﴿ بسم الله ﴾ الذي له جميع الكمال ذي الجلال والجمال ﴿ الرحمن ﴾ الذي أفاض على جميع خلقه عموم الأفضال ﴿ الرحيم ﴾ الذي خص أهل وداده من نور الإنعام بالإتمام والأكمال.
ﰡ
تنبيه : هو ضمير الشأن، وهو مبتدأ، وخبره الله، وأحد بدل، أو خبر ثان يدل على مجامع صفات الجلال كما دل الله تعالى على جميع صفات الكمال ؛ إذ الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن التركيب والتعدّد، وما يستلزم أحدهما كالجسيمة والتحيز والمشاركة في الحقيقة، وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامّة المقتضية للألوهية.
فائدة : جاء في الواحد عن العرب لغات كثيرة، يقال : واحد وأحد ووحد ووحيد ووحاد وأحاد وموحد وأوحد، وهذا كله راجع إلى معنى الواحد، وإن كان في ذلك معان لطيفة، ولم يجيء في صفات الله تعالى إلا الواحد والأحد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الصمد هو الذي لا جوف له، وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وقال الربيع : هو الذي لا تعتريه الآفات، وقال مقاتل بن حبان : هو الذي لاعيب فيه، وقال قتادة : هو الباقي بعد فناء خلقه، وقال سعيد بن جبير : هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقال السدّي : هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب. تقول العرب : صمدت فلاناً أصمده صمداً -بسكون الميم- إذا قصدته.
ولما بين أنه لا فصل له ظهر أنه لا جنس له، فدل عليه بقوله تعالى :﴿ ولم يولد ﴾ ؛ لأنه لو تولد عنه غيره تولد هو عن غيره، كما هو المعهود والمعقول، فهو قديم لا أوّل له ؛ بل هو الأوّل الذي لم يسبقه عدم ؛ لأنّ الولادة تتكوّن ولا تتشخص إلا بواسطة المادّة وعلاقتها، وكل ما كان مادّياً أو كان له علاقة بالمادة كان متولداً عن غيره، والله سبحانه وتعالى منزه عن جميع ذلك.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :«يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأمّا تكذيبه إياي يقول : لن يعيدني كما بدأني، وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفؤاً أحد ». وقرأ حمزة بسكون الفاء، والباقون بضمها، وقرأ حفص كفواً بالواو وقفاً ووصلاً، وإذا وقف حمزة وقف بالواو.
وروي في فضائل هذه السورة أحاديث كثيرة منها ما روى البخاري عن أبي سعيد الخدري «أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ ﴿ قل هو الله أحد ﴾ يردّدها، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقللها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :«والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ».
فإن قيل : لم كانت تعدل ثلث القرآن ؟
أجيب : بأن القرآن أنزل أثلاثاً : ثلث أحكام، وثلث وعد ووعيد، وثلث أسماء وصفات، فجمعت هذه السورة أحد الأثلاث، وهو الأسماء والصفات. وقيل : إنها تعدل القرآن كله مع قصر متنها وتقارب طرفيها، وما ذاك إلا لاحتوائها على صفات الله تعالى وعدله وتوحيده، وكفى بذلك دليلاً لمن اعترف بفضلها.
ومنها ما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ في صلاتهم فيختم ب ﴿ قل هو الله أحد ﴾، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك ؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال صلى الله عليه وسلم : أخبروه أن الله تعالى يحبه ».
ومنها ما رواه الترمذي عن أنس بن مالك «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرأ ﴿ قل هو الله أحد ﴾، فقال صلى الله عليه وسلم :" وجبت ". قلت : ما وجبت ؟ قال :" الجنة " ».
ومنها ما روى أنس أيضاً «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ ﴿ قل هو الله أحد ﴾ خمسين مرة «غفرت ذنوبه ». ومنها ما روى سعيد بن المسيب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ ﴿ قل هو الله أحد ﴾ عشر مرّات بنى الله له قصراً في الجنة، ومن قرأها عشرين مرّة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرّة بنى الله له ثلاث قصور في الجنة، فقال عمر : إذن تكثر قصورنا. فقال صلى الله عليه وسلم : أوسع من ذلك ».
ومنها ما رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه «أنه صلى الله عليه وسلم قال : من قرأ ﴿ قل هو الله أحد ﴾ بعد صلاة الصبح اثنتي عشرة مرّة فكأنما قرأ القرآن أربع مرّات، وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى ». وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال :«من قرأ ﴿ قل هو الله أحد ﴾ في مرضه الذي يموت فيه لم يفتن في قبره، وأمن من ضغطة القبر، وحملته الملائكة بأكفها حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة ». وقد أفردت أحاديثها بالتأليف، وفي هذا القدر كفاية لأولي الألباب.