تفسير سورة الأعراف

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ

(٧) سورة الأعراف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣)
١- المص:
أي إن القرآن الكريم من هذه الحروف التي ينطقون بها، ومع ذلك يعجزون عن الإتيان بمثله.
٢- كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ:
كِتابٌ خبر مبتدأ، أي هو كتاب، والمراد بالكتاب السورة.
أُنْزِلَ إِلَيْكَ صفة له.
حَرَجٌ أي شك منه. وسمى الشك حرجا، لأن الشاك ضيق الصدر حرجه، كما أن المتيقن منشرح الصدر منقسمه.
أي لا تشك فى أنه منزل من الله، ولا تحرج من تبليغه.
لِتُنْذِرَ متعلق بقوله أُنْزِلَ أي أنزل إليك لانذارك به أو بالنهى، لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم، وكذلك إذا أيقن أنه من عند الله شجعه اليقين على الانذار، لأن صاحب اليقين جسور متوكل على ربه، متكل على عصمته.
٣- اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ:
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من القرآن والسنة.
مِنْ دُونِهِ من دون الله.
أَوْلِياءَ أي ولا تتولوا من دونه من شياطين الجن والانس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع ويضلوكم عن دين الله وما أنزل إليكم، وأمركم باتباعه.
قَلِيلًا نصب بقوله تَذَكَّرُونَ.
ما تَذَكَّرُونَ ما، مزيدة لتوكيد القلة.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤ الى ٨]
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨)
٤- وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ:
فَجاءَها فجاء أهلها.
بَياتاً مصدر واقع موقع الحال، بمعنى: يائتين.
أَوْ هُمْ قائِلُونَ حال معطوفة على قوله بَياتاً كأنه قيل: فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين.
٥- فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ:
فَما كانَ دَعْواهُمْ ما كانوا يدعونه من دينهم وينتحلونه من مذهبهم الا اعترافهم ببطلانه وفساده.
إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فيما كنا عليه.
٦- فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ:
أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مسند الى الجار والمجرور إِلَيْهِمْ.
والمعنى: فلنسألن المرسل إليهم، وهم الأمم، يسألهم عما أجابوا عنه رسلهم.
٧- فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ:
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم.
بِعِلْمٍ عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة وأقوالهم وأفعالهم.
وَما كُنَّا غائِبِينَ عنهم وعما وجد منهم.
٨- وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ يعنى وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها، وهو مرفوع على الابتداء.
يَوْمَئِذٍ خبر المبتدأ.
الْحَقُّ صفة لقوله وَالْوَزْنُ أي والوزن يوم يسأل الله الأمم ورسلهم الوزن الحق أي العدل.
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ موازين، جمع ميزان، وموزون، أي فمن رجحت أعماله الموزونة التي لها وزن وقدر، وهى الحسنات، أو ما توزن به من حسناتهم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٩]
وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩)
٩- وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ:
وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي الذين كثرت سيئاتهم ورجحت على حسناتهم.
هم الخاسرون لأنهم باعوا أنفسهم للشيطان.
بِآياتِنا يَظْلِمُونَ يكذبون بها ظلما.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠ الى ١١]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)
١٠- وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ:
مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ جعلنا لكم فيها مكانا وقرارا، أو ملكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها.
وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ جمع معيشة، وهى ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرها وما يتوصل به الى ذلك.
١١- وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ:
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ يعنى أباكم آدم طينا غير مصور، ثم صورناه بعد، بدليل قوله:
ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ أي عظموه.
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ فعظموه طاعة لأمر ربهم الا إبليس.
لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ لم يمتثل ولم يكن ممن سجد لآدم.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢ الى ١٦]

قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦)
١٢- قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ:
أَلَّا تَسْجُدَ لا، صلة وزيادتها لتوكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه وتحقيقه، كأنه قيل، ليتحقق علم أهل الكتاب: وما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك؟
إِذْ أَمَرْتُكَ لأن أمرى لك بالسجود أوجبه عليك إيجابا، وأحتمه عليك حتما لا بد لك منه.
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ جواب لقوله ما مَنَعَكَ وحق الجواب أن يقول:
منعنى كذا، ولكن الاجابة بتفضيل نفسه فيه انكار للأمر واستبعاد أن يكون مثله مأمورا بالسجود لمثله كأنه يقول: من كان على هذه الصفة كان مستبعدا أن يؤمر بما أمر به.
١٣- قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ:
فَاهْبِطْ مِنْها من السماء التي هى مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة، الى الأرض التي هى مقر العاصين المتكبرين من الثقلين.
فَما يَكُونُ لَكَ فما يصح لك.
أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها وتعصى.
فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه لتكبرك.
١٤- قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ:
أَنْظِرْنِي أمهلنى.
إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الى يوم القيامة.
١٥- قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ:
أي انك من الممهلين المؤخرين.
١٦- قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ:
فَبِما أَغْوَيْتَنِي بسبب حكمك على بالغواية والضلال.
لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ لأعترضن لهم طريقك المستقيم، كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة.
صِراطَكَ منصوب على الظرفية.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠)
١٧- ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ:
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ من الجهات الأربع.
وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قاله تظنينا.
١٨- قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ:
مَذْؤُماً مذموما.
مَدْحُوراً هالكا فى نهايتك.
لَمَنْ تَبِعَكَ اللام، موطئة للقسم.
لَأَمْلَأَنَّ جواب القسم، وهو ساد مسد جواب الشرط.
مِنْكُمْ منك ومنهم، فغلب ضمير المخاطب.
١٩- وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ:
وَيا آدَمُ وقلنا يا آدم.
هذِهِ الشَّجَرَةَ وقرىء: هذى الشجرة.
٢٠- فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا فزين لهما.
لِيُبْدِيَ لَهُما جعل ذلك غرضا له ليسوءهما إذا رأيا ما يؤثران ستره، وألا يطلع عليه، مكشوفا.
إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ الا كراهة أن تكونا ملكين.
مِنَ الْخالِدِينَ من الذين لا يموتون ويبقون فى الجنة ساكنين.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤)
٢١- وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ:
وَقاسَمَهُما أقسم لهما، والأصل فى المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك، والتأويل: كأنه قال لهما: أقسم بكما انى لمن الناصحين، وقالا: أتقسم انك لمن الناصحين، فجعل ذلك مقاسمة بينهم.
أو أقسم لهما بالنصيحة، وأقسما له بقبولها.
أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة، لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم.
٢٢- فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ:
فَدَلَّاهُما فنزلهما الى الأكل من الشجرة.
بِغُرُورٍ بما غرهما به من القسم بالله.
فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ وجدا طعمها آخذين فى الأكل منها.
بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي تهافت عنهما اللباس فظهرت لهما عوراتهما.
وَطَفِقا جعلا.
يَخْصِفانِ يجمعان.
أَلَمْ أَنْهَكُما عتاب من الله وتوبيخ.
٢٣- قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ:
ظَلَمْنا أَنْفُسَنا أي ظلمنا أنفسنا بمخالفة أمرك التي استوجبت زوال النعيم.
وَتَرْحَمْنا بفضلك.
٢٤- قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ:
اهْبِطُوا الخطاب لآدم وحواء وإبليس.
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فى موضع الحال، أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه.
مُسْتَقَرٌّ استقرار، أو موضع استقرار.
وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ وانتفاع بعيش الى انقضاء آجالكم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]
قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦)
٢٥- قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ:
أي فى الأرض تولدون وتعيشون، وفيها تموتون وتدفنون، ومنها عند البعث تخرجون.
٢٦- يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ:
وَرِيشاً لباس الزينة، استعير من ريش الطير، لأنه لباسه وزينته.
أي أنزلنا عليكم لباسين: لباسا يوارى سوآتكم، ولباسا يزينكم.
وَلِباسُ التَّقْوى ولباس الورع والخشية من الله تعالى، وارتفاعه على الابتداء. وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف، أي وهو لباس التقوى، ثم قيل: ذلك خير.
ذلِكَ خَيْرٌ خبر المبتدأ والجملة: كأنه قيل: ولباس التقوى هو خير، لأن أسماء الاشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع الى عود الذكر.
أو المفرد وتكون ذلِكَ صفة للمبتدأ، كأنه قيل: ولباس التقوى المشار اليه خير.
ولا تخلو الاشارة من أن يراد بها تعظيم لباس التقوى، أو أن تكون اشارة الى اللباس المواري للسوأة لأن مواراة السوأة من التقوى، تفضيلا له على لباس الزينة.
ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على فضله ورحمته على عباده.
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فيعرفوا عظمة النعمة فيه.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]

يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩)
٢٧- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ:
لا يَفْتِنَنَّكُمُ لا يمتحننكم بأن لا تدخلوا الجنة، كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها.
يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما حال، أي أخرجهما نازعا لباسهما، بأن كان سببا فى أن نزع عنهما.
إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ تعليل للنهى وتحذير من فتنته، بأنه بمنزلة العدو المداجى، يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون.
وَقَبِيلُهُ وجنوده من الشياطين، وقرىء: وقبيله، بالنصب، على العطف على اسم (إن) وتكون الواو بمعنى (مع).
إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أي خلينا بينهم وبينهم لم نكفهم عنهم حتى تولوهم، وأطاعوهم فيما سولوا لهم من الكفر والمعاصي.
٢٨- وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ:
فاحِشَةً الفاحشة ما تبالغ فى قبحه من الذنوب.
قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا أي إذا فعلوها اعتذروا بأن آباءهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم.
وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها وبأن الله تعالى أمرهم بأن يفعلوها.
قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ لأن فعل القبيح مستحيل عليه.
أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ انكار لاضافتهم القبيح اليه.
٢٩- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ:
بِالْقِسْطِ بالعدل، وقيل: بالتوحيد.
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فى كل وقت سجود، أو فى كل مكان سجود، وهو الصلاة.
وَادْعُوهُ واعبدوه.
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي الطاعة، مبتغين بها وجه الله خالصا.
كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ كما أنشأكم ابتداء يعيدكم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠) يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)
٣٠- فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ:
فَرِيقاً هَدى وهم الذين أسلموا، أي وفقهم للايمان.
وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ أي كلمة الضلالة، وعلم الله أنهم يضلون ولا يهتدون.
وانتصب فَرِيقاً بفعل مضمر يفسره ما بعده، كأنه قيل: وخذل فريقا حق عليهم الضلالة.
إِنَّهُمُ ان الفريق الذي حق عليهم الضلالة.
اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ أي تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به.
٣١- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ:
خُذُوا زِينَتَكُمْ أي ريشكم ولباس زينتكم.
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ كلما صليتم، أو طفتم، وكانوا يطوفون عراة.
٣٢- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ:
مَنْ حَرَّمَ الاستفهام لانكار تحريم هذه الأشياء.
زِينَةَ اللَّهِ من الثياب وكل ما يتجمل به.
وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ المستلذات من المآكل والمشارب.
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا غير خالصة لهم، لأن المشركين شركاؤهم فيها.
خالِصَةً لهم.
يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يشركهم فيها أحد.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤) يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥)
٣٣- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ:
الْفَواحِشَ ما تفاحش قبحه، أي تزايد.
وَالْإِثْمَ عام لكل ذنب.
وَالْبَغْيَ الظلم والكبر.
ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً فيه تهكم، لأنه لا يجوز أن ينزل برهانا بأن يشرك به غيره.
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ وأن تتقولوا على الله وتفتروا الكذب من التحريم وغيره.
٣٤- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ:
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ولكل أمة نهاية معلومة.
فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فاذا حل أجلهم.
لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فليس لأى قوة أن تقدم هذه النهاية أو تؤخرها أية مدة مهما قلت.
٣٥- يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:
إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ ان الشرطية ضمت إليها (ما) مؤكدة لمعنى الشرط، ولذلك لزمت فعلها نون ثقيلة أو خفيفة والجزاء الفاء وما بعده من الشرط والجزاء.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧)
٣٦- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا والذين يكذبون بالآيات.
وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها ويستكبرون عن اتباعها والاهتداء بها.
أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ أهل النار هم فيها معذبون.
هُمْ فِيها خالِدُونَ خالدون أبدا فى العذاب.
٣٧- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ:
فَمَنْ أَظْلَمُ فمن أشنع ظلما.
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ممن تقول على الله ما لم يقله، أو كذب ما قاله.
أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ أي مما كتب لهم من الأرزاق والأعمار.
حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا حتى، غاية لنيلهم نصيبهم واستيفائهم له، أي الى وقت وفاتهم.
وهى حَتَّى التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام هاهنا الجملة الشرطية، وهى إذا جاءتهم رسلنا قالوا.
يَتَوَفَّوْنَهُمْ حال من الرسل، أي متوفيهم. والرسول: ملك الموت وأعوانه.
أَيْنَ ما كُنْتُمْ ما، موصولة، أين الآلهة الذين تدعون.
ضَلُّوا عَنَّا غابوا عنا فلا نراهم ولا ننتفع بهم.
وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ اعترافا منهم بأنهم لم يكونوا على شىء فيما كانوا عليه وأنهم لم يحمدوه فى العاقبة.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)
٣٨- قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ:
قالَ ادْخُلُوا أي يقول الله تعالى يوم القيامة لأولئك الذين قال فيهم فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً: ادخلوا فى النار.
فِي أُمَمٍ فى موضع الحال، أي كائنين فى جملة أمم وفى غمارهم مصاحبين لهم.
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ تقدم زمانهم زمانكم.
لَعَنَتْ أُخْتَها التي ضلت بالاقتداء بها.
حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها أي تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا فى النار.
قالَتْ أُخْراهُمْ منزلة، وهى الأتباع والسفلة.
لِأُولاهُمْ منزلة، وهى القادة والرؤوس، أي لأجل أولاهم، لأن خطابهم مع الله لا معهم.
عَذاباً ضِعْفاً مضاعفا.
لِكُلٍّ ضِعْفٌ لأن كلا من القادة والأتباع كانوا ضالين مضلين.
٣٩- وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ:
فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ عطف على قوله تعالى لِكُلٍّ ضِعْفٌ أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا، وأنا متساوون فى استحقاق الضعف فَذُوقُوا الْعَذابَ من قول القادة، أو من قول الله لهم جميعا.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٠ الى ٤٣]

إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)
٤٠- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ:
لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ لا يصعد لهم عمل صالح.
سَمِّ الْخِياطِ فى ثقب الابرة.
وَكَذلِكَ ومثل ذلك الجزاء الفظيع.
نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ليؤذن أن الاجرام هو السبب الموصل الى العقاب، وأن كل من أجرم عوقب.
٤١- لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ:
مِهادٌ فراش.
غَواشٍ أغطية.
٤٢- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها جملة معترضة بين المبتدأ والخبر، للترغيب فى اكتساب ما لا يكتنيه وصف الواصف من النعيم الخالد مع التعظيم بما هو فى الوسع، وهو الإمكان الواسع غير الضيق من الايمان والعمل الصالح.
٤٣- وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ:
هَدانا لِهذا أي وفقنا لموجب هذا الفوز العظيم، وهو الايمان والعمل الصالح.
وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ اللام لتوكيد النفي. ويعنون: وما كان يستقيم أن نكون مهتدين لولا هداية الله وتوفيقه.
لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فكان لنا لطفا وتنبيها على الاهتداء فاهتدينا.
أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أن، مخففة من الثقيلة، تقديره: وتودوا بأنه تلكم الجنة.
أُورِثْتُمُوها أعطيتموها.
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بسبب أعمالكم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦)
٤٤- وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ:
أَنْ قَدْ وَجَدْنا أن مخففة من الثقيلة، وقيل: مفسرة.
أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ أن مخففة من الثقيلة، وقيل مفسرة.
٤٥- الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ:
وَيَبْغُونَها عِوَجاً ويضعون العراقيل والشكوك حتى يبدو الطريق معوجا للناس فلا يتبعوه.
٤٦- وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ:
وَبَيْنَهُما حِجابٌ يعنى بين الجنة والنار، أو بين الفريقين.
وَعَلَى الْأَعْرافِ وعلى أعراف الحجاب، وهو السور المضروب بين الجنة والنار، جمع عرف، استعير من عرف الفرس، وعرف الديك.
رِجالٌ من المسلمين من آخرهم دخولا فى الجنة لقصور أعمالهم،
كأنهم المرجون لأمر الله، يحبسون بين الجنة والنار الى أن يأذن الله لهم فى دخول الجنة.
يَعْرِفُونَ كُلًّا من زمر السعداء والأشقياء.
بِسِيماهُمْ بعلاماتهم التي أعلمهم الله تعالى بها.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)
٤٧- وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ:
أي إذا مالت أبصارهم الى أصحاب النار ورأوا ما هم فيه من العذاب استعاذوا بالله وفزعوا الى رحمته أن لا يجعلهم معهم.
٤٨- وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ:
رِجالًا من أهل النار.
ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ ما أفادكم جمعكم الكثير العدد.
وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ولا استكباركم على أهل الحق بسبب عصبيتكم.
٤٩- أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ:
أَهؤُلاءِ اشارة لهم الى أهل الجنة الذين كان الرؤساء يستهينون بهم ويحتقرونهم لفقرهم وقلة حظوظهم من الدنيا.
أَقْسَمْتُمْ وكانوا يقسمون أن الله لا يدخلهم الجنة.
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يقال لأصحاب الأعراف: ادخلوا الجنة، وذلك بعد أن يحبسوا على الأعراف وينظروا الى الفريقين ويعرفوهم بسيماهم ويقولوا ما يقولون.
٥٠- وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ:
أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من غير الماء من الأشربة مما يفيض عنكم ويزيد.
حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ أي الماء وغيره مما رزقه الله أهل الجنة، فهما حرام على الكافرين.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١) وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣)
٥١- الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ:
فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ نفعل بهم فعل الناسين.
كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا كما فعلوا بلقاء هذا اليوم فعل الناسين، فلم يخطروه ببالهم ولم يهتموا به.
٥٢- وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ:
فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ عالمين كيف نفصل أحكامه ومواعظه وقصصه وسائر معانيه، حتى جاء حكيما قيما غير ذى عوج.
هُدىً وَرَحْمَةً حال من منصوب فَصَّلْناهُ كما أن عَلى عِلْمٍ حال من مرفوعه.
٥٣- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ:
إِلَّا تَأْوِيلَهُ الا عاقبة أمره وما يؤول اليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد.
قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ أي تبين وصح أنهم جاءوا بالحق.
نُرَدُّ جملة معطوفة على الجملة التي قبلها، داخلة معها فى حكم الاستفهام، كأنه قيل: هل لنا من شفعاء، أو هل نرد.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥٤ الى ٥٧]

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧)
٥٤- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ:
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أي يلحق الليل النهار.
بِأَمْرِهِ بمشيئته وتصريفه.
أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أي هو الذي خلق الأشياء كلها، وهو الذي صرفها على حسب إرادته.
٥٥- ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ:
تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً نصبا على الحال، أي ذوى تضرع وخفية.
والتضرع من الضراعة وهو الذل، أي تذللا.
وَخُفْيَةً أي سرا.
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ أي المجاوزين ما أمروا به فى كل شىء من الدعاء وغيره.
٥٦- وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ:
وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها أي ولا تفسدوا فى الأرض الصالحة باشاعة المعاصي والظلم والاعتداء.
وَادْعُوهُ خَوْفاً وادعوه سبحانه خائفين من عقابه.
وَطَمَعاً طامعين فى ثوابه.
إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ان رحمته قريبة من كل محسن وهى محققة. وقريب على التذكير، على تأويل الرحمة بالترحم، أو لأنه صفة موصوف محذوف، أي شىء قريب.
٥٧- وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا
أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ مبشرة برحمته.
أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا حملت سحابا محملا بالماء.
لِبَلَدٍ مَيِّتٍ لا نبات فيه.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨) لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠)
٥٨- وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ:
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ الجيد التربة.
يَخْرُجُ نَباتُهُ ناميا حيا.
بِإِذْنِ رَبِّهِ بتيسيره.
وَالَّذِي خَبُثَ أي البلد الذي أرضه سبخة.
لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً أي لا يخرج نباته الا نكدا أي نباتا لا خير فيه.
كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ نرددها ونكررها.
لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة الله، وهم المؤمنون.
٥٩- لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ:
لَقَدْ أَرْسَلْنا جواب قسم محذوف. والعلة فى مجىء (قد) مع هذه اللام، أن الجملة القسمية لا تساق الا لتأكيد المقسم عليها التي هى جوابها، فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى (قد) عند استماع المخاطب كلمة القسم.
٦٠- قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ:
الْمَلَأُ الأشراف والسادة.
لَنَراكَ رؤية قلب.
فِي ضَلالٍ فى ذهاب عن طريق الصواب والحق.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦١ الى ٦٣]
قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣)
٦١- قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ:
لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ الضلالة أخص من الضلال، لذا كانت أبلغ فى نفى الضلال عن نفسه، كأنه قال: ليس بي شىء من الضلال.
وَلكِنِّي رَسُولٌ استدراك للانتفاء عن الضلالة.
٦٢- أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ:
أُبَلِّغُكُمْ كلام مستأنف لكونه رسول رب العالمين.
وقيل: هو صفة لقوله رَسُولٌ وصح مع أن (رسول) لفظه لفظ الغائب، لأن (رسول) وقع خبرا عن ضمير المخاطب.
رِسالاتِ رَبِّي ما أوحى الى فى الأوقات المتطاولة أو رسالاته اليه والى الأنبياء قبله.
وَأَنْصَحُ لَكُمْ يقال: نصحته ونصحت له، وفى زيادة اللام مبالغة وأنها وقعت خالصة للمنصوح له.
وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي من صفات الله وأحواله، يعنى قدرته الباهرة، وأن بأسه لا يرد عن القوم المجرمين.
٦٣- أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ:
أَوَعَجِبْتُمْ الهمزة للانكار، والواو للعطف، والمعطوف عليه محذوف، كأنه قيل: أكذبتم وعجبتم.
أَنْ جاءَكُمْ من أن جاءكم.
ذِكْرٌ موعظة.
عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ على لسان رجل منكم.
لِيُنْذِرَكُمْ ليحذركم عاقبة الكفر.
وَلِتَتَّقُوا وليوجد منكم التقوى، وهى الخشية بسبب الانذار.
وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ولترحموا بالتقوى ان وجدت منكم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٤ الى ٦٨]
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٤) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨)
٦٤- فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ:
وَالَّذِينَ مَعَهُ الذين ركبوا معه السفينة.
فِي الْفُلْكِ متعلق بقوله مَعَهُ كأنه قيل: والذين استقروا معه فى الفلك.
عَمِينَ عمى القلوب غير مستبصرين.
٦٥- وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ:
أَخاهُمْ واحدا منهم.
هُوداً عطف بيان.
٦٦- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ:
فِي سَفاهَةٍ فى خفة حلم وسخافة عقل.
٦٧- قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ:
وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وأنا رسول الله إليكم وهو رب العالمين.
٦٨- أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ:
ناصِحٌ أَمِينٌ أي عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة، فما حقى أن أتهم أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم اليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٩ الى ٧١]

أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١)
٦٩- أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون:
خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ أي خلفتموهم فى الأرض، أو جعلكم ملوكا فى الأرض قد استخلفكم فيها بعدهم.
فى الخلق بسطة فيما خلق من أجرامكم ذهابا فى الطول والبدانة.
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ فى استخلافكم وبسطة أجرامكم، وما سواهما من عطاياه.
٧٠- قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ:
أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ أنكروا واستبعدوا اختصاص الله وحده بالعبادة.
وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ونترك دين الآباء فى اتخاذ الأصنام شركاء معه.
فَأْتِنا بِما تَعِدُنا استعجال منهم للعذاب.
٧١- قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ:
قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ أي حق عليكم ووجب، أو قد نزل عليكم، جعل المتوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع.
رِجْسٌ عذاب، من الارتجاس، وهو الاضطراب.
فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها فى أشياء ما هى الا أسماء ليس تحتها مسميات، لأنكم تسمونها آلهة. وسميتموها، أي سميتم بها.
ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ما جعل الله من حجة تدل على ألوهيتها.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٢ الى ٧٤]

فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤)
٧٢- فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ:
وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا لم يبق لهم من بقية ولا أثر.
وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ أي وقطعنا دابر الذين كذبوا منهم ولم يكونوا مثل من آمن منهم. يعنى أن الهلاك خص المكذبين، ونجى الله المؤمنين.
٧٣- وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
وَإِلى ثَمُودَ يمنع الصرف بتأويل القبيلة.
قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ آية ظاهرة وشاهد على صحة نبوتى.
هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً كأنه قيل: ما هذه البينة؟ فقيل: هذه ناقة الله لكم آية. وآية، نصب على الحال، والعامل فيها ما دل عليه اسم الاشارة من معنى الفعل، كأنه قيل: أشير إليها آية.
تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ أي الأرض أرض الله، والناقة ناقة الله، فذروها تأكل فى أرض ربها فليست الأرض لكم، ولا ما فيها من النبات من إنباتكم.
وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ أي لا تريبوها بشىء من الأذى إكراما لآية الله.
٧٤- وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ:
وَبَوَّأَكُمْ ونزلكم.
فِي الْأَرْضِ فى أرض الحجر بين الحجاز والشام.
مِنْ سُهُولِها قُصُوراً أي تبنون من سهولة الأرض بما تعملون منها قصورا وبيوتا من اللبن والآجر.
بُيُوتاً منصوب على الحال.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٥ الى ٧٨]
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨)
٧٥- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ:
لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا للذين استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم.
لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا. والضمير فى مِنْهُمْ يعود الى قَوْمِهِ أو الى لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا.
أَتَعْلَمُونَ شىء قالوه على سبيل الطنز والسخرية.
إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ جواب، سألوهم عن العلم بإرساله، فجعلوا إرساله أمرا معلوما مسلما لا يدخله ريب. كأنهم قالوا: العلم بإرساله وبما أرسل به ما لا كلام فيه ولا شبهة تدخله، لوضوحه، وانما الكلام فى وجوب الايمان به، فنخبركم أنا به مؤمنون.
٧٦- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ:
آمَنْتُمْ بِهِ بنبوة صالح ورسالته.
٧٧- فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ:
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ أسند العقر الى جميعهم، لأنه كان برضاهم وان لم يباشره الا بعضهم.
وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وتولوا عنه واستكبروا عن امتثاله عاثين.
وأمر ربهم: ما أمرهم على لسان صالح عليه السّلام من ترك الناقة آمنة.
ائْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب.
٧٨- فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ:
الرَّجْفَةُ الصيحة التي زلزلت لها الأرض واضطربوا لها.
فِي دارِهِمْ فى بلادهم، أو فى مساكنهم.
جاثِمِينَ هامدين موتى لا يتحركون.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٩ الى ٨١]
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١)
٧٩- فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ:
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ ذهب عنهم منكرا لاصرارهم حين رأى العلامات قبل نزول العذاب.
لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي بذلت لكم وسعى فى ابلاغكم ما أرسلت به إليكم.
وَنَصَحْتُ لَكُمْ ولم آل جهدا فى نصحكم.
وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ حكاية حال ماضية.
٨٠- وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ:
وَلُوطاً وأرسلنا لوطا.
إِذْ ظرف لأرسلنا. أو: واذكروا لوطا وإِذْ بدل منه، بمعنى: واذكر وقت.
أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ تفعلون السيئة المتمادية فى القبح.
ما سَبَقَكُمْ بِها ما عملها قبلكم. والباء للتعدية.
مِنْ أَحَدٍ من زائدة لتوكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق.
مِنَ الْعالَمِينَ من للتبعيض.
٨١- إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ:
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ بيان لقوله أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ.
شَهْوَةً مفعول له، أي للاشتهاء.
بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ أضرب عن الإنكار الى الاخبار عنهم بالحال التي توجب ارتكاب القبائح وتدعو الى اتباع الشهوات، وهو أنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحدود فى كل شىء، فمن ثم أسرفوا فى باب قضاء الشهوة حتى تجاوزوا المعتاد الى غير المعتاد.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٢ الى ٨٥]
وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥)
٨٢- وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ:
وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا يعنى ما أجابوه بما يكون جوابا عما كلمهم به لوط عليه السّلام، من انكار الفاحشة وتعظيم أمرها ووسمهم بسمة الإسراف الذي هو أصل الشر كله، ولكنهم جاءوا بشىء آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته، من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم.
إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ سخرية بهم.
٨٣- فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ:
وَأَهْلَهُ ومن يختص به من ذرية، أو من المؤمنين.
مِنَ الْغابِرِينَ من الذين غبروا فى ديارهم، أي بقوا فهلكوا.
٨٤- وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ:
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً وأرسلنا عليهم مطرا مهلكا.
٨٥- وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ معجزة مشاهدة بصحة نبوتى.
بَعْدَ إِصْلاحِها بعد الإصلاح فيها. أي لا تفسدوا فيها بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء وأتباعهم العاملين بشرائعهم.
ذلِكُمْ اشارة الى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد فى الأرض.
خَيْرٌ لَكُمْ يعنى فى الانسانية وحسن الأحدوثة، وما تطلبونه من التكسب والتربح.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ان كنتم مصدقين لى فى قولى ذلكم خير لكم.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٦]
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦)
٨٦- وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ:
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ أي: ولا تقتدوا بالشيطان فى قوله لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ فتقعدوا بكل صراط، أي بكل منهاج من مناهج الدين.
تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ فى محل نصب على الحال، أي ولا تقعدوا موعدين وصادين عن سبيل الله.
وَتَبْغُونَها عِوَجاً عطف على ما قبله، فى محل نصب على الحال، أي وباغيها عوجا. والمعنى: وتطلبون لسبيل الله عوجا، أي تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة غير مستقيمة لتصدوهم عن سلوكها والدخول فيها.
وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا إذ، مفعول به غير ظرف، أي واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلا عددكم.
فَكَثَّرَكُمْ الله ووفر عددكم.
ويجوز أن يكون: إذ كنتم مقلين فقراء فكثركم، أي جعلكم مكثرين موسرين.
عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ آخر أمر من أفسد قبلكم من الأمم.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٧ الى ٨٩]

وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩)
٨٧- وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ:
فَاصْبِرُوا فتربصوا وانتظروا.
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا أي بين الفريقين، بأن ينصر المحقين على المبطلين ويظهرهم عليهم، وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله منهم.
وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأن حكمه حق وعدل، لا يخاف فيه الحيف.
٨٨- قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ:
لَنُخْرِجَنَّكَ أي ليكونن أحد الأمرين: اما إخراجكم، واما عودكم فى الكفر.
أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ الهمزة للاستفهام، والواو واو الحال، تقديره: أتعيدوننا فى ملتكم فى حال كراهتنا، ومع كوننا كارهين.
٨٩- قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ:
قَدِ افْتَرَيْنا اخبار مقيد بالشرط، وهو اما أن يكون:
كلاما مستأنفا فيه معنى التعجب.
أو قسما على تقدير حذف اللام، بمعنى: والله لقد افترينا.
وَما يَكُونُ لَنا وما ينبغى لنا، وما يصح لنا.
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا احكم بيننا، أو أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا.
وَبَيْنَ قَوْمِنا وينكشف بأن تنزل عليهم عذابا يتبين معه أنهم على الباطل.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٠ الى ٩٣]

وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣)
٩٠- وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ:
وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ أي أشرافهم الذين دونهم يثبطونهم عن الايمان.
لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ لاستبدالكم الضلالة بالهدى.
وقوله إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ساد مسد جواب القسم وجواب الشرط.
٩١- فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ:
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فأصابهم الله بزلزلة اضطربت لها قلوبهم.
فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ فصاروا فى دارهم منكبين على وجوههم لا حياة فيهم.
٩٢- الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ:
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً مبتدأ.
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا خبر.
كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ خبر ثان.
وفى هذا الابتداء معنى الاختصاص، كأنه قيل: الذين كذبوا شعيبا هم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا، كأن لم يقيموا فى دارهم، لأن الذين اتبعوا شعيبا قد أنجاهم الله، والذين كذبوا شعيبا هم المخصوصون بالخسران العظيم دون أتباعه فانهم الرابحون.
٩٣- فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ:
آسى أحزن وأبالغ فى الحزن.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]

وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)
٩٤- وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ:
بِالْبَأْساءِ بالبؤس والفقر.
وَالضَّرَّاءِ الضر والمرض، لاستكبارهم عن اتباع نبيهم.
لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ليتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر والعزة.
٩٥- ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ:
ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والصحة والسعة.
حَتَّى عَفَوْا كثروا ونموا فى أنفسهم وأموالهم.
وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ أي أبطرتهم النعمة وأشركوا فقالوا: هذه عادة الدهر، يعاقب فى الناس بين الضراء والسراء، وقد مس آباءنا نحو ذلك وما هو بابتلاء من الله لعباده.
فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فلم يبق بعد ابتلائهم بالسيئات والحسنات الا أن نأخذهم بالعذاب، أشد الأخذ وأفظعه، وهو أخذهم فجأة من غير شعور منهم.
٩٦- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ:
الْقُرى اللام، اشارة الى القرى التي دل عليها قوله وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ كأنه قال: ولو أن أهل تلك القرى الذين كذبوا وأهلكوا.
آمَنُوا بدل كفرهم.
وَاتَّقَوْا المعاصي، مكان ارتكابها.
لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ لآتيناهم بالخير من كل وجه.
وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بسوء كسبهم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٧ الى ٩٩]
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩)
٩٧- أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ:
أَفَأَمِنَ الهمزة للانكار، والفاء للعطف.
٩٨- أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ:
أَوَأَمِنَ الهمزة للانكار. والواو للعطف.
ضُحًى نصب على الظرف أي حين تشرق الشمس وترتفع.
وَهُمْ يَلْعَبُونَ يشتغلون بما لا يجدى عليهم، كأنهم يلعبون.
٩٩- أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ:
مَكْرَ اللَّهِ استعارة لأخذ العبد من حيث لا يشعر ولاستدراجه، فعلى الغافل أن يكون فى خوفه من مكر الله، كالمحارب الذي يخاف من عدوه الكمين والبينات والغيلة.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٠]
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
١٠٠- أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ:
أَوَلَمْ يَهْدِ أن لو نشاء، فى محل رفع، فاعله، يعنى: أو لم يهد للذين يخلفون من خلا قبلهم فى ديارهم ويرثون أرضهم هذا الشأن، وهو أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم، كما أصبنا من قبلهم، وأهلكنا الوارثين كما أهلكنا الموروثين.
وقرىء: أولم نهد، بالنون، فيكون أَنْ لَوْ نَشاءُ منصوبا، كأنه قيل: أو لم يهد الله للوارثين هذا الشأن، بمعنى: أو لم نبين لهم أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم.
وعدى فعل الهداية باللام، لأنه بمعنى التبيين.
وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ معطوف على ما دل عليه معنى أَوَلَمْ يَهْدِ كأنه قيل: يغفلون عن الهداية ونطبع على قلوبهم.
أو معطوف على يَرِثُونَ الْأَرْضَ.
أو منقطع، بمعنى: ونحن نطبع على قلوبهم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠١ الى ١٠٣]
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١) وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣)
١٠١- تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ:
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها مبتدأ وخبر وحال.
ويجوز أن يكون الْقُرى صفة لقوله تِلْكَ، ونَقُصُّ خبر أو أن يكون الْقُرى نَقُصُّ خبرا بعد خبر.
فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا عند مجىء الرسل بالبينات بما كذبوه من آيات الله من قبل مجىء الرسل، أو فما كانوا ليؤمنوا الى آخر أعمارهم بما كذبوا به أولا حين جاءتهم الرسل، أي استمروا على التكذيب من لدن مجىء الرسل إليهم الى أن ماتوا مصرين لا يرعوون ولا تلين شكيمتهم فى كفرهم وعنادهم مع تكرار المواعظ عليهم وتتابع الآيات.
كَذلِكَ مثل ذلك الطبع الشديد على قلوب الكافرين.
١٠٢- وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ:
وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ الضمير للناس على الإطلاق، أي وما وجدنا لأكثر الناس من عهد. يعنى أن أكثرهم نقض عهد الله فى الايمان والتقوى.
وَإِنْ وَجَدْنا وان الشأن والحديث وجدنا أكثرهم فاسقين، خارجين عن الطاعة مارقين.
١٠٣- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ:
مِنْ بَعْدِهِمْ الضمير للرسل فى قوله وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ أو للأمم.
فَظَلَمُوا بِها فكفروا بآياتنا. أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من واد واحد. أو فظلموا الناس بسببها حين أو عدوهم وصدوهم عنها وآذوا من آمن بها، ولأنه إذا وجب الايمان بها فكفروا بدل الايمان، كان كفرهم بها ظلما، فلذلك قيل: فظلموا بها، أي كفروا بها واضعين الكفر غير موضعه، وهو موضع الايمان.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٩]
وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨)
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩)
١٠٤- وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ:
يا فِرْعَوْنُ لقب لملوك مصر، فكأنه قيل: يا ملك مصر.
١٠٥- حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ:
حَقِيقٌ عَلى أي واجب على قول الحق أن أكون أنا قائله والقائم به ولا يرضى الا بمثلى ناطقا به.
فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ فخلهم حتى يخرجوا من رقك.
١٠٦- قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ:
أي ان كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأتنى بها لتصح دعواك.
١٠٧- فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ:
ثُعْبانٌ مُبِينٌ ظاهر أمره لا يشك فى أنه ثعبان.
١٠٨- وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ:
لِلنَّاظِرِينَ يتعلق بقوله بَيْضاءُ. والمعنى: فاذا هى بيضاء للنظارة، ولا تكون بيضاء للنظارة الا إذا كان بياضا عجيبا خارجا عن العادة يجتمع الناس للنظر اليه كما تجتمع النظارة للعجائب.
١٠٩- قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ:
لَساحِرٌ عَلِيمٌ أي عالم بالسحر ماهر فيه، قد أخذ الناس بخدعة من خدعه حتى خيل إليهم العصى حية، والآدم أبيض.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١٠ الى ١١٦]

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤)
قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)
١١٠- يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ:
فَماذا تَأْمُرُونَ أي بماذا تشيرون.
١١١- قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ:
أَرْجِهْ وَأَخاهُ أخرهما عنك حتى ترى رأيك فيهما وتدبر أمرهما.
وقيل: احبسهما.
حاشِرِينَ جامعين.
١١٢- يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ:
يَأْتُوكَ مجزوم فى جواب الأمر.
١١٣- وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ:
إِنَّ لَنا لَأَجْراً أي جعلا على الغلبة.
١١٤- قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ:
وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ معطوف على محذوف سد مسده حرف الإيجاب، كأنه قال إيجابا لقولهم إِنَّ لَنا لَأَجْراً: نعم ان لكم لأجرا، وانكم لمن المقربين.
١١٥- قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ:
وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ فيه دليل على رغبتهم فى أن يلقوا قبله، من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر، أو تعريف الخبر واقحام الفعل.
١١٦- قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ:
سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ أروها بالحيل والشعوذة وخيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه.
وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وأرهبوهم ارهابا شديدا، كأنهم استدعوا رهبتهم.
بِسِحْرٍ عَظِيمٍ فى باب السحر.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١٧ الى ١٢٣]
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١)
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣)
١١٧- وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ:
تَلْقَفُ تبتلع.
ما يَأْفِكُونَ ما، موصولة، بمعنى: ما يأفكونه، أي يقلبونه عن الحق الى الباطل ويزورونه.
أو مصدرية، أي إفكهم، تسمية للمأفوك بالإفك.
١١٨- فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
فَوَقَعَ الْحَقُّ فحصل وثبت.
١١٩- فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ:
وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ وصاروا أذلاء مبهوتين.
١٢٠- وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ:
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ وخروا سجدا إذعانا وإقرارا بباطلهم.
١٢١- قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ:
أي آمنا بخالق العالمين ومالك أمرهم.
١٢٢- رَبِّ مُوسى وَهارُونَ:
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ الإله الذي يؤمن به موسى وهارون.
١٢٣- قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ:
آمَنْتُمْ بِهِ على الاخبار، أي فعلتم هذا الفعل الشنيع، توبيخا لهم وتقريعا. وقرىء آمنتم، بحرف الاستفهام، ومعناه الاستنكار والاستبعاد.
إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ ان صنعكم هذا لحيلة اختلقتموها أنتم وموسى فى مصر قبل أن تخرجوا الى هذه الصحراء، قد تواطأتم على ذلك الغرض لكم، وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوها بنى إسرائيل.
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وعيد أجمله، ثم فصله فى الآية التالية.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٤ الى ١٢٧]
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧)
١٢٤- لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ:
مِنْ خِلافٍ من كل شق طرفا..
١٢٥- قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ:
إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ أي لا نبالى بالموت لانقلابنا الى لقاء ربنا ورحمته وخلاصنا منك ومن لقائك. أو ننقلب الى الله يوم الجزاء فيثيبنا على شدائد القطع والصلب. أو انا جميعا- يعنون أنفسهم وفرعون- ننقلب الى الله فيحكم بيننا. أو انا لا محالة يعتون فمنقلبون الى الله، فما تقدر أن تفعل بنا الا ما لا بد لنا منه.
١٢٦- وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ:
وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا أي وما تعيب منا الا الايمان بآيات الله.
رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً هب لنا صبرا واسعا وأكثره علينا حتى يفيض علينا ويغمرنا.
وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ ثابتين على الإسلام.
١٢٧- وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ:
وَيَذَرَكَ عطف على يفسدوا لأنه إذا تركهم ولم يمنعهم،
وكان ذلك مؤديا الى ما دعوه فسادا، والى تركه وترك آلهته، فكأنه تركهم لذلك. أو هو جواب للاستفهام بالواو وكما يجاب بالفاء.
والنصب بإضمار (أن) تقديره: أيكون منك ترك موسى، ويكون تركه إياك وآلهتك.
وقرىء بالرفع عطفا على أَتَذَرُ مُوسى بمعنى أتذره وأ يذرك؟
أو يكون مستأنفا، أو حالا على معنى: أتذره وهو يذرك وآلهتك.
سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ أي سنعيد عليهم ما كنا محناهم به من قتل الأبناء.
وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ ونستبقى نساءهم أحياء.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٨ الى ١٢٩]
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)
١٢٨- قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ:
قالَ مُوسى جملة مستأنفة.
إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ اللام فى الْأَرْضَ للعهد، ويراد أرض مصر.
وقيل للجنس، فيتناول أرض مصر، لأنها من جنس الأرض.
وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتقين منهم.
١٢٩- قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ:
أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى عليه السّلام الى أن استنبىء وإعادته عليهم بعد ذلك.
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ تصريح بما رمز اليه من البشارة قبل، وكشف عنه، وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده فى الأرض التي وعدهم إياها.
فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فيرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه، ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٠ الى ١٣٢]

وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢)
١٣٠- وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ:
بِالسِّنِينَ بسنى القحط.
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ لينتهوا على أن ذلك لاصرارهم على الكفر، وتكذيبهم لآيات الله.
١٣١- فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ:
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ من الخصب والرخاء.
قالُوا لَنا هذِهِ أي هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها.
وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ من ضيقة وجدب.
يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ يتطيروا بهم ويتشاءموا ويقولوا: هذه بشؤمهم، ولولا مكانهم ما أصابتنا.
طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أي سبب خيرهم وشرهم عند الله.
١٣٢- وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ:
مَهْما هى ما المضمنة معنى الجزاء، ضمت إليها (ما) المزيدة المؤكدة للجزاء ومحل مَهْما الرفع، بمعنى: أيما شىء تأتنا به.
أو النصب، بمعنى: أيما شىء تحضرنا تأتنا به.
مِنْ آيَةٍ تبيين لقوله مَهْما.
بِهِ الضمير راجع الى مَهْما وقد ذكر على اللفظ.
بِها الضمير راجع الى مَهْما وقد أنث على المعنى، لأنه فى معنى الآية.
لِتَسْحَرَنا بِها ما سموها آية لاعتقادهم أنها آية أو انما سموا آية اعتبارا لتسمية موسى، وقصدوا بذلك الاستهزاء.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٣ الى ١٣٦]

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦)
١٣٣- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ:
الطُّوفانَ ما طاف بهم وغلبهم من مطر أو سيل.
آياتٍ مُفَصَّلاتٍ نصب على الحال. ومفصلات: مبينات ظاهرات لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره.
١٣٤- وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ:
بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ما، مصدرية، والمعنى: بعهده عندك، وهو النبوة. والباء اما أن تتعلق بقوله ادْعُ لَنا رَبَّكَ، أي أسعفنا الى ما نطلب إليك من الدعاء لنا بحق ما عندك من عهد الله وكرامته بالنبوة.
أو ادع الله لنا متوسلا اليه بعهده عندك.
واما أن تكون قسما مجابا بقوله لَنُؤْمِنَنَّ أي أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك.
١٣٥- فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ:
إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ الى حد من الامن هم بالغوه لا محالة فمعذبون فيه، لا ينفعهم ما تقدم لهم من الامهال وكشف العذاب الى حلوله.
إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ جواب لقوله فَلَمَّا أي إذا هم ينقضون عهدهم.
١٣٦- فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ:
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فأردنا الانتقام منهم.
فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ اليم: البحر الذي لا يدرك قعره.
بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات.
وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ أي غفلتهم عنها، وقلة فكرهم فيها.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٧ الى ١٣٨]
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨)
١٣٧- وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ:
الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ هم بنو إسرائيل، كان يستضعفهم فرعون وقومه.
مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا أي هنا وهناك من الأرض.
بارَكْنا فِيها التي حباها الله بالبركة والخصب وسعة الأرزاق.
كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى قوله تعالى وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ.
بِما صَبَرُوا بسبب صبرهم.
ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ما كانوا يعملون ويسوون من العمارات وبناء القصور.
وَما كانُوا يَعْرِشُونَ من الجنات.
١٣٨- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ:
فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ فمروا عليهم.
يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ يواظبون على عبادتها ويلازمونها.
اجْعَلْ لَنا إِلهاً صنما نعكف عليه.
كَما لَهُمْ آلِهَةٌ أصنام يعكفون عليها. و (ما) كافة للكاف، ولذلك وقعت الجملة بعدها.
إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ تعجب من قولهم على اثر ما رأوا من الآية العظمى والمعجزة الكبرى، فوصفهم بالجهل المطلق وأكده، لأنه لا جهل أعظم مما رأى منهم ولا أشنع.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٩ الى ١٤٢]
إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١) وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢)
١٣٩- إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
إِنَّ هؤُلاءِ يعنى عبدة تلك الأوثان.
مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ مدمر لكل ما هم فيه.
وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي ما عملوا شيئا من عبادتها فيما سلف الا وهو باطل لا ينتفعون به وان كان فى زعمهم تقربا الى الله.
١٤٠- قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً أغير المستحق للعبادة أطلب لكم معبودا، وهو فعل بكم ما فعل دون غيره من الاختصاص بالنعمة التي لم يعطها أحدا غيركم لتختصوه بالعبادة ولا تشركوا به غيره.
١٤١- وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ:
يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يبغونكم شدة العذاب.
والجملة استئنافية لا محل لها. ويجوز أن تكون حالا من المخاطبين، أو من آلِ فِرْعَوْنَ.
وَفِي ذلِكُمْ اشارة الى الانجاء، أو الى العذاب.
بَلاءٌ البلاء: النعمة، أو المحنة.
١٤٢- وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ:
مِيقاتُ رَبِّهِ ما وقته له من الوقت وضربه له.
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً نصب على الحال، أي تم بالغا هذا العدد.
هارُونَ عطف بيان لقوله لِأَخِيهِ. وقرىء بالضم على النداء.
اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي كن خليفتى فيهم.
وَأَصْلِحْ وكن مصلحا، أو أصلح ما يجب أن يصلح من أمور بنى إسرائيل، ومن دعاك منهم الى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٣]
وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣)
١٤٣- وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ:
لِمِيقاتِنا لوقتنا الذي وقتنا له وحددنا. واللام للاختصاص، فكأنه قيل: واختص مجيئه بميقاتنا.
وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ من غير واسطة. وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقا به فى بعض الأجرام كما خلقه محفوظا فى اللوح.
أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ثانى مفعولى أَرِنِي محذوف، أي أرنى نفسك أنظر إليك، أي اجعلنى متمكنا من رؤيتك بأن تتجلى لى فأنظر إليك وأراك.
لَنْ تَرانِي وإذ كان الطلب هو الرؤية التي هى الإدراك لا النظر الذي لا ادراك معه، قيل: لن ترانى، ولم يقل: لن تنظر الى.
فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ كما كان مستقرا ثابتا ذاهبا فى جهاته.
فَسَوْفَ تَرانِي تعليق لوجود الرؤية بوجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حين يدكه دكا ويسويه بالأرض.
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فلما ظهر له اقتداره وتصدى له أمره وإرادته.
جَعَلَهُ دَكًّا أي مدكوكا.
وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً من هول ما رأى، أي خر مغشيا عليه غشية كالموت.
فَلَمَّا أَفاقَ من صعقته.
قالَ سُبْحانَكَ أنزهك مما لا يجوز عليك من الرؤية وغيرها.
تُبْتُ إِلَيْكَ من طلب الرؤية.
وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنك لست بمرئى ولا مدرك بشىء من الحواس.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٥]
قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥)
١٤٤- قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ:
اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ اخترتك على أهل زمانك وآثرتك عليهم.
بِرِسالاتِي وهى أسفار التوراة.
وَبِكَلامِي وبتكليمى إياك.
فَخُذْ ما آتَيْتُكَ ما أعطيتك من شرف النبوة والحكمة.
وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ على النعمة فى ذلك فهى من أجل النعم.
١٤٥- وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ:
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فى محل النصب، مفعول للفعل كَتَبْنا.
مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا بدل منه. والمعنى: كتبنا له كل شىء كان بنو إسرائيل محتاجين اليه فى دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام.
بِقُوَّةٍ بجد وعزيمة فعل أولى العزم من الرسل.
يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها أي فيها ما هو حسن وأحسن، كالاقتصاص، والعفو، والانتصار والصبر.
فمرهم أن يحملوا على أنفسهم فى الأخذ بما هو أدخل فى الحسن وأكثر للثواب.
سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ يريد دار فرعون وقومه، وهى مصر.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤٦ الى ١٤٨]
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨)
١٤٦- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ:
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ بالطبع على قلوب المتكبرين وخذلانهم، فلا يفكرون من فيها ولا يعتبرون بها، غفلة وانهماكا فيما يشغلهم عنها من شهواتهم.
بِغَيْرِ الْحَقِّ حال، بمعنى يتكبرون غير محقين، لأن التكبر بالحق لله وحده، ويصح أن يكون صلة لفعل التكبر، أي يتكبرون بما ليس بحق وما هم عليه من دينهم.
وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ من الآيات المنزلة عليهم لا يُؤْمِنُوا بِها.
ذلِكَ فى محل رفع على معنى: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم. أو فى محل نصب على معنى: صرفهم الله ذلك الصرف بسببه.
١٤٧- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
وَلِقاءِ الْآخِرَةِ من اضافة المصدر الى المفعول به، أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها. أو من اضافة المصدر الى الظرف، بمعنى:
ولقاء ما وعد الله فى الآخرة.
١٤٨- وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ:
مِنْ بَعْدِهِ من بعد فراقه إياهم الى الطور.
مِنْ حُلِيِّهِمْ الحلي: ما يتحسن به من الذهب والفضة.
جَسَداً بدنا، منصوب على البدل من قوله عِجْلًا.
خُوارٌ صوت.
أَلَمْ يَرَوْا حين اتخذوه الها أنه لا يقدر على كلام.
وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ولا على هداية سبيل.
وَكانُوا ظالِمِينَ واضعين كل شىء فى غير موضعه.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠)
١٤٩- وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ:
وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ولما اشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل، لأن من اشتد ندمه وحسرته يعض يده غما، فتصير يده مسقوطا فيها، لأن فاه قد وقع فيها.
وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا وتبينوا ضلالهم تبينا كأنهم أبصروه بعيونهم.
١٥٠- وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ:
أَسِفاً شديد الغضب أو حزينا.
خَلَفْتُمُونِي قمتم مقامى وكنتم خلفائى من بعدي.
وبئس ما خلفتمونى، أي حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، أو حيث لم تكفروا من عبد غير الله.
وفاعل (بئس) مضمر يفسره ما خلفتمونى والمخصوص بالذم محذوف، تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم.
مِنْ بَعْدِي أي من بعد ما رأيتم منى من توحيد الله أو نفى الشركاء عنه، أو من بعد ما كنت أحمل بنى إسرائيل على التوحيد وأكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر.
523
أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ أعجلتم عن أمر ربكم، وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به، فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم، فحدثتم أنفسكم بموتى، فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم.
وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وطرحها لما لحقه من فرط الدهش وشدة الضجر عند استماعه حديث العجل.
وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ أي بشعر رأسه.
يَجُرُّهُ إِلَيْهِ بذؤابته.
ابْنَ أُمَّ قرىء بالفتح تشبيها بخمسة عشر، وبالكسر على طرح ياء الاضافة. والمقول أنه كان أخاه لأبيه وأمه، فان صح هذا كانت الاضافة الى الأم اشارة الى أنهما من بطن واحد، وهذا أدعى الى العطف والرقة.
وقيل: لأنها كانت مؤمنة فاعتد بنسبها.
وقيل: لأنها هى التي قاست فيه الخلوف والشدائد فذكرها بحقها.
إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي يعنى أنه لم يأل جهدا فى كفهم بالوعظ والانذار، وبما بلغته طاقته من بذل القوة فى مضادتهم حتى قهروه واستضعفوه.
وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي ولم يبق الا أن يقتلوه.
فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة الى.
وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ولا تجعلنى فى موجدتك على وعقوبتك لى قرينا لهم وصاحبا. أو لا تعتقد أنى واحد من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم.
524

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥١ الى ١٥٤]

قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤)
١٥١- قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ:
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي ليرضى أخاه ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه فلا تقم لهم شماتتهم.
وقد استغفر لنفسه بما فرط منه الى أخيه، ولأخيه أن عسى يكون فرط فى حسن الخلافة.
١٥٢- إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ:
غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ ما أمروا به من قتل أنفسهم.
وَذِلَّةٌ خروجهم من ديارهم، لأن ذلك الغربة مثل مضروب.
الْمُفْتَرِينَ المتكذبين على الله، ولا فرية أعظم من قول السامري:
هذا إلهكم واله موسى.
١٥٣- وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ:
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ من الكفر والمعاصي كلها.
ثُمَّ تابُوا ثم رجعوا.
مِنْ بَعْدِها الى الله واعتذروا اليه.
وَآمَنُوا وأخلصوا الايمان.
إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها من بعد تلك العظائم.
لَغَفُورٌ لستور عليهم محاء لما كان منهم.
رَحِيمٌ منعم عليهم بالجنة.
١٥٤- وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ:
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ هذا مثل، كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له: قل لقومك كذا، وألق الألواح، وجر برأس أخيك إليك، فترك التعلق بذلك وقطع الإغراء.
أَخَذَ الْأَلْواحَ التي ألقاها.
وَفِي نُسْخَتِها وفيما نسخ منها، أي كتب.
لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ دخلت اللام لتقدم المفعول، لأن تأخر الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفا.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٥]
وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥)
١٥٥- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ:
فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ رجف بهم الجبل فصعقوا.
قالَ موسى.
رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ وهذا تمن منه للاهلاك قبل أن يرى ما رأى من تبعة طلب الرؤية، كما يقول النادم على الأمر إذا رأى سوء المغبة: لو شاء الله لأهلكنى قبل هذا.
أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا يعنى أتهلكنا جميعا، يعنى نفسه وإياهم لأنه انما طلب الرؤية زجرا للسفهاء، وهم طلبوها سفها وجهلا.
إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي محنتك وابتلاؤك حين كلمتنى وسمعوا كلامك، فاستدلوا بالكلام على الرؤية استدلالا فاسدا، حتى افتتنوا وضلوا.
تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ تضل بالمحنة الجاهلين غير الثابتين فى معرفتك وتهدى العالمين بك الثابتين بالقول الثابت.
أَنْتَ وَلِيُّنا مولانا القائم بأمورنا.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٦ الى ١٥٧]
وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧)
١٥٦- وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ:
وَاكْتُبْ لَنا وأثبت لنا واقسم.
فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً عاقبة وحياة طيبة وتوفيقا فى الطاعة.
وَفِي الْآخِرَةِ الجنة.
هُدْنا إِلَيْكَ تبنا إليك.
قالَ عَذابِي من حاله وصفته أنى:
أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ ممن لم يتب.
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أي واسعة تبلغ كل شىء.
١٥٧- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ الذي نوحى اليه كتابا مختصا به وهو القرآن.
النَّبِيَّ صاحب المعجزات.
الْأُمِّيَّ الذي لا يكتب ولا يقرأ.
الَّذِي يَجِدُونَهُ يجد نعته أولئك الذين يتبعونه من بنى إسرائيل.
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ما حرم عليهم من الأشياء الطيبة، أو ما
طاب فى الشريعة والحكم، مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح، وما خلا كسبه من السحت.
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ما يستخبث من نحو الدم والميتة ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، أو ما خبث فى الحكم كالربا والرشوة وغيرهما من المكاسب الخبيثة.
إِصْرَهُمْ الإصر: الشغل الذي يأصر صاحبه، أي يحبسه من الحراك لثقله، وهو مثل لثقل تكليفهم وصعوبته، نحو اشتراط قتل الأنفس فى صحة توبتهم.
وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ مثل لما كان فى شرائعهم من الأشياء الشاقة، نحو بت القضاء بالقصاص عمدا كان أو خطأ من غير شرع الدية وقطع الأعضاء الخاطئة، وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب، وتحريم السبت.
وَعَزَّرُوهُ ومنعوه حتى لا يقوى عليه عدو.
النُّورَ القرآن.
أُنْزِلَ مَعَهُ أي مع نبوته.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٥٨]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨)
١٥٨- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ:
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً جميعا، نصب على الحال، أي أنه بعث للناس كافة، وكل رسول قبله بعث الى قومه خاصة.
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الذي فى محل نصب بإضمار:
أعنى، وهو ما يسمى النصب على المدح.
ويجوز أن يكون فى محل جر على الوصف، وان حيل بين الصفة والموصوف بقوله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ بدل من الصلة التي هى لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهى بيان للجملة قبلها، لأن من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة.
يُحيِي وَيُمِيتُ بدل هى الأخرى من الصلة التي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وهى بيان لاختصاصه بالالهية لأنه لا يقدر على الاحياء والإماتة غيره.
وَكَلِماتِهِ وما أنزل عليه وعلى من تقدمه من الرسل من كتبه ووحيه.
وقرىء (وكلمته) على الافراد، وهى القرآن. أو أراد جنس ما كلم به.
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ارادة أن تهتدوا.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٥٩ الى ١٦٠]
وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠)
١٥٩- وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ:
أُمَّةٌ هم المؤمنون التائبون من بنى إسرائيل.
يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يهدون الناس بكلمة الحق.
وَبِهِ يَعْدِلُونَ وبالحق يعدلون بينهم فى الحكم لا يجورون.
١٦٠- وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ:
وَقَطَّعْناهُمُ وصيرناهم قطعا، أي فرقا، وميزنا بعضهم من بعض لقلة الألفة بينهم.
اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً الأسباط: أولاد الولد، جمع سبط، بالكسر، وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثنى عشر ولدا، من ولد يعقوب عليه السلام.
وجاء التمييز جمعا وحقه أن يكون مفردا، إذ المراد: وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط لا سبط، فوضع أَسْباطاً موضع قبيلة.
أُمَماً بدل من اثنتي عشرة قبيلة، بمعنى: وقطعناهم أمما، لأن كل أسباط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد.
فَانْبَجَسَتْ فانفجرت.
كُلُّ أُناسٍ أي كل أمة من تلك الأمم الاثنتى عشرة. وهذا نظير قوله اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً والأناس، اسم جمع غير تكسير.
وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وجعلناه ظليلا عليهم فى التيه.
كُلُوا على ارادة القول.
وَما ظَلَمُونا وما رجع إلينا ضرر ظلمهم بكفرانهم النعم.
وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ولكنهم كانوا يضرون أنفسهم، ويرجع وبال ظلمهم إليهم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٦١ الى ١٦٢]
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ (١٦٢)
١٦١- وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ:
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ واذكر إذ قيل لهم.
الْقَرْيَةَ بيت المقدس.
وَقُولُوا حِطَّةٌ وقولوا نسألك يا ربنا أن تحط عنا خطايانا.
وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وادخلوا باب القرية حانى الرؤوس كهيئة الركوع تواضعا.
نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ نتجاوز عن ذنوبكم.
سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وسنزيد ثواب من أحسنوا الأعمال.
١٦٢- فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ:
مِنْهُمْ زيادة بيان.
فَأَرْسَلْنا فأنزلنا.
رِجْزاً عذابا.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٦٣ الى ١٦٤]
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤)
١٦٣- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ:
وَسْئَلْهُمْ أي اليهود. وهذا السؤال معناه التقرير والتقريع بقديم كفرهم.
حاضِرَةَ الْبَحْرِ قريبة منه راكبة لشاطئه.
إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إذ يتجاوزون حدود الله فيه، وهو اصطيادهم فى يوم السبت، وقد نهوا عنه.
يَوْمَ سَبْتِهِمْ يوم تعظيمهم أمر السبت.
شُرَّعاً ظاهرة على وجه الماء.
وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ يوم لا يعظمون أمر السبت. لا يسبتون، بضم الباء، من (أسبتوا).
كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ أي مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم.
بِما كانُوا يَفْسُقُونَ بسبب فسقهم.
١٦٤- وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ:
وَإِذْ قالَتْ معطوف على إِذْ يَعْدُونَ وحكمه حكمه فى الاعراب.
أُمَّةٌ مِنْهُمْ جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين ركبوا الصعب والذلول فى موعظتهم، حتى يئسوا من قبولهم لآخرين كانوا لا يقلعون عن وعظهم.
لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أي مخترمهم ومطهر الأرض منهم.
أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً لتماديهم فى الشر.
قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ أي موعظتنا إبلاء عذر الى الله. ولئلا ننسب فى النهى عن المنكر الى بعض التفريط.
وقرىء: معذرة بالنصب، أي وعظناهم معذرة الى ربكم.
أو اعتذرنا معذرة.
وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ولطمعنا فى أن يتقوا بعض الاتقاء.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٦٥ الى ١٦٨]
فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨)
١٦٥- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ:
فَلَمَّا نَسُوا يعنى أهل القرية، فلما تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه.
وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا الظالمين الراكبين للمنكر.
١٦٦- فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ:
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ فلما تكبروا عن ترك ما نهوا عنه.
قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً أي مسخناهم قرودا.
١٦٧- وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ:
تَأَذَّنَ رَبُّكَ عزم، وأجرى مجرى فعل القسم، كعلم الله، وشهد الله، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم.
لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ ليسلطن عليهم.
١٦٨- وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ:
وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً وفرقناهم فيها، فلا يكاد يخلو بلد من فرقة منهم.
مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ الذين آمنوا منهم بالمدينة.
وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ ومنهم ناس دون ذلك الوصف منحطون عنه.
وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ بالنعم والنقم.
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ينتهون فينيبون.
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٩]
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩)
١٦٩- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد المذكورين.
خَلْفٌ وهم الذين كانوا فى زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَرِثُوا الْكِتابَ التوراة بقيت فى أيديهم يقرءونها ولا يعملون بها.
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى أي الدنيا وما يتمتع به منها. والمراد ما كانوا ينالونه من العامة على تحريف الكلم للتسهيل عليهم.
وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا لن يؤاخذنا الله بما أخذنا.
وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ الواو للحال، أي يرجون المغفرة وهم مصرون عائدون الى مثل فعلهم غير تائبين.
أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ يعنى ما جاء فى التوراة أنه من ارتكب ذنبا عظيما فانه لا يغفر له إلا بالتوبة.
أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ عطف بيان لقوله مِيثاقُ الْكِتابِ.
يعنى أن اثبات المغفرة بغير توبة خروج عن ميثاق الكتاب وافتراء على الله، وتقول عليه ما ليس بحق.
أَنْ لا يَقُولُوا مفعول له، أي لئلا يقولوا.
وَدَرَسُوا ما فِيهِ فى الكتاب من اشتراط التوبة فى غفران الذنوب.
وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ من ذلك الغرض الخسيس.
لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ محارم الله.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٠ الى ١٧١]
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١)
١٧٠- وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ:
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ مرفوع بالابتداء وخبره إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ.
وقد يكون فى محل جر عطفا على لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويكون قوله إِنَّا لا نُضِيعُ اعتراضا.
١٧١- وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ:
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ قلعناه ورفعناه.
كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ الظلة: ما أظلك من سقيفة أو سحاب.
وقرىء بالطاء المهملة، من أطل عليه، إذا أشرف.
وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ وعلموا أنه ساقط عليهم، وذلك أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة، فرفع الله الطور على رؤوسهم، وقيل لهم:
ان قبلتموها بما فيها والا ليقعن عليكم.
خُذُوا ما آتَيْناكُمْ على ارادة القول، أي وقلنا: خذوا ما آتيناكم، أو قائلين: خذوا ما آتيناكم.
بِقُوَّةٍ وعزم على احتمال مشاقه وتكاليفه.
وَاذْكُرُوا ما فِيهِ من الأوامر والنواهي ولا تنسوه.
أو واذكروا ما فيه من التعريض للثواب العظيم فارغبوا فيه.
أو واذكروا ما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة والانذار.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ما أنتم عليه.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٢ الى ١٧٣]
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣)
١٧٢- وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ:
مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بَنِي آدَمَ بدل البعض من الكل.
والمعنى: إخراجهم من أصلابهم نسلا واشهادهم على أنفسهم.
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ من باب التمثيل. والمعنى: أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم، وقال لهم: ألست بربكم، وكأنهم قالوا: بلى، أنت ربنا، شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيته.
أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ لم ننبه عليه.
١٧٣- أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ:
أَوْ تَقُولُوا أو كراهة أن تقولوا.
إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ فاقتدينا بهم، لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم، فلا عذر لهم فى الاعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء، كما لا عذر لآبائهم فى الشرك.
أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ أي كانوا السبب فى شركنا لتأسيهم الشرك وتقدمهم فيه، وتركه سنة لنا.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٦]

وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٧٤) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦)
١٧٤- وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ:
وَكَذلِكَ ومثل ذلك التفصيل البليغ.
نُفَصِّلُ الْآياتِ لهم.
وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وإرادة أن يرجعوا عن شركهم نفصلها.
١٧٥- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ على اليهود.
نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها هو عالم من علماء بنى إسرائيل، هو بلعم بن باعوراء، أوتى علم بعض كتب الله.
فَانْسَلَخَ مِنْها من الآيات، بأن كفر ونبذها وراء ظهره.
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فلحقه الشيطان وأدركه وصار قرينا له.
فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ فصار من الضالين الكافرين.
١٧٦- وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ:
وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها لعظمناه ورفعناه الى منازل الأبرار من العلماء بتلك الآيات.
وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ مال الى الدنيا ورغب فيها.
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ فصفته التي هى مثل فى الخسة والضعة كصفة الكلب فى أخس أحواله وأذلها، وهى حال دوام اللهث به واتصاله، سواء حمل عليه، أي شد عليه وهيج فطرد، أو ترك غير متعرض له بالحمل عليه وذلك أن سائر الحيوان لا يكون منه اللهث الا إذا هيج منه وحرك، والا لم يلهث، والكلب يتصل لهثه فى الحالتين جميعا.
ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا من اليهود وبعد ما قرءوا نعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فى التوراة، وذكر القرآن المعجز وما فيه.
فَاقْصُصِ قصص بعلم الذي هو نحو قصصهم.
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فيحذرون مثل عاقبته، إذا ساروا نحو سيرته.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٧ الى ١٧٩]
ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩)
١٧٧- ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ:
ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ أي مثل القوم، أو ساء أصحاب مثل القوم.
وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ معطوف على كَذَّبُوا فيدخل فى حيز الصلة، بمعنى الذين جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم.
أو كلام منقطع عن الصلة بمعنى: وما ظلموا الا أنفسهم بالتكذيب.
وتقديم المفعول به للاختصاص، كأنه قيل: وخصوا أنفسهم بالظلم لم يتعدها الى غيرها.
١٧٨- مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ:
فَهُوَ الْمُهْتَدِي حمل على اللفظ.
فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ حمل على المعنى.
١٧٩- وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ:
كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ هم المطبوع على قلوبهم فلا يلقون أذهانهم الى معرفة الحق، ولا ينظرون بأعينهم الى ما خلق الله نظر اعتبار، ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر، كأنهم عدموا منهم القلوب، وأبصار العيون، واستماع الآذان.
أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ فى عدم الفقه والنظر للاعتبار والاستماع للتدبر.
بَلْ هُمْ أَضَلُّ من الأنعام عن الفقه والاعتبار والتدبر.
أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الكاملون فى الغفلة.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٠ الى ١٨٤]
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠) وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤)
١٨٠- وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى التي هى أحسن الأسماء، لأنها تدل على معان حسنة من تمجيد وتقديس، وغير ذلك.
فَادْعُوهُ بِها فسموه بتلك الأسماء.
وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيسمونه بغير الأسماء الحسنى، وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه.
١٨١- وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ:
أي يدعون غيرهم للحق بسبب حبهم للحق، وبالحق وحده يعدلون فى أحكامهم.
١٨٢- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ:
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ سنستدنيهم قليلا الى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم.
مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ما يراد بهم.
١٨٣- وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ:
وَأُمْلِي لَهُمْ عطف على سَنَسْتَدْرِجُهُمْ وهو داخل فى حكم (السين).
إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ سماه كيدا، لأنه شبيه بالكيد، من حيث انه فى الظاهر احسان وفى الحقيقة خذلان.
١٨٤- أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ:
ما بِصاحِبِهِمْ بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
مِنْ جِنَّةٍ من جنون.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٥ الى ١٨٦]
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦)
١٨٥- أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ:
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا نظر استدلال.
فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيما تدلان عليه من عظم الملك.
والملكوت: الملك العظيم.
وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وفيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشيء من أجناس لا يحصرها العدد ولا يحيط بها الوصف.
وَأَنْ عَسى أن، مخففة من الثقيلة، والأصل أنه عسى، على أن الضمير ضمير الشأن. والمعنى: أو لم ينظروا فى أن الشأن والحديث عسى:
أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ولعلهم يموتون عما قريب، فيسارعوا الى النظر وطلب الحق وما ينجيهم، قبل مناقصة الأجل وحلول العقاب.
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ متعلق بقوله عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب، فما لهم لا يبادرون الى الايمان بالقرآن قبل الفوت، وما ينتظرون بعد وضوح الحق، وبأى حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا.
١٨٦- مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ:
وَيَذَرُهُمْ قرىء بالياء والنون، والرفع على الاستئناف.
وقرىء بالياء والجزم عطفا على محل فَلا هادِيَ لَهُ كأنه قيل:
من يضلل الله لا يهده أحد ويذرهم.

[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٧]

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧)
١٨٧- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ:
يَسْئَلُونَكَ السائلون، هم اليهود، وقيل: هم قريش.
السَّاعَةِ من الأسماء الغالبة وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها.
أَيَّانَ متى.
مُرْساها إرساؤها، أو وقت ارسائها، أي إثباتها وإقرارها.
إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أي علم وقت ارسائها عنده قد استأثر به.
لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ أي لا تزال خفية، لا يظهر أمرها، ولا يكشف خفاء علمها الا هو وحده، إذا جاء بها فى وقتها بغتة، لا يجليها بالخبر عنها قبل مجيئها أحد من خلقه، لاستمرار الخفاء بها على غيره الى وقت وقوعها.
ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي كل من أهلها من الملائكة والثقلين أهمه شأن الساعة، وبوده أن يتجلى له علمها، وشق عليه خفاؤها وثقل عليه.
أو ثقلت فيها لأن أهلها يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها.
أو لأن كل شىء لا يطيقها ولا يقوم لها، فهى ثقيلة فيها.
إِلَّا بَغْتَةً الا فجأة على غفلة منكم.
كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها كأنك عالم بها. وحقيقته كأنك بليغ فى السؤال عنها، لأن من بالغ فى المساءلة عن الشيء والتنقير عنه استحكم عليه وثبت وتيقن.
وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنه العالم بها، وأنه المختص بالعلم بها.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٨ الى ١٨٩]
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩)
١٨٨- قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ:
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا اظهار للعبودية وانتفاء عما يختص بالربوبية من علم الغيب، أي أنا عبد ضعيف لا أملك لنفسى اجتلاب نفع ولا دفع ضرر.
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ربى ومالكى من النفع لى والدفع عنى وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ لكانت حالى على خلاف ما هى عليه من استكثار الخير، واستغزار المنافع، واجتناب السوء والمضار، حتى لا يمسنى شىء منها.
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ عبد أرسلت نذيرا وبشيرا.
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يتعلق بالنذير والبشير، لأن النذارة والبشارة انما تنفعان فيهم. أو هو متعلق بالبشير وحده، ويكون المتعلق بالنذير محذوفا، أي الا نذير للكافرين وبشير لقوم يؤمنون.
١٨٩- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ:
مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هى نفس آدم عليه السّلام.
وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها وهى حواء.
لِيَسْكُنَ إِلَيْها ليطمئن إليها ويميل ولا ينفر. وذكر بعد ما أنث فى قوله واحِدَةٍ، ذهابا الى معنى النفس، ليبين أن المراد بها آدم، ولأن الذكر هو الذي يسكن الى الأنثى ويتغشاها، فكان التذكير أحسن طباقا للمعنى.
فَلَمَّا تَغَشَّاها التغشى: الجماع.
حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً خف عليها، ولم تلق منه ما يلقى بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذى.
فَمَرَّتْ بِهِ فمضت به الى وقت ميلاده.
فَلَمَّا أَثْقَلَتْ حان وقت ثقل حملها.
لَئِنْ آتَيْتَنا لئن وهبت لنا.
صالِحاً ولدا سويا.
لَنَكُونَنَّ لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٩٠ الى ١٩٢]
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢)
١٩٠- فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ:
فَلَمَّا آتاهُما ما طلباه من الولد الصالح السوي.
جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ أي جعل أولادهما له شركاء، على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه.
فِيما آتاهُما أي آتى أولادهما، على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه. أي تسميتهم أولادهم بعبد العزى، وبعبد مناة، وعبد شمس، وما أشبه ذلك.
١٩١- أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ:
وَهُمْ يُخْلَقُونَ أجريت الأصنام مجرى أولى العلم بناء على اعتقادهم فيها وتسميتهم إياها آلهة.
أي أيشركون ما لا يقدر على خلق شىء كما يخلق الله وهم يخلقون لأن الله عز وجل خالقهم.
١٩٢- وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ:
وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ لعبدتهم.
نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث، بل عبدتهم هم الذين يدفعون عنهم ويحامون عليهم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٩٣ الى ١٩٥]
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥)
١٩٣- وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ:
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ وان تدعوا هذه الأصنام.
إِلَى الْهُدى أي الى ما هو هدى ورشاد، والى أن يهدوكم.
والمعنى: وان تطلبوا منهم كما تطلبون من الله الخير والهدى، لا يتبعوكم الى مرادكم وطلبتكم، ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله.
سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أم صممتم عن دعائهم، فى أنه لا فلاح معهم.
١٩٤- إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله.
عِبادٌ أَمْثالُكُمْ استهزاء بهم، أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء، فان ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم.
١٩٥- أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ:
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ أبطل أن يكونوا عبادا أمثالهم.
قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ واستعينوا بهم فى عداوتى.
ثُمَّ كِيدُونِ جميعا أنتم وشركاؤكم.
فَلا تُنْظِرُونِ فانى لا أبالى بكم.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٩٦ الى ٢٠٠]

إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)
١٩٦- إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ:
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ أي ناصرى عليكم الله.
الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ الذي أوحى الى كتابه وأعزنى برسالته.
وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ومن عادته أن ينصر الصالحين من عباده وأنبيائه ولا يخذلهم.
١٩٧- وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ:
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ والأصنام الذين تطلبون منهم النصر دون الله.
١٩٨- وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ:
يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ يشبهون الناظرين إليك، لأنهم صوروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته الى الشيء ينظر اليه.
وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وهم لا يدركون المرئي.
١٩٩- خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ:
الْعَفْوَ ضد الجهد، أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا.
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ العرف والجميل من الأفعال.
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم، ولا تمارهم، واحلم عنهم، وأغض على ما يسوءك منهم.
٢٠٠- وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ واما ينخسنك منه نخس، بأن يحملك بوسوسته على خلاف ما أمرت به.
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ولا تطعه.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٠١ الى ٢٠٥]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥)
٢٠١- إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ:
طائِفٌ وقرىء: طيف، أي لمسة من الشيطان.
تَذَكَّرُوا ما أمر الله به ونهى عنه، فأبصروا السداد ودفعوا ما وسوس به إليهم ولم يتبعوه.
٢٠٢- وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ:
يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ أي يكونون مددا لهم فيه ويعصدونهم.
ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ثم لا يمسكون عن اغوائهم.
٢٠٣- وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ:
لَوْلا اجْتَبَيْتَها هلا أخذتها.
بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أي حجج بينة يعود المؤمنون بها بصراء.
٢٠٤- وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ:
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا أي إذا تلا عليكم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم القرآن عند نزوله فاستمعوا له.
وقيل: اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه.
٢٠٥- وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ:
تَضَرُّعاً وَخِيفَةً متضرعا وخائفا.
وَدُونَ الْجَهْرِ ومتكلما كلاما دون الجهر، لأن الإخفاء أدخل فى الإخلاص وأقرب الى حسن التفكر.
بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ لفضل هذين الوقتين. أو أراد الدوام.
وبالغدو، أي بأوقات الغدو، وهى الغدوات.
والآصال، جمع أصيل، وهو الوقت حين تصفر الشمس لمغربها.
وقرىء: بالإيصال، من آصل، إذا دخل فى الأصيل.
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠٦]
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦)
٢٠٦- إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ:
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ هم الملائكة. ومعنى عِنْدَ دنو المنزلة والقرب من رحمة الله تعالى وفضله لتوفرهم على طاعته وابتغاء مرضاته.
وَلَهُ يَسْجُدُونَ ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره.
Icon