فإن قيل: ما معنى طلب الهداية وهم مهتدون؟ أجيب: بأنهم طلبوا زيادة ما منحوه من الهدى والثبات عليه كقوله تعالى: ﴿والذين اهتدوا زادهم هدى﴾ (محمد، ١٧) والصراط من قلب السين صاداً ليطابق الطاء في الإطباق وقد تشمّ الصاد صوت الزاي ليكون أقرب إلى المبدل منه، قرأ حمزة الصراط المعرف في هذه السورة بالإشمام وهو أن ينطق القارىء بحرف متولد بين الصاد والزاي، وأشمّ خلف صراط الثاني كالأوّل وكذا جميع ما في القرآن من معرف ومنكر، وقرأ قنبل جميع ما في القرآن بالسين، وقرأ الباقون بالصاد الخالصة في الجميع، وهذه لغة قريش وهي الثابتة في الإمام وهو مصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه تعالى والمستقيم المستوي، والمراد به طريق الحق، وقيل: ملة الاسلام، وهذان القولان مرويان عن ابن عباس وهما متحدان صدقاً وإن اختلفا مفهوماً.
﴿صراط الذين أنعمت عليهم﴾ بالهداية بدل من الأوّل بدل كل من كل والعامل فيه مقدّر على رأي الجمهور، وقيل: العامل فيه هو العامل في المبدل منه وهو ظاهر مذهب سيبويه، واختاره ابن لك.
فإن قيل: ما فائدة ذكر صراط الذين أنعمت عليهم بدلاً تابعاً؟ وهلا اقتصر عليه مع أنه المقصود بالنسبة؟ أجيب: بأنّ فائدته التوكيد والتنصيص على أنّ طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة على آكد وجه وأبلغه لأنه جعل كالتفسير والبيان له فكأنه من البين الذي لا خفاء فيه إنّ الطريق المستقيم ما يكون طريق المؤمنين وهذا هو الموافق لما خرّج ابن جرير عن ابن عباس، إن المراد بالذين أنعمت عليهم الأنبياء والملائكة والصدّيقون والشهداء ومن أطاعه وعبده وقيل: الذين أنعمت عليهم الأنبياء خاصة صلوات الله وسلامه عليهم، وقيل: أصحاب موسى وعيسى قبل التحريف والنسخ.
(١/٢٣)