في السورة توكيد بصلة القرآن بالوحي الإلهي ورد على الكفار على نسبتهم افتراءه للنبي صلى الله عليه وسلم، وتنويه بقدرة الله في مشاهد الكون ونواميس الخلق للبرهنة على استحقاقه وحده للعبادة والخضوع، وحكاية لشكوك الكفار بالبعث والحساب وحملة عليهم ومقايسة بين مصيرهم ومصير المؤمنين، وإشارة إلى رسالة موسى وفضل الله على بني إسرائيل حينما صبروا واتبعوا آيات الله، وتثبيت وتطمين للنبي عليه السلام.
وآيات السورة متساوقة ومنسجمة مما يسوغ القول إنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة، وقد روي أن الآيات [ ١٦-٢٠ ] مدنية، وانسجامها مع ما قبلها سبكا وموضوعا يسوغ الشك في الرواية.
ﰡ
﴿ آلم ( ١ ) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ( ٢ )أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ( ٣ ) ﴾[ ١-٣ ].
وهذه أولى السور في ترتيب النزول الذي سرنا عليه تبتدئ بهذه الحروف. وقد تكرر ذلك بعدها في ثلاث سور مكية وسورتين مدنيتين. ولم يورد المفسرون في صددها شيئا جديدا، وعطفوا على ما ذكروه في تفسير أول سورة البقرة المشابه. ونرجح هنا ما رجحناه في سياق مماثلاتها أنها للتنبيه واسترعاء السمع، وقد أعقب الحروف الثلاثة كما هو الشأن في معظم السور المماثلة إشارة تنويهية إلى القرآن كتاب الله، وتوكيد بأنه تنزيل من رب العالمين لا إمكان للريب فيه. ثم أعقب ذلك إشارة استدراكية إلى ما يقوله الكفار بأسلوب تنديدي كانوا يقولون إن النبي افتراه، ورد على القول بتوكيد أنه الحق من الله أنزله على النبي لينذر به أناسا لم يأتهم نذير من قبله أن رجاء أن يهتدوا به إلى طريق الله القويم.
والآيتان الأوليان براعة أو مقدمة استهلالية للآية الثالثة كما هو المتبادر. والآيات الثلاث منصبة في جملتها على توكيد نزول القرآن من عند الله وتكذيب دعوى افترائه التي تكررت حكايتها وتكرر تكذيبها بتكرر المواقف المماثلة.
﴿ آلم ( ١ ) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ( ٢ )أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ( ٣ ) ﴾[ ١-٣ ].
وهذه أولى السور في ترتيب النزول الذي سرنا عليه تبتدئ بهذه الحروف. وقد تكرر ذلك بعدها في ثلاث سور مكية وسورتين مدنيتين. ولم يورد المفسرون في صددها شيئا جديدا، وعطفوا على ما ذكروه في تفسير أول سورة البقرة المشابه. ونرجح هنا ما رجحناه في سياق مماثلاتها أنها للتنبيه واسترعاء السمع، وقد أعقب الحروف الثلاثة كما هو الشأن في معظم السور المماثلة إشارة تنويهية إلى القرآن كتاب الله، وتوكيد بأنه تنزيل من رب العالمين لا إمكان للريب فيه. ثم أعقب ذلك إشارة استدراكية إلى ما يقوله الكفار بأسلوب تنديدي كانوا يقولون إن النبي افتراه، ورد على القول بتوكيد أنه الحق من الله أنزله على النبي لينذر به أناسا لم يأتهم نذير من قبله أن رجاء أن يهتدوا به إلى طريق الله القويم.
والآيتان الأوليان براعة أو مقدمة استهلالية للآية الثالثة كما هو المتبادر. والآيات الثلاث منصبة في جملتها على توكيد نزول القرآن من عند الله وتكذيب دعوى افترائه التي تكررت حكايتها وتكرر تكذيبها بتكرر المواقف المماثلة.
تعليق على مدى الآية
﴿ لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ﴾
ولقد روى البغوي عن ابن عباس في صدد جملة ﴿ لتنذر قوما ما أتاهم من نذير ﴾أنها تعني الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام. وقال الطبري : إنها تعني قريشا الذين لم يأتهم رسول قبل محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا القول أكثر وجاهة فيما يتبادر لنا. وتاريخ قريش لا يرتقي إلى أكثر من بضع مائة سنة على ما شرحناه في سياق سورة قريش فلا تناقض بين هذا القول ورسالات الأنبياء من عيسى وما قبله.
وقد يرد أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن لقريش فقط. وأن هناك روايات عن نبيين عربيين بعثا بعد عيسى. وهما حنظلة بن صفوان نبي الرس الذي تدل فصاحة اسمه على أنه ليس بعيدا كثيرا عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم والذي ذكرنا خبره في سياق سورة ( ق ) وخالد بن سنان العبسي١ ولسنا نرى هذا ناقضا لقول الطبري حتى في حالة صحة الروايات. فقريش كانوا وظلوا في الدرجة الأولى هم الذين يوجه إليهم الخطاب في معظم ظروف العهد المكي النبوي برغم ما في القرآن المكي من إشارات إلى عموم الرسالة النبوية وشمولها حيث كان هذا هو المتسق مع الحالة الراهنة. وهذا ما انطوى في الآية ﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها ﴾ [ الشورى : ٧ ] والآية [ ٩٢ ] المماثلة في سورة الأنعام على ما نبهنا عليه في سياق تفسير السورتين.
عبارة الآيات واضحة. وضمائر الجمع المخاطب فيها راجعة إلى الكفار على ما تفيده العبارة. وتكون بذلك الصلة قائمة بينها وبين الآيات السابقة. وقد استهدفت تدعيم الرد الذي احتوته الآية السابقة لها مباشرة وتضمنت تنديدا بالكفار الذين لا ينتبهون ولا يتدبرون في كون الله العظيم الذي خلق كل شيء فيه على أحسن وأحكم صورة وفي تصرفه فيه بانفراد ببالغ الحكمة وشمول القدرة فلا يغيب عن عمله وحكمه وقدرته في سماء ولا أرض، ثم الذي خلقهم من تراب ثم جعلهم من نطفة ضئيلة هينة الشأن ومنحهم نسمة الحياة وجهزهم بالسمع والإبصار والأفئدة أي العقول. ولا يرعوون عن التماس الولاء والشفاعة من غيره مع أنه ليس هناك لأحد ولي ولا شفيع من دونه، ولا يشكرونه على أفضاله ونعمه ويؤدون حقه من الخضوع والإخلاص التام له وحده.
وأسلوب الآيات قوي نافذ إلى القلوب والعقول، ومن شأنه إثارة شعور الإجلال والإكبار لله في النفس السليمة الطويلة الراغبة في الحق والهدى وبعث القناعة فيها بوجود واجب الوجود وكمال صفاته وعظيم قدرته واستحقاقه وحده للخضوع والاتجاه.
والحجة في الآيات ملزمة للكفار موضوع الكلام ؛ لأنهم يعتقدون أن الله هو خالق الأكوان ومدبرها والضار والنافع وحده، على ما مرت حكايته عنهم في سور عديدة سابقة.
ويلحظ أن بعض ما جاء في هذه الآيات جاء في أول السورة السابقة وفي أواخرها أيضا، ونقول هنا ما قلناه قبل من أن مرد ذلك على ما هو المتبادر تكرر المواقف وتجدد المناسبات.
والعبارة التي جاءت في هذه الآيات عن كيفية خلق السماوات والأرض ومدته واستواء الله على العرش وأطوار خلق الإنسان وشمول حكم الله وقدرته قد وردت في سور أخرى سبق تفسيرها ولقد علقنا بما فيه الكفاية على تعبير ﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ [ ٧٢ ] في سياق سورة ( ص ) فلا نرى ضرورة لإعادة أو زيادة كذلك.
عبارة الآيات واضحة. وضمائر الجمع المخاطب فيها راجعة إلى الكفار على ما تفيده العبارة. وتكون بذلك الصلة قائمة بينها وبين الآيات السابقة. وقد استهدفت تدعيم الرد الذي احتوته الآية السابقة لها مباشرة وتضمنت تنديدا بالكفار الذين لا ينتبهون ولا يتدبرون في كون الله العظيم الذي خلق كل شيء فيه على أحسن وأحكم صورة وفي تصرفه فيه بانفراد ببالغ الحكمة وشمول القدرة فلا يغيب عن عمله وحكمه وقدرته في سماء ولا أرض، ثم الذي خلقهم من تراب ثم جعلهم من نطفة ضئيلة هينة الشأن ومنحهم نسمة الحياة وجهزهم بالسمع والإبصار والأفئدة أي العقول. ولا يرعوون عن التماس الولاء والشفاعة من غيره مع أنه ليس هناك لأحد ولي ولا شفيع من دونه، ولا يشكرونه على أفضاله ونعمه ويؤدون حقه من الخضوع والإخلاص التام له وحده.
وأسلوب الآيات قوي نافذ إلى القلوب والعقول، ومن شأنه إثارة شعور الإجلال والإكبار لله في النفس السليمة الطويلة الراغبة في الحق والهدى وبعث القناعة فيها بوجود واجب الوجود وكمال صفاته وعظيم قدرته واستحقاقه وحده للخضوع والاتجاه.
والحجة في الآيات ملزمة للكفار موضوع الكلام ؛ لأنهم يعتقدون أن الله هو خالق الأكوان ومدبرها والضار والنافع وحده، على ما مرت حكايته عنهم في سور عديدة سابقة.
ويلحظ أن بعض ما جاء في هذه الآيات جاء في أول السورة السابقة وفي أواخرها أيضا، ونقول هنا ما قلناه قبل من أن مرد ذلك على ما هو المتبادر تكرر المواقف وتجدد المناسبات.
والعبارة التي جاءت في هذه الآيات عن كيفية خلق السماوات والأرض ومدته واستواء الله على العرش وأطوار خلق الإنسان وشمول حكم الله وقدرته قد وردت في سور أخرى سبق تفسيرها ولقد علقنا بما فيه الكفاية على تعبير ﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ [ ٧٢ ] في سياق سورة ( ص ) فلا نرى ضرورة لإعادة أو زيادة كذلك.
تعليق على آية
{ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه
في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون }
ولقد قال المفسرون في صدد هذه الآية عزوا إلى ابن عباس وبعض علماء التابعين : إن المسافة بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام من سني الدنيا فتقطع في نصف يوم بالنزول وفي مثله بالعروج. ووقفوا عند آية سورة المعارج هذه :﴿ تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره ألف سنة٤ ﴾ فقالوا بسبيل التوفيق إن آية السجدة هي بصدد المسافة بين الأرض والسماء الدنيا في حين أن آية المعارج هي بصدد المسافة من الأرض السابعة إلى ما فوق السماوات السبع، وليس في هذا التحليل ما فيه التوقيف المقصود ؛ لأن صفة اليوم غير متغيرة، وهي في آية كألف سنة وفي آية كخمسين ألف سنة. ومنهم من قال : إن يوم آية السجدة هو نسبة لأيام الدنيا ويوم آية المعارج هو نسبة لأيام الآخرة١.
ونقول تعليقا على ذلك ما قلناه في المناسبات المماثلة : إن من الواجب الإيمان بما جاء في القرآن من الأمور المغيبة مع وجوب الوقوف من ذلك عند ما وقف عنده القرآن دون تزيد ولا توسيع ولا سيما إذا لم يكن هناك أحاديث نبوية ثابتة كما هو الحال في هذه المسألة، وأنه لا طائل من التزيد مع الإيمان بأنه لا بد من أن يكون فيما ورد في القرآن حكمة. وقد يتبادر أن من هذه الحكمة التنويه بقدرة الله وعظمة كونه ومطلق تصرفه كما قد يتبادر أن من هذه الحكمة قصد التقريب إلى الأذهان التي اعتادت أن تقيس الأمور بالحركات والأبعاد والأيام.
وقصد بيان كون المسافات الشاسعة التي يستعظمها الناس هي بالنسبة لقدرة الله تعالى لا تعد شيئا. فالله سبحانه منزه عما تقتضيه الحركات من حدود وجسمانية وقدرته في غنى عن كل ذلك وليس للأبعاد معها معنى ولا قيام والله أعلم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤:﴿ الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ( ٤ ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون( ٥ ) ذلك عالم الغيب والشهادة ١ العزيز الرحيم ( ٦ ) الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ( ٧ ) ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ٢ ( ٨ ) ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون( ٩ ) ﴾ [ ٤-٩ ].
عبارة الآيات واضحة. وضمائر الجمع المخاطب فيها راجعة إلى الكفار على ما تفيده العبارة. وتكون بذلك الصلة قائمة بينها وبين الآيات السابقة. وقد استهدفت تدعيم الرد الذي احتوته الآية السابقة لها مباشرة وتضمنت تنديدا بالكفار الذين لا ينتبهون ولا يتدبرون في كون الله العظيم الذي خلق كل شيء فيه على أحسن وأحكم صورة وفي تصرفه فيه بانفراد ببالغ الحكمة وشمول القدرة فلا يغيب عن عمله وحكمه وقدرته في سماء ولا أرض، ثم الذي خلقهم من تراب ثم جعلهم من نطفة ضئيلة هينة الشأن ومنحهم نسمة الحياة وجهزهم بالسمع والإبصار والأفئدة أي العقول. ولا يرعوون عن التماس الولاء والشفاعة من غيره مع أنه ليس هناك لأحد ولي ولا شفيع من دونه، ولا يشكرونه على أفضاله ونعمه ويؤدون حقه من الخضوع والإخلاص التام له وحده.
وأسلوب الآيات قوي نافذ إلى القلوب والعقول، ومن شأنه إثارة شعور الإجلال والإكبار لله في النفس السليمة الطويلة الراغبة في الحق والهدى وبعث القناعة فيها بوجود واجب الوجود وكمال صفاته وعظيم قدرته واستحقاقه وحده للخضوع والاتجاه.
والحجة في الآيات ملزمة للكفار موضوع الكلام ؛ لأنهم يعتقدون أن الله هو خالق الأكوان ومدبرها والضار والنافع وحده، على ما مرت حكايته عنهم في سور عديدة سابقة.
ويلحظ أن بعض ما جاء في هذه الآيات جاء في أول السورة السابقة وفي أواخرها أيضا، ونقول هنا ما قلناه قبل من أن مرد ذلك على ما هو المتبادر تكرر المواقف وتجدد المناسبات.
والعبارة التي جاءت في هذه الآيات عن كيفية خلق السماوات والأرض ومدته واستواء الله على العرش وأطوار خلق الإنسان وشمول حكم الله وقدرته قد وردت في سور أخرى سبق تفسيرها ولقد علقنا بما فيه الكفاية على تعبير ﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ [ ٧٢ ] في سياق سورة ( ص ) فلا نرى ضرورة لإعادة أو زيادة كذلك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤:﴿ الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ( ٤ ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون( ٥ ) ذلك عالم الغيب والشهادة ١ العزيز الرحيم ( ٦ ) الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ( ٧ ) ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ٢ ( ٨ ) ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون( ٩ ) ﴾ [ ٤-٩ ].
عبارة الآيات واضحة. وضمائر الجمع المخاطب فيها راجعة إلى الكفار على ما تفيده العبارة. وتكون بذلك الصلة قائمة بينها وبين الآيات السابقة. وقد استهدفت تدعيم الرد الذي احتوته الآية السابقة لها مباشرة وتضمنت تنديدا بالكفار الذين لا ينتبهون ولا يتدبرون في كون الله العظيم الذي خلق كل شيء فيه على أحسن وأحكم صورة وفي تصرفه فيه بانفراد ببالغ الحكمة وشمول القدرة فلا يغيب عن عمله وحكمه وقدرته في سماء ولا أرض، ثم الذي خلقهم من تراب ثم جعلهم من نطفة ضئيلة هينة الشأن ومنحهم نسمة الحياة وجهزهم بالسمع والإبصار والأفئدة أي العقول. ولا يرعوون عن التماس الولاء والشفاعة من غيره مع أنه ليس هناك لأحد ولي ولا شفيع من دونه، ولا يشكرونه على أفضاله ونعمه ويؤدون حقه من الخضوع والإخلاص التام له وحده.
وأسلوب الآيات قوي نافذ إلى القلوب والعقول، ومن شأنه إثارة شعور الإجلال والإكبار لله في النفس السليمة الطويلة الراغبة في الحق والهدى وبعث القناعة فيها بوجود واجب الوجود وكمال صفاته وعظيم قدرته واستحقاقه وحده للخضوع والاتجاه.
والحجة في الآيات ملزمة للكفار موضوع الكلام ؛ لأنهم يعتقدون أن الله هو خالق الأكوان ومدبرها والضار والنافع وحده، على ما مرت حكايته عنهم في سور عديدة سابقة.
ويلحظ أن بعض ما جاء في هذه الآيات جاء في أول السورة السابقة وفي أواخرها أيضا، ونقول هنا ما قلناه قبل من أن مرد ذلك على ما هو المتبادر تكرر المواقف وتجدد المناسبات.
والعبارة التي جاءت في هذه الآيات عن كيفية خلق السماوات والأرض ومدته واستواء الله على العرش وأطوار خلق الإنسان وشمول حكم الله وقدرته قد وردت في سور أخرى سبق تفسيرها ولقد علقنا بما فيه الكفاية على تعبير ﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ [ ٧٢ ] في سياق سورة ( ص ) فلا نرى ضرورة لإعادة أو زيادة كذلك.
وجملة ﴿ الذي أحسن كل شيء خلقه ﴾ تنطوي فضلا عن ما ذكرناه من قصد تدعيم الرد على التنبيه إلى أن كل شيء مما خلقه الله جاء على أحسن ما تقتضيه وظيفته من حالة ونظام وإتقان. وهذا يمكن أن يراه ويلمسه ويدركه كل امرئ مهما كانت ثقافته فيجعله ذلك إذا لم يكن مغرضا مماريا يعترف بوجود الله وعظمته.
في الآيتين :
١- حكاية لتساؤل الكفار تساؤل الجاحد عما إذا كانوا حقيقة سيخلقون خلقا جديدا بع أن تبلى أجسادهم وتتناثر ذراتها.
٢- وبيان لحقيقة الدافع لهم على هذا القول وهو كفرهم بلقاء الله وإنه هو الذي خلقهم وخلق الأكوان جميعا.
٣- وأمر للنبي بأن يؤكد لهم ذلك وأن يقول لهم إن هناك ملكا للموت وكله الله بقبض أرواحهم وأنهم راجعون إليه بعد ذلك.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها قائمة ؛ حيث استؤنف في هذه الآيات حكاية أقوال الكفار أيضا. والفقرة الأخيرة من الآية الأولى تلهم أن إنكارهم للبعث ليس منبعثا من إنكارهم لوجود الله ولكن من اعتقادهم باستحالة البعث بعد بلي الأجساد، وهذا هو المتسق مع ما قررته الآيات الكثيرة التي مرت أمثلة عددية منها في صدد اعترافهم بوجود الله وكونه هو الخالق المدبر المحيي المميت.
في الآيتين :
١- حكاية لتساؤل الكفار تساؤل الجاحد عما إذا كانوا حقيقة سيخلقون خلقا جديدا بع أن تبلى أجسادهم وتتناثر ذراتها.
٢- وبيان لحقيقة الدافع لهم على هذا القول وهو كفرهم بلقاء الله وإنه هو الذي خلقهم وخلق الأكوان جميعا.
٣- وأمر للنبي بأن يؤكد لهم ذلك وأن يقول لهم إن هناك ملكا للموت وكله الله بقبض أرواحهم وأنهم راجعون إليه بعد ذلك.
والصلة بين هذه الآيات وسابقاتها قائمة ؛ حيث استؤنف في هذه الآيات حكاية أقوال الكفار أيضا. والفقرة الأخيرة من الآية الأولى تلهم أن إنكارهم للبعث ليس منبعثا من إنكارهم لوجود الله ولكن من اعتقادهم باستحالة البعث بعد بلي الأجساد، وهذا هو المتسق مع ما قررته الآيات الكثيرة التي مرت أمثلة عددية منها في صدد اعترافهم بوجود الله وكونه هو الخالق المدبر المحيي المميت.
تعليق على ملك الموت
ويلحظ أن الآية الثانية تقرر أن ملك الموت هو الذي يتوفى الناس عند موتهم في حين أن آية الزمر [ ٤٢ ] تذكر أن الله هو الذي يتوفى النفس عند موتها. وهناك آيات تذكر أن رسل الله ( بصيغة الجمع ) هم الذين يتوفون الناس كما جاء في آية الأعراف [ ٣٧ ] وفي آية سورة النحل [ ٣٧ ] أن الملائكة هم الذين يتوفون الناس. وهذا ما ورد في آية سورة الأنعام [ ٩٣ ] أيضا، ولسنا نرى في هذا تناقضا جوهريا ؛ حيث يمكن التوفيق بين مدى الآيات بيسر.
ولقد أورد المفسرون ١ روايات معزوة إلى ابن عباس، وبعض التابعين عن ملك الموت وأعوانه وأعمالهم. منها أن اسم ملك الموت عزرائيل، وهو من كبار ملائكة الله. ومنها أن له أعوانا ينزعون الأرواح من الأجساد حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت. ومنها أن الأرض جعلت له كطست الماء أو راحة اليد يتناول منها من جاء أجله بدون مشقة. ومنها أن خطوته ما بين المشرق والمغرب، وأن له حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب فيتصفح وجوه الناس، فإذا رأى إنسانا انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة فتنزل به سكرات الموت. ومنها أنه ما على الأرض من بيت شعر أو مدر إلا يطوف به ملك الموت في اليوم مرتين وفي رواية سبع مرات لينظر هل فيه واحد أمر أن يتوفاه ! وقد أورد ابن كثير حديثا رواه ابن أبي حاتم عن جعفر بن أبي محمد قال :( سمعت أبي يقول : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال له : ارفق بصاحبي فإنه مؤمن، فقال له : طب نفسا وقر عينا يا محمد، فإني رفيق بكل مؤمن، واعلم أنه ما في الأرض بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم. والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها ). وقد روي ابن كثير الذي أورد هذا الحديث تعليقا عليه عن جعفر أنه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة، فإذا حضرهم عند الموت، فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك ودفع عنه الشيطان ولقنه لا إله إلا الله محمد رسول الله في تلك الحالة العظيمة ! وهكذا يكون ملك الموت بمقتضى هذا الحديث موكلا ببض أرواح البعوض وغيرها من غير بني الإنسان ! ولم يرد هذا الحديث في كتب الصحاح، والروايات الأخرى غير صحيحة الأسناد كذلك. وهذا من الأمور الغيبية التي لا يصح التزيد فيها عما ورد في القرآن إلا بحديث نبوي ثابت ؛ وواجب المسلم الإيمان بما جاء في القرآن من ذلك، ولو لم تدركه أو تدرك حكمة ذكره العقول العادية.
ولعل من ذلك ما هو متصل بعقيدة المشركين في الملائكة من أنهم نبات الله وشفعاؤهم عنده وإشراكهم مع الله في العبادة والاتجاه. فهؤلاء الذين يشركونهم معه ويرجون شفاعتهم عنده ويعتقدون بتأثيرهم ليسوا إلا خدما الله وعبيدا ومنفذين لأوامره وحسب، وأنهم أشداء غلاظ على الكفار والمشركين بهم. والله أعلم.
في الآيتين الأولى والثالثة تنبيه على ما سوف يكون من أمر الكفار يوم القيامة حينما يرجعون إلى الله ويقفون بين يديه،
فلسوف يأخذ المرء العجب حينما يرى المجرمين الذين كفروا بالله ولقائه مطأطئي الرؤوس خجلا مستشعرين بالندم والحسرة يعلنون يقينهم بالله وصدق وعده وبأنهم قد سمعوا وأبصروا واتعظوا ويطلبون من الله إرجاعهم إلى الدنيا ليعملوا صالحا ويتلافوا ما فرط منهم، غير أن ندمهم هذا لن يجدهم نفعا.
وسيقال لهم إنكم أعطيتم الفرصة فأضعتموها وتجاهلتم وغفلتم عن هذا اليوم فوقعتم في سوء العاقبة. فذوقوا عذاب الخلد الدائم بما نسيتم وتجاهلتم، وبما كنتم تقترفون من الآثام وتنحرفون عن طريق الحق والهدى فقد استحققتم أن ينساكم الله كما نسيتموه، وأن تصيروا إلى المصير الوبيل الذي صرتم إليه.
أما الآية الثانية فالمتبادر أنها بمثابة استدراك أو تعليق على قول الكفار المفروض المحكي في الآية الأولى، فالله قادر على جعل كل الناس يسيرون في طريق الهدى والحق دون أن يشذ منهم شاذ. ولكن حكمته اقتضت وقضاؤه سبق أن يكون لجهنم ملؤها من الجن والإنس معا.
والاتصال قائم كذلك بين هذه الآيات وسابقاتها اتصال تعقيب وإنذار.
﴿ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ﴾
وقد توهم الآية الثانية أن الله قد حتم على أهل النار من الأزل أن يحرموا من التوفيق والهدى ليملأ بهم النار. وذكر هذا بعض المفسرين والكلاميين في صدد القضاء والقدر١. ولكن الآية الثالثة التي تنسب الكفر والنسيان لأصحابه وتجعل النار جزءا عادلا لهم من شأنها أن تزيل الوهم وتجعل الكلام على التحتيم في غير محله هنا وتسوغ القول : إن الآية في صدد بيان كون حكمة الله اقتضت أن يترك الناس إلى اختيارهم الذي أودعه فيهم بعد أن بين لهم طريق الهدى والضلال حتى تمتلئ جهنم بأهلها عن بينة وعدل والجنة بأهلها عن بينة وعدل وأن لا يجبر الناس على الهدى إجبارا. ولعل في الآيات التالية ما يؤيد هذا التوجيه الذي أكدته آيات كثيرة سبق تفسيرها والتعليق عليها والذي هو المتسق مع حكمة إرسال الرسل ودعوة الناس وترتيب الجزاء الأخروي حسب أعمال الناس في الدنيا.
في الآيتين الأولى والثالثة تنبيه على ما سوف يكون من أمر الكفار يوم القيامة حينما يرجعون إلى الله ويقفون بين يديه،
فلسوف يأخذ المرء العجب حينما يرى المجرمين الذين كفروا بالله ولقائه مطأطئي الرؤوس خجلا مستشعرين بالندم والحسرة يعلنون يقينهم بالله وصدق وعده وبأنهم قد سمعوا وأبصروا واتعظوا ويطلبون من الله إرجاعهم إلى الدنيا ليعملوا صالحا ويتلافوا ما فرط منهم، غير أن ندمهم هذا لن يجدهم نفعا.
وسيقال لهم إنكم أعطيتم الفرصة فأضعتموها وتجاهلتم وغفلتم عن هذا اليوم فوقعتم في سوء العاقبة. فذوقوا عذاب الخلد الدائم بما نسيتم وتجاهلتم، وبما كنتم تقترفون من الآثام وتنحرفون عن طريق الحق والهدى فقد استحققتم أن ينساكم الله كما نسيتموه، وأن تصيروا إلى المصير الوبيل الذي صرتم إليه.
أما الآية الثانية فالمتبادر أنها بمثابة استدراك أو تعليق على قول الكفار المفروض المحكي في الآية الأولى، فالله قادر على جعل كل الناس يسيرون في طريق الهدى والحق دون أن يشذ منهم شاذ. ولكن حكمته اقتضت وقضاؤه سبق أن يكون لجهنم ملؤها من الجن والإنس معا.
والاتصال قائم كذلك بين هذه الآيات وسابقاتها اتصال تعقيب وإنذار.
في الآيات إشارة إلى صفات المؤمنين ومصيرهم : فهم الذين إذا ذكروا بآيات الله خروا سجدا له إعلانا لإيمانهم به وخضوعهم له وحده وسبحوا بحمده على ما أولاهم من نعم وقدسوه ونزّهوه ولم يستكبروا عن عبادته. وهم الذين يهجرون النوم والراحة ويقضون أوقاتهم في عبادة الله وحده مستشعرين بالخوف منه وراجين الثواب منه. وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله في سبل البر المتنوعة. فهؤلاء لا يعلم إلا الله ما هيئ لهم من عظيم المكافآت التي فيها قرة أعينهم وطمأنينة قلوبهم جزاء ووفاقا على ما قدموه من صالح الأعمال.
وواضح أن الآيات قد أعقبت الآيات السابقة في صدد المقابلة بين مصائر الكفار والمؤمنين وأن الاتصال بينها وبين سابقاتها.
تعليقات على آية
﴿ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ﴾وما بعدها.
ولعل الآيات جاءت بالأسلوب الذي جاءت به كرد على ما حكته الآيات السابقة من إعلان الكفار يوم القيامة يقينهم بالله واتعاظهم. فالإيمان في الآخرة والندم على ما فات لن يجديا نفعا، وإنما المجدي هو الإيمان والعمل الصالح في الدنيا، وفي هذا ما فيه من التلقين المستمر المدى.
والإمعان في الآيات فحوى وروحا يزيل الوهم الذي قد يرد في صدد الآية الثانية من الآيات السابقة لها كما نبهنا عليه. فكل ما وصف به المؤمنون قد نسب فعله إليهم وصدوره عنهم باختيارهم الذي أودعه الله فيهم.
ومع إطلاق الآيات الذي يجعلها مستمد إلهام وتلقين وتنويه وغبطة مستمر لكل مؤمن في كل وقت، فإن فيها على ما هو المتبادر صورة قوية للسابقين الأولين من المؤمنين في مكة من قيام في الليل وتقديس وتسبيح دائمين لله عز وجل وخوف منه وأمل فيه وإنفاق لأموالهم في سبيله رضوان الله عليهم. وهو ما تكررت حكايته عنهم في سور عديدة منها السورة السابقة
وجملة ﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ﴾ تتضمن بشرى عظيمة غير محدودة من شأنها أن تثير في نفوس المؤمنين الصالحين أشد الغبطة والارتياح.
وتحملهم على مضاعفة جهدهم في نيل رضاء الله في العبادة والتسبيح والذكر والإنفاق. وهو مما استهدفته الجملة فيها هو المتبادر.
ولقد روى المفسرون في سياق هذه الآيات أحاديث نبوية عديدة. منها حديث رواه الطبري بطرقه بصيغ عديدة متقاربة عن معاذ بن جبل قال :( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل، وتلا الآية﴿ تتجافى جنوبهم ﴾ إلى آخرها ). وعن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال أبو هريرة : بله ما أطلعكم عليه اقرأوا إذا شئتم ﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( ١٧ ) ﴾١. وروى البغوي بطرقه حديث معاذ بن جبل بتفصيل أكثر قال :( كنت مع رسول الله في سفر فأصبحت يوما قريبا منه وهو يسير فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال : لقد سألت عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة. والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾ حتى بلغ ﴿ جزاء بما كانوا يعملون ﴾. ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت : بلى يا رسول الله. قال : رأس الأمر الإسلام. وعموده الصلاة. وذروة سنامه الجهاد. ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا نبي الله، قال : فأخذ بلسانه فقال : اكفف عليك هذا. قال : فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به. قال : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال : على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ). وروى بطرقه عن أبي أمامة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات و منهاة عن الإثم )٢.
وأورد ابن كثير حديثا رواه ابن أبي حاتم عن أسماء بنت يزيد قالت :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الأولين و الآخرين يوم القيامة جاء مند فنادى بصوت يسمع الخلائق، سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ثم يرجع فينادي ليقم الذين ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾ الآية فيقومون، وهم قليل ).
وينطوي في الأحاديث ٣ تلقينات وترغيبات وتبشيرات نبوية متساوقة مع ما في الآيات من ذلك.
٢ روى هذا الحديث الترمذي وأحمد والحاكم. وجا في روايتهم في نهايته " وفي رواية ومطردة للداء عن الجسد " انظر التاج ج ١ ص ٢٩٢..
٣ هناك أحاديث عديدة أخرى فاكتفينا بما أوردناه..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ( ١٥ ) تتجافى ١ جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ( ١٦ ) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( ١٧ ) ﴾ [ ١٥-١٧ ].
في الآيات إشارة إلى صفات المؤمنين ومصيرهم : فهم الذين إذا ذكروا بآيات الله خروا سجدا له إعلانا لإيمانهم به وخضوعهم له وحده وسبحوا بحمده على ما أولاهم من نعم وقدسوه ونزّهوه ولم يستكبروا عن عبادته. وهم الذين يهجرون النوم والراحة ويقضون أوقاتهم في عبادة الله وحده مستشعرين بالخوف منه وراجين الثواب منه. وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله في سبل البر المتنوعة. فهؤلاء لا يعلم إلا الله ما هيئ لهم من عظيم المكافآت التي فيها قرة أعينهم وطمأنينة قلوبهم جزاء ووفاقا على ما قدموه من صالح الأعمال.
وواضح أن الآيات قد أعقبت الآيات السابقة في صدد المقابلة بين مصائر الكفار والمؤمنين وأن الاتصال بينها وبين سابقاتها.
تعليقات على آية
﴿ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ﴾وما بعدها.
ولعل الآيات جاءت بالأسلوب الذي جاءت به كرد على ما حكته الآيات السابقة من إعلان الكفار يوم القيامة يقينهم بالله واتعاظهم. فالإيمان في الآخرة والندم على ما فات لن يجديا نفعا، وإنما المجدي هو الإيمان والعمل الصالح في الدنيا، وفي هذا ما فيه من التلقين المستمر المدى.
والإمعان في الآيات فحوى وروحا يزيل الوهم الذي قد يرد في صدد الآية الثانية من الآيات السابقة لها كما نبهنا عليه. فكل ما وصف به المؤمنون قد نسب فعله إليهم وصدوره عنهم باختيارهم الذي أودعه الله فيهم.
ومع إطلاق الآيات الذي يجعلها مستمد إلهام وتلقين وتنويه وغبطة مستمر لكل مؤمن في كل وقت، فإن فيها على ما هو المتبادر صورة قوية للسابقين الأولين من المؤمنين في مكة من قيام في الليل وتقديس وتسبيح دائمين لله عز وجل وخوف منه وأمل فيه وإنفاق لأموالهم في سبيله رضوان الله عليهم. وهو ما تكررت حكايته عنهم في سور عديدة منها السورة السابقة
وجملة ﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ﴾ تتضمن بشرى عظيمة غير محدودة من شأنها أن تثير في نفوس المؤمنين الصالحين أشد الغبطة والارتياح.
وتحملهم على مضاعفة جهدهم في نيل رضاء الله في العبادة والتسبيح والذكر والإنفاق. وهو مما استهدفته الجملة فيها هو المتبادر.
ولقد روى المفسرون في سياق هذه الآيات أحاديث نبوية عديدة. منها حديث رواه الطبري بطرقه بصيغ عديدة متقاربة عن معاذ بن جبل قال :( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل، وتلا الآية﴿ تتجافى جنوبهم ﴾ إلى آخرها ). وعن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال أبو هريرة : بله ما أطلعكم عليه اقرأوا إذا شئتم ﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( ١٧ ) ﴾١. وروى البغوي بطرقه حديث معاذ بن جبل بتفصيل أكثر قال :( كنت مع رسول الله في سفر فأصبحت يوما قريبا منه وهو يسير فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال : لقد سألت عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة. والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾ حتى بلغ ﴿ جزاء بما كانوا يعملون ﴾. ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت : بلى يا رسول الله. قال : رأس الأمر الإسلام. وعموده الصلاة. وذروة سنامه الجهاد. ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا نبي الله، قال : فأخذ بلسانه فقال : اكفف عليك هذا. قال : فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به. قال : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال : على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ). وروى بطرقه عن أبي أمامة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات و منهاة عن الإثم )٢.
وأورد ابن كثير حديثا رواه ابن أبي حاتم عن أسماء بنت يزيد قالت :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الأولين و الآخرين يوم القيامة جاء مند فنادى بصوت يسمع الخلائق، سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ثم يرجع فينادي ليقم الذين ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾ الآية فيقومون، وهم قليل ).
وينطوي في الأحاديث ٣ تلقينات وترغيبات وتبشيرات نبوية متساوقة مع ما في الآيات من ذلك.
٢ روى هذا الحديث الترمذي وأحمد والحاكم. وجا في روايتهم في نهايته " وفي رواية ومطردة للداء عن الجسد " انظر التاج ج ١ ص ٢٩٢..
٣ هناك أحاديث عديدة أخرى فاكتفينا بما أوردناه..
في الآيات إشارة إلى صفات المؤمنين ومصيرهم : فهم الذين إذا ذكروا بآيات الله خروا سجدا له إعلانا لإيمانهم به وخضوعهم له وحده وسبحوا بحمده على ما أولاهم من نعم وقدسوه ونزّهوه ولم يستكبروا عن عبادته. وهم الذين يهجرون النوم والراحة ويقضون أوقاتهم في عبادة الله وحده مستشعرين بالخوف منه وراجين الثواب منه. وهم الذين ينفقون مما رزقهم الله في سبل البر المتنوعة. فهؤلاء لا يعلم إلا الله ما هيئ لهم من عظيم المكافآت التي فيها قرة أعينهم وطمأنينة قلوبهم جزاء ووفاقا على ما قدموه من صالح الأعمال.
وواضح أن الآيات قد أعقبت الآيات السابقة في صدد المقابلة بين مصائر الكفار والمؤمنين وأن الاتصال بينها وبين سابقاتها.
تعليقات على آية
﴿ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ﴾وما بعدها.
ولعل الآيات جاءت بالأسلوب الذي جاءت به كرد على ما حكته الآيات السابقة من إعلان الكفار يوم القيامة يقينهم بالله واتعاظهم. فالإيمان في الآخرة والندم على ما فات لن يجديا نفعا، وإنما المجدي هو الإيمان والعمل الصالح في الدنيا، وفي هذا ما فيه من التلقين المستمر المدى.
والإمعان في الآيات فحوى وروحا يزيل الوهم الذي قد يرد في صدد الآية الثانية من الآيات السابقة لها كما نبهنا عليه. فكل ما وصف به المؤمنون قد نسب فعله إليهم وصدوره عنهم باختيارهم الذي أودعه الله فيهم.
ومع إطلاق الآيات الذي يجعلها مستمد إلهام وتلقين وتنويه وغبطة مستمر لكل مؤمن في كل وقت، فإن فيها على ما هو المتبادر صورة قوية للسابقين الأولين من المؤمنين في مكة من قيام في الليل وتقديس وتسبيح دائمين لله عز وجل وخوف منه وأمل فيه وإنفاق لأموالهم في سبيله رضوان الله عليهم. وهو ما تكررت حكايته عنهم في سور عديدة منها السورة السابقة
وجملة ﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ﴾ تتضمن بشرى عظيمة غير محدودة من شأنها أن تثير في نفوس المؤمنين الصالحين أشد الغبطة والارتياح.
وتحملهم على مضاعفة جهدهم في نيل رضاء الله في العبادة والتسبيح والذكر والإنفاق. وهو مما استهدفته الجملة فيها هو المتبادر.
ولقد روى المفسرون في سياق هذه الآيات أحاديث نبوية عديدة. منها حديث رواه الطبري بطرقه بصيغ عديدة متقاربة عن معاذ بن جبل قال :( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل، وتلا الآية﴿ تتجافى جنوبهم ﴾ إلى آخرها ). وعن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال أبو هريرة : بله ما أطلعكم عليه اقرأوا إذا شئتم ﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( ١٧ ) ﴾١. وروى البغوي بطرقه حديث معاذ بن جبل بتفصيل أكثر قال :( كنت مع رسول الله في سفر فأصبحت يوما قريبا منه وهو يسير فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال : لقد سألت عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة. والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾ حتى بلغ ﴿ جزاء بما كانوا يعملون ﴾. ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ قلت : بلى يا رسول الله. قال : رأس الأمر الإسلام. وعموده الصلاة. وذروة سنامه الجهاد. ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا نبي الله، قال : فأخذ بلسانه فقال : اكفف عليك هذا. قال : فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به. قال : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال : على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ). وروى بطرقه عن أبي أمامة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات و منهاة عن الإثم )٢.
وأورد ابن كثير حديثا رواه ابن أبي حاتم عن أسماء بنت يزيد قالت :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الأولين و الآخرين يوم القيامة جاء مند فنادى بصوت يسمع الخلائق، سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ثم يرجع فينادي ليقم الذين ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ﴾ الآية فيقومون، وهم قليل ).
وينطوي في الأحاديث ٣ تلقينات وترغيبات وتبشيرات نبوية متساوقة مع ما في الآيات من ذلك.
٢ روى هذا الحديث الترمذي وأحمد والحاكم. وجا في روايتهم في نهايته " وفي رواية ومطردة للداء عن الجسد " انظر التاج ج ١ ص ٢٩٢..
٣ هناك أحاديث عديدة أخرى فاكتفينا بما أوردناه..
عبارة الآيات واضحة، وهي متصلة بالسياق، وقد جاءت بمثابة تعقيب على الآيات السابقة، وفيها مقايسة بين المؤمنين والفاسقين وبيان المصير الحق الذي يكون لكل منهم في الآخرة المتناسب مع عمل كل منهم، واستنكار لأي تسوية بين المؤمن الصالح والفاسق المتمرد، وفيها تدعيم قوي لما ذكرناه قبل في صدد نيل الناس في الآخرة ثوابهم وعقابهم وكونه جزاء عادلا لما قدموه في الدنيا واختاروه من طريق. والمتبادر أن تعبير ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ﴾ تعبير أسلوبي بقصد توكيد شدة البلاء الذي سيصيب الكفار في الآخرة، واستهدفت فيما استهدفته إثارة الرعب في قلوب الكفار.
وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات [ ١٦-٢٠ ] مدنية. وروى الطبري عن عطاء بن يسار أن الآيات [ ١٨-٢٠ ] نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب والوليد بن عتبة بن أبي معيط ( فقد كان بين الوليد وعلي كلام فقال الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحدا منك سنانا، وأرد منك للكتيبة. فقال علي : اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله فيهما ﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ﴾ إلى قوله ﴿ تكذبون ﴾ ). وروى هذا البغوي بدون عزو إلى راو وبشيء من المباينة هي أن الوليد قال لعلي : اسكت فإنك صبي، وأنا والله أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة، فقال له علي : اسكت فإنك فاسق ) فأنزل الله :﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ﴾ ولم يقل لا يستويان لأنه لم يرد مؤمنا واحدا وفاسقا واحدا.
وهذه الروايات لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. والمفروض أن الوليد كان مسلما، والآية تقرر مأوى الفاسقين في النار خالدين فيها، وتنزه عليا عن القذف بمسلم بصفة الفاسق الكافر. والإمعان في السياق يسوغ القول : إن الآيات منسجمة مع الآيات السابقة بل والآيتين اللاحقتين سبكا وموضوعا كل الانسجام، وهذا ما يجعلنا نشك في الروايات. والله أعلم.
عبارة الآيات واضحة، وهي متصلة بالسياق، وقد جاءت بمثابة تعقيب على الآيات السابقة، وفيها مقايسة بين المؤمنين والفاسقين وبيان المصير الحق الذي يكون لكل منهم في الآخرة المتناسب مع عمل كل منهم، واستنكار لأي تسوية بين المؤمن الصالح والفاسق المتمرد، وفيها تدعيم قوي لما ذكرناه قبل في صدد نيل الناس في الآخرة ثوابهم وعقابهم وكونه جزاء عادلا لما قدموه في الدنيا واختاروه من طريق. والمتبادر أن تعبير ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ﴾ تعبير أسلوبي بقصد توكيد شدة البلاء الذي سيصيب الكفار في الآخرة، واستهدفت فيما استهدفته إثارة الرعب في قلوب الكفار.
وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات [ ١٦-٢٠ ] مدنية. وروى الطبري عن عطاء بن يسار أن الآيات [ ١٨-٢٠ ] نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب والوليد بن عتبة بن أبي معيط ( فقد كان بين الوليد وعلي كلام فقال الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحدا منك سنانا، وأرد منك للكتيبة. فقال علي : اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله فيهما ﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ﴾ إلى قوله ﴿ تكذبون ﴾ ). وروى هذا البغوي بدون عزو إلى راو وبشيء من المباينة هي أن الوليد قال لعلي : اسكت فإنك صبي، وأنا والله أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة، فقال له علي : اسكت فإنك فاسق ) فأنزل الله :﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ﴾ ولم يقل لا يستويان لأنه لم يرد مؤمنا واحدا وفاسقا واحدا.
وهذه الروايات لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. والمفروض أن الوليد كان مسلما، والآية تقرر مأوى الفاسقين في النار خالدين فيها، وتنزه عليا عن القذف بمسلم بصفة الفاسق الكافر. والإمعان في السياق يسوغ القول : إن الآيات منسجمة مع الآيات السابقة بل والآيتين اللاحقتين سبكا وموضوعا كل الانسجام، وهذا ما يجعلنا نشك في الروايات. والله أعلم.
عبارة الآيات واضحة، وهي متصلة بالسياق، وقد جاءت بمثابة تعقيب على الآيات السابقة، وفيها مقايسة بين المؤمنين والفاسقين وبيان المصير الحق الذي يكون لكل منهم في الآخرة المتناسب مع عمل كل منهم، واستنكار لأي تسوية بين المؤمن الصالح والفاسق المتمرد، وفيها تدعيم قوي لما ذكرناه قبل في صدد نيل الناس في الآخرة ثوابهم وعقابهم وكونه جزاء عادلا لما قدموه في الدنيا واختاروه من طريق. والمتبادر أن تعبير ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ﴾ تعبير أسلوبي بقصد توكيد شدة البلاء الذي سيصيب الكفار في الآخرة، واستهدفت فيما استهدفته إثارة الرعب في قلوب الكفار.
وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات [ ١٦-٢٠ ] مدنية. وروى الطبري عن عطاء بن يسار أن الآيات [ ١٨-٢٠ ] نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب والوليد بن عتبة بن أبي معيط ( فقد كان بين الوليد وعلي كلام فقال الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحدا منك سنانا، وأرد منك للكتيبة. فقال علي : اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله فيهما ﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ﴾ إلى قوله ﴿ تكذبون ﴾ ). وروى هذا البغوي بدون عزو إلى راو وبشيء من المباينة هي أن الوليد قال لعلي : اسكت فإنك صبي، وأنا والله أبسط منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة، فقال له علي : اسكت فإنك فاسق ) فأنزل الله :﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ﴾ ولم يقل لا يستويان لأنه لم يرد مؤمنا واحدا وفاسقا واحدا.
وهذه الروايات لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. والمفروض أن الوليد كان مسلما، والآية تقرر مأوى الفاسقين في النار خالدين فيها، وتنزه عليا عن القذف بمسلم بصفة الفاسق الكافر. والإمعان في السياق يسوغ القول : إن الآيات منسجمة مع الآيات السابقة بل والآيتين اللاحقتين سبكا وموضوعا كل الانسجام، وهذا ما يجعلنا نشك في الروايات. والله أعلم.
في الآيتين :
١- إنذار رباني في صيغة التوكيد بأن الله سيصيب الكفار بالبلاء القريب قبل البلاء الأخروي الأكبر لعلهم يتراجعون عن غيهم وموقفهم.
٢- وتقريع في أسلوب السؤال الإنكاري يتضمن تقريرا بأنه ليس من أحد أشد ظلما ممن أنذره الله بآياته وذكره بها ثم أعرض وتصامم عنها.
٣- وتوكيد بأن الله منتقم حتما من المجرمين الذين لا تنفع فيهم الموعظة والإنذار.
والآيتان معطوفتان على سابقتهما ومتصلتان بها سياقا وموضوعا كما هو واضح. وقد قال المفسرون : إن العذاب الأدنى الذي أنذر به الكفار هو عذاب دنيوي، وهذا ما تلهمه العبارة أيضا. ولقد احتوت السورة السابقة إشارة إلى ما أصيب به الكفار من بلاء دنيوي وتأنيبا لهم على عدم اتعاظهم به وإنذارا ببلاء أشد، فجاءت الآيتان تؤكدان الإنذار والتأنيب.
ولقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في ماهية العذاب الأدنى ١. منها أنه مصائب في الأموال والأنفس تصيبهم في الدنيا. ومنها أنه القتل بالسيف صبرا أو الجوع والقتل. ومنها أنه ما أصابهم في وقعة بدر. ومنها أنه الدخان والقحط قبل الهجرة أو بعدها. ومنها عذاب القبر. ومنها أنه فتنة الدجال أو الدابة التي تخرج من الأرض في آخر الزمان. والقول الأخير غريب في مقامه ؛ لأن الإنذار للسامعين من الكفار والفاسقين. وقد يكون بعض هذه الأقوال تطبيقية بعد وقوع المصائب. ويكون في ذلك مصداق لوعيد الله وإنذاره.
وعلى كل حال فالمتبادر أن الآيتين قد استهدفتا تكرار إنذار المشركين وزعمائهم من جهة وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة أخرى.
في الآيتين :
١- إنذار رباني في صيغة التوكيد بأن الله سيصيب الكفار بالبلاء القريب قبل البلاء الأخروي الأكبر لعلهم يتراجعون عن غيهم وموقفهم.
٢- وتقريع في أسلوب السؤال الإنكاري يتضمن تقريرا بأنه ليس من أحد أشد ظلما ممن أنذره الله بآياته وذكره بها ثم أعرض وتصامم عنها.
٣- وتوكيد بأن الله منتقم حتما من المجرمين الذين لا تنفع فيهم الموعظة والإنذار.
والآيتان معطوفتان على سابقتهما ومتصلتان بها سياقا وموضوعا كما هو واضح. وقد قال المفسرون : إن العذاب الأدنى الذي أنذر به الكفار هو عذاب دنيوي، وهذا ما تلهمه العبارة أيضا. ولقد احتوت السورة السابقة إشارة إلى ما أصيب به الكفار من بلاء دنيوي وتأنيبا لهم على عدم اتعاظهم به وإنذارا ببلاء أشد، فجاءت الآيتان تؤكدان الإنذار والتأنيب.
ولقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في ماهية العذاب الأدنى ١. منها أنه مصائب في الأموال والأنفس تصيبهم في الدنيا. ومنها أنه القتل بالسيف صبرا أو الجوع والقتل. ومنها أنه ما أصابهم في وقعة بدر. ومنها أنه الدخان والقحط قبل الهجرة أو بعدها. ومنها عذاب القبر. ومنها أنه فتنة الدجال أو الدابة التي تخرج من الأرض في آخر الزمان. والقول الأخير غريب في مقامه ؛ لأن الإنذار للسامعين من الكفار والفاسقين. وقد يكون بعض هذه الأقوال تطبيقية بعد وقوع المصائب. ويكون في ذلك مصداق لوعيد الله وإنذاره.
وعلى كل حال فالمتبادر أن الآيتين قد استهدفتا تكرار إنذار المشركين وزعمائهم من جهة وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة أخرى.
في الآيتين : تذكير بموسى وبني إسرائيل، فقد نزل الله على موسى الكتاب.
وجعله هدى لبني إسرائيل. وقد جعل من بني إسرائيل أئمة يهدون الناس إلى طريق الحق بأمر الله وتوفيقه بسبب ما بدا من هؤلاء الأئمة من الصبر والإيقان بآيات الله.
والمتبادر أن الآيتين جاءتا لتطمين النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتثبيتهم في الظرف الذي أخذ موقفهم فيه يتحرّج وأزمتهم تشتد من الكفار. فكما فعل لموسى وبني إسرائيل ؛ لأنهم أيقنوا وصبروا فسيفعل لهم ؛ لأنهم أيقنوا وصبروا أيضا. وبهذا التوجيه الذي نرجو أن يكون صوابا تتصل الآيتان بسابقاتهما اتصالا وثيقا بالرغم مما يبدو لأول وهلة من انقطاعهما.
ولقد تعددت الأقوال في تأويل جملة ﴿ فلا تكن في مرية من لقائه ﴾ وبخاصة في ضمير ﴿ لقائه ﴾ فمن المفسرين ١ من قال : إن الجملة لرفع الشك في لقاء الله لموسى أو لرفع الشك في لقاء النبي صلى الله عليه وسلم لموسى ليلة الإسراء، وأوردوا في صدد ذلك بعض أحاديث غير واردة في كتب الصحاح جاء في بعضها عزوا إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أريت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة. ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس. ورأيت مالكا خازن النار والدجال ). وفي بعضها عن أنس قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري بي إلى السماء : رأيت موسى يصلي في قبره ). ومنهم من قال عزوا إلى السدي أن الجملة بمعنى ( فلا تكن في شك من تلقي موسى كتاب الله بالرضا والقبول ) ومنهم من قال : إنها بمعنى ( فلا تكن في شك من تلقي القرآن مثل تلقي موسى الكتاب ) وأورد الزمخشري الذي قال القول الأخير آية يونس هذه :﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ﴾ [ ٩٤ ] ليؤيد قوله. والأرجح فيما يتبادر لنا أن الضمير في ﴿ لقائه ﴾ يعود إلى الكتاب ؛ لأنه الأقرب ويكون التأويل الأخير هو الأكثر وجاهة والأكثر انسجاما مع روح الآيتين ويكون معنى ﴿ لقائه ﴾ هو تلقيه والله أعلم.
في الآيتين : تذكير بموسى وبني إسرائيل، فقد نزل الله على موسى الكتاب.
وجعله هدى لبني إسرائيل. وقد جعل من بني إسرائيل أئمة يهدون الناس إلى طريق الحق بأمر الله وتوفيقه بسبب ما بدا من هؤلاء الأئمة من الصبر والإيقان بآيات الله.
والمتبادر أن الآيتين جاءتا لتطمين النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتثبيتهم في الظرف الذي أخذ موقفهم فيه يتحرّج وأزمتهم تشتد من الكفار. فكما فعل لموسى وبني إسرائيل ؛ لأنهم أيقنوا وصبروا فسيفعل لهم ؛ لأنهم أيقنوا وصبروا أيضا. وبهذا التوجيه الذي نرجو أن يكون صوابا تتصل الآيتان بسابقاتهما اتصالا وثيقا بالرغم مما يبدو لأول وهلة من انقطاعهما.
ولقد تعددت الأقوال في تأويل جملة ﴿ فلا تكن في مرية من لقائه ﴾ وبخاصة في ضمير ﴿ لقائه ﴾ فمن المفسرين ١ من قال : إن الجملة لرفع الشك في لقاء الله لموسى أو لرفع الشك في لقاء النبي صلى الله عليه وسلم لموسى ليلة الإسراء، وأوردوا في صدد ذلك بعض أحاديث غير واردة في كتب الصحاح جاء في بعضها عزوا إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أريت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة. ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس. ورأيت مالكا خازن النار والدجال ). وفي بعضها عن أنس قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري بي إلى السماء : رأيت موسى يصلي في قبره ). ومنهم من قال عزوا إلى السدي أن الجملة بمعنى ( فلا تكن في شك من تلقي موسى كتاب الله بالرضا والقبول ) ومنهم من قال : إنها بمعنى ( فلا تكن في شك من تلقي القرآن مثل تلقي موسى الكتاب ) وأورد الزمخشري الذي قال القول الأخير آية يونس هذه :﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ﴾ [ ٩٤ ] ليؤيد قوله. والأرجح فيما يتبادر لنا أن الضمير في ﴿ لقائه ﴾ يعود إلى الكتاب ؛ لأنه الأقرب ويكون التأويل الأخير هو الأكثر وجاهة والأكثر انسجاما مع روح الآيتين ويكون معنى ﴿ لقائه ﴾ هو تلقيه والله أعلم.
تعليق على الآية
{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما
صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون }
وضمير ﴿ لما صبروا ﴾ يحتمل أن يكون راجعا إلى بني إسرائيل كما يحتمل أن يكون إلى الأئمة، ورجوعه إلى الأئمة أوجه ؛ لأنهم الأقرب إلى الجملة أولا، ولأن الوصف لا يمكن أن يكون شاملا لجميع بني إسرائيل لا في زمن موسى ولا بعده ؛ لأن أسفار العهد القديم من لدن موسى ١ قد سجلت انحرافات كثيرة دينية وخلقية لفئات كثيرة من بني إسرائيل كانت أحيانا غالبيتهم الكبرى. وهو ما رددته آيات قرآنية عديدة مكية ومدنية. وقد مر منها أمثلة عديدة مثل آية الأنعام [ ١٤٦ ] وآيات الأعراف [ ١٤٨-١٥٣ و ١٦٠- ١٧٠ ] وكان ترديده في القرآن أقوى وأشد وأوسع ؛ لأنه ربط بين مواقفهم من الرسالة المحمدية والقرآن وبين مواقف آبائهم وانحرافاتهم الدينية والخلقية في زمن موسى وبعده كما جاءت في آيات سورة البقرة { ٤٠-١٤٩و ٢٤٦-٢٥٣ ] وسورة آل عمران [ ٥١-١٢٠ ] والنساء [ ٤٤-٥٢و ١٤٩-١٦١ ] والمائدة [ ١٢-١٣ و ٣١-٣٣و ٤١-٤٥و ٥٠-٧١ ].
وجملة ﴿ لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ﴾ صريحة الدلالة على سبب جعل الله تعالى منهم أئمة يهدون بأمره. والآيات التي ذكرنا أرقامها آنفا من مكية ومدنية ونصوص الأسفار الكثيرة جدا. ثم عدم إيمان من لم يؤمن منهم بالرسالة المحمدية التي ذكرت الآيات القرآنية أن صفات نبيها مكتوبة في التوراة، وأنهم كانوا يعرفون أنها الحق، وأن كتابها منزل من الله برغم إيمان بعضهم الذين استطاعوا التغلب على الأنانية والهوى كل ذلك قد أنهى وجود السبب المذكور كما هو المتبادر.
في الآيات :
١- تقرير تطميني للنبي والمؤمنين وإنذاري للكفار بأن الله سيفصل بين الناس يوم القيامة في ما اختاروه من الطرق المختلفة ؛ حيث يحق الحق ويؤيد أهله ويزهق الباطل ويخذل أصحابه.
٢- وتساؤل إنكاري يتضمن التنديد بالكفار عما إذا لم يكن قد بان لهم وهداهم ووعظهم ما أهلكه الله قبلهم من القرون والأجيال الكثيرة الذين يعيشون ويمشون في مساكنهم، ففي ذلك موعظة كافية لمن يسمع ويعي فهل فقدوا السمع فلا يسمعون.
٣- وتساؤل استنكاري آخر يتضمن التنديد بالكفار أيضا عما إذا لم يروا بأعينهم أن الله تعالى يرسل الماء إلى الأرض الجافة اليابسة فيخرج به زرعا يأكلونه هم وأنعامهم. وفي هذا من الدلالة على قدرة الله ما فيه الكفاية. فهل فقدوا الإبصار فلا يبصرون.
٤- وحكاية لما يتكرر صدوره منهم من التساؤل الاستخفافي عن موعد تحقيق ما يوعدون به من البعث والحساب إن كان صدقا. وأمر للنبي بإجابتهم تتضمن الإنذار والتوكيد معا بأن ذلك آت في اليوم الذي هو في علم الله وأن إيمان الكافرين في ذلك اليوم وندمهم لن يجدياهم ولن يكون لهم إمهال وفرصة أخرى.
٥- وأمر آخر للنبي بأن يذرهم وما هم فيه من ضلال ويعرض عنهم ولا يبالي بموقفهم منتظرا حكم الله وأمره. فهم أيضا منتظرون ذلك مصرّون على غيّهم وعنادهم.
٦- والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا. وقد جاءت ختاما للسورة. وأسلوب الختام مماثل لأسلوب ختام سور عديدة.
وقد يمكن أن تكون الآية الأولى تعني بني إسرائيل كما يمكن أن تعني الكفار أو تعني الناس عامة. وقد رجحنا أنها تعني الكفار ؛ لأن الضمير فيها مماثل للضمائر التي في الآيات التالية لها والتي يظهر أنها تعني الكفار بجلاء. وهو ما جعلنا نعرضها مع هذه الآيات. وفي حال صحة احتمال صلتها بالآية التي سبقتها فيكون فيها تقرير لواقع اختلافات بني إسرائيل فيما بينهم مما قررته آيات عديدة مكية ومدنية مرت أمثلة منها.
والآية الثانية تنطوي على توكيد جديد بكون سامعي القرآن يعرفون البلاد التي أهلكها الله من قبلهم بسبب كفرهم معرفة مشاهدة ويعرفون أخبارها السابقة. وهو ما أكدته آيات عديدة مر بعضها، ومن ذلك ما ورد فيه هذا بصراحة حاسمة مثل آيات سورة الصافات هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين ١٣٣ إذ نجيناه وأهله أجمعين ١٣٤ إلا عجوزا في الغابرين ١٣٥ ثم دمرنا الآخرين ١٣٦ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ١٣٧ وبالليل أفلا تعقلون ١٣٨ ﴾ وآية سورة العنكبوت هذه :﴿ وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ٣٨ ﴾.
وكلمة ﴿ الفتح ﴾ جاءت في القرآن بمعنى الحكم والقضاء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه :﴿ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ﴾ [ ٨٩ ] وآية سورة سبأ هذه ﴿ قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم٢٦ ﴾ وجاءت بمعنى النصر والانتصار على العدو كما جاءت في سورة الفتح ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ١ ﴾ وآية سورة النساء هذه ﴿ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ﴾ [ ١٤١ ].
في الآيات :
١- تقرير تطميني للنبي والمؤمنين وإنذاري للكفار بأن الله سيفصل بين الناس يوم القيامة في ما اختاروه من الطرق المختلفة ؛ حيث يحق الحق ويؤيد أهله ويزهق الباطل ويخذل أصحابه.
٢- وتساؤل إنكاري يتضمن التنديد بالكفار عما إذا لم يكن قد بان لهم وهداهم ووعظهم ما أهلكه الله قبلهم من القرون والأجيال الكثيرة الذين يعيشون ويمشون في مساكنهم، ففي ذلك موعظة كافية لمن يسمع ويعي فهل فقدوا السمع فلا يسمعون.
٣- وتساؤل استنكاري آخر يتضمن التنديد بالكفار أيضا عما إذا لم يروا بأعينهم أن الله تعالى يرسل الماء إلى الأرض الجافة اليابسة فيخرج به زرعا يأكلونه هم وأنعامهم. وفي هذا من الدلالة على قدرة الله ما فيه الكفاية. فهل فقدوا الإبصار فلا يبصرون.
٤- وحكاية لما يتكرر صدوره منهم من التساؤل الاستخفافي عن موعد تحقيق ما يوعدون به من البعث والحساب إن كان صدقا. وأمر للنبي بإجابتهم تتضمن الإنذار والتوكيد معا بأن ذلك آت في اليوم الذي هو في علم الله وأن إيمان الكافرين في ذلك اليوم وندمهم لن يجدياهم ولن يكون لهم إمهال وفرصة أخرى.
٥- وأمر آخر للنبي بأن يذرهم وما هم فيه من ضلال ويعرض عنهم ولا يبالي بموقفهم منتظرا حكم الله وأمره. فهم أيضا منتظرون ذلك مصرّون على غيّهم وعنادهم.
٦- والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا. وقد جاءت ختاما للسورة. وأسلوب الختام مماثل لأسلوب ختام سور عديدة.
وقد يمكن أن تكون الآية الأولى تعني بني إسرائيل كما يمكن أن تعني الكفار أو تعني الناس عامة. وقد رجحنا أنها تعني الكفار ؛ لأن الضمير فيها مماثل للضمائر التي في الآيات التالية لها والتي يظهر أنها تعني الكفار بجلاء. وهو ما جعلنا نعرضها مع هذه الآيات. وفي حال صحة احتمال صلتها بالآية التي سبقتها فيكون فيها تقرير لواقع اختلافات بني إسرائيل فيما بينهم مما قررته آيات عديدة مكية ومدنية مرت أمثلة منها.
والآية الثانية تنطوي على توكيد جديد بكون سامعي القرآن يعرفون البلاد التي أهلكها الله من قبلهم بسبب كفرهم معرفة مشاهدة ويعرفون أخبارها السابقة. وهو ما أكدته آيات عديدة مر بعضها، ومن ذلك ما ورد فيه هذا بصراحة حاسمة مثل آيات سورة الصافات هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين ١٣٣ إذ نجيناه وأهله أجمعين ١٣٤ إلا عجوزا في الغابرين ١٣٥ ثم دمرنا الآخرين ١٣٦ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ١٣٧ وبالليل أفلا تعقلون ١٣٨ ﴾ وآية سورة العنكبوت هذه :﴿ وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ٣٨ ﴾.
وكلمة ﴿ الفتح ﴾ جاءت في القرآن بمعنى الحكم والقضاء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه :﴿ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ﴾ [ ٨٩ ] وآية سورة سبأ هذه ﴿ قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم٢٦ ﴾ وجاءت بمعنى النصر والانتصار على العدو كما جاءت في سورة الفتح ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ١ ﴾ وآية سورة النساء هذه ﴿ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ﴾ [ ١٤١ ].
في الآيات :
١- تقرير تطميني للنبي والمؤمنين وإنذاري للكفار بأن الله سيفصل بين الناس يوم القيامة في ما اختاروه من الطرق المختلفة ؛ حيث يحق الحق ويؤيد أهله ويزهق الباطل ويخذل أصحابه.
٢- وتساؤل إنكاري يتضمن التنديد بالكفار عما إذا لم يكن قد بان لهم وهداهم ووعظهم ما أهلكه الله قبلهم من القرون والأجيال الكثيرة الذين يعيشون ويمشون في مساكنهم، ففي ذلك موعظة كافية لمن يسمع ويعي فهل فقدوا السمع فلا يسمعون.
٣- وتساؤل استنكاري آخر يتضمن التنديد بالكفار أيضا عما إذا لم يروا بأعينهم أن الله تعالى يرسل الماء إلى الأرض الجافة اليابسة فيخرج به زرعا يأكلونه هم وأنعامهم. وفي هذا من الدلالة على قدرة الله ما فيه الكفاية. فهل فقدوا الإبصار فلا يبصرون.
٤- وحكاية لما يتكرر صدوره منهم من التساؤل الاستخفافي عن موعد تحقيق ما يوعدون به من البعث والحساب إن كان صدقا. وأمر للنبي بإجابتهم تتضمن الإنذار والتوكيد معا بأن ذلك آت في اليوم الذي هو في علم الله وأن إيمان الكافرين في ذلك اليوم وندمهم لن يجدياهم ولن يكون لهم إمهال وفرصة أخرى.
٥- وأمر آخر للنبي بأن يذرهم وما هم فيه من ضلال ويعرض عنهم ولا يبالي بموقفهم منتظرا حكم الله وأمره. فهم أيضا منتظرون ذلك مصرّون على غيّهم وعنادهم.
٦- والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا. وقد جاءت ختاما للسورة. وأسلوب الختام مماثل لأسلوب ختام سور عديدة.
وقد يمكن أن تكون الآية الأولى تعني بني إسرائيل كما يمكن أن تعني الكفار أو تعني الناس عامة. وقد رجحنا أنها تعني الكفار ؛ لأن الضمير فيها مماثل للضمائر التي في الآيات التالية لها والتي يظهر أنها تعني الكفار بجلاء. وهو ما جعلنا نعرضها مع هذه الآيات. وفي حال صحة احتمال صلتها بالآية التي سبقتها فيكون فيها تقرير لواقع اختلافات بني إسرائيل فيما بينهم مما قررته آيات عديدة مكية ومدنية مرت أمثلة منها.
والآية الثانية تنطوي على توكيد جديد بكون سامعي القرآن يعرفون البلاد التي أهلكها الله من قبلهم بسبب كفرهم معرفة مشاهدة ويعرفون أخبارها السابقة. وهو ما أكدته آيات عديدة مر بعضها، ومن ذلك ما ورد فيه هذا بصراحة حاسمة مثل آيات سورة الصافات هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين ١٣٣ إذ نجيناه وأهله أجمعين ١٣٤ إلا عجوزا في الغابرين ١٣٥ ثم دمرنا الآخرين ١٣٦ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ١٣٧ وبالليل أفلا تعقلون ١٣٨ ﴾ وآية سورة العنكبوت هذه :﴿ وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ٣٨ ﴾.
وكلمة ﴿ الفتح ﴾ جاءت في القرآن بمعنى الحكم والقضاء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه :﴿ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ﴾ [ ٨٩ ] وآية سورة سبأ هذه ﴿ قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم٢٦ ﴾ وجاءت بمعنى النصر والانتصار على العدو كما جاءت في سورة الفتح ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ١ ﴾ وآية سورة النساء هذه ﴿ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ﴾ [ ١٤١ ].
في الآيات :
١- تقرير تطميني للنبي والمؤمنين وإنذاري للكفار بأن الله سيفصل بين الناس يوم القيامة في ما اختاروه من الطرق المختلفة ؛ حيث يحق الحق ويؤيد أهله ويزهق الباطل ويخذل أصحابه.
٢- وتساؤل إنكاري يتضمن التنديد بالكفار عما إذا لم يكن قد بان لهم وهداهم ووعظهم ما أهلكه الله قبلهم من القرون والأجيال الكثيرة الذين يعيشون ويمشون في مساكنهم، ففي ذلك موعظة كافية لمن يسمع ويعي فهل فقدوا السمع فلا يسمعون.
٣- وتساؤل استنكاري آخر يتضمن التنديد بالكفار أيضا عما إذا لم يروا بأعينهم أن الله تعالى يرسل الماء إلى الأرض الجافة اليابسة فيخرج به زرعا يأكلونه هم وأنعامهم. وفي هذا من الدلالة على قدرة الله ما فيه الكفاية. فهل فقدوا الإبصار فلا يبصرون.
٤- وحكاية لما يتكرر صدوره منهم من التساؤل الاستخفافي عن موعد تحقيق ما يوعدون به من البعث والحساب إن كان صدقا. وأمر للنبي بإجابتهم تتضمن الإنذار والتوكيد معا بأن ذلك آت في اليوم الذي هو في علم الله وأن إيمان الكافرين في ذلك اليوم وندمهم لن يجدياهم ولن يكون لهم إمهال وفرصة أخرى.
٥- وأمر آخر للنبي بأن يذرهم وما هم فيه من ضلال ويعرض عنهم ولا يبالي بموقفهم منتظرا حكم الله وأمره. فهم أيضا منتظرون ذلك مصرّون على غيّهم وعنادهم.
٦- والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا. وقد جاءت ختاما للسورة. وأسلوب الختام مماثل لأسلوب ختام سور عديدة.
وقد يمكن أن تكون الآية الأولى تعني بني إسرائيل كما يمكن أن تعني الكفار أو تعني الناس عامة. وقد رجحنا أنها تعني الكفار ؛ لأن الضمير فيها مماثل للضمائر التي في الآيات التالية لها والتي يظهر أنها تعني الكفار بجلاء. وهو ما جعلنا نعرضها مع هذه الآيات. وفي حال صحة احتمال صلتها بالآية التي سبقتها فيكون فيها تقرير لواقع اختلافات بني إسرائيل فيما بينهم مما قررته آيات عديدة مكية ومدنية مرت أمثلة منها.
والآية الثانية تنطوي على توكيد جديد بكون سامعي القرآن يعرفون البلاد التي أهلكها الله من قبلهم بسبب كفرهم معرفة مشاهدة ويعرفون أخبارها السابقة. وهو ما أكدته آيات عديدة مر بعضها، ومن ذلك ما ورد فيه هذا بصراحة حاسمة مثل آيات سورة الصافات هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين ١٣٣ إذ نجيناه وأهله أجمعين ١٣٤ إلا عجوزا في الغابرين ١٣٥ ثم دمرنا الآخرين ١٣٦ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ١٣٧ وبالليل أفلا تعقلون ١٣٨ ﴾ وآية سورة العنكبوت هذه :﴿ وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ٣٨ ﴾.
وكلمة ﴿ الفتح ﴾ جاءت في القرآن بمعنى الحكم والقضاء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه :﴿ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ﴾ [ ٨٩ ] وآية سورة سبأ هذه ﴿ قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم٢٦ ﴾ وجاءت بمعنى النصر والانتصار على العدو كما جاءت في سورة الفتح ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ١ ﴾ وآية سورة النساء هذه ﴿ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ﴾ [ ١٤١ ].
ولقد تعددت روايات المفسرين في ما تعنيه الفتح هنا ؛ حيث حكت الآية الرابعة تساؤل الكفار عنه بأسلوب السخرية والاستخفاف وحيث أنذرهم القرآن بالذل والخزي والعذاب فيه. منها أنه فتح مكة أو نصر بدر. ومنها أنه يوم القيامة. والقول الأخير هو الأوجه على ما تلهم الآية الخامسة التي ردت عليهم وأنذرتهم بأن إيمانهم يوم الفتح لن يجديهم ولن يكون لهم فيه مهلة أو فرصة أخرى. وهذا إنما يصدق على يوم القيامة كما هو المتبادر. ولقد جارتهم الآية فنعتت هذا اليوم بيوم الفتح ردا على تحديهم واستخفافهم. وهو حقا يوم فتح ونصر على من يبقى كافرا ويموت كافرا.
وأمر النبي بالإعراض عنهم لا يغني أن ينقطع عن إنذارهم، وإنما هو أسلوبي بقصد تثبيت النبي وتسليته ودعوته إلى عدم الاغتمام لموقفهم. وقد تكرر في مناسبات مماثلة كثيرة مرت أمثلة عديدة منها. ولقد كرر المفسرون القول والروايات في سياق الآية الأخيرة بأنها نسخت بآية السيف. ونكرر ما قلناه في المناسبات السابقة المماثلة بأن ذلك وجيه بالنسبة لمن يبقى على كفره وعدائه.
في الآيات :
١- تقرير تطميني للنبي والمؤمنين وإنذاري للكفار بأن الله سيفصل بين الناس يوم القيامة في ما اختاروه من الطرق المختلفة ؛ حيث يحق الحق ويؤيد أهله ويزهق الباطل ويخذل أصحابه.
٢- وتساؤل إنكاري يتضمن التنديد بالكفار عما إذا لم يكن قد بان لهم وهداهم ووعظهم ما أهلكه الله قبلهم من القرون والأجيال الكثيرة الذين يعيشون ويمشون في مساكنهم، ففي ذلك موعظة كافية لمن يسمع ويعي فهل فقدوا السمع فلا يسمعون.
٣- وتساؤل استنكاري آخر يتضمن التنديد بالكفار أيضا عما إذا لم يروا بأعينهم أن الله تعالى يرسل الماء إلى الأرض الجافة اليابسة فيخرج به زرعا يأكلونه هم وأنعامهم. وفي هذا من الدلالة على قدرة الله ما فيه الكفاية. فهل فقدوا الإبصار فلا يبصرون.
٤- وحكاية لما يتكرر صدوره منهم من التساؤل الاستخفافي عن موعد تحقيق ما يوعدون به من البعث والحساب إن كان صدقا. وأمر للنبي بإجابتهم تتضمن الإنذار والتوكيد معا بأن ذلك آت في اليوم الذي هو في علم الله وأن إيمان الكافرين في ذلك اليوم وندمهم لن يجدياهم ولن يكون لهم إمهال وفرصة أخرى.
٥- وأمر آخر للنبي بأن يذرهم وما هم فيه من ضلال ويعرض عنهم ولا يبالي بموقفهم منتظرا حكم الله وأمره. فهم أيضا منتظرون ذلك مصرّون على غيّهم وعنادهم.
٦- والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا. وقد جاءت ختاما للسورة. وأسلوب الختام مماثل لأسلوب ختام سور عديدة.
وقد يمكن أن تكون الآية الأولى تعني بني إسرائيل كما يمكن أن تعني الكفار أو تعني الناس عامة. وقد رجحنا أنها تعني الكفار ؛ لأن الضمير فيها مماثل للضمائر التي في الآيات التالية لها والتي يظهر أنها تعني الكفار بجلاء. وهو ما جعلنا نعرضها مع هذه الآيات. وفي حال صحة احتمال صلتها بالآية التي سبقتها فيكون فيها تقرير لواقع اختلافات بني إسرائيل فيما بينهم مما قررته آيات عديدة مكية ومدنية مرت أمثلة منها.
والآية الثانية تنطوي على توكيد جديد بكون سامعي القرآن يعرفون البلاد التي أهلكها الله من قبلهم بسبب كفرهم معرفة مشاهدة ويعرفون أخبارها السابقة. وهو ما أكدته آيات عديدة مر بعضها، ومن ذلك ما ورد فيه هذا بصراحة حاسمة مثل آيات سورة الصافات هذه :﴿ وإن لوطا لمن المرسلين ١٣٣ إذ نجيناه وأهله أجمعين ١٣٤ إلا عجوزا في الغابرين ١٣٥ ثم دمرنا الآخرين ١٣٦ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ١٣٧ وبالليل أفلا تعقلون ١٣٨ ﴾ وآية سورة العنكبوت هذه :﴿ وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ٣٨ ﴾.
وكلمة ﴿ الفتح ﴾ جاءت في القرآن بمعنى الحكم والقضاء كما جاء في آية سورة الأعراف هذه :﴿ ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ﴾ [ ٨٩ ] وآية سورة سبأ هذه ﴿ قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم٢٦ ﴾ وجاءت بمعنى النصر والانتصار على العدو كما جاءت في سورة الفتح ﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ١ ﴾ وآية سورة النساء هذه ﴿ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ﴾ [ ١٤١ ].