تفسير سورة الإخلاص

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الإخلاص أربع آيات، مكية عند الجمهور، وقيل : مدنية عند أهل البصرة.

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)
﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ هو ضمير الشأن والله أَحَدٌ هو الشأن كقولك هو زيد منطلق كأنه قيل الشأن هذا وهو أن الله واحد لا ثاني له ومحل هُوَ الرفع على الابتداء والخبر هو الجملة ولا يحتاج إلى الراجع لأنه في حكم المفرد في قولك زيد غلامك في أنه هو المبتدأ في المعنى وذلك أن قوله الله أَحَدٌ هو الشأن الذي هو عبارة عنه وليس كذلك زيدا ابوه منطلق فان زيدا والجملة يدلان على معنيين مختلفين فلا بد مما يصل بينهما وعن ابن عباس رضي الله عنهما قالت قريش يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه فنزلت يعني الذي سألتموني وصفه هو الله تعالى وعلى هذا أَحَدٌ خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد وهو بمعنى واحد وأصله وحد فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفاً والدليل على أنه واحد من جهة العقل أن الواحد إما أن يكون في تدبير العالم وتخليقه كافيا أو لا فإن
693
كان كافيا كان الآخر ضائعا غيرمحتاج اليه وذلك نقص والناقص لا يكون الهاوان لم يكن كافياً فهو ناقص ولأن العقل يقتضي احتياج المفعول إلى فاعل والفاعل الواحد كافٍ وما وراء الواحد فليس عدد أولي من عدد فيقضى ذلك إلى وحود أعداد لا نهاية لهاوذا محال فالقول بوجود إلهين محال ولأن أحدهما إما أن يقدر على أن يستر شيئاً من افعاله عن الآخر ولا يقدر فإن قدر لزم كون المستور عنه جاهلاً وإن لم يقدر لزم كونه عاجزاً ولأنا لو فرضنا معد وما ممكن الوجود فإن لم يقدر واحد منهما على إيجاده كان كل واحد منهما عاجزاً والعاجز لا يكون إلهاً وإن قدر أحدهما دون الآخر فالآخر لايكون إلهاً وإن قدراً جميعاً فإما أن يوجداه بالتعاون فيكون كل واحد منهما محتاجاً إلى إعانة الآخر فيكون كل واحد منهما عاجزاً وإن قدر كل واحد منهما على إيجاده بالاستقلال فإذا أوجده أحدهما فإما أن يبقى الثاني قادراً عليه وهو محال لأن إيجاد الموجود محال وإن لم يبق فحينئذ يكون الأول مزيلاً قدرة الثاني فيكون عاجزاً ومقهوراً تحت تصرفه فلا يكون إلهاً فإن قلت الواحد إذا أو وجد مقدور نفسه فقد زالت قدرته فيلزمكم أن يكون هذا الواحد قد جعل نفسه عاجزاً قلنا الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد نفذت قدرته ومن نفذت قدرته لا يكون عاجزاً وأما الشريك فما نفذت قدرته بل زالت قدرته بسبب قدرة الآخرفكان ذلك تعجيزا
694
اللَّهُ الصَّمَدُ (٢)
﴿الله الصمد﴾ هو فعل بعنى مفعول من صمد اليه اذاقصده وهو السيد المصمود إليه في الحوائج والمعنى هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض وخالقكم وهو واحد لا شريك له وهو الذي يصمد اليه كل مخلوق لا يستغنون عنه وهو الغني عنهم
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣)
﴿لَمْ يَلِدْ﴾ لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا وقد دل على هذا المعنى بقوله أنى يَكُونُ لَهُ ولد ولم تكن له صاحبه ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ لأن كل مولود
محدث وجسم وهو قديم لا أول لوجوده إذ لو لم يكن قديماً لكان حادثاً لعدم الواسطة بينهما ولو
694
كان حادثاً لافتقر إلى محدث وكذا الثاني والثالث فيؤدي إلى التسلسل وهو باطل وليس بجسم لأنه اسم للمتركب ولا يخلو حينئذ من أن يتصف كل جزء منه بصفات الكمال فيكون كل جزء إلهاً فيفسد القول به كما فسد بالهين أو غير متصف بهابل بأضدادها من سمات الحدوث وهو محال
695
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)
﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ ولم يكافئه أحد أي لم يماثله سألوه أن يصفه لهم فأوحى إليه ما يحتوي على صفاته تعالى فقوله هُوَ الله إشارة إلى أنه خالق الأشياء وفاطرها وفي طي ذلك وصفه بانه قادر عالم لأن الخالق يستدعي القدرة والعلم لكونه واقعاً على غاية إحكام واتساق وانتظام وفي ذلك وصفه بأنه حى لأن المتصف بالقدرة والعلم لا بدو أن يكون حياً وفي ذلك وصفه بأنه سميع بصير مريد متكلم إلى غير ذلك من صفات الكمال اذلو لم يكن موصوفا بها لكان مرصوفا بأضدادها وهى نقائص وذامن أمارات الحدوث فيستحيل اتصاف القديم بها وقوله أَحَدٌ وصف بالوحدانية ونفي الشريك وبأنه المتفرد بإيجاد المعدومات والمتوحد بعلم الخفيات وقوله الصمد وصف بأنه ليس إلا محتاجاً إليه وإذا لم يكن الا محتاجا فهو غني لا يحتاج إلى أحد ويحتاج إليه كل أحد وقوله لَمْ يَلِدْ نفي للشبه والمجانسة وقوله وَلَمْ يُولَدْ نفي للحدوث ووصف بالقدم والأولية وقوله وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كفوا أحد نفى ان يماثلة شئ ومن زعم أن نفي الكفء وهو المثل في الماضي لا يدل على نفيه للحال والكفار يدعونه فى الحال فقدتاه في غيه لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة إذ الحادث لا يكون كفؤاً للقديم وحاصل كلام الكفرة يؤل إلى الإشراك والتشبيه والتعطيل والسورة تدفع الكل كما قررنا واستحسن سيبويه تقديم الظرف إذا كان لغواً أي فضلة لأن التأخير مستحق للفضلات وإنما قدم في الكلام الأفصح
695
لأن الكلام سيق لنفى المكافأة عن ذات البارئ سبحانه وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان الاهم تقديمه وكان أبو عمر ويستحب الوقف على احد ولا يستحب الوصل قال عبد الوارث على هذا أدركنا القراء واذا وصل نون وكسر أو حذف التنوين كقراءة عزيز بن الله كفؤا بسكون الفاء والهمزة حمزة وخلف كفوا مثقله غير مهموزة حفص الباقون مثقلة مهموزة وفى الحديث من قرأ سورة الاخلاص فقد قرأ ثلث القرآن لأن القرآن يشتمل على توحيد الله وذكر صفاته وعلى لاوامر والنواهى وعلى القصص والمواعظ وهذه السورة قد تجردت للتوحيد والصفات فقد تضمنت ثلث القرآن وفيه دليل شرف علم التوحيد وكيف لا يكون كذلك والعلم يشرف بشرف المعلوم ويتضع بضعته ومعلوم هذا العلم فى زمرة العالمين بك العاملين لك الزاجين لثوابك الخائفين من عقابك المكرمين بلقائك وسمع رسول الله ﷺ رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال وجبت فقيل يا
رسول الله ما وجبت قال وجبت له الجنة
696
سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفلق {
سورة الفلق مختلف فيها وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

697
Icon