تفسير سورة الإخلاص

بيان المعاني
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

تفسير سورة الإخلاص عدد ٢٢- ١١٢
نزلت بمكة بعد سورة الناس وهي أربع آيات وخمس عشرة كلمة، وسبعة وأربعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»
قال تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١» أي واحد من حيث العدد بل واحد في الإلهية والربوبية من حيث لا شريك له ولا معين ولا وزير وهو جل شأنه فرد في الكمالية والخالقية، موصوف بصفات العظمة والجلالة، منفرد عن الشريك مبرأ عن الضد والند، منزه عن الشبيه والمثيل والنظير، لا يوصف بالأحدية غيره لأن كلمة أحد من صفاته تعالى استأثر بها نفسه والواحد يدخل في الأحد من غير عكس، ولهذا قال تعالى: إذا أردت يا سيد الرسل أن تنزه ربك الذي اختارك حبيبا، له فقل (هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، روى مسلم عن أبي الدرداء أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جزءا من القرآن. وروى أبو هريرة ما بمعناه بلفظ اقرأ عليكم ثلث القرآن أي قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كما سيأتي وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سمع رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يرددها فلما أصبح جاء الى النبي صلّى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقللها فقال صلّى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن وذلك أن القرآن أما ارشاد الى معرفة الله أو تقديس أوصافه وأسمائه، أو معرفة أفعاله وسنته مع عباده. ولما اشتملت هذه السورة على التقديس وازنها الرسول بثلث القرآن وسبب نزولها، قال ابن عباس، قالت قريش صف لنا ربك الذي تدعوا اليه فأنزل الله هذه السورة أي أن الذي سألتموني عنه هو الله أحد إلخ «اللَّهُ الصَّمَدُ ٢» الذي يصمد اليه كل مخلوق، الغني عن كل شيء وهو من صفات الكمال، روى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال الصمد السيد الذي انتهى سؤدده وفي راوية عن ابن عباس السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف السؤدد وهو السيد المقصود في جميع الحوائج المرغوب اليه في الرغائب المستعان به عند المصائب وتفريج الكروب. ومعناه لغة هو الذي لا جوف له والشيء
188
الصمد الصلب الذي ليس فيه رطوبة ولا رخاوة، وهذه من صفات الأجسام تعالى الله عنها، ووجهه على هذا أن الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب وهو الغني عن كل شيء فعلى هذا الاعتبار يكون أيضا من صفات الكمال، والقصد من قوله الصمد التنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا، له الإلهية واليه الإشارة بقوله (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) الآية ٧٥ من سورة المائدة في ج ٣، وقالوا الصمد الذي ليس بأجوف شيئان أحدهما دون الإنسان وأسفل منه وهو سائر الجمادات الصلبة، والثاني أشرف من الإنسان وأعلى وأكمل منه وهو الباري جل جلاله، وقال أبيّ ابن كعب هو الذي «لَمْ يَلِدْ» أحدا «وَلَمْ يُولَدْ» منه أحد، وفيه رد على قول العرب القائلين أن الملائكة بنات الله، وعلى اليهود القائلين أن عزيرا ابن الله وعلى النصارى القائلين ان المسيح ابن الله، راجع تفسير الآية ٢٧ من سورة التوبة في ج ٣ تر تكذيب زعمهم وافترائهم. هذا إذ قالوا، ومن المعلوم أنه إذا لم يكن له ولد ينفى عنه اسم الوالد والصاحبة، لأن الولد يكون منهما أو من أحدهما كآدم وحواء والمسيح، والله تعالى هو الأول الذي لم يتقدمه والد والآخر الذي لا يتفزع عنه ولد ومن كان كذلك صح أن يقال «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ٣» يكافئه في كونه لأن كل ما فيه خلقه ولن يكافيء المخلوق خالقه قال تعالى «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» الآية ١١ من سورة الشورى في ج ٢، ولا يخفى أنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث والله جل شأنه لا يموت ولا يورث فلا يعوله أو يضاهيه أحد من خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وإني أنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وقد جاء في فضل
هذه السورة وتلاوتها
189
Icon