تفسير سورة التغابن

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة التغابن من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ﴾ يَقُول يُصَلِّي لله وَيُقَال يذكر الله ﴿مَا فِي السَّمَاوَات﴾ من الْخلق ﴿وَمَا فِي الأَرْض﴾ من الْخلق وكل شَيْء حَيّ ﴿لَهُ الْملك﴾ الدَّائِم لَا يَزُول ملكه ﴿وَلَهُ الْحَمد﴾ الشُّكْر والْمنَّة على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيُقَال على أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتزيين أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿قَدِيرٌ﴾
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ من آدم وآدَم من تُرَاب ﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ﴾ بالعلانية ﴿وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ﴾ بالعلانية وَيُقَال فمنكم كَافِر يُؤمن وَهُوَ تحضيض مِنْهُ على الْإِيمَان ومنكم مُؤمن يكفر وَهُوَ تحذير مِنْهُ عَن الْكفْر وَيُقَال مِنْكُم كَافِر السريرة كَافِر الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْكَافِر ومنكم مُؤمن السريرة مُؤمن الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْمُؤمن المخلص بإيمانه ومنكم كَافِر السريرة مُؤمن الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْمُنَافِق بإيمانه ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر ﴿بَصِيرٌ﴾
﴿خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ لتبيان الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال للزوال والفناء ﴿وَصَوَّرَكُمْ﴾ فِي الْأَرْحَام ﴿فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ من صور الدَّوَابّ وَيُقَال أحكم صوركُمْ باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء ﴿وَإِلَيْهِ الْمصير﴾ الْمرجع فِي الْآخِرَة
﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات﴾ من الْخلق ﴿وَالْأَرْض﴾ من الْخلق ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ﴾ مَا تخفون من الْعَمَل ﴿وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ وَمَا تظْهرُونَ من الْعَمَل ﴿وَالله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾ بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة فِي الْكتاب ﴿نَبَأُ﴾ خبر ﴿الَّذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ﴾ من قبلكُمْ من الْأُمَم الْمَاضِيَة كَيفَ فعل بهم ﴿فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ عُقُوبَة أَمرهم فِي الدُّنْيَا بِالْعَذَابِ والهلاك ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع فِي الْآخِرَة
﴿ذَلِك﴾ الْعَذَاب ﴿بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات ﴿فَقَالُوا أَبَشَرٌ﴾ آدَمِيّ مثلنَا ﴿يَهْدُونَنَا﴾ يدعوننا إِلَى التَّوْحِيد
473
﴿فَكَفَرُواْ﴾ بالكتب وَالرسل والآيات ﴿وَتَوَلَّواْ﴾ أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بالكتب وَالرسل والآيات ﴿وَاسْتغْنى الله﴾ عَن إِيمَانهم ﴿وَالله غَنِيٌّ﴾ عَن إِيمَانهم ﴿حَمِيدٌ﴾ مَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال حميد لمن وَحده
474
﴿زَعَمَ الَّذين كفرُوا﴾ كفار مَكَّة ﴿أَن لَّن يُبْعَثُواْ﴾ من بعد الْمَوْت ﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿بلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ بعد الْمَوْت ﴿ثُمَّ لتنبؤن﴾ للتخبرن ﴿بِمَا عَمِلْتُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا من الْخَيْر وَالشَّر ﴿وَذَلِكَ﴾ الْبَعْث ﴿عَلَى الله يَسِيرٌ﴾ هَين
﴿فَآمِنُواْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿بِاللَّه وَرَسُولِهِ﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿والنور﴾ الْكتاب ﴿الَّذِي أَنزَلْنَا﴾ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر ﴿خَبِيرٌ﴾
﴿يَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجمع﴾ يَوْم يجْتَمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ ﴿ذَلِك يَوْمُ التغابن﴾ يغبن الْكَافِر بِنَفسِهِ وَأَهله وخدمه ومنازله فِي الْجنَّة ويرثه الْمُؤمن وَيُقَال يغبن الْمُؤمن الْكَافِر بأَهْله ومنازله ويغبن فِيهِ الْكَافِر بِنَفسِهِ فِي الْجنَّة ويرثه الْمُؤمن دون الْكَافِر ويغبن الْمَظْلُوم الظَّالِم بِأخذ حَسَنَاته وَوضع سيئاته على ظالمه ﴿وَمن يُؤمن بِاللَّه﴾ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَيَعْمَلْ صَالِحاً﴾ خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه ﴿يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ﴾ يغْفر ذنُوبه بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿أَبَداً ذَلِك الْفَوْز الْعَظِيم﴾ النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار
﴿وَالَّذين كَفَرُواْ﴾ بِاللَّه كفار مَكَّة ﴿وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار ﴿خَالِدِينَ فيهآ﴾ مقيمين فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿وَبِئْسَ الْمصير﴾ الْمرجع فِي الْآخِرَة الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ النَّار
﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ﴾ فِي بدنكم وأهلكم وَأَمْوَالكُمْ ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ وقضائه ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّه﴾ يرى الْمُصِيبَة من الله ﴿يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ للرضا وَالصَّبْر وَيُقَال إِذا أعْطى شكر وَإِذا ابتلى صَبر وَإِذا ظلم غفر وَإِذا أَصَابَته مُصِيبَة اسْترْجع يهد قلبه للاسترجاع ﴿وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ يُصِيبكُم من الْمُصِيبَة وَغَيرهَا ﴿عَلِيمٌ وَأَطِيعُواْ الله﴾ فِي الْفَرَائِض
﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُول﴾ فِي السّنَن وَيُقَال أطِيعُوا الله فِي التَّوْحِيد وَأَطيعُوا الرَّسُول بالإجابة ﴿فَإِن تَولَّيْتُمْ﴾ عَن طاعتهما ﴿فَإِنَّمَا على رَسُولنَا﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿الْبَلَاغ﴾ التَّبْلِيغ عَن الله لرسالته ﴿الْمُبين﴾ يبين لكم بلغَة تعلمونها
﴿الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ﴾ لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله لَا على غَيره
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ﴾ الَّذين بِمَكَّة ﴿عدوا لكم﴾ أَن صدوكم عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد ﴿فاحذروهم﴾ أَن تقعدوا عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد ﴿وَإِن تَعْفُواْ﴾ عَن صدهم إيَّاكُمْ ﴿وَتَصْفَحُواْ﴾ تعرضوا فَلَا تعاقبوهم ﴿وَتَغْفِرُواْ﴾ تجاوزوا ذنوبهم بعد مَا هَاجرُوا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ﴾ الَّذين بِمَكَّة ﴿فِتْنَةٌ﴾ بلية لكم إِذْ منعوكم عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد ﴿وَالله عِنْدَهُ أَجْرٌ﴾ ثَوَاب ﴿عَظِيمٌ﴾ لمن هَاجر وجاهد فِي سَبِيل الله وَلم يَله بِمَالِه وَولده عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد
﴿فَاتَّقُوا الله﴾ فأطيعوا الله ﴿مَا اسْتَطَعْتُم﴾ بِالَّذِي أطقتم ﴿واسمعوا﴾ مَا تؤمرون ﴿وَأَطِيعُواْ﴾ مَا أَمركُم الله وَرَسُوله ﴿وَأَنْفِقُواْ﴾ تصدقوا بأموالكم فِي سَبِيل الله ﴿خَيْراً لأَنفُسِكُمْ﴾ يَقُول الصَّدَقَة خير لكم من إِِمْسَاكهَا ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ من دفع عَنهُ بخل نَفسه وَيُقَال من أدّى زَكَاة مَاله ﴿فَأُولَئِك هُمُ المفلحون﴾ الناجون من السخط وَالْعَذَاب
﴿إِن تُقْرِضُواْ الله﴾ فِي الصَّدَقَة ﴿قَرْضاً حَسَناً﴾ محتسباً صَادِقا من قُلُوبكُمْ ﴿يُضَاعِفْهُ لَكُمْ﴾
474
يقبله ويضاعفه لكم فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ الله من الْأَضْعَاف ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ بِالصَّدَقَةِ ﴿وَالله شَكُورٌ﴾ لصدقاتكم حِين قبلهَا وأضعفها وَيُقَال شكور يشْكر الْيَسِير من صَدقَاتكُمْ وَيجْزِي الجزيل من ثَوَابه ﴿حَلِيمٌ﴾ لَا يعجل بالعقوبة على من يمن بِصَدَقَتِهِ أَو يمْنَع
475
﴿عَالِمُ الْغَيْب﴾ مَا فِي قُلُوب المتصدقين من الْمَنّ أَو الخشية ﴿وَالشَّهَادَة﴾ عَالم بِصَدَقَاتِهِمْ ﴿الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن يمن بِصَدَقَتِهِ أَو لَا يُعْطي الصَّدَقَة ﴿الْحَكِيم﴾ فِي أمره وقضائه وَيُقَال الْحَكِيم فِي قبُول الصَّدقَات وأضعافها وَيُقَال الْحَكِيم حَيْثُ حكم بِطَلَاق السّنة للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الطَّلَاق وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها إِحْدَى عشر آيَة وكلماتها مِائَتَان وَسبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَمِائَة وَسَبْعُونَ ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
Icon