تفسير سورة الفاتحة

روح البيان
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ
بالأكل والشرب فاذا تركهما الإنسان فقد اجتهد في قطع شهوة البطن وشهوة الفرج فلا يكون إذا مداخلة للشيطان أصلا واما النفس فسبب إصلاحها هو الصلوات الخمس لان فرضيتها لاصلاح النفس لان فيها تذللا بثلاث طبقات بعقد اليد. بين يدى الملك الأعظم وبالركوع له وبالسجود فالنفس تصلح بالخضوع والخشوع والتذلل قال وهب بن منبه لما خرج نوح من السفينة جاء إبليس عليه اللعنة فقال نوح يا عدو الله أي اخلاق بنى آدم أعون لك ولجنودك على ضلالتهم وهلاكهم قال إبليس إذا وجدنا من بنى آدم شحيحا حريصا حسودا جبارا عجولا تلقفناه تلقف الا كرة فان اجتمعت فيه هذه الأخلاق سميناه شيطانا مريدا لان هذه الأخلاق من اخلاق رؤس الشياطين وفي الخبر ان إبليس عليه اللعنة يرفع الدنيا كل يوم في يديه فيقول من يشترى ما يضره ولا ينفعه ويهمه ولا يسره فتقول اصحاب الدنيا نحن فيقول لا تعجلوا فانها معيوبة فيقولون لا بأس بها فيقول ثمنها ليس
بدراهم ولا دنانير انما ثمنها نصيبكم من الجنة وانى اشتريتها باربعة أشياء بلعنة الله وغضبه وعذابه وقطيعته وبعت الجنة بها فيقولون يجوز لنا ذلك فيقول أريد ان تربحونى على ذلك وهو بان توطنوا قلوبكم على ان لا تدعوها ابدا فيقولون نعم فيأخذونها فيقول الشيطان بئست التجارة: قال الحافظ قدس سره مجو درستى عهد از جهان سست نهاد كه اين عجوزه عروس هزار دامادست قال الشيخ سعدى قدس الله سره بر مرد هوشيار دنيا خسست كه هر مدتى جاى ديكر كسست منه بر جهان دل كه بيكانه ايست كه مطرب كه هر روز در خانه ايست نه لايق بود عشق با دلبرى چوهر بامدادش بود شوهرى وسئل النبي عليه السلام عن وسوسة الشيطان فقال عليه السلام (السارق لا يدخل بيتا ليس فيه شىء فذلك من محض الايمان) وقال على بن ابى طالب رضى الله عنه الفرق بين صلاتنا وصلاة اهل الكتاب وسوسة الشيطان لانه فرغ من عمل الكفار لانهم وافقوه والمؤمنون يخالفونه ويحاربونه والمحاربة تكون مع المخالفة- حكى- ان رجلا من اهل خراسان خرج نحو العراق وكان يتردد الى عالم من علمائها حتى علمه اربعة آلاف حديث من الحكمة فلما أراد الانصراف الى وطنه استأذن من استاذه فقال له الأستاذ أعلمك كلمة خير لك من أحاديثك قال وما هي قال هل يكون في خراسان إبليس قال نعم قال وهل يوسوسكم قال نعم قال وما تصنعون في وسوسته قال نرده قال ان وسوس ثانيا قال نرده قال إذا اذاكم عدو الله وشغلكم عن الطاعة فلا تشتغلوا برد وسوسته ولكن كونوا معه كالغريب مع كلب الراعي واستعيذوا بالله وانه كلب من الكلاب عصمنا الله وإياكم من كيده وشره.
سورة فاتحة الكتاب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الأصح المقبول عند متأخرى الحنفية ان البسملة آية فذة ليست جزأ من سورة أنزلت للفصل والتبرك بالابتداء كما بدئ بذكرها في كل أمر ذى بال وهي مفتاح القرآن وأول ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ وأول ما نزل على آدم عليه السلام وحكمة تأخرها عن الاستعاذة تقدم التخلية بالمعجمة على التحلية والاعراض عما سوى الله على الإقبال والتوجه اليه بِسْمِ اللَّهِ
6
كانت الكفار يبدؤن بأسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات والعزى فوجب ان يقصد الموحد معنى اختصاص اسم الله عز وجل بالابتداء وذلك بتقديمه وتأخير الفعل فلذلك قدر المحذوف متأخرا اى باسم الله اقرأ او اتلو أو غير ذلك مما جعلت التسمية مبدأ له قالوا وأودع جميع العلوم فى الباء اى بي كان ما كان وبي يكون ما يكون فوجود العوالم بي وليس لغيرى وجود حقيقى الا بالاسم والمجاز وهو معنى قولهم ما نظرت شيأ الا ورأيت الله فيه او قبله ومعنى قوله عليه السلام (لا تسبوا الدهر فان الدهر هو الله) فان قلت ما الحكمة والسر في ان الله تعالى جعل افتتاح كتابه بحرف الباء واختارها على سائر الحروف لا سيما على الالف فانه أسقط الالف من الاسم واثبت مكانه الباء في بسم فالجواب ان الحكمة في افتتاح الله بالباء عشرة معان أحدها ان في الالف ترفعا وتكبرا وتطاولا وفي الباء انكسارا وتواضعا وتساقطا فمن تواضع لله رفعه الله وثانيها ان الباء مخصوصة بالإلصاق بخلاف اكثر الحروف خصوصا الالف من حروف القطع وثالثها ان الباء مكسورة ابدا فلما كانت فيها كسرة وانكسار في الصورة والمعنى وجدت شرف العندية من الله تعالى كما قال الله تعالى (انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلى) ورابعها ان في الباء تساقطا وتكسرا في الظاهر ولكن رفعة درجة وعلو همة في الحقيقة وهي من صفات الصديقين وفي الالف ضدها اما رفعة درجتها فبانها أعطيت نقطة وليست للالف هذه الدرجة واما علو الهمة فانه لما عرضت عليها النقط ما قبلت الا واحدة ليكون حالها كحال محب لا يقبل الا محبوبا واحدا وخامسها ان في الباء صدقا في طلب قربة الحق لانها لما وجدت درجة حصول النقطة وضعتها تحت قدمها وما تفاخرت بها ولا يناقضه الجيم والياء لان نقطهما في وضع الحروف ليست تحتهما بل في وسطهما وانما موضع النقط تحتهما عند اتصالهما بحرف آخر لئلا يشتبها بالخاء والتاء بخلاف الباء فان نقطتها موضوعة تحتها سواء كانت مفردة او متصلة بحرف آخر وسادسها ان الالف حرف علة بخلاف الباء وسابعها ان الباء حرف تام متبوع في المعنى وان كان تابعا صورة من حيث ان موضعه بعد الالف في وضع الحروف وذلك لان الالف في لفظ الباء يتبعه بخلاف لفظ الالف فان الباء لا يتبعه والمتبوع في المعنى أقوى وثامنها ان الباء حرف عامل ومتصرف في غيره فظهر لها من هذا الوجه قدر وقدرة فصلحت للابتداء بخلاف الالف فانه ليس بعامل وتاسعها ان الباء حرف كامل في صفات نفسه بانه للالصاق والاستعانة والاضافة مكمل لغيره بان يخفض الاسم التابع له ويجعله مكسورا متصفا بصفات نفسه وله علو وقدرة في تكميل الغير بالتوحيد والإرشاد كما أشار اليه سيدنا على رضى الله عنه بقوله [انا النقطة تحت الباء] فالباء له مرتبة الإرشاد والدلالة على التوحيد وعاشرها ان الباء حرف شفوى تنفتح الشفة به ما لا تنفتح بغيره من الحروف الشفوية ولذلك كان أول انفتاح فم الذرة الانسانية في عهد الست بربكم بالباء في جواب بلى فلما كان الباء أول حرف نطق به الإنسان وفتح به فمه وكان مخصوصا بهذه المعاني اقتضت الحكمة الإلهية اختياره من سائر الحروف فاختارها ورفع قدرها واظهر برهانها وجعلها مفتاح كتابه ومبدأ كلامه وخطابه تعالى وتقدس كذا في التأويلات النجمية واسم الله ما يصح
7
ان يطلق عليه بالنظر الى ذاته او باعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس او الثبوتية كالعليم او باعتبار فعل من أفعاله كالخالق ولكنها توقيفية عند بعض العلماء كما في الشرح المشارق لابن الملك ثم المختار ان كلمة الله هو الاسم الأعظم فان سأل سائل وقال ان من شرط الاسم الأعظم انه ان دعى الله به أجاب وإذا سئل به اعطى فنحن ندعو به
ونسأل فلم نر الاجابة في اكثر الأوقات قلنا ان للدعاء آدابا وشرائط لا يستجاب الدعاء الا بها كما ان للصلاة كذلك فاول شرائطه إصلاح الباطن باللقمة الحلال وقدقيل (الدعاء مفتاح السماء وأسنانه لقمة الحلال) وآخر شرائطه الإخلاص وحضور القلب كما قال الله تعالى فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فان حركة الإنسان باللسان وصياحه من غير حضور القلب ولولة الواقف على الباب وصوت الحارث على السطح اما إذا كان حاضرا فالقلب الحاضر في الحضرة شفيع له قال الشيخ مؤيد الدين الجندي قدس سره ان للاسم الأعظم الذي اشتهر ذكره وطاب خبره ووجب طيه وحرم نشره من عالم الحقائق والمعاني حقيقة ومعنى ومن عالم الصور والألفاظ صورة ولفظا اما حقيقته فهى احدية جمع جميع الحقائق الجمعية الكمالية كلها واما معناه فهو الإنسان الكامل فى كل عصر وهو قطب الاقطاب حامل الامانة الإلهية خليفة الله واما صورته فهى صورة كامل ذلك العصر وعلمه كان محرما على سائر الأمم لما لم تكن الحقيقة الانسانية ظهرت بعد في أكمل صورته بل كانت في ظهورها بحسب قابلية كامل ذلك العصر فحسب فلما وجد معنى الاسم الأعظم وصورته بوجود الرسول ﷺ أباح الله العلم به كرامة له الرَّحْمنِ الرحمة في اللغة رقة القلب والانعطاف ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها والمراد بها هاهنا هو التفضل والإحسان او ارادتهما بطريق اطلاق اسم السبب بالنسبة إلينا على مسببه البعيد او القريب فان اسماء الله تؤخذ باعتبار الغايات التي هي افعال دون المبادي التي هي انفعالات فالمعنى العاطف على خلقه بالرزق لهم ودفع الآفات عنهم لا يزيد في رزق المتقى لقبل تقواه ولا ينقص من رزق الفاجر لقبل فجوره بل يرزق الكل بما يشاء الرَّحِيمِ المترحم إذا سئل اعطى وإذا لم يسأل غضب وبنى آدم حين يسأل بغضب واعلم ان الرحمة من صفات الذات وهو إرادته إيصال الخير ودفع الشر والارادة صفة الذات لان الله تعالى لو لم يكن موصوفا بهذه الصفة لما خلق الموجودات فلما خلق الخلق علمنا ان رحمته صفة ذاتية لان الخلق إيصال خير الوجود الى المخلوق ودفع شر العدم عنهم فان الوجود خير كله قال الشيخ القيصري اعلم ان الرحمة صفة من الصفات الإلهية وهي حقيقة واحدة لكنها تنقسم بالذاتية والصفاتية اى تقتضيها اسماء الذات واسماء الصفات وكل منهما عامة وخاصة فصارت أربعا ويتفرع منها الى ان يصير المجموع مائة رحمة وإليها أشار رسول الله ﷺ بقوله (ان لله مائة رحمة اعطى واحدة منها لاهل الدنيا كلها وادخر تسعا وتسعين الى الآخرة يرحم بها عباده) فالرحمة العامة والخاصة الذاتيتان ما جاء في البسملة من الرحمن الرحيم والرحمة الرحمانية عامة لشمول الذات جميع الأشياء علما وعينا والرحيمية خاصة لانها تفصيل تلك الرحمة العامة الموجب لتعيين كل من الأعيان بالاستعداد الخاص بالفيض الأقدس والصفاتية ما ذكره في الفاتحة من الرحمن
8
الرحيم الاولى عامة الحكم لترتبها على ما أفاض الوجود العام العلمي من الرحمة العامة الذاتية والثانية خاصة وتخصيصها بحسب استعداد الأصلي الذي لكل عين من الأعيان وهما نتيجتان للرحمتين الذاتيتين العامة والخاصة انتهى كلامه قالوا لله تعالى ثلاثة آلاف اسم الف عرفها الملائكة لا غير والف عرفها الأنبياء لا غير وثلاثمائة في التوراة وثلاثمائة في الإنجيل وثلاثمائة فى الزبور وتسعة وتسعون في القرآن وواحد استأثر الله به ثم معنى هذه الثلاثة آلاف في هذه الأسماء الثلاثة فمن علمها وقالها فكأنما ذكر الله تعالى بكل أسمائه وفي الخبر ان النبي عليه السلام قال (ليلة اسرى بي الى السماء عرض على جميع الجنان فرأيت فيها اربعة أنهارا نهرا من ماء ونهرا من لبن ونهرا من خمر ونهرا من عسل فقلت يا جبريل من اين تجىء هذه الأنهار والى اين تذهب قال تذهب الى حوض الكوثر ولا أدرى من اين تجئ فادع الله تعالى ليعلمك او يريك فدعا ربه فجاء ملك فسلم على النبي عليه السلام ثم قال يا محمد غمض عينيك قال فغمضت عينى ثم قال افتح عينيك ففتحت فاذا انا عند شجرة ورأيت قبة من درة بيضاء ولها باب من ذهب احمر وقفل لو أن جميع ما في الدنيا من الجن والانس وضعوا على تلك القبة لكانوا مثل طائر جالس على جبل
فرأيت هذه الأنهار الاربعة تخرج من تحت هذه القبة فلما أردت ان ارجع قال لى ذلك الملك لم لا تدخل القبة قلت كيف ادخل وعلى بابها قفل لا مفتاح له عندى قال مفتاحه بسم الله الرّحمن الرّحيم فلما دنوت من القفل وقلت بسم الله الرّحمن الرّحيم انفتح القفل فدخلت في القبة فرأيت هذه الأنهار تجرى من اربعة اركان القبة ورأيت مكتوبا على اربعة اركان القبة بسم الله الرّحمن الرّحيم ورأيت نهر الماء يخرج من ميم بسم الله ورأيت نهر اللبن يخرج من هاء الله ونهر الخمر يخرج من ميم الرحمن ونهر العسل من ميم الرحيم فعلمت ان اصل هذه الأنهار الاربعة من البسملة فقال الله عز وجل يا محمد من ذكرنى بهذه الأسماء من أمتك بقلب خالص من رياء وقال بسم الله الرّحمن الرّحيم سقيته من هذه الأنهار) وفي الحديث (لا يرد دعاء اوله بسم الله الرّحمن الرّحيم) وفي الحديث ايضا (من رفع قرطاسا من الأرض مكتوبا عليه بسم الله الرّحمن الرّحيم إجلالا له ولاسمه عن ان يدنس كان عند الله من الصديقين وخفف عن والديه وان كانا مشركين) وذكر الشيخ احمد البونى في لطائف الإشارات ان شجرة الوجود تفرعت عن بسم الله الرّحمن الرّحيم وان العالم كله قائم بها جملة وتفصيلا فلذلك من اكثر من ذكرها رزق الهيبة عند العالم العلوي والسفلى وكتب قيصر ملك الروم الى عمر رضى الله عنه ان بي صداعا لا يسكن فابعث الى دواء ان كان عندك فان الأطباء عجزوا عن المعالجة فبعث عمر رضى الله عنه قلنسوة فكان إذا وضعها على رأسه سكن صداعه وإذا رفعها عن رأسه عاد صداعه فتعجب منه ففتش في القلنسوة فاذا فيها كاغد مكتوب عليه بسم الله الرّحمن الرّحيم قال الشيخ الأكبر في الفتوحات إذا قرأت فاتحة الكتاب فصل بسملتها معها في نفس واحد من غير قطع وعن محمد المصطفى ﷺ حالفا عن جبريل عليه السلام حالفا عن ميكائيل عليه السلام حالفا عن اسرافيل عليه السلام قال الله تعالى (يا اسرافيل بعزتي وجلالى وجودى وكرمى من قرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم متصلة بفاتحة
9
الكتاب مرة واحدة فاشهدوا على انى قد غفرت له وقبلت منه الحسنات وتجاوزت له عن السيئات ولا احرق لسانه بالنار وأجيره من عذاب القبر وعذاب النار وعذاب يوم القيامة والفزع الأكبر وتلقانى قبل الأنبياء والأولياء أجمعين) وجه التسمية بفاتحة الكتاب اما لافتتاح المصاحف والتعليم وقراءة القرآن والصلاة بها واما لان الحمد فاتحة كل كلام واما لانها أول سورة نزلت واما لانها أول ما كتب في اللوح المحفوظ واما لانها فاتحة أبواب المقاصد في الدنيا وأبواب الجنان في العقبى واما لان انفتاح أبواب خزائن اسرار الكتاب بها لانها مفتاح كنوز لطائف الخطاب بانجلائها ينكشف جميع القرآن لاهل البيان لان من عرف معانيها يفتح بها أقفال المتشابهات ويقتبس بسناها أنوار الآيات وسميت بام القرآن وأم الشيء أصله لان المقصود من كل القرآن تقرير امور اربعة اقرار بالالوهية والنبوة واثبات القضاء والقدر لله تعالى فقوله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يدل على الالوهية وقوله مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يدل على المعاد وقوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ على نفى الجبر والقدر وعلى اثبات ان الكل بقضاء الله تعالى وسميت بالسبع المثاني لانها سبع آيات او لان كل آية منها تقوم مقام سبع من القرآن فمن قرأها اعطى ثواب قراءة الكل او لان من فتح فاه بقراءة آياتها السبع غلقت عنه أبواب النيران السبعة هذه وجوه التسمية بالسبع واما بالمثاني فلانها تثنى في كل صلاة او في كل ركعة بالنسبة الى الاخرى او المراد تشفع فى كل ركعة سورة حقيقة او حكما أو لأن نزولها مرتين مرة في مكة ومرة في المدينة وسميت بسورة الصلاة وسورة الشفاء والشافية وأساس القرآن والكافية والوافية وسورة الحمد وسورة السؤال وسورة الشكر وسورة الدعاء لاشتمالها عليها وسورة الكنز لما يروى ان الله تعالى قال (فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرشى) الْحَمْدُ لِلَّهِ لامه للعهد اى الحمد الكامل وهو حمد الله لله أو حمد الرسل او كمل اهل الولاء او للعموم والاستغراق اى جميع المحامد والاثنية للمحمود أصلا والممدوح عدلا والمعبود حقا عينية كانت تلك المحامد او عرضية من الملك
او من البشر او من غيرهما كما قال تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ والحمد عند الصوفية اظهار كمال المحمود وكماله تعالى صفاته وأفعاله وآثاره قال الشيخ داود القيصري الحمد قولى وفعلى وحالى اما القولى فحمد اللسان وثناؤه عليه بما اثنى به الحق على نفسه على لسان أنبيائه عليهم السلام واما الفعلى فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء لوجه الله تعالى وتوجها الى جنابه الكريم لان الحمد كما يجب على الإنسان باللسان كذلك يجب عليه بحسب كل عضو بل على كل عضو كالشكر وعند كل حال من الأحوال كما قال النبي عليه السلام (الحمد لله على كل حال) وذلك لا يمكن الا باستعمال كل عضو فيما خلق لاجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقيادا لامره لا طلبا لحظوظ النفس ومرضاتها واما الحالي فهو الذي يكون بحسب الروح والقلب كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالأخلاق الإلهية لان الناس مأمورون بالتخلق بأخلاق الله تعالى بلسان الأنبياء عليهم السلام
10
لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم وفي الحقيقة هذا حمد الحق ايضا نفسه في مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له واما حمده ذاته في مقامه الجمعى الإلهي قولا فهو ما نطق به في كتبه وصحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية وفعلا فهو اظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه الى شهادته ومن باطنه الى ظاهره ومن علمه الى عينه في مجالى صفاته ومحال ولاية أسمائه وخالا فهو تجلياته في ذاته بالفيض الأقدس الاولى وظهور النور الأزلي فهو الحامد والمحمود جمعا وتفصيلا كما قيل
لقد كنت دهرا قبل ان يكشف الغطا إخالك انى ذاكر لك شاكر
فلما أضاء الليل أصبحت شاهدا بانك مذكور وذكر وذاكر
وكل حامد بالحمد القولى يعرف محموده بإسناد صفات الكمال اليه فهو يستلزم التعريف انتهى كلامه والحمد شامل للثناء والشكر والمدح ولذلك صدر كتابه بان حمد نفسه بالثناء في لله والشكر في رب العالمين والمدح في الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ثم ليس للعبد ان يحمده بهذه الوجوه الثلاثة حقيقة بل تقليدا ومجازا اما الاول فلان الثناء والمدح بوجه يليق بذاته او بصفاته فرع معرفة كنههما وقد قال الله تعالى وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ واما الثاني فكما ان النبي عليه السلام لما خوطب ليلة المعراج بان أثن على قال (لا احصى ثناء عليك) وعلم ان لا بد من امتثال الأمر واظهار العبودية (فقال أنت كما أثنيت على نفسك) فهو ثناء بالتقليد وقد أمرنا ايضا ان نحمده بالتقليد بقوله قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ كما قال فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ كذا في التأويلات النجمية: قال السعدي قدس سره
عطاييست هر موى ازو بر تنم چهـ كونه بهر موى شكرى كنم
وذكر الشيخ الامام حجة الإسلام الغزالي رحمه الله في منهاج العابدين ان الحمد والشكر آخر العقبات السبع التي لا بد للسالك من عبورها ليظفر بمبتغاه فاول ما يتحرك العبد لسلوك طريق العبادة يكون بخطرة سماوية وتوفيق خاص الهى وهو الذي أشار اليه صاحب الشرع ﷺ بقوله (ان النور إذا دخل قلب العبد انفتح وانشرح) فقيل يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها فقال (التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله) فاذا خطر بقلب العبد أول كل شىء ان له منعما بضروب من النعم وقال انه يطالبنى بشكره وخدمته فلعله ان غفلت يزيل نعمته ويذيقنى نقمته وقد بعث الى رسولا بالمعجزات وأخبرني بان لى ربا عالما قادرا على ان يثيب بطاعته ويعاقب بمعصيته وقد امر ونهى فيخاف على نفسه عنده فلم يجد في طريق الخلاص من هذا النزاع سبيلا سوى الاستدلال بالصنعة على الصانع فيحصل له اليقين بوجود ربه الموصوف بما ذكره فهذه عقبة العلم والمعرفة استقبلته فى أول الطريق ليكون في قطعها على بصيرة بالتعلم والسؤال من علماء الآخرة فاذا حصل له اليقين بوجود ربه بعثته المعرفة على التشمر للخدمة ولكنه لا يدرى كيف يعبده فيتعلم ما يلزمه من الفرائض الشرعية ظاهرا وباطنا فلما استكمل العلم والمعرفة بالفرائض انبعث للعبادة فنظر فاذا هو صاحب ذنوب كما هو حال اكثر الناس فيقول كيف اقبل على الطاعة
11
وانا مصر متلطخ بالمعاصي فيجب ان أتوب اليه ليخلصنى من أسرها وأتطهر من اقذارها فاصلح للخدمة فيستقبله هاهنا عقبة التوبة فلما حصلت له اقامة التوبة الصادقة بحقوقها وشرائطها نظر للسلوك فاذا حوله عوائق من العبادة محدقة به فتأمل فاذا هي اربع الدنيا والخلق والشيطان والنفس فاستقبلته عقبة العوائق فيحتاج الى قطعها باربعة امور التجرد عن الدنيا والتفرد عن الخلق والمحاربة مع الشيطان والنفس وهي أشدها إذ لا يمكنه التجرد عنها ولا ان يقهرها بمرة كالشيطان إذ هي المطية والآلة ولا مطمع ايضا في موافقتها على الإقبال على العبادة إذ هي مجبولة على ضد الخير كالهوى واتباعها له
نمى تازد اين نفس سركش چنان كه عقلش تواند كرفتن عنان
كه با نفس وشيطان بر آيد بزور مصاف پلنگان نيايد ز مور
فاحتاج الى ان يلجمها بلجام التقوى لتنقاد فيستعملها في المراشد ويمنعها عن المفاسد فلما فرع من قطعها وجد عوارض تعترضه وتشغله عن الإقبال على العبادة فنظر فاذا هي اربعة رزق تطلبه النفس ولا بد واخطار من كل شىء يخافه او يرجوه او يريده او يكرهه ولا يدرى إصلاحه في ذلك أم فساده والثالث الشدائد والمصائب تنصب عليه من كل جانب لا سميا وقد انتصب لمخالفة الخلق ومحاربة الشيطان ومضارة النفس والرابع انواع القضاء فاستقبلته هاهنا عقبة العوارض الاربعة فاحتاج الى قطعها باربعة بالتوكل على الله في الرزق والتفويض اليه في موضع الخطر والصبر عند الشدائد والرضى بالقضاء فاذا قطعها نظر فاذا النفس فاترة كسلى لا تنشط ولا تنبعث لخير كما يحق وينبغى وانما ميلها الى غفلة ودعة وبطالة بل الى سرف وفضول فاحتاج الى سائق يسوقها الى الطاعة وزاجر يزجرها عند المعصية وهما الرجاء والخوف فالرجاء في حسن ما وعد من الكرامات والخوف من صعوبة ما أوعد من العقوبات والاهانات فهذه عقبة البواعث استقبلته فاحتاج الى قطعها بهذين المذكورين فلما فرغ منها لم ير عائقا ولا شاغلا ووجد باعثا وداعيا فعانق العبادة بلزام الشوق فنظر فاذا تبدو بعد كل ذلك آفتان عظيمتان هما الرياء والعجب فتارة يرائى بطاعته الناس وتارة يستعظم ذلك ويكرم نفسه فاستقبلته هاهنا عقبة القوادح فاحتاج الى قطعها بالإخلاص وذكر المنة فاذا قطعها بحسن عصمة الجبار وتأييده حصلت العبادة له كما يحق وينبغى ولكنه نظر فاذا هو غريق في بحور نعم الله من امداد التوفيق والعصمة فخاف ان يكون منه اغفال للشكر فيقع في الكفران وينحط عن تلك المرتبة الرفيعة التي هي مرتبة اغذية الخالصين فاستقبلته هاهنا عقبة الحمد والشكر فقطعها بتكثيرهما فلما فرغ منها فاذا هو بمقصوده ومبتغاه فيتنعم في طيب هذه الحالة بقية عمره بشخص في الدنيا وقلب في العقبى ينتظر البريد يوما فيوما ويستقذر الدنيا فاستكمل الشوق الى الملأ الأعلى فاذا هو برسول رب العالمين يبشره بالرضوان من عند رب غير غضبان فينقلونه في طيبة النفس وتمام البشر والانس من هذه الدنيا الفانية الى الحضرة الالهية ومستقر رياض الجنة فيرى لنفسه الفقيرة نعيما وملكا عظيما: قال الشيخ سعدى قدس سره
12
قال خسرو عند وفاته
عروسى بود نوبت ماتمت كرت نيك روزى بود خاتمت
ز دنيا ميرود خسرو بزير لب همى گويد دلم بگرفت از غربت تمناى وطن دارم
رَبِّ الْعالَمِينَ لما نبه على استحقاقه الذاتي بجميع المحامد بمقابلة الحمد باسم الذات اردفه بأسماء الصفات جمعا بين الاستحقاقين وهو أي رب العالمين كالبرهان على استحقاقه جميع المحامد الذاتي والصفاتى والدنيوي والأخروي والرب بمعنى التربية والإصلاح اما في حق العالمين فير بينهم باغذيتهم وسائر اسباب بقاء وجودهم وفي حق الإنسان فيربى الظواهر بالنعمة وهي النفس ويربى البواطن بالرحمة وهي القلوب ويربى نفوس العابدين باحكام الشريعة ويربى قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ويربى اسرار المحبين بانوار الحقيقة ويربى الإنسان تارة باطواره وفيض قوى أنواره في أعضائه فسبحان من اسمع بعظم وبصر بشحم وانطق بلحم واخرى بترتيب غذائه في النبات بحبوبه وثماره وفي الحيوان بلحومه وشحومه وفي الأراضي باشجاره وأنهاره وفي الافلاك بكواكبه وأنواره وفي الزمان بسكونك وتسكين الحشرات والحركات المؤذية في الليالى وحفظك وتمكينك من ابتغاء فضله بالنهار فياهذا يربيك كانه ليس له عبد سواك وأنت لا تخدمه او تخدمه كأن لك ربا غيره والعالمين جمع عالم والعالم جمع لا واحد له من لفظه قال وهب لله ثمانية عشر الف عالم الدنيا عالم منها وما العمران في الخراب الا كفسطاط في صحراء وقال الضحاك ثلاثمائة وستون ثلاثمائة منهم حفاة عراة لا يعرفون خالقهم وهم حشو جهنم وستون عالما يلبسون الثياب مر بهم ذو القرنين وكلمهم وقال كعب الأحبار لا يحصى لقوله تعالى وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وعن ابى هريرة رضى الله عنه ان الله تعالى خلق الخلق اربعة اصناف الملائكة والشياطين والجن والانس ثم جعل هؤلاء عشرة اجزاء تسعة منهم الملائكة وواحد الثلاثة الباقية ثم جعل هذه الثلاثة عشرة اجزاء تسعة
منهم الشياطين وجزء واحد الجن والانس ثم جعلهما عشرة اجزاء فتسعة منهم الجن وواحد الانس ثم جعل الانس مائة وخمسة وعشرين جزأ فجعل مائة جزء في بلاد الهند منهم ساطوح وهم أناس رؤسهم مثل رؤس الكلاب ومالوخ وهم أناس أعينهم على صدورهم وماسوخ وهم أناس آذانهم كآذان الفيلة ومالوف وهم أناس لا يطاوعهم أرجلهم يسمون دوال ياى ومصير كلهم الى النار وجعل اثنى عشر جزأ منهم في بلاد الروم النسطورية والملكانية والاسرائيلية كل من الثلاث اربع طوائف ومصيرهم الى النار جميعا وجعل ستة اجزاء منهم في المشرق يأجوج ومأجوج وترك وخاقان وترك حد خلخ وترك خزر وترك جرجير وجعل ستة اجزاء في المغرب الزنج والزط والحبشة والنوبة وبربر وسائر كفار العرب ومصيرهم الى النار وبقي من الانس من اهل التوحيد جزء واحد فجزأهم ثلاثا وسبعين فرقة اثنتان وسبعون على خطر وهم اهل البدع والضلالات وفرقة ناجية وهم اهل السنة والجماعة وحسابهم على الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وفي الحديث (ان بنى إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين فرقة وتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار الا فرقة واحدة) قالوا من هي يا رسول الله قال (من هم على ما انا عليه وأصحابي) يعنى ما انا عليه وأصحابي من الاعتقاد والفعل والقول فهو حق وطريق موصل الى الجنة والفوز والفلاح وما عداه باطل وطريق الى النار ان كانوا اباحيين فهم خلود والا فلا الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فى التكرار وجوه أحدها ما سبق
13
من ان رحمتى البسملة ذاتيتان ورحمتى الفاتحة صفاتيتان كماليتان والثاني ليعلم ان التسمية ليست من الفاتحة ولو كانت منها لما أعادهما لخلو الاعادة عن الفائدة والثالث انه ندب العباد الى كثرة الذكر فان من علامة حب الله حب ذكر الله وفي الحديث (من أحب شيأ اكثر ذكره) والرابع انه ذكر رب العالمين فبين ان رب العالمين هو الرحمن الذي يرزقهم في الدنيا الرحيم الذي يغفر لهم فى العقبى ولذلك ذكر بعده مالك يوم الدين يعنى ان الربوبية اما بالرحمانية وهي رزق الدنيا واما بالرحيمية وهي المغفرة في العقبى والخامس انه ذكر الحمد وبالحمد تنال الرحمة فان أول من حمد الله تعالى من البشر آدم عطس فقال الحمد لله وأجيب للحال يرحمك ربك ولذلك خلقك فعلم خلقه الحمد وبين انهم ينالون رحمته بالحمد والسادس ان التكرار للتعليل لان ترتيب الحمد على هذه الأوصاف امارة علية مأخذها فالرحمانية والرحيمية من جملتها لدلالتهما على انه مختار في الإحسان لا موجب وفي ذلك استيفاء اسباب استحقاق الحمد من فيض الذات برب العالمين وفيض الكمالات بالرحمن الرحيم ولا خارج عنهما في الدنيا وفيض الاثوبة لطفا والاجزية عدلا في الآخرة ومن هذا يفهم وجه ترتيب الأوصاف الثلاثة والفرق بين الرحمن والرحيم اما باختصاص الحق بالأول او بعمومه او بجلائل النعم فعلى الاول هو الرحمن بما لا يصدر جنسه من العباد والرحيم بما يتصور صدوره منهم فذا كما روى عن ذى النون قدس سره وقعت ولولة في قلبى فخرجت الى شط النيل فرأيت عقربا يعد وفتبعته فوصل الى ضفدع على الشط فركب ظهره وعبر به النيل فركبت السفينة واتبعته فنزل وعدا الى شاب نائم وإذا أفعى بقربه تقصده فتواثبا وتلادغا وماتا وسلم النائم- ويحكى- ان ولد الغراب إذا خرج من القشر يكون كلحم احمر ويفر الغراب منه فيجتمع عليه البعوض فيلتقمه الى ان ينبت ريشه فعند ذلك تعود الام اليه ولهذا قيل يا رازق النعاب في عشه واما على ان الرحمن عام فقيل كيف ذلك وقلما يخلو أحد بل حالة له عن نوع بلوى قلنا الحوادث منها ما يظن انه رحمة ويكون نقمة وبالعكس قال الله تعالى فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً الآية فالاول كما قال
ان الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسده
وكل منها في الظاهر نعمة والثاني كحبس الولد في المكتب وحمله على التعلم بالضرب وكقطع اليد المتأكلة فالابله يعتبر بالظواهر والعاقل ينظر الى السرائر فما من بلية ومحنة الا وتحتها رحمة ومنحة وترك
الخير الكثير للشر القليل شر كبير فالتكاليف لتطهير الأرواح عن العلائق الجسدانية وخلق النار لصرف الأشرار الى اعمال الأبرار وخلق الشيطان لتميز المخلصين من العباد فشأن المحقق ان يبنى على الحقائق كالخضر عليه السلام في قصة موسى عليه السلام معه فكل ما يكره الطبع فتحته اسرار خفية وحكمة بالغة فلولا الرحمة وسبقها للغضب لم يكن وجود الكون ولما ظهر للاسم المنعم عين واما على ان الرحمن لجلائل النعم فانما اتبعه بالرحيم لدفع توهم ان يكون طلب العبد الشيء اليسير سوء ادب كما قيل لبعضهم جئتك لحاجة يسيرة قال اطلب لها رجلا يسيرا فكأن الله يقول لو اقتصرت على الرحمن لاحتشمت عنى ولكنى رحيم فاطلب منى حتى شراك نعلك وملح قدرك: قال الشيخ السعدي قدس سره العزيز
14
قال اهل الحقيقة الحضرات الكلية المختصة بالرحمن ثلاث حضرة الظهور وحضرة البطون وحضرة الجمع وكل موجود فله هذه المراتب ولا يخلو عن حكمها وعلى هذه المراتب تنقسم احكام الرحمة فى السعداء والأشقياء والمتنعمين بنفوسهم دون أبدانهم كالارواح المجردة وبالعكس والجامعين بين الامرين وكذا من اهل الجنة منهم سعداء من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم لكونهم لم يقدموا في الجنة الأعمال ما يستوجبون به النعيم الصوري وان كان فنزر يسير بالنسبة الى من سواهم وعكس ذلك كالزهاد والعباد الذين لا علم لهم فان أرواحهم قليلة الحظ من النعيم الروحاني لعدم المناسبة بينهم وبين الحضرات العلمية الإلهية ولهذا لم تتعلق هممهم زمان العمل بما وراء العمل بل ظنوه الغاية فوقفوا عنده واقتصروا عليه رغبة فيما وعدوا به ورهبة مما حذروا منه واما الجامعون بين النعيمين تماما فهم الفائزون بالحظ الكامل في العلم والعمل كالرسل عليهم الصلاة والسلام ومن كملت وراثته منهم اعنى الكمل من الأولياء: قال المولى جلال الدين قدس سره
محالست اگر سر برين در نهى كه باز آيدت دست حاجت تهى
هر كبوتر مى پرد در مذهبى وين كبوتر جانب بى جانبى
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ اليوم في العرف عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان وفي الشرع عما بين طلوع الفجر الثاني وغروب الشمس والمراد هاهنا مطلق الوقت لعدم الشمس ثم اى مالك الأمر كله في يوم الجزاء فاضافة اليوم الى الدين لادنى ملابسة كاضافة سائر الظروف الى ما وقع فيها من الحوادث كيوم الأحزاب ويوم الفتح وتخصيصه اما لتعظيمه وتهويله او لبيان تفرده بإجراء الأمر فيه وانقطاع العلائق بين الملاك والاملاك حينئذ بالكلية ففى ذلك اليوم لا يكون مالك ولا فاض ولا مجاز غيره واصل الملك والملك الربط والشد والقوة فلله في الحقيقة القوة الكاملة والولاية النافذة والحكم الجاري والتصرف الماضي وهو للعباد مجاز إذ لملكهم بداية ونهاية وعلى البعض لا الكل وعلى الجسم لا العرض وعلى النفس لا النفس وعلى الظاهر لا الباطن وعلى الحي لا الميت بخلاف المعبود الحق إذ ليس لملكه زوال ولا لملكه انتقال وقراءة مالك بالألف اكثر ثوابا من ملك لزيادة حرف فيه- يحكى- عن ابى عبد الله محمد بن شجاع الثلجى رحمه الله تعالى انه قال كان من عادتى قراءة مالك فسمعت من بعض الأدباء ان ملك ابلغ فتركت عادتى وقرأت ملك فرأيت في المنام قائلا يقول لم نقصت من حسناتك عشرا اما سمعت قول النبي ﷺ (من قرأ القرآن كتب له بكل حرف عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيآت ورفعت له عشر درجات) فانتبهت فلم اترك عادتى حتى رأيت ثانيا في المنام انه قيل لى لم لا تترك هذه العادة اما سمعت قول النبي ﷺ (اقرأوا القرآن فخما مفخما) اى عظيما معظما فاتيت قطربا وكان اماما في اللغة فسألته ما بين المالك والملك فقال بينهما فرق كثير اما المالك فهو الذي ملك شيأ من الدنيا واما الملك فهو الذي يملك الملوك قال في تفسير الإرشاد قرأ أهل الحرمين المحترمين ملك من الملك الذي هو عبارة عن السلطان القاهر والاستيلاء الباهر والغلبة التامة والقدرة على التصرف الكلى في امور العامة بالأمر والنهى وهو الأنسب بمقام الاضافة الى يوم الدين انتهى ولكل وجوه ترجيح ذكرت في التفاسير فلتطالع ثمة والوجه في سرد الصفات الخمس كانه يقول خلقتك فانا اله ثم ربيتك بالنعم فانا رب ثم عصيت فسترت عليك فانا رحمن ثم
تبت فغفرت فانا رحيم
15
ثم لا بد من الجزاء فانا مالك يوم الدين وفي التأويلات النجمية الاشارة فى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ان الدين فى الحقيقة الإسلام يدل عليه قوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ والإسلام على نوعين اسلام بالظاهر واسلام بالباطن فاسلام الظاهر بإقرار اللسان وعمل الأركان فهذا الإسلام جسدانى والجسداني ظلمانى ويعبر عن الليل بالظلمة واما اسلام الباطن فبانشراح القلب والصدر بنور الله تعالى فهذا الإسلام الروحاني نورانى ويعبر عن اليوم بالنور فالاسلام الجسداني يقتضى اسلام الجسد لاوامر الله ونواهيه والإسلام الروحاني يقتضى استسلام القلوب والروح لاحكام الأزلي وقضائه وقدره فمن كان موقوفا عند الإسلام الجسداني ولم يبلغ مرتبة الإسلام الروحاني وهو بعد في سير ليلة الدين متردد ومتحير فيرى ملوكا وملاكا كثيرة كما كان حال الخليل عليه السلام فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى ومن تنفس صبح سعادته وطلعت شمس الإسلام الروحاني من وراء جبل نفسه من مشرق القلب فهو على نور من ربه واضح في كشف يوم الدين فيكون ورد وقته أصبحنا وأصبح الملك لله فيشاهد بعين اليقين بل يكاشف حق اليقين ان الملك لله ولا مالك الا مالك يوم الدين فاذا تجلى له النهار وكشف بالمالك جهارا يخاطبه وجاها ويناجيه شفاها إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ومن لطائف مالك يوم الدين ان مخالفة الملك تأول الى خراب العالم وفناء الخلق فكيف مخالفة ملك الملوك كما قال الله تعالى في سورة مريم تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ والطاعة سبب المصالح كما قال تعالى نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى فعلى الرعية مطاوعة الملوك وعلى الملوك مطاوعة ملك الملوك لينتظم مصالح العالم ومن لطائفه ايضا ان مالك يوم الدين يبين ان كمال ملكه بعد له حيث قال وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً فالملك المجازى ان كان عادلا كان حقا فدرت الضروع ونمت الزروع وان كان جائرا كان باطلا فارتفع الخير- يحكى- ان انوشروان انقطع فى الصيد عن القوم فانتهى الى بستان فقال لصبى فيه أعطني رمانة فاعطاه فاستخرج من حبها ماء كثيرا سكن به عطشه فاعجبه وأضمر أخذ البستان من مالكه فسأله اخرى فكانت عفصة قليلة الماء فسأل الصبى عنه فقال لعل الملك عزم على الظلم فتاب قلبه وسأله اخرى فوجدها أطيب من الاولى فقال الصبى لعل الملك تاب فتنبه انوشروان وتاب بالكلية عن الظلم فبقى اسمه مخلدا بالعدل حتى روى عن رسول الله ﷺ انه تفاخر فقال (ولدت في زمن الملك العادل) قال الفنارى في تفسير الفاتحة بل لعله تفاخر بزمنه النورانى حتى ولد فيه مثله وذكر انوشروان دليلا على نورانية زمانه حيث لا يتصور في الكافر المسلط احسن حالا من العدل انتهى قال الامام السخاوي في المقاصد الحسنة حديث (ولدت في زمن الملك العادل) لا اصل له ولا صحة وان صح فاطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذي كان يدعى به لا الوصفية بالعدل والشهادة له بذلك او وصفه بذلك على اعتقاد المعتقدين فيه انه كان عادلا كما قال الله تعالى فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ اى ما كان عندهم آلهة ولا يجوز ان يسمى رسول الله ﷺ من يحكم بغير حكم الله عادلا انتهى كلام المقاصد قال رسول الله ﷺ (يجاء بالوالي يوم القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه مفصل إلا زال عن مكانه فان كان مطيعا لله في عمله مضى فيه وان كان عاصيا لله انخرق به الجسر فيهوى في جهنم مقدار خمسين عاما) كذا في تذكرة الموتى للامام القرطبي
16
قال السعدي قدس سره
مها زورمندى مكن بر جهان كه بر يك نمط مى نماند جهان
نماند ستمكار بد روزكار بماند برو لعنت پايدار
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بنى الله سبحانه أول الكلام على ما هو مبادى حال العارف من الذكر والفكر والتأمل في أسمائه والنظر في آلائه والاستدلال بصنائعه على عظيم شانه وتأثير سلطانه ثم قفى بما هو منتهى امره وهو ان يخوض لجة الوصول ويصير من اهل المشاهدة فيراه عيانا ويناجيه شفاها اللهم اجعلنا من الواصلين الى العين دون السامعين للاثر وفيه اشارة ايضا الى ان العابد ينبغى ان يكون نظره الى المعبود اولا وبالذات ومنه الى العبادة لا من حيث انها عبادة صدرت منه بل من حيث انها نسبة شريفة ووصلة بينه وبين الحق فان العارف انما يحق وصوله إذا استغرق في ملاحظة جناب القدس وغاب عما عداه حتى انه لا يلاحظ نفسه ولا حالا من أحوالها الا من حيث انها ملاحظة له ومنتسب اليه ولذلك فضل ما حكى عن حبيبه حين قال (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا) على ما حكاه عن كليمه حيث قال إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ وتقديم المفعول لقصد الاختصاص اى نخصك بالعبادة لا نعبد غيرك والعبادة غاية الخضوع والتذلل وعن عكرمة جميع ما ذكر في القرآن من العبادة التوحيد ومن التسبيح الصلاة ومن القنوت الطاعة وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان جبريل عليه السلام قال للنبى ﷺ قل يا محمد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) اى إياك نؤمل ونرجو لا غيرك والضمير المستكن فى (نَعْبُدُ) وكذا فى نَسْتَعِينُ للقارئ ومن معه من الحفظة وحاضرى صلاة الجماعة اوله ولسائر الموحدين أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم لعلها تقبل ببركتها وتجاب ولهذا شرعت الجماعة قال الشيخ الأكبر والمسك الأذفر قدسنا الله بسره الأطهر في كتاب العظمة إذا كنى العبد عن نفسه بنون نفعل فليست بنون التعظيم وإذا كنى عن الحق تعالى بضمير الافراد فان ذلك لغلبة سلطان التوحيد في قلب هذا العبد وتحققه به حتى سرى في كليته فظهر ذلك في نطقه لفظا كما كان عقدا وعلما ومشاهدة وعينا وهذه النون نون الجمع فان العبد وان كان فردانى اللطيفة وحداني الحقيقة فانه غير وحداني ولا فردانى من حيث لطيفته ومركبها وهيكلها وقالبها وما من جزء في الإنسان الا والحق تعالى قد طالب الحقيقة الربانية التي فيه ان تلقى على هذه الاجزاء ما يليق بها من العبادات وهي في الجملة وان كانت المدبرة فلها تكليف يخصها ويناسب ذاتها فلهذه الجمعية يقول العبد لله تعالى نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد وإياك نعبد وأمثال هذا الخطاب ولقد سألنى سائل من علماء الرسوم عن هذه المسألة وكان قد حار فيها فاجبته باجوبة منها هذا فشفى غليله والحمد لله انتهى كلام الشيخ قدس سره وانما خصص العبادة به تعالى لان العبادة نهاية التعظيم فلا تليق الا بالمنعم في الغاية وهو المنعم بخلق المنتفع وبإعطاء الحياة الممكنة من الانتفاع كما قال تعالى وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ الآية خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ولان احوال العبد ماض وحاضر ومستقبل ففى الماضي نقله من العدم والموت والعجز والجهل الى الوجود والحياة والقدرة والعلم بقدرته الازلية وفي الحاضر انفتحت عليه أبواب الحاجات ولزمته اسباب الضروريات فهو رب الرحمن الرحيم وفي المستقبل مالك يوم الدين يجازيه بأعماله
17
فمصالحه في الأحوال الثلاثة لا تستتب الا بالله فلا مستحق للعبادة الا الله تعالى ثم قوله نَعْبُدُ يحتمل ان يكون من العبادة ومن العبودة والعبادة هي العابدية والعبودة هي العبدية فمن العبادة الصلاة بلا غفلة والصوم بلا غيبة والصدقة بلا منة والحج بلا اراءة والغز وبلا سمعة والعتق بلا اذية والذكر بلا ملالة وسائر الطاعات بلا آفة ومن العبودة الرضى بلا خصومة والصبر بلا شكاية واليقين بلا شبهة والشهود بلا غيبة والإقبال بلا رجعة والإيصال بلا قطيعة واقسام العبادة على ما ذكره حجة الإسلام في كتابه المسمى بالأربعين عشرة كما ان الاعتقادات التي قبلها عشرة فالمعتقدات الذات الازلية الابدية المنعوتة بصفات الجلال والإكرام الذي هو الاول والآخر والظاهر والباطن اى الاول بوجوده والآخر بصفاته وأفعاله والظاهر بشهادته ومكوناته
والباطن بغيبه ومعلوماته ثم التقديس عما لا يليق بكماله او يشين بجماله من النقائص والرذائل ثم القدرة الشاملة للممكنات ثم العلم المحيط بجميع المعلومات حتى بدبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء وما هو أخفى منه كهواجس الضمائر وحركات الخواطر وخفيات السرائر ثم الارادة بجميع الكائنات فلا يجرى في الملك والملكوت قليل او كثير الا بقضائه ومشيئته مريد في الأزل لوجود الأشياء في أوقاتها المعينة فوجدت كما أرادها ثم السمع والبصر لا يحجب سمعه بعد ولا رؤيته ظلام فيسمع من غير اصمخة وآذان ويبصر من غير حدقة وأجفان ثم الكلام الأزلي القائم بذاته لا بصوت ككلام الخلق وان القرآن مقروء ومكتوب ومحفوظ ومع ذلك قديم قائم بذات الله تعالى وان موسى سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله من غير شكل ولا لون ثم الافعال الموصوفة بالعدل المحض فلا موجود الا وهو حادث بفعله وفائض من عدله إذ لا يضاف لغيره ملكا ليكون تصرفه فيه ظلما فلا يتصور منه ظلم ولا يجب عليه فعل فكل نعمة من فضله وكل نقمة من عدله ثم اليوم الآخر والعاشر النبوة المشتملة على إرسال الملائكة وإنزال الكتب واما العبادات العشرة فالصلاة والزكاة والصوم والحج وقراءة القرآن وذكر الله في كل حال وطلب الحلال والقيام بحقوق المسلمين وحقوق الصحبة والتاسع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والعاشر اتباع السنة وهو مفتاح السعادة وامارة محبة الله كما قال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ: قال المولى الجامى قدس سره
يا نبى الله السلام عليك انما الفوز والفلاح لديك
كر نرفتم طريق سنت تو هستم از عاصيان امت تو
مانده ام زير بار عصيان پست افتم از پاى اگر نگيرى دست
وجاء في بيان مراتب العباد المتوجهين الى الله ان الإنسان إذا فعل برا ان قصد به امرا ما غير الحق كان من الأحرار لا من العبيد وان لم يقصد امرا بعينه بل يفعله لكونه خيرا فقط او لكونه مأمورا به لا مطلقا بل من حيث الحضور منه مع الآمر فهو الرجل فان ارتقى بحيث لا يقصد بعمله غير الحق كان تاما في الرجولية فان كان بحيث لا يفعل شيأ الا بالحق كما ورد في قرب النوافل صار تاما في المعرفة والرجولية وان انضم الى ما سبق حضوره مع الحق في فعله بحيث يشهده بعين الحق لا بنفسه من حيث اضافة الشهود الى الله والفعل والاضافة اليه لا الى نفسه فهو العبد المخلص المخلص عمله
18
فان ظهرت عليه غلبة احكام هذا المقام والذي قبله وهو مقام فبى يسمع غير متقيد بشئ منها ولا بمجموعها مع سريان حكم شهوده الاحدى في كل مرتبة ونسبة دون الثبات على امر بعينه بل ثابتا في سعته وقبوله كل وصف وحكم عن علم صحيح منه بما اتصف به وما انسلخ عنه في كل وقت وحال دون غفلة وحجاب فهو الكامل في العبودية والخلافة والإحاطة والإطلاق كذا فى تفسير الفاتحة للصدر القنوى قدس سره قال في التأويلات النجمية في قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ رجع الى الخطاب من الغيبة لانه ليس بين المملوك ومالكه الا حجاب ملك نفس المملوك فاذا عبر من حجاب ملك النفس وصل الى مشاهدة مالك النفس كما قال ابو يزيد في بعض مكاشفاته الهى كيف السبيل إليك قال له ربه دع نفسك وتعال فللنفس اربع صفات امارة ولوامة وملهمة ومطمئنة فامر العبد المملوك بان يذكر مالكه بأربع صفات بالصفة الإلهية والربوبية والرحمانية والرحيمية فيعبر بعد مدح الالهية وشكر الربوبية وثناء الرحمانية وتمجيد الرحيمية بقوة جذبات هذه الصفات الأربع من حجاب ممالك الصفات الأربع للنفس فيتخلص من ظلمات ليلة رين نفسه بطلوع صبح صادق مالك يوم الدين فيبقى العبد عبدا مملوكا لا يقدر على شىء فيرحمه مالكه ويذكره بلسان كرمه على قضية وعده فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ويناديه ويخاطب نفسه يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ثم يجذبه من غيبة نفسه الى شهود مالكية ربه بجذبة ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ فيشاهد جمال مالكه ويناديه نداء عبد خاضع خاشع ذليل عاجز كما قرأ بعضهم مالك يوم الدين نصبا على نداء إياك نعبد واعلم ان النفس دنيوية تعبد هواها الدنيوي لقوله تعالى أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ والقلب اخروى يعبد الجنة لقوله تعالى وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى والروح قربى يعبد القربة والعندية لقوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ والسر حضرتى يعبد الحق تبارك لقوله تعالى على لسان نبيه عليه السلام (الإخلاص سر بينى وبين عبدى لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل) فلما أنعم الله على عبده بنعمة الصلاة قسمها بينه وبين عبده كما قال تعالى على لسان نبيه عليه السلام (قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين فنصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سأل) فتقرب العبد بنصفه الى حضرة كماله بالحمد والثناء والشكر على صفات جماله وجلاله وتقرب الرب على مقتضى كرمه وانعامه كما قال (من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا) بنصفه الى خلاص عبده من رق عبودية الأغيار بإخراجه من ظلمات بعضها فوق بعض من هوى الناس ومراد القلب وتعلق الروح بغير الحق الى نور وحدانيته وشهود فردانيته فاشرقت ارض النفس وسموات القلب وعرش الروح وكرسى السر بنور ربها فآمنوا كلهم أجمعون بالله الذي خلقهم وهو مالكهم وملكهم وكفروا بطواغيتهم التي يعبدونها واستمسكوا بالعروة الوثقى وجعلوا كلهم واحدا وقالوا إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ كرر إياك للتنصيص على اختصاصه تعالى بالاستعانة ايضا والاستعانة طلب العون ويعدى بالباء وبنفسه اى نطلب العون على عبادتك او على ما لا طاقة لنا به او على محاربة الشيطان المانع من عبادتك او في أمورنا بما يصلحنا في دنيانا وديننا والجامع للاقاويل نسألك ان تعيننا على أداء الحق واقامة الفروض وتحمل المكاره وطلب المصالح وتقديم العبادة على الاستعانة ليوافق رؤوس الآي وليعلم منه ان تقديم الوسيلة على طلب الحاجة
19
ادعى الى الاجابة وإياك نعبد
لما أورثه العجب اردف إياك نستعين ازالة له وإفناء للنخوة ففى الجمع بينهما افتخار وافتقار فالافتخار بكونه عبدا عابدا والافتقار الى معونته وتوفيقه وعصمته وفيه ايضا تحقيق لمذهب اهل السنة والجماعة إذ فيه اثبات الفعل من العبد والتوفيق من الله كالخلق ففيه رد الجبرية النافين للفعل من العبد بقوله إياك نعبد ورد المعتزلة النافين للتوفيق والخلق من الله بقوله إياك نستعين ثم تحقيقهما من العبد ان لا يخدم غير الله ولا يسأل إلا من الله- حكى- عن سفيان الثوري رحمه الله انه أم قوما في صلاة المغرب فلما قال إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ خر مغشيا عليه فلما أفاق قيل له في ذلك فقال خفت ان يقال فلم تذهب الى أبواب الأطباء والسلاطين وفي تخصيص الاستعانة بالتقديم اقتداء بالخليل عليه السلام في قيد النمرود حيث قال له جبريل عليه السلام هل لك من حاجة فقال اما إليك فلا فقال سله قال حسبى من سؤالى علمه بحالي بل ردت عليه فان الخليل قيد رجلاه ويداه لا غير فاما انا فقيدت الرجلين فلا أسير واليدين فلا احركهما وعينى فلا انظر بهما واذنى فلا اسمع بهما ولسانى فلا أتكلم به وانا مشرف على نار جهنم فكما لم يرض الخليل بغيرك معينا لا أريد الا عونك فاياك نستعين وكانه تعالى يقول فنحن ايضا نزيد حيث قلنا ثمة يا نار كونى بردا وسلاما على ابراهيم واما أنت فقد نجيناك من النار واوصلناك الى الجنة وزدنا سماع الكلام القديم وأمرنا نار جهنم تقول لك جزيا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى: قال المولى جلال الدين قدس سره
ز آتش مؤمن از ين رو اى صفى ميشود دوزخ ضعيف ومنطفى
كويدش بگذر سبك اى محتشم ور نه ز آتشهاى تو مرد آتشم
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ بيان المعونة المطلوبة كانه قيل كيف أعينك فقالوا اهدنا الصراط المستقيم وايضا ان التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية قال في التيسير إِيَّاكَ نَعْبُدُ اظهار التوحيد وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ طلب العون عليه وقوله اهْدِنَا لسؤال الثبات على دينه وهو تحقيق عبادته واستعانته وذلك لان الثبات على الهداية أهم الحاجات إذ هو الذي سأله الأنبياء والأولياء كما قال يوسف عليه السلام توفنى مسلما وسحرة فرعون توفنا مسلمين والصحابة وتوفنا مع الأبرار وذلك لانه لا ينبغى ان يعتمد على ظاهر الحال فقد يتغير في المآل كما لابليس وبرصيصا وبلعم بن باعورا: قال المولى جلال الدين قدس سره
صد هزار إبليس وبلعم در جهان همچنين بودست پيدا ونهان
اين دو را مشهور كردانيد اله تا كه باشند اين دو بر باقى كواه
اين دو دزد آويخت بردار بلند ور نه اندر قهر بس دزدان بدند
وفي تفسير القاضي إذا قاله العارف الواصل الى الله عنى به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا وتميط غواشى أبداننا لنستضىء بنور قدسك فنراك بنورك قال المولى الفنارى ومبناه ان السير في الله غير متناه كما قال قطب المحققين ولا نهاية للمعلومات والمقدورات فما دام معلوم او مقدور فالشوق للعبد لا يسكن ولا يزول واصل الهداية ان يعدى باللام او الى فعومل معاملة اختار في قوله تعالى وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ والصراط المستقيم استعارة عن ملة
20
الإسلام والدين الحق تشبيها لوسيلة المقصود بوسيلة المقصد او لمحل التوجه الروحاني بمحل التوجه الجسماني وانما سمى الدين صراطا لان الله سبحانه وان كان متعاليا عن الامكنة لكن العبد الطالب لا بدله من قطع المسافات ومس الآفات وتحمل المجافاة ليكرم لوصول والموافاة ثم في قوله اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ مع انه مهتد وجوه الاول ان لا بد بعد معرفة الله تعالى والاهتداء بها من معرفة الخط المتوسط بين الافراط والتفريط في الأعمال الشهوية والغضبية وانفاق المال والمطلوب ان يهديه الى الوسط والثاني انه وان عرف الله بدليل فهناك ادلة اخرى فمعنى اهدنا عرفنا ما في كل شىء من كيفية دلالته على ذاتك وصفاتك وافعالك والثالث ان معناه بموجب قوله تعالى وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً طلب الاعراض عما سوى الله وان كان نفسه والإقبال بالكلية عليه حتى لو امر بذبح ولده كابراهيم عليه السلام او بان ينقاد للذبح كاسمعيل عليه السلام او بان يرمى نفسه في البحر كيونس عليه السلام او بان يتلمذ مع بلوغه أعلى درجات الغايات كموسى عليه السلام او ان يصير في الأمر بالمعروف على القتل والشق بنصفين كيحيى وزكريا عليهما السلام فعل وهذا مقام هائل الا ان في قوله صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ دون ان يقول صراط الذين ضربوا وقتلوا تيسير اما وترغيبا الى مقام الأنبياء والأولياء من حيث إنعامهم ثم الاستقامة الاعتدالية ثم الثبات عليها امر صعب ولذا قال النبي ﷺ (شيبتنى هود وأخواتها) حيث ورد فيها فاستقم كما أمرت فان الإنسان من حيث نشأته وقواه الظاهرة والباطنة مشتمل على صفات واخلاق طبيعية وروحانية ولكل منها طرفا افراط وتفريط والواجب معرفة الوسط من كل ذلك والبقاء عليه وبذلك وردت الأوامر ونطقت الآيات كقوله تعالى وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً الآية حرضه على الوسط بين البخل والإسراف وكقوله ﷺ لمن سأله مستشيرا فى الترهب وصيام الدهر وقيام الليل كله بعد زجره إياه (ان لنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا فصم وأفطر وقم ونم) وهكذا في الأحوال كلها نحو قوله تعالى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ولما رأى ﷺ عمر رضى الله عنه يقرأ رافعا صوته سأله فقال او قظ الوسنان واطرد الشيطان فقال عليه السلام (اخفض من صوتك قليلا) واتى أبا بكر رضى الله عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد أسمعت من ناجيت فقال عليه السلام (ارفع من صوتك قليلا) وهكذا الأمر في باقى الأخلاق فان الشجاعة صفة متوسطة بين الهور والجبن والبلاغة بين الإيجاز المجحف والاطناب المفرط وشريعتنا قد تكفلت ببيان ميزان الاعتدال في كل ترغيب وترهيب وحال وحكم وصفة وخلق حتى عينت للمذمومة مصارف إذا استعملت فيها كانت محمودة كالمنع لله والبغض لله والمستقيم على اقسام منها مستقيم بقوله وفعله وقلبه ومستقيم بقلبه وفعله دون قوله اى لم يعلم أحدا ولهذين الفوز والاول أعلى ومستقيم بفعله وقوله دون قلبه وهذا يرجى له النفع بغيره ومنها مستقيم بقوله وقلبه دون فعله ومستقيم بقوله دون فعله وقلبه ومستقيم بقلبه دون قوله وفعله ومستقيم بفعله دون قوله وقلبه وهؤلاء الاربعة عليهم لا لهم وان كان بعضهم فوق بعض وليس المراد بالاستقامة بالقول ترك الغيبة والنميمة وشبههما فان الفعل يشمل ذلك
21
انما المراد بها ارشاد الغير الى الصراط المستقيم وقد
يكون عريا مما يرشد اليه مثال اجتماعها رجل تفقه فى امر صلاته وحققها ثم علمها غيره فهذا مستقيم في قوله ثم حضر وقتها فاداها على ما علمها محافظا على أركانها الظاهرة فهذا مستقيم في فعله ثم علم ان مراد الله منه من تلك الصلاة حضور قلبه معه فاحضره فهذا مستقيم بقلبه وقس على ذلك بقية الاقسام وفي التأويلات النجمية ان اقسام الهداية ثلاثة الاولى هداية العامة اى عامة الحيوانات الى جلب منافعها وسلب مضارها واليه أشار بقوله تعالى أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى وقوله وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ والثانية هداية الخاصة اى للمؤمنين الى الجنة واليه الاشارة بقوله تعالى يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ الآية والثالثة هداية الأخص وهي هداية الحقيقة الى الله بالله واليه الاشارة بقوله تعالى قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وقوله إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ وقوله اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ وقوله وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى اى كنت ضالا فى تيه وجودك فطلبتك بجودي ووجدتك بفضلي ولطفى وهديتك بجذبات عنايتى ونور هدايتى الى وجعلتك نورا فاهدى بك الى من أشاء من عبادى فمن اتبعك وطلب رضاك فنخرجهم من ظلمات الوجود البشرى الى نور الوجود الروحاني ونهديهم الى صراط مستقيم كما قال تعالى قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ والصراط المستقيم هو الدين القويم وهو ما يدل عليه القرآن العظيم وهو خلق سيد المرسلين ﷺ فيما قال تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ثم هو اما الى الجنة وذلك لاصحاب اليمين كما قال تعالى وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ الآية واما الى الله تعالى وهذا للسابقين المتقربين كما قال تعالى إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ وكل ما يكون لاصحاب اليمين يحصل للسابقين وهم سابقون على اصحاب اليمين بما لهم من شهود الجمال وكشف الجلال وهذا خاصة لسيد المرسلين ومتابعيه كما قال تعالى قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي: قال الشيخ سعدى قدس سره
اگر جز بحق مى رود جاده ات در آتش فشانند سجاده ات
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بدل من الاول بدل الكل والانعام إيصال النعمة وهي في الأصل الحالة التي يستلذها الإنسان فاطلقت على ما يستلذه من نعمة الدين الحق قال ابو العباس ابن عطاء هؤلاء المنعم عليهم هم طبقات فالعارفون أنعم الله عليهم بالمعرفة والأولياء أنعم الله عليهم بالصدق والرضى واليقين والصفوة والأبرار أنعم الله عليهم بالحلم والرأفة والمريدون أنعم الله عليهم بحلاوة الطاعة والمؤمنون أنعم الله عليهم بالاستقامة وقيل هم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون كما قال تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وأضيف الصراط هنا الى العباد وفي قوله وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً الى ذاته تعالى كما أضيف الدين والهدى تارة الى الله تعالى نحو أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ وإِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ وتارة الى العباد نحو الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وفَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وسره من وجوه الاول بيان ان ذلك كله له شرعا ولنا نفعا كما قال تعالى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ والثاني انه له ارتضاء واختيارا ولنا سلوكا وائتمارا والثالث انه اضافه الى نفسه قطعا لعجب العبد والى العبد تسلية لقلبه والرابع انه اضافه
22
الى العبد تشريفا له وتقريبا والى نفسه قطعا لطمع إبليس عنه كما قيل لما نزل قوله تعالى وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ قال الشيطان ان لم اقدر على سلب عزة الله ورسوله أسلب عزة المؤمنين فقال الله تعالى فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً فقطع طمعه كذا في التيسير وتكرار الصراط اشارة الى ان الصراط الحقيقي صراطان من العبد الى الرب ومن الرب الى العبد فالذى من العبد الى الرب طريق مخوف كم قطع فيه القوافل وانقطع به الرواحل ونادى منادى العزة لاهل العزة الطلب رد والسبيل سد وقاطع الطريق يقطع على هذا الفريق لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ الآية والذي من الرب الى العبد طريق آمن وبالأمان كائن قد سلم فيه القوافل وبالنعم محفوف المنازل يسير فيه سيارته ويقاد بالدلائل قادته مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الآية اى أنعم الله على أسرارهم بانوار العناية وعلى
أرواحهم باسرار الهداية وعلى قلوبهم بآثار الولاية وعلى نفوسهم فى قمع الهوى وقهر الطبع وحفظ الشرع بالتوفيق والرعاية وفي مكايد الشيطان بالمراقبة والكلاية والنعم اما ظاهرة كارسال الرسل وإنزال الكتب وتوفيق قبول دعوة الرسل واتباع السنة واجتناب البدعة وانقياد النفس للاوامر والنواهي والثبات على قدم الصدق ولزوم العبودية واما باطنة وهي ما أنعم على أرواحهم في بداية الفطرة باصابة رشاش نوره كما قال عليه السلام (ان الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن اخطأه فقد ضل) فكان فتح باب صراط الله الى العبد من رشاش ذلك النور وأول الغيث رش ثم ينسكب فالمؤمنون ينظرون بذلك النور المرشوش الى مشاهدة المغيث وينتظرون الغيث ويستعينون اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بجذبات الطافك وفتحت عليهم أبواب فضلك ليهتدوا بك إليك فأصابوا بما أصابهم بك منك كذا في التأويلات النجمية قال الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره في الفكوك في تأويل الحديث المذكور لا شك ان الوجود المحض يتعقل فى مقابلته العدم المضاد له فان للعدم تعينا فى التعقل لا محالة وله الظلمة كما ان الوجود له النورانية ولهذا يوصف الممكن بالظلمة فانه يتنور بالوجود فيظهر فظلمته من أحد وجهيه الذي يلى العدم وكل نقص يلحق الممكن ويوصف به انما ذلك من احكام النسبة العدمية واليه الاشارة بقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (ان الله خلق الخلق في ظلمه ثم رش عليه من نوره فظهر) وخلق هاهنا بمعنى التقدير فان التقدير سابق على الإيجاد ورش النور كناية عن افاضة الوجود على الممكنات فاعلم ذلك انتهى كلام الشيخ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ بدل من الذين على معنى ان المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال وكلمة غير على ثلاثة أوجه الاول بمعنى المغايرة وفارسيته «جز» قال الله تعالى لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ والثاني بمعنى لا وفارسيته «نا» قال تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ والثالث بمعنى الا وفارسيته «مكر» قال تعالى فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وصرفها هاهنا على هذه الوجوه محتمل غير ان معنى الاستثناء مخصوص بقراءة النصب والغضب ثوران النفس عند ارادة الانتقام يعنى انه حالة نفسانية تحصل عند غليان النفس ودم القلب لشهوة الانتقام وهنا نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الاخذ الأليم او البطش الشديد او هتك الأستار
23
والتعذيب بالنار لان القاعدة التفسيرية ان الافعال التي لها أوائل بدايات واواخر غايات إذا لم يمكن إسنادها الى الله باعتبار البدايات يراد بها حين الاسناد غاياتها كالغضب والحياء والتكبر والاستهزاء والغم والفرح والضحك والبشاشة وغيرها والضلال العدول عن الطريق السوي عمدا او خطأ والمراد بالمغضوب عليهم العصاة وبالضالين الجاهلون بالله لان المنعم عليهم هم الجامعون بين العلم والعمل فكان المقابل لهم من اختل احدى قوتيه العاقلة والعاملة والمخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى في القاتل عمدا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ والمخل بالعلم جاهل ضال كقوله تعالى فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ او المغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى فى حقهم مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ والضالون النصارى لقوله تعالى في حقهم قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وليس المراد تخصيص نسبة الغضب باليهود ونسبة الضلال بالنصارى لان الغضب قد نسب ايضا الى النصارى وكذا الضلال قد نسب الى اليهود في القرآن بل المراد انهما إذا تقابلا فالتعبير بالغضب الذي هو ارادة الانتقام لا محالة باليهود أليق لغاية تمردهم فى كفرهم من اعتدائهم وقتلهم الأنبياء. وقولهم إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ وغير ذلك فان قلت من المعلوم ان المنعم عليهم غير الفريقين فما الفائدة فى ذكرهما بعدهم قلت فائدته وصف ايمانهم بكمال الخوف من حال الطائفتين بعد وصفه بكمال الرجاء في قوله الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قال عليه السلام (لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا) واعلم ان حكم الغضب الإلهي تكميل مرتبة قبضة الشمال فانه وان كان كلتا يديه المقدستين يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فالارض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه فلليد الواحدة المضاف إليها عموم السعداء الرحمة والحنان وللاخرى القهر والغضب ولوازمهما فسر حكم الغضب هو التكميل المشار اليه
في الجمع بين حكم اليدين والوقاية ولصاحب الاكلة إذا ظهرت في عضو واحد وقدر أن يكون الطبيب والده او صديقه او شقيقه فانه مع فرط محبته يبادر لقطع العضو المعتل لما لم يكن فيه قابلية الصلاح والسر الثالث التطهير كالذهب الممزوج بالرصاص والنحاس إذا قصد تمييزه لا بد وان يجعل في النار الشديدة والضلال هو الحيرة فمنها ما هي مذمومة ومنها ما هي محمودة ولها ثلاث مراتب حيرة اهل البدايات وحيرة المتوسطين من اهل الكشف والحجاب وحيرة أكابر المحققين وأول مزيل للحيرة الاولى تعين المطلب المرجح كرضى الله والتقرب اليه والشهود الذاتي ثم معرفة الطريق الموصل كملازمة شريعة الكمل ثم السبب المحصل كالمرشد ثم ما يمكن الاستعانة به في تحصيل الغرض من الذكر والفكر وغيرهما ثم معرفة العوائق وكيفية إزالتها كالنفس والشيطان فاذا تعينت هذه الأمور الخمسة حينئذ تزول هذه الحيرة وحيرة الأكابر محمودة لا تظنن ان هذه الحيرة سببها قصور في الإدراك ونقص مانع من كمال الجلاء هنا والاستجلاء لما هناك بل هذه حيرة يظهر حكمها بعد كمال التحقق بالمعرفة والشهود ومعاينة سر كل وجود والاطلاع التام على احدية الوجود وفي تفسير النجم غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ هم الذين اخطأهم ذلك النور فضلوا فى تيه هوى النفس وتاهوا في ظلمات الطبع والتقليد فغضب الله عليهم مثل اليهود ولعنهم
24
بالطرد والتبعيد حتى لم يهتدوا الى الشرع القويم ووقعوا عن الصراط المستقيم اى عن المرتبة الانسانية التي خلق فيها الإنسان في احسن تقويم ومسخوا قردة وخنازير صورة او معنى او لما وقعوا عن الصراط المستقيم في سد البشرية نسوا ألطاف الربوبية وضلوا عن صراط التوحيد فاخذهم الشيطان بشرك الشرك كالنصارى فاتخذوا الهوى الها والدنيا الها وقالوا ثالِثُ ثَلاثَةٍ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ هذا بحسب أول الحال وفيه وجه آخر معتبر فيه عارض المآل وهو ان يراد غير المغضوب عليهم بالغيبة بعد الحضور والمحنة بعد السرور والظلمة غب النور نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى من الرجوع الى النقصان بعد الزيادة ولا الضالين بغلبة الفسق والفجور وانقلاب السرور بالشرور ووجه ثالث يعبر في السلوك الى ملك الملوك وهو غير المغضوب عليهم بالاحتباس في المنازل والانقطاع عن القوافل ولا الضالين بالصدود عن المقصود آمِّينَ اسم فعل بمعنى استجب معناه يا الله استجب دعاءنا او افعل يا رب بنى على الفتح كأين وكيف لالتقاء الساكنين وليست من القرآن اتفاقا لانها لم تكتب في الامام ولم ينقل أحد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضى الله تعالى عنهم انها قرآن لكن يسن ان يقول القارئ بعد الفاتحة آمين مفصولة عنها لقوله عليه السلام (علمنى جبريل آمين عند فراغى من قراءة الفاتحة وقال انه كالختم على الكتاب) وزاده على رضى الله عنه توضيحا فقال [آمين خاتم رب العالمين ختم به دعاء عبده] فسره ان الخاتم كما يمنع عن المختوم الاطلاع عليه والتصرف فيه يمنع آمين عن دعاء العبد الخيبة وقال وهب يخلق بكل حرف منه ملك يقول اللهم اغفر لمن قال آمين وفي الحديث (الداعي والمؤمن شريكان) يعنى به قوله تعالى قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال عليه السلام (إذا قال الامام ولا الضالين فقولوا آمين فان الملائكة تقولها فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) وسره ما مر فى كلام وهب اما لموافقة فقيل في الزمان وقيل في الإخلاص والتوجه الاحدى واختلف في هؤلاء الملائكة قيل هم الحفظة وقيل غيرهم ويعضده ما روى انه عليه السلام قال (فان من وافق قوله قول اهل السماء) ويمكن ان يجمع بين القولين بان يقولها الحفظة واهل السماء ايضا قال المولى الفنارى في تفسير الفاتحة ان الفاتحة نسخة الكمال لمن اخرج للاستكمال من ظلمة العدم والاستهلاك في نور القدم الى أنوار الروحانية ثم بواسطة النفخ الى عالم الجسمانية ليكمل مرتبة الانسانية التي لجمعيتها مظنة الانانية فاحتاج الى طلب الهداية الى منهاج العناية التي منها جاء ليرجع من الوجود الى العدم بل من الحدوث الى القدم فيفقد الموجود فقد انا لا يجده ليجد المفقود وجدانا لا يفقده ولما حصل لهم رتبة الكمال بقبول هذا السؤال كما قال ولعبدى ما سأل فاضافه الى نفسه بلام التمليك ثم ختم أكرم الأكرمين نسخة حالهم بخاتم آمين اشارة الى ان عباده
المخلصين ليس لاحد من العالمين ان يتصرف فيهم بان يفك خاتم رب العالمين ولهذا ايس إبليس فقال إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ وعدد آيات سورة الفاتحة سبع في قول الجمهور على ان احداها ما آخرها أنعمت عليهم لا التسمية او بالعكس وعدد كلماتها ففى التيسير انها خمس وعشرون وحروفها مائة وثلاثة وعشرون وفي عين المعاني كلماتها سبع وعشرون وحروفها مائة واثنان وأربعون وسبب
25
الاختلاف بعد عدم اعتبار البسملة اعتبار الكلمات المنفصلة كتابة او المستقلة تلفظا واعتبار الحروف الملفوظة او المكتوبة او غيرهما وسئل عطاء أي وقت أنزلت فاتحة الكتاب قال أنزلت بمكة يوم الجمعة كرامة أكرم الله بها محمدا عليه السلام وكان معها سبعة آلاف ملك حين نزل بها جبريل على محمد عليهما السلام روى ان عيرا قدمت من الشام لابى جهل بمال عظيم وهي سبع فرق ورسول الله وأصحابه ينظرون إليها واكثر الصحابة بهم جوع وعرى فخطر ببال النبي ﷺ شىء لحاجة أصحابه فنزل قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي اى مكان سبع قوافل لابى جهل لا ينظر الى ما أعطيناك مع جلالة هذه العطية فلم تنظر الى ما أعطيته من متاع الدنيا الدنية ولما علم الله ان تمنيه لم يكن لنفسه بل لاصحابه قال وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وامره بما يزيد نفعه على نفع المال فقال وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فان تواضعك أطيب لقلوبهم من ظفرهم بمحبوبهم ومن فضائلها ايضا قوله عليه السلام (لو كانت في التوراة لما تهود قوم موسى ولو كانت في الإنجيل لما تنصر قوم عيسى ولو كانت فى الزبور لما مسخ قوم داود عليهم السلام وأيما مسلم قرأها أعطاه الله من الاجر كانما قرأ القرآن كله وكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة) ومن فضائلها ايضا ان الحروف المعجمة فيها اثنان وعشرون وأعوان النبي ﷺ بعد الوحى اثنان وعشرون وان ليست فيها سبعة أحرف ثاء الثبور وجيم الجحيم وخاء الخوف وزاى الزقوم وشين الشقاوة وظاء الظلمة وفاء الفراق فمعتقد هذه السورة وقارئها على التعظم والحرمة آمن من هذه الأشياء السبعة وعن حذيفة رضى الله عنه انه عليه السلام قال (ان القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبى من صبيانهم في المكتب الحمد لله رب العالمين فيسمعه ويرفع عنهم بسببه العذاب أربعين سنة) وقد مر ما روى من إيداع علوم جميع الكتب في القرآن ثم في الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكل ومن قرأها فكأنما قرأ الكل قال تفسير الكبير والسبب ان المقصود من جميع الكتب علم الأصول والفروع والمكاشفات وقد علم اشتمالها عليها قال الفنارى وذلك لما علم ان أولها الى قوله تعالى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ اشارة الى العقائد المبدئية المتعلقة بالآلهيات ذاتا وصفة وفعلا لان حصر الحمد يقتضى حصر الكمالات الذاتية والوصفية والفعلية ثم بالنبوات والولايات لانهما اجلاء النعم او اخصاؤها ثم الى العقائد المعادية لكونه مالكا للامر كله يوم المعاد وأوسطها من قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الى اقسام الاحكام الرابطة بين الحق والعبد من العبادات وذلك ظاهر من المعاملات والمزاجر لان الاستعانة الشرعية اما لجلب المنافع او لدفع المضار وآخرها الى طلب المؤمنين وجوه الهداية المرتبة على الايمان المشار اليه في القسم الاول والإسلام المشار اليه في القسم الثاني وهي وجوه الإحسان اعنى المراتب الثلاث من الأخلاق الروحانية المحمودة ثم المراقبات المعهودة في قوله عليه السلام (ان تعبد الله كأنك تراه) ثم الكمالات المشهودة عند الاستغراق فى مطالع الجلال الرافع لكاف التشبيه الذي في ذلك الخبر والدافع لغضب تنزيه الجبر وضلال نسبة القدر وهذه هي المسماة بعلوم المكاشفات والله اعلم باسرار كلية المبطنات
26
Icon