تفسير سورة الأعراف

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿المص﴾ يَقُول أَنا الله أعلم وَأفضل وَيُقَال قسم أقسم بِهِ
﴿كِتَابٌ﴾ إِن هَذَا الْكتاب يَعْنِي الْقُرْآن ﴿أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ جِبْرِيل بِهِ ﴿فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾ فَلَا يَقع فِي قَلْبك شكّ ﴿مِّنْهُ﴾ من الْقُرْآن أَنه لَيْسَ من الله وَيُقَال ضيق ﴿لِتُنذِرَ بِهِ﴾ بِالْقُرْآنِ أهل مَكَّة لكَي يُؤمنُوا ﴿وذكرى﴾ عظة ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
﴿اتبعُوا مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن أحلُّوا حَلَاله وحرموا حرَامه ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ﴾ لَا تعبدوا من دون الله ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ أَرْبَابًا من الْأَصْنَام ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ مَا تتعظون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير
﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ﴾ من أهل قَرْيَة ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾ عذبناها ﴿فَجَآءَهَا بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿بَيَاتاً﴾ لَيْلًا أَو نَهَارا ﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾ نائمون عِنْد القيلولة
﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ﴾ قَوْلهم ﴿إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ﴾ عذابنا بهلاكهم ﴿إِلاَّ أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾ مُشْرِكين
﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ الرُّسُل يَعْنِي الْقَوْم عَن إِجَابَة الرُّسُل ﴿وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسلين﴾ عَن تبليغهم
﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم﴾ فلنخبرنهم ﴿بِعِلْمٍ﴾ بِبَيَان ﴿وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ﴾ عَن تَبْلِيغ الرُّسُل وَإجَابَة الْقَوْم
﴿وَالْوَزْن﴾ وزن الْأَعْمَال ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿الْحق﴾ الْعدْل ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ حَسَنَاته فِي الْمِيزَان ﴿فَأُولَئِك هُمُ المفلحون﴾ الناجون من السخط وَالْعَذَاب
﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ حَسَنَاته فِي الْمِيزَان ﴿فَأُولَئِك الَّذين خسروا أَنْفُسَهُم﴾ بالعقوبة ﴿بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿يِظْلِمُونَ﴾ يكفرون
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ﴾ ملكناكم ﴿فِي الأَرْض وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا﴾ فِي الأَرْض ﴿مَعَايِشَ﴾ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تشربون وَمَا تلبسُونَ ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ مَا تشكرون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير وَيُقَال شكركم فِيمَا صنع إِلَيْكُم قَلِيل
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ من آدم وآدَم من تُرَاب ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ فِي الْأَرْحَام وصورنا آدم بَين مَكَّة والطائف ﴿ثُمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة﴾ الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض ﴿اسجدوا لآدَم﴾ سَجْدَة التَّحِيَّة ﴿فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ رئيسهم ﴿لَمْ يَكُنْ مِّنَ الساجدين﴾ مَعَ الساجدين بِالسُّجُود لآدَم
﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ﴾ قَالَ الله يَا إِبْلِيس مَا مَنعك ﴿أَلاَّ تَسْجُدَ﴾ لآدَم (إِذْ أَمَرْتُكَ) بِالسُّجُود ﴿قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ أَنا نَارِي وآدَم طيني وَالنَّار تَأْكُل الطين
﴿قَالَ﴾ الله لَهُ ﴿فاهبط مِنْهَا﴾ فَانْزِل من السَّمَاء وَيُقَال فَاخْرُج مِنْهَا من صُورَة الْمَلَائِكَة ﴿فَمَا يَكُونُ لَكَ﴾ مَا يَنْبَغِي لَك ﴿أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ أَن تتعظم فِي صُورَة الْمَلَائِكَة على بني آدم ﴿فَاخْرُج﴾ من صُورَة الْمَلَائِكَة وَيُقَال فَاخْرُج مِنْهَا من الأَرْض ﴿إِنَّكَ مِنَ الصاغرين﴾ من الذليلين بالعقوبة
﴿قَالَ أَنظِرْنِي﴾ أجلني ﴿إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ من الْقُبُور أَرَادَ الملعون أَن لَا يَمُوت
﴿قَالَ﴾ الله لَهُ ﴿إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ﴾ من المؤجلين إِلَى نفخة الصُّور
﴿قَالَ﴾
124
إِبْلِيس ﴿فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي﴾ فَكَمَا أضللتني عَن الْهدى ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾ لبني آدم ﴿صِرَاطَكَ الْمُسْتَقيم﴾ دين الْإِسْلَام
125
﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ من قبل الْآخِرَة أَن لاجنة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أَن الدُّنْيَا لَا تفنى وَآمرهُمْ بِالْجمعِ وَالْمَنْع وَالْبخل وَالْفساد ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ من قبل الدّين فَمن كَانَ على الْهدى أشبه عَلَيْهِ حَتَّى يخرج مِنْهُ وَمن كَانَ على الضَّلَالَة أزين لَهُ حَتَّى يثبت عَلَيْهَا ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ من قبل اللَّذَّات والشهوات ﴿وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ﴾ كلهم ﴿شَاكِرِينَ﴾ مُؤمنين
﴿قَالَ اخْرُج مِنْهَا﴾ من صُورَة الْمَلَائِكَة ﴿مذؤوما﴾ ملوماً ﴿مَّدْحُوراً﴾ مقصى بَعيدا من كل خير ﴿لَّمَن تَبِعَكَ﴾ أطاعك ﴿مِنْهُمْ﴾ من الْجِنّ وَالْإِنْس ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ﴾ من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس ﴿أَجْمَعِينَ﴾
﴿وَيَا آدَمُ اسكن﴾ انْزِلْ ﴿أَنتَ وَزَوْجُكَ﴾ حَوَّاء ﴿الْجنَّة فَكُلاَ﴾ من الْجنَّة ﴿مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ وَمَتى شئتما ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هَذِه الشَّجَرَة﴾ لَا تأكلا من هَذِه الشَّجَرَة شَجَرَة الْعلم ﴿فَتَكُونَا من الظَّالِمين﴾ فَتَصِير من الضارين لأنفسكما
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَان﴾ إِبْلِيس بِأَكْل الشَّجَرَة ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا﴾ ليظْهر لَهما ﴿مَا وُورِيَ عَنْهُمَا﴾ مَا غطى عَنْهُمَا بلباس النُّور ﴿من سوآتهما﴾ من عوراتهما ﴿وَقَالَ﴾ لَهما إِبْلِيس ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا﴾ يَا آدم وَيَا حَوَّاء ﴿عَنْ هَذِه الشَّجَرَة﴾ عَن أكل هَذِه الشَّجَرَة ﴿إِلاَّ أَن تَكُونَا﴾ تصيرا ﴿مَلَكَيْنِ﴾ تعلمان الْخَيْر وَالشَّر فِي الْجنَّة ﴿أَوْ تَكُونَا﴾ تصيرا ﴿مِنَ الخالدين﴾ فِي الْجنَّة فَلذَلِك منعكما عَن أكل الشَّجَرَة
﴿وَقَاسَمَهُمَآ﴾ حلف لَهما ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين﴾ فِي حلفي لَكمَا إِنَّهَا شَجَرَة الْخلد
﴿فَدَلاَّهُمَا﴾ إِلَى أكل الشَّجَرَة ﴿بِغُرُورٍ﴾ بَاطِل وَكذب حَتَّى أكلا ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَة﴾ فَلَمَّا أكلا من الشَّجَرَة ﴿بَدَت لَهما﴾ ظَهرت لَهما ﴿سوآتهما﴾ عوراتهما ﴿وَطَفِقَا﴾ عمدا من الاستحياء ﴿يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا﴾ يلزقان على عوراتهما ﴿مِن وَرَقِ الْجنَّة﴾ من ورق التِّين ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ﴾ يَا آدم وَيَا حَوَّاء ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَة﴾ عَن أكل هَذِه الشَّجَرَة ﴿وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشيطآن﴾ إِبْلِيس ﴿لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ﴾ ظَاهر الْعَدَاوَة
﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ ضررنا أَنْفُسنَا بمعصيتنا ﴿وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا﴾ تتجاوز عَنَّا ﴿وَتَرْحَمْنَا﴾ فَلَا تعذبنا ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين﴾ لنصيرن من المغبونين بالعقوبة
﴿قَالَ اهبطوا﴾ انزلوا من الْجنَّة ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدو﴾ يَعْنِي آدم وحواء والحية والطاوس ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْض مُسْتَقَرٌّ﴾ مأوى ومنزل ﴿وَمَتَاعٌ﴾ معاش ﴿إِلَى حِينٍ﴾ حِين الْمَوْت
﴿قَالَ فِيهَا﴾ فِي الأَرْض الأَرْض ﴿تَحْيَوْنَ﴾ تعيشون ﴿وَفِيهَا﴾ فِي الأَرْض ﴿تَمُوتُونَ وَمِنْهَا﴾ من الأَرْض ﴿تُخْرَجُونَ﴾ يَوْم الْقِيَامَة
﴿يَا بني آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ﴾ خلقنَا لكم وأعطيناكم ﴿لِبَاساً﴾ يَعْنِي ثِيَاب الْقطن وَغَيره من الصُّوف وَالشعر ﴿يواري﴾ يغطى ﴿سوآتكم﴾ عوراتكم من العري ﴿وَرِيشاً﴾ مَالا ومتاعاً يَعْنِي آلَة الْبَيْت ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ لِبَاس التَّوْحِيد والعفة ﴿ذَلِك﴾ يَعْنِي لِبَاس الْعِفَّة ﴿خَيْرٌ﴾ من لِبَاس الْقطن ﴿ذَلِك﴾ يَعْنِي لِبَاس الْقطن ﴿مِنْ آيَاتِ الله﴾ من عجائب الله ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ لكَي يتعظوا
﴿يَا بني آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ﴾ لَا يستزلنكم ﴿الشَّيْطَان﴾ إِبْلِيس عَن طَاعَتي ﴿كَمَا أخرج﴾ استزل ﴿أَبَوَيْكُمْ﴾ آدم وحواء ﴿مِّنَ الْجنَّة يَنزِعُ عَنْهُمَا﴾ يخلع عَنْهُمَا ﴿لِبَاسَهُمَا﴾ لِبَاس النُّور ﴿لِيُرِيَهُمَا﴾ ليظْهر لَهما ﴿سوآتهما﴾ عوراتهما ﴿إِنَّهُ﴾ يَعْنِي إِبْلِيس ﴿يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ﴾ جُنُوده ﴿مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾ لِأَن صدوركم مسكنهم ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَآءَ﴾ أعواناً ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن
﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ حرمُوا الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام ﴿قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ﴾ على تَحْرِيمهَا ﴿آبَاءَنَا﴾ وأجدادنا ﴿وَالله أَمَرَنَا بِهَا﴾ بِتَحْرِيم الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّ الله لَا يَأْمر بالفحشاء﴾ بِالْمَعَاصِي وبتحريم الْحَرْث والأنعام ﴿أَتَقُولُونَ﴾ بل تَقولُونَ ﴿عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ بِلَا إِلَه إِلَّا الله ﴿وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ واستقبلوا بوجوهكم ﴿عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ عِنْد كل صَلَاة ﴿وادعوه﴾ واعبدوه ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين﴾ مُخلصين لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ﴾ يَوْم الْمِيثَاق سعيداً وشقياً عَارِفًا ومنكراً مُصدقا ومكذباً ﴿تَعُودُونَ﴾ إِلَى ذَلِك
﴿فَرِيقاً هدى﴾ أكْرمهم الله بالمعرفة والسعادة وهم أهل الْيَمين ﴿وَفَرِيقاً حَقَّ﴾ وَجب ﴿عَلَيْهِمُ الضَّلَالَة﴾ أَهَانَهُمْ الله بالنكرة والشقاوة وهم أهل الشمَال ﴿إِنَّهُمُ اتَّخذُوا﴾ يَقُول قد علم الله أَنهم يتخذون ﴿الشَّيَاطِين أَوْلِيَآءَ﴾ أَرْبَابًا ﴿مِن دُونِ الله وَيَحْسَبُونَ﴾ يظنّ أهل الضَّلَالَة ﴿أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ بدين الله
﴿يَا بني آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ﴾ البسوا ثيابكم ﴿عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ عِنْد وَقت كل صَلَاة وَطواف ﴿وكُلُواْ﴾ من اللَّحْم وَالدَّسم ﴿وَاشْرَبُوا﴾ من اللَّبن ﴿وَلاَ تسرفوا﴾ لَا تحرموا الطَّيِّبَات من الرزق وَاللَّحم وَالدَّسم ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين﴾ الْمُعْتَدِينَ من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله﴾ لبس الثِّيَاب فِي أَيَّام الْمَوْسِم وَالْحرم وَالطّواف ﴿الَّتِي أَخْرَجَ﴾ يَعْنِي الزِّينَة خلق ﴿لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق﴾ من اللَّحْم وَالدَّسم وَقد كَانُوا يحرمُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة على أنفسهم فِي أَيَّام الْمَوْسِم اللَّحْم وَالدَّسم ويدخلون الْحرم الرِّجَال بِالنَّهَارِ وَالنِّسَاء بِاللَّيْلِ عُرَاة فيطوفون عُرَاة فنهاهم الله عَن ذَلِك ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿هِي﴾ يَعْنِي الطَّيِّبَات ﴿لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿خَالِصَةً﴾ خَاصَّة ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة﴾ واشترك فِيهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا الْبر والفاجر مقدم ومؤخر ﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نُفَصِّلُ الْآيَات﴾ نبين الْقُرْآن بالحلال وَالْحرَام ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ويصدقون أَنه من الله
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لَهُم ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِش﴾ الزِّنَا ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ يَعْنِي زنا الظَّاهِر ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ مِنْهَا يَعْنِي زنا السِّرّ وَهِي المخالة ﴿وَالْإِثْم﴾ الْخمر كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(شربت الْإِثْم حَتَّى ضل عَقْلِي كَذَا الْإِثْم تذْهب بالعقول) وَقَالَ أَيْضا
(شربت الْإِثْم بالصواع جهارا وَترى آلهتك بَيْننَا مستفادا)
﴿وَالْبَغي﴾ الاستطالة ﴿بِغَيْرِ الْحق﴾ بِلَا حق ﴿وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّه مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً﴾ كتابا وَلَا حجَّة ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك من تَحْرِيم الْحَرْث والأنعام والطيبات واللباس
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ لكل أهل دين ﴿أَجَلٌ﴾ وَقت لهلاكها ﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ﴾ وَقت هلاكهم ﴿لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً﴾ لَا يتركون بعد الْأَجَل طرفَة عين ﴿وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ لَا يهْلكُونَ قبل الْأَجَل طرفَة عين
﴿يَا بني آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ حِين يَأْتينكُمْ ﴿رسل مِنْكُم﴾ آدميون مثلكُمْ ﴿يقصون عَلَيْكُم﴾ يقرءُون عَلَيْكُم ﴿آيَاتِي﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿فَمَنِ اتَّقى﴾ آمن بِالْكتاب وَالرسل ﴿وَأَصْلَحَ﴾ فِيمَا بَينه وَبَين ربه ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من الْعَذَاب ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ من ذهَاب الْجنَّة
﴿وَالَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بكتابنا وبرسولنا ﴿واستكبروا عَنْهَآ﴾ عَن الْإِيمَان بهَا ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار﴾ أهل النَّار ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون
﴿فَمن أظلم﴾ أَعْتَى وَأَجرا على الله ﴿مِمَّن افترى﴾ اختلق
126
﴿عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكتاب﴾ مَا وعدهم فِي الْكتاب من سَواد الْوُجُوه وزرقة الْأَعْين أنظرهم يَا مُحَمَّد ﴿حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا﴾ يَعْنِي ملك الْمَوْت وأعوانه ﴿يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ يقبضون أَرْوَاحهم ﴿قَالُوا﴾ عِنْد قبض أَرْوَاحهم ﴿أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ﴾ تَعْبدُونَ ﴿مِن دُونِ الله﴾ فيمنعونكم عَنَّا ﴿قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾ اشتغلوا عَنَّا بِأَنْفسِهِم ﴿وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ﴾ بِاللَّه وبالرسل فِي الدُّنْيَا
128
﴿قَالَ﴾ الله لَهُم ﴿ادخُلُوا﴾ النَّار ﴿فِي أُمَمٍ﴾ مَعَ أُمَم ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ قد مَضَت ﴿مِن قَبْلِكُمْ مِّن الْجِنّ وَالْإِنْس﴾ من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس ﴿فِي النَّار كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ﴾ أهل دين ﴿لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ دعت على الَّتِي دخلت قبلهَا ﴿حَتَّى إِذَا اداركوا فِيهَا﴾ اجْتَمعُوا فِي النَّار ﴿جَمِيعاً﴾ الأول فَالْأول ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ﴾ أُخْرَى الْأُمَم ﴿لأُولاَهُمْ﴾ لأولى الْأُمَم ﴿رَبَّنَا هَؤُلَاءِ﴾ يَعْنِي الرؤساء ﴿أَضَلُّونَا﴾ عَن دينك وطاعتك ﴿فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النَّار﴾ عذبهم مثل عذابنا مرَّتَيْنِ ﴿قَالَ﴾ الله لَهُم ﴿لِكُلٍّ﴾ لكل وَاحِد مِنْهُم ﴿ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك من شدَّة عذابكم
﴿وَقَالَتْ أُولاَهُمْ﴾ أولى الْأُمَم ﴿لأُخْرَاهُمْ﴾ لأخرى الْأُمَم ﴿فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ أَن يكون عذابنا ضعفا كَفرْتُمْ كَمَا كفرنا وعبدتم من دون الله كَمَا عَبدنَا فَيَقُول الله لَهُم ﴿فَذُوقُواْ الْعَذَاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ تَقولُونَ وتعملون من الشّرك فِي الدُّنْيَا
﴿إِن الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿واستكبروا﴾ عَنْهَا عَن الْإِيمَان بهَا ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء﴾ لرفع أَعْمَالهم وَلَا لرفع أَرْوَاحهم ﴿وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجنَّة حَتَّى يَلِجَ الْجمل فِي سَمِّ الْخياط﴾ كَمَا لَا يدْخل الْجمل فِي سم الْخياط فِي ثقب الإبرة وَيُقَال حَتَّى يدْخل الْجمل فِي خرق الإبرة وَيُقَال حَتَّى يدْخل القلس الْحَبل الَّذِي تشد بِهِ السَّفِينَة فِي خرق الإبرة ﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نَجْزِي الْمُجْرمين﴾ الْمُشْركين
﴿لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَاد﴾ فرَاش من نَار ﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ غاشية من نَار ﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نَجْزِي الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين
﴿وَالَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً﴾ من الْجهد ﴿إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ إِلَّا طاقتها ﴿أُولَئِكَ﴾ يَعْنِي الْمُؤمنِينَ ﴿أَصْحَابُ الْجنَّة﴾ أهل الْجنَّة ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ دائمون لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا
﴿وَنَزَعْنَا﴾ أَخرجنا ﴿مَا فِي صُدُورِهِم﴾ قُلُوبهم ﴿مِّنْ غِلٍّ﴾ بغض وحسد وعداوة فِي الدُّنْيَا ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ﴾ فِي الْآخِرَة من تَحت مساكنها وسررهم ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿وَقَالُواْ﴾ إِذا بلغُوا إِلَى مَنَازِلهمْ وَيُقَال إِلَى عين الْحَيَوَان ﴿الْحَمد لِلَّهِ﴾ الشُّكْر والْمنَّة لله ﴿الَّذِي هَدَانَا لهَذَا﴾ الْمنزل وَالْعين ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا الله﴾ إِلَيْهِ وَيُقَال لما رَأَوْا كَرَامَة الله بِإِيمَان قَالُوا الْحَمد لِلَّهِ الشُّكْر والْمنَّة لله الَّذِي هَدَانَا لهَذَا الدّين دين الْإِسْلَام وَمَا كُنَّا لنهتدي لدين الْإِسْلَام لَوْلَا أَن هدَانَا الله لدينِهِ ﴿لَقَدْ جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ﴾ والبشرى بالثواب والكرامة ﴿ونودوا أَن تِلْكُمُ الْجنَّة أورثتموها﴾
128
أعطيتموها ﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون فِي الدُّنْيَا من الْخيرَات
128
﴿ونادى أَصْحَابُ الْجنَّة أَصْحَابَ النَّار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا﴾ من الثَّوَاب والكرامة ﴿حَقّاً﴾ صدقا كَائِنا ﴿فَهَلْ وَجَدتُّم﴾ يَا أهل النَّار ﴿مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ﴾ من الْعَذَاب والهوان ﴿حَقّاً﴾ صدقا كَائِنا ﴿قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ﴾ فَنَادَى مُنَاد بَين أهل الْجنَّة وَالنَّار ﴿أَن لَّعْنَةُ الله﴾ عَذَاب الله ﴿عَلَى الظَّالِمين﴾ الْكَافرين
﴿الَّذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ يصرفون النَّاس عَن دين الله وطاعته ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ يطلبونها مُغيرَة ﴿وَهُمْ بِالآخِرَة﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿كَافِرُونَ﴾ جاحدون
﴿وَبَيْنَهُمَا﴾ بَين الْجنَّة وَالنَّار ﴿حِجَابٌ﴾ سور ﴿وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَالٌ﴾ وعَلى السُّور رجال وهم قوم اسْتَوَت حسناتهم بسيئاتهم وَيُقَال هم قوم كَانُوا عُلَمَاء فُقَهَاء شاكين فِي الرزق ﴿يَعْرِفُونَ كُلاًّ﴾ كلا الْفَرِيقَيْنِ من دخل النَّار وَمن دخل الْجنَّة ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ يعْرفُونَ من دخل النَّار بسواد وَجهه وزرقة عَيْنَيْهِ وَمن دخل الْجنَّة ببياض وَجهه أغر محجل ﴿وَنَادَوْاْ﴾ يَعْنِي أهل السُّور ﴿أَصْحَابَ الْجنَّة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ يَا أَهل الْجنَّة ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا﴾ ﴿وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ فِي الدُّخُول يَعْنِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف
﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ﴾ إِذا نظرُوا ﴿تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النَّار﴾ نَحْو أَهل النَّار ﴿قَالُواْ رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين﴾ الْكَافرين فِي النَّار
﴿ونادى أَصْحَابُ الْأَعْرَاف رِجَالاٍ﴾ من الْكفَّار ﴿يَعْرِفُونَهُمْ﴾ قبل دُخُولهمْ النَّار ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ بسواد وُجُوههم وزرقة أَعينهم ﴿قَالُواْ﴾ يَا وليد بن الْمُغيرَة وَيَا أَبا جهل بن هِشَام وَيَا أُميَّة بن خلف وَيَا أبي بن خلف الجُمَحِي وَيَا أسود ابْن عبد الْمطلب وَيَا سَائِر الرؤساء ﴿مَآ أغْنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ﴾ من المَال والخدم ﴿وَمَا كُنْتُمْ تستكبرون﴾ تتعظمون عَن الْإِيمَان بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن
ثمَّ نظرُوا إِلَى أَصْحَاب الْجنَّة فَرَأَوْا فِي الْجنَّة سلمَان الْفَارِسِي وصهيباً وَعمَّارًا وَسَائِر الضُّعَفَاء والفقراء قَالُوا ﴿أَهَؤُلَاءِ﴾ الضُّعَفَاء ﴿الَّذين أَقْسَمْتُمْ﴾ حلفتم فِي الدُّنْيَا يَا معشر الْكفَّار ﴿لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ﴾ لَا يدخلهم الله الْجنَّة وَقد دخلُوا الْجنَّة على رغم أنوفكم ثمَّ يَقُول الله لأَصْحَاب الْأَعْرَاف ﴿ادخُلُوا الْجنَّة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾ من الْعَذَاب ﴿وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾
﴿ونادى أَصْحَابُ النَّار أَصْحَابَ الْجنَّة أَنْ أَفِيضُواْ﴾ صبوا ﴿عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله﴾ من ثمار الْجنَّة ﴿قَالُوا﴾ يَعْنِي أهل الْجنَّة ﴿إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا﴾ يَعْنِي ثمار الْجنَّة وَالْمَاء ﴿عَلَى الْكَافرين﴾
﴿الَّذين اتَّخذُوا دِينَهُمْ لَهْواً﴾ بَاطِلا ﴿وَلَعِباً﴾ فَرحا وَيُقَال ضحكة وسخرية ﴿وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ مافي الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم ﴿فاليوم﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿نَنسَاهُمْ﴾ نتركهم فِي النَّار ﴿كَمَا نَسُواْ﴾ كَمَا تركُوا ﴿لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ الْإِقْرَار بيومهم هَذَا ﴿وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بكتابنا ورسولنا ﴿يَجْحَدُونَ﴾ يكفرون
﴿وَلَقَد جئناهم بِكِتَاب﴾ يَقُول أرسلنَا إِلَيْهِم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ ﴿فَصَّلْنَاهُ﴾ بَيناهُ ﴿على عِلْمٍ﴾ بِعلم منا وَيُقَال علمناه ﴿هُدًى﴾ من الضَّلَالَة
128
﴿وَرَحْمَة﴾ من الْعَذَاب ﴿لقوم يُؤمنُونَ﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن
129
﴿هَل ينظرُونَ﴾ مَا ينتظرون أهل مَكَّة إِذْ لَا يُؤمنُونَ ﴿إِلاَّ تَأْوِيلَهُ﴾ عَاقِبَة مَا وعد لَهُم فِي الْقُرْآن ﴿يَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ عَاقِبَة مَا وعد لَهُم فِي الْقُرْآن ﴿يَقُولُ الَّذين نَسُوهُ﴾ تركُوا الْإِقْرَار بِهِ ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل ذَلِك فِي الدُّنْيَا ﴿قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ بِبَيَان الْبَعْث وَالْجنَّة وَالنَّار وَلَكِن كذبناهم ﴿فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ﴾ من الْعَذَاب ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ إِلَى الدُّنْيَا ﴿فَنَعْمَلَ﴾ فنؤمن ونعمل ﴿غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ فِي الشّرك ﴿قَدْ خسروا﴾ غبنوا ﴿أَنفُسَهُمْ﴾ بذهاب الْجنَّة وَلُزُوم النَّار ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ﴾ اشْتغل عَنْهُم ﴿مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ من أَيَّام الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش﴾ عمد إِلَى خلق الْعَرْش وَيُقَال اسْتَقر ﴿يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار﴾ يُغطي اللَّيْل بِالنَّهَارِ وَالنَّهَار بِاللَّيْلِ ﴿يَطْلُبُهُ﴾ يَعْنِي اللَّيْل النَّهَار وَالنَّهَار اللَّيْل ﴿حَثِيثاً﴾ سَرِيعا يَجِيء وَيذْهب ﴿وَالشَّمْس﴾ وَخلق الشَّمْس ﴿وَالْقَمَر والنجوم مُسَخَّرَاتٍ﴾ مذللات ﴿بِأَمْرِهِ﴾ بإِذنه ﴿أَلاَ لَهُ الْخلق﴾ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿وَالْأَمر﴾ يَعْنِي الْقَضَاء بَين الْعباد يَوْم الْقِيَامَة ﴿تَبَارَكَ الله﴾ ذُو بركَة وَيُقَال تَعَالَى الله وَيُقَال تَبرأ ﴿رَبُّ الْعَالمين﴾ سيد الْعَالمين ومدبرهم
﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً﴾ عَلَانيَة ﴿وَخُفْيَةً﴾ سرا وَيُقَال تضرعاً أَي مستكيناً وخفية أَي خوفًا ﴿إِنَّهُ لَا يحب الْمُعْتَدِينَ﴾ بِالدُّعَاءِ مَا لايحق لَهُم على الصَّالِحين
﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض﴾ بِالْمَعَاصِي وَالدَّعْوَى إِلَى غير الله ﴿بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ بِالطَّاعَةِ والدعوة إِلَى الله تَعَالَى ﴿وادعوه﴾ اعبدوه ﴿خَوْفاً﴾ مِنْهُ وَمن عَذَابه ﴿وَطَمَعاً﴾ إِلَيْهِ أَن تصيروا إِلَى جنته ﴿إِن رَحْمَة الله﴾ جنَّة الله ﴿قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ من الْمُؤمنِينَ الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل
﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاح بُشْراً﴾ طيبا ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ قُدَّام الْمَطَر ﴿حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ﴾ رفعت ﴿سَحَاباً ثِقَالاً﴾ ثقيلاً بِالْمَاءِ ﴿سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ﴾ إِلَى مَكَان ﴿مَّيِّتٍ﴾ لَا نَبَات فِيهِ ﴿فَأَنْزَلْنَا بِهِ﴾ بِالْمَكَانِ الْمَيِّت ﴿المآء فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ بالمطر ﴿مِن كُلِّ الثمرات﴾ من ألوان الثمرات ﴿كَذَلِك﴾ كَمَا نحيي الأَرْض بالنبات ﴿نُخْرِجُ الْمَوْتَى﴾ نحيي وَنخرج الْمَوْتَى من الْقُبُور ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ لكَي تتعظوا
﴿والبلد الطّيب﴾ الْمَكَان الزاكي الَّذِي لَيْسَ بسبخة ﴿يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ بِإِرَادَة ربه بِلَا كد وَلَا عناء كَذَلِك الْمُؤمن المخلص يُؤَدِّي مَا أَمر الله طَوْعًا بِطيبَة النَّفس ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾ الْمَكَان الْخَبيث السبخة ﴿لاَ يَخْرُجُ﴾ نَبَاته ﴿إِلَّا نكدا﴾ إِلَّا بتعب وعناء ﴿ذَلِك﴾ الْمُنَافِق لَا يُؤَدِّي مَا أَمر الله إِلَّا كرها بِغَيْر طيبَة النَّفس ﴿نُصَرِّفُ الْآيَات﴾ نبين الْقُرْآن فِي مثل الْمُؤمن وَالْكَافِر ﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ يُؤمنُونَ
﴿لقد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله﴾ وحدوا الله ﴿مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ﴾ غير الَّذِي أدعوكم إِلَيْهِ ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ أعلم أَن يكون عَلَيْكُم ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ إِن لم تؤمنوا
﴿قَالَ الْمَلأ﴾ الرؤساء ﴿مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ﴾ يَا نوح ﴿فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فِي خطأ بَين فِيمَا تَقول
﴿قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ﴾ سفاهة ﴿وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رب الْعَالمين﴾ إِلَيْكُم
﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾ أحذركم من الْعَذَاب وأدعوكم إِلَى التَّوْبَة وَالْإِيمَان ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ من الْعَذَاب إِن لم تؤمنوا
﴿أوعجبتم﴾ بل عجبتم ﴿أَن جَاءَكُم﴾ ﴿ذِكْرٌ﴾ نبوة ﴿مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنْكُمْ﴾ آدَمِيّ مثلكُمْ ﴿لِيُنذِرَكُمْ﴾ ليخوفكم ﴿وَلِتَتَّقُواْ﴾ لكَي تطيعوا الله فتتقوا عبَادَة غير الله ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا
﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ يَعْنِي نوحًا ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذين مَعَهُ فِي الْفلك﴾ فِي السَّفِينَة من الْغَرق وَالْعَذَاب ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذين كذبُوا بآياتنآ﴾ بكتابنا ورسولنا نوح ﴿إِنَّهُم كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ﴾ عَن الْهدى كَافِرين بِاللَّه
﴿وَإِلَى عَادٍ﴾ وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَاد ﴿أَخَاهُمْ﴾ نَبِيّهم ﴿هودا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله﴾ وحدوا الله ﴿مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيْرُهُ﴾ غير الَّذِي أدعوكم إِلَيْهِ ﴿أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ عبَادَة غير الله
﴿قَالَ الْمَلأ﴾ الرؤساء ﴿الَّذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ﴾ يَا هود ﴿فِي سَفَاهَةٍ﴾ فِي جَهَالَة ﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبين﴾ فِيمَا تَقول
﴿قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ﴾ جَهَالَة ﴿وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رب الْعَالمين﴾ إِلَيْكُم
﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ﴾ أحذركم من عَذَاب الله وأدعوكم إِلَى التَّوْبَة وَالْإِيمَان ﴿أَمِينٌ﴾ على رِسَالَة رَبِّي وَيُقَال قد كنت أَمينا فِيكُم قبل هَذَا فَكيف تتهموني الْيَوْم
﴿أوعجبتم﴾ بل عجبتم ﴿أَن جَآءَكُمْ﴾ بِأَن جَاءَكُم ﴿ذِكْرٌ﴾ نبوة ﴿من ربكُم على رجل مِنْكُم﴾ آدَمِيّ مثلكُمْ ﴿لِيُنذِرَكُمْ﴾ ليخوفكم من عَذَاب الله ﴿واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ من بعد هَلَاك قوم نوح ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخلق﴾ فِي الطول والجسم ﴿بسطة﴾ فَضِيلَة ﴿فاذكروا آلآءَ الله﴾ نعماء الله وآمنوا بِهِ ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَرَ﴾ نَتْرُك ﴿مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ من آلِهَة شَتَّى ﴿فأتنا بِمَا تعدنآ﴾ من الْعَذَاب ﴿إِن كنت من الصَّادِقين﴾
﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ﴾ وَجب ﴿عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ﴾ عَذَاب ﴿وَغَضَبٌ﴾ سخط من ربكُم ﴿أَتُجَادِلُونَنِي﴾ أتخاصمونني ﴿فِي أَسْمَآءٍ﴾ فِي أصنام ﴿سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ﴾ آلِهَة ﴿مَّا نَزَّلَ الله بِهَا﴾ بعبادتها
130
﴿مِن سُلْطَانٍ﴾ من كتاب وَلَا حجَّة ﴿فانتظروا﴾ لهلاكي ﴿إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين﴾ لهلاككم
131
﴿فَأَنجَيْنَاهُ﴾ يَعْنِي هوداً ﴿وَالَّذين مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا﴾ عَلَيْهِم ﴿وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أَي استأصلنا الَّذين كذبُوا بكتابنا ورسولنا هود ﴿وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ وَكلهمْ كَانُوا كَافِرين الَّذين أهلكوا
﴿وَإِلَى ثَمُودَ﴾ وَأَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُود ﴿أَخَاهُمْ﴾ نَبِيّهم وَيُقَال كَانَ أَخَاهُم فِي النّسَب وَلم يكن أَخَاهُم فِي الدّين ﴿صَالحا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله﴾ وحدوا الله ﴿مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره﴾ غير الَّذِي أَمركُم أَن تؤمنوا بِهِ ﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ بَيَان من ربكُم ﴿هَذِه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً﴾ عَلامَة على رِسَالَة الله ﴿فَذَرُوهَا﴾ اتركوها ﴿تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله﴾ الْحجر من عشبها ﴿وَلاَ تمسوها بِسوء﴾ بعقر ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بعد عقرهَا
﴿واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ﴾ مستخلفين فِي الأَرْض ﴿مِن بَعْدِ عَادٍ﴾ من بعد هَلَاك عَاد ﴿وَبَوَّأَكُمْ﴾ أنزلكم ﴿فِي الأَرْض تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا﴾ تبنون من طينها ﴿قُصُوراً﴾ للصيف ﴿وَتَنْحِتُونَ الْجبَال﴾ فِي الْجبَال ﴿بُيُوتاً﴾ للشتاء ﴿فاذكروا آلآءَ الله﴾ نعماء الله وآمنوا بِهِ ﴿وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْض مُفْسِدِينَ﴾ لَا تعملوا فِي الأَرْض بِالْمَعَاصِي وَالدُّعَاء إِلَى غير الله
﴿قَالَ الْمَلأ﴾ الرؤساء ﴿الَّذين استكبروا﴾ عَن الْإِيمَان ﴿مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ استضعفوا﴾ قهروا ﴿لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ﴾ من الضُّعَفَاء ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ إِلَيْكُم ﴿قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ﴾ صَالح ﴿مُؤْمِنُونَ﴾ مصدقون
﴿قَالَ الَّذين استكبروا﴾ عَن الْإِيمَان ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ جاحدون
﴿فَعَقَرُواْ النَّاقة﴾ قتلوها ﴿وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ أَبَوا عَن قبُول أَمر رَبهم الَّذِي أَمرهم صَالح ﴿وَقَالُوا يَا صَالح ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ﴾ من الْعَذَاب ﴿إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسلين﴾ استهزاء بِهِ
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ الزلزلة والصيحة بِالْعَذَابِ ﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ﴾ فصاروا فِي مدينتهم ﴿جَاثِمِينَ﴾ ميتين لَا يتحركون
﴿فَتَوَلّى عَنْهُمْ﴾ خرج من بَينهم صَالح قبل أَن يهْلكُوا ﴿وَقَالَ يَا قوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ حذرتكم من عَذَاب الله ودعوتكم إِلَى التَّوْبَة وَالْإِيمَان ﴿وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين﴾ لم تطيعوا الناصحين
﴿وَلُوطاً﴾ وَأَرْسَلْنَا لوطاً إِلَى قومه ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَة﴾ يَعْنِي اللواطة ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا﴾ بِهَذَا الْعَمَل ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ أحد ﴿مِّن الْعَالمين﴾ قبلكُمْ
﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَال﴾
131
أدبار الرِّجَال ﴿شَهْوَةً﴾ أشهى لكم ﴿مِّن دُونِ النسآء﴾ من فروج النِّسَاء ﴿بل أَنْتُم قوم مُّسْرِفُونَ﴾ فِي الشّرك معتدون الْحَلَال إِلَى الْحَرَام
132
﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ لم يكن جَوَاب قومه ﴿إِلاَّ أَن قَالُوا﴾ قَالَ بَعضهم لبَعض ﴿أخرجوهم﴾ يَعْنِي لوطا وابنتيه زعورا وريشا ﴿مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾ من مدينتكم ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ يتنزهون عَن أدبار الرِّجَال وَالنِّسَاء
﴿فَأَنجَيْنَاهُ﴾ يَعْنِي لوطاً ﴿وَأَهْلَهُ﴾ وابنتيه زعورا وريثا ﴿إِلاَّ امْرَأَته كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾ صَارَت من المتخلفين بِالْهَلَاكِ
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أنزلنَا على مسافريهم وشذاذهم ﴿مَّطَراً﴾ حِجَارَة من السَّمَاء ﴿فَانْظُر﴾ يَا مُحَمَّد ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرمين﴾ صَار آخر أَمر الْمُشْركين بِالْهَلَاكِ
﴿وَإِلَى مَدْيَنَ﴾ وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدين ﴿أَخَاهُمْ﴾ نَبِيّهم ﴿شعيبا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله﴾ وحدوا الله ﴿مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَه غَيره﴾ غير الَّذِي أَمركُم أَن تؤمنوا بِهِ ﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾ بَيَان ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ على رِسَالَة الله ﴿فَأَوْفُواْ الْكَيْل وَالْمِيزَان﴾ أَتموا الْكَيْل وَالْمِيزَان ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاس أَشْيَاءَهُمْ﴾ وَلَا تنقصوا حُقُوق النَّاس فِي الْكَيْل وَالْوَزْن ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض﴾ بِالْمَعَاصِي وَالدُّعَاء إِلَى غير الله وَالنَّقْص فِي الْكَيْل وَالْوَزْن ﴿بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ بِالطَّاعَةِ وَالدُّعَاء إِلَى الله وَالْوَفَاء بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن ﴿ذَلِكُم﴾ التَّوْحِيد وَالْوَفَاء بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ مِمَّا أَنْتُم فِيهِ ﴿إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ مقرين بِمَا أَقُول لكم
﴿وَلاَ تَقْعُدُواْ﴾ وَلَا تجلسوا ﴿بِكُلِّ صِرَاطٍ﴾ طَرِيق على كل طَرِيق فِيهِ ممر النَّاس ﴿تُوعِدُونَ﴾ تضربون وتخوفون وتأخذون ثِيَاب من مر بكم من الغرباء ﴿وَتَصُدُّونَ﴾ تصرفون ﴿عَن سَبِيلِ الله﴾ عَن دين الله وطاعته ﴿مَنْ آمَنَ بِهِ﴾ بشعيب ﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ تطلبونها غيراً ﴿واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً﴾ بِالْعدَدِ ﴿فَكَثَّرَكُمْ﴾ بِالْعدَدِ ﴿وانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين﴾ كَيفَ صَار آخر أَمر الْمُشْركين قبلكُمْ بِالْهَلَاكِ
﴿وَإِن كَانَ﴾ وَقد كَانَ ﴿طَآئِفَةٌ مَّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا﴾ وَبَيْنكُم بِالْعَذَابِ ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمين﴾ القاضين
﴿قَالَ الْمَلأ﴾ الرؤساء ﴿الَّذين استكبروا﴾ عَن الْإِيمَان ﴿من قومه لنخرجنك يَا شُعَيْب وَالَّذين آمَنُواْ مَعَكَ﴾ بك ﴿مِن قَرْيَتِنَآ﴾ من مدينتنا ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ﴾ تدخلن ﴿فِي مِلَّتِنَا﴾ فِي ديننَا ﴿قَالَ﴾ شُعَيْب ﴿أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾ أتجبروننا على ذَلِك وَإِن كُنَّا كارهين
﴿قَدِ افترينا﴾ اختلقنا ﴿عَلَى الله كَذِباً﴾ بَاطِلا ﴿إِنْ عُدْنَا﴾ إِن دَخَلنَا ﴿فِي مِلَّتِكُمْ﴾ فِي دينكُمْ ﴿بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا﴾ من دينكُمْ ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَآ﴾ مَا يجوز لنا ﴿أَن نَّعُودَ فِيهَآ﴾ أَن ندخل فِي دينكُمْ الشّرك بِاللَّه ﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّنَا﴾ نزع الْمعرفَة من قلبنا ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْء علما﴾
132
علم منا بِكُل شَيْء ﴿عَلَى الله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿افْتَحْ﴾ اقْضِ ﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ بِالْعَدْلِ ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين﴾ القاضين
133
﴿وَقَالَ الْمَلأ﴾ الرؤساء ﴿الَّذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ﴾ للسفلة ﴿لَئِنِ اتبعتم شُعَيْباً﴾ فِي دينه ﴿إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾ لجاهلون مغبونون
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ الزلزلة والصيحة بِالْعَذَابِ ﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ﴾ فصاروا فِي مدينتهم وعساكرهم ﴿جَاثِمِينَ﴾ ميتين (الَّذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً) هَلَكُوا ﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا﴾ كَأَن لم يَكُونُوا فِي الأَرْض
﴿الَّذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين﴾ صَارُوا هم المغبونين فِي الْعقُوبَة
﴿فَتَوَلّى عَنْهُمْ﴾ خرج من بَينهم قبل الْهَلَاك ﴿وَقَالَ يَا قوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ حذرتكم من عَذَاب الله ودعوتكم إِلَى التَّوْبَة وَالْإِيمَان ﴿فَكَيْفَ آسى﴾ أَحْزَن ﴿على قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ بِاللَّه أهلكوا
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ﴾ الَّتِي أهلكنا أَهلهَا ﴿مِّن نَّبِيٍّ﴾ مُرْسل ﴿إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا﴾ قبل الْهَلَاك ﴿بالبأسآء﴾ بالخوف وَالْبَلَاء والشدائد ﴿والضرآء﴾ الْأَمْرَاض والأوجاع والجوع ﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرِّعُونَ﴾ لكَي يُؤمنُوا فَلم يُؤمنُوا
﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيئَة الْحَسَنَة﴾ مَكَان الْقَحْط والجدوبة والشدة الخصب والرخاء وَالنَّعِيم ﴿حَتَّى عَفَوْاْ﴾ جمعُوا وَكَثُرت أَمْوَالهم ﴿وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ﴾ قد أصَاب ﴿آبَاءَنَا الضرآء والسرآء﴾ الشدَّة والرخاء كَمَا أَصَابَنَا فصبروا على دينهم فَنحْن مثلهم نقتدي بهم ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ فَجْأَة بِالْعَذَابِ ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ وهم لَا يعلمُونَ بنزول الْعَذَاب
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقرى﴾ الَّتِي أهلكنا أَهلهَا ﴿آمَنُواْ﴾ بِالْكتاب وَالرسل ﴿وَاتَّقوا﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وتابوا ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء﴾ بالمطر ﴿وَالْأَرْض﴾ بالنبات وَالثِّمَار ﴿وَلَكِن كذبُوا﴾ رسل وكتبي ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾ بِالْقَحْطِ والجدوبة وَالْعَذَاب ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ يكذبُون الْأَنْبِيَاء والكتب
﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقرى﴾ أهل مَكَّة ﴿أَن يَأْتِيَهُمْ﴾ أَن لَا يَأْتِيهم ﴿بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿بَيَاتاً﴾ لَيْلًا ﴿وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾ غافلون عَن ذَلِك
﴿أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقرى﴾ أهل مَكَّة ﴿أَن يَأْتِيَهُمْ﴾ أَن لَا يَأْتِيهم ﴿بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿ضُحًى﴾ نَهَارا ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ يَخُوضُونَ فِي الْبَاطِل
﴿أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله﴾ عَذَاب الله ﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله﴾ عَذَاب الله ﴿إِلاَّ الْقَوْم الخاسرون﴾ المغبونون الْكَافِرُونَ
﴿أَوَلَمْ يَهْدِ﴾ أَو لم يتَبَيَّن ﴿لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْض﴾ أَرض مَكَّة ﴿مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ﴾ من بعد هَلَاك أَهلهَا ﴿أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ﴾ عذبناهم ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ كَمَا عذبنا الَّذين من قبلهم ﴿وَنَطْبَعُ﴾ لكَي نختم ﴿على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يسمعُونَ﴾ الْهدى وَلَا يصدقون بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن
﴿تِلْكَ الْقرى﴾ الَّتِي أهلكنا أَهلهَا ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ ننزل عَلَيْك جِبْرِيل ﴿مِنْ أَنبَآئِهَا﴾ بِخَبَر هلاكها ﴿وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات ﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ﴾ بالكتب وَالرسل ﴿بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ﴾ من قبل يَوْم الْمِيثَاق وَيُقَال لم يُؤمن آخر الْأُمَم بِمَا كذبت أول الْأُمَم ﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿يَطْبَعُ الله﴾ يخْتم الله ﴿على قُلُوبِ الْكَافرين﴾ بِاللَّه فِي علم الله
﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم﴾ أَكْثَرهم ﴿مِّنْ عَهْدٍ﴾ على عهد الأول ﴿وَإِن وَجَدْنَآ﴾ وَقد وجدنَا ﴿أَكْثَرَهُمْ﴾ كلهم ﴿لَفَاسِقِينَ﴾ لناقضين الْعَهْد
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا﴾ أرسلنَا ﴿مِن بَعْدِهِم﴾ من بعد هَؤُلَاءِ الرُّسُل ﴿مُوسَى بِآيَاتِنَآ﴾ التسع ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ قومه ﴿فَظَلَمُواْ بِهَا﴾ فجحدوا بِالْآيَاتِ ﴿فَانْظُر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين﴾ كَيفَ صَار آخر أَمر الْمُشْركين بِالْهَلَاكِ
﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْن إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالمين﴾ إِلَيْك قَالَ فِرْعَوْن كذبت
قَالَ مُوسَى ﴿حَقِيقٌ عَلَى﴾ جدير على ﴿أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى الله إِلاَّ الْحق﴾ الصدْق ﴿قد جِئتُكُمْ بِبَيِّنَة﴾ بَيَان ﴿مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ﴾ مَعَ أَمْوَالهم قليلهم وكثيرهم
﴿قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ﴾ بعلامة ﴿فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين﴾ بأنك رَسُول
﴿فَألْقى عَصَاهُ﴾ أول آيَة ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ حَيَّة صفراء ذكر أعظم الْحَيَّات
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ من إبطه ﴿فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ﴾ تضىء ﴿للناظرين﴾ إِلَيْهَا
﴿وَقَالَ الْمَلأ﴾ الرؤساء ﴿مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾ حاذق بِالسحرِ
﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾ أَرض مصر ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ فَقَالَ فِرْعَوْن لَهُم بِمَاذَا تشيرون فِي أمره
﴿قَالُوا أرجه﴾ قفه ﴿وأخاه﴾ هرون وَلَا تقتلهما ﴿وَأَرْسِلْ فِي المدآئن حَاشِرِينَ﴾ الشَّرْط
﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ حاذق بِالسحرِ
﴿وَجَآءَ السَّحَرَة فِرْعَوْن﴾ سَبْعُونَ ساحرا ﴿وَقَالُوا﴾ لفرعون ﴿إِنَّ لَنَا لأَجْراً﴾ هَدِيَّة تُعْطِينَا ﴿إِن كُنَّا نَحْنُ الغالبين﴾ لمُوسَى
﴿قَالَ نَعَمْ﴾ لكم عِنْدِي ذَلِك ﴿وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين﴾ إِلَى بالمنزلة
﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ﴾ أَولا ﴿وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ الملقين﴾ أَولا
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿أَلْقَوْاْ مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ أَولا ﴿فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ﴾ سبعين عَصا وَسبعين حبلا ﴿سحروا أَعْيُنَ النَّاس﴾ أخذُوا أعين النَّاس بِالسحرِ ﴿واسترهبوهم﴾ استفزعوهم ﴿وجاؤوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ كذب بَين وَيُقَال برقية عَظِيمَة
﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ فَألْقى ﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ﴾ تلقم ﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾ مأفوكهم من العصي والحبال
﴿فَوَقَعَ الْحق﴾ فاستبان أَن الْحق مَعَ مُوسَى ﴿وَبَطَلَ﴾ اضمحل ﴿مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ من السحر
﴿فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ﴾ فَغَلَبَهُمْ مُوسَى عِنْد ذَلِك ﴿وانقلبوا﴾ رجعُوا ﴿صَاغِرِينَ﴾ ذليلين
﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَة﴾ خر السَّحَرَة ﴿سَاجِدِينَ﴾ لله وَيُقَال سجدوا من سرعَة سجودهم كَأَنَّهُمْ ألقوا
﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالمين﴾ قَالَ فِرْعَوْن إيَّايَ تعنون
قَالُوا ﴿رب مُوسَى وَهَارُون قَالَ فِرْعَوْن آمنتم بِهِ﴾ صَدقْتُمْ بِرَبّ مُوسَى وهرون ﴿قَبْلَ أَن آذَنَ﴾ أَن آمُر ﴿لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَة﴾ فِيمَا بَيْنكُم وَبَين مُوسَى ﴿لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا﴾ بالمكر ﴿فَسَوْفَ تعلمُونَ﴾
﴿لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ﴾ الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى ﴿ثمَّ لأصلبنكم أَجْمَعِينَ﴾ على شاطىء النَّهر
﴿قَالُوا﴾ يَعْنِي السَّحَرَة ﴿إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ﴾ رَاجِعُون
﴿وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ﴾ مَا تطعن علينا وتعاقبنا ﴿إِلاَّ أَنْ آمَنَّا﴾ بِأَن آمنا ﴿بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا﴾ حِين جاءتنا ﴿رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً﴾ أكرمنا بِالصبرِ عِنْد الصلب وَالْقطع لكَي لَا نرْجِع كفَّارًا ﴿وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ مُخلصين على دين مُوسَى
﴿وَقَالَ الْمَلأ﴾ الرؤساء ﴿مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى﴾ تتْرك مُوسَى ﴿وَقَوْمَهُ﴾ لَا تقتلهم ﴿لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْض﴾ بتغيير الدّين وَالْعِبَادَة ﴿وَيَذَرَكَ﴾ يتركك ﴿وَآلِهَتَكَ﴾ وَعبادَة آلهتك إِن قَرَأت بِكَسْر اللَّام وَنصب التَّاء وَيُقَال عبادتك بالإلهية إِن قَرَأت بِنصب اللَّام وَالتَّاء ﴿قَالَ﴾ فِرْعَوْن ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ﴾ صغَارًا كَمَا قتلناهم أول مرّة ﴿وَنَسْتَحْيِي﴾ نستخدم ﴿نِسَآءَهُمْ﴾ كبارًا ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ﴾ عَلَيْهِم ﴿قَاهِرُونَ﴾ مسلطون
﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّه واصبروا﴾ على الْبلَاء ﴿إِنَّ الأَرْض﴾ أَرض مصر ﴿لِلَّهِ يُورِثُهَا﴾ ينزلها ﴿مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقبَة﴾ الْجنَّة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
﴿قَالُوا﴾ يَا مُوسَى ﴿أُوذِينَا﴾ عذبنا بقتل الْأَبْنَاء واستخدم النِّسَاء وَالْعَمَل ﴿مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ بالرسالة ﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿عَسى رَبُّكُمْ﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ فِرْعَوْن وَقَومه بِالسِّنِينَ بِالْقَحْطِ والجوع ﴿وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْض﴾ يجعلكم سكان الأَرْض أَرض مصر ﴿فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ فِي طَاعَته
﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ﴾ قومه ﴿بِالسِّنِينَ﴾ بِالْقَحْطِ والجوع عَاما بعد عَام ﴿وَنَقْصٍ مِّن الثمرات﴾ من ذهَاب الثمرات ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ لكَي يتعظوا
﴿فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَة﴾ الخصب والرخاء وَالنَّعِيم ﴿قَالُواْ لَنَا﴾ يَنْبَغِي لنا
135
﴿هَذِه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ الْقَحْط والجدوبة والشدة ﴿يَطَّيَّرُواْ﴾ يتشاءموا ﴿بمُوسَى وَمَن مَّعَهُ﴾ قَالَ الله ﴿أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ﴾ شدتهم ورخاؤهم ﴿عِندَ الله﴾ من الله ﴿وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ﴾ كلهم ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك وَلَا يصدقون
136
﴿وَقَالُوا﴾ يَا مُوسَى ﴿مهما﴾ كلما ﴿تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ﴾ من عَلامَة ﴿لِّتَسْحَرَنَا بِهَا﴾ لتأْخذ أَعيننَا بهَا ﴿فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ بمصدقين بالرسالة فَدَعَا عَلَيْهِم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ﴾ سلط الله عَلَيْهِم ﴿الطوفان﴾ الْمَطَر من السَّمَاء دَائِما من سبت إِلَى سبت لَا يَنْقَطِع لَيْلًا وَلَا نَهَارا ﴿وَالْجَرَاد﴾ وسلط عَلَيْهِم بعد ذَلِك الْجَرَاد حَتَّى أكل مَا أنبتت الأَرْض من النَّبَات وَالثِّمَار ﴿وَالْقمل﴾ وسلط الله عَلَيْهِم بعد ذَلِك الْقمل حَتَّى أكل مَا بَقِي من الْجَرَاد الصَّغِير وَهِي الدبى بِلَا أَجْنِحَة ﴿والضفادع﴾ وسلط عَلَيْهِم بعد ذَلِك الضفادع حَتَّى آذاهم ﴿وَالدَّم﴾ وسلط عَلَيْهِم بعد ذَلِك الدَّم حَتَّى صَار قليبهم وأنهارهم دَمًا ﴿آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ﴾ مبينات بَين كل آيَتَيْنِ شهرا ﴿فاستكبروا﴾ عَن الْإِيمَان وَلم يُؤمنُوا ﴿وَكَانُواْ قَوْماً مجرمين﴾ مُشْرِكين
﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز﴾ كلما نزل عَلَيْهِم الْعَذَاب مثل الطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم ﴿قَالُوا يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك﴾ سل لنا رَبك ﴿بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ بِمَا أَمر رَبك ﴿لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز﴾ رفعت عَنَّا الْعَذَاب ﴿لَنُؤْمِنَنَّ﴾ لنصدقن ﴿لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بني إِسْرَآئِيلَ﴾ مَعَ أَمْوَالهم قليلهم وكثيرهم
﴿فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز﴾ فَلَمَّا رفعنَا عَنْهُم الْعَذَاب ﴿إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ﴾ يَعْنِي الْغَرق ﴿إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ ينقضون عَهدهم مَعَ مُوسَى
﴿فانتقمنا مِنْهُمْ﴾ بِمرَّة وَاحِدَة ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليم﴾ فِي الْبَحْر ﴿بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ التسع ﴿وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ جاحدين بهَا
﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْم الَّذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ﴾ يستذلون ﴿مَشَارِقَ الأَرْض﴾ أَرض بَيت الْمُقَدّس وفلسطين وأردن ومصر ﴿وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ فِي بَعْضهَا بِالْمَاءِ وَالشَّجر ﴿وَتَمَّتْ﴾ وَجَبت ﴿كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحسنى﴾ بِالْجنَّةِ وَيُقَال بالنصرة ﴿على بني إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ﴾ على الْبلَاء وَيُقَال على دينهم ﴿وَدَمَّرْنَا﴾ أهلكنا ﴿مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ من الْقُصُور والمدائن ﴿وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ﴾ من الشّجر والكروم وَيُقَال يبنون
﴿وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَآئِيلَ الْبَحْر فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ﴾ يُقَال لَهُم الرقم بَقِيَّة من قوم إِبْرَاهِيم ﴿يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ﴾ يُقِيمُونَ على عبَادَة أصنام لَهُم ﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَآ إِلَهًا﴾ بَين إِلَهًا نعبده ﴿كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ يعبدونها ﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أَمر الله
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ﴾ مهلك ﴿مَّا هُمْ فِيهِ﴾ من الشّرك ﴿وَبَاطِلٌ﴾ ضلال ﴿مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فِي الشّرك
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ إِلَهًا﴾
136
آمركُم أَن تعبدوا رَبًّا ﴿وَهُوَ﴾ وَقد ﴿فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالمين﴾ عالمي زمانكم بِالْإِسْلَامِ
137
﴿وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ﴾ من فِرْعَوْن وَقَومه ﴿يسومونكم سوء الْعَذَاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ﴾ صغَارًا ﴿وَيَسْتَحْيُونَ﴾ يستخدمون ﴿نِسَآءَكُمْ﴾ كبارًا ﴿وَفِي ذَلِكُم﴾ فِيمَا نجاكم ﴿بلَاء﴾ نعْمَة ﴿مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ عَظِيمَة وَيُقَال وَفِي ذَلِكُم فِي عَذَابه بلَاء بلية من ربكُم عَظِيم عَظِيمَة
﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى﴾ الْإِتْيَان إِلَى الْجَبَل ﴿ثَلاَثِينَ لَيْلَةً﴾ شهر ذِي الْقعدَة ﴿وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ من ذِي الْحجَّة ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ﴾ ميعاد ربِّهِ ﴿أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ كَمَا وعده ﴿وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني﴾ كن خليفتي ﴿فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾ مرهم بالصلاح ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين﴾ طَرِيق المفسدين بِالْمَعَاصِي
﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا﴾ لميعادنا بمدين ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ طمع فِي الرُّؤْيَة ﴿قَالَ﴾ الله ﴿لَن تَرَانِي﴾ لن تقدر أَن تراني فِي الدُّنْيَا يَا مُوسَى ﴿وَلَكِن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ أعظم جبل بمدين ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ﴾ فَإِن اسْتَقر الْجَبَل لرؤيتي ﴿فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ فلعلك تراني ﴿فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ ظهر لجبل زبير ﴿جَعَلَهُ دَكّاً﴾ كسراً ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً﴾ مغشياً عَلَيْهِ ﴿فَلَمَّآ أَفَاقَ﴾ من غَشيته ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ﴾ نزه ربه ﴿تُبْتُ إِلَيْك﴾ من مسئلتي الرُّؤْيَة ﴿وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤمنِينَ﴾ المقرين بأنك لن ترى فِي الدُّنْيَا
﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك عَلَى النَّاس﴾ على بني إِسْرَائِيل ﴿بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي﴾ وبتكلمي مَعَك ﴿فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ﴾ فاعمل بِمَا أَعطيتك ﴿وَكُنْ مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ بتكليمي مَعَك من بَين النَّاس
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً﴾ نهيا ﴿وَتَفْصِيلاً﴾ تبياناً ﴿لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ فاعمل بهَا بجد ومواظبة النَّفس ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بأحسنها﴾ يعملوا بمحكمها ويؤمنوا بمتشابهها ﴿سأريكم دَارَ الْفَاسِقين﴾ يَعْنِي دَار العاصين وَهِي جَهَنَّم وَيُقَال الْعرَاق وَيُقَال مصر
﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي﴾ عَن الْإِقْرَار بآياتي ﴿الَّذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق﴾ بِلَا حقّ وَيُقَال سأريكم يَا مُحَمَّد دَار الْفَاسِقين دَار بدر وَيُقَال مَكَّة ﴿وَإِن يَرَوْاْ﴾ يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَومه وَيُقَال أَبُو جهل وَأَصْحَابه ﴿كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد﴾ طَرِيق الْإِسْلَام وَالْخَيْر ﴿لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ لَا يحسبوه طَرِيقا ﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي﴾ طَرِيق الْكفْر والشرك ﴿يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ يحسبوه طَرِيقا ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت ﴿بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بكتابنا ورسولنا
137
﴿وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ جاحدين بهَا
138
﴿وَالَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بكتابنا ورسولنا ﴿وَلِقَآءِ الْآخِرَة﴾ الْبَعْث بعد الْمَوْت ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ بطلت حسناتهم فِي الشّرك ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ﴾ مَا يجزون فِي الْآخِرَة ﴿إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا وَيَقُولُونَ من الشّرك
﴿وَاتخذ﴾ صاغ ﴿قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد انطلاق مُوسَى إِلَى الْجَبَل ﴿مِنْ حُلِيِّهِمْ﴾ من ذهبهم ﴿عِجْلاً جَسَداً﴾ مجسداً صَغِيرا ﴿لَّهُ خُوَارٌ﴾ صَوت صاغ لَهُم السامري ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ﴾ ألم يعلم قوم مُوسَى ﴿أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ﴾ يَعْنِي الْعجل بِشَيْء ﴿وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً﴾ طَرِيقا ﴿اتخذوه﴾ عبدوه بِالْجَهْلِ ﴿وَكَانُواْ ظَالِمِينَ﴾ صَارُوا ضارين لأَنْفُسِهِمْ بعبادتهم إِيَّاه
﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ﴾ ندموا على عِبَادَتهم الْعجل ﴿وَرَأَوْاْ﴾ علمُوا وأيقنوا ﴿أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ﴾ عَن الْحق وَالْهدى ﴿قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا﴾ فيعذبنا ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين﴾ بالعقوبة
﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً﴾ حَزينًا حِين سمع صَوت الْفِتْنَة ﴿قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بعدِي﴾ بئس مَا صَنَعْتُم بِعبَادة الْعجل من بعد انطلاقي إِلَى الْجَبَل ﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾ أسبقتم بِعبَادة الْعجل وعد ربكُم ﴿وَأَلْقَى الألواح﴾ من يَده فانكسر مِنْهَا لوحان ﴿وَأخذ بِرَأْس أَخِيه﴾ أَي بِشعر هرون ﴿يجره إِلَيْهِ﴾ إِلَى نَفسه ﴿قَالَ﴾ هرون ﴿ابْن أُمَّ﴾ وَقد كَانَ أَخَاهُ من أَبِيه وَأمه وَإِنَّمَا ذكر الْأُم لكَي يرفق بِهِ ﴿إِنَّ الْقَوْم استضعفوني﴾ استذلوني ﴿وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي﴾ بخلافهم إيَّايَ ﴿فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعدآء﴾ فَلَا تفرح بِي الْأَعْدَاء أَصْحَاب الْعجل ﴿وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين﴾ لَا تعذبني فِي أَصْحَاب الْعجل
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿رَبِّ اغْفِر لِي﴾ لما صنعت بأخي هرون ﴿ولأخي﴾ هرون بِمَا لم يناجزهم بِالْقِتَالِ ﴿وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ﴾ فِي جنتك ﴿وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ بِنَا
﴿إِنَّ الَّذين اتَّخذُوا﴾ عبدُوا ﴿الْعجل﴾ وَمن اقْتدى بهم ﴿سَيَنَالُهُمْ﴾ سَيُصِيبُهُمْ ﴿غَضَبٌ﴾ سخط ﴿مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ﴾ مذلة بالجزية ﴿فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نَجْزِي المفترين﴾ الْكَاذِبين على الله
﴿وَالَّذين عَمِلُواْ السَّيِّئَات﴾ فِي الشّرك بِاللَّه ﴿ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا﴾ بعد الشّرك وَيُقَال بعد السَّيِّئَات ﴿وآمنوا﴾ وحدوا وأقروا بِاللَّه ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يَا مُوسَى وَيُقَال يَا مُحَمَّد ﴿مِن بَعْدِهَا﴾ من بعد التَّوْبَة وَالْإِيمَان ﴿لَغَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾
﴿وَلَماَّ سَكَتَ﴾ سكن ﴿عَن مُّوسَى الْغَضَب أَخَذَ الألواح وَفِي نُسْخَتِهَا﴾ فِيمَا بَقِي مِنْهَا وَيُقَال فِيمَا أُعِيد لَهُ فِي اللَّوْحَيْنِ ﴿هُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ من الْعَذَاب ﴿لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يرهبون﴾ يخَافُونَ
﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ من قومه ﴿سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا﴾ لميعادنا
138
﴿فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾ الزلزلة بِالْهَلَاكِ يَعْنِي الْمَوْت ﴿قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ﴾ من قبل هَذَا الْيَوْم ﴿وَإِيَّايَ﴾ بقتلي القبطي ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء﴾ الْجُهَّال ﴿مِنَّآ﴾ بِعبَادة الْعجل ظن مُوسَى أَنما أهلكهم بِعبَادة قَومهمْ الْعجل ﴿إِنْ هِيَ﴾ مَا هِيَ ﴿إِلاَّ فِتْنَتُكَ﴾ بليتك ﴿تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ﴾ من الْفِتْنَة ﴿أَنتَ وَلِيُّنَا﴾ أولى بِنَا ﴿فَاغْفِر لَنَا وارحمنا﴾ وَلَا تعذبنا ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين﴾ المتجاوزين
139
﴿واكتب لَنَا﴾ أوجب لنا ﴿فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ الْعلم وَالْعِبَادَة والعصمة من الذُّنُوب ﴿وَفِي الْآخِرَة﴾ حَسَنَة الْجنَّة وَنَعِيمهَا ﴿إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ﴾ تبنا إِلَيْك وَيُقَال أَقبلنَا إِلَيْك ﴿قَالَ﴾ الله ﴿عَذَابي أُصِيبُ بِهِ﴾ أخص بِهِ ﴿مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ من الْبر والفاجر فتطاول لَهَا إِبْلِيس فَقَالَ أَنا من الْأَشْيَاء فَأخْرجهُ الله مِنْهَا فَقَالَ ﴿فسأكتبها﴾ سأوجبها ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة﴾ يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم ﴿وَالَّذين هُم بِآيَاتِنَا﴾ بكتابنا ورسولنا ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ فتطاول لَهَا أهل الْكتاب فَقَالُوا نَحن أهل التَّقْوَى وَالْكتاب فَأخْرجهُمْ الله مِنْهَا
وَبَين لمن الرَّحْمَة فَقَالَ ﴿الَّذين يَتَّبِعُونَ الرَّسُول﴾ ﴿النَّبِي الْأُمِّي﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ﴾ بنعته وَصفته ﴿مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِحْسَان ﴿وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكر﴾ عَن الْكفْر أَو الْإِسَاءَة ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَات﴾ يبين لَهُم تَحْلِيل مَا فِي الْكتاب من لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا وشحوم الْبَقر وَالْغنم وَغَيرهَا ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث﴾ يبين لَهُم تَحْرِيم مَا فِي الْكتاب من الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَغير ذَلِك ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾ عهودهم الَّتِي كَانَ يحرم عَلَيْهِم بنقضها الطَّيِّبَات ﴿والأغلال﴾ الشدائد ﴿الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ من قطع الثِّيَاب وَغَيرهَا ﴿فَالَّذِينَ آمنُوا بِهِ﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه ﴿وَعَزَّرُوهُ﴾ أعانوه ﴿وَنَصَرُوهُ﴾ بِالسَّيْفِ ﴿وَاتبعُوا النُّور﴾ الْقُرْآن ﴿الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ﴾ أنزل جِبْرِيل بِهِ عَلَيْهِ أحلُّوا حَلَاله وحرموا حرَامه ﴿أُولَئِكَ هُمُ المفلحون﴾ الناجون من السخط وَالْعَذَاب
﴿قل﴾ يَا مُحَمَّد ﴿يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾ كَافَّة ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ﴾ خَزَائِن ﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَا إِلَه﴾ لَا رَازِق ﴿إِلاَّ هُوَ يُحْيِي﴾ للبعث ﴿وَيُمِيتُ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿فَآمِنُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّه﴾ الَّذِي هُوَ يُؤمن بِاللَّه ﴿وَكَلِمَاتِهِ﴾ بكتابه الْقُرْآن وَإِن قَرَأت وكلمته يَقُول وبعيسى أَنه صَار بِكَلِمَة من الله مخلوقاً يَعْنِي كن فَكَانَ ﴿واتبعوه﴾ اتبعُوا دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لكَي تهتدوا من الضَّلَالَة بِالْإِيمَان
﴿وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ﴾ جمَاعَة ﴿يَهْدُونَ﴾ يأمرون ﴿بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ وبالحق يعْملُونَ وهم الَّذين وَرَاء نهر الرمل
﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ﴾ فرقناهم ﴿اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً﴾ سبطاً سبطاً تِسْعَة أَسْبَاط وَنصف سبط من قبل الْمشرق عِنْد مطلع الشَّمْس خلف الصين على نهر رمل يُسمى أردن وسبطين وَنصفا فِي جَمِيع الْعَالم
139
﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى﴾ أمرنَا مُوسَى ﴿إِذِ استسقاه قَوْمُهُ﴾ فِي التيه ﴿أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحجر﴾ الَّذِي مَعَك ﴿فانبجست﴾ فانخرجت ﴿مِنْهُ﴾ من الْحجر ﴿اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً﴾ نَهرا ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ﴾ سبط ﴿مَّشْرَبَهُمْ﴾ من النَّهر ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَام﴾ فِي التيه كَانَ يظلهم بِالنَّهَارِ من الشَّمْس ويضيء لَهُم بِاللَّيْلِ مثل السراج ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنّ والسلوى﴾ فِي التيه ﴿كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أعطيناكم من الْمَنّ والسلوى ﴿وَمَا ظَلَمُونَا﴾ مَا نقصونا وَمَا ضرونا بِمَا رفعوا ﴿وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ ينقصُونَ ويضرون
140
﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا﴾ انزلوا ﴿هَذِه الْقرْيَة﴾ قَرْيَة أرِيحَا ﴿وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ﴾ وَمَتى شِئْتُم ﴿وَقُولُواْ حِطَّةٌ﴾ لَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال حط عَنَّا الْخَطَايَا ﴿وادخلوا الْبَاب﴾ بَاب أريحاء ﴿سُجَّداً﴾ ركعا ﴿نغفر لكم خطيئاتكم سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ فِي إحسانهم
﴿فَبَدَّلَ﴾ فَغير ﴿الَّذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾ وهم أَصْحَاب الْخَطِيئَة وَقَالُوا ﴿قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ آمُر لَهُم أمروا بالحطة فَقَالُوا حِنْطَة سمقاتا ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السمآء﴾ طاعوناً من السَّمَاء ﴿بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ﴾ يغيرون
﴿واسألهم﴾ يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْيَهُود ﴿عَنِ الْقرْيَة﴾ عَن خبر الْقرْيَة وَهِي تسمى أَيْلَة ﴿الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْر إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت﴾ يعتدون يَوْم السبت بِأخذ الْحيتَان ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً﴾ جماعات جماعات من غمر المَاء إِلَى شاطئه ﴿وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نَبْلُوهُم﴾ نختبرهم ﴿بِمَا كَانُوا يفسقون﴾ يعصون
﴿وَإِذ قَالَتْ أُمَّةٌ﴾ جمَاعَة ﴿مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ﴾ بالمسخ ﴿أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً﴾ بالنَّار ﴿قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ حجَّة لنا عِنْد ربكُم ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ عَن أَخذ الْحيتَان يَوْم السبت وَكَانُوا ثَلَاثَة نفر نفر كَانُوا يصطادون ويأمرون بذلك وَنَفر كَانُوا لَا يصطادون وَلَا ينهون عَن ذَلِك وَنَفر كَانُوا لَا يصطادون وَينْهَوْنَ عَن ذَلِك فمسخ النَّفر الَّذين كَانُوا يصطادون ويأمرون بذلك وَنَجَا الْآخرَانِ
﴿فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ﴾ تركُوا مَا أمروا بِهِ ﴿أنجينا الَّذين ينهون عَن السوء﴾ عَن أَخذ الْحيتَان يَوْم السبت ﴿وَأَخَذْنَا الَّذين ظَلَمُواْ﴾ بِأخذ الْحيتَان يَوْم السبت ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ شَدِيد ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ يعصون
﴿فَلَماَّ عَتَوْاْ﴾ أَبَوا عَن مَا نهوا عَنهُ ﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ﴾ صيروا ﴿قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ صاغرين ذليلين
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ﴾ قَالَ لَهُم رَبك ﴿لَيَبْعَثَنَّ﴾ ليسلطن ﴿عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة مَن يَسُومُهُمْ سوء الْعَذَاب﴾
140
من يعذبهم بأشد الْعَذَاب بالجزية وَغَيرهَا وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعقَاب﴾ لشديد الْعقَاب لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَحِيم﴾ لمن آمن بِهِ
141
﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ﴾ فرقناهم ﴿فِي الأَرْض أُمَماً﴾ سبطاً سبطاً ﴿مِّنْهُمُ الصالحون﴾ وهم تِسْعَة أَسْبَاط وَنصف الَّذين وَرَاء نهر الرمل ﴿وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِك﴾ يَعْنِي دون ذَلِك الْقَوْم سَائِر الْمُؤمنِينَ من بني إِسْرَائِيل وَيُقَال دون ذَلِك الْقَوْم يَعْنِي كفار بني إِسْرَائِيل ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ﴾ اختبرناهم بِالْخصْبِ والرخاء وَالنَّعِيم ﴿والسيئات﴾ بِالْقَحْطِ والجدوبة والشدة ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ لكَي يرجِعوا عَن معصيتهم وكفرهم
﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ فَبَقيَ من بعد الصَّالِحين ﴿خَلْفٌ﴾ خلف سوء وهم الْيَهُود ﴿وَرِثُواْ الْكتاب﴾ أخذُوا التَّوْرَاة وكتموا مَا فِيهَا من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته ﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى﴾ يَأْخُذُونَ على كتمان صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته حرَام الدُّنْيَا من الرِّشْوَة وَغَيرهَا ﴿وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾ مَا نَفْعل بِاللَّيْلِ من الذُّنُوب يغْفر لنا بِالنَّهَارِ وَمَا نعمل بِالنَّهَارِ يغْفر لنا بِاللَّيْلِ ﴿وَإِن يَأْتِهِمْ﴾ الْيَوْم ﴿عَرَضٌ مِّثْلُهُ﴾ حرَام مثله مثل مَا أَتَاهُم أمس ﴿يَأْخُذُوهُ﴾ يستحلوه ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ الْكتاب﴾ الْمِيثَاق فِي الْكتاب ﴿أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلَّا الْحق﴾ إِلَّا الصدْق ﴿ودرسوا﴾ قرءوا ﴿مَا فِيهِ﴾ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَيُقَال قرءوا مَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام وَلم يعملوا بِهِ ﴿وَالدَّار الْآخِرَة﴾ يَعْنِي الْجنَّة ﴿خَيْرٌ﴾ أفضل ﴿لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش والرشوة وتغيير صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة من دَار الدُّنْيَا ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أَن الدُّنْيَا فانية وَالْآخِرَة بَاقِيَة
﴿وَالَّذين يُمَسِّكُونَ بِالْكتاب﴾ يعْملُونَ بِمَا فِي الْكتاب يحلونَ حَلَاله ويحرمون حرَامه ويبينون صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلَاة﴾ أَتموا الصَّلَوَات الْخمس ﴿إِنَّا لاَ نُضِيعُ﴾ لَا نبطل ﴿أَجْرَ المصلحين﴾ ثَوَاب الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه
﴿وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَل﴾ قلعنا ورفعنا وحبسنا الْجَبَل ﴿فَوْقهم﴾ فَوق رُءُوسهم ﴿كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ علالي ﴿وظنوا﴾ علمُوا وأيقنوا ﴿أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ نَازل عَلَيْهِم إِن لم يقبلُوا الْكتاب ﴿خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم﴾ اعْمَلُوا بِمَا أعطيناكم ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بجد ومواظبة النَّفس ﴿واذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَيُقَال احْفَظُوا مَا فِيهِ من الْأَمر وَالنَّهْي وَيُقَال اعْمَلُوا بِمَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ لكَي تتقوا السخط وَالْعَذَاب وتطيعوا الله
﴿وَإِذْ﴾ وَقد ﴿أَخَذَ رَبُّكَ﴾ يَا مُحَمَّد يَوْم الْمِيثَاق ﴿مِن بني آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ يَقُول ذُرِّيتهمْ من ظُهُورهمْ مقدم ومؤخر ﴿وَأَشْهَدَهُمْ﴾ استنطقهم ﴿على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلَى شَهِدْنَآ﴾ علمنَا وأقررنا بأنك رَبنَا فَقَالَ الله للْمَلَائكَة اشْهَدُوا عَلَيْهِم وَقَالَ لَهُم ليشهد بَعْضكُم على بعض ﴿أَن تَقُولُواْ﴾ لكَي لَا تَقولُوا ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا﴾ الْمِيثَاق ﴿غَافِلِينَ﴾ لم يُؤْخَذ علينا
﴿أَوْ تَقولُوا﴾ لكَي لَا تَقولُوا ﴿إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ﴾ من قبلنَا وَنَقَضُوا الْمِيثَاق والعهد قبلنَا ﴿وَكُنَّا ذُرِّيَّةً﴾ صغَارًا ضعفاء ﴿مِّن بَعْدِهِمْ﴾ اقتدينا بهم ﴿أَفَتُهْلِكُنَا﴾ أفتعذبنا ﴿بِمَا فَعَلَ المبطلون﴾ الْمُشْركُونَ قبلنَا فِي نقض الْعَهْد
﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نُفَصِّلُ الْآيَات﴾ نبين الْقُرْآن بِخَبَر الْمِيثَاق ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ لكَي يرجِعوا من الْكفْر والشرك إِلَى الْمِيثَاق الأول
﴿واتل عَلَيْهِمْ﴾ اقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد ﴿نَبَأَ﴾ خبر ﴿الَّذِي آتَيْنَاهُ﴾ أعطيناه ﴿آيَاتِنَا﴾ الِاسْم الْأَعْظَم ﴿فانسلخ مِنْهَا﴾ فَخرج مِنْهَا وَهُوَ بلعم بن باعوراء أكْرمه الله بِالِاسْمِ الْأَعْظَم فَدَعَا بِهِ على مُوسَى فَأخذ الله مِنْهُ حفظ ذَلِك وَيُقَال أُميَّة بن أبي الصَّلْت أكْرمه الله تَعَالَى بِعلم حسن وَكَلَام حسن وَلما لم يُؤمن أَخذ الله مِنْهُ ذَلِك ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان﴾ فغره الشَّيْطَان ﴿فَكَانَ مِنَ الغاوين﴾ فَصَارَ من الضَّالّين الْكَافرين
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾
141
بِالِاسْمِ الْأَعْظَم إِلَى السَّمَاء فملكناه بهَا على أهل الدُّنْيَا ﴿وَلكنه أَخْلَدَ إِلَى الأَرْض﴾ مَال إِلَى الأَرْض ﴿وَاتبع هَوَاهُ﴾ هوى الْملك وَيُقَال هوى نَفسه بمساوى الْأُمُور ﴿فَمَثَلُهُ﴾ مثل بلعم وَيُقَال مثل أُميَّة بن أبي الصَّلْت ﴿كَمَثَلِ الْكَلْب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ﴾ إِن تشدد عَلَيْهِ فتطرده ﴿يَلْهَثْ﴾ يدلع لِسَانه ﴿أَوْ تَتْرُكْهُ﴾ فَلَا تطرده ﴿يَلْهَث﴾ يدلع لِسَانه كَذَلِك مثل بلعم وَأُميَّة إِن وعظ لم يتعظ وَإِن سكت عَنهُ لم يعقل ﴿ذَّلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿مَثَلُ الْقَوْم الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وهم الْيَهُود ﴿فاقصص الْقَصَص﴾ فاقرأ عَلَيْهِم الْقُرْآن ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ لكَي يتفكروا فِي أَمْثَال الْقُرْآن
142
﴿سَآءَ مَثَلاً﴾ بئس مثلا ﴿الْقَوْم الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن إِذا كَانَ مثلهم كَمثل الْكَلْب ﴿وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ﴾ يضرون بالعقوبة
﴿مَن يَهْدِ الله﴾ لدينِهِ ﴿فَهُوَ الْمُهْتَدي﴾ لدينِهِ ﴿وَمَن يُضْلِلْ﴾ عَن دينه ﴿فَأُولَئِك هُمُ الخاسرون﴾ المغبونون بالعقوبة
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا﴾ خلقنَا ﴿لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ الْحق ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ الْحق ﴿وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ﴾ الْحق ﴿أُولَئِكَ كالأنعام﴾ فِي فهم الْحق ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ لأَنهم كفار ﴿أُولَئِكَ هُمُ الغافلون﴾ عَن أَمر الْآخِرَة جاحدون بهَا
﴿وَلِلَّهِ الأسمآء الْحسنى﴾ الصِّفَات الْعليا الْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر وَغير ذَلِك ﴿فَادعوهُ بهَا﴾ فاقرءوا بهَا ﴿وَذَرُواْ الَّذين يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ﴾ يَقُول يجحدون بأسمائه وَصِفَاته وَإِن قَرَأت يلحدون يميلون عَن الْإِقْرَار بأسمائه وَصِفَاته وَيُقَال يلحدون فِي أَسْمَائِهِ يشبهون بأسمائه اللات والعزى وَمَنَاة ﴿سَيُجْزَوْنَ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿مَا كَانُواْ﴾ بِمَا كَانُوا ﴿يَعْمَلُونَ﴾ وَيَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا من الشَّرّ
﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ﴾ جمَاعَة ﴿يَهْدُونَ بِالْحَقِّ﴾ يأمرون بِالْحَقِّ ﴿وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ وبالحق يعْملُونَ وهم أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه المستهزئون بنزول الْعَذَاب ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾ سنأخذهم بِالْعَذَابِ ﴿مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ بنزول الْعَذَاب فأهلكهم الله فِي يَوْم وَاحِد كل وَاحِد بِهَلَاك غير هَلَاك صَاحبه
﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أمهلهم ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ عَذَابي وأخذي شَدِيد
﴿أَو لم يتفكروا﴾ فِيمَا بَينهم أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن ساحراً وَلَا كَاهِنًا وَلَا مَجْنُونا ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى ﴿مَا بِصَاحِبِهِمْ﴾ مَا بِنَبِيِّهِمْ ﴿من جنَّة﴾ مامسه من جُنُون أَي جُنُون ﴿إِنْ هُوَ﴾ مَا هُوَ ﴿إِلاَّ نَذِيرٌ﴾ وَرَسُول مخوف ﴿مُّبِينٌ﴾ يبين لَهُم بلغَة يعلمونها
﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَات﴾ من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب ﴿وَالْأَرْض﴾ وَفِي ملكوت الأَرْض وَمَا فِي الأَرْض من الشّجر وَالْجِبَال والبحار وَالدَّوَاب ﴿وَمَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ﴾ وَفِيمَا خلق الله من سَائِر الْأَشْيَاء ﴿وَأَنْ عَسى﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿أَن يَكُونَ قَدِ اقْترب أَجَلُهُمْ﴾ دنا هلاكهم ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ﴾ فَبِأَي كتاب بعد كتاب الله ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الْكتاب
﴿مَن يُضْلِلِ الله﴾ عَن دينه ﴿فَلاَ هَادِيَ لَهُ﴾ فَلَا مرشد لَهُ إِلَى دينه ﴿وَيَذَرُهُمْ﴾ يتركهم ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ فِي كفرهم وضلالهم
142
﴿يَعْمَهُونَ﴾ يمضون عمهة لَا يبصرون
143
﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة ﴿عَنِ السَّاعَة﴾ عَن قيام السَّاعَة وحينها ﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ مَتى قِيَامهَا وحينها ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا﴾ علم قِيَامهَا وحينها ﴿عِنْدَ رَبِّي﴾ من رَبِّي ﴿لاَ يُجَلِّيهَا لوَقْتهَا﴾ لايبين وَقتهَا وحينها ﴿إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ ثقل علم قِيَامهَا وحينها على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً﴾ فَجْأَة ﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ يَا مُحَمَّد عَن قيام السَّاعَة ﴿كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ عَالم بهَا وَيُقَال جَاهِل بهَا وَيُقَال غافل عَنْهَا ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّمَا عِلْمُهَا﴾ علم قِيَامهَا وحينها ﴿عِندَ الله﴾ من الله ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ وَلَا يصدقون ذَلِك
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً﴾ جر النَّفْع ﴿وَلاَ ضَرّاً﴾ دفع الضّر ﴿إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ أَن يفعل بِي من الضّر والنفع ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْب﴾ النَّفْع والضر ﴿لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر﴾ من النَّفْع ﴿وَمَا مسني السوء﴾ الضّر وَيُقَال وَلَو كنت أعلم مَتى ينزل الْعَذَاب عَلَيْكُم لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر شكرا لذَلِك وَمَا مسني السوء مَا أصابني الْغم والحزن لقبلكم وَيُقَال وَلَو كنت أعلم الْغَيْب مَتى أَمُوت ﴿لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر﴾ من الْعَمَل الصَّالح ﴿وَمَا مسني السوء﴾ مَا اصابني الشدَّة وَيُقَال لَو كنت أعلم الْغَيْب مَتى الْقَحْط والجدوبة وَغَلَاء السّعر لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْر النَّعيم وَمَا مَسَّنِيَ السوء مَا أصابني الشدَّة ﴿إِنْ أَنَاْ﴾ مَا أَنا ﴿إِلاَّ نَذِيرٌ﴾ من النَّار ﴿وَبَشِيرٌ﴾ بِالْجنَّةِ ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بِالْجنَّةِ وَالنَّار
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ من نفس آدم وَحدهَا ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ خلق من نفس آدم زَوجته حَوَّاء ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ مَعهَا فَلَماَّ ﴿تَغَشَّاهَا﴾ أَتَاهَا ﴿حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً﴾ هيناً ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ قَامَت وَقَعَدت تألماً ﴿فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ﴾ ثقل الْوَلَد فِي بَطنهَا ظنا بوسوسة إِبْلِيس أَنه بَهِيمَة من الْبَهَائِم ﴿دَّعَوَا الله ربهما لَئِن آتيتنا صَالحا﴾ آدَمِيًّا سويا ﴿لَّنَكُونَنَّ﴾ لنصيرن ﴿مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ لذَلِك
﴿فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً﴾ آدَمِيًّا سوياً ﴿جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ﴾ جعلا لَهُ إِبْلِيس شَرِيكا ﴿فِيمَآ آتَاهُمَا﴾ فِي تَسْمِيَة مَا آتاهما من الْوَلَد سمياه عبد الله وَعبد الْحَارِث ﴿فَتَعَالَى الله﴾ تَبرأ الله ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ بِهِ من الْأَصْنَام
﴿أَيُشْرِكُونَ﴾ بِاللَّه ﴿مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً﴾ وَلَا يحيي ﴿وَهُمْ﴾ يَعْنِي الْآلهَة ﴿يُخْلَقُونَ﴾ ينحتون أَي مخلوقة منحوتة
﴿وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً﴾ نفعا وَلَا منعا ﴿وَلاَ أَنْفُسَهُمْ﴾ يَعْنِي الْآلهَة ﴿يَنصُرُونَ﴾ لَا يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم
﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْكفَّار ﴿إِلَى الْهدى﴾ إِلَى التَّوْحِيد ﴿لاَ يَتَّبِعُوكُمْ﴾ لَا يجيبوكم ﴿سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ﴾ إِلَى التَّوْحِيد ﴿أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ ساكتون فَإِنَّهُم لَا يجيبونكم بِالتَّوْحِيدِ يَعْنِي الْكفَّار وَيُقَال وَإِن تدعوهم يَا معشر الْكفَّار الْأَصْنَام إِلَى الْهدى إِلَى الْحق لاَ يَتَّبِعُوكُمْ لَا يجيبوكم سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ يَعْنِي الْأَصْنَام أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ ساكتون لَا يجيبونكم وَلَا يسمعُونَ دعاءكم لأَنهم أموات غير أَحيَاء
﴿إِنَّ الَّذين تَدْعُونَ﴾ تَعْبدُونَ ﴿مِن دُونِ الله﴾ من الْأَصْنَام ﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ مخلوقون أمثالكم ﴿فادعوهم﴾ يَعْنِي الْآلهَة ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ﴾ فليسمعوا دعاءكم وليجيبوكم ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَنهم ينفعوكم
﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ﴾ إِلَى الْخَيْر ﴿أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ﴾ يَأْخُذُونَ بهَا ويعطون ﴿أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ﴾ عبادتكم ﴿أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ دعوتكم
143
﴿قُلِ﴾ يَا مُحَمَّد لمشركي أهل مَكَّة ﴿ادعوا شُرَكَآءَكُمْ﴾ اسْتَعِينُوا بآلهتكم ﴿ثُمَّ كِيدُونِ﴾ اعْمَلُوا أَنْتُم وهم فِي هلاكي ﴿فَلاَ تُنظِرُونِ﴾ فَلَا تؤجلون
144
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ الله﴾ حافظي وناصري الله ﴿الَّذِي نَزَّلَ الْكتاب﴾ نزل جِبْرَائِيل عَليّ بِالْكتاب ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى﴾ يحفظ ﴿الصَّالِحين﴾
﴿وَالَّذين تَدْعُونَ﴾ تَعْبدُونَ ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله من الْأَوْثَان ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾ نفعكم وَلَا منعكم ﴿وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم
﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهدى﴾ إِلَى الْحق ﴿لاَ يَسْمَعُواْ﴾ وَلَا يجيبوا لأَنهم أموات غير أَحيَاء ﴿وَتَرَاهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْأَصْنَام ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ كَأَنَّهُمْ ينظرُونَ إِلَيْك مفتحة أَعينهم ﴿وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ لأَنهم أموات غير أَحيَاء
﴿خُذِ الْعَفو﴾ خُذ مَا فضل من الْكل والعيال وَهَذَا مَنْسُوخ وَيُقَال خُذ الْعَفو اعْفُ عَمَّن ظلمك وَأعْطِ من حَرمك وصل من قَطعك ﴿وَأْمُرْ بِالْعرْفِ﴾ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَان ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلين﴾ عَن أبي جهل وَأَصْحَابه الْمُسْتَهْزِئِينَ ثمَّ نسخ الْأَعْرَاض
﴿وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ﴾ يصيبنك ﴿مِنَ الشَّيْطَان نَزْغٌ﴾ وَسْوَسَة وريب ﴿فاستعذ بِاللَّه﴾ فَامْتنعَ بِاللَّه من وسوسته ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ﴾ باستعاذتك ﴿عَلِيمٌ﴾ بوسوسته
﴿إِنَّ الَّذين اتَّقوا﴾ وَسْوَسَة الشَّيْطَان ﴿إِذَا مَسَّهُمْ﴾ إِذا أَصَابَهُم ﴿طَائِفٌ﴾ ريب ووسوسة ﴿مِّنَ الشَّيْطَان تَذَكَّرُواْ﴾ عرفُوا ﴿فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ مُنْتَهُونَ عَن الْمعْصِيَة
﴿وَإِخْوَانُهُمْ﴾ إخْوَان الْمُشْركين يَعْنِي الشَّيَاطِين ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ يجرونهم ويوسوسونهم ﴿فِي الغي﴾ فِي الْكفْر والضلالة وَالْمَعْصِيَة ﴿ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ﴾ لَا ينتهون عَن ذَلِك
﴿وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿بِآيَةٍ﴾ كَمَا طلبُوا ﴿قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها﴾ هلا تكلفتها من الله وَيُقَال تخلقتها من تِلْقَاء نَفسك ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لَهُم ﴿إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يُوحى إِلَيَّ مِن رَّبِّي﴾ أعمل وَأَقُول بِمَا ينزل عَليّ من رَبِّي ﴿هَذَا﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿بَصَآئِرُ﴾ بَيَان ﴿مِن رَّبِّكُمْ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَهُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَرَحْمَةً﴾ من الْعَذَاب ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بِالْقُرْآنِ
﴿وَإِذا قرئَ الْقُرْآن﴾ فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ﴿فَاسْتَمعُوا لَهُ﴾ إِلَى قِرَاءَته ﴿وَأَنصِتُواْ﴾ لقرَاءَته ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا
﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ اقْرَأ أَنْت يَا مُحَمَّد وَحدك إِن كنت إِمَامًا ﴿تَضَرُّعاً﴾ مستكيناً ﴿وَخِيفَةً﴾ خوفًا ﴿وَدُونَ الْجَهْر مِنَ القَوْل﴾ دون الرّفْع من الْقِرَاءَة والصمت ﴿بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال﴾ بكرَة وَعَشِيَّة فِي الصَّلَاة أَي صَلَاة الْغَدَاة وَصَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء ﴿وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين﴾ عَن الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة إِذا كنت إِمَامًا أَو وَحدك
﴿إِنَّ الَّذين عِندَ رَبِّكَ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ لايتعظمون ﴿عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ عَن طَاعَته وَالْإِقْرَار لَهُ بالعبودية ﴿وَيُسَبِّحُونَهُ﴾ يطيعونه ﴿وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ يصلونَ وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
144
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْأَنْفَال وَهِي كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله ﴿يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ﴾ فَأَنَّهَا نزلت بِالْبَيْدَاءِ فِي غَزْوَة بدر قبل الْقِتَال آياتها سِتّ وَتسْعُونَ وكلماتها ألف وَمِائَة وَثَلَاثُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف ومائتان وَأَرْبع وَتسْعُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {
145
Icon