ﰡ
هى مكية، وآياتها خمس، نزلت بعد سورة الكافرين.
ومناسبتها لما قبلها- أنه بين فى السورة السابقة أن المال لا يغنى من الله شيئا وهنا أقام الدليل على ذلك بقصص أصحاب الفيل.
[سورة الفيل (١٠٥) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤)فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)
شرح المفردات
الكيد: إرادة وقوع ضر بغيرك على وجه الخفاء، والتضليل: التضييع والإبطال تقول ضلّلت كيد فلان إذا جعلته باطلا ضائعا، والطير: كل ما صار فى الهواء، صغيرا كان أو كبيرا، والأبابيل: الجماعات، لا واحد له من لفظه، والسجيل: الطين الذي تحجر، والعصف: ورق الزرع الذي يبقى بعد الحصاد، وتعصفه الرياح: فتأكله الماشية، مأكول: أي أكلت الدواب بعضه وتناثر بعضه الآخر من بين أسنانها.
المعنى الجملي
ذكّر الله سبحانه نبيه ومن تبلغه رسالته بعمل عظيم دالّ على بالغ قدرته، وأن كل قدرة دونها فهى خاضعة لسلطانها- ذاك أن قوما أرادوا أن يتعززوا بفيلهم
قصص أصحاب الفيل كما رواه أرباب السير
حادث الفيل معروف متواتر لدى العرب، حتى إنهم جعلوه مبدأ تاريخ يحددون به أوقات الحوادث، فيقولون: ولد عام الفيل، وحدث كذا لسنتين بعد عام الفيل، ونحو ذلك.
وخلاصة ما أجمع عليه رواتهم- أن قائدا حبشيا ممن كانوا قد غلبوا على اليمن أراد أن يعتدى على الكعبة المشرّفة ويهدمها، ليمنع العرب من الحج إليها، فتوجه بجيش جرار إلى مكة، واستصحب معه فيلا أو فيلة كثيرة زيادة فى الإرهاب والتخويف ولم يزل سائرا يغلب من يلاقيه، حتى وصل إلى «المغمّس» وهو موضع بالقرب من مكة، ثم أرسل إلى أهل مكة يخبرهم أنه لم يأت لحربهم، وإنما جاء لهدم البيت، ففزعوا منه، وانطلقوا إلى شعف الجبال ينظرون ما هو فاعل.
وفى اليوم الثاني فشا فى جند الحبشي داء الجدرىّ والحصبة، قال عكرمة:
وهو أول جدرىّ ظهر ببلاد العرب، ففعل ذلك الوباء بأجسامهم ما يندر وقوع مثله، فكان لحمهم يتناثر ويتساقط، فذعر الجيش وصاحبه وولّوا هاربين، وأصيب الحبشي ولم يزل لحمه يسقط قطعة قطعة، وأنملة أنملة، حتى انصدع صدره ومات فى صنعاء.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ؟) أي ألم تعلم الحال العجيبة والكيفية الهائلة الدالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته، فيما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا هدم البيت الحرام، فتلك حال قد جاءت على غير ما يعرف من
وإنما عبر عن العلم بالرؤية، للإيماء إلى أن الخبر بهذا القصص متواتر مستفيض، فالعلم به مساو فى قوة الثبوت مع الوضوح- للعلم الناشئ عن الرؤية والمشاهدة.
وخلاصة ذلك- إنك قد علمت ذلك علما واضحا لا لبس فيه ولا خفاء.
ثم بين الحال التي وقع عليها فعله فقال:
(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ؟) أي إنك لترى ما كان عليه فعل الله بأولئك القوم، فقد ضيع تدبيرهم، وخيّب سعيهم.
ثم فصل تدبيره فى إبطال كيد أولئك القوم فقال:
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) أي إنه تعالى أرسل عليهم فرقا من الطير تحمل حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش، فابتلوا بمرض الجدري أو الحصبة حتى هلكوا.
وقد يكون هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، أو تكون هذه الحجارة من الطين اليابس المسموم الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذا الطير، فإذا اتصل بجسم دخل فى مسامّه، فأثار فيه قروحا تنتهى بإفساد الجسم وتساقط لحمه.
ولا شك أن الذباب يحمل كثيرا من جراثيم الأمراض، فوقوع ذبابة واحدة ملوّثة بالمكروب على الإنسان كافية فى إصابته بالمرض الذي يحمله، ثم هو ينقل هذا المرض إلى الجمّ الغفير من الناس، فإذا أراد الله أن يهلك جيشا كثير العدد ببعوضة واحدة لم يكن ذلك بعيدا عن مجرى الإلف والعادة، وهذا أقوى فى الدلالة على قدرة الله وعظيم سلطانه، من أن يكون هلاكهم بكبار الطيور، وغرائب الأمور، وأدل على ضعف الإنسان وذله أمام القهر الإلهى، وكيف لا وهو مخلوق تبيده ذبابة، وتقضّ مضجعه بعوضة، ويؤذيه هبوب الريح.
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) أي فجعل هؤلاء القوم كعصف وقع فيه الاكال وهو السوس، أو أكلت الدواب بعضه، وتناثر بعضه الآخر من بين أسنانها.
وصلّ ربنا على محمد الذي قصصت عليه ما فيه العبرة لمن ادّكر، وأوحيت إليه ما فيه مزدجر، لمن تدبر واعتبر، إنك أنت العليم الحكيم.
سورة قريش
هى مكية، وآياتها أربع، نزلت بعد سورة التين.
ومناسبتها لما قبلها- أن كلا منهما تضمن ذكر نعمة من نعم الله على أهل مكة فالأولى تضمنت إهلاك عدوهم الذي جاء ليهدم بيتهم وهو أساس مجدهم وعزهم والثانية ذكرت نعمة أخرى هى اجتماع أمرهم، والتئام شملهم، ليتمكنوا من الارتحال صيفا وشتاء فى تجارتهم، وجلب الميرة لهم.
ولوثيق الصلة بين السورتين كان أبىّ بن كعب يعتبرهما سورة واحدة، حتى روى عنه أنه لم يفصل بينهما ببسملة.