تفسير سورة الفلق

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها خمس.
بسم الله الرحمان الرحيم
وتسمى هي وما بعدها بالمعوذتين.

﴿ قل أعوذ ﴾ أعتصم واستجير﴿ برب الفلق ﴾ أي الصبح. وسمى فلقا لانفلاق الليل وانشقاقه عنه ؛ ومنه ﴿ فالق الإصباح ﴾ ١ أي شاق ظلمة آخر الليل عن بياض الصبح، ومخرج له منها كما يخرج الشاة من إهابها. ويطلق الفلق على جميع المخلوقات ؛ لأنه تعالى فلق عنها ظلمة العدم فأخرجها إلى نور الوجود.
١ آية ٩٦ الأنعام..
﴿ من شر ما خلق ﴾ أي من شر كل ذي شر من المخلوقات ؛ فلا عاصم من شرها إلا الرب سبحانه، الذي هو المالك لها، والمدبر لأمرها، والقابض على ناصيتها، والقادر على تغيير أحوالها وتبديل شئونها. ويندرج في الشر المستعاذ منه شر الذنوب، وشر النفوس، وشر الهوى، وشر النيات والأعمال.
﴿ ومن شر غاسق إذا وقب ﴾ أي وأعوذ به تعالى من شر الليل إذا دخل ظلامه في كل شيء ؛ لأن حدوث الشر فيه أكثر، والتحرز منه أصعب وأعسر. والغاسق : الليل إذا اعتكر ظلامه. وأصل الغسق : الامتلاء. يقال : غسقت العين، إذا امتلأت دمعا، أو السيلان، يقال : غسقت السماء انصبت، وغسق الليل : انصباب ظلامه. والوقوب : الدخول. وأصل الوقب : النقرة والحفرة ؛ ثم استعمل في الدخول. وقيل : الغاسق القمر إذا امتلأ نورا. ووقوبه : دخوله في الخسوف واسوداده، أو محاقه في آخر الشهر ؛ الاشتقاق اللغوي لا يأباه.
﴿ ومن شر النفاثات في العقد ﴾ النفث : شبيه بالنفخ، وقيل : هو النفخ مع ريق قليل. والنفاثات : النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين. قال ابن القيم : إنهم إذا سحروا استعانوا على تأثير فعلهم بنفث يمازجه بعض أجزاء أنفاسهم الخبيثة ؛ أي أعوذ بالله من شر هؤلاء المفسدين. وقيل النفاثات : جمع نفّاثة ؛ كعلاّمة ونسّابة، يستعمل للمذكر والمؤنث. والعقد : جمع عقدة ؛ من العقد ضد الحل. وهي اسم لكل ما ربط وأحكم ربطه. أي أعوذ به تعالى من شر النفوس المفسدة التي تسعى بين الناس لإفساد ذات بينهم ؛ كما يفعل أولئك السحرة الذين ينفثون للتفريق بين المرء وزوجه ؛ وهم أخبث الناس نفوسا، وشرهم عملا.
وجمهور العلماء على إثبات السحر، وأنه حقيقة واقعة، وسبب عادي للتأثير في المسحور. وقد عرف قديما في بابل ومصر، وورد ذكره في آيات كثيرة من القرآن [ راجع ما قدمناه في تفسير آية ١٠٢ من سورة البقرة ]، وقال القرطبي في شرح صحيح مسلم : دل القرآن في غير ما آية، والسنة في غير ما حديث : على أن السحر موجود، وله أثر في المسحور، وهو حيل صناعية، يتوصل إليها بالاكتساب ؛ غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها أحاد الناس. وأكثرهم بغير حقيقة ؛ كعلم السيمياء – وهو ما يفعله المشعوذون – فيعظم عند من لا يعرف ذلك. ولبعض أصناف السحر تأثير في القلوب كالحب والبغض، والتفرقة بين المرء وزوجه، وفي الأبدان بالألم والسقم.
﴿ ومن شر حاسد إذا حسد ﴾ أي إذا أظهر ما في نفسه من الحسد ؛ بترتيب مقدمات الشر، ومبادئ الإضرار بالمحسود قولا أو فعلا.
والحسد : حقيقة واقعة، وأثره لا شك فيه. وأصله : انفعال نفس الحاسد عند رؤية نعمة على المحسود انفعالا شريرا يدفعه إلى مباشرة أسباب المضرة، سواء أكان ذلك في حضور المحسود أم في غيبته.
وذكر العلامة الآلوسي : أن الحاسد إذا وجه نفسه الخبيثة نحو المحسود على وجه الغضب تتكيف بكيفية خبيثة، ربما تؤثر في المحسود بحسب ضعفه، وقوة نفس الحاسد، وقد تصل إلى حد الإهلاك.
والحسد من الكبائر، وهو أول ذنب عصي الله به في السماء. وأول ذنب عصي به في الأرض ؛ فحسد إبليس آدم، وحسد قابيل هابيل.
وفي الحديث الصحيح : " لا تحاسدوا ".
والنهي عنه نهي عن مباشرة أسبابه ومباديه، ومتابعة النفس وطواعيتها فيه، وتوجيهها إليه وإلى المحسود. وقانا الله شره.
والله أعلم.
Icon