مدنية وآياتها ١٢ نزلت بعد الإنسان
ﰡ
مدنية وآياتها ١٢ نزلت بعد الإنسان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (سورة الطلاق)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ إن قيل: لم نودي النبي ﷺ وحده ثم جاء بعد ذلك خطاب الجماعة؟ فالجواب: أنه لما كان حكم الطلاق يشترك فيه النبي صلى الله عليه وآله وأمته، قيل: إذا طلقتم خطابا له ولهم، وخصّ هو عليه الصلاة والسلام بالنداء تعظيما له، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا أي: افعل أنت وقومك، ولأنه عليه الصلاة والسلام هو المبلغ لأمته، فكأنه قال: يا أيها النبي إذا طلقت أنت وأمتك. وقيل: تقديره يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم. وهذا ضعيف لأنه يقتضي أن هذا الحكم مختص بأمته دونه، وقيل: إنه خوطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطلقتم تعظيما له، كما تقول للرجل المعظم: أنتم فعلتم، وهذا أيضا ضعيف، لأنه يقتضي اختصاصه عليه الصلاة والسلام بالحكم دون أمته، ومعنى إذا طلقتم هنا: إذا أردتم الطلاق.
واختلف في الطلاق هل هو مباح أو مكروه؟ فأما إذا كان على غير وجه السنة فهو ممنوع. ولكن يلزم، وأما اليمين بالطلاق فممنوع «١» فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ تقديره: طلقوهن مستقبلات لعدتهن، ولذلك قرأ عثمان وابن عباس وأبيّ بن كعب: فطلقوهن في قبل عدتهن وقرأ ابن عمر: لقبل عدتهن ورويت القراءتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى ذلك كله:
لا يطلقها وهي حائض، فهو منهي عنه بإجماع، لأنه إذا فعل ذلك لم يقع طلاقه في الحال التي أمر الله بها وهو استقبال العدة، واختلف في النهي عن الطلاق في الحيض هل هو معلل بتطويل العدة، أو هو تعبد، والصحيح أنه معلل بذلك، وينبني على هذا الخلاف فروع منها: هل يجوز إذا رضيت به المرأة أم لا؟ ومنها هل يجوز طلاقها وهي حامل أم لا؟ ومنها هل يجوز طلاقها قبل الدخول وهي حائض أم لا؟ فالتعليل بتطويل العدّة يقتضي جواز هذه الفروع، والتعبد يقتضي المنع، ومن طلق في الحيض لزمه الطلاق، ثم يؤمر بالرجعة على وجه الإجبار عند مالك، وبدون إجبار عند الشافعي حتى تطهر ثم تحيض ثم
الأول أنها الزنا فتخرج لإقامة الحدّ، قاله الليث بن سعد والشعبي. الثاني أنه سوء الكلام مع الأصهار فتخرج ويسقط حقها من السكنى، ويلزمها الإقامة في مسكن تتخذه حفظا للنسب، قاله ابن عباس ويؤيده قراءة أبي بن كعب، إلا أن يفحشن عليكم. الثالث أنه جميع المعاصي من القذف والزنا والسرقة وغير ذلك، فمتى فعلت شيئا من ذلك سقط حقها في السكنى، قاله ابن عباس أيضا وإليه مال الطبري الرابع أنه الخروج عن بيتها خروج انتقال فمتى فعلت ذلك سقط حقها في السكنى قاله ابن الفرس: وإلى هذا ذهب مالك في المرأة إذا نشزت في العدة، الخامس أنه النشوز قبل الطلاق، فإذا طلقها بسبب نشوزها فلا يكون عليه سكنى قاله قتادة.
لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً المراد به الرجعة عند الجمهور، أي أحصوا العدة وامتثلوا ما أمرتم به، لعل الله يحدث الرجعة لنسائكم، وقيل: إن سبب الرجعة المذكورة في الآية تطليق النبي ﷺ لحفصة بنت عمر فأمره الله بمراجعتها
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ يريد آخر العدة والإمساك بمعروف هو:
تحسين العشرة وتوفية النفقة، والفراق بالمعروف هو: أداء الصداق والإمتاع حين الطلاق والوفاء بالشروط ونحو ذلك وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ هذا خطاب للأزواج، والمأمور به هو الإشهاد على الرجعة عند الجمهور، وقد اختلف فيه هل هو واجب أو مستحب على
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً قيل إنها في الطلاق، ومعناها: من يتق الله فيطلق طلقة واحدة، حسبما تقتضيه السنة يجعل له مخرجا بجواز الرجعة متى ندم على الطلاق، وفي هذا المعنى روي عن ابن عباس أنه قال لمن طلق ثلاثا: إنك لم تتق الله فبانت منك امرأتك، ولا أرى لك مخرجا أي لا رجعة لك. وقيل: إنها على العموم أي من يتق الله في أقواله وأفعاله يجعل له مخرجا من كرب الدنيا والآخرة، وقد روي هذا أيضا عن ابن عباس، وهذا أرجح لخمسة أوجه أحدها حمل اللفظ على عمومه فيدخل في ذلك الطلاق وغيره، الثاني أنه روي أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أنه أسر ولده وضيق عليه رزقه، فشكى ذلك إلى رسول الله ﷺ فأمره بالتقوى، فلم يلبث إلا يسيرا وانطلق ولده ووسع الله رزقه، والثالث أنه روي عن رسول الله ﷺ أنه قرأها فقال: مخرجا من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة. والرابع روي عن النبي ﷺ أنه قال: إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم «ومن يتق الله يجعل له مخرجا» الآية: فما زال يقرؤها ويعيدها الخامس قوله: ويرزقه من حيث لا يحتسب، فإن هذا لا يناسب الطلاق وإنما يناسب التقوى على العموم.
قال بعض العلماء: الرزق على نوعين رزق مضمون لكل حي طول عمره، وهو الغذاء الذي تقوم به الحياة وإليه الإشارة بقوله: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ورزق موعود للمتقين خاصة، وهو المذكور في هذه الآية
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ أي كافيه بحيث لا يحتاج معه إلى غيره، وقد تكلمنا على التوكل في آل عمران إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ «١» أي يبلغ ما يريد ولا يعجزه شيء، هذا حض على التوكل وتأكيد له، لأن العبد إذا تحقق أن الأمور كلها بيد الله توكل عليه وحده ولم يعوّل على سواه
أحدهما : إن ارتبتم في حكم عدتها فاعلموا أنها ثلاثة أشهر.
والآخر : إن ارتبتم في حيضها هل انقطع أو لم ينقطع فهي على التأويل.
الأول : في التي انقطعت حيضتها لكبر سنها حسبما ذكرنا وهو الصحيح وهي على التأويل. الثاني : في المرتابة وهي التي غابت عنها الحيضة وهي في سن من تحيض وقد اختلف العلماء في عدتها على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها ثلاثة أشهر خاصة حسبما تقتضيه الآية على هذا التأويل.
والآخر : أنها ثلاثة أشهر بعد تسعة أشهر تستبرئ بها أمد الحمل وهذا مذهب مالك وقدوته في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والثالث : أنها تعتد بالأقراء ولو بقيت ثلاثين سنة حتى تبلغ سن من لا تحيض وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة.
﴿ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ﴾ هذه الآية عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر العلماء عامة في المطلقات والمتوفى عنهن فمتى كانت إحداهن حاملا فعدتها وضع حملها وقال علي بن أبي طالب وابن عباس إنما هذه الآية في المطلقات الحوامل فهن اللاتي عدتهن وضع حملهن وأما المتوفى عنها إذا كانت حاملا فعدتها عندهما أبعد الأجلين إما الوضع أو انقضاء الأربعة الأشهر وعشرا فحجة الجمهور حديث سبيعة الأسلمية أنها كانت زوجا لسعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حبلى فلما وضعت خطبها أبو السنابل بن بعكك فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها :" انكحي من شئت " وقد ذكر أن ابن عباس رجع إلى هذا الحديث لما بلغه ولو بلغ عليا رضي الله عنه لرجع إليه وقال عبد الله بن مسعود إن هذه الآية التي نزلت في سورة النساء القصرى يعني سورة الطلاق نزلت بعد الآية التي في البقرة :﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ﴾ [ البقرة : ٢٣٤ ] فهي مخصصة لها حسبما قاله جمهور العلماء.
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ روي أنه لما نزل قوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قالوا يا رسول الله فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كبر؟ فنزلت هذه الآية معلمة أن المطلقة إذا كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر فقوله: اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ: يعني التي انقطعت حيضتها لكبر سنها وقوله وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ يعني الصغيرة التي لم تبلغ المحيض وهو معطوف على اللائي يئسن أو مبتدأ وخبره محذوف تقديره واللائي لم يحضن كذلك وقوله إِنِ ارْتَبْتُمْ هو من الريب بمعنى الشك وفي معناه قولان: أحدهما إن ارتبتم في حكم عدتها فاعلموا أنها ثلاثة أشهر.
والآخر: إن ارتبتم في حيضها هل انقطع أو لم ينقطع فهي على التأويل الأول في التي انقطعت حيضتها لكبر سنها حسبما ذكرنا وهو الصحيح وهي على التأويل الثاني في المرتابة وهي التي غابت عنها الحيضة وهي في سن من تحيض. وقد اختلف العلماء في عدتها على ثلاثة أقوال: أحدها أنها ثلاثة أشهر خاصة حسبما تقتضيه الآية على هذا التأويل، والآخر أنها ثلاثة أشهر بعد تسعة أشهر تستبرئ بها أمد الحمل وهذا مذهب مالك: وقدوته في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه والثالث أنها تعتد بالأقراء ولو بقيت ثلاثين سنة حتى تبلغ سن من لا تحيض وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة.
وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ هذه الآية عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر العلماء عامة في المطلقات والمتوفى عنهن، فمتى كانت إحداهن حاملا فعدتها وضع حملها. وقال علي بن أبي طالب وابن عباس إنما هذه الآية في المطلقات الحوامل فهن اللاتي عدتهن وضع حملهن. وأما المتوفى عنها إذا كانت حاملا فعدتها عندهما أبعد الأجلين إما الوضع أو انقضاء الأربعة الأشهر وعشرا، فحجة الجمهور حديث سبيعة الأسلمية أنها كانت زوجا لسعد بن خولة فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حبلى، فلما وضعت خطبها أبو السنابل بن بعكك، فسألت رسول الله ﷺ فقال لها انكحي من شئت، وقد ذكر أن ابن عباس رجع إلى هذا الحديث لما بلغه ولو بلغ عليا رضي الله عنه لرجع إليه، وقال عبد الله بن مسعود: إن هذه الآية التي نزلت في سورة النساء القصوى يعني سورة الطلاق نزلت بعد الآية التي في البقرة وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة: ٢٣٤] فهي مخصصة لها حسبما قاله جمهور العلماء
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ أمر الله بإسكان المطلقة طول العدة، فأما المطلقة غير المبتوتة فيجب لها على زوجها السكنى والنفقة باتفاق، وأما المبتوتة ففيها ثلاثة أقوال:
وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ اتفق العلماء على وجوب النفقة في العدة للمطلقة الحامل عملا بهذه الآية سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا، واتفقوا على أن للمطلقة غير الحامل النفقة في العدة إذا كان الطلاق رجعيا، فإن كان بائنا فاختلفوا في نفقتها حسبما ذكرناه، وأما المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا فلا نفقة لها عند مالك والجمهور، لأنهم رأوا أن هذه الآية إنما هي في المطلقات، وقال قوم: لها النفقة في التركة فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ المعنى إن أرضع هؤلاء الزوجات المطلقات أولادكم فآتوهن أجرة الرضاع، وهي النفقة وسائر المؤن حسبما ذكر في كتب الفقه وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ هذا خطاب للرجال والنساء، والمعنى أن يأمر كل واحد صاحبه بخير من المسامحة والرفق والإحسان، وقيل: معنى ائتمروا تشاوروا ومنه: إن الملأ يأتمرون بك وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى المعنى إن تشططت الأم على الأب في أجرة الرضاع، وطلبت منه كثيرا، فللأب أن يسترضع لولده امرأة أخرى بما هو أرفق له، إلا أن لا يقبل الطفل غير ثدي أمه، فتجبر حينئذ على رضاعه بأجرة مثلها ومثل الزوج.
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ أمر بأن ينفق كل واحد على مقدار حاله، ولا يكلف الزوج ما لا يطيق، ولا تضيّع الزوجة بل يكون الحال معتدلا. وفي الآية دليل على أن النفقة تختلف باختلاف أحوال الناس، وهو مذهب مالك خلافا لأبي حنيفة فإنه اعتبر الكفاية، ومن عجز عن نفقة امرأته فمذهب مالك والشافعي أنها تطلق عليه خلافا لأبي
قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا «١» الذكر هنا هو القرآن، والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم، وإعراب رسولا مفعول بفعل مضمر تقديره: أرسل رسولا. وهذا الذي اختاره ابن عطية وهو أظهر الأقوال. وقيل: إن الذكر والرسول معا يراد بهما القرآن، والرسول على هذا بمعنى الرسالة. وقيل: إنهما يراد بهما القرآن على حذف مضاف تقديره ذكرا ذا رسول، وقيل: رسولا مفعول بالمصدر الذي هو الذكر. وقال الزمخشري: الرسول هو جبريل بدل من الذكر، لأنه نزل به أو سمى ذكرا لكثرة ذكره لله وهذا كله بعيد وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ لا خلاف أن السموات سبع، وأما الأرض فاختلف فيها فقيل: إنها سبع أرضين لظاهر هذه الآية ولقوله صلى الله عليه وسلم: من غصب شبرا من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين «٢». وقيل:
إنما هي واحدة فقوله: مثلهن على القول الأول يعني به المماثلة في العدد، وعلى القول الثاني: يعني به المماثلة في عظم الجرم وكثرة العمار وغير ذلك، والأول أرجح يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ يحتمل أن يريد بالأمر الوحي أو أحكام الله وتقديره لخلقه.
(٢). الحديث ذكره في التيسير وأوله: من ظلم وعزاه للشيخين وأحمد عن عائشة وسعيد بن زيد. وهو في المسند ج ١ ص ١٨٧، وج ٦ ص ٧٩.
﴿ يتنزل الأمر بينهن ﴾ يحتمل أن يريد بالأمر الوحي أو أحكام الله وتقديره لخلقه.