مكية، وهي أربع آيات.
أخرج الترمذي والحاكم وابن خزيمة من طريق أبي العالية، عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ؟ فأنزل الله تعالى :﴿ قل هو الله أحد ١ ﴾ إلى آخر السورة١. وأخرج الطبراني وابن جير مثله من حديث جابر بن عبد الله، فبناء على هذين الروايتين قيل : السورة مكية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم : منهم كعب بن الأشرف، وحييء بن أخطب، فقالوا : يا محمد، صف لنا ربك الذي بعثك. فأنزل :﴿ قل هو الله أحد ١ ﴾ إلى آخرها.
وأخرج ابن جرير عن قتادة وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله.
وذكر البغوي قول الضحاك وقتادة ومقاتل : جاء ناس من أحبار اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا : صف لنا ربك، لعلنا نؤمن بك، فإن الله أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شيء هو ؟ وهل يأكل ويشرب ؟ ممن ورث ؟ ومن يرثه ؟ فأنزل الله هذه السورة.
وأخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة من طريق أبان عن أنس قال : أتت يهود خيبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب، وآدم من حمأ مسنون، وإبليس من لهب النار، والسماء من دخان، والأرض من زبد الماء، فأخبرنا عن ربك، فلم يجبهم، فأتاه جبرائيل بهذه السورة.
وبناء على هذا الروايات قيل : السورة مدنية.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال قادة الأحزاب : انسب لنا ربك. فأتاه جبرائيل بهذه السورة، وعلى هذا الرواية يرتفع التعارض، ويظهر أن السورة مدنية، والماد بالمشركين من حديث أبي بن كعب هم قادة الأحزاب، ولعل اليهود وقادة الأحزاب من المشركين كلا الفريقين سألوا عن الله تعالى حين نزلت السورة.
وذكر البغوي عن أبي الظبيان وأبي صالح عن ابن عباس أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر : إلى ما تدعونا يا محمد ؟ قال :" إلى الله ". قال : صفه لنا : أمن ذهب هو ؟ أم من فضة ؟ أم من حديد ؟ أم من خشب ؟ فنزلت هذه السورة، فأهلك الله إربد بالصاعقة، وعامرا بالطاعون.
ﰡ
٢ سورة القصص، الآية: ٨٨..
٣ سورة فصلت: الآية: ٥٣- ٥٤..
٤ سورة الإسراء، الآية: ٨٥..
٥ أخرجه الترمذي في كتاب: القدر، باب: ما جاء في التشديد في الخوض في القدر (٢١٣٣)..
قال السدي : هو المقصود في الحوائج. قال السدي : هو المقصود إليه في الرغائب، المستغاث به عند المصائب، يقال : صمدته إذا قصدته.
قال قتادة : الصمد الباقي بعد فناء خلقه.
وقال عكرمة : الصمد الذي ليس فوقه أحد، وهو قول علي رضي الله عنه.
وقال الربيع : الصمد الذي لا يعتريه الآفات.
قال مقاتل بن حبان : الذي لا عيب فيه.
قلت : وعندي معناه الحقيقي المقصود، قال في القاموس : الصمد القصد -بالتحريك- السيد ؛ لأنه يقصد، وإدخال اللام عليه لإفادة كونه في أجل درجات الصمدية وأعلاها وأكملها، فإن الناس قد يقصدون غير الله سبحانه من الدنيا وما فيها لفساد رأيهم، وعدم اهتدائهم إلى مرتبة حق اليقين، فكل ما ذكر في أقوال السلف من المعاني فهي تعبيرات عن لوازمه ؛ لأن المقصود على الإطلاق من يحتاج كل ما عداه إليه، ولا يحتاج هو إلى غيره في شيء من الأشياء، فيكون البتة جامعا لجميع الكمالات وأنواع السؤدد، ومنزها عن العيوب وأن تعتريه الآفات، غير محتاج إلى الأكل والشرب، قديما بما لم يولد، غير مجانس لأحد حتى يلد مثله، لا يكون فوقه ؛ بل ليس مثله أحد، فيكون البتة بحيث لا ينفذ إليه فهم وإدراك، ولما كانت الجملة السابقة تغنيه عن هذه الجملة، وعن الجمل الثلاث اللاحقة، وهذه الجملة وما بعدها كالتأكيد للأولى، أوردت لزيادة الاهتمام من قبيل إيراد الخاص بعد العام للمبالغة في التنزيه والتصريح بالرد على المخاطبين المنكرين المشركين في القصد والعبادة غيره تعالى، القائلين باتخاذ الله تعالى البنات والبنين وغيرهم لم يذكر العطف على هذه الجملة، ولا على ما بعدها، وكرر اسم الله تعالى للإشعار بأن من لم يتصف به لم يستحق الألوهية، وأن المقصد يجب كأن لا يكون غيره تعالى، ومن ثم قالت الصوفية معنى لا إله إلا الله لا مقصود إلا الله، وقالوا : ما هو مقصد لك فهو معبود لك، فإن المرء لا يزال يلقي نفسه في كمال التذلل لتحصيل مقصوده، والعبادة عبارة عن كمال التذلل، فالصوفية العلية يذكرون النفي والإثبات مع ملاحظة نفي مقصودية ما عدا الله، ويجتهدون فيه غاية الاجتهاد، حتى يزول عن صدورهم كون غيره تعالى مقصود بوجه من الوجوه، والله المسير لكل عسير.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي يقول : لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد )١.