تفسير سورة سورة الماعون من كتاب روح المعاني
المعروف بـتفسير الألوسي
.
لمؤلفه
الألوسي
.
المتوفي سنة 1342 هـ
سورة الماعون
وتسمى سورة أرأيت والدين والتكذيب وهي مكية في قول الجمهور وأخرجه ابن مردويه عن ابي عباس وابن والزبير كما في الدر المنثور وفي البحر انها مدنية في قول ابن عباس وقتادة وحكى ذلك أيضا عن الضحاك وقال هبة الله المفسر الضرير نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل ونصفها في المدينة في عبد الله أبن أبي المنافق ٠ وآيها سبع في العراقى وست في الباقية
وتسمى سورة أرأيت والدين والتكذيب وهي مكية في قول الجمهور وأخرجه ابن مردويه عن ابي عباس وابن والزبير كما في الدر المنثور وفي البحر انها مدنية في قول ابن عباس وقتادة وحكى ذلك أيضا عن الضحاك وقال هبة الله المفسر الضرير نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل ونصفها في المدينة في عبد الله أبن أبي المنافق ٠ وآيها سبع في العراقى وست في الباقية
ﰡ
سورة الماعون
وتسمى سورة أرأيت والدين والتكذيب. وهي مكية في قول الجمهور وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير كما في الدر المنثور. وفي البحر أنها مدنية في قول ابن عباس وقتادة وحكي ذلك أيضا عن الضحاك. وقال هبة الله المفسر الضرير: نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل، ونصفها في المدينة في عبد الله بن أبي المنافق. وآيها سبع في العراقي وست في الباقية. ولما ذكر سبحانه في سورة قريش أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ [قريش: ٤] ذم عز وجل هنا من لم يحض على طعام المسكين ولما قال تعالى هناك لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
[قريش: ٣] ذم سبحانه هنا من سها عن صلاته أو لما عدد نعمة تعالى على قريش وكانوا لا يؤمنون بالبعث والجزاء أتبع سبحانه امتنانه عليهم بتهديدهم بالجزاء وتخويفهم من عذابه فقال عز قائل:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ استفهام أريد به تشويق السامع إلى تعرف المكذب وأن ذلك مما يجب على المتدين ليحترز عنه وعن فعله، وفيه أيضا تعجيب منه والخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له، والرؤية بمعنى المعرفة المتعدية لواحد. وقال الحوفي: يجوز أن تكون بصرية، وعلى الوجهين يجوز أن يتجوز بذلك عن الإخبار فيكون المراد بأرأيت أخبرني وحينئذ تكون متعدية لاثنين أولهما الموصول وثانيهما محذوف تقديره من هو أو أليس مستحقا للعذاب. والقول بأنه لا تكون الرؤية المتجوز بها إلّا بصرية فيه نظر وكذا إطلاق القول بأن كاف الخطاب لا تلحق البصرية إذ لا مانع من ذلك بعد التجوز فلا يرجح كونها علمية قراءة عبد الله «أرأيتك» بكاف الخطاب المزيدة لتأكيد التاء. و (الدين) الجزاء وهو أحد معانيه ومنه كما تدين تدان. وفي معناه قول مجاهد الحساب أو الإسلام كما هو الأشهر ولعله مراد من فسره بالقرآن. وكذا من فسره كابن عباس بحكم الله عز وجل. وقرأ الكسائي: أريت بحذف الهمزة كأنه حمل الماضي في حذف همزته على مضارعه المطرد فيه حذفها وهذا كما ألحق تعد بيعد في الإعلال ولعل تصدير الفعل هنا بهمزة الاستفهام
وتسمى سورة أرأيت والدين والتكذيب. وهي مكية في قول الجمهور وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير كما في الدر المنثور. وفي البحر أنها مدنية في قول ابن عباس وقتادة وحكي ذلك أيضا عن الضحاك. وقال هبة الله المفسر الضرير: نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل، ونصفها في المدينة في عبد الله بن أبي المنافق. وآيها سبع في العراقي وست في الباقية. ولما ذكر سبحانه في سورة قريش أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ [قريش: ٤] ذم عز وجل هنا من لم يحض على طعام المسكين ولما قال تعالى هناك لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
[قريش: ٣] ذم سبحانه هنا من سها عن صلاته أو لما عدد نعمة تعالى على قريش وكانوا لا يؤمنون بالبعث والجزاء أتبع سبحانه امتنانه عليهم بتهديدهم بالجزاء وتخويفهم من عذابه فقال عز قائل:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ استفهام أريد به تشويق السامع إلى تعرف المكذب وأن ذلك مما يجب على المتدين ليحترز عنه وعن فعله، وفيه أيضا تعجيب منه والخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له، والرؤية بمعنى المعرفة المتعدية لواحد. وقال الحوفي: يجوز أن تكون بصرية، وعلى الوجهين يجوز أن يتجوز بذلك عن الإخبار فيكون المراد بأرأيت أخبرني وحينئذ تكون متعدية لاثنين أولهما الموصول وثانيهما محذوف تقديره من هو أو أليس مستحقا للعذاب. والقول بأنه لا تكون الرؤية المتجوز بها إلّا بصرية فيه نظر وكذا إطلاق القول بأن كاف الخطاب لا تلحق البصرية إذ لا مانع من ذلك بعد التجوز فلا يرجح كونها علمية قراءة عبد الله «أرأيتك» بكاف الخطاب المزيدة لتأكيد التاء. و (الدين) الجزاء وهو أحد معانيه ومنه كما تدين تدان. وفي معناه قول مجاهد الحساب أو الإسلام كما هو الأشهر ولعله مراد من فسره بالقرآن. وكذا من فسره كابن عباس بحكم الله عز وجل. وقرأ الكسائي: أريت بحذف الهمزة كأنه حمل الماضي في حذف همزته على مضارعه المطرد فيه حذفها وهذا كما ألحق تعد بيعد في الإعلال ولعل تصدير الفعل هنا بهمزة الاستفهام
474
سهل أمر الحذف فيه لمشابهته للفظ المضارع المبدوء بالهمزة ومن هنا كانت هذه القراءة أقوى توجيها مما في قوله:
وقيل: ألحق بعد همزة الاستفهام بأرى ماضي الأفعال لشدة مشابهته به وعدم التفاوت إلّا بفتحة هي لخفتها في حكم السكون وليس بذاك وإن زعم أنه الأوجه. والفاء في قوله تعالى فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ قيل للسببية وما بعدها مسبب عن التشويق الذي دل عليه الكلام السابق. وقيل واقعة في جواب شرط محذوف على أن ذلك مبتدأ والموصول خبره. والمعنى هل عرفت الذي يكذب بالجزاء أو بالإسلام إن لم تعرفه فذلك الذي يكذب بذلك هو الذي يدع اليتيم أي يدفعه دفعا عنيفا ويزجره زجرا قبيحا. ووضع اسم الإشارة موضع الضمير للدلالة على التحقير، وقيل للإشعار بعلة الحكم أيضا وفي الإتيان بالموصول من الدلالة على تحقق الصلة ما لا يخفى. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والحسن وأبو رجاء واليماني «يدع» بالتخفيف أي يترك اليتيم لا يحسن إليه ويجفوه وَلا يَحُضُّ أي ولا يبعث أحدا من أهله وغيرهم من الموسرين عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ أي بذل طعام المسكين وهو ما يتناول من الغذاء، والتعبير بالطعام دون الإطعام مع احتياجه لتقدير المضاف كما أشرنا إليه للإشعار بأن المسكين كأنه مالك لما يعطى له كما في قوله تعالى فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات: ١٩] فهو بيان لشدة الاستحقاق. وفيه إشارة للنهي عن الامتنان. وقيل الطعام هنا بمعنى الإطعام وكلام الراغب محتمل لذلك فلا يحتاج إلى تقدير لمضاف. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «لا يحاض» مضارع حاضت وهذه الجملة عطف على جملة الصلة داخلة معها في حيّز التعريف للمكذب، فيكون سبحانه وتعالى قد جعل علامته الإقدام على إيذاء الضعيف وعدم بذل المعروف على معنى أن ذلك من شأنه ولوازم جنسه. فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ أي غافلون غير مبالين بها حتى تفوتهم بالكلية أو يخرج وقتها أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم والسلف ولكن ينقرونها نقرا ولا يخشعون وينجدون فيها ويتهمون وفي كل واد من الأفكار الغير المناسبة لها. يهيمون فيسلم أحدهم منها ولا يدري ما قرأ فيها إلى غير ذلك مما يدل على قلة المبالاة بها. وللسلف أقوال كثيرة في المراد بهذا السهو ولعل كل ذلك من باب التمثيل، فعن أبي العالية هو الالتفات عن اليمين واليسار، وعن قتادة عدم مبالاة المرء أصلى أم لم يصل، وعن ابن عباس وجماعة تأخيرها عن وقتها وفيه حديث أخرجه غير واحد عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا وقال الحاكم والبيهقي وقفه أصح، وعن أبي العالية هو أن لا يدري المرء عن كم انصرف عن شفع أو عن وتر. وفسر بعضهم السهو عنها بتركها وقال: المراد بالمصلين المتسمون بسمة أهل الصلاة إن أريد بالترك الترك رأسا وعدم الفعل بالكلية أو المصلون في الجملة إن أريد بالترك الترك أحيانا الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ الناس فيعملون حيث يروا الناس ويرونهم طلبا للثناء علهم
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ أي الزكاة كما جاء عن علي كرم الله تعالى وجهه
وابنه محمد بن الحنفية وابن عباس وابن عمر وزيد بن أسلم والضحاك وعكرمة ومنه قول الراعي:
وعن محمد بن كعب والكلبي المعروف كله. وأخرج جماعة عن ابن مسعود تفسيره بما يتعاوره الناس
صاح هل ريت أو سمعت براع | رد في الضرع ما قرى في العلاب |
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ أي الزكاة كما جاء عن علي كرم الله تعالى وجهه
وابنه محمد بن الحنفية وابن عباس وابن عمر وزيد بن أسلم والضحاك وعكرمة ومنه قول الراعي:
أخليفة الرحمن إنّا معشر | حنفاء نسجد بكرة وأصيلا |
عرب نرى الله من أموالنا | حق الزكاة منزلا تنزيلا |
قوم على الإسلام لما يمنعوا | ما عونهم ويضيعوا التهليلا |
475
بينهم من القدر والدلو والفأس ونحوها من متاع البيت وجاء ذلك عن ابن عباس أيضا في خبر رواه عنه الضياء في المختارة والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم ورووا فيه عدة أحاديث مرفوعة، ومنع ذلك قد يكون محظورا في الشريعة كما إذا استعير عن اضطرار وقبيحا في المروءة كما إذا استعير في غير حال الضرورة وهو على ما أخرج ابن أبي شيبة عن الزهري المال بلسان قريش. وقال أبو عبيدة والزجاج والمبرد: هو في الجاهلية كل ما فيه منفعة من قليل أو كثير وأريد به في الإسلام الطاعة. واختلف في أصله فقال قطرب: أصله فاعول من المعن وهو الشيء القليل، وقالوا ما له معنة أي شي قليل. وقيل أصله معونة والألف عوض من الهاء فوزنه مفعل في الأصل كمكرم فتكون الميم زائدة، ووزنه بعد زيادة الألف عوضا ما فعل. وقيل هو اسم مفعول من أعان يعين وأصله معوون فقلب فصارت عينه مكان فائه فصار موعون، ثم قلبت الواو ألفا فصار ماعونا مفعول بتقديم العين على الفاء. والفاء في قوله تعالى فَوَيْلٌ إلخ جزائية والكلام ترق من ذلك المعرف إلى معرف أقوى أي إذا كان دع اليتيم والحض بهذه المثابة فما بال المصلي الذي هو ساه عن صلاته التي هي عماد الدين؟
والفارق بين الإيمان والكفر مركتب للرياء في أعماله الذي هو شعبة من الشرك، ومانع للزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام أو مانع لإعارة الشيء الذي تعارف الناس إعارته فضلا عن إخراج الزكاة من ماله فذاك العلم على التكذيب الذي لا يخفى، والمعرف له الذي لا يوفى والغرض التغليظ في أمر هذه الرذائل التي ابتلي بها كثير من الناس وأنها لما كانت من سيماء المكذب بالدين كان على المؤمن المعتقد له أن يبعد عنها بمراحل ويتبين أن أم كل معصية التكذيب بالدين، والمراد بالمكذب على هذا الجنس والإشارة لا تمنع منه كما لا يخفى. وقيل هو أبو جهل وكان وصيا ليتيم فأتاه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه دفعا شنيعا. وقال ابن جريج: هو أبو سفيان نحر جزورا فسأله يتيم لحما فقرعه بعصاه. وقيل الوليد بن المغيرة وقيل العاص بن وائل وقيل عمرو بن عائذ وقيل منافق بخيل، وعلى جميع هذه الأقوال يكون معينا وحينئذ فالقول بأن الساهين عن الصلاة المرائين أيضا معرف. قال صاحب الكشف: غير ملائم بل يكون شبه استطراد مستفاد من الوصف المعرف أعني دع اليتيم على معنى أن الدع إذا كان حاله أنه علم المكذب فما حال السهو عن الصلاة وما عطف عليه وهما أشد من ذلك وأشد؟ وإنما جعل شبه استطراد على ما قال لأن الكلام في التكذيب لا في التحذير من الدع بالأصالة، والمراد الجنس الصادق بالجمع وكون ذلك تكلفا واضحا كما قيل غير واضح فكأنه قيل أخبرني ما تقول فيمن يكذبون بالدين وفيمن يؤذون اليتيم أحسن حالهم وما يصنعون أم قبيح؟
والغرض بت القول بالقبح على أسلوب قوله تعالى فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: ٩١] ثم قيل فويل للمصلين على معنى إذا علم أن حالهم قبيح فويل لهم فوضع المصلين موضع الضمير دلالة على أنهم مع الاتصاف بالتكذيب متصفون بهذه الأشياء أيضا. وجعل بعضهم الفاء في فَوَيْلٌ على العطف المذكور للسببية وهذا الوجه يقتضي اتحاد المصلين والمكذبين، وعليه قيل المراد بهم المنافقون بل روي إطلاق القول بأنهم المرادون عن ابن عباس ومجاهد والإمام مالك. وقال في البحر: يدل عليه الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ويصح أن يراد بالمصلين على الاتحاد المكلفون بالصلاة ولو كفارا غير منافقين وبسهوهم عن الصلاة تركهم إياها بالكلية، ويلتزم القول بأن الكفار مكلفون بالفروع مطلقا. واعترض أبو حيان ذلك الوجه بأن التركيب عليه تركيب غريب وهو كقولك أكرمت الذي يزورني فذاك الذي يحسن إليّ، والمتبادر إلى الذهن منه أن فَذلِكَ مرفوع بالابتداء وعلى تقدير النصب بالعطف يكون التقدير أكرمت الذي يزورني فأكرمت ذلك الذي يحسن إليّ، واسم الإشارة فيه غير متمكن تمكن ما هو فصيح إذ لا حاجة إليه بل الفصيح أكرمت الذي يزورني فالذي
والفارق بين الإيمان والكفر مركتب للرياء في أعماله الذي هو شعبة من الشرك، ومانع للزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام أو مانع لإعارة الشيء الذي تعارف الناس إعارته فضلا عن إخراج الزكاة من ماله فذاك العلم على التكذيب الذي لا يخفى، والمعرف له الذي لا يوفى والغرض التغليظ في أمر هذه الرذائل التي ابتلي بها كثير من الناس وأنها لما كانت من سيماء المكذب بالدين كان على المؤمن المعتقد له أن يبعد عنها بمراحل ويتبين أن أم كل معصية التكذيب بالدين، والمراد بالمكذب على هذا الجنس والإشارة لا تمنع منه كما لا يخفى. وقيل هو أبو جهل وكان وصيا ليتيم فأتاه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه دفعا شنيعا. وقال ابن جريج: هو أبو سفيان نحر جزورا فسأله يتيم لحما فقرعه بعصاه. وقيل الوليد بن المغيرة وقيل العاص بن وائل وقيل عمرو بن عائذ وقيل منافق بخيل، وعلى جميع هذه الأقوال يكون معينا وحينئذ فالقول بأن الساهين عن الصلاة المرائين أيضا معرف. قال صاحب الكشف: غير ملائم بل يكون شبه استطراد مستفاد من الوصف المعرف أعني دع اليتيم على معنى أن الدع إذا كان حاله أنه علم المكذب فما حال السهو عن الصلاة وما عطف عليه وهما أشد من ذلك وأشد؟ وإنما جعل شبه استطراد على ما قال لأن الكلام في التكذيب لا في التحذير من الدع بالأصالة، والمراد الجنس الصادق بالجمع وكون ذلك تكلفا واضحا كما قيل غير واضح فكأنه قيل أخبرني ما تقول فيمن يكذبون بالدين وفيمن يؤذون اليتيم أحسن حالهم وما يصنعون أم قبيح؟
والغرض بت القول بالقبح على أسلوب قوله تعالى فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: ٩١] ثم قيل فويل للمصلين على معنى إذا علم أن حالهم قبيح فويل لهم فوضع المصلين موضع الضمير دلالة على أنهم مع الاتصاف بالتكذيب متصفون بهذه الأشياء أيضا. وجعل بعضهم الفاء في فَوَيْلٌ على العطف المذكور للسببية وهذا الوجه يقتضي اتحاد المصلين والمكذبين، وعليه قيل المراد بهم المنافقون بل روي إطلاق القول بأنهم المرادون عن ابن عباس ومجاهد والإمام مالك. وقال في البحر: يدل عليه الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ويصح أن يراد بالمصلين على الاتحاد المكلفون بالصلاة ولو كفارا غير منافقين وبسهوهم عن الصلاة تركهم إياها بالكلية، ويلتزم القول بأن الكفار مكلفون بالفروع مطلقا. واعترض أبو حيان ذلك الوجه بأن التركيب عليه تركيب غريب وهو كقولك أكرمت الذي يزورني فذاك الذي يحسن إليّ، والمتبادر إلى الذهن منه أن فَذلِكَ مرفوع بالابتداء وعلى تقدير النصب بالعطف يكون التقدير أكرمت الذي يزورني فأكرمت ذلك الذي يحسن إليّ، واسم الإشارة فيه غير متمكن تمكن ما هو فصيح إذ لا حاجة إليه بل الفصيح أكرمت الذي يزورني فالذي
476
يحسن إليّ، أو أكرمت الذي يزورني فيحسن إليّ، وقيل إن اسم الإشارة هنا مقحم للإشارة إلى بعد المنزلة في الشر والفساد فتأمل. وجوز أيضا أن يكون العطف عطف ذات على ذات فالاستخبار عن حال المكذبين وحال الداعين أحسن هو أم قبيح على قياس ما مر. وتعقبه في الكشف بأنه لا يلائم المقام رجوع الضمير إلى الطائفتين حتى يوضع موضع المصلين فافهم. وقرأ ابن إسحاق والأشهب «يرؤون» بالقصر وتشديد الهمزة وفي رواية أخرى عن ابن إسحاق أنه قرأ بالقصر وترك التشديد والله تعالى أعلم.
477