تفسير سورة السجدة

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة السّجدة مكية أو إلا ثلاث آيات ﴿ أفمن كان مؤمنا ﴾ :[ ١٨ - ٢٠ ] إلى آخرهن، أو إلا خمس آيات ﴿ تتجافى ﴾ :[ ١٥ ] إلى ﴿ الذي كنتم به تكذبون ﴾ :[ ٢٠ ].

٢ - ﴿لا رَيْبَ﴾ الرَّيْب الشك الذي يميل إلى السوء والخوف. ﴿الله الذى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثمّ استوى على العرش ما لكم من دونه من ولى ولا شفيع أفلا تتذكرون ٦ يدبر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مّمّا تعدّون ذالك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم﴾
٥ - ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ﴾ يقضيه، أو يدبره بنزول الوحي من السماء الدنيا إلى الأرض العليا ويدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل موكل بالرياح والجنود وميكائيل
547
بالقطر والماء وملك الموت بقبض الأرواح وإسرافيل ينزل عليهم بالأمر ﴿يَعْرُجُ﴾ يصعد جبريل إلى السماء بعد نزوله بالوحي، أو الملك الذي يدبر من السماء إلى الأرض، أو أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع الملائكة. ﴿مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى الملائكة فإذا مضت قضى لألف لأخرى ثم كذلك أبداً أو يصعد الملك في يوم مسيرة ألف سنة " ع " فيكون بين السماء والأرض ألف سنة، أو ينزل الملك ويصعد في يوم مقداره ألف سنة ينزل في خمسمائة ويصعد في مثلها فيكون بين السماء والأرض خمسمائة. ﴿تَعُدُّونَ﴾ تحسبون من أيام الدنيا وعَبَّر عن الزمان باليوم ولا يريد ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس. ﴿الذى أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثمّ جعل نسله من سلالة من مآء مهّين ثمّ سوّاه ونفخ فيه من رّوحه وجعل لكم السّمع والأبصار والافئدة قليلاً مّا تشكرون﴾
548
٧ - ﴿أَحْسَنَ كُلِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ﴾ في خَلْقِه حسن حتى الكلب حسن في خَلْقه " ع "، أو أحكمه حتى أتقنه، أو أحسن إلى كل شيء خلقه فكان خلقه إحساناً إليه، أو ألهم الخلق ما يحتاجون إليه فعلموه من قولهم فلان يحسن كذا أي يعلمه، أو أعطى خلقه ما يحتاجون إليه ثم هداهم إليه.
٨ - ﴿سُلالَةٍ﴾ سمى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه والسلالة الصفوة التي تنسل من غيرها. ﴿مهين﴾ ضعيف.
٩ - ﴿سَوَّاهُ﴾ سوى خلقه في الرحم، أو سوى خلقه كيف شاء ﴿مِن رُّوحِهِ﴾ قدرته، أو ذريته، إذ المراد بالإنسان آدم، أو من أمره أن يقول كن فيكون، أو روحاً من روحه أي خَلْقِه أضافه إلى نفسه لأنه من فعله وعبر عنه بالنفخ لأن الروح من جنس الريح. ﴿والأَفْئِدَةَ﴾ سمي القلب فؤاداً لأنه منبع الحرارة الغريزية من المفتأد وهو موضع النار. ﴿وقالوا أءذا ضللنا في الأرض أءنا لفى خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربّكم ترجعون﴾
١٠ - ﴿ضَلَلْنَا﴾ هلكنا، أو صرنا رفاتاً وتراباً، وكل شيء غلب على غيره فخفي فيه أثره ضل، أو غُيِّبْنا، وبالصاد أنْتَنَّا من صَلَّ / [١٤٤ / أ] اللحم، أو صرنا بالصَلَّةِ وهي الأرض اليابسة ومنه الصلصال قيل: قاله أُبي بن خلف.
١١ - ﴿يتوفاكم﴾ بأعوانه، أو بنفسه رآه الرسول [صلى الله عليه وسلم] عند رأس أنصاري فقال: أرفق بصاحبي فإنه مؤمن. فقال طِبْ نفساً وقر عيناً فإني بكل مؤمن رفيق.
549
﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ﴾ إلى جزائه، أو إلى أن لا يملك لكم أحد ضراً ولا نفعاً سواه. ﴿ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنّا موقنون ولو شئنا لاتينا كلّ نفس هداها ولاكن حق القول منّى لأملأنّ جهنم من الجنّة والنّاس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقآء يومكم هذآ إنّا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون﴾
550
١٢ - ﴿نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ﴾ من الغم، أو الذل، أو الحياء، أو الندم، ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ عند محاسبته ﴿أَبْصَرْنَا﴾ صِدقَ وعيدك ﴿وَسَمِعْنَا﴾ صدق رسلك، أو أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا. ﴿مُوقِنُونَ﴾ مصدقون بالبعث أو بما أتى به محمد [صلى الله عليه وسلم].
١٣ - ﴿هُدَاهَا﴾ إلى الإيمان، أو الجنة، أو هدايتها في الرجوع إلى
550
الدنيا لأنهم سألوا الرجعة. ﴿حَقَّ الْقَوْلُ﴾ سبق، أو وجب ﴿مِنَ الْجِنَّةِ﴾ الملائكة قاله عكرمة. سموا جنة لاجتنانهم عن الأبصار، أو عصاة الجن.
551
١٤ - ﴿فَذُوقُواْ﴾ عذابي بما تركتم أمري، أو بترك الإيمان بالبعث في هذا اليوم. ﴿نَسِيَناكُمْ﴾ تركناكم من الخير، أو في العذاب، ويعبر بالذوق عما يطرأ على النفس لأحساسها به. قال:
(فذق هجرها إن كنت تزعم أنه رشاد ألا يا ربما كذب الزعم)
﴿إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون﴾
١٥ - ﴿بآياتنا﴾ بحججنا، أو القرآن. ﴿ذكروا بها﴾ دعوا إلى الصلوات الخمس بالآذان والإقامة أجابوا إليها وإذا قرئت آيات القرآن خروا سجوداً على الأرض طاعة وتصديقاً وكل من سقط على شيء فقد خَرَّ عليه. ﴿وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ صلّوا حمداً له، أو سبحوه بمعرفته وطاعته ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عن العبادة،
551
أو السجود كما استكبر أهل مكة.
552
١٦ - ﴿تَتَجَافَى﴾ ترتفع لذكر الله في الصلاة، أو في غيرها " ع "، أو الصلاة: العشاء، أو الصبح والعشاء في جماعة، أو للنفل بين المغرب والعشاء، أو قيام الليل. والمضاجع مواضع الاضطجاع خوفاً من حسابه وطمعاً في رحمته، أو خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه. ﴿يُنفِقُونَ﴾ الزكاة، أو صدقة التطوع، أو نفقة الأهل، أو النفقة في الطاعة.
١٧ - ﴿مَّآ أُخْفِىَ﴾ للذين تتجافى جنوبهم، أو للمجاهدين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. مأثور، أو هو جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله تعالى ما أعده لهم، أو زيادة تَحَفِّ من الله ليست في جناتهم يكرمون بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، أو زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم. {أَفَمَن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لاّ يستون أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات
552
فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلّهم يرجعون ومن أظلم ممّن ذكر بأيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون}
553
١٨ - ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً﴾ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والفاسق عقبة بن أبي معيط تَسَابَّا فقال عقبة: أنا أَحَدُّ منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ منك حَشوًا. فقال: علي رضي الله تعالى عنه ليس كما قلت يا فاسق. / [١٤٤ / ب] فنزلت فيهما " ع ".
٢١ - ﴿الْعَذَابِ الأَدْنَى﴾ مصائب الدنيا في النفس والمال، أو القتل بالسيف، أو الحدود " ع "، أو القحط والجدب، أو عذاب القبر قاله البراء بن عازب ومجاهد، أو عذاب الدنيا، أو غلاء السعر. ﴿الْعَذَابِ الأَكْبَرِ﴾ جهنم، أو خروج المهدي بالسيف، ﴿يَرْجِعُونَ﴾ إلى الحق، أو يتوبون من الكفر " ع ".
553
﴿ولقد ءاتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقآئه وجعلناه هدى لبنى إسرآئيل وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بأياتنا يوقنون إن ربّك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون﴾
554
٢٣ - ﴿فَلا تَكُن فِى﴾ شك من لقاء موسى فقد لقيته ليلة الإسراء " ع ". وقد أخبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أنه رأه ليلته. قال أبو العالية: قد بينه الله تعالى بقوله ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ﴾ [الزخرف: ٤٥] أو لا تكن في شك من لقاء موسى فستلقاه في القيامة، أو لا تشك في لقاء موسى للكتاب، أو لا تشك في لقاء الأذى كما لقيه موسى " ح "، أو لا تشك في لقاء موسى لربه. ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدىً﴾ موسى، أو الكتاب.
٢٤ - ﴿إثمه﴾ رؤساء في الخير تبعوا الأنبياء، أو الأنبياء مأثور ﴿لَمَّا صَبَرُواْ﴾ عن الدنيا، أو على الحق، أو على الأذى بمصر لما كلفوا ما لا
554
يطيقون. ﴿بِآيَاتِنَا﴾ التسع، " أنها من عند الله " ﴿يوقنون﴾.
555
٢٥ - ﴿يَفْصِلُ﴾ يقضي بين الأنبياء وقومهم، أو بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر. ﴿أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون﴾
٢٧ - ﴿نَسُوقُ الْمَآءَ﴾ بالمطر والثلج أو بالأنهار والعيون. ﴿الأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ اليابسة، أو التي أكلت ما فيها من زرع وشجر، أو التي لا يأتيها الماء إلا من السيول " ع "، أو التي لا تنبت، أو هي قرى بين اليمن والشام وأصله الانقطاع. سيف جراز أي قاطع، وناقة جرازة إذا كانت تأكل كل شيء لأنها لا تبقي شيئاً إلا قطعته رجل جروز: أكول. ﴿ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون﴾
٢٨ - ﴿الْفَتْحُ﴾ فتح مكة، أو القضاء بعذاب الدنيا، أو بالثواب والعقاب في الآخرة.
٢٩ - ﴿يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ الذين قتلهم خالد يوم الفتح من بني كنانة، أو يوم القيامة، أو اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب.
٣٠ - ﴿فأعرض عنهم﴾ نزلت قبل الأمر بقتالهم.
556
سورة الاحزاب
مدنية اتفاقاً
بسم الله الرحمان الرحيم
} ﴿يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا﴾
557
Icon