تفسير سورة الطلاق

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الطّلاق
مدنية وهى اثنتا عشرة اية وفيها ركوعان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اخرج الحاكم عن ابن عباس قال طلق عبد يزيد ابو ركانة أم ركانة ثم نكح امرأة مزينة فجاءت الى رسول الله - ﷺ - فقالت يا رسول الله ما يغنى عنى الا ما يغنى هذه الشعرة فنزلت
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال الذهبي الاسناد واه والخبر خطاء وعبد يزيد لم يدرك الإسلام واخرج ابن ابى حاتم من طريق قتادة عن انس قال طلق رسول الله - ﷺ - صفية فاتت أهلها فانزل الله تعالى هذه الاية فقيل لها راجعها فانها صوامة قوامة واخرج ابن جرير عن قتادة مرسلا وابن المنذر عن ابن سيرين مرسلا واخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل فى هذه الاية قال بلغنا انها نزلت فى عبد الله بن عمرو بن العاص وطفيل بن عمرو بن سعيد بن العاص والله تعالى اعلم قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ خص النداء بالنبي - ﷺ - وعم الخطاب بالحكم لانه امام امة فندائه كندائهم او لان الكلام معه والحكم يعمهم وقيل مجازة يا ايها النبي قل لامتك إذا طلقتم النساء اى أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له بمنزلة الشارع كما فى قوله تعالى إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وإذا قرأت القران فاستعذ بالله فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال الشافعية اللام بمعنى الوقت اى وقت عدتهن وأيده البغوي بانه كان ابن عباس وابن عمر على ان الطلاق فى الحيض حرام لحديث ابن عمر انه طلق امرأته وهى حائض فى عهد رسول الله - ﷺ - فذكر عمر لرسول الله - ﷺ - فتغيظ رسول الله - ﷺ - ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فان بدأ له ان يطلقها فليطلقها طاهرا قبل ان يمسها فتلك العدة التي أمرها الله ان يطلق بها النساء متفق عليه قال البغوي نزلت هذه الاية فى هذه القصة يعنى طلاق ابن عمر امرأته فى الحيض فيظهر بذلك ان العدة بالاطهار دون الحيضات والمراد بالقروء فى العدة الاطهار وقالت الحنفية اللام للوقت بمعنى فى غير معهود فى الاستعمال وسيلزم ذلك تقديم العدة الطلاق او مقارنته لاقتضائه وقوعه فى وقته بل اللام هاهنا للعاقبة على طريقة لدو للموت وابنوا للخراب يعنى طلقوهن حتى تعقبه العدة او اللام صلة لمحذوف والتقدير طلقوهن مستقبلات لعدتهن يقال فى التاريخ بإجماع اهل العربية خرجت لثلث يقين من رمضان وفى حديث ابن عمر المذكور فى رواية مسلم انه صلى الله تعالى عليه وسلم
317
تلى إذا طلقتم النساء فيطلقوهن لقبل عدتهن ومعنى قراءة ابن عباس وابن عمرو طلقوهن فى قبل عدتهن اى فى استقبال عدتهن فظهر ان العدة بالحيضات دون الاطهار وقد مر الخلاف فى مسئلة العدة بالحيضات او الاطهار ومسئلة حرمة الطلاق فى الحيض فى سورة البقر (مسئله) اجمع العلماء ايضا على ان الطلاق فى الطهر الذي جامعها فيه حرام ايضا لقوله صلى الله تعالى عليه واله وسلم فيطلقها طاهرا قبل ان يمس وعلى انه لا يحرم طلاق امرأة حائض لم يدخل بها ولاطلاق صغيرة لم تحض ولا آيسة بعد ما جامعها لان الحرمة لتطويل العدة ولا عدة على غير المدخول بها وعدة الصغيرة والآئسة بالأشهر وذا لا يمتد بالطلاق بعد الجماع ايضا وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ يعنى اضبطوها بالحفظ وامكثوها ثلثة قروء كوامل لئلا يقع الرجعة بعد العدة او التزوج بزوج اخر قبل انقضاء العدة وكل ذلك لا يجوز وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ج فى تطويل العدة والإضرار بهن لا تُخْرِجُوهُنَّ اى المطلقات رجعيات كن او بوائن مِنْ بُيُوتِهِنَّ اى من مساكنهن فى وقت الطلاق وهى بيوت الأزواج حتى تنقضى عدتهن وَلا يَخْرُجْنَ باختيارهن ومن هذه الاية يثبت انه لا يجوز للمطلقة مطلقا رجعية كانت او بائنة الخروج من بيت الزوج ليلا ونهارا الا بضرورة فان الضرورة مستثناة فى العبادات وهى تبيح المحذورات والضرورة مثل انهدام البيت او خوف السرقة او عدم وجدان كراء البيت او ضيق المنزل عليهما او كون الزوج فاسقا والطلاق بائنا ولم يكن هناك قادر على حيلولة او نحو ذلك وقال احمد يجوز للمطلقة البائنة ان تخرج من بيتها فى حوايجها نهارا وعن الشافعي كالمذهبين قال البغوي ان كانت لها حاجة من بيع غزل او شراء قطن او نحو ذلك يجوز لها الخروج نهارا ولا يجوز ليلا اجماعا احتجوا بحديث جابر قال طلقت خالته فارادت ان تجد نخلها فزجرها رجل ان تخرج فاتت النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم فقال بلى تجدى نخلك فانه عسى ان تصدقى او تفعلى معروفا رواه مسلم قال ابو حنيفة حديث الآحاد لا يعارض الاية القطعية غير انها تخرج فى ضرورة ملجئة اجماعا (مسئله) إذا لزمت العدة فى السفر فى
غير موضع الاقامة ان لم يكن بينها وبين مصرها الذي خرجت منه مسيرة سفر رجعت وان كانت تلك فى كل جانب خيرت بين الرجوع والتوجه الى القصد سواء كان معها ولى او لا والرجوع اولى ليكون الاعتداء فى منزل الزوج وقيل يختار أقربها وان كانت هاهنا وبين مصرعا مسيرة سفر وبينها وبين المقصد اقل يتوجه الى المقصد وان كانت فى موضع الاقامة
318
تعتد ثمه عند ابى حنيفة رحمه الله تعالى وعند ابى يوسف رح ومحمد رح ان كان معها ولى جاز له الرجوع الى الوطن والمسير الى المقصد على التفصيل المذكور (مسئله) يجوز للمتوفى عنها زوجها فى العدة الخروج من بيت زوجها نهارا ولا يجوز ليلا وقال الشافعي يجوز مطلقا وقد مر المسألة فى سورة البقر قال البغوي ان رجالا استشهدوا بأحد فقالت نسائهم نستوحش فى بيوتنا فاذن لهن النبي - ﷺ - ان يتحدثن عند إحداهن فاذا كانت وقت النوم تلوى كل امرأة الى بيتها وذكر فى سورة البقر حديث اخت ابى سعيد الخدري قال لها النبي - ﷺ - فى عدة وفاة زوجها امكثى فى بيتك حتى يبلغ الكتاب اجله إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ط استثناء مفرغ فى محل الظرف اى لا تخرجوهن فى وقت من الأوقات الا وقت ان يأتين قال ابن عمرو السدى وابراهيم النخعي يجوز للفاحشة خروجها من بيتها قبل انقضاء العدة وبه أخذ ابو حنيفة رح قال ابن همام هذا أبدع واغرب يقال فى الخطابيات لا تزنى الا ان تكونى فاحشة ولا تشتم انك الا ان تكون قاطع رحم ونحوه وعلى هذا التأويل استثناء من الثاني وقال ابن مسعود الفاحشة الزنا فتخرج لاقامة الحد عليها ثم ترد الى منزلها وبه أخذ ابو يوسف قال ابن همام وهذا اظهر من جهة وضع اللفظ لان إلا غاية والشيء لا يكون غاية لنفسه وقال ابن عباس الفاحشة المبينة ان تبذوا على اهل زوجها فيحل إخراجها وكذا قال قتادة ان معناه ان يطلقها على نشوزها وعلى هذين التأويلين استثناء من الاول يعنى لا تخرجوهن وَتِلْكَ الاحكام المذكورة حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بان عرضها للعقاب لا تَدْرِي ايها الخاطب وجملة لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فى تاويل المفرد مفعول للاتدرى اى لا تدرى حدوث امر بعد ذلك تعليل لقوله احصوا العدة ولا تخرجوهن والمعنى لعل الله يحدث بعد بغضها وارادة فراقها والرغبة عنها فى قلب زوجها محبتها والرغبة فيها فتندمون على الطلاق وتريدون الرجعة.
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ الضمير راجع الى الرجعيات من المطلقات وذكر حكم خاص ببعض ما تناوله الصدر لا يبطل عموم الصدر كما فى قوله تعالى والمطلقات يتربّصن بانفسهن ثلثة قروء الى قوله بعولتهن أحق بردهن والمعنى قرين من انقضاء عدتهن فَأَمْسِكُوهُنَّ اى راجعوهن بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فتبين منكم من غير ضرار بان يراجعها ثم يطلقها تطويلا للعدة وَأَشْهِدُوا على الرجعة او الفرقة ذَوَيْ عَدْلٍ
مِنْكُمْ تبريا عن الريبة وقطعا للتنازع والأمر بالإشهاد امر استحباب ولا يشترط الشهود للرجعة عند ابى حنيفة ومالك واحمد فى رواية وعند الشافعي فى أصح قوليه وفى قول للشافعى ورواية احمد يشترط الشهود للرجعة والأمر امر إيجاب قلنا ايضا الاشهاد على الطلاق ليس بواجب اجماعا فالامر للاستحباب كما فى قوله تعالى واشهدوا إذا تبايعتم ولا يمكن ان يكون الأمر للوجوب فى حق الرجعة وللاستحباب فى حق الفرقة والا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ ايها الشهود إذا دعيتم إليها لِلَّهِ اى خالصا لوجهه لا لغرض دنيوى ذلِكُمْ الذي ذكر يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ط فانه هو المنتفع به والمقصود تذكيره اخرج ابن مردوية من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال جاء عوف ابن مالك الأشجعي فقال يا رسول الله ان ابني اسره العدو جزعت امه فما تأمرني قال أمرك وإياها ان تستكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله فقالت المرأة نعم ما أمرك فجعلا يكثران فغفل عنه العدو فاستاق غنمهم فجاء بها الى أبيه قال البغوي وهى اربعة آلاف شاه فنزلت ومن يتق الله الاية قال البغوي اتى عوف بن مالك النبي - ﷺ - فقال يا رسول الله اسرا العدو ابني وشكى اليه ايضا الفاقة فقال النبي - ﷺ - اتق الله واصبر واكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله ففعل الرجل ذلك فبينما هو فى بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو فاصاب ابلا فجاء بها الى أبيه واخرج ابن جرير مثله عن سالم بن ابى الجعد والسدى وأخرجه الحاكم من حديث ابن مسعود واخرج ايضا عن جابر قال نزلت فى رجل من أشجع كان فقيرا خفيف ذات اليد كثير العيال فذكر مثله واخرج الخطيب فى تاريخه من طريق جرير عن الضحاك عن ابن عباس وأخرجه الثعلبي من وجه اخر ضعيف وابن ابى حاتم من وجه اخر مرسل فقد صح الحديث بكثرة الشواهد فلا بأس بما قال الذهبي فى حديث جابر انه حديث منكر ومعنى الاية وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى المصيبة والبلاء فيصبر ويترك الجزع وارتكاب المحرم يَجْعَلْ الله لَهُ مَخْرَجاً من ذلك البلاء والمصيبة.
وَيَرْزُقْهُ بعد فقره رزقا حلالا مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ط كما رزق الأشجع عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله - ﷺ - من انزل به فاقة فانزلها لم يسد فاقته ومن نزلت به فاقة فانزلها بالله فيوشك الله ان يرزق عاجلا او أجلا رواه ابو داود والترمذي وصححه هو والحاكم الا انه قال او شك الله له بالغنى اما بموت
320
عاجل او غنى وعن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - من جاء او احتاج فكتمه الناس وأقضي به الى الله كان حقا على الله ان يفتح له قوت سنة من حلال (فائدة) قال البغوي قال مقاتل أصاب ابنه يعنى عوف بن مالك الأشجعي غنما ومتاعا ثم رجع الى أبيه فانطلق أبوه الى النبي - ﷺ - وأخبره الخبر وساله أيحل له ان يأكل ما اتى به ابنه فقال النبي - ﷺ - نعم فانزل الله تعالى هذه الاية (فائدة) اختار المجدد لجلب المنافع ودفع المضار الدينية والدنيوية إكثار لا حول ولا قوة الا بالله وعين فى مقدار الإكثار ان يقرأها فى كل يوم خمسمائة مرة ويصلى على النبي - ﷺ - قبله ماية مرة وبعده مايه مرة وقد قال رسول الله - ﷺ - من أنعم الله عليه نعمة فاراد بقاءها فليكثر من قول لا حول ولا قوة الا بالله رواه الطبراني من حديث عقبة بن عامر وفى الصحيحين عن ابى مولى مرفوعا انها كنز من كنوز الجنة وفى رواية للنسائى من قال لا حول ولا قوة الا بالله كان دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم (مسئله) إذا دخل المسلم دار الحرب أسيرا او سارقا مختفيا بلا أمان واستولى على مال حربى بسرقتا وغصب او غير ذلك واحرزه بدار الإسلام ملكه ملكا حلالا وليس عليه إخراج الخمس وان وضع عنده حربى ماله امانة او دخل دار الحرب بامان تاجرا او سياحا واستولى على ما لهم واحرزه بدار الإسلام ملكه بملك حرام لاجل الغدر ونقض العهد ولا خمس عليه وان أخذ ما لهم عنوة فحكمه حكم الغنيمة يجب فيه الخمس والله تعالى اعلم قال البغوي قال عكرمة والشعبي والضحاك معنى الاية ومن يتق الله فيطلق للسنة يجعل له مخرجا الى الرجعة وقال ابن مسعود من يتق الله يجعل له مخرجا من كل شىء ضاق على الناس وقال ابو العالية مخرجا من شدة وقال الحسن مخرجا عما نهاه عنه قلت نظم الاية يطابق قصة الأشجعي ويفيد الحكم العام بحيث يناسب سياق السورة والجملة اعتراضية موكدة لما سبق يعنى من يتق الله من الرجال ولم يظلم على زوجة بالنشوز والعدوان إذا أراد الفراق لنشوزها او لغرض صحيح اخر ولم يطلق فى الحيض ولا قصد اضرارها بتطويل العدة وغير ذلك ولا أخرجها من المسكن ولم يتعد حدود الله يجعل له مخرجا من المعصية ومن سوء معاشرتها ويرزقه بدلا منها زوجة صالحة لم يخطر باله وكذا فى المرأة إذا اتقت الله فلم تظلم زوجها بالنشوز وطلب الطلاق بلا إضرار منه او صبرت على إيذائه يجعل لها مخرجا منه ويرزقها من الطعام ومن الرجال بعلا صالحا من وجه لا يخطر ببالها وتفيد حكما عاما لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين والفوز بخيرهما ومن ثم
321
قال قال رسول الله - ﷺ - انى لاعلم اية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب رواه احمد وابن ماجة والدارمي من حديث ابى ذر وكذا روى ابن حبان فى صحيحه والحاكم وزاد فما زال عليه السلام يقرأها ويعيدها وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ اى كافيه فيما يهمه عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله ص يقول لو انكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا اخماصا وتروح بطانا رواه الترمذي وابن ماجة وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يدخلون الجنة من أمتي سبعون الفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا تيطيرون وعلى ربهم يتوكلون متفق عليه وزاد فى رواية ولا يكتوون إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ يبلغه على ما يريده ولا يفوته مراده لا يرد قضاءه قرأ حفص بالغ بالاضافة بغير تنوين وامره بالجر والباقون بالتنوين ونصب
امره قال مسروق ان الله بالغ امره توكل عليه او لم يتوكل غير ان المتوكل عليه يكفر عنه سياته ويعظم له اجرا قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً اى تقديرا ومقدارا وفيه تقدير لما تقدم من تاقيت الطلاق بزمان والعدة والأمر بإحصائها وتمهيد لما سياتى من مقاذيرها او المعنى جعل لكل شىء من الشدة والرخاء أجلا ينتهى اليه لا يتاتى تغييره ولا يفيد الجزع فيه فهو بيان لوجوب التوكل ويناسب هذا التأويل قول مسروق واخرج ابن جرير واسحق بن راهويه والحاكم وغيرهم بسند صحيح عن ابى بن كعب قال لما نزلت الاية فى سورة البقر فى عدة النساء قالوا قد بقي عدد من النساء لم يذكرن الصغار والكبار وأولات الأحمال فانزلت.
وَاللَّائِي مر اختلاف القراء فى سورة المجادلة يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مصدر ميمى بمعنى الحيض مِنْ نِسائِكُمْ يعنى اللاتي لا يرجون الحيض لكبرهن وقدرها بعض العلماء بخمس وخمسين سنة وبعضهم بستين سنة إِنِ ارْتَبْتُمْ اى شككتم فى عدتهن كان فى هذا الشرط اشارة الى ان عدة اللائي يئسن واللائي لم يحضن يمكن استنباطها من قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء فان ثلثة قروء غالبا يوجد فى ثلثة أشهر فاذا لا يوجد القروء يجب رعاية زمان يوجد فيه غالبا القروء الثلاثة كما ان العلماء حكموا بالبلوغ بمضى خمسة عشر سنة او سبعة عشر سنة او نحو ذلك لعدم خلو هذا السن من البلوغ غالبا وكما ان الشرع اقام حولان الحول على المال فى وجوب الزكوة مقام النماء لوجود النماء غالبا فى الحول وله نظائر كثيرة مثل تقدير الا ياس بالسنين فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ الاية
322
اخرج مقاتل فى تفسيره ان خلاد بن عمر بن الجموح سال النبي - ﷺ - عن عدة التي لا تحيض فنزلت هذه الاية وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ سواء كانت صغيرة او مراهقة او بالغة بالسن مبتدأ خبره محذوف دل عليه ما سبق يعنى كذلك عدتهن ثلثة أشهر قوله واللّائي يئسن مع ما عطف عليه معطوف على مفهوم قوله تعالى طلقوهن لعدتهن واحصوا العدة فان الاضافة فى لعدتهن ولام التعريف فى العدة للعهد اى عدتهن المعهودة المعلومة من قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء فدلت الاضافة واللام على ان عدة اللائي يحضن من المطلقات ثلثة حيض فعطف عليه هذه الاية مختصة بالمطلقات الحرائر اجماعا سواء كن رجعيات او بائنات او مختلعات مسلمات او كتابيات تحت مسلم واما الإماء قنات او مكاتبات او مدبرات فعدتهن إذا لم تكن من ذوات الأقراء فنصب عدة الحرائر اعنى شهرا ونصف شهر بالإجماع وقد ذكرنا فى سورة البقر طلاق الامة طلقتان وعدتها حيضتان ولما كان الحيض والطلاق غير متجز كملنا والشهر متجز فصار شهرا ونصف شهر روى الشافعي ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى ابى طلحة عن سلمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر قال ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الامة بحيضتين فان لم تكن تحيض فشهرين او شهرا ونصفا (مسئلة:) الشابة التي كانت تحيض فارتفع حيضها قبل بلوغ سن الإياس ذهب اكثر أهل العلم الى ان عدتها لا تنقضى حتى يعاودها الدم فيعتد ثلثة اقرأ او تبلغ سن الإياس فتعتد بثلاثة أشهر وهو قول عثمن وعلى وزيد بن ثابت وابن مسعود وبه قال عطاء واليه ذهب ابو حنيفة والشافعي ووجه هذا القول ظ فانها غير داخلة فى اللائي يئسن واللائي لم يحضن وحكى عن عمر انها يتربصن تسعة أشهر فان لم تحضن فى تلك المدة تعتد بثلاثة أشهر وهو قول مالك وقال الحسن تتربصن ستة فان لم تحضن تعتد بثلاثة أشهر (مسئله) ان حاضت المطلقة حيضتين ثم بلغ سن الإياس وانقطع دمها تستانف العدة بالشهور وان اعتدت الآئسة بالأشهر ثم رأت الدم بعد انقضائها او فى خلالها انتقض ما مضى من عدتها وظهر فساد نكاحها الكائن بعد تلك العدة هذا إذا رات الدم على العادة بان يكون الدم أسودا واحمر ولو رات اصفر او اخضر او تربية لا يكون حيضا الا إذا كانت عادتها قبل الإياس اصفر فرأته كذلك او علقا فرأته كذلك ان وقع الطلاق فى أول شهر اعتدت بالأشهر الهلالية اتفاقا وان وقع فى أثناء الشهر اعتبر كلها بالأيام فلا ينقضى عدتها الا بتسعين يوما عند
323
ابى حنيفة وعند صاحبيه يكمل الاول ثلثين يوما والأخيران المتوسطان بالاهلة (مسئلة:) ليس حكم هذه الاية فى المتوفى عنها زوجها فان عدتها إذا لم تكن حاملا اربعة أشهر وعشر سواء كانت صغيرة او آيسة او شابة والداعي الى تخصيص حكم هذه الاية بالمطلقات دون المتوفى عنهن أزواجهن مع كون اللفظ عاما الإجماع وسند الإجماع ما ذكرنا فى سبب النزول من حديث ابى بن كعب قالوا قد بقي عدد من النساء لم يذكرن الصغائر والكبائر وأولات الأحمال فانزلت هذه الاية وقوله تعالى ان ارتبتم ولا شك ان عدة النساء لم يبق الا من قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلثة قروء بخلاف قوله تعالى والذين يتوفون منكم فانه عام شامل لجميع اقسام المتوفى عنهن أزواجهن لم يشذ منها شىء وايضا لا يحتمل تلك الاية الارتياب
فان الارتياب انما يتصور فى ما ثبت بدليل ظنى وتلك الاية لعمومه يشتمل جميع اقسام المتوفى عنها زوجها قطعا يقينا فان قيل هذا الدليل كما يقتضى اختصاص هذه الاية بالمطلقات يقتضى ايضا ان يختص به ايضا قوله تعالى وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ مع انه لم يقل به أحد فكيف ترك دليل الاختصاص هناك مع كون الجمل الثلث فى نسق واحد قلنا كان دليل التخصيص هاهنا الإجماع والا فحديث الآحاد ما لم يعتقد بالإجماع لا يصلح مخصصا للقطع عندنا والإجماع هناك على خلاف ذلك يعنى على شمول الأحمال أولات الأحمال المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن لابن علية وابن عباس رض قالا لا بد للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملة من الوضع والاربعة الأشهر وعشرا جمعا بين الآيتين احتياطا والجمهور على انه تنقضى عدتها بالوضع كذا روى مالك فى الموطأ عن ابن عمرو عن عمر بن الخطاب ولم يقل أحد ان الوضع فى حقها غير معتبر أصلا وفى موطاء مالك عن سليمان بن يسار ان عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف اختلفوا فى المرأة متنفس بعد زوجها بليال فقال ابو سلمة إذا وضعت ما فى بطنها فقد حلت وقال ابن عباس اخر اجلين فقال ابو هريرة انا مع ابن أخي يعنى أبا سلمة فارسلوا كريبا مولى ابن عباس الى أم سلمة زوج النبي - ﷺ - يسالها عن ذلك فاخبرهم انها قالت ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفات زوجها بليال فذكرت ذلك للنبى - ﷺ - فقال قد حللت فانكحى من شئت وفى الصحيحين حديث عمر بن عبد الله بن أرقم انه دخل على سبيعة بنت الحارث الاسلمية فسالها عن حديثها فاخبرته انها كانت تحت سعد بن خولة
324
وهو من بنى عامر بن لوى وهو كان ممن شهد بدرا فتوفى عنها فى حجة الوداع وهى حامل فلم تنشب ان وضعت حملها فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها ابو السنابل بن يعكك رجل من بنى عبد الدار فقال مالى أراك متجملة لعلك ترجين النكاح والله ما أنت بناكحة حتى يمر عليك اربعة أشهر وعشر قالت فلما قال لى ذلك جمعت على ثيابى حين أمسيت فاتيت رسول الله - ﷺ - فسالته عن ذلك فافتانى انى قد حللت حين وضعت حملى وأمرني بالتزوج ان بدا لى وإذا ثبت ان قوله تعالى واو لان الأحمال شاملة للمتوفى عنها زوجها ايضا كما يدل عليه حديث ابى بن كعب قلت للنبى صلى الله تعالى عليه واله وسلم وأولات أحمال أجلهن ان يضعن حملهن للمر ثلاثا والمتوفى عنها زوجها فقال هى للمر ثلاثا والمتوفى عنها زوجها ولكن فيه المثنى بن صباح متروك قال الشافعي رحمه الله تعالى بان هذه الاية مخصصة لاية التربص اربعة أشهر وعشرا بناء على انه يجوز التخصيص بالمتراخي عنده قال البيضاوي المحافظة على عموم هذه الاية اولى من المحافظة على عموم قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا لان عموم أولات الأحمال بالذات وعموم أزواجا بالعرض والحكم معلل هاهنا بخلاف ثمه ولحديث سبيعة وقال ابو حنيفة هذه الاية ناسخة لحكم اية البقر مقدار ما يتناول عليه وهو المروي عن ابن مسعود واخرج البخاري عن ابن مسعود قال أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة نزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى يريد بالقصرى هذه السورة وبالطولى البقرة وفى رواية عنه انه قال من شاء باهلته ان سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة النساء الطولى واخرج ابو داود والنسائي وابن ماجة بلفظ من شاء لاعنته لا نزلت سورة النساء القصرى بعد الاربعة أشهر وعشرا واخرج البزاز بلفظ من شاء حالفته (مسئلة:) لا فرق بين عدة الحامل بين الحرة والامة لان الوضع لا يحتمل التجزى (مسئلة:) اما التوامين تنقضى عدتها بوضع آخرهما لان قوله تعالى حملهن يقتضى وضع تمام حملها وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى أحكامه يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً يعنى يسهل عليه امر الدنيا والاخرة يوفقه للخير.
ذلِكَ اى احكام المذكورة مبتداء خبره أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ط حال من امر الله والعامل فيه معنى أشير وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فى أحكامه فيراعى حقوقها يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ فان الحسنات يذهبن السيئات وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً بالمضاعفة.
أَسْكِنُوهُنَّ متصل بقوله تعالى لا تخرجوهن مستانفة كانه فى جواب من قال اين تسكنهن والضمير راجع الى النساء المطلقات المذكورات فى أول السورة
325
فهى تعم الرجعيات والبائنات الحرائر والإماء صغيرات كن او حائضات او آيسات مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ من زائدة والمعنى حيث سكنتم او للتبعيض والموصوف محذوف يعنى مكانا كاينا بعض المكان الذي سكنتم فيه وقيل من بمضى فى كما فى قوله تعالى من قبل ان تنزل التورية مِنْ وُجْدِكُمْ اى من وسعكم اى الذي تطيقونه وَلا تُضآرُّوهُنَّ فى السكنى لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ط فى المساكن ببعض الأسباب من إنزال لا يوافقها او شغل مكانها وغير ذلك فتلجوهن الى الخروج وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ج اعلم ان المطلقة الرجعية يستحق على زوجها النفقة والسكنى اجماعا ما دامت فى العدة فان كانت الدار ملكا للزوج يجب على الزوج ان يخرج عنها ويترك الدار مدة عدتها ان كان لا يريد الرجعة وان كان باجارة فعلى الزوج الاجرة واما المعتدة البائنة بالخلع او بالطلقات الثلث او باللعان او بالكنايات على مذهب ابى حنيفة فلها السكنى حاملا كانت او حائلا عند اكثر اهل العلم لعموم قوله تعالى أسكنوهن من غير فصل وروى عن ابن عباس والحسن والشعبي انه لا سكنى لها واختلفوا فى نفقها فذهب قوم الى انه لا نفقة لها الا ان تكون حاملا روى ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن والشعبي وعطاء وبه قال الشافعي واحمد والحجة لهؤلاء مفهوم الشرط لهذه الاية وحديث فاطمة بنت قيس ان أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فارسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شىء فجاءت رسول الله - ﷺ - فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها ان تعتد فى بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشها أصحابي فاعتدى عند ابن أم مكتوم فانه رجل أعمى تضعين ثيابك فاذا حللت فاذنينى قالت فلما حللت ذكرت له ان معوية ابن سفيان وأبا جهم خطبانى فقال رسول الله - ﷺ - اما ابو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه واما معاوية فصعلوك لا مال له انكحى اسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحى اسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به رواه مسلم وروى مسلم ايضا وقال فيه لا نفقة لك ولا سكنى ورواه ايضا وقال فيه ابن المغيرة خرج مع على بن ابى طالب فارسل الى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقية من تطليقها وعلى هذا يحمل رواية الثلث على انه أوقع واحدة فى تمام الثلث وامر لها الحارث بن هشام وعباس بن ربيعة بنفقة فسخطتها فقالا والله ليس لك نفقة الا ان تكونى حاملا فاتت النبي - ﷺ - فذكرت له قولهما فقال لا نفقة لك وفى رواية لمسلم ان أبا حفص بن المغيرة طلقها ثلاثا ثم انطلق الى اليمن وقال لها اهله ليس لك علينا
326
نفقة فانطلق خالد بن الوليد فى نفر فاتوا رسول الله - ﷺ - فى بيت ميمونة الحديث وقال ابو حنيفة لها نفقة حاملة كانت او لا بهذه الاية فان قوله تعالى من وجد متعلق بمحذوف والتقدير اسكتوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم لان قدر السكنى اتضح بقوله من حيث سكنتم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ولولا تقدير أنفقوا عليهن فلا فائدة لقوله من وجد وانما هو لبيان مقدار النفقة وبه جاءت قراءة ابن مسعود وهو حجة عند ابى حنيفة والمفهوم ليس بحجة عنده وفائدة التقييد بقوله وان كن أولات حمل التأكيد ودفع توهم عدم النفقة على المعتدة الحامل فى تمام الحمل لطولها وعدم الاقتصار على قدر ثلث حيض او ثلثة أشهر والجواب عن حديث فاطمة انه وانكانت مرويا بسند صحيح لكنه شاذ مردود غير مقبول رده السلف ومعارض ومضطرب اما الاضطراب فقد سمعت فى بعض الروايات انه طلقها وهو غائب وفى بعضها طلقها ثم سافر وفى بعضها انها ذهبت الى رسول الله - ﷺ - وسالته وفى بعضها ان خالد بن وليد ذهب فى سفر فسالوه - ﷺ - وفى بعض الروايات سمى الزوج أبا عمرو بن حفص وفى بعضها أبا حفص بن المغيرة اما الرد من السلف فقد طعن فى الحديث أكابر الصحابة ممن سنذكر مع انه ليس من عادتهم الطعن بسبب كون الراوي امرأة او أعرابيا
فقد قبلوا حديث قريعة بنت مالك اخت أبا سعيد فى اعتداد المتوفى عنها زوجها فى بيت زوجها مع انها لا تعرف الا بهذا الحديث بخلاف فاطمة بنت قيس وقبل عمر خبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده وهو أعرابي وأسوة من رد هذا الحديث عمر بن الخطاب روى مسلم فى صحيحه عن ابى اسحق قال كنت مع اسود ابن زيد جالسا فى المسجد الأعظم ومعنا الشعبي فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس ان رسول الله - ﷺ - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة فاخذ الأسود من حصى فحصبه به فقال ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر لا نترك كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندرى حفظت أم نسيت لها السكنى والنفقة قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة فعمر رد حديث فاطمة وبيّن ان سنة رسول الله - ﷺ - ان لها النفقة والسكنى وقول الصحابي من السنة كذا وقع فكيف إذا كان قايله عمر وهو اعلم بالسنن والشرائع وفيما روى الطحاوي والدار قطنى زيادة قوله سمعت رسول الله - ﷺ - يقول مبتداء للمطلقة ثلثا النفقة واسكني وهذا صريح فى الرفع والمعارضة وقال سعيد بن منصور ثنا المعاوية ثنا الأعمش عن ابراهيم قال كان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة قال ما كنا نغير فى ديننا بشهادة امرأة وهذا شاهد
327
على ان المعروف المشهور عندهم كان وجوب النفقة والسكنى ولمن رد حديثها عائشة وكانت اعلم الناس بأحوال النساء فقد كن يأتين الى منزلها ويستفتين من البنى - ﷺ - روى الشيخان فى الصحيحين عن عروة انه قال لعائشة الم ترى الى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت فقالت بئس ما صنعت فقلت الم تسمعى اى قول فاطمة فقالت اما انه لا خير لها فى ذكر ذلك وفى صحيح البخاري عن عائشة انها قالت لفاطمة الا تتقى الله تعالى فى قولها لا سكنى لها ولا نفقة وممن رد حديثها اسامة بن زيد حب رسول الله - ﷺ - روى عبد الله بن صالح قال حدثنى الليث بن سعد حدثنى جعفر عن ابى هريرة عن ابى سلمة بن عبد الرحمن قال كان محمد بن اسامة يقول كان اسامة إذا اذكرت فاطمة شيئا من ذلك يعنى من انتقالها فى عدتها رماها بما فى يده انتهى هذا مع انه هو الذي تزوجها بامر رسول الله - ﷺ - وكان اعرف بالحال وهذا لم يكن الا لعلمه بان ذلك غلط او لعلم بخصوص سبب جواز انتقالها من اللسن او خيفة المكان قال ابن همام وقال الليث حدثنى عقيل عن ابن اشباب انا ابو سلمة بن عبد الرحمن فذكرت حديث فاطمة فانكر الناس عليها كانت تحدث من خروجها قبل ان تحل وممن رد حديثها مروان روى مسلم فى صحيحه ان مروان بعث إليها قبيصة بن ابى ذويب فسالها عن الحديث فحدثته به فقال مروان لم تسمع الحديث الا من امرأة سناخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها قال ابن همام والناس إذ ذاك هم الصحابة فهذا فى المعنى حكاية عن اجماع الصحابة ووصفه بالعصمة قال ابن همام من رد حديثها زيد بن ثابت ومن التابعين ابن المسيب وشريح والشعبي والحسن والأسود بن يزيد وممن بعدهم الثوري واحمد بن حنبل وخلق كثير ممن تبعهم فالحديث شاذ واما المعارضة فما ذكرنا من رفع عمرو فى معجم الطبراني بسنده عن ابراهيم ان ابن مسعود وعمر قالا المطلقة ثلثا لها السكنى والنفقة واخرج الدار قطنى عن حزب بن العالية عن ابى الزبير عن جابر عن النبي - ﷺ - قال المطلقة ثلثا لها السكنى والنفقة لكن ضعف رفعه ابن معين وقال الأشبه وقفه على جابر (فائدة) وقيل فى توجيه حديث فاطمة بنت قيس على تقدير صحته انها كانت تطول لسانها على أحمائها وكان للسانها ذرابة ولذا أخرجها رسول الله - ﷺ - من بيتها روى القاضي اسمعيل بسنده عن عائشة قالت لفاطمة بنت قيس انما اخرجك هذا اللسان وقال سعيد بن المسيب تلك امرأة يعنى فاطمة بنت قيس فتنت الناس كانت لسنة فوضت على يد ابن أم مكتوم رواه ابو داود وقال سليمان بن يسار خروج فاطمة انما كان عن سوء الخلق رواه ابو داود
328
عنه وكان هذا سببا لخروجها من بيتها واما سبب عدم نفقتها فلان زوجها كان غائبا ولم يترك مالا عند أحد سوى الشعير الذي بعث به إليها
فطالبت هى من اهله على ما فى مسلم من طريق انه طلقها ثلثا ثم انطلق الى اليمن فقال لها اهله ليس لك علينا نفقة الحديث فكانه لذلك قال لها عليه الصلاة والسلام لا نفقة لك ولا سكنى لانه لم يترك مالا عند أحد وليس يجب لك على اهله شىء فلا نفقة لك فلم تفهم فاطمة الغرض من كلام رسول الله - ﷺ - وجعلت تروى عدم النفقة مطلقا فوقع انكار الناس عليها (مسئلة:) المعتدة عن وفاة الزوج لا نفقة لها اجماعا حاملا كانت او حائلا واختلفوا فى سكناها للشافعى رح فيه قولان أحدهما انه لا سكنى لها تعتد حيث تشاء وهو قول عائشة وابن عباس وعلى وبه قال الحسن والجمهور على ان لها السكنى وهو قول عمر وعثمن وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو به قال مالك وسفيان والثوري واحمد واسحق قلت وكذا قال ابو حنيفة رح لكنه يقول ان كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها وأخرجها الورثة من نصيبهم انتقلت لان هذا انتقال بعذر والعبادات توثر فيها الاعذار فصارت كما إذا خافت سقوط المنزل او كانت فيها بأجر ولا تجد ما توويه ولا تخرج عما انتقلت اليه والحجة للجمهور حديث فريعة بنت مالك بن سنان اخت ابى سعيد الخدري وقد ذكرناه فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى والذين يتوفون منكم فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ اى المطلقات بعد وضع الحمل وتمام العدة أولادكم فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ على رضاعهن ذكرنا فى سورة البقر أن إرضاع الولد واجب على الام لقوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن فان استاجر الرجل زوجة او معتدة لارضاع ولدها لا يجوز لانه أخذ الاجرة على فعل واجب عليها فلا يجوز وهذا كان يقتضى عدم جواز استيجار المطلقة بعد انقضاء العدة ايضا لكنا جوزنا ذلك بهذه الاية فظهر بهذه الاية ان وجوب الإرضاع على الام مقيد بوجوب رزقها على الأب بقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ففى حالة الزوجية والعدة بعد الطلاق أبوه قائم برزقها وفيما بعد العدة ليس عليه رزق فيقوم الاجرة وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ج خطاب للزوجين اى ليقبل بعضكم من بعض إذا امره الاخر بشئ معروف وما هو الأحسن ولا يقصد أحدهم إضرار الاخر قال الشافعي رح يعنى شاوروا
329
وقال مقاتل بتراض الام والأب على اجر مسمى وقال البيضاوي وليامر بعضكم بعضا بجميل فى الإرضاع والاجر وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ ايها الأبوين اى لان عسر الإرضاع على الام فابت ان ترضع ولدها فليس للاب اجبارها عليه وعذرت قضاء لظن عجزها حين امتنعت عن الإرضاع مع وفور شفقتها فان كان الإرضاع غير متعسر عليها فى الواقع أتمت عند الله وان عسر على الأب إعطاء أجرتها وكانت ثمه من ترضعه بغير أجر أو بأجر اقل من اجر المثل لا يجبر على الأب فى إعطاء اجر المثل للام ويسترضع الأب من غيرها عند ابى حنيفة رح وهى رواية عن مالك رح وقول للشافعى رح وقال احمد رح يجبر على الأب فى إعطاء اجر المثل ولا يجوز للاب الإرضاع من غيرها وان وجد من ترضع بغير اجر وهى رواية عن مالك رح وقول للشافعى رح وهذه الاية حجة لابى حنيفة رح حيث قال الله تعالى فَسَتُرْضِعُ لَهُ اى للاب امرأة أُخْرى وفيه معاتبة للام على المعاسرة (مسئلة:) يشترط فى الإرضاع من غيرها ان يكون الإرضاع عند الام ما لم تنكح زوجا اخر غير محرم من الولد لان الحضانة لها لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان امرأة قالت يا رسول الله - ﷺ - ان ابني هذا كان بطني لها وعاء وثديى لها سقاء وحجرى لها حواء وان أباه طلقنى وأراد ان ينزعه منى فقال عليه الصلاة والسلام أنت أحق به ما لم تنكحى رواه ابو داود والحاكم وصححه وفى موطاء مالك رح عن القاسم بن محمد قال كانت عند عمر امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم فارقها عمر فركب يوما الى قبا فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد فاخذه بعضده ووضعه بين يديه على الدابة فادركته جدة الغلام فنازعته إياه فاقبلا حتى أتيا أبا بكر فقال خل بينه وبينها فما راجعه عمر كذا روى عبد الرزاق وروى البيهقي وزاد ثم قال ابو بكر سمعت رسول الله - ﷺ - قال لابوى والدة
عن ولدها وروى ابن ابى شيبة قال ابو بكر مسحها وحجرها وريحها خير لها منك حتى يشب الصبى فيختار لنفسه (مسئلة:) ان طلبت الام اجر مثل ما تطلب غيرها فليس للاب ان يسترضع عن غيرها اجماعا.
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ط اى على قدر غناه وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ ط على قدر طاقة (مسئلة:) اختلفوا فى ان نفقة الزوجات والمطلقات هل هى مقدرة بالشرع او معتبرة بحال الزوجين
330
او بحال الزوج فقط فقال مالك واحمد وهى رواية عن ابى حنيفة واختارها صاحب الهداية انها غير مقدرة بالشرع بل مفوض الى الاجتهاد ويعتبر بحال الزوجين فيجب على الموسر للموسرة نفقة الموسرين وعلى المعسر للمعسرة اقل الكفايات حالا والباقي فى ذمته إذا قضى القاضي بنفقة المتوسط او رضيا بقدر وهذا القول يوخذ من هذه الاية لا تقتضى اعتبار حال الزوجة وتقتضى ان يكون على الموسر للفقيرة نفقة اليسار بقوله تعالى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ويقتضى ان يكون على الفقير بقدر طاقته ولا يكون شىء فى ذمته وان كانت زوجة موسرة لقوله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ط فانه تعليل لعدم وجوب الزيادة وهذا هو ظاهر الرواية من مذهب ابى حنيفة قال ابن همام على ظاهر الرواية يجب فى صورة إعسار الزوج ويسار الزوجة نفقة الإعسار لانها وان كانت موسرة لكنها لما تزوجت معسرا فقد رضيت بنفقة المعسرين وفى صورة يسار الزوج وإعسار الزوجة نفقة الموسر زوجه ومن قال انه يجب على المعسر للموسرة نفقة متوسطة اعتبار حال الزوج ثبت بالقران واعتبار حال الزوجة بحديث عائشة ان هذا بنت عتبة قالت يا رسول الله ان أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطنى ما يكفينى وولدي الا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف متفق عليه ويورد عليه انه حديث احاد لا يجوز به تغيير حكم ثبت بالقاطع وأفاد صاحب الهداية دفع هذا الإيراد بقوله نحن نقول بموجبه اى موجب القران انه مخاطب بقدر وسعه والباقي فى ذمته فان المفاد بالنص باعتبار حاله فى الانفاق ونحن نقول ان المعسر لا ينفق فوق وسعه وهو لا ينفى اعتبار حالها فى قدر ما يجب لها عليه فى ذمته والحديث أفاده فلا زيادة على النص لان موجبه تكليف بإخراج بقدر حاله والحديث أفاد اعتبار حالها فى قدر الواجب الا المخرج فيجتمعان بان يكون الواجب عليه اكثر فيما إذا كانت موسرة وهو معسر ويخرج قدر حاله فبالضرورة يبقى الباقي فى ذمته وأورد عليه انه - ﷺ - كان عالما بحال ابى سفيان لعله انه كان موسرا فلم ينص على حاله واطلق لها بان أخذ كفايتها وايضا ليس فى الحديث اعتبار حالها فان الكفاية تختلف ايضا وقوله عليه الصلاة والسلام بالمعروف اشارة الى رعاية حاله وأخذها من مال ابى سفيان ما يكفيها وولدها لا يمكن الا إذا كان ابو سفيان مالكا لما يكفيها وولدها ففيه دليل واضح على انه كان موسرا مانعا
331
لاجل الشح والله اعلم وقال الشافعي هى مقدرة بالشرع لادخل للاجتهاد فيها معتبرة بحال الزوج كما ينطق به الاية فعلى الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف وعلى المعسر مد واحد ولا دليل فى الاية على التقدير (مسئلة:) اتفقوا على ان الزوجة إذا احتاجت الى خادم وجب اخدامها بشرط يسار الزوج وقال محمد يجب على المعسر ايضا نفقة خادم ثم اختلفوا فيما إذا احتاجت الى اكثر من خادم فقال ابو حنيفة ومحمد والشافعي واحمد لا يلزم الا خادم واحد وقال مالك فى المشهور عنه إذا احتاجت خادمين او ثلثة لزمه ذلك وقال ابو يوسف عليه نفقة خادمين فقط أحدهما لمصالح الداخل والاخر لمصالح الخارج والله تعالى اعلم ثم ذكر الله تعالى لتطييب قلوب المعسرين وعد اليسر سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً اى عاجلا او أجلا.
وَكَأَيِّنْ بمعنى كم الخبرية مبتداء مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ اى عتى أهلها حذف المضاف وأسند الفعل الى المضاف اليه وكذا فى حاسبناها وعذبناها خبر كاين او صفة له والخبر أعد الله لهم يعنى كثير من اهل القرية طعنت وأعرضت اعراض العاتي المعاند عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً حاسبنا مع ما عطف عليه عطف على عتت يعنى حسابا بالاستقصاء والمناقشة وعدم العفو والتجاوز يعنى حاسبناها بعملها فى الدنيا وجزينها فى الدنيا او المراد استقصاء ذنوبهم وإثباتها فى صحف الحفظة وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً قرأ نافع وابو بكر بضم الكاف والباقون بالسكون يعنى منكرا فظيعا بالجوع والقحط والسيف والاسر والإهلاك.
فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها اى عقوبة كفرها ومعاصيها فى الدنيا وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها فى القبر والاخرة خُسْراً لا ربح فيه أصلا حيث يعوض لهم بالجنة النار.
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ فى الاخرة عَذاباً شَدِيداً كذا قال مقاتل فى تاويل الاية وقيل فى الاية تقديم وتأخير ومجازها فعذبناها فى الدنيا بالجوع والقحط وساير البلاء وحاسبناها فى الاخرة حسابا شديدا وكان عاقبة أمرها خسرا وقال اكثر المفسرين المراد فى الكل حساب الاخرة وعذابها والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق وعلى هذين التأويلين لا يجوز الا ان يكون عتت خبرا من كاين فَاتَّقُوا اللَّهَ يعنى لا تطغوا ولا تعرضوا عن امر ربكم ورسله كيلا يصيبكم مثل ما أصابهم والفاء للسببية فان الوعيد على الجفاء بسبب الاتقاء يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا بدل او نعت كاشفة فان مقتضى اللب الايمان والجملة الندائية معترضة للتنبيه قَدْ أَنْزَلَ
اللَّهُ
حال من فاعل فاتقوا او تعليل إِلَيْكُمْ ذِكْراً يعنى القران.
رَسُولًا منصوب بفعل مقدر يعنى وأرسل رسولا او هو منصوب بالمصدر على المفعولية والمعنى انزل إليكم ذكر رسول او على البدلية بدل الكل من ذكر على انه بمعنى الرسالة او على حذف المضاف يعنى كتاب رسول او بدل اشتمال من الذكر بمعنى القران يعنى انزل ذكرا رسولا معه وقيل المراد بالذكر جبرئيل عليه السلام لكثرة ذكره او لنزوله بالذكر وهو القران او لانه مذكور فى السموات او ذا ذكر اى شرف او محمد - ﷺ - لمواظبته على الذكر وتلاوة القران او تبليغه الذكر وعبر من إرساله بالانزال ترشيحا او لانه مسبب عن إنزال الوحى اليه وعلى هذين التأويلين رسولا بدل من ذكرا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ صفة للرسول على الحقيقة او للقران مجازا وجاز ان يكون حالا من اسم الله آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ اى الكفر والجهل إِلَى النُّورِ اى الايمان والفقه والأعمال الصالحة الموجبة للنور فى الاخرة والمراد بالموصول المؤمن بعد نزول القران الذين علم الله وقدر ايمانهم بعد الكفر وعلمهم بعد الجهل اى ليحصل لهم ما هم عليه الان من الايمان والأعمال الصالحة والعلوم الحقة وقوله ليخرج متعلق بانزل وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ط قرأ نافع وابن عامر فدخله بالنون على المتكلم والباقون بالياء على الغيبة وحّد ضمير ندخله وجمع خالدين حملا على لفظ من ومعناه قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً يعنى الجنة التي لا ينقطع نعيمها فيه تعظيم لما رزقوا.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ مبتداء وخبر وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ط يعنى سبعا عن ابى هريرة قال بينما نبى الله - ﷺ - جالس وأصحابه إذا اتى عليهم سحاب فقال النبي - ﷺ - هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله اعلم قال هذا العنان هذه زوايا الأرض يسوقها الله الى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله اعلم قال فانها الرفيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون ما بينكم وبينها قالوا الله ورسوله اعلم قال بينكم وبينها خمسمائة عام ثم قال هل تدرون ما فوقه ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال سماء ان بعد ما بينهما خمسمائة سنة ثم قال كذلك حتى عد سبع سموات ما بين السماء والأرض
333
ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال ان فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين ثم قال هل تدرون ما الذي تحتكم قالوا الله ورسوله اعلم قال انها الأرض ثم قال هل تدرون ما تحت ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال ان تحتها ارض اخرى ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عد سبع ارضين بين كل ارضين خمسمائة سنة ثم قال والذي نفس محمد بيده لو انكم وليتم بحبل الى الأرض السفلى الهبط على الله ثم قرأ هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم رواه احمد والترمذي وقد ذكرنا هذا الحديث وتحقيقه فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى فسوّهن سبع سموات قال قتادة فى كل ارض من ارضه وسماء من سمائه من خلقه وامر من امر وقضاء من قضاء وقد ورد فى بعض الأحاديث ان فى كل ارض آدم كادمكم ونوح كنوحكم وابراهيم كابراهيمكم وموسى كموسى ونبى كنبيّكم يعنى محمد ﷺ والله تعالى اعلم يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ اى يجرى امر الله وقضاءه بينهن وينفد حكمه فهن كلهن ولو صح حديث فى كل ارض آدم كادمكم فجاز ان يكون المعنى يتنزل بالوحى بينهن من السماء السابعة الى الأرض السابعة السفلى- لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً فلا يخفى عليه شىء وقوله لتعلموا علة لخلق او ليتنزل الأمر او لمقدر يعمها اى عمكم الخلق والتنزل لتعلموا الاية فان كلا منها يدل على كمال قدرته وعلمه وعلما منصوب على التميز من نسبة أحاط الى فاعله او مصدر من غير لفظه فمعنى أحاط بكل شىء علما علم كل شىء علما وجملة الله الذي خلق سبع سموت الاية تعليل لما سبق من قوله فاتّقوا الله.
334
Icon