تفسير سورة التين

روح البيان
تفسير سورة سورة التين من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

وهذا السوق يشير الى السورة مدنية وفى بعض الروايات سألت ربى مسائل وددت انى لم سألها إياه قط فقلت اتخذت إلخ وهو الظاهر وهذا يقتضى ان يكون مسألته عليه السلام من عند نفسه من غيران يقول الله له سل تعط والله تعالى اعلم وفى الحديث من قرأها اى سورة ألم نشرح فكأنما جاءنى وانا مغتم ففرج عنى تمت سورة الانشراح بعون الفتاح
تفسير سورة التين
ثمانى آيات مكية بسم الله الرحمن الرحيم
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ هما هذا التين الذي يؤكل وهذا الزيتون الذي يعصر منه الزيت خصهما الله من بين الثمار بالاقسام بهما لاختصاصهما بخواص جليلة فان التين فاكهة طيبة لا فضل له وغذآء لطيف سريع الهضم ودوآء كثير النفع يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل ما فى المثانة من الرمل ويسمن البدن ويفتح سدد الكبد والطحال وروى أبو ذر رضى الله عنه أنه اهدى للنبى عليه السلام سل من تين فاكل منه وقال لاصحابه كلوا فلو قلت ان فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذا الآن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فانها تقطع البواسير وتنفع من النقرس وعن على بن موسى الرضى رضى الله عنه التين يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج قال الامام لما عصى آدم عليه السلام وفارقته ثيابه تستر بورق التين ولما نزل وكان مترزا بورق التين استوحش فطافت الظباء حوله فاستأنس بها فاطعمها بعض ورق التين فرزقها الله الجمال صورة والملاحة معنى وغير دمها مسكا فلما تفرقت الظباء الى مساكنها رأى غيرها عليها من الجمال ما أعجبه فلما كان الغد جاءت ظباء آخر على اثر الاول فاطعمها من الورق فغير الله حالها الى الجمال دون المسك وذلك لأن الاولى جاءت الى آدم لاجله لا لأجل الطمع والطائفة الاخرى جاءت اليه ظاهرا وللطمع باطنا فلا جرم غير الظاهر دون الباطن وفى اسئلة الحكم فان قلت ما الحكمة فى أن سائر الأشجار يخرج ثمرها فى كمامها اولا ثم تظهر الثمرة من الكمام ثانيا وشجرة التين أول ما يبدو ثمرها يبدو بارزا من غير كمام قلت لأن آدم لم يستره إلا شجرة التين فقال الله بعد ما سترت آدم اخرج منك المعنى قبل الدعوى وسائر الأشجار يخرج منها الدعوى قبل المعنى قال فى خريدة العجائب إذا نثرر ما دخشب التين فى البساتين هلك منه الدود ودخان التين يهرب منه البق والبعوض. واما الزيتون فهو فاكهة وادام ودوآء ولو لم يكن له سوى اختصاصه بدهن كثير المنافع مع حصوله فى بقاع لادهنية فيها كالجبال لكفى به فضلا وشجرته هى الشجرة المباركة المشهورة فى التنزيل ومر معاذ بن جبل رضى الله عنه بشجرة الزيتون فأخذ منها قضيبا واستاك به وقال سمعت النبي عليه السلام يقول نعم سواك الزيتون هو سواكى وسواك الأنبياء من قبلى وشجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة ومن خواصها أنها تصبر عن الماء طويلا كالنخل وإذا لقط ثمرتها جنب فسدت والقت حملها وانتثر ورقها وينبغى ان تغرس
الشياطين ودخول شر الوسواس الخناس فيها والى الأعمال القالبية الحاصلة بالحواس والأعضاء فالقالب أخذ الشرف من القلب وهو من الروح وهو من السر فلذا كان الكل جديرا بالاقسام به لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى جنس الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ يقال قام انتصب وقام الأمر اعتدل كاستقام وقومته عدلته كما فى القاموس والتقويم تصيير الشيء على ما ينبغى ان يكون عليه فى التأليف والتعديل وعن يحيى بن أكثم القاضي أنه فسر التقويم بحسن الصورة فانه حكى أن ملك زمانه خلا بزوجته فى ليلة مقمرة فقال لها ان لم تكونى احسن من القمر فانت كذا فافتى الكل بالحنث الا يحيى بن أكثم قال لا يحنث فقالوا خالفت شيوخك فقال الفتوى بالعلم ولقد افتى من هو اعلم منا وهو الله تعالى قال لقد خلقنا الإنسان فى احسن تقويم فالانسان احسن الأشياء ولا شىء احسن منه وفى المفردات هو اشارة الى ما خص به الإنسان من بين الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدال على استيلائه على كل ما فى هذا العالم والمعنى كائنا فى احسن ما يكون من التقويم والتعديل صورة ومعنى حيث يراه تعالى مستوى القامة متناسب الأعضاء حسن الشكل كما قال وصوركم فاحسن صوركم اى صوركم احسن تصوير وكذا خلقه متصفا بالصفات الالهية من الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام التي هى الصورة الحقيقية الالهية المشار إليها بحوله عليه السلام خلق الله آدم على صورته وعليه يدور معنى قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فالانسان مظهر الجلال والجمال والكمال ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ اى جعلناه من اهل النار الذي هو أقبح من كل قبيح وأسفل من كل سافل لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان فى أعلى عليين والحاصل انه حول بسوء حاله من احسن تقويم الى أقبح تقويم صورة ومعنى لأن مسخ الظاهر انما هو من مسخ الباطن فالمراد بالسافلين عصاة المؤمنين وافعل التفضيل هنا يتناول المتعدد المتفاوت وأسفل سافلين اما حال من المفعول اى رددناه حال كونه أسفل سافلين او صفة لمكان محذوف اى رددناه الى مكان هو أسفل امكنة السافلين والاول اظهر ثم هذا بحسب بعض الافراد الانسانية لانغماسهم فى بحر الشهوات الحيوانية البهيمية وانهما كهم فى ظلمات اللذات الجسمانية الشيطانية والسبعية وفيه اشارة الى أن الاعتبار انما هو بالصورة الباطنة لا بالصورة الظاهرة ولذا قال الشيخ سعدى
ره راست بايدنه بالاى راست كه كافر هم از روى صورت چوماست
فكم من مصور على احسن الصور فى الظاهر وهو فى الباطن على أقبح الهيئات ولذا يجيئ الناس يوم القيامة أفواجا فان صفاتهم الباطنة تظهر على صورهم الظاهرة فتتنوع صورهم بحسب صفاتهم على انواع وقيل رددناه الى أرذل العمر وهو الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة كقوله تعالى ومن نعمره ننكسه فى الخلق اى نكسناه فى خلقه فتقوس ظهره بعد اعتداله وابيض شعره بعد سواده وكل سمعه وبصره وتغير كل شىء منه
Icon