تفسير سورة القارعة

الدر المنثور
تفسير سورة سورة القارعة من كتاب الدر المنثور في التأويل بالمأثور المعروف بـالدر المنثور .
لمؤلفه السُّيوطي . المتوفي سنة 911 هـ
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت سورة القارعة بمكة.

أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة القارعة بِمَكَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: القارعة من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: ﴿يَوْم يكون النَّاس كالفراش المبثوث﴾ قَالَ: هَذَا هُوَ الْفراش الَّذِي رَأَيْتُمْ يتهافت فِي النَّار وَفِي قَوْله: ﴿وَتَكون الْجبَال كالعهن المنفوش﴾ قَالَ: كالصوف وَفِي قَوْله: ﴿فَأَما من ثقلت مَوَازِينه فَهُوَ فِي عيشة راضية﴾ قَالَ: هِيَ الْجنَّة ﴿وَأما من خفت مَوَازِينه فأمه هاوية﴾ قَالَ: هِيَ النَّار مأواهم وأمهم ومصيرهم ومولاهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: ﴿فأمه هاوية﴾ قَالَ: مصيره إِلَى النَّار وَهِي الهاوية
605
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس ﴿فأمه هاوية﴾ كَقَوْلِك هويت أمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: هِيَ كلمة عَرَبِيَّة إِذا وَقع رجل فِي أَمر شَدِيد قَالُوا: هويت أمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي ﴿فأمه هاوية﴾ قَالَ: أم رَأسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: أم رَأسه هاوية فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي صَالح قَالَ: يهوون فِي النَّار على رؤوسهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: الهاوية النَّار هِيَ أمه ومأواه الَّتِي يرجع إِلَيْهَا ويأوي إِلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْأَشْعَث بن عبد الله الْأَعْمَى قَالَ: إِذا مَاتَ الْمُؤمن ذهب بِرُوحِهِ إِلَى روح الْمُؤمنِينَ فَتَقول: روحوا لأخيكم فَإِنَّهُ كَانَ فِي غم الدُّنْيَا ويسألونه مَا فعل فلَان فيخبرهم فَيَقُول صَالح حَتَّى يسألوه مَا فعل فلَان فَيَقُول: مَاتَ أما جَاءَكُم فَيَقُولُونَ: لَا ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية
وَأخرج الْحَاكِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مَاتَ العَبْد تلقى روحه أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فَيَقُولُونَ لَهُ: مَا فعل فلَان فَإِذا قَالَ مَاتَ قَالُوا ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مَاتَ الْمُؤمن تَلَقَّتْهُ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ يسألونه مَا فعل فلَان مَا فعلت فُلَانَة فَإِن كَانَ مَاتَ وَلم يَأْتهمْ قَالُوا خُولِفَ بِهِ إِلَى أمه الهاوية بئست الْأُم وبئست المربية حَتَّى يَقُولُوا: مَا فعل فلَان
هلت تزوج مَا فعلت فُلَانَة هَل تزوجت فَيَقُولُونَ: دَعوه فيستريح فقد خرج من كرب الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن نفس الْمُؤمن إِذا قبضت تقلتها أهل الرَّحْمَة من عباد الله كَمَا يلقون البشير من أهل الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: انْظُرُوا صَاحبكُم يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي كرب شَدِيد ثمَّ يسألونه مَا فعل فلَان وفلانة هَل تزوجت فَإِذا سَأَلُوهُ عَن الرجل قد مَاتَ قبله فَيَقُول: هَيْهَات قد مَاتَ ذَاك قبلي فَيَقُولُونَ: إِنَّا لله وَإنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: إِذا قبضت نفس العَبْد
606
تلقاها أهل الرَّحْمَة من عباد الله كَمَا يلقون البشير فِي الدُّنْيَا فيقبلون عَلَيْهِ ليسألوه فَيَقُول بَعضهم لبَعض: انْظُرُوا أَخَاكُم حَتَّى يستريح فَإِنَّهُ كَانَ فِي كرب فيقبلون عَلَيْهِ يسألونه مَا فعل فلَان مَا فعلت فُلَانَة هَل تزوجت فَإِذا سَأَلُوهُ عَن الرجل مَاتَ قبله قَالَ لَهُم: إِنَّه قد هلك فَيَقُولُونَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ذهب بِهِ إِلَى أمه الهاوية فبئست الْأُم وبئست المربية فَيعرض عَلَيْهِم أَعْمَالهم فَإِذا رَأَوْا حسنا فرحوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا: هَذِه نِعْمَتك على عَبدك فأتمها وَإِن رأو سوءا قَالُوا: اللَّهُمَّ رَاجع عَبدك
قَالَ ابْن الْمُبَارك وَرَوَاهُ سَلام الطَّوِيل عَن ثَوْر فرفعه
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن سعيد بن جُبَير أَنه قيل لَهُ: هَل يَأْتِي الْأَمْوَات أَخْبَار الْأَحْيَاء قَالَ: نعم مَا من أحد لَهُ حميم إِلَّا يَأْتِيهِ أَخْبَار أَقَاربه فَإِن كَانَ خيرا سرّ بِهِ وَفَرح بِهِ وَإِن كَانَ شرا ابتأس لذَلِك وحزن حَتَّى إِنَّهُم ليسألون عَن الرجل قد مَاتَ فَيُقَال: ألم يأتكم فَيَقُولُونَ: لقد خُولِفَ بِهِ إِلَى أمه الهاوية
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بقرية قد مَاتَ أَهلهَا إنسا وجنها وهوامها وأنعامها وطيورها فَقَامَ ينظر إِلَيْهَا سَاعَة ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: مَاتَ هَؤُلَاءِ بِعَذَاب الله وَلَو مَاتُوا بِغَيْر ذَلِك مَاتُوا مُتَفَرّقين ثمَّ ناداهم: يَا أهل الْقرْيَة
فَأَجَابَهُ مُجيب لبيْك يَا روح الله
قَالَ: مَا كَانَ جنايتكم قَالُوا عبَادَة الطاغوت وَحب الدُّنْيَا
قَالَ: وَمَا كَانَت عبادتكم الطاغوت قَالَ: الطَّاعَة لأهل معاصي الله تَعَالَى
قَالَ: فَمَا كَانَ حبكم الدُّنْيَا قَالُوا: كحب الصبيّ لأمه
كُنَّا إِذا أَقبلت فرحنا وَإِذا أَدْبَرت حزنا مَعَ أمل بعيد وإدبار عَن طَاعَة الله وإقبال فِي سخط الله
قَالَ: وَكَيف كَانَ شَأْنكُمْ قَالُوا: بِنَا لَيْلَة فِي عَافِيَة وأصبحنا فِي الهاوية
فَقَالَ عِيسَى: وَمَا الهاوية قَالَ: سِجِّين
قَالَ: وَمَا سِجِّين قَالَ: جَمْرَة من نَار مثل أطباق الدُّنْيَا كلهَا دفنت أَرْوَاحنَا فِيهَا
قَالَ: فَمَا بَال أَصْحَابك لَا يَتَكَلَّمُونَ قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يتكلموا ملجمون بلجام من نَار
قَالَ: فَكيف كَلَّمتنِي أَنْت من بَينهم قَالَ: إِنِّي كنت فيهم وَلم أكن على حَالهم فَلَمَّا جَاءَ الْبلَاء عمني مَعَهم فَأَنا مُعَلّق بشعرة فِي الهاوية لَا أَدْرِي أكردس فِي النَّار أم أنجو
فَقَالَ عِيسَى: بِحَق أَقُول لكم لأكل خبز الشّعير وَشرب مَاء القراح وَالنَّوْم على الْمَزَابِل مَعَ الْكلاب كثير مَعَ عَافِيَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
607
وَأخرج أَبُو يعلى قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فقد الرجل من إخوانه ثَلَاثَة أَيَّام سَأَلَ عَنهُ فَإِن كَانَ غَائِبا دَعَا لَهُ وَإِن كَانَ شَاهدا زَارَهُ وَإِن كَانَ مَرِيضا عَاده
ففقد رجلا من الْأَنْصَار فِي الْيَوْم الثَّالِث فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: تَرَكْنَاهُ مثل الفرخ لَا يدْخل فِي رَأسه شَيْء إِلَّا خرج من دبره
قَالَ: عودوا أَخَاكُم فخرجنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعوده فَلَمَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كيفت تجدك قَالَ: لَا يدْخل فِي رَأْسِي شَيْء أَلا خرج من دبري
قَالَ: ومم ذَاك قَالَ يَا رَسُول الله: مَرَرْت بك وَأَنت تصلي الْمغرب فَصليت مَعَك وَأَنت تقْرَأ هَذِه السُّورَة ﴿القارعة مَا القارعة﴾ إِلَى آخرهَا ﴿نَار حامية﴾ فَقلت اللَّهُمَّ مَا كَانَ من ذَنْب أَنْت معذبي عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة فَعجل لي عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا فَنزل بِي مَا ترى
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بئس مَا قلت أَلا سَأَلت الله أَن يؤتيك فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة ويقيك عَذَاب النَّار فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا بذلك ودعا لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ كَأَنَّهُمَا نشط من عقال
608

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

١٠٢
سُورَة التكاثر
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان
مُقَدّمَة السُّورَة
الْآيَة ١ - ٨
609
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله :﴿ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ﴾ قال : هذا هو الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار، وفي قوله :﴿ وتكون الجبال كالعهن المنفوش ﴾ قال : كالصوف، وفي قوله :﴿ فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ﴾ قال : هي الجنة ﴿ وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ﴾ قال : هي النار مأواهم وأمهم ومصيرهم ومولاهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله :﴿ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ﴾ قال : هذا هو الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار، وفي قوله :﴿ وتكون الجبال كالعهن المنفوش ﴾ قال : كالصوف، وفي قوله :﴿ فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ﴾ قال : هي الجنة ﴿ وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ﴾ قال : هي النار مأواهم وأمهم ومصيرهم ومولاهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله :﴿ فأمه هاوية ﴾ قال : مصيره إلى النار، وهي الهاوية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ فأمه هاوية ﴾ كقولك هويت أمه.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : هي كلمة عربية، إذا وقع رجل في أمر شديد قالوا : هويت أمه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي خالد الوالبي ﴿ فأمه هاوية ﴾ قال : أم رأسه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : أم رأسه هاوية في جهنم.
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال : يهوون في النار على رؤوسهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : الهاوية : النار، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها، ويأوي إليها.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الأشعث بن عبد الله الأعمى قال : إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى روح المؤمنين، فتقول : روحوا لأخيكم، فإنه كان في غم الدنيا، ويسألونه : ما فعل فلان ؟ ما فعل فلان ؟ فيخبرهم، فيقول : صالح، حتى يسألوه ما فعل فلان، فيقول : مات، أما جاءكم ؟ فيقولون : لا، ذهب به إلى أمه الهاوية.
وأخرج الحاكم عن الحسن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إذا مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين فيقولون له : ما فعل فلان ؟ فإذا قال : مات، قالوا : ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية ».
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إذا مات المؤمن تلقته أرواح المؤمنين يسألونه : ما فعل فلان ؟ ما فعلت فلانة ؟ فإن كان مات ولم يأتهم قالوا : خولف به إلى أمه الهاوية، بئست الأم وبئست المربية، حتى يقولوا : ما فعل فلان ؟ هل تزوج ؟ ما فعلت فلانة هل تزوجت ؟ فيقولون : دعوه يستريح فقد خرج من كرب الدنيا ».
وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقتها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير من أهل الدنيا، فيقولون : انظروا صاحبكم يستريح، فإنه كان في كرب شديد، ثم يسألونه ما فعل فلان ؟ وفلانة هل تزوجت ؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول : هيهات قد مات ذاك قبلي، فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية ».
وأخرج ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري قال : إذا قبضت نفس العبد تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا، فيقبلون عليه ليسألوه فيقول بعضهم لبعض : انظروا أخاكم حتى يستريح، فإنه كان في كرب، فيقبلون عليه يسألونه ما فعل فلان ما فعلت فلانة هل تزوجت ؟ فإذا سألوه عن الرجل مات قبله قال لهم : إنه قد هلك، فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية، فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسناً فرحوا واستبشروا وقالوا : هذه نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سوءاً قالوا : اللهم راجع عبدك. قال ابن المبارك : ورواه سلام الطويل عن ثور فرفعه.
وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن جبير أنه قيل له : هل يأتي الأموات أخبار الأحياء ؟ قال : نعم، ما من أحد له حميم إلا يأتيه أخبار أقاربه، فإن كان خيراً سرّ به وفرح به، وإن كان شراً ابتأس لذلك وحزن، حتى إنهم ليسألون عن الرجل قد مات فيقال : ألم يأتكم ؟ فيقولون : لقد خولف به إلى أمه الهاوية.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : مر عيسى عليه السلام بقرية قد مات أهلها إنسها وجنها وهوامها وأنعامها وطيورها، فقام ينظر إليها ساعة، ثم أقبل على أصحابه فقال : مات هؤلاء بعذاب الله، ولو ماتوا بغير ذلك ماتوا متفرقين، ثم ناداهم : يا أهل القرية. فأجابه مجيب : لبيك يا روح الله. قال : ما كان جنايتكم ؟ قالوا عبادة الطاغوت وحب الدنيا. قال : وما كانت عبادتكم الطاغوت ؟ قال : الطاعة لأهل معاصي الله تعالى. قال : فما كان حبكم الدنيا ؟ قالوا : كحب الصبيّ لأمه. كنا إذا أقبلت فرحنا، وإذا أدبرت حزنا مع أمل بعيد، وإدبار عن طاعة الله، وإقبال في سخط الله. قال : وكيف كان شأنكم ؟ قالوا : بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية. فقال عيسى : وما الهاوية ؟ قال : سجين. قال : وما سجين ؟ قال : جمرة من نار مثل أطباق الدنيا، كلها دفنت أرواحنا فيها. قال : فما بال أصحابك لا يتكلمون ؟ قال : لا يستطيعون أن يتكلموا، ملجمون بلجام من نار. قال : فكيف كلمتني أنت من بينهم ؟ قال : إني كنت فيهم ولم أكن على حالهم، فلما جاء البلاء عمني معهم، فأنا معلق بشعرة في الهاوية، لا أدري أكردس في النار أم أنجو. فقال عيسى : بحق أقول لكم : لأكل خبز الشعير، وشرب ماء القراح، والنوم على المزابل مع الكلاب، كثير مع عافية الدنيا والآخرة.
Icon