب نزولها قولان: أحدهما: أنها لمّا نزلت عدّة
الخلاصة: هو حديث حسن أو يقرب من الحسن وأحسن ما روي فيه حديث ابن مسعود، ليس له علة إلا الانقطاع، فهو ضعيف فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها، وإذا انضم إليه مرسل سالم ومرسل السدي، صار حسنا كما هو مقرر في هذا النص لكن في المتن بعض الاضطراب، لذا قلت: حسن أو يشبه الحسن. وانظر «فتح القدير» للشوكاني ٢٥٣٦ بتخريجنا.
(١٤٦٠) قال أُبَيُّ بن كعب: يا رسول الله: إن نساء من أهل المدينة يقلن: قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء. قال: «وما هو؟» قال: الصغار والكبار، وذوات الحمل، فنزلت هذه الآية، قاله عمرو بن سالم.
(١٤٦١) والثاني: لمّا نزل قوله عزّ وجلّ: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الآية «٢» قال خلاَّد بن النعمان الأنصاري: يا رسول الله، فما عِدَّة التي لا تحيض، وعدَّة التي لم تحض، وعدة الحُبلى؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. ومعنى الآية: إِنِ ارْتَبْتُمْ، أي: شككتم فلم تَدْرُوا ما عِدتَّهن فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ كذلك.
فصل «٣» :
قال القاضي أبو يعلى: والمراد بالارتياب هاهنا: ارتياب المخاطبين في مقدار عدّة
عزاه المصنف لمقاتل، وهو متروك متهم، فالخبر لا شيء.
__________
(١) البقرة: ٢٢٧- ٢٣٢.
(٢) البقرة: ٢٢٨.
(٣) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ١٣٤: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال عني بذلك: إن ارتبتم فلم تدروا ما الحكم فيهن. فإن حكم عددهن إذا طلقن، وهن ممن دخل بهن أزواجهن، فعدتهن ثلاثة أشهر، وكذلك عدد اللائي لم يحضن من الجواري الصغار إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول.
وقال القرطبي رحمه الله في «الجامع لأحكام القرآن» ١٨/ ١٤٦: المرتابة في عدتها لا تنكح حتى تستبرئ نفسها من ريبتها، ولا تخرج من العدة إلا بارتفاع الريبة. وقد قيل في المرتابة التي ترفعها حيضتها وهي لا تدري ما ترفعها: إنها تنتظر سنة من يوم طلقها زوجها، منها تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة، فإن طلقها فحاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع عنها بغير يأس منها انتظرت تسعة أشهر، ثم ثلاثة من يوم طهرت من حيضتها ثم حلت للأزواج. هذا قول الشافعي بالعراق. فعلى قياس هذا القول تقيم الحرة المتوفى عنها زوجها المستبرأة بعد تسعة أشهر، أربعة أشهر وعشرا. فإن كانت المرأة شابة، استؤني بها هل هي حامل أم لا، فإن استبان حملها فإن أجلها وصفه. وإن لم يستبن فقال مالك: عدة التي ارتفع حيضها وهي شابة سنة. وبه قال أحمد وإسحاق ورووه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره. وأهل العراق يرون أن عدتها ثلاث حيض بعد ما كانت حاضت مرة واحدة في عمرها، وإن مكثت عشرين سنة، إلا أن تبلغ من الكبر مبلغا تيأس فيه من الحيض فتكون عدتها بعد الإياس ثلاثة أشهر قال الثعلبي: وهذا الأصح في مذهب الشافعي وعليه جمهور العلماء. وروي ذلك عن ابن مسعود وأصحابه وأما من تأخر حيضها لمرض، فقال مالك وابن القاسم وعبد الله بن أصبغ: تعتد تسعة أشهر ثم ثلاثة. ولو تأخر الحيض لغير مرض ولا رضاع فإنها تنتظر سنة لا حيض فيها، تسعة أشهر ثم ثلاثة، على ما ذكرناه، فتحل ما لم ترتب بحمل، فإن ارتابت بحمل أقامت أربعة أعوام، وقال أشهب: لا تحل أبدا حتى تنقطع عنها الريبة، قال ابن العربي: وهو الصحيح. وأما التي جهل حيضها بالاستحاضة ففيها ثلاثة أقوال: قال ابن المسيب: تعتد سنة وهو قول الليث، وهو مشهور قول علمائنا. سواء علمت دم حيضها من دم استحاضتها، وميزت ذلك أو لم تميزه. عدتها في ذلك كله عند مالك في تحصيل مذهبه سنة. وقال الشافعي في أحد أقواله: عدتها ثلاثة أشهر. وهو قول جماعة من التابعين والمتأخرين من القرويين. قال ابن العربي: وهو الصحيح عندي. وقال أبو عمر: المستحاضة إذا كان دمها ينفصل فعلمت إقبال حيضتها أو إدبارها اعتدت ثلاثة قروء. وهذا أصح في النظر، وأثبت في القياس والأثر.
وقد اختلف في المرأة إذا تأخر حيضها لا لعارض كم تجلس؟ فمذهب أصحابنا أنها تجلس غالب مدة الحمل، وهو تسعة أشهر، ثم ثلاثة. والعدة: هي الثلاثة التي بعد التسعة. فإن حاضت قبل السنة بيوم، استأنفت ثلاث حيض، وإن تَمَّتْ السَّنَةُ من غير حيض، حَلَّت، وبه قال مالك. أبو حنيفة، والشافعي في الجديد: تمكث أبداً حتى يعلم براءة رحمها قطعا، وهو أن تصير في حدّ لا يحيض مثلها، فتعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر.
قوله عزّ وجلّ: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ يعني: عدتهن ثلاثة أشهر أيضاً، لأنه كلام لا يستقلُّ بنفسه، فلا بدَّ له من ضمير، وضميره تقدَّم ذكره مظهراً، وهو العدَّة بالشهور. وهذا على قول أصحابنا محمول على من لم يأت عليها زمان الحيض: أنها تعتد ثلاثة أشهر. فأما من أتى عليها زمان الحيض، ولم تحض، فإنها تعتدّ سنة.
قوله عزّ وجلّ: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ عامٌّ في المطلقات، والمتوفَّى عنهن أزواجهن، وهذا قول عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وأبي مسعود البدري، وأبي هريرة، وفقهاء الأمصار. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: تعتدُّ آخر الأجلين. ويدل على قولنا عموم الآية. وقول ابن مسعود: من شاء لاعنته، ما نزلت وَأُولاتُ الْأَحْمالِ إِلا بعد آية المتوفَّى عنها زوجها، وقولِ أم سلمة:
(١٤٦٢) إن سُبَيعة وضعت بعد وفاة زوجها بأيام، فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تتزوّج.
قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ: فيما أُمِرَ به يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً يُسَهِّلْ عليه أمر الدنيا والآخرة، وهذا قول الأكثرين. وقال الضحاك: ومن يتق الله في طلاق السّنّة، يجعل له من أمره يسراً في الرَّجعة ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ بطاعته يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ أي: يمح عنه خطاياه وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً في الآخرة.
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٦ الى ٧]
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧)
بقدر وسعكم. وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة: بفتح الواو. والوُجد: المقدرة، والغنى يقال: افتقر فلان بعد وُجْدٍ. قال الفراء: يقول: على ما يجد، فإن كان مُوَسَّعاً عليه، وسَّعَ عليها في المسكن والنَّفَقة، وإن كان مقتَّراً عليه، فعلى قدر ذلك.
قوله عزّ وجلّ: وَلا تُضآرُّوهُنَّ بالتضييق عليهنّ في المسكن، والنفقة، وأنتم تجدون سَعَة. قال القاضي أبو يعلى: والمراد بهذا: المطلقة الرجعية دون المبتوتة، بدليل قوله عزّ وجلّ: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً «١» وقولِه: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ «٢» فدل ذلك على أنه أراد الرجعية.
وقد اختلف الفقهاء في المبتوتة «٣» : هل لها سكنى، ونفقة في مدة العدة، أم لا؟ فالمشهور عند أصحابنا: أنه لا سكنى لها ولا نفقة، وهو قول ابن أبي ليلى. وقال أبو حنيفة: لها السكنى، والنفقة.
وقال مالك والشافعي: لها السكنى، دون النفقة. وقد رواه الكوسج عن الإمام أحمد رضي الله عنه ويدل على الأول.
(١٤٦٣) حديث فاطمة بنت قيس أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال لها: إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له
__________
(١) الطلاق: ١.
(٢) الطلاق: ٢.
(٣) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٨/ ١٤٨- ١٤٩: قال أشهب عن مالك: يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل، لقوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ فلو كان معها ما قال أسكنوهن. وقال ابن نافع: قال مالك في قول الله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ يعني المطلقات اللاتي بك من أزواجهن فلا رجعة لهم عليهن وليست حاملا. فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة، لأنها بائن منه، لا يتوارثان ولا رجعة له عليها. وإن كانت حاملا فلها النفقة والكسوة والمسكن حتى تنقضي عدتها. فأما من لم تبن منهن فإنهن نساؤهم يتوارثون، ولا يخرجن إلا أن يأذن لهن أزواجهن ما كن في عهدتهن، ولم يؤمروا بالسكنى لهن لأن ذلك لازم لأزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن، حوامل كن أو غير حوامل إنما أمر الله بالسكنى للائي بن من أزواجهن مع نفقتهن، قال تعالى:
وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فجعل الله عز وجل للحوامل اللائي قد بنّ من أزواجهن السكنى والنفقة. قال ابن العربي: وبسط ذلك وتحقيقه أن الله سبحانه لما ذكر السكنى أطلقها لكل مطلقة. فلما ذكر النفقة قيدها بالحمل، فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها. وهي مسألة عظيمة وهذا مأخذها من القرآن.
واختلفوا في الحامل، والمتوفَّى عنها زوجها، فقال ابن مسعود، وابن عمر، وأبو العالية، والشعبي، وشريح، وإبراهيم: نفقتها من جميع المال، وبه قال مالك، وابن أبي ليلى، والثوري. وقال ابن عباس، وابن الزبير، والحسن، وسعيد بن المسيب، وعطاء: نفقتها في مال نفسها، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه. وعن أحمد كالقولين.
قوله عزّ وجلّ: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ يعني: أجرة الرضاع. وفي هذا دلالة على أن الأم إذا رضيت أن ترضعه بأجرة مثله، لم يكن للأب أن يسترضع غيرها وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ، أي: لا تشتطُّ المرأة على الزوج فيما تطلبه من أجرة الرضاع، ولا يقصِّر الزَّوج عن المقدار المستحق وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ في الأجرة، ولم يتراضَ الوالدان على شيء فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى لفظه لفظ الخبر، ومعناه:
الأمر: أي: فليسترضع الوالد غير والدة الصبي. لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ أمر أهل التَّوسِعَة أن يوسِّعوا على نسائهم المرضعات أولادهن على قدر سَعَتِهم. وقرأ ابن السميفع «لينفق» بفتح القاف. وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ أي: ضُيِّق عليه من المطلّقين. وقرأ أبي بن كعب، وحميد «قدر عليه» بضم القاف، وتشديد الدال. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة «قَدّر» بفتح القاف وتشديد الدال «رزقَه» بنصب القاف. فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ على قدر ما أعطاه من المال لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها أي: على قدر ما أعطاها من المال سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً أي: بعد ضيق وشدة، غنىً وسَعَةً، وكان الغالب عليهم حينئذ الفقر، فأعلمهم أنه سيفتح عليهم بعد ذلك.
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٨ الى ١١]
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (١١)
قوله عزّ وجلّ: وَكَأَيِّنْ أي: وكم مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ، أي: عن أمر رسله.
والمعنى: عتا أهلها. قال ابن زيد: عتت، أي: كفرت، وتركت أمر ربها، فلم تقبله.
وفي باقي الآية قولان: أحدهما: أن فيها تقديماً، وتأخيراً. والمعنى: عذَّبناها عذاباً نكراً في الدنيا بالجوع، والسيف، والبلايا، وحاسبناها حساباً شديداً في الآخرة، قاله ابن عباس، والفراء في آخرين. والثاني: أنها على نظمها، والمعنى: حاسبناها بعملها في الدنيا، فجازيناها بالعذاب على مقدار عملها، فذلك قوله عزّ وجلّ: وَعَذَّبْناها فجعل المجازاة بالعذاب محاسبة. والحساب الشديد: هو
قوله عزّ وجلّ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً أي: قرآنا رَسُولًا أي: وبعث رسولاً، قاله مقاتل.
وإِلى نحوه ذهب السدي. وقال ابن السائب: الرسول هاهنا: جبرائيل، فعلى هذا: يكون الذِّكر والرسول جميعاً منزَّلين. وقال ثعلب: الرسول: هو الذِّكر. وقال غيره: معنى الذكر هاهنا: الشرف.
وما بعده قد تقدَّم «١» إلى قوله عزّ وجلّ: قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً يعني: الجنة التي لا ينقطع نعيمها.
[سورة الطلاق (٦٥) : آية ١٢]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢)
قوله: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ أي: وخلق الأرض بعددهنّ. وجاء في الحديث: أنّ كثافة كل سماءٍ مسيرة خمسمائة عام، وما بينها وبين الأخرى كذلك، وكثافة كل أرض خمسمائة عام، وما بينها وبين الأرض الأخرى كذلك.
(١٤٦٤) وقد روى أبو الضحى عن ابن عباس قال: في كل أرض آدم مثل آدمكم، ونوح مثل نوحكم، وإبراهيم مثل إبراهيمكم، وعيسى كعيسى، فهذا الحديث تارة يرفع إلى ابن عباس، وتارة يوقف على أبي الضحى، وليس له معنى إلا ما حكى أبو سليمان الدمشقي، قال: سمعت أن معناه: إن في كل أرض خلقاً من خلق الله لهم سادة، يقوم كبيرهم ومتقدِّمهم في الخلق مقام آدم فينا، وتقوم ذُرِّيَّتُه في السِّنِّ والقِدَم كمقام نوح. وعلى هذا المثال سائرهم. وقال كعب: ساكن الأرض الثانية: الريح العقيم، وفي الثالثة: حجارة جهنم، والرابعة: كبريت جهنم، والخامسة: حيات جهنم، والسادسة:
عقارب جهنم، والسابعة: فيها إبليس «٢».
قوله عزّ وجلّ: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ، في الأمر قولان: أحدهما: أنه قضاء الله وقدره، قاله الأكثرون. قال قتادة: في كل أرضٍ من أرضهِ وسماءٍ من سمائه خَلْقٌ من خَلْقِهِ، وأمْرٌ من أمْرِهِ، وقَضَاءٌ من قَضَائِهِ. والثاني: أنه الوحي، قاله مقاتل.
قوله عزّ وجلّ: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً المعنى أعلمكم هذا لتعلموا قدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء.
__________
(١) البقرة: ٢٥٧، والأحزاب: ٤٣، والتغابن: ٩.
(٢) هذا كسابقه من الإسرائيليات التي نقلها كعب وغيره عن كتب الأقدمين. والله أعلم.