مكية وآياتها ٣٠
وهي قوله تعالى :﴿ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ﴾ إلى تمام ثلاث آيات قال جابر : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى يقرأ ﴿ ألم السجدة وتبارك الذي بيده الملك ﴾.
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
تفسير «سورة السجدة»
وهي مكّيّة غير ثلاث آيات نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً إلى تمام ثلاث آيات.
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤)قال جابر: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينام حتى يقرأ: الم السجدة، وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ. وتَنْزِيلُ يَصح أن يَرْتَفِعَ بالابتداء، والخبر: لاَ رَيْبَ، ويَصحُّ أن يرتفعَ على أنه خبر مبتدإٍ محذوفٍ، أي: ذلك تنزيل، والريبُ: الشك، وكذلك هو في كل القرآن إلا قوله رَيْبَ الْمَنُونِ [الطور: ٣٠].
وقوله: أَمْ يَقُولُونَ إضرابٌ كأنَّه قال: بل أيقولون: ثم ردَّ على مقالتِهم وأخبَرَ أنّه الحقُّ من عند الله.
وقوله سبحانه: ما أَتاهُمْ أي: لم يُبَاشِرْهم ولا رأوه هم ولا آباؤهم العربُ.
وقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: ٢٤] يعم من بُوشِر من النذُر ومَنْ سَمِع بهِ، فالعربُ مِن الأمم التي خلت فيها النذر على هذا الوجه، لأنها علمت بإبرَاهيم وبنيه، وبدعوتهم، ولم يأتهم نذيرٌ مباشرٌ لهم سوى محمد صلى الله عليه وسلّم.
وقال ابن عباس ومقاتل «١» : المعنى: لم يأتهم نذير في الفترة بين عيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلّم.
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ٥ الى ٩]
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩)وقوله تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ... الآية، الأمر اسم جنسٍ لجميعِ الأمور، والمعنى يُنَفِّذُ سُبْحَانِه قضاءَه بجميع ما يشاءه، ثم يعرج إليه خبرُ ذلك في يوم من أيام الدنيا مقداره أن لو سِيرَ فيه السيرَ المعروف من البشر ألفُ سنة، أي: نزولاً وعروجاً لأن مَا بين السماء والأرض خمس مائة سنة، هذا قول ابن عباس «١» ومجاهد «٢» وغير هما.
وقيل: المعنى: يدبر الأمر من السماء إلى الأَرض في مدة الدنيا، ثم يعرج إليه يوم القيامة، ويوم القيامة مقداره ألف سنة من عَدِّنا، وهو على الكفار قَدْرُ خمسينَ ألفِ سنة. وقيل: غَيْرَ هذا، وقرأ الجمهور/: «الذي أحسن كل شيء خلقَه» :- بفتح اللام- ٦٩ ب على أنه فعلٌ ماضٍ، ومعنى: «أحسن» : أَتْقَنَ وأحْكَمَ فهو حَسَنْ من جهة مَا هو لمقاصِده التي أريدَ لها، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: «خَلْقه» «٣» :- بسكون اللام- وذهب بعض الناس على هذه القراءة إلى أن: «أحسن» هنا معناه: ألْهَمَ، وأن هذه الآية بمعنى قوله تعالى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: الآية ٥٠]. أي:
ألهَمَ. والإنسانُ هنا آدم- عليه السلام-، والمَهِينُ: الضعيف، وَنَفَخَ: عبارة عن إفاضَةِ الرُّوحِ في جَسَدِ آدم عليه السلام والضميرُ في رُوحِهِ للَّهِ تعالى، وهي إضافة مُلْكٍ إلى مَالِكٍ وخَلْقٍ إلَى خَالِقٍ، ويُحْتَمل أن يكونَ الإنسان في هذه الآية اسم جنس وقَلِيلًا صفة لمصدر محذوف.
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١٠ الى ١٥]
وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤)
إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥)
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠/ ٣٣٠) رقم (٢٨١٨٧)، وذكره البغوي (٣/ ٤٩٧- ٤٩٨) بنحوه، وابن عطية (٤/ ٣٥٨)، وابن كثير (٣/ ٤٥٧)، والسيوطي (٥/ ٣٣١)، وعزاه لابن جرير عن مجاهد.
(٣) ينظر: «السبعة» (٥١٦)، و «الحجة» (٥/ ٤٦٠)، و «معاني القراءات» (٢/ ٢٧٣)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٤٠)، و «العنوان» (١٥٣)، و «شرح شعلة» (٥٤٣)، و «إتحاف» (٢/ ٣٦٦)، و «حجة القراءات» (٥٦٧).
وقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ الآية تَعْجِيبٌ لمحمَّد عليه السلام وأمته من حالِ الكفرةِ، ومَا حَلَّ بهم، وجوابٌ لَوْ محذوفٌ لأنَّ حذفَه أَهْوَلُ في النفوس، وتنكيسُ رؤوسهم هو من الذل واليأسِ والهَمِّ بحلُول العذابِ. وقولهم أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا أي: ما كنا نُخْبَرُ به في الدنيا، ثم طلبوا الرَّجْعَةَ حينَ لاَ يَنْفَعُ ذَلكَ. ثمَّ أخْبَرَ تعالى عن نَفْسهِ أنَّه لو شَاء لهدى الناس أجمعين بأن يَلْطُفُ بهم لُطْفاً يؤمنونَ به، ويخترع الإيمانَ في نفوسهم، هذا مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ، والْجِنَّةِ: الشياطين، ونَسِيتُمْ معناه: تركتم قاله ابن عباس «٢» وغيره.
وقوله: إِنَّا نَسِيناكُمْ سَمَّى العقوبة باسم الذنب. ثم أثْنَى سبحانه على القوم الذين يؤمنون بآياته، ووصَفَهم بالصفة الحُسْنَى من سجودهم عند التذكير، وتسبيحهم وعدم استكبارهم.
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١٦ الى ٢٢]
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢)
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠/ ٢٣٧) رقم (٢٨٢٢١)، وذكره ابن عطية (٤/ ٣٦١).
قال ع «١» : وهذا قول حسن، والجنوبُ جَمْعُ جَنْبٍ، والمضاجِعُ مَوْضِع الاضْطجَاع للنوم.
ت: وقال الهرَوِيُّ: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ أي: ترتفعُ وتَتَباعَدُ، والجَفاء بَيْن النَّاسِ هُو التَّبَاعُدُ، انتهى. وَرَوَى البُخَاري بسنَدِهِ عن أبي هريرة أن عَبدَ الله بن رَوَاحَةَ- رَضِيَ الله عنه- قَالَ: [الطويل]
وَفِينَا رَسُولُ اللهِ يَتلُو كِتَابَه | إذَا انشق مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ |
أَرَانَا الهدى بَعْدَ العمى فَقُلُوبُنَا | بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ |
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ | إذَا استثقلت بِالْكَافِرِينَ المَضَاجِعُ |
قال ع «٢» : وعلى هذا التأويل أكثَرُ الناسِ، وهو الذي فيه المدحُ وفيه أحاديثُ عن النبي صلى الله عليه وسلّم يَذكر عليه السلام قِيامَ الليل ثم يستشهدُ بالآية ففي حديثِ معاذٍ «أَلاَ أَدُلُّكَ على أبواب الخير: الصوم جنّة، والصدقة تطفئ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم قَرَأ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ/، حتّى بلغ يَعْمَلُونَ» رواه ٧٠ أالترمذيّ «٣»، وقال: حديث حسن صحيح ورَجَّحَ الزَّجَاجُ «٤» ما قاله الجمهور بأنهم:
جُوزُوا بإخفاءٍ، فَدَلَّ ذلك على أن العَمَلَ إخْفَاءٌ أيضاً، وهو قيامُ الليل يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً أي: من عذابه وَطَمَعاً، أي: في ثوابه.
(٢) ينظر: «المحرر» (٤/ ٣٦٢).
(٣) أخرجه الترمذيّ (٥/ ١١- ١٢) كتاب الإيمان: باب ما جاء في حرمة الصلاة، حديث (٢٦١٦)، وابن ماجه (٢/ ١٣١٤- ١٣١٥) كتاب الفتن: باب كف اللسان في الفتنة، حديث (٣٩٧٣)، والنسائي في «التفسير» (٤١٤)، وأحمد (٥/ ٢٣١)، والحاكم (٢/ ٧٦، ٤١٢)، والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ١٣٠- ١٣١) رقم (٢٦٦) من طرق عن ابن مسعود.
وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٣٣٧)، وزاد نسبته إلى ابن نصر في «كتاب الصلاة»، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٤) ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (٤/ ٢٠٧).
قُلْتُ: بلى يَا رَسُولَ اللهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟! فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبَّ النَّاسَ فِي النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!» «١» قال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. انتهى.
وقرأ حمزةُ وحده «٢» :«أُخْفِيْ» - بسكون الياء كأنه قال: أُخْفِيْ أَنَا. وقرأ الجمهور «أُخْفِيَ» - بفتح الياء-، وفي معنى هذه الآية قال صلى الله عليه وسلّم: «قال الله- عز وجل-: أعددت لعبادي الصالحين مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خطر على قلب بَشَرٍ ذُخْراً بَلْهَ مَا اطلعتم عَلَيْهِ، واقرءوا إنْ شِئْتُمْ: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ... الآية» انتهى.
قال القرطبيُّ في «تذكرته» «٣» :«وبَلْهَ» معناه: غَيْر، وقيل: هو اسم فِعْلٍ بمعنى دَعْ، وهذا الحديث خرّجه البخاري، وغيره «٤».
(٢) ينظر: «السبعة» (٥١٦)، و «الحجة» (٥/ ٤٦٣)، و «معاني القراءات» (٢/ ٢٧٤)، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٤٠)، و «العنوان» (١٥٣)، و «حجة القراءات» (٥٦٩)، و «شرح شعلة» (٥٤٣)، و «إتحاف» (٢/ ٣٦٧). [.....]
(٣) ينظر: «التذكرة» للقرطبي (٢/ ٥٩٥).
(٤) أخرجه البخاري (٨/ ٣٧٥) كتاب التفسير: باب فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ حديث (٤٧٧٩)، ومسلم (٤/ ٢١٧٤) كتاب الجنة وصفة نعيمها، حديث (٢/ ٢٨٢٤)، والترمذيّ (٥/ ٣٤٦- ٣٤٧) كتاب التفسير: باب «ومن سورة السجدة»، حديث (٣١٩٧)، والطبريّ في «تفسيره» (١٠/ ٢٤٣) رقم (٢٨٢٥٣، ٢٨٢٥٤)، وأحمد (٢/ ٣١٣)، والحميدي (٢/ ٤٨٠)، وهناد في «الزهد» رقم (١، ٢) من حديث أبي هريرة.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٣٣٩)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن الأنباري.
وقال ابن مسعودٍ: في التوراة مكتوبٌ «عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ» «٢»، وباقي الآية بَيِّن والضمير في قوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ لكفار قريش، ولا خلافَ أن العذابَ الأكبرَ هو عذابُ الآخرةِ، واخْتُلِفَ في تَعْيين العذاب الأَدْنَى فقيل هو السنون التي أجاعَهم الله فيها وقيل هو مصائبُ الدنيا من الأمراض ونحوها، وقيل هو القَتْل بالسَّيْف كَبَدْرِ وغيرها.
وقوله سبحانه: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ظاهر الإجرام هنا أنه الكفر، وروى معاذ بن جبل عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «ثَلاَثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ، فَقَدْ أَجْرَمَ: مَنْ عَقَدَ لِوَاءً فِي غَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْ عقّ والديه، ومن نصر ظالما». «٣»
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥)
وقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ اخْتُلِفَ فِي الضمير الذي في لِقائِهِ على من يعود؟ فقال قتادة وغيره: يعود على موسى، والمعنى:
فلا تكن يا محمد، في شك من أنك تلقى موسى، أي: في ليلة الإسراء، وهذا قول جماعة من السلف، وقالت فرقة: الضميرُ: عائد على الكتابِ، أي: فلا تكن في شك من لقاء موسى للكتاب.
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠/ ٢٤٢) رقم (٢٨٢٤٧)، وذكره ابن عطية (٤/ ٣٦٣)، والسيوطي (٥/ ٣٣٩)، وعزاه للفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود.
(٣) أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (١٠/ ٢٤٩) رقم (٢٨٢٩٨)، والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٦١) رقم (١١٢) كلاهما من طريق عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل مرفوعا. وذكره الهيثمي في «المجمع» (٧/ ٩٣) وقال: وفيه عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة، وهو ضعيف.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٣٤٢)، وزاد نسبته إلى ابن منيع، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وضعف السيوطي سنده.
أتيناك مثلَ مَا آتينا موسى، والتأويل الأول هو الظاهر، انتهى. والمِرْيَةُ: الشَّكُّ، والضميرُ فِي جَعَلْناهُ: يحتمل أن يعود على الكتاب أو على موسى قاله قتادة.
وقوله تعالى:
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ | الآية، حُكْم يَعُمّ جميعَ الخلق، وذهب بعضهم إلى تخصيص الضمير وذلك ضعيف. |
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)
وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ معناه يُبَيِّنْ قاله ابن عباس، والفاعل ب يَهْدِ هو الله في قول فرقة، والرسولُ في قول فرقة، وقرأ أبو عبد الرحمن «١» :«نهد» - بالنون- وهي قراءة الحَسَنْ وقتادة، فالفاعلُ اللهُ تعالى، والضميرُ في يَمْشُونَ يُحْتَمَلُ أن يكونَ للمخاطَبِينَ أو للمهلكين، والْجُرُزِ: الأرض العاطِشَةُ التي قد أكلت نباتها من العطشِ والقيظِ ومنه قيل للأكول جَرُوزٌ. وقال ابن عباس «٢» وغيره: الْأَرْضِ الْجُرُزِ: أرض أبين من اليمن وهي أرض تشرب بسيولٍ لا بِمَطَرٍ، وفي «البخاري» : وقال ابن عباس:
الْجُرُزِ: التي لم تُمْطَرْ إلا مَطَراً لاَ يُغْنِي عنها «٣» شَيْئاً. انتهى.
ثم حكى سبحانه عن الكفرةِ أنهم يَسْتَفْتِحُونَ ويستعجلون فَصْلَ القضاءِ بينهم وبين الرسل على معنى الهزء والتكذيب، والْفَتْحِ: الحُكْمُ، هذا قول جماعةٍ من المفسرينَ، وهو أقوى الأقوال.
ينظر: «مختصر شواذ» ابن خالويه ص ١١٩، و «المحرر الوجيز» (٤/ ٣٦٥).
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠/ ٢٥٢) رقم (٢٨٣٠٥) بنحوه، وذكره البغوي بلفظ «هي أرض باليمن»، وابن عطية (٤/ ٣٦٦)، وابن كثير (٣/ ٤٦٤)، والسيوطي (٥/ ٣٤٣- ٣٤٤)، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبريّ (١٠/ ٢٥٢) رقم (٢٨٣٠٩)، وذكره ابن كثير (٣/ ٤٦٤)، والسيوطي (٥/ ٣٤٣)، وعزاه للفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
وقولُه: إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ أي: العذابَ بمعنى هذا حُكْمُهُمْ وإن كانوا لا يشعرون.