ﰡ
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣)الإعراب:
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) إذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة طلقتم النساء في محل جر بإضافة
وعلّق زاده في حاشيته على البيضاوي على هذا الكلام فقال: «وقوله علّق اللام بمحذوف أي لأنه لا يمكنه جعل اللام للتأقيت للإجماع على أن الإطلاق في حال الحيض منهي عنه بل يعلقها بمحذوف دلّ عليه معنى الكلام أي فطلقوهنّ مستقبلات لعدتهنّ أي متوجهات إليها وإذا طلقت المرأة في الطهر المتقدم على القرء الأول من أقرائها فقد طلقت مستقبلة لعدّتها والمراد أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه ثم يتركن حتى تنقضي عدّتهنّ وأيد هذا بقراءة فطلقوهنّ من قبل عدّتهنّ». أما أبو حيان فقد أفاض في الموضوع وناقش الزمخشري مناقشة ممتعة وهذا نص عبارته: «واللام للتوقيت نحو كتبته لليلة بقيت من شهر كذا وتقدير الزمخشري هنا حالا محذوفة يدل عليها المعنى ويتعلق بها الجار والمجرور، وليس بجيد، أي مستقبلات لعدّتهنّ، لأنه قدّر عاملا خاصا ولا يحذف العامل في الظرف والجار والمجرور إذا كان خاصا بل إذا
وأمسكوهنّ فعل أمر وفاعل ومفعول به وبمعروف حال أو فارقوهنّ بمعروف عطف على ما تقدم (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) وأشهدوا فعل أمر وفاعل وذوي مفعول به وهو تثنية ذا بمعنى صاحب ومنكم صفة لذوي عدل، وأقيموا عطف على أشهدوا والشهادة مفعول به ولله متعلقان بأقيموا أي لوجهه (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ذلكم مبتدأ وجملة يوعظ خبر وبه متعلقان بيوعظ ومن نائب فاعل وجملة كان صلة واسم كان مستتر تقديره هو وجملة يؤمن خبر كان وبالله متعلقان بيؤمن واليوم الآخر عطف على بالله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
الواو للاستئناف والجملة مستأنفة سيقت استطرادا عند ذكر المؤمنين وبعضهم جعلها معترضة، ومن شرطية مبتدأ ويتّق فعل الشرط مجزوم بحذف حرف العلة والله مفعول به ويجعل جواب الشرط وله متعلقان بيجعل أو في موضع المفعول الثاني ومخرجا مفعول يجعل ويرزقه عطف على يجعل ومن حيث متعلقان بيرزقه وجملة لا يحتسب في محل جر بإضافة الظرف وهو حيث إليها (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) عطف على ما تقدم ومن شرطية مبتدأ ويتوكل فعل الشرط وعلى الله متعلقان بيتوكل والفاء رابطة وهو مبتدأ وحسبه خبر والجملة في محل جزم جواب الشرط وفعل الشرط وجوابه خبر من (إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) الجملة تعليل لما تقدم وإن واسمها وبالغ خبرها وأمره مضاف إليه وقرىء بالغ بالتنوين وأمره بالنصب مفعول به لبالغ لأنه اسم فاعل وقد حرف تحقيق وجعل الله فعل وفاعل ولكل شيء متعلقان بجعل إذا كانت بمعنى الخلق أو في موضع المفعول الثاني المقدّم إذا كانت بمعنى التصيير وأمرا مفعول به على كل حال.
البلاغة:
في قوله «لا تدري لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا» التفات من الغيبة إلى الخطاب، والفائدة منه مشافهة المتعدي بالخطاب لمزيد الاهتمام بالزجر عن التعدّي، وقد تورط بعضهم فحسب أن الخطاب للنبي والمعنى ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه وأضربها، فأنت لا تدري أيّها المتعدّي مغبّة الأمر وما عسى أن يسفر عنه لعلّ الله يحدث في قلبك بعد ذلك الذي أقدمت عليه من التعدّي أمرا يقتضي خلاف ما فعلت فيبدل ببغضها محبة وبالإعراض عنها إقبالا عليها وبالصدود رضا.
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٤ الى ٧]
وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤) ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧)الإعراب:
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) الواو استئنافية واللائي اسم موصول في محل رفع مبتدأ وجملة يئسن صلة ومن المحيض متعلقان بيئسن ومن نسائكم حال وإن شرطية وارتبتم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة وعدّتهنّ مبتدأ وثلاثة أشهر خبره والشرط وجوابه خبر المبتدأ وقيل الجواب خبر اللائي وجواب الشرط محذوف تقديره فاعلموا أنها ثلاثة أشهر وتكون
متعلقان بائتمروا أيضا (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) الواو عاطفة وإن شرطية وتعاسرتم، أي تضايقتم، فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٨ الى ١٢]
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (١١) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢)
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) كلام مستأنف مسوق لتصديق وعد الله بالفتح، وكأين خبرية بمعنى كم، وقد تقدم الكلام عليها مفصلا في آل عمران، ومن قرية تمييز كأين وهي في محل رفع مبتدأ وجملة عتت أي أعرضت خبر وعن أمر ربها متعلقان بعتت ورسله عطف على ربها (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) الفاء عاطفة وحاسبناها فعل ماض وفاعل ومفعول به وحسابا مفعول مطلق وشديدا نعت، وعذبناها عطف على حاسبناها وعذابا مفعول مطلق ونكرا نعت وهي بضم الكاف وسكونها وهما قراءتان أي شنيعا قبيحا جاوز الحد (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) الفاء عاطفة وذاقت فعل ماض والتاء تاء التأنيث الساكنة والفاعل مستتر يعود على قرية ووبال أمرها مفعول به وكان فعل ماض ناقص وعاقبة أمرها اسمها وخسرا خبرها (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ)
الجملة مفسّرة لما تقدم تأكيدا للوعيد، وأعدّ الله فعل ماض وفاعل ولهم متعلقان بأعدّ وعذابا مفعول به وشديدا نعت والفاء الفصيحة أي
١- منصوب بالمصدر المنوّن قبله وهو ذكرا كما عمل «أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما» وكما قال الشاعر:
بضرب السيوف رؤوس قوم | أزلنا هامهنّ عن المقيل |
٢- بدل من ذكرا وجعل نفس الذكر مبالغة، وإليه جنح الزمخشري.
٣- بدل من ذكرا على حذف مضاف من الأول تقديره ذا ذكر رسولا.
٤- مفعول به لفعل محذوف أي أرسل رسولا لدلالة ما تقدم عليه.
٥- أن يكون مفعولا به لفعل محذوف على طريقة الإغراء أي اتبعوا والزموا رسولا هذه صفته.
وجملة يتلو عليكم في محل نصب صفة وعليكم متعلقان بيتلو وآيات الله مفعول به ومبينات حال.
(لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) اللام للتعليل ويخرج فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بيتلو، والذين مفعول به وما بعده صلة ومن الظلمات
البلاغة:
١- في قوله «وكأين من قرية عتت عن أمر ربها» مجاز مرسل
٢- وفي قوله «ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور» استعارتان تصريحيتان شبّه الكفر بالظلمات ثم حذف المشبّه وأبقى المشبّه به وشبّه الإيمان بالنور وحذف المشبّه وأبقى المشبّه به أيضا.