تفسير سورة الفلق

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة الفلق من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة الفلق
مكية، وآياتها ٥، نزلت بعد الفيل.

سورة الفلق
مكية وآياتها ٥ نزلت بعد الفيل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الفلق) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ تقدم معنى أعوذ في التعوذ ومعنى رب في اللغات والفاتحة، وفي الفلق ثلاثة أقوال: الأول أنه الصبح ومنه فالق الإصباح قال الزمخشري: هو فعل بمعنى مفعول، الثاني: أنه كل ما يفلقه الله كفلق الأرض عن النبات والجبال عن العيون: والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد والحب والنوى وغير ذلك، الثالث: أنه جب في جهنم، وقد روي هذا عن رسول الله ﷺ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ هذا عموم في جميع المخلوقات وشرهم على أنواع كثيرة، أعاذنا الله منها وما هنا موصولة أو موصوفة أو مصدرية وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ فيه سبعة أقوال، الأول: أنه الليل إذا أظلم ومنه قوله تعالى: «إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» وهذا قول الأكثرين، وذلك ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإنس والجن، ولذلك قال في المثل: الليل أخفى للويل. الثاني: أنه القمر. خرّج النسائي أن رسول الله ﷺ رأى القمر فقال: يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب ووقوبه هذا كسوفه، لأن وقب في كلام العرب يكون بمعنى الظلمة والسواد وبمعنى الدخول فالمعنى إذا دخل في الكسوف أو إذا أظلم به. الثالث: أنه الشمس إذا غربت والوقوب على هذا المعنى الظلمة أو الدخول. الرابع: أن الغاسق النهار إذا دخل في الليل، وهذا قريب من الذي قبله، الخامس: أن الغاسق سقوط الثريا وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وروي أن رسول الله ﷺ قال: النجم هو الغاسق فيحتمل أن يريد الثريا السادس قال الزمخشري: يجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه الرابع أنه إبليس حكى ذلك السهيلي
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ النفث شبه النفخ دون تفل وريق قاله ابن عطية وقال الزمخشري: هو النفخ مع ريق وهذا النفث ضرب من السحر وهو: أن ينفث على عقد تعقد في خيط أو نحوه على اسم مسحور فيضره ذلك وحكى ابن عطية: أنه حدثه ثقة أنه رأى عند بعض الناس بصحراء المغرب خيطا أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان وهي أولاد الإبل فمنعها بذلك من رضاع أمهاتها، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل
526
إلى أمه فرضع في الحين قال الزمخشري: إن في الاستعاذة من النفاثات ثلاثة أوجه: أحدها أن يستعاذ من مثل عملهن وهو السحر ومن ائتمن في ذلك والثاني أن يستعاذ من خداعهن للناس وفتنتهن. والثالث أن يستعاذ مما يصيب من الشر عند نفثهن. والنفاثات بناء مبالغة والموصوف محذوف تقديره: النساء النفاثات، والجماعة النفاثات، أو النفوس النفاثات والأول أصح لأنه روي أنه إشارة إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي، وكنّ ساحرات سحرن هن وأبوهنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقدن له إحدى عشر عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشر آية بعدد العقد وشفى الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن قيل: لم عرّف النفاثات بالألف واللام ونكر ما قبله وهو غاسق وما بعده وهو حاسد مع أن الجميع مستعاذ منه؟ فالجواب أنه عرف النفاثات ليفيد العموم لأنه كل نفاثة شريرة بخلاف الغاسق والحاسد فإن شرهما في بعض دون البعض مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ الحسد خلق مذموم طبعا وشرعا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب «١» وقال بعض العلماء: الحسد أول معصية عصي الله بها في السماء والأرض أما في السماء فحسد إبليس لآدم وأما في الأرض فقتل قابيل لأخيه هابيل بسبب الحسد، ثم إن الحسد على درجات الأولى أن يحب الإنسان زوال النعمة عن أخيه المسلم وإن كانت لا تنتقل إليه بل يكره إنعام الله على غيره ويتألم به الثانية أن يحب زوال تلك النعمة لرغبته فيها رجاء انتقالها إليه.
الثالثة أن يتمنى لنفسه مثل تلك النعمة من غير أن يحب زوالها عن غيره وهذا جائز وليس بحسد وإنما هو غبطة. والحاسد يضر نفسه ثلاث مضرات: أحدها اكتساب الذنوب لأن الحسد حرام الثانية سوء الأدب مع الله تعالى، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على عبده واعتراض على الله في فعله الثالثة تألم قلبه من كثرة همه وغمه، فنرغب إلى الله أن يجعلنا محسودين لا حاسدين، فإن المحسود في نعمة والحاسد في كرب ونقمة، ولله در القائل:
وإني لأرحم حسّادي لفرط ما ضمّت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم في جنة وقلوبهم في نار
وقال آخر:
إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ومات أكثرنا غيظا بما يجد
ثم إن الحسود لا تزال عداوته ولا تنفع مداراته وهو ظالم يشاكي كأنه مظلوم، ولقد صدق القائل:
(١). رواه ابن ماجة عن أنس في كتاب الزهد باب ٢٢ ورقمه ٤٢١٠ ج ٢ وفيه راو ضعيف.
527
كل العداوة قد ترجى إزالتها إلا عداوة من عاداك من حسد
وقال حكيم الشعراء:
وأظلم خلق الله من بات حاسدا لمن بات في نعمائه يتقلب
قال ابن عطية قال بعض الحذاق هذه السورة خمس آيات وهي مراد الناس بقولهم للحاسد الذي يخاف منه العين: الخمسة على عينك، فإن قيل: إذا وقب، وإذا حسد فقيد بإذا التي تقتضي تخصيص بعض الأوقات؟ فالجواب أن شر الحاسد ومضرته إنما تقع إذا أمضى حسده، فحينئذ يضر بقوله أو بفعله أو بإصابته بالعين، فإن عين الحسود قاتلة. وأما إذا لم يمض حسده ولم يتصرف بمقتضاه فشره ضعيف ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة، فمخرجه من الحسد أن لا يبقى ومخرجه من الظن أن لا يحقق ومخرجه من الطيرة ألا يرجع «١»، فلهذا خصه بقوله إذا وقب، فإن قيل إن قوله من شر ما خلق عموم يدخل تحته كل ما ذكر بعده فلأي شيء ذكر ما بعده؟ فالجواب أن هذا من التجريد للاعتناء بالمذكور بعد العموم، ولقد تأكد ما ذكر في هذه السورة بعد العموم بسبب السحر الذي سحر اليهود رسول الله ﷺ وشدة حسدهم له.
(١). قال في التيسير: رواه الطبراني بإسناد ضعيف ومرسلا عن الحسن البصري.
528
﴿ من شر ما خلق ﴾ هذا عموم في جميع المخلوقات، وشرهم على أنواع كثيرة أعاذنا الله منها، وما هنا موصولة، أو موصوفة، أو مصدرية.
﴿ ومن شر غاسق إذا وقب ﴾ فيه ثمانية أقوال :
الأول : أنه الليل إذا أظلم، ومنه قوله تعالى :﴿ إلى غسق الليل ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ]، وهذا قول الأكثرين، وذلك ؛ لأن ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإنس والجن، ولذلك قال في المثل : الليل أخفى للويل.
الثاني : أنه القمر. خرج النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى القمر فقال :" يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب "، ووقوبه هذا كسوفه ؛ لأن وقب في كلام العرب يكون بمعنى الظلمة والسواد، وبمعنى الدخول، فالمعنى إذا دخل في الكسوف أو إذا أظلم به.
الثالث : أنه الشمس إذا غربت، والوقوب على هذا المعنى الظلمة، أو الدخول.
الرابع : أن الغاسق النهار إذا دخل في الليل، وهذا قريب من الذي قبله.
الخامس : أن الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" النجم هو الغاسق "، فيحتمل أن يريد الثريا.
السادس : أنه الذكر إذا قام، حكى النقاش هذا القول عن ابن عباس.
السابع : قال الزمخشري : يجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات، ووقبه ضربه.
الثامن : أنه إبليس، حكى ذلك السهيلي.
﴿ ومن شر النفاثات في العقد ﴾ النفث شبه النفخ دون تفل وريق، قاله ابن عطية، وقال الزمخشري : هو النفخ مع ريق، وهذا النفث ضرب من السحر، وهو أن ينفث على عقد تعقد في خيط أو نحوه على اسم مسحور فيضره ذلك، وحكى ابن عطية أنه حدثه ثقة أنه رأى عند بعض الناس بصحراء المغرب خيطا أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان- وهي أولاد الإبل- فمنعها بذلك رضاع أمهاتها، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه فرضع في الحين، قال الزمخشري : إن في الاستعاذة من النفاثات ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يستعاذ من مثل عملهن، وهو السحر، ومن إثمهن في ذلك.
والثاني : أن يستعاذ من خداعهن للناس وفتنتهن.
والثالث : أن يستعاذ مما يصيب من الشر عند نفثهن، والنفاثات بناء مبالغة، والموصوف محذوف تقديره النساء النفاثات، والجماعة النفاثات، أو النفوس النفاثات، والأول أصح ؛ لأنه روي أنه إشارة إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي، وكن ساحرات سحرن هن وأبوهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعقدت له إحدى عشر عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشر آية بعدد العقد، وشفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن قيل : لم عرف النفاثات بالألف واللام ونكر ما قبله وهو غاسق، وما بعده وهو حاسد، مع أن الجميع مستعاذ منه ؟ فالجواب : أنه عرف النفاثات ليفيد العموم ؛ لأن كل نفاثة شريرة، بخلاف الغاسق والحاسد فإن شرهما في بعض دون بعض.
﴿ من شر حاسد إذا حسد ﴾ الحسد خلق مذموم طبعا وشرعا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب "، وقال بعض العلماء : الحسد أول معصية عصى الله بها في السماء والأرض، أما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فقتل قابيل لأخيه هابيل بسبب الحسد ؛ ثم إن الحسد على درجات :
الأولى : أن يحب الإنسان زوال النعمة عن أخيه المسلم، وإن كانت لا تنتقل إليه ؛ بل يكره إنعام الله على غيره ويتألم به.
الثانية : أن يحب زوال تلك النعمة لرغبته فيها، رجاء انتقالها إليه.
الثالثة : أن يتمنى لنفسه مثل تلك النعمة من غير أن يحب زوالها عن غيره، وهذا جائز وليس بحسد، وإنما هو غبطة.
والحاسد يضر نفسه ثلاث مضرات :
أحدها : اكتساب الذنوب ؛ لأن الحسد حرام.
الثانية : سوء الأدب مع الله تعالى، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على عبده، واعتراض على الله في فعله.
الثالثة : تألم قلبه من كثرة همه وغمه.
فنرغب إلى الله أن يجعلنا محسودين لا حاسدين، فإن المحسود في نعمة، والحاسد في كرب ونقمة، ولله در القائل :
وإني لأرحم حسادي لفرط ما ضمت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم في جنة وقلوبهم في نار
وقال آخر :
إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ومات أكثرنا غيظا بما يجد
ثم إن الحسود لا تزال عداوته، ولا تنفع مداراته، وهو ظالم يشاكي كأنه مظلوم، ولقد صدق القائل :
كل العداوة قد ترجى إزالتها إلا عداوة من عاداك من حسد
وقال حكيم الشعراء :
وأظلم خلق الله من بات حاسدا لمن بات في نعمائه يتقلب
قال ابن عطية : قال بعض الحذاق : هذه السورة خمس آيات، وهي مراد الناس بقولهم للحاسد الذي يخاف منه العين : الخمسة على عينك، فإن قيل : لم قال : إذا وقب، وإذا حسد، فقيد بإذا التي تقتضي تخصيص بعض الأوقات ؟ فالجواب : أن شر الحاسد ومضرته إنما تقع إذا أمضى حسده، فحينئذ يضر بقوله، أو بفعله، أو بإصابته بالعين، فإن عين الحسود قاتلة، وأما إذا لم يمض حسده ولم يتصرف بمقتضاه فشره ضعيف، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاث لا ينجو منهن أحد : الحسد والظن والطيرة "، فمخرجه من الحسد أن لا يبقى، ومخرجه من الظن أن لا يحقق، ومخرجه من الطيرة ألا يرجع، فلهذا خصه بقوله﴿ إذا وقب ﴾، فإن قيل : إن قوله :﴿ من شر ما خلق ﴾ عموم يدخل تحته كل ما ذكر بعده، فلأي شيء ذكر ما بعده ؟ فالجواب : أن هذا من التجريد للاعتناء بالمذكور بعد العموم، ولقد تأكد ما ذكر في هذه السورة بعد العموم بسبب السحر الذي سحر اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشدة حسدهم له.
Icon